موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٧

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 58503
تحميل: 2908


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58503 / تحميل: 2908
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 7

مؤلف:
العربية

المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يكفل زعزعة الكثيرين من الناس ، راحوا يروّجون له ، ويدعون إليه.

وكان من جملة من كتب عنه مادحاً ومعظماً الدكتور لويس عوض « وما أدراك من هو لويس عوض؟ » ، مع أنّهم يعلمون قبل سائر الناس أنّه كتاب مكذوب على ابن عباس ، وأنّ أحاديثه كلّها باطلة ، ولكن الكذب سرعان ما ينقلب عندهم صحيحاً إذا كان فيه ما يشوّش أفكار المسلمين ويلبس عليهم دينهم »(1) .

أقول : ونحن معه في نفي صحة النسبة ، لكنّا لا نصادقه على زعمه في ظهور حركة التأليف في أواخر العهد الأموي. ولو رجع إلى المصادر المعنيّة بذلك لوجد إختلافاً كبيراً معه ، وقد مرّت بنا رواية كتب ابن عباس التي حملها كريب مولاه فأودعها عند موسى بن عقبة ، ومعلوم أنّ ابن عباس توفي سنة 68 هـ في أيام عبد الملك بن مروان وهذا ليس من أواخر العهد الأموي! ثم ما رأيه في الصحيفة الصادقة كما يسمونها ـ هو وأصحابه ـ التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص في عهد الرسالة؟ وخلّ عنك ما صح من كتب أهل البيت عليهم السلام ولا تزال الصحيفة السجادية في متناول الأيدي.

3 ـ اللغات في القرآن ، حققه وطبعه الدكتور صلاح الدين المنجد بالقاهرة سنة 1946 م. وسيأتي الكتاب بنصه في الحلقة الثالثة.

4 ـ دعاء سرياني ، طبع في ميسور 1870 م ؛ 1897 م مع ترجمة فارسية

____________

(1) فقه السيرة / 155 ط دار الفكر.

٤١

الهند سنة 1872 م (1).

أمّا المدونات الباقية مخطوطة ، فقد ذكرها الدكتور فؤاد سزكين في « تاريخ التراث العربي »(2) ، فهي :

ـ « مسند » ، جمعه مجهول في القرن الرابع والخامس الهجري ، سيأتي الحديث عنه في الحلقة الثالثة.

ـ « غريب القرآن » بتنقيح عطاء بن أبي رباح ، كذلك الحديث عنه في الحلقة الثالثة.

ـ « خواص بعض الأدعية » ، نسخته في المكتبة الوطنية بمدريد تاريخ التراث العربي سزكين.

وسيأتي الحديث عن أثره الباقي في تقويم التفاسير المنسوبة إليه.

____________

(1) تاريخ التراث العربي د فؤاد سزكين 1 / 184 ، ط الهيئة المصرية سنة 1971 م.

(2) نفس المصدر 1 / (181) ـ 184.

٤٢

الفصل الأوّل

في معارفه القرآنية

٤٣
٤٤

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : « إنّ القرآن ذو شجون وفنون ، وظهور وبطون لا تنقضي عجائبه ، ولا تبلغ غايته ، فمن أوغل فيه برفق نجا ، ومن أوغل فيه بعُنف غوى.

أخبار وأمثال ، وحرام وحلال ، وناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وظهر وبطن ، فظهره التلاوة وبطنه التأويل ، فجالسوا به العلماء ، وجانبوا به السفهاء ، وإياكم زلّة العالم »(1) .

فهذا الأثر عنه يكشف عن سعة مداركه في معارفه القرآنية ، حيث ذكر علوم القرآن وما اشتملت عليه من المعارف التي كان متضلعاً بها فأفاض بذكرها.

وكان يقول : « القرآن كلّه إياك أعني وأسمعي يا جارة »(2) .

ولا شك في أنّه أخذ جميع ذلك من مصدر الوحي الذي كان يقول

____________

(1) الدر المنثور 2 / 6ط أفست إسلامية.

(2) مجمع البيان 7 / 465.

٤٥

له : « يا بن عباس : إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلاً.

فقال : وما الترتيل؟

قال : بينّه تبينّاً ، ولا تنثره نثر الدقل(1) ، ولا تهذّه هذّ(2) الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا يكونن هّم أحدكم آخر السورة »(3) .

ونحن سنقرأ بعض آثاره فيها ، وذلك من خلال خمسة مباحث :

المبحث الأوّل : معرفته بالتفسير.

المبحث الثاني : معرفته بالتأويل.

المبحث الثالث : معرفته بأسباب النزول.

المبحث الرابع : معرفته بالقصص القرآني.

المبحث الخامس : معرفته بوجوه الجمع بين الآيات المتشابهة الموهمة للتناقض ، ومسائل أخرى.

____________

(1) الدقل : رديء التمر ويابسه ، فهو لا يلتزق بعضه ببعض.

(2) الهذّ : سرعة القراءة.

(3) مجمع البيان 7 / 295.

٤٦

المبحث الأوّل

معرفته بالتفسير

٤٧
٤٨

ولابدّ لنا أوّلاً من معرفة معنى التفسير لغة واصطلاحاً ، ثم نرى مدى معرفة مؤسس مدارس التفسير في العالم الإسلامي في عصره بذلك العلم ، مع دقة علم ومزيد فهم في تبيان الحقائق.

يقول أهل اللغة : التفسير : مأخوذ من الفسر بمعنى الإيضاح والتبين ، ومنه قوله تعالى :( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) (1) أيّ أحسن بياناً ، كما أنّ من معانيه كشف المغطى ، وهو هو في معناه وإن إختلف لفظه في مبناه ، فعلى هذا لا نجد كبير فرق بين المعنى اللغوي وهو كما مرّ ، وبين المعنى الإصطلاحي الذي هو : العلم بما يفهم من كلام الله تعالى في كتابه المجيد ، وتبيانه للناس بما يغني ويفيد.

وتبقى أدوات التفسير كالمقدمات الموصلة إلى فهم النتائج ـ فهي لازمة للمفسّر ـ كالدلالة اللغوية في الترادف والحقيقة والمجاز ، ومعرفة اللهجات ، وتركيبة الجمل التي يفرّق فيها بين العام والخاص ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، ممّا هو ألصق بالتأويل منه بالتفسير ، وكذلك

____________

(1) الفرقان / 33.

٤٩

أسباب النزول كما سيأتي بيان ذلك.

وممّا لا ريب فيه أنّ ابن عباس كان رأساً في كلّ تلكم المعارف والأدوات والنتائج ، وحسب القارئ دليلاً أنّ فيما جاء عنه في أشهر العلوم التي سطع نجمه فيها هو تفسير القرآن وعلومه ، وهو لا زال نيّراً مادام المسلم يقرأ القرآن ويطلب تفسيره ، لأنّه الحكمة كما قاله رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى :( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) (1) قال : « المعرفة بالقرآن ».

وهذا ممّا لا شك فيه هو التفسير الصواب ، لأنّ المعرفة بالقرآن بما تشتمل عليه هاتان المفردتان مجتمعتين يعني معرفته من ناحية إعجازه ، وترتيب سوره ، وأسباب نزوله ، ومعرفة مكيّهِ ومدنيّهِ ، وحضره وسفره ، وتفسيره وتأويله ، ومعرفة محكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، وعامّه وخاصه ، وحتى وجوه قراءاته.

وهو كان يرى وجوب المعرفة ببعض أنحاء التفسير ، بما لا يعذر المرء بجهالته ، لقد كان في روايته تقسيم التفسير مصيباً وبصيراً خبيراً ، حيث قال مرفوعاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم : « أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسّره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلاّ الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب »(2) . وقد

____________

(1) البقرة / 269.

(2) التبيان 1 / 7 ، الإتقان 2 / 4.

٥٠

روي عنه ذلك أيضاً موقوفاً ، ثم قال : « نؤمن بالمحكم وندين به ، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به ، وهو من عند الله كلّه » (1).

ولمّا كانت المعرفة بالقرآن التي هي الحكمة كما فسرّها ابن عباس :( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) (2) ، وفي القرآن تبيان كلّ شيء ، قال تعالى :( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (3) ، وقال تعالى :( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (4) ، ففيه مكارم الأخلاق ، وفيه أصول العلوم ، وفيه جواهر البلاغة ، فنرى أصحاب علم الكلام حجتهم من القرآن ، وأصحاب علم الفقه جلّ مآخذهم منه ، وكذلك علم الحديث واللغة.

وكان ابن عباس في جميع هذا الشأن ابن بجدتها ، حفظ المحكم فوعاه وهو ابن عشر سنين ، وبرع في علوم القرآن حتى اختص بلقب « ترجمان القرآن » ولم يحظ بهذا اللقب أحد غيره ، كما أنّه احتل مكان الصدارة عند المفسرين بعد ابن عمه عليه السلام ، فقالوا عنه : « رئيس المفسرين ».

قال السيوطي في « الإتقان » : « اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن الزبير ».

____________

(1) الإتقان 2 / 4.

(2) البقرة / 269.

(3) النحل / 89.

(4) الأنعام / 31.

٥١

ثم قال : « أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب ، والرواية عن الثلاثة ندرة ـ نزرة ـ جدّاً ، وكان السبب في ذلك تقدّم وفاتهم ، كما أنّ ذلك هو السبب في قلّة رواية أبي بكر رضي الله عنه للحديث ، ولا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جداً لا تكاد تجاوز العشرة »(1) .

أقول : فمن كانت روايته محدودة بهذه الندرة ، والنزرة ، فمن أين إذن جاءته الشهرة؟ وهي لا تأتي إعتباطاً!

ثم قال السيوطي : « وأمّا عليّ فروي عنه الكثير ، وقد روى معمّر عن وهب ابن عبد الله عن أبي الطفيل قال : شهدت عليّاً يخطب وهو يقول : « سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل »(2) .

وزاد البلوي في روايته : « ولو شئت أوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب »(3) .

ولا غرابة في ذلك بعدما حدّث عنه تلميذه البارّ الأمين ابن عباس ، فقال : « قال لي عليّ رضي الله عنه : يا بن عباس إذا صليت العشاء الآخرة فالحق إلى الجبّانة ، قال : فصلّيت ولحقته ـ وكانت ليلة مقمرة ـ قال : فقال لي : ما تفسير الألف؟ من الحمد قلت : لا أعلم ، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : ثم قال : ما تفسير اللام من الحمد؟ قلت : لا أعلم ، فتكلم فيها ساعة تامة ، ثم قال : ما تفسير الحاء من الحمد؟ قال : قلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، ثم قال : ما تفسير

____________

(1) الإتقان 2 / 187 ط حجازي بمصر.

(2) نفس المصدر.

(3) ألف باء للبلوي 1 / 222.

٥٢

الميم من الحمد؟ قال : قلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : فما تفسير الدال من الحمد؟ قال : قلت : لا أدري ، فتكلم فيها إلى أن برق عمود الفجر ، قال : وقال لي : قم يا بن عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك ، فقمت وقد وعيت ما قال ، ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم عليّ كالقرارة في المثعنجر ».

قال : القرارة : الغدير الصغير ، والمثعنجر : البحر.

وقال ابن عباس رضي الله عنه : « علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الله ، وعلم عليّ رضي الله عنه من علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلمي من علم عليّ ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر ».

ثم قال البلوي : « أنظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والفهوم »(1) .

وأخرج أبو نعيم في « الحلية » عن ابن مسعود ، قال : « إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن »(2) .

قال الزركشي في كتابه « البرهان » : « وصدور المفسرين من الصحابة عليّ ثم ابن عباس ، إلاّ أنّ ابن عباس كان قد أخذ عن عليّ »(3) .

وقال أيضاً : « كان لعليّ فيه ـ التفسير ـ اليد السابقة قبل ابن عباس ، وهو القائل : « لو أردت أن أملي وقر بعير عن الفاتحة لفعلت »(4) .

ولم يكن الزركشي والسيوطي وحدهما في هذا الرأي ، بل هو موضع إتفاق بين المفسرين ، فابن عطية « ت546 هـ » أيضاً قال في مقدمة تفسيره

____________

(1) ألف باء للبلوي 1 / 222.

(2) حلية الأولياء 1 / 65 ط مطبعة السعادة مصر.

(3) البرهان 2 / 157.

(4) البرهان 1 / 8.

٥٣

« الجامع المحرر » كلاماً في هذا المعنى ننقله بطوله ، قال :

« فأمّا صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويتلوه عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، وهو تجرّد للأمر وكمّله ، وتتبعه وتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما ، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن عليّ بن أبي طالب.

وقال ابن عباس : « ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب ».

وكان عليّ بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ، ويحض على الأخذ عنه.

وكان عبد الله بن مسعود يقول : « نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس » ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اللهم فقهه في الدين » ، وحسبك بهذه الدعوة.

وقال عنه عليّ بن أبي طالب : « ابن عباس كأنّما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ».

ويتلوه ـ أي ابن عباس ـ عبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكلّ ما أُخذ عن الصحابة فممن تقدّم « فحسن متقدم »(1) ، انتهى كلام ابن عطية.

____________

(1) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 1 / 41 ، مقدمتان في علوم القرآن / (263) ـ 264 ط السنة المحمدية 1954 م.

٥٤

وهو أكثر دقة من السيوطي وأمثاله ممن حشر أسماء الخلفاء الثلاثة مع المشهورين من المفسرين ، ولسنا في مقام تجريدهم من معارفهم القرآنية ، ولا إبعادهم عن حقل التفسير إبعاداً كلّياً ، فحسب أوّلهم أبو بكر حين سئل عن معنى الأب في قوله تعالى :( وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ) (1) ؟ فقال : « أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلّني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم »(2) .

وكذلك كان مثله في هذا عمر بن الخطاب فيما رواه أنس : « أنّ عمر بن الخطاب قرأ على المنبر( وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ) (3) ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه ، فقال : إنّ هذا لهو التكلف يا عمر »(4) .

وليس هذا بعار على من لم يعرف شيئاً أن يقول لا أعلم ، فإنّ ابن عباس كان يقول : « إذا ترك العالم قول لا أدري أصيبت مقاتله »(5) .

أمّا عن ثالث الخلفاء فلم أقف له على شيء يذكر!

فذكرهم ضمن مشهوري المفسرين من الصحابة كما عند السيوطي قول جزاف ، مبعثه رواسب الحكم الخليفي.

ويبقى حديثنا عن ابن عباس ، فهو المصلي بعد أستاذه وابن عمه الإمام عليه السلام حيث كان هو المجلّي ، لذلك كانت آراؤه في التفسير تلقى قبولاً

____________

(1) عبس / 30.

(2) الإتقان 1 / 115 ، نقلاً عن أبي عبيد في الفضائل.

(3) عبس / 30.

(4) الإتقان 1 / 115.

(5) البيان والتبيين 1 / 398 و 2 / 90 تحقيق هارون ، وعيون الأخبار 2 / 125 ط دار الكتب بمصر ، ومنية المريد للشهيد / 116.

٥٥

عند الصحابة وترجيحاً عند المفسرين من عهده وحتى اليوم ، لما له من الأفضلية ، والشواهد على ذلك كثيرة ، وسيأتي بعضها.

وقد عرفنا سابقاً ينابيع معارفه القرآنية وغيرها في بداية تاريخه العلمي في الجزء الأوّل من هذه الحلقة ، وعرفناها لاحقاً بخصوص علوم القرآن وأنّها نبع عين صافية ، لا يخفي صاحبها على واردها من خافية ، حين يدعوه في ليلة مقمرة إلى الجبانة فيفسّر له كلمة « الحمد » من أوّل الليل بعد العشاء حتى مطلع الفجر ، ثم هو الوارد الواحد المستفيد ، يقولها بصراحة لا لبس فيها ولا غموض : « ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب ».

وقد مرّت الإشارة في مناقشة ما قيل في أخذه عن عمر ، وابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وآخرين من أهل الكتاب ، حشرت أسماؤهم في كتب السير والتفسير ، وكانت تلك المناقشات بنحو الإختصار في ذكر بعضهم ، وأحلت البيان إلى ما بعد ذلك.

وفاتني ذكر تابعيّ ورد أسمه في تلقي ابن عباس منه تفسير القرآن ، وأحسب تلك المعلومة حقيقة مغيّبة ، لا يعرفها كثير من القرّاء ، إن لم يكن كلّهم ، وتلك هي تلقّيه التفسير من ميثم التمّار التابعي « الشهيد سنة 60 هـ على يد العتلّ الزنيم ابن مرجانة ».

وأحسب أنّ كثيراً من القراء لا يعرف مَن هو ميثم التمار؟ إذ لم يشهر أسمه بين المفسّرين ، بل لم يرد ذكره في طبقاتهم وتفاسيرهم ممّا يرفع علامة التعجب في أخذ ابن عباس « صدر المفسرين » من هذا التابعي الجليل دون ذكره ضمن قائمة شيوخه وقد مرّت.

إذن علينا أن نلم سراعاً بتاريخ ميثم بداية ونهاية ، ليزول العجب عند معرفة السبب ، فنقول :

٥٦

ابن عباس كتب عن ميثم في التفسير

إنّ ميثم التمّار كان عبداً لامرأة من بني أسد ، اشتراه أمير المؤمنينعليه السلام منها ، فأعتقه ، وتولى تربيته وتهذيبه ، حتى كان أثيراً عنده ، وقد أطلعه على بعض أخبار الملاحم ممّا عهد به إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان ممّا أخبره به ما سيجري عليه في نهاية حياته ، وقد وجده أهلاً لما حمّله من أسراره.

روى الكشي في « معرفة الرجال » حديثه نقلاً عن ابنه يحيى بن ميثم ، عنه ، قال : « لمّا خرج إلى العمرة فأتى أم سلمة رضي الله عنها ـ وذكر ما جرى بينهما من كلام ـ ثم قال : فخرجت فإذا ابن عباس رحمة الله عليهما جالس ، فقلت : يابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن ، فإنّي قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام وعلّمني تأويله ، فقال : ياجارية هاتي الدواة والقرطاس ، فأقبل يكتب ، فقلت : يا بن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوباً تاسع تسعة ، أقصرهم خشبة ، وأقربهم إلى المطهرة؟ فقال لي : أتكهّن ، أيضاً خرّق الكتاب ، فقلت مه احتفظ بما سمعت مني ، فإن يك ما أقول لك حقاً أمسكته ، وإن يك باطلاً خرّقته ، قال : هو ذلك »(1) .

هذا هو الخبر الذي هو مثار العجب من حيث أخذ ابن عباس بعض التفسير عن ميثم! ويبقى السؤال عن الكمّ والكيف وهل أبقى ابن عباس ما

____________

(1) إختيار معرفة الرجال / 81 تحقيق المصطفوي ، معجم رجال الحديث 19 / 117 ط الاداب في النجف الاشرف سنة 1395 هـ.

٥٧

كتبه بعدما همّ بتخريقه أوّلاً أم لا؟

كلّ ذلك لا جواب عليه ، لعدم ذكره في أخبار ابن عباس التي ملأت المصادر قديماً وحديثاً ، وكثير منها معنيّ بمعارفه القرآنية لتبرزه في التفسير حتى دعي بترجمان القرآن وصدر المفسرين ، وهذا ما يثير الشك في صحة الخبر؟ ويبقى خبر الكشي من دون شاهد يقوّيه ، مضافاً إلى الخدشة في راويه ، فإنّ أحد رجال السند فيه اسمه عبد الله بن خداش المهري ، قال فيه الشيخ النجاشي : « ضعيف جداً ، في مذهبه ارتفاع »(1) ، فالخبر ساقط بالمرّة ، وإن حاول بعض أصحاب المقاتل إعتماده وليس بشيء(2) .

هل كان عمر أستاذ ابن عباس في التفسير وغيره؟

مقولة اعتمدها البعض وجعلها أساساً في بحثه ، وأقام عليها هرماً من الوهم! فمن أين جاءوا بها؟ مَن ذكروها في مقدمات كتبهم حول تفسير ابن عباس؟

إنّها مرسلة معمّر ، قال : « عامّة علم ابن عباس من ثلاثة : عمر وعليّ وأبيّ بن كعب » ، رواها ابن كثير(3) .

والبحث حول صحة هذا الزعم من معمّر وعدمه ، ينبثق منه :

____________

(1) رجال النجاشي / 158 ط بمبي 1317 هـ.

(2) مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم / 195 في الهامش ط الآداب 1973 م.

(3) البداية والنهاية 8 / 298.

٥٨

أوّلاً السؤال : هل أخذ ابن عباس عامّة العلم عن هؤلاء الثلاثة؟

والجواب : يصح تماماً في ثلث الرجال المذكورين في السؤال ، ويصح جزئياً في الثلث الثاني ، ولا يصح في الثلث الثالث.

ومعنى صحته تماماً هو في أخذه عن عليّعليه السلام وقد مرّ مكرراً تأكيد ذلك. ومعنى صحته جزئياً هو في أخذه عن أبيّ بن كعب ، لورود بعض الشواهد في التفسير على ذلك. ومعنى عدم صحته في الثلث الباقي هو أخذه عن عمر بما تصح معه نسبة الأخذ عنه ، لا يعني سماعه الحديث الواحد منه بل ولا العشرة.

فعلينا قبل أن نحرّر السؤال ثم نتلمّس الجواب.

فنقول : إنّ عامة علم ابن عباس كما مرّ يشمل عدّة فروع : منها في التفسير ، ومنها في الحديث ، ومنها في الفقه وفي الشعر والأنساب وأيام العرب ، وغير ذلك من فنون المعرفة.

ولمّا كان بعض الباحثين اعتمد مرسلة معمّر في دراسته عن تفسير ابن عباس ، ممّا يعني ذلك أخذه في التفسير عنه ، وهذا هو الذي ينبغي لنا صياغة السؤال بموجبه على الشكل التالي : هل أخذ ابن عباس في التفسير عن عمر ، عن عليّعليه السلام ، عن أبيّ بن كعب إلى أخره؟

فإلى تفكيك مرسلة معمّر على النحو التالي :

٥٩

هل صح أنّ عليّاًً عليه السلام أستاذ ابن عباس في التفسير وغيره؟

الجواب : نعم.

لقد مرّت بنا كلمة ابن عباس : « ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ ابن أبي طالب »(1) .

وقوله : « علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الله ، وعلم عليّ من علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلمي من علم عليّ ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر »(2) .

ولهذا قلت : يصح تماماً قول معمّر في ثلث الرجال الذين ذكرهم!

هل صح أنّ أبيّ بن كعب كان استاذ ابن عباس في التفسير وغيره؟

الجواب : يصح في الجملة.

فابن عباس كان قد سمع من أبيّ بن كعب بعض قراءاته التي اختصّ بها ، وربما كان يقرأ بها فسمعها منه عمر فأنكرها.

فقد أخرج الحاكم في « المستدرك » بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : « بينما أنا

____________

(1) مناهل العرفان 2 / 486 ، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 1 / 41 ، وقد مر سابقاً فراجع.

(2) الف باء البلوي 1 / 222.

٦٠