وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 64968
تحميل: 3521

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64968 / تحميل: 3521
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من واقعها الجديد كداعية إلى الإِسلام تؤكد «سلوى حسين» (الإسم الجديد لـ «فيلما») بعدما هاجرت إلى القاهرة لتمارس دورها التبليغي في مجتمع مسلم، إن مشكلة المسلمين اليوم هي في التناقض بين القول والسلوك وأخذ كل ما يوافق الهوى فقط من الإِسلام، مؤكدة في الوقت ذاته أن الغرب يكره الإِسلام ويحاول تشويهه بكل الصور، وأن تعدد الزوجات شرع الله، وشرع الله كله رحمة، ولا ضمان لسلامة المجتمع، ولا راحة للمرأة إلا به، لكن مشكلة بعض المسلمات أنهن يعشن بشكل إسلامي ويفكرن بعقل غربي! وفي البداية روت سلوى حكايتها قائلة:

«كنت أعيش في ضاحية «جيلونج» في أستراليا وأنتمي مع عائلتي إلى كنيسة «المورمن» ذات التوجهات الصهيونية الماسونية، وكان أفراد أسرتي يحرصون على الذهاب إلى الكنيسة ويعملون في خدمتها، وظللت أشارك في التبشير لمدة 15 عاماً كنت خلالها أجوب الشوارع وأطرق الأبواب لأحدث الناس عن النصرانية من خلال مذهب «المورمن» الذي أعتنقه، وأقول لهم «أن عيسى ابن الله وأنه مات لمغفرة خطاياكم»، وكانت الكنيسة تتبنى مجموعة من الأفكار المنحازة لليهود والمتعصبة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب السوداء، حتى أن السود هناك ممنوعون من ولاية أية أمور كنسية، أما الفلسطينيون فموصوفون دوماً بأنهم وحوش بربرية تستحق ما جرى لها!

وتضيف: وإزاء هذه الأفكار الظالمة كانت هناك حوارات عنيفة تثور بداخلي، وأذكر وأنا صغيرة أنني استنكرتُ احتفالات الكنيسة بهزيمة 1967م للعرب وقلت لهم كيف تحتفلون بقتل النساء والأطفال، ودعوت الله بدون وساطة يسوع بأن يهديني إلى الحق.

كيف كانت بداية تحولك إلى الإِسلام؟

كان هناك كثير من الرؤى قد استقرت في عقلي ووجداني للتشكيك فيما أنا وهؤلاء البشر عليه من استغلال للإنسان المخالف لهم في اللون والعقيدة في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة. ثم كيف يكون لله ابن؟ لماذا نتحمَّل خطيئة أبينا آدم؟ ولماذا تحتاج ذنوبنا إلى من يكفِّرها وذلك بأن يرسل الله «ابنه» ليفتدي البشر. ولماذا يتميز الأبيض على الأسود؟ ولماذا هذه التوجهات العنصرية ضد الفلسطينيين وهم الذين سُلِبت أراضيهم وشُرِّدوا، وتعجبت مما في العهد القديم من مغالطات خاصة الادعاء بأن قابيل قتل هابيل بسبب لونه الأسود، وبالتالي يجب على السود أن يدفعوا ثمن خطيئة قابيل مدى الحياة!

١٠١

عندما سمعت معاني سورة «مريم» بالإنكليزية لم أتمالك نفسي فانفجرت بالبكاء وكيف بدأت معرفتك بالإِسلام؟

حدث هذا أثناء إحدى جولاتي التنصيرية، إذ ذهبت إلى إحدى الأسر الفلسطينية المسلمة المقيمة في أستراليا متحدثة إليهم عن النصرانية، فإذا بهم يقرأون عليّ معاني سورة «مريم» بالإنكليزية فلم أتمالك نفسي وانتابتني نوبة من البكاء الشديد، ومنذ تلك اللحظة استقرَّ الإِسلام في قلبي، فتوجهتُ إلى الكنيسة وأعلنتُ فيها إسلامي، فقاطعني أهلي نحو عامين، إلا أنني لم آبه لذلك وانقطعتُ لدراسة الإِسلام والقرآن خمس سنوات، والتحقتُ بالجامعة لأؤكد لنفسي حسن اختياري، ثم درستُ العقائد المخالفة وعندما قررتُ إعلان الشهادة ذهبتُ إلى مركز إسلامي يبعد 80 كيلومتراً، وهناك تعلّمتُ كيف أؤدي فرائض الإِسلام وارتديتُ الزي الإِسلامي وبدأتُ رحلة في دراسة العلوم الشرعية، ثم تفرّغتُ للعمل التبليغي، داعية إلى الإِسلام.

ما هي أولوياتك للدعوة إلى الإِسلام ورؤيتك للمشكلات التي تواجه المجتمعات الإِسلامية حالياً؟

فتجيب قائلة: المسلمون بحاجة الآن إلى من يأخذ بأيديهم ويردّهم رداً جميلاً إلى الإِسلام الصحيح بحيث يلتزمونه قولاً وسلوكاً، إذ أنهم يأخذون أحياناً من الشريعة ما يوافق أهواءهم ويتركون ما لا يتفق مع هذه الأهواء، مع أن الشرع كله جاء لمصلحة العباد وأنه يجب على المسلم أن يلتزم الإِسلام كاملاً غير منقوص ويعيش معه بقلبه وعقله.

وما هو رأيك في موقف المرأة المسلمة في وقتنا المعاصر من الحياة الزوجية؟

تعتقد بعض المسلمات أن الزواج هو نهاية العطاء والفاعلية الإِسلامية وأن علاقتها بالرجل علاقة «تملُّك» وليس «مشاركة» مع أننا جميعاً ملك لله، ومن ثم يجب على الزوجة أن تساعد زوجها على الإيمان والطاعة وأن تتعاون معه على البر والتقوى، وأن يكون هدفها هو الآخرة، وأن تعينه على الحياة وألا تكون عبئاً عليه.

١٠٢

أما الرجل فيجب عليه هو أيضاً ألا يرهق زوجته وأن يعينها على حسن صحبته وتربية أبنائه لكي تكون المودة والتراحم والثقة المتبادلة هي محور الحياة الزوجية. مسلمات أخريات يعتقدن أن الزواج هو بداية الترف والسعادة الدنيوية متناسيات أن يهيئن أنفسهن كزوجات للعطاء أو لكي تكون بحق سكناً للزوج ومدرسة للأسرة، وبعض الزوجات يعشن أيضاً بشكل إسلامي ويفكرن بعقل غربي من جراء الغزو الإعلامي، وهنا يجب على المرأة المسلمة أن تقرأ عن دينها كثيراً لكي تعرف دورها بحق.

وأخيراً ما هو رأيك فيما يثيره الغرب حول تعدد الزوجات الذي أباحه الإِسلام؟

الغرب يكره الإِسلام ويحاول بطرق شتى من خلال الصهيونية العالمية وتعصبه الديني تشويهه، وأما التعدد فإنه شرع الله الذي لا نقاش فيه وهو رحمة للنساء من قِبَل الرجال.. لأن الرجل هو الذي يجد صعوبة في التعامل مع طبائع عدة نساء، بل ومطلوب منه الإنفاق والعدل، أما المرأة فتظل مطمئنة وليس عليها مسؤوليات سوى طاعة زوجها.

ولا يجب أن نقف كثيراً عند مسألة «الغيرة» هكذا تقول سلوى حسين لأن المرأة المسلمة لها أولويات واهتمامات كبرى أبرزها أن تلتزم مسؤولياتها تجاه ربّها وزوجها وأختها في الله وهناك تؤكد أحدث الإحصائيات - تضيف سلوى - أن أعداد النساء تفوق أعداد الرجال في كثير من البلدان، ومن ثم فإن التعدد يعتبر الحل الوحيد لسلامة المجتمع الإِسلامي واستقراره ولراحة المرأة قبل الرجل على جميع المستويات.

١٠٣

الأخت الدانماركية كارين (كريمة):

وصيفتي التي أسرّت إسلامها، والقرآن الكريم شدّاني إلى الإِسلام

كل يوم تجتذب أنوار الإِسلام الهادية أفراداً وجماعات، تشدّهم من كل أقطار الأرض ومن كل الأجناس والمستويات الثقافية والاجتماعية.. تشرق على عقولهم وقلوبهم، فتزيل منها ظلام الشرك والجهل وتضيئها بنور الهدى والحق.. وينضم إلى قافلة الإيمان أشخاص ما كنّا نظنهم يوماً أنهم لاحقون بها.. وسرعان ما يصبح هؤلاء من أكثر المسلمين حماساً لمعرفة الدين، وأكثرهم نشاطاً في نشر هداه.. ويصبحون بالتالي حجة دامغة على كل المتساقطين والخانعين ممن لامستهم نعمة الإيمان بالوراثة ولكن عقولهم وقلوبهم انغلقت دونها..

.. وهنا قصة أخرى مثيرة للإعجاب والاحترام لامرأة دانماركية مثقفة من أسرة عريقة كتبها أحمد أحمد من القاهرة ونشرتها جريدة «المسلمون» ونعيد هنا نشرها للفائدة.

الإِسلام يملك كل العادات الطيبة التي لو سلكها الإنسان لعاش حياة نظيفة خالية من كل أمراض النفس والبدن

هي الدانماركية «كارين جونتر» المولودة عام 1946م، لأسرة عريقة، ثرية، شبّت، كما يقولون، وفي فمها ملعقة من ذهب، وتعلمت في أرقى المدارس التي يلتحق بها الأمراء والأميرات، وكانت تعامل الناس بروح طيبة برغم تحذيرات وتنبيهات أبويها، إلّا أنها كما تقول: «كنت أجد نفسي، وراحتي مع البسطاء والفقراء، وكان عطفي عليهم كبيراً، ولم يستطع أحد أن يغيّر من طبيعتي، فقد كانت سعادة الدنيا كلها تتراءى لي وأنا أمسح جرح وألم البسطاء من الناس، ولم يأتِ ذلك من فراغ، فقد كانت لي وصيفة، اكتشفتُ أنها على خُلُق عالٍ فإذا بها تدين بالإِسلام في سرية تامة، ووعدتها بأن أتكتم على سرّها وإسلامها، ورحت أقلّدها ذات مرة في حركات الصلاة، وكانت ابتسامتها الجميلة تضيء وجهها في سعادة وإشراقة وبهجة ما رأيتها عليها قبل ذلك. ولما طلبت منها أن تحدثني عن الإِسلام، راحت تقصّ عليّ حياة رسول الإِسلام، في حبّ شديد وعشق متميز، وكانت تبكي كثيراً وتتحدث من خلال دموعها، عن الصعاب التي لاقاها رسول الله، من أقرب الناس إليه، وهو مصمم على أن يتمّ الرسالة بعد أن حملها أمانة من خالقه وخالق الكون كله.

١٠٤

وكثيراً ما كنت أخلو بوصيفتي لساعاتٍ طويلة في غرفة مكتبي في قصرنا الكبير، حيث الجناح الخاص بي، لنقرأ معاً عن الإِسلام ورسوله، وكانت سعادتي لا توصف، وأنا أقرأ وأعرف عن الإِسلام، ما لم أكن أعرفه من أعظم الصفات وأجل العادات، وأكرم السلوكيات للإنسان في حياة مليئة بالماديات المسيطرة على العقول والقلوب.

وتقول «كارين»: أسرّت لي وصيفتي ذات جلسة بأنها تتمنى أن تتزوج مسلماً، وتؤدي معه فريضة الحج، وتزور مصر، لتتعلم هناك اللغة العربية، وتعرف عن الإِسلام أكثر، لأن الإِسلام باللغة العربية التي نزل بها كتابه يعطي الإنسان مفاتيح كثيرة للتعرف على دين الله الخاتم.

البعض الذي حضر إعلان إسلامي تعرّف على الإِسلام ورسوله، وكثير منهم دخل الإِسلام

وأسرعتُ في طلب معلِّم يعلمني اللغة العربية ومعي وصيفتي، لنعرف معاً الإِسلام أكثر، ولم يَعجَب والداي من طلبي بل لبياه على وجه السرعة. واستغرق تعلمنا اللغة العربية وقتاً طويلاً، لأني كنت أدرس التاريخ والآداب في الجامعة، وما إن أنهيت دراستي، حتى أتقنت أنا ووصيفتي - أو صديقتي أو أختي - كما يحلو لي أن أناديها حالياً، أتقنتُ أنا وأختي اللغة العربية قراءة وكتابة وتحدثاً، لأني وأختي كنا نتحادث بها في فخر أمام أسرتي وأصدقائي، لدرجة أن كثيرين حاولوا تعلم اللغة العربية ليعرفوا ماذا نقول وفيم نتحدث بها؟

وكان الإِسلام باللغة العربية أشدّ وضوحاً وأكثر فهماً، فقد قرأتُ القرآن الكريم وتفسيره، وفهمت وعرفت أن القرآن هو الكتاب الذي بدأ نزوله بالعلم والمعرفة، لأن الخالق خاطب رسوله الكريم قائلاً:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّکَ الأکْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ یَعْلَمْ ﴿5﴾ ﴾ [العلق: 1 -5].

إنها كلمات تحثّ على التعلّم والمعرفة والتعرّف على العالم بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات ليمحو المتعلم السلبيات وينمي الإيجابيات ويبحث عنها ليقدمها إلى الناس الذين لا يعرفون.

١٠٥

وانطلاقاً من التعلّم والمعرفة، عرضتُ إسلامي على الناس، في حفل أقامه والداي في القصر ذات مساء ومعي أختي - وصيفتي - وقد كانت مفاجأة للجميع أن أعلنتُ أن الله واحد لا شريك له، وأنه خالق السماوات والأرض وما بينهما دون شريك له في الخلق، وأن الله الواحد، لم يلد، ولم يولد، وليس له نظير في أي شيء مخلوق بين الأرض والسماء، وعلى الأرض، وفي البحار والمحيطات، وأعلنتُ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، خاتم الأنبياء، وإمامهم الذي اختاره الله واصطفاه ليكون دينه الإِسلامي العظيم مبلغاً على يديه إلى الناس جميعاً.

وتضايق أبواي من إسلامي، ولكنهما لم يملكا أمام إسلامي وإصراري عليه إلا الاستسلام لرغبتي، ربما تكون نزوة وأعدل عنها، وبالفعل دفعا إلى زميلاتي وزملائي، في محاولات يائسة خاسرة من جانبهم لأعود إلى ما هم عليه، لكن إسلامي كان قوياً وما زال يزداد قوة مع الأيام.

ولكن بعض الذين حضروا إعلان إسلامي تعرّف على الإسلام ورسوله، وكثيرٌ منهم دخل الإسلام وهو راضٍ عن نفسه، سعيد بتحوّله إلى هذا الدين العظيم، لأن الإِسلام يملك كل العادات الطيبة التي لو سلكها الإنسان لعاش حياة نظيفة خالية من كل أمراض النفس والبدن، ويجب أن يستيقظ الناس من غفلتهم ويتعرفوا على الدين الخاتم ويعرفوا سيرة رسوله العظيم (ص) الذي أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، لينهلوا من سيرته الخلق الحميد، الذي كان سلوك الرسول الأعظم منذ أن عرف كيف يمشي ويتحرك ويتكلم، فهذا الرسول الأعظم (ص) لم يرتكب في حياته إثماً يُحسَب عليه، فقد أعطت حياته وسيرته التي ما زالت مستمرة، عطاء لا ينضب من الكمال في كل ما يهمّ الإنسان السوي، ومن يقرأ سيرته العظيمة ومسيرة الدعوة في عصره منذ أن جهر بها على الناس، يجد أن محمداً (ص) كان مثالاً ومثلاً في الجهاد في سبيل ترسيخ قواعد الإِسلام وإعلاء رايته لتظل خفاقة إلى أن تقوم الساعة.

١٠٦

الذين لا يسعون لتعريف الناس بالإسلام عليهم إثم كبير.

وإني لأعجب من المسلمين الذين يدينون بهذا الدين العظيم ولا يتخذون رسول الله (ص) قدوة في ترسيخ الدعوة إلى دين الله الخاتم، بالسلوك الإِسلامي الحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة التي لو حدثت، فستؤتي ثمارها مسلمين جدد، ينضوون تحت لواء الإِسلام، وهنا يضرب المسلمون الوثنية التي يعيشها الناس ونحن في نهاية القرن العشرين، حيث تفشت الجاهلية، بوثنية وعبادة جديدة تحمل أسماء التطور والتقدم والتجديد وما شابه ذلك من مسميات جعلها الناس عبادة لهم. ومع الأسف نجد المسلمين اليوم يقفون أمام كل هذا دون أن يفعلوا شيئاً، وهذا ما نأخذه عليهم. وأقول إنني لست ضد التطور والتقدم والتجديد، لكنني لا أنصبهم آلهة جدداً، والله الواحد دعانا إلى القراءة والتعلّم والتعرّف، وقد تحدث القرآن عن كل العلوم الحديثة في نهاية القرن العشرين في سوره وآياته وتنبّأ بمستقبل الناس في كل زمان ومكان، بمعنى أن العلم الحديث هو تفسير واقعي لما جاء في القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرناً من الزمان.

وتقول «كارين جونتر»: «إن الله الواحد (سبحانه وتعالى) لم يخلق الدنيا عبثاً ولا خلق عقل الإنسان إلّا ليفكر وينقل الإنسان من أجواء المادة إلى آفاق الروح المرتبطة بالتفكير في خلق الله وهدايتهم إلى الطريق السوي. واستخدام العلم الحديث في تطويع النفس وهدايتها إلى حياة لا يخلو من الاعتراف بأن الله واحد وأنه جلّت قدرته، أعطى العقل للإنسان كي يؤكد في كل مكتشفاته أن هناك إلهاً واحداً لا شريك له، هو الذي خلق هذا العقل وجعله يعمل ليصل إلى ما وصل إليه، وعلى المسلمين أن يجدوا الطريق إلى تأكيد ذلك ليترسخ في عقولهم وعقول الآخرين وإن أنكروا انطبق عليهم قوله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْ‌جَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]،﴿ یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَیَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ ﴿32﴾ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ﴿33﴾ ﴾ [سورة التوبة 32 - 33].

١٠٧

وحديث رسول الله (ص) واضح وصريح إذ يقول:«الناس نيام حتى إذا ماتوا انتبهوا» .

والذين يتمادون في غيّهم ولا يعرفون الإِسلام، عليهم إثم عدم المعرفة.

أمّا الذين لا يسعون لتعريف الناس بالإِسلام، فعليهم إثم أكبر. وأحمد الله تعالى أن هداني إلى الإِسلام، أعمل به وأطبقه في سلوكي مع أبنائي وزوجي المسلم ومع أصدقائي من المسلمين وإخواني منهم، وأقوم بتعريف غير المسلمين به حتى لا أصير آثمة.

بقي أن تعرف أن اسمي تحوّل ليصير: «كريمة».. وأرجو أن أكون عند الله مكرّمة إن شاء الله (سبحانه وتعالى)

السيدة الإنكليزية برينس هولتن:

«لم أكن مقتنعة بما نشأتُ عليه، وشدّني الإِسلام فاعتنقته»

السيدة برينس هولتن، إنكليزية المولد، أنهت دراستها الجامعية في كندا. انتقلت بين عدّة أديان ثم اعتنقت الإِسلام قبل أكثر من عشرين سنة. وهي حالياً متزوجة من رجل مسلم وتعيش في مجتمع إسلامي.

وفيما يلي نصّ مقابلة أُجريت معها، تتحدث فيها عن ظروف إسلامها ورأيها ببعض الأوضاع الإِسلامية.

س: هل لك أن تخبرينا عن الظروف والدوافع التي قادتك نحو الإِسلام؟

ج: منذ طفولتي كنت أواظب على الحضور في الكنيسة كما هو معتاد لدى العائلات المسيحية. ثم أصبحتُ معلمة في الكنيسة، مع أن تعاليم ومحتوى الإنجيل لم يقنعاني. تركتُ الكنيسة واتجهتُ نحو أديان أخرى كالهندوسية والبوذية.. كذلك الإِسلام.

إن المشكلة في المجتمع الغربي أن أحدنا يقرأ عن الإِسلام في كتب لا تقدم المضمون الصحيح للإِسلام، يتلاعب الكتّاب بالكلمات لتشويه المعلومات. آنذاك تخليتُ عن الأديان وفي الجامعة التقيتُ بطلبة من جميع أنحاء العالم، كان البعض منهم مسلماً، فكنت أسألهم عن الإِسلام. كانت السخرية من العرب والمسلمين آنذاك في أوجها في المجلات والصحف الغربية، حيث كان الإعلام الغربي يصوّرهم على أنهم حمقى وأغبياء، وأن في إمكان يهودي واحد أن يضلل ألف عربي.

١٠٨

على كل حال كنت أحادث من يفهم الإِسلام، ويمثل المسلمين بصدق، فكانوا يقدمون لي معلومات جيدة ومعقولة، كان هؤلاء الأفراد أذكياء ويظهرون الاهتمام بأسئلتي، كانوا يزودونني بكتب حررها إنكليز مسلمون. لم أفكر في البداية أن أصبح مسلمة، لأني كنت أعلم أن عائلتي وزملائي سوف يعارضونني ويسببون لي المتاعب، لذا فقد وضعتُ تلك الكتب جانباً وأبعدتها عن متناول يدي، غير أنني لم ألبث أن أسرعتُ في العودة إليها.

اعتنقتُ الإِسلام بعد أن حصلتُ على الشهادة الجامعية، وحصلتُ على عمل في مدينة تورنتو - كندا.

لم يكن الأمر سهلاً.. كان أصدقائي يسخرون من معتقداتي الإِسلامية، غير أني كنت متسامحة وحافظتُ على علاقتي الاجتماعية بهم.

أثناء شهر رمضان لم أكن أعرف كيف أنظم أوقات السحور والفطور، وتدهورت صحتي، فسارع زملائي في العمل إلى استدعاء الطبيب، ومنذ ذلك الحين تغيّرت معاملتهم لي نحو الأفضل، فكانوا يزودوني ببعض البسكويت عند الإفطار، ولا يزال هؤلاء الطيبين أصدقاء لي.

س: وماذا عن حرية المرأة في الغرب، وحالة المرأة المسلمة في المجتمع الإِسلامي؟

ج: لقد حصلت المرأة على كثير من حقوقها في السنوات الأخيرة، وقد اقتحمت جميع حقول المعرفة. يتحدث الغرب باستمرار عن الحرية، غير أنه لا يتحدث أبداً عن الواجبات والالتزامات، لا شكّ أنه من الأفضل للمرأة أن تتعلم وتحقق مستوىً اجتماعياً جيداً، وبإمكان المرأة أن تعمل في الطب والهندسة والأعمال المناسبة.

وليست المشكلة في أن تعمل المرأة أو لا تعمل خارج البيت. المشكلة أنها قد خُدعت وضُللت واغتُصبت.

في المجتمع الرأسمالي تتسابق الشركات للحصول على أعلى الأرباح، فمن الذي يشتري بضائع هذه الشركات؟ إنه الرجل، المرأة والطفل.

١٠٩

المرأة تستهلك نقود زوجها من أجل نفسها، والشركات تشجع المرأة على شراء حاجيات تافهة، وبدورها المرأة تتابع آخر ما تقدمه دور الأزياء ومصانع التجميل وشركات السيارات... المرأة بعد ذلك تفكر أين ومع من ستقضي هذا المساء؟ وتزداد أرباح الشركات.. لا يمكن تشجيع أي شيء في الغرب إن لم يكن مربحاً... هكذا انتشر الفساد والانحراف انتشار النار في الهشيم، وتحطمت الأسرة وشُرد الأطفال..

لقد نتج هذا الوضع بسبب الحملات الإعلامية والإعلانية التي لا تفرِّق بين ما هو صالح وجيد، وبين ما هو مفسد ومضلل..

س: وما رأيك بوضع المرأة المسلمة؟

ج: أعتقد أن المرأة المسلمة تعاني في مجتمعها الإِسلامي من المصاعب حتى من هؤلاء الذين يوافقون على زيها الإِسلامي، أراهم يوافقون بصعوبة على عمل المرأة خارج البيت.

كذلك تعاني المرأة من تربية أطفالها في مجتمعات غير دينية، حيث الإعلام وأجهزة التلفاز ومناهج الدراسة تصبّ في رؤوسهم كل ما يناقض معتقداتهم الإِسلامية. لذا على المرأة المسلمة أن تكون واعية فكرياً وعلى معرفة تامة بكل ما هو حلال أو حرام، فتوجّه أطفالها وفق ذلك.

س: كيف يمكن للمرأة أن تؤدي دوراً إيجابياً في المجتمع؟

ج: بإمكان كل فرد أن يلعب دوراً إيجابياً في المجتمع، وبإمكان المرأة المسلمة أن تربي أطفالها وفق تعاليم الشريعة الإِسلامية، أمّا أنا فأحبّ مطالعة الكتب العلمية والاجتماعية، وأوّد أن أقوم بدور إيجابي في خدمة الإنسانية المعذبة، لا سيما المعوّقين.

إن المعوَّقين بحاجة كبيرة إلى المنظمات التي ترعى شؤونهم، قد لا يبدو هذا العمل منتجاً حيث لا يظهر التحسّن عادة.. غير أنه في العالم الثالث، ومع كثرة المعوَّقين بسبب الحروب الإقليمية - العدوانية، لا نجد أثراً لمثل هذه المنظمات إلا نادراً، في حين أن عدد المعوَّقين في ازدياد يوماً بعد يوم.

١١٠

قد لا يعاني المعوَّق من فقدان يد أو فقدان ساق، بل قد يعاني من اضطراب نفسي أو من رصاصة مستقرة في كبده.. يشعر المعوَّق أنه دائماً عالة على أسرته، وقد يؤدي ذلك الشعور إلى مزيد من الاضطرابات النفسية.

إن بإمكان مثل هذه المنظمات أن تساعد كثيراً في هذا المجال، ويجب علينا كمسلمين أن نفعل ما بوسعنا لمساعدة هؤلاء.

«تاتانيا فاليريفنا كريفيتش جابر» الأوكرانية:

هكذا شرح الله صدري للإِسلام وأوصلني إلى دروب السعادة الحقيقية

يشهد الإِسلام اليوم انتشاراً ملحوظاً في البلدان الأجنبية شرقاً وغرباً، وذلك مع ازدياد الوعي على مستوى الفكر والعقيدة، مع نشاط الدعاة والكتّاب والمفكّرين الملتزمين بالإِسلام. وفي هذا العدد نستعرض نموذجاً جديداً يتمثّل في إسلام امرأة أوكرانية استطاع الإِسلام أن يستنقذها من براثن الإلحاد والنظام الشيوعي، وذلك بمساعدة زوجها المهندس المسلم الذي التقاها في «كييف» عاصمة أوكرانيا. وهي تُبيّن لنا في هذه المقابلة التي أجرتها معها المجلة في منزلها الزوجي في منطقة الشياح (جنوبي بيروت) كيف صار الإِسلام بالنسبة إليها حدثاً رائعاً غيّر الكثير من معالم حياتها، وملأ نفسها بسعادة لا توصف.

س: نرجو إعطاءنا أولاً فكرة عن محيطك ونشأتك قبل اعتناقك الإِسلام؟

ج: أرحّب بكم وبمجلة «نور الإِسلام» أولاً، وأجيب على سؤالكم الكريم بأنني أدعى تاتانيا فاليريفنا كريفيتش جابر، وُلدت في أسرة ذات مستوى ثقافي جيد، فقد كان أبي يعمل مسؤولاً في مصنع لقطع السيارات، وكانت أمي تعمل محاسبة في شركة للحاسبات الإلكترونية، والدي من روسيا البيضاء ووالدتي أوكرانية وجدي يوغوسلافي، وجدتي بولونية، وقد جمعت بذلك بين أصول مختلفة، وقد وُلدت في «كييف» عاصمة أوكرانيا سنة 1970م، وأنا البنت الكبرى لعائلة من ثلاثة أولاد، وكانت علاقتي بأسرتي حميمة، وكنا نعيش كأي أسرة شرقية، تعتنق المذهب الأرثوذوكسي كدين تقليدي، حيث يذهب أكثر الناس هناك إلى الكنيسة انسجاماً فقط مع التقاليد والعادات، وليس بسبب الإيمان بتلك الشعائر والطقوس، لأن المفاهيم الماركسية كانت قد أوجدت جواً معادياً لأي عقيدة دينية!

١١١

وبموجب تلك الأنظمة التي كانت ساندة، كان يحظّر على الطلاب المسيحيين من الشبيبة الروسية أن يذهبوا إلى الكنيسة لغرض العبادة، بل كان يسمح لهم بزيارتها على اعتبار أن الكنائس هي كالمتاحف، أماكن للزيارة والاستطلاع وليست للصلاة.

س: وماذا عن المجتمع الذي نشأت فيه ونظرته للدين؟

ج: إن المجتمع الذي نشأت فيه كان مجتمعاً ماركسياً - لينينياً، تقوم النظرة فيه على دكتاتورية البروليتاريا، وكان الحزب الشيوعي يوجّه الشبيبة (الكومسومول) توجيهاً خاصاً يصنع منهم ماركسيين فيما بعد.

وقد ساد هذا الطابع وشمل كل جوانب الفكر والمجتمع حتى الفن، وكانت التربية تقوم على الإلحاد، وكنت واحدة من بين آلاف الأعضاء المنتمين إلى حركة الشبيبة (الكومسومول) وكنت أعمل على نشر المبادىء السائدة آنذاك لدى النظام قبل تعرّفي إلى الإِسلام.

وقد كانت الثقافة التعليمية في المدارس تستخدم الأيديولوجية القائمة على أساس الإلحاد، ولم أكن أعرف إلّا هذه التعاليم التي تدور حول ماركس ولينين والنظام الشيوعي الذي كان يتحتم علينا الإخلاص له. وكنا نتلقى بعض المعلومات الدينية التي تنظر إلى الدين كحركة اجتماعية مرّت وعبرت، كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي، هذه نقطة أساسية أولى. والنقطة الثانية تقوم على اعتبار أن المادة هي في المقام الأول ثم يأتي الوعي الذي هو في نظرهم، شكل من أشكال المادة.

وكانت الشبيبة الروسية تعيش في غمرة الانبهار بالإنجازات التي حققتها الشيوعية في مدى نصف قرن من عمر الثورة البولشيفية، التي حدثت سنة 1917 في بداية هذا القرن، والتي بدأت معها الدولة منذ الستينات تسير نحو الصدارة لتصبح دولة كبرى في مقابل الغرب، كان لها أثر كبير في محيطها وفي غيره.

١١٢

وهي اليوم تشهد انحساراً نتيجة لظروف موضوعية تتعلق بمصداقية المبادئ التي قامت عليها، والتي ثبت أنها لم تكن إلا شعارات مؤقتة وزائفة، قامت في ظروف تعتبر الأسوأ في العالم المعاصر، مما أتاح لها أن تحقق ذلك النجاح والازدهار، وبعد انكشاف زيف تلك الحضارة المادية والخدعة الشيوعية كان السقوط المدوّي الذي نعيش آثاره وتجربته الجديدة، وقد ترافق ذلك مع تنامي الصحوة الإِسلامية التي ما زالت تمتد وتتوسع إلى محيط أبعد. وقد حلت اليوم بنظري النظرية الإِسلامية محل النظرية الماركسية في مواجهة الغرب ورأسماليته.

س: هل نستطيع أن نعرف الدوافع والظروف التي قادتك لاعتناق الإِسلام؟

ج: نعم، كنت أشعر منذ البداية في ظل النظام الماركسي بثغرات على مستوى الفكر والعقيدة، وكانت هناك بضعة أسئلة فطرية تلحّ عليّ بإصرار، ولا أجد لها جواباً، وبالإضافة إلى دوافع الفطرة التي هيأتني إلى دخول الجو الجديد، كان تعرفي على نموذج جديد في الفكر من خلال تعارفي مع زوجي، وقد ساعدني ذلك على الخروج من واقعي الحائر، فكان اللقاء معه نقطة بداية للدخول إلى أجواء الإِسلام، وكانت هذه الفرصة مهمة، كونها ساعدتني على مراجعة آرائي السابقة وتمحيص الثقافة والأفكار التي تربّيت عليها.

وبدايةً كان التساؤل عن أصل الإنسان (النظرية الداروينية) عن النشوء والارتقاء، مسيطراً عليّ، والسؤال المحور كان، هل المادة أولاً أم الوعي، وأيهما ينتج عن الآخر؟ وذلك يدور في إطار نظرية أصل الأشياء أو مبدأ الخلق والتكوين، وذلك بحثاً عن العلة الأولى الخالقة للكون، أهي المادة وتناقضاتها، أم أن هناك قوة فوق المادة؟ من هنا بدأت رحلتي مع الإيمان والعقيدة حيث وصلت إلى قناعات كافية وإيمان راسخ عن طريق الإجابات المقنعة التي يقدّمها الإِسلام في هذا المجال وسواه.

س: ما كان موقف أسرتك وأصدقائك من تحوّلك هذا؟

ج: أول الأمر كانت ردود الفعل سلبية لدى أهلي، نتيجة الدعاية السلبية الموّجهة عن الإِسلام في آسيا الوسطى وجمهوريات الاتحاد السوفياتي، وكذلك ما تعرضه الأفلام عن المرأة الشرقية المسلمة على أنها سلعة للبيع، وهي صورة قديمة غير صحيحة، يتداولها الإعلام الشيوعي، ولكن بعدما استطعت توضيح الصورة في أذهان أهلي وتبديد هذه الدعايات، تفهّموا دوافعي ورحبوا بفكرة الزواج من رجل مسلم.

١١٣

أما أصدقائي وأقربائي فقد بقوا على دهشتهم وتعجبهم من تحوّلي إلى الإِسلام ومن اختياري أن أعيش في مجتمع وطريقة مختلفين عما نشأتُ فيه وترعرعتُ عليه، ولكني آمل في يوم ما، أن يعوا ويتوصلوا إلى ما توصلتُ إليه.

س: ما هي المتغيرات الإيجابية التي تمت في حياتك بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: بعد اعتناقي الإِسلام شعرت براحة نفسية عظيمة، خصوصاً أنني بدأت أمارس الصلاة، وكذلك الصوم الذي فهمته كباعث ديني اجتماعي للتعاطف مع الفقراء، وقد وفرّت لي هذه العبادات شعوراً بالاطمئنان ودفعتني نحو التكامل الروحي والإنساني.

وبعد أن عرفتُ أن للحياة هدفاً وأن للكون خالقاً ومدبراً، تخلّصتُ من حيرتي ولم يعد هناك فراغ في حياتي على مستوى الفكر والعقيدة.

س: على ضوء تجربتك هل تقترحين وسائل جديدة للدعوة إلى الله؟

ج: يجب أن ندعو الناس إلى حوار فكري وعقيدي مهما كانت عقيدتهم ونظرتهم إلى الحياة، على قاعدة الاقتناع والبحث عن الحقيقة للوصول إلى قواسم مشتركة، خاصة مع أتباع الديانات السماوية الأخرى، وذلك مصداقاً للآية الكريمة:﴿ قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى کَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِکَ بِهِ شَیْئًا وَلا یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿64﴾ ﴾ [آل عمران: 64] كما علينا أن نستفيد بشكل ذكي من وسائل الإعلام الحديثة، كي نعرض أفكار الإِسلام ومفاهيمه على أكبر مجموعات ممكنة من مختلف القوميات والشعوب.

س: ما هي نظرتك إلى واقع المسلمين اليوم؟

ج: أرى أن أكثر المسلمين يعيشون القشور في حياتهم ويتركون جوهر الإِسلام، وهناك الكثير ممن اكتفوا بالنظرية وتركوا التطبيق، ولم يحولوا ما أخذوه إلى واقع عملي وإيجابي، بالإضافة إلى أسباب وعوامل خارجية أخرى، تؤدي إلى ضعف التزام قطاعات كبيرة من المسلمين بدينهم، غير أن ذلك يجب أن لا يمنع الواعين من العمل الدؤوب لتحسين واقع المسلمين وتقوية الدين في نفوسهم، كذلك أشير إلى ضعف وحدة المسلمين، هذه الوحدة ضرورية لا من أجل خوض الحروب، بل من أجل لعب دور حضاري وفكري واسع ومؤثر، فالإِسلام لم يقم على الحروب كما يدّعي الغربيون، بل كانت تلك وسيلة للدفاع عن الرسالة وكيان الأمّة.

١١٤

س: وما هي نظرتك إلى واقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: يجب على المرأة المسلمة أن لا تنغلق على نفسها، وهي حينما ترتدي الحجاب إنما تستعيد حريتها الحقيقية، فهي إذا فهمت الإِسلام على حقيقته أصبحت عصية على المحاولات الخبيثة العاملة على انحرافها وضياعها، وبالتالي على إضعاف الأمّة والمجتمعات الإِسلامية، ولذلك يجب العمل بكل جهد لصيانة الجيل المسلم وخصوصاً الفتيات والمرأة بشكلٍ عام. إن المشكلة الرئيسية هي مع المسلمات قبل غيرهن، وإني أدعوهن للعودة إلى الينابيع الإِسلامية الأصيلة، كي يشاركن بشكل فعال في رقي مجتمعاتهن، وإنني أثمّن نشاط الحركات النسائية الإِسلامية الفعالة، وأطلب دعمهن ليتمكنَّ من تحقيق أهدافهن العزيزة.

س: هل من كلمة توجهينها عبر المجلة؟

ج: أشكر مجلة «نور الإِسلام» التي أتاحت لي الفرصة، وأفسحت لي المجال ولكل من يريد أن يتحدث عن تجربته الشخصية في طريقه للهداية، وإنني أدعو المسلمات المهتديات خصوصاً كي يتحدثن عن تجربتهن في الاهتداء إلى الإِسلام، من أجل إغناء أسلوب الدعوة وإيضاح الطريق أمام الأخريات.

كما أدعو الرجل المسلم إلى أن يعطي المرأة فرصة التعلّم والثقافة الصحيحة كي تنفتح على المجتمع وتتمكن من التعرّف على نقاط الوعي، لأن المرأة هي دعامة المجتمع، وعلى عاتقها تقع مسؤولية التربية والإعداد.

كما أدعو علماء الدين والهيئات الدينية الإِسلامية كي يحولوا الدين من مجرد دعوة جامدة، إلى دين حي يغتني بالفكر والواقع ويغنيهما، وأدعوهم إلى أن يرتفعوا إلى مستوى الرسالة الحضارية الإنسانية التي جاء بها الإِسلام، والعمل على إزالة الخلافات فيما بينهم، لأنها تؤثر على حركة التبليغ وسمعة الإِسلام، وهم يتحملون بذلك مسؤولية شرعية كبيرة.

١١٥

الأخ المسلم الفرنسي لوران ف. «علي عبد الله»

اخترت الإِسلام طريقاً إلى آخر حياتي بمحض إرادتي ووعيي.

أسعى لأربح نفسي وآخرتي من خلال قيامي بواجباتي تجاه نفسي وعائلتي ومجتمعي.

«علي عبد الله» كما أحب أن يسميَ نفسه بعد اعتناقه الإِسلام. هو شاب فرنسي «غربي» آخر ينضم عن اقتناع وحماس إلى القافلة المتعاظمة من المهتدين إلى الدين الحق. لبى «علي» نداء الفطرة الإلهية الداعية إلى التوحيد الخالص والتصديق بكتب الله تعالى ورسله بعد طول تأمل وتفكير، وبعد تجارب وممارسات سلوكية وسياسية واجتماعية عاش خلالها المعاناة بسبب مناخات الحضارة الغربية المتفلتة، والتي تقود إلى الضغوط النفسية المريرة في الوقت نفسه.

ينعم «علي» حالياً مع عائلته المسلمة التي كوَّنها في لبنان، في واحة الإِسلام وسماحته، منسجماً مع قناعاته، ومكافحاً في مجال تربية النشئ المسلم لتحصينه بالعلم والأخلاق.. في رحاب جمعية المبرات الخيرية، حيث يعمل مشرفاً على مادة اللغة الفرنسية، التقته «نور الإِسلام» فكان هذا الحديث الشيق والمعبر.

س: مع الترحيب بك على صفحات مجلة «نور الإِسلام»، نرجو في البداية إعطاءنا لمحة عن نشأتك وعن المحيط الذي ترعرعت فيه؟

الاسم والنشأة: إسمي الآن هو علي عبد الله وقد وُلدت في فرنسا في المنطقة الشمالية الشرقية على الحدود مع بلجيكا، تعلمتُ في مدارس المنطقة حتى الجامعة، حيث أنهيتُ السنة الثانية في العلوم الطبيعية.

أمي وأبي مسيحيان ملتزمان، ويعودان في أصولهما إلى إيطاليا، فقد كانا يركعان حين يشاهدان البابا على التلفزيون، لي منهما أخوان وأختان، ويرى والدي وجوب أن أنظر إليه بوصفه مثلي الأعلى.

كنا نذهب سوياً إلى الكنيسة، فقد كنت مسيحياً ملتزماً وأقوم حسب الطقس الكنسي مع زميل لي آخر بمساعدة خوري الكنيسة في المهمات الدينية، وبقيت على هذه الحال حتى الرابعة عشر من عمري، بداية سن المراهقة.

١١٦

كانت الدنيا عندي جميلة لأني كنت أصدق كل ما يقال لي، ولكن بدأت تزدحم عندي التساؤلات في أمور كثيرة، منها على سبيل المثال: كيف تكون مريم هي أم الله؟! وكيف يكون لله أم؟!.

وكنت أراقب كلام خوري الكنيسة، فكان فعله مخالفاً لأقواله، وصارت عندي ردة فعل تجاه الدين والكنيسة والإله والمجتمع، فنبذت كل ذلك وتمردت عليه، وصرتُ أبحث عن العدالة الحقيقية، لأني كنت أرى أن المجتمع غير عادل، فدخلتُ في تنظيم خاص بالشباب الشيوعي وهو غير الحزب الشيوعي الفرنسي.

س: إلى ماذا قادك هذا التفكير وهذا المنحى الجديدان؟

مرحلة القلق والاضطراب والبحث: بين عمر 14 وسن 19 جرّبت تقريباً كل شيء، ففي الوقت الذي كنت أنتقل من تنظيم سياسي إلى آخر، وأمارس نشاطاتي التنظيمية ومهماتي، كنت أمارس سلوكي كأي مراهق أوروبي يتعاطى المخدرات وأنواع الخمور وممارسة الجنس المحرّم، وكنت أتدرج في هذه الأمور من الأخف إلى الأشد، ولولا إسلامي لأصبحتُ مدمناً، ولانتهى بي الأمر إلى الانتحار أو الموت أو القتل.

تجارب سياسية: لقد جرّبتُ معظم النشاطات السياسية اليسارية، فقد جرّبتُ العمل مع الشيوعيين الذين تركتهم فيما بعد إلى التروتوسكيين، وقد بدأتُ من الوسط فانتهيتُ إلى أقصى اليسار المتطرف، حيث كنّا في كل فرنسا حوالي ألف شخص، وكان دورنا أن نقوم بأعمال عبثية، واكتشفت أن كل مَنْ أعمل معهم كانوا يستغلونني، وأيقنت أن كل شعاراتهم هي استغلالية وليست صادقة.

واقتنعتُ أخيراً بفكرة الحرية، أي أن أكون حراً وأعمل ما أريد كإنسان من دون الارتباط بجهة سياسية أو تنظيمية، وركّزت جهدي على فكرة مفادها «أن المجتمع الفرنسي نائم وغافل، وعليّ أن أوقظه من سباته الذي تسببت به السياسة غير العادلة والمخدرات»، فكنت أسعى للتخريب ولم يكن عندي تصوّر لما سيكون بعد ذلك.

١١٧

وكان شعاري في هذه المرحلة العمل الفرديAnarchie ، أي ليس هناك سلطة ولا دين ولا إله ولا أي شيء آخر، لا شيء غير التخريب من أجل التخريب، ويوجد من هذه الفئة (اليوم وسابقاً) في أوروبا كثيرون في أوساط الشباب، وهذا الطريق يؤدي في الغالب إلى الانتحار؛ ولكن بعد فترة من الزمن تتجاوز سني المراهقة والشباب الأول، يتراجع هؤلاء عبر التنازل والانخراط في المجتمع كالآخرين.

كل هذه الأمور (السياسية والسلوكية) كانت تتم عندي مترافقة متناسقة، وقد كان التنوّع والترقي في كل أمر، والانتقال فيه من مرحلة أدنى إلى مرحلة قصوى، كل ذلك بحثاً عن شيء ينقصني وسعياً وراء سعادة وهمية لا أجدها، لا في نفسي ولا في سلوكي، ولا في المجتمع ولا في كل ما حولي.

س: ما هي الخطوة الأولى التي قادتك نحو الإِسلام؟

محطة استراحة: في النهاية وصلتُ إلى نقطة الهاوية، بعد أن جرّبتُ كل شيء، وأدركتُ أن كل خطوة إلى الأمام هي هلاك، وكنت رغم صغر سني (19 سنة) وخبرتي المكثفة في السلوك والمجتمع، أعيش ذهنية إنسان عمره سبعون سنة، وكانت تراودني فكرة الانتحار كل يوم.

في هذه المرحلة كنت أطالع كتباً عن الإِسلام، فقلت لأجرب الإِسلام كبقية التجارب، ولو كنت غير مقتنع في البداية، لكنني اعتبرت أن هذا هو القطار الأخير فلألحق به ولتكن تجربة إلى فترة.

تدخّل عالم الغيب: حينما أسلمتُ، عشتُ فترة اضطراب لمدة أسبوع أسأل فيها نفسي: هل صحيح أنا مسلم؟! هل أنا منافق؟! أو ما زلت ملحداً؟!.

وهنا أحسست بالتدخل الإلهي ولطفه حين تساءلتُ: هل يمكنني وأنا المسلم ترك جميع المحرّمات التي أتعاطاها على أنواعها، في الوقت الذي لا يستطيع مدمن التدخين أن يترك السيجارة لمدة ثلاثة أيام؟!.

١١٨

ولكني وجدتُ عزيمة وإرادة قوية، وأحسستُ بالرعاية الإلهية المباشرة، فتركتُ جميع المحرّمات دفعة واحدة، وحصلت عندي علاقة خاصة مع الله (سبحانه وتعالى) ، وصرتُ كلما انحرفتُ أو قصرتُ أو عدلتُ عن القصد في حياتي، تحصل معي بعض القضايا، أشعر من خلالها، أنها تأديب من الله لأبقى في جادة الصواب، وتكررت معي حوادث بالمئات كانت عامل تنبيه وإيقاظ لي، وأحسست إحساساً شديداً بالمسؤولية، بعد أن كنت لا مبالياً أعيش ليومي ولا أهتم لغدي.

س: سؤالنا التقليدي كيف كانت ردة فعل أهلك وأصدقائك ومحيطك بعد إسلامك؟

ردة فعل الأهل والمجتمع: حينما أسلمت ذهبت إلى أحد المساجد لأشهر إسلامي وأتعلَّم بعض الأحكام، فلما دخلت وعرضت على الموجودين (وكانوا عرباً) رغبتي في الدخول في الإِسلام رفضوني وطردوني، ولم يقبلوا مني، وقالوا لا نتصور مسلماً غير عربي وأنت غير عربي.

تركتهم وذهبت إلى مسجد للأتراك (وهم كما تعلمون مسلمون غير عرب) استقبلوني باحترام ورحبوا بي وعلّموني بدايات الإِسلام، من الشهادتين إلى الصلاة والصوم وباقي العقائد والفرائض، ثم عرضوا عليّ مجموعة أسماء لأختار لي إسماً منها، فوقع في نفسي اسم علي واخترته على غيره من الأسماء.

ردة فعل الأهل: حينما علم أهلي بإسلامي ورأوا امتناعي عن شرب الخمر وتعاطي المخدرات ومحرمات اللحوم والنساء، ظنوا أن المخدرات قد ضربت دماغي وأني أحتاج إلى طبيب نفسي، واعتقدوا أنني من المستحيل أن أستمر على ديني الجديد، وأن الإِسلام ليس إلا موضة جديدة أماشيها لفترة ثم أتركه إلى غيره.

وبحمد الله فقد استمريت على عقيدتي وتغيّرت أخلاقي معهم، وصرتُ أتعامل معهم بحسب الأخلاق الإِسلامية، من البر وحمل الهدايا، وكانوا يظنون ذلك طمعاً في شيء أريده منهم حسب العادات الغربية، ولمّا تأكّد أهلي من التزامي بالإِسلام قاطعوني وامتنعوا عن مساعدتي بالمال، ولكن ذلك لم يؤثر عليّ، إذ كنت أعيش وحدي وأحصِّل نفقات معيشتي وأتابع دراستي.

ردة فعل الأصدقاء: بعد أن علم أصحابي وزملائي بإسلامي انفضوا من حولي كما تهرب العصافير من أول صوت مخيف.

١١٩

وكانت الفتيات يتندَّرن عليّ بعد أن أسلمتُ، ويهربن منّي ويتنادين عليّ للضحك والسخرية، ولم أجد أي صديق من حولي، فكلهم تركوني لأن الصداقة في المجتمعات الغربية هي أن تنخرط في أجوائهم اللاهية العابثة من تعاطي الجنس والخمور والمخدرات... الخ.

وهنا لا بدّ من إبداء ملاحظة عن الإعلام الغربي ودوره في تشويه صورة الإِسلام والمسلمين، خاصة ما يجري من سلبيات في المجتمعات الإِسلامية تعمل على تضخيمها وسائل الإعلام، فالمسلم في نظرهم متخلف، جاهل، إرهابي، يحب سفك الدماء، ويحب النساء... الخ.

ولقد حدثت معي حادثة طريفة، إذ جئت مرة لزيارة أهلي فوجدتُ والدتي قد أخفت السكاكين، وفتشت عن سكين لأقوم بتقطيع بعض الفاكهة، فلم أجد، فسألت والدتي، قالت خبأتها عنك حتى لا تقوم بقتلي، لأنكم أنتم المسلمين تحبون القتل وسفك الدماء، فقلت لها متعجباً ومتودداً هل من المعقول يا أمي أن أفعل ذلك وأنت والدتي ولك عليّ حق والله يأمرني بكل خير لك!

وهنا أضيف أنه في الوقت الذي لم يفهم أهلي بعض مقاصدي كنت أخطئ بحقهم، نتيجة بعض إرشادات المشرفين على توجيهي، حيث كانت توجيهاتهم ليست خاطئة فحسب، بل منافية لتعاليم الإِسلام والأخلاق النبوية السامية.

س: كيف جرت الأمور معك بعد اعتناقك الإِسلام؟

فترة ما بعد الإِسلام: بعد إسلامي، بقيت سنتين في فرنسا، وكانت لي علاقات مع طلاب الجامعات المغاربة والجزائريين والمصريين. وكانوا في غالبيتهم ممن يتميزون بمستوى الوعي السياسي والروح الثورية التي تنسجم مع نفسيتي، ولكني لم أكن أشعر بحالة روحانية معهم، فتركتهم ودخلتُ في التصوف: الطريقة الأولى كانت النقشبندية، والثانية المولوية، فقد كنت أشعر بروحانية عالية، وتدربتُ على الصبر والتواضع والزهد، كما كانت العلاقة عندي مع الله (سبحانه وتعالى) مميّزة، فطريقة التصوف كانت انقطاعاً عن المجتمع والدنيا، والمشكلة في هذا الأسلوب هو البعد عن المسؤولية في المجتمع، مع العلم أن إصلاحه هو هدف الإِسلام ولا يكون ذلك بالبعد عنه.

مشكلتان: سؤالان كانا يراودان فكري في هذه المرحلة ومشكلتان كنت أعيشهما:

١٢٠