وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 65017
تحميل: 3523

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65017 / تحميل: 3523
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثم إني أخذت في المواظبة على حضور لقاءات الإِخوة المسلمين في «الينويس». وبفضل إخواني المسلمين وبفضل إيضاحاتهم فهمت بأن الله تعالى أحد، لم يلد ولم يولد. وهي حقيقة يؤكدها القرآن الكريم في عدة مواضع. وقد عثرت بعد شيء من البحث - مثلاً - على الآية التالية:﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿4﴾ ﴾ [الزمر: 4].

لقد وجدت أن هذه الآية منطقية جداً.

وعليه فقد كان بوسعي أن أقرّ بأن المسيح (ع) هو نبي من أنبياء الله. كما كنت منذ حين أنطلق في حواري مع بعض المسيحيين من مفهومهم للصلاة، إذ كيف يعتبرونها صلة وصل بين الله والإِنسان؟ ولديّ الآن ثقة تامة بأني أستطيع التوجّه بنفسي إلى الله تعالى، وسيجيب طلبي ودعائي، إن شاء الله.

وفضلاً عن ذلك، لم يكن بوسعي قبول فكرة الصلب.. فلماذا يتعيّن على رجل أن يضحّي بنفسه مقابل أخطاء وآثام ارتكبها الآخرون؟ بل وأنا أشعر بالريبة تجاه طبيعة هذه المشكلة، إذ لماذا لا توجد أية وثيقة تاريخية حول هذا المعتقد؟

وفي العام التالي وُجِّهت لي دعوة لحضور اجتماعات أحد المؤتمرات الإِسلامية التي عُقدت في مدينتي، وهو مؤتمر شاركتْ في أعماله جمعيات طلابية إسلامية من أمريكا وكندا، وقد لاحظت كيف يستطيع المسلمون من مختلف البلدان والقارات والأجناس أن يعملوا معاً على مستوى شامل عام ومحدد.

وقد أثّرت هذه اللقاءات في نفسي أيّما تأثير، حتى أني ذهبتُ بعد عدة أشهر إلى كاليفورنيا، وذلك لتقديم بعض الخدمات للجمعية، وقد توصلتُ بالفعل إلى تحقيق نتائج مهمة حتى أنني عُيّنت، قبل عودتي، عضواً فخرياً في هذه الجمعية. ثم واصلت دراستي الجامعية في كاليفورنيا. وبعد الاجتماع الذي نُظِّم في صيف تلك السنة، أدركتُ بأنه كان لديّ متَّسع من الوقت لإِنجاز دراسات في هذا المضمار، وهكذا عكفتُ على دراسة القرآن الكريم، وقررت أخيراً أن أهجر إلى الأبد العقائد المسيحية، أي تلك العقيدة التي نشأتُ عليها.. ثم عرض عليّ أحد الأصدقاء أن أكون عضواً في جمعيته الإِسلامية.

٢١

وأنا شاكر لله تعالى، جلّ وعلا، الذي أضاء دربي وهداني.. كما وأشعر بالعرفان والتقدير للجمعية ومنتسبيها الذين ساعدوني خلال رحلة البحث عن الحقيقة.

٢٢

الأخ السويسري الحاج علي شوتز

قصته مع الإيمان..

أعتقد أن الغرب سيصبح يوماً ما مسلماً!

على المسلمين أن يتخلّوا عن الخلافات الجانبية لمواجهة أعداء الإِسلام

ما زالت أنوار الإِسلام الباهرة تجتذب أنظار عدد غير قليل من أبناء المجتمعات الغربية الذين صُدِمُوا من الحياة المادية القاتمة التي تسحق الإنسان وتسلبه روحه.. فلا يلبثون أن يُسْلموا لله رب العالمين لكي تغمرهم ألطاف الإيمان والطمأنينة القلبية...

فيما يلي حديث صحافي أجرته «نور الإِسلام» مع الأخ السويسري الحاج علي شوتز يروي فيه قصته مع الإيمان..

وُلدت في مدينة ميلانو الإيطالية في أسرة سويسرية. أمي كاثوليكية وأبي بروتستانتي. وقد عمّدتني العائلة تحت إسم فريديركو فرانشيسكو، أما اسم العائلة فهو شوتز، وهي عائلة من أصل سويسري ألماني. جدّي وأبي كانا من العاملين في الصحافة السياسية والاقتصادية. ترعرعت في عائلة بورجوازية غنية، نشّأتني على الدين المسيحي.. وقد اخترت لنفسي بعد إسلامي إسماً جديداً هو علي شوتز، وأعمل الآن في الحقل التجاري.

عشت في جو برجوازي مترف، مثقف وموسر، وحيث ليس للناس الأجانب هنا في ميلانو من مشكلة سوى كيفية العيش بشكل أفضل. وهو جو لا يجري الحديث فيه عادة عن الأخلاق والـمُثُل الأخلاقية. الناس دائماً يتحدثون في السياسة ولكنهم لا يتحدثون في الأخلاق. عندما كنت شاباً كانت فترة الثورة السياسية في أوروبا، وقد تأثرت بهذه التجربة كثيراً.

كنت دائماً في موقف نقدي.. كنت أنظر إلى كل ما كان يجري على أنه حرب بين أولئك الذين يملكون السلطة وبين أولئك الخاضعين للاضطهاد. كنت أنظر إلى كل ذلك من خلال هذا التصور. كان لدي أصدقاء ورفاق يفكّرون مثلي ويعيشون مثلي ويكافحون مثلي..

لقد مررت بتجربتين: تجربة سياسية واجتماعية تروم تغيير العالم، ومن جهة أخرى تغيير نفسي أو دخيلتي وذلك بالكفاح من أجل السلام وبسماع الموسيقى وبتناول المخدرات وبمحاربة العائلة وبمحاولة تنظيم الحياة الاجتماعية بطريقة أخرى مختلفة. لقد عشت تلك التجارب ومررت بها. ولم تحمل لي أي واحدة من هاتين التجربتين شيئاً من القناعة أو الرضا.

٢٣

ولكن الله تعالى هو الذي قادني. وقد وضعني في أكثر من موقف.. قابلت فيه الإِسلام الحقيقي أي الإِسلام العملي: الأذان، القرآن، وشهر رمضان... والصلاة... كل التجارب التي كانت أثّرت فيّ وقد استوعبتها ذاكرتي، حتى إني قررت ذات يوم أن أعتنق الإِسلام منذ عشر سنوات.

لم أواجه أيّ مشكلة بهذا الصدد، إلّا مع زوجتي، فقد هجرتني لأني كنت أريد أن أغيِّر حياتي، ولم تكن راضية بهذا التغيير. أما أهلي فكانوا يعتبرون تصرّفي جنوناً وحماقة وذلك كبقية الأقارب الذين لاحظوا فيما بعد أن حياتي قد تغيّرت تماماً.. ولذا فقد اتخذوا موقفاً إيجابياً تجاهي - ولكن ليس تجاه الإِسلام - بينما اتخذوا تجاه الإِسلام موقفاً سلبياً لأنهم يعتبرون ذلك جنوناً. أما أصدقائي القدامى فقد تركتُهم.. في حين واصلوا طريقهم. وأصبح أحد أصدقائي الخلّص مسلماً أيضاً والحمد لله. علاقاتي اليوم جيّدة مع الجميع. فلنقل أنها جيدة مع أولئك الذين يستطيعون أن يكونوا طيّبين مع شخص مسلم، لأنَّ المسلم يفضّل علاقات أخوية. مع والديّ وأقربائي وأشقائي وأصدقائي ليس ثمة علاقة أخوّة.. لأنه ما من مسلم بينهم.

هل لديك مشكلة في محيط العمل؟

لا ليس لديّ أيّ مشكلة. من المؤكّد أن المسلمين هنا ليسوا محبوبين، لأن كلمة إسلام في أوروبا تثير الخوف، ولأن الناس لديهم صورة عن الإِسلام مرادفة للتخلُّف والقرون الوسطى والرقيق والحرب والسيف والقتل. ولذا فإنهم يشعرون بالخوف من الإِسلام بطبيعة الحال. ولكن ما من مشكلة في الحياة اليومية.. لأن الناس يهابون الإِسلام. فإذا قال لهم أحد إني هندوسي أو من شهود يهوا فإنهم سيضحكون منه. أما حيال الإِسلام فإنهم سيضحكون أيضاً.. ولكنها ضحكة هستيرية، لأنهم يخافون من الإِسلام. إنهم يهابونه كثيراً.. وأحياناً هذا مفيد، لأن الناس يعلمون بأننا قوم جادُّون. بطبيعة الحال، لو التقينا بأشخاص لا يحبوننا - كاليهود مثلاً - فسيكون ثمة مشكلة. فحين يقابل أحدهم مسلماً فإنه لا يتردد في إظهار ردّ فعل معين. ولكن هذا لا يغيّر كثيراً.

٢٤

لقد تزوجت ثانيةً؟

نعم لقد تزوجتُ امرأة إيطالية مسلمة - والحمد لله - ولي منها طفلة. لقد أنشأت عائلة ثانية.

الشيء الأساسي بالنسبة لي هو أنه لم يعد ثمة مشكلة أخلاقية.. لن أستيقظ صباحاً وأنا أتساءل ما الذي يجب عليّ أن أفعله.. وما الذي سيصيب البشرية.. كيف يمكن تغيير العالم.. لدي الآن «مشاكل» أيسر بكثير.. أنا الآن أفكر - مثلاً - من أين جاء الإنسان.. وأتساءل عما هو حسن وعمّا هو سيّء، وأحسّ أحياناً أنني لا أستطيع الإجابة لوحدي، دون معونة الله الذي أعطانا الهداية والفرقان..

إذن أنتَ تشعر بأنك وجدت ضالتك المنشودة في الإسلام؟

الحمد لله، أنا أشعر أنني في موضعي الصحيح. سابقاً كنت أسأل نفسي كيف سأغيّر العالم. أما الآن فإني أعرف كيف أغيّره - والحمد لله - وكنت أتساءل عن الحسن والسيّء والآن أنا أعرف الإجابة.. لأن ذلك سهل على المسلم. أنا الآن أستطيع أن أحلّ أيّ مشكلة.. فكل مشكلة عملية يمكن حلّها بالتقوى. وحين ينبغي الاختيار بين أمرين، فالمسلم يعرف ماذا يختار.. وهذا انعتاق حقيقي.

إذن أنتَ تشعر براحة وطمأنينة؟

نعم بفضل الإيمان. ولكن للإيمان مستويات، فلكلٍّ منّا أوقات يمارس فيها العبادة أكثر من سواها، فطبعاً إذا كنتُ في الحج، أو إذا كنت أتلو القرآن كل يوم أو إذا كنت أصلّي صلاة الليل فإنني أشعر بارتياح وطمأنينة. أما إذا أقللت من العبادة.. أو إذا توقفت عن زيارة إخواني في الدين - كما يجب - فأشعر بأني أقل طمأنينة.

٢٥

هل لديك دور ما في هداية الآخرين إلى الإسلام؟

بالطبع.. أنا أحاول ذلك مع كل الأشخاص الذين أعرفهم كالأقرباء والأصدقاء.. حيث أحاول أن أطلعهم على الإِسلام. عليّ أن أفعل أكثر من هذا. ولكنهم يعلمون جميعاً لماذا اعتنقت الإِسلام. وأنا أقوم دائماً بزيارة أصدقائي وأبْقَى على صلة جيدة معهم.. لكي أحدِّثهم عن الإِسلام. وعموماً أنا أدعو للإِسلام في الصحافة وبواسطة الكتب وعن طريق توجيه الدعوات للذهاب إلى المسجد. وخاصة بالاستعانة بالحوار. وأنا أحب أن أتكلّم في الفلسفة والاجتماع والأخلاق. وحين تتهيّأ لي الفرصة للحديث مع شخص ما فأنا أحاول أن أطلعه على الموقف الإِسلامي من أيّ مشكلة مطروحة. وأنا آنس في نفسي قوة غريبة لشرح ذلك. وهذا يحدث لي غالباً، إذ أنني أسعى دائماً لفتح أبواب للدخول في نقاش عن الإِسلام مثلاً: يكفي أن أقول: إني لا أتناول طعام الغداء اليوم لأننا في شهر رمضان.. وهذا يفتح باباً آخر للحوار أو أقول: أنا أستأذن للانصراف لأن عليّ أن أؤدّي فريضة الصلاة. ثمة إمكانية دائمة للعمل من أجل الإِسلام.. في كل ساعات اليوم.

هل ثمة أشخاص أسلموا على يديك؟

من الصعب أن نقول أن شخصاً ما أصبح مسلماً بفضل شخص آخر. لأني أنا شخصياً كنت صديقاً للأخ عبد الرحمن، وقد ساعدني هذا الأخ كثيراً، ولكني لا أستطيع أن أقول أني اعتنقت الإِسلام عن طريقه. أعتقد أنه ليس ثمة أشياء أو أمور نهائية استطاع من خلالها شخص ما أن يقنع شخصاً آخر بالدخول في الإِسلام. فلنقل أنه كانت لديَّ صداقات حميمة مع أشخاص أصبحوا مسلمين. وعموماً أعتقد أنه بما أن الأوروبيين لا يعرفون ما هو الإِسلام، فإن كل شرح نقدّمه عن الإِسلام هو أمر إيجابي ومفيد. لأن الشخص الأوروبي، سيصبح حينئذٍ أقلّ عداءً للإِسلام وأكثر صداقة واحتراماً له.. وهذا شيء جيد. ومن الأفضل أن يكون لك صديق من أن يكون لك عدو. وإن لم يصبح بعد أخاً في الإِسلام. ولكننا أحياناً لا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك.

٢٦

هل تقترح أساليب معيَّنة لنشر الدعوة الإِسلامية ودعوة غير المسلمين إلى الإِسلام من خلال التجربة التي عشتها منذ إسلامك؟

قبل الحديث عن طريقة أو أسلوب أقول إن الشيء الأساسي هو أن يكون المرء مسلماً، لأنه إذا كنا نؤمن بالإِسلام ونطبِّقهُ فإن الآخرين سيلاحظون ذلك. وإذا ما سلك المسلم سلوكاً إسلامياً فإن الناس سيلاحظون ذلك. من يدعو للإِسلام يجب أن يكون مسلماً حقيقياً وإلّا فإنه لن ينجح.. إن الطريقة المثلى للتبليغ هي تطبيق تعاليم الإِسلام. ومن الطُرُق الفضلى هي أن تقيم الصلاة في ساحة عامة، لأن ذلك سيدفع الناس للتفكير والتأمّل.. أحياناً، الكلمات لا تجدي شيئاً، خاصة وأنَّ الناس في أوروبا متعبون من الكلام والخطب والكتب ومن الراديو والتلفزيون ومن الناس الذين يتكلمون قائلين لهم أن ثمة حلاً واحداً فقط. وثمة شيء آخر مهم: إنه صلاة الجماعة. وقد أكّد الرسول (ص) على أنه ليس ثمة إسلام خارج الجماعة. وأنا أعتقد أن هذا حلّ مهم. يجب أن يكون هناك جماعة حقيقية. أي جماعة تعيش الإِسلام وتطبّق الإِسلام وتعمل للإِسلام وتفتح الأبواب للداخلين في الإِسلام من خلال احتضانهم وتقديم المساعدة لهم في شتّى الحقول، فالداخل الجديد إلى الإِسلام لا يجب أن يشعر أنه وحيد، بل محتضن من قِبَل الجماعة ليتقوّى بهم. طبعاً هناك أمور أخرى يجب القيام بها مثل إنشاء محطة بثّ تلفزيوني للدعوة إلى الإِسلام وتعليمه للصغار والشباب في المدارس وما إلى ذلك.

يجب أن نعتقد تماماً أن الغرب سيصبح يوماً ما مسلماً. وهذا نعرفه أيضاً من خلال بعض الأحاديث النبوية الشريفة. وأنا متيقِّن من خلال ملاحظاتي ومشاهداتي أن الغرب كله سيعتنق الإِسلام. لعل الأمر يستغرق 50 سنة، لكنه سيحصل إن شاء الله ولا أعتقد أن الأمر سيكون بعيداً.

يجب على المسلمين اليوم أن يفهموا أنَّ عليهم ممارسة الإِسلام بكل جوانبه. هم اليوم يتجهون إلى الجانب السياسي منه وخاصة الجهاد وينسون أن عليهم ممارسة كافة التفاصيل ابتداءً من التعاليم الصغيرة وصولاً إلى أسمى المراتب، فلا يمكن بناء منزل ابتداءً من السقف، كما عليهم الإلتزام بالصلاة والصيام. نسمع دائماً أنه يجب تغيير المجتمع لكننا ننسى أنه يجب تغيير الأشخاص أولاً. وقد قال الله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

٢٧

هل يمكننا الادعاء أنه بإمكاننا تحويل أوروبا إلى الحكم الإِسلامي الآن؟ طبعاً لا. علينا العمل أولاً على تحويل الأشخاص إلى مسلمين. كيف يمكنني مواجهة حكم الباباوات ثم حكم العلمانية إذا لم يكن بإمكاني ممارسة الإِسلام بدقّة وتعليمه والتفكير من خلاله. علينا أن نتخلّى عن الخلافات الجانبية بين المسلمين والتوجه كلياً لمواجهة أعداء الإِسلام كما علينا التخلي عن الاكتفاء بالمظهر الإِسلامي دون العناية بالمضمون.

أنا أطلب من المسلمين توجيه جهودهم لدعوة غير المسلمين إلى الإِسلام وعدم الاكتفاء بدعوتهم المسلمين للعودة إلى الإِسلام. يجب تخصيص وقت أكبر للتحدّث إلى غير المسلمين كالمسيحيين، والملحدين، والعلمانيين. يجب إيصال تعاليم الإِسلام إلى كل الناس، فالناس جميعاً في العالم غير الإِسلامي يجهلون كل شيء عن الإِسلام. يجب إسماع صوتنا إليهم وأسأل الله أن تنتصر الدعوة ويعمّ الإِسلام الكون.

٢٨

الأخت الأميركية ماري ستاينهوف مريم:

«السبب الأخير لاعتناقي الإِسلام، جاء في سؤال بسيط من جزأين...»

ليس إنجازاً أن يولد الإنسان مسلماً. ولكن أن يعتنق الإِسلام، فإنه أمر يستحق التحدث عنه.

كذلك فإن بذل السنين في البحث عن الحقيقة، يُعتبر عملاً إنسانياً، ولكن استعمال الطرق الصحيحة للوصول إلى الحقيقة هو عمل حكيم. وحتى إن اعتناق الإِسلام في مجتمع محافظ وغير فاسد يدل على الشجاعة، ولكن أن ينهض الإنسان من بين قيود المادية، خصوصاً في مركز المادية في العالم، ليقبل الإِسلام ديناً، فإنه أمر يستحق التوقّف عنده. هذه هي مميزات اعتناق الأخت الأميركية ماري ستاينهوف (مريم) للإِسلام. وفي هذه السطور المختصرة، تحدّثنا الأخت ماري عن رحلتها نحو الإِسلام وآمالها للمستقبل.

من أنا؟

إني أميركية، ولدت في مدينة «باي سيتي» في ولاية ميتشيغن، من حوالي 31 سنة. وأعمل حالياً كممرضة، وزوجة وأم لصبيين.

سنيّ الطفولة:

تربيت كفتاة كاثوليكية، حيث لم أكن أمرُّ من أمام كنيسة إلا وأقوم بإشارة الصليب.

منذ الصغر، وفي مدينة باي سيتي كان لديَّ دائماً تساؤل وحيد: كيف أُكلّم الله؟

عندما كنت أرى غروب الشمس واحمرار السماء، كنت أعلم بأنه صنع الله، وفكّرتُ أنه لا بدّ من وجود طريقة لشكر الله على ما نملك.

في سن العاشرة، ذهبت للاعتراف في كنيسة القديسة ماري الكاثوليكية، وتساءلت لماذا عليَّ أن أخبر الراهب عن خطاياي. كنت أذهب إلى هناك وأختلق الروايات لأعترف!

ولكني فكّرت أنه لو أنّ هذا الاعتراف هو لله، بشكل دائم بين الناس. وأحسستُ بأهمية الله في حياة هؤلاء الناس.

لقد شاهدتُ أشخاصاً يتوضأون للصلاة، يصومون، يحتفلون بعودة الحجاج من مكة..

خلال عاشوراء، يتجمع الكثير من المسلمين في الجامع المحلّي. ومرة سألت شاباً مسلماً عن عاشوراء، فشرح لي الحوادث التي حصلت. تأثّرت جداً بالحادثة. في ذلك الوقت، تساءلت لماذا لا أكلّم الله بنفسي؟

٢٩

ولقد كثُرت شكوكي حول الكاثوليكية عندما قيل لي إنه عليّ أن أقبِّل خاتم الراهب في كنيستنا ليتمّ تثبيتي كعضو كامل في الكنيسة.

طبعاً، لم أفعل ذلك، وفي الثالثة عشرة، تركت الكنيسة الكاثوليكية، وتحوّلت إلى المسيحية الإنجيلية. هناك، ولمدة ثماني سنوات، أمضيت أوقات فراغي في دراسة الإنجيل في مجموعات مع مسيحيين مولودين جدد (تعبير يستعمل للدلالة على الذين التزموا الديانة المسيحية).

هناك كانت رحلة مرعبة، كنت أسأل الأسئلة ولا أجد أجوبة. ولم أتمكن من قبول المفهوم المسيحي حول الثالوث، والذي يقول بأن الرب متجسِّد في الآب والإبن والروح القدس.

لاحقاً، وفي سن الخامسة والعشرين، تحوَّلت مجدداً إلى شهود يهوه، أبحث عن أجوبة بدون نتيجة!

مجتمع المسلمين:

وتعرّفتُ على مجتمع جديد من خلال تعرّفي على بعض المسلمين. ولأول مرة علمت لماذا تلبس النساء الحجاب. فلقد قالت لي فتاة مسلمة: «إني ألبسه لله، وإذا كان الله راضياً عني فلا يهمني ماذا يفكر الناس».

بدأتُ أسمع كلمات مثل إن شاء الله، الحمد لله، سبحان الله، وكان الله معك تُستعمل. إنّ روحي كانت تبكي اعترافاً منها بالحقيقة، ولكنّ قلبي وعقلي كانا ملتزمين بطريقة العبادة التي تعوّدت عليها.

اعتناقي الإِسلام:

لقد أعطاني الله الفرصة بوجود ضيف مسلم في منزلنا. في تلك الفترة، كنت أدرس مع شهود يهوه. وبعد حوالي أربعة أشهر قال لي الضيف: «إنك تحاولين جادة عمل ما هو صحيح، ولكنك ضائعة جداً».

أجبته: «إذا كنت تعتقد أنك تملك الحقيقة، فإني مستعدة لأدرس القرآن معك في المساء».

وهكذا كان، ولمدة ثلاثة إلى أربعة شهور، كنا ندرس خلالها القرآن، كما كنت أقوم بتقديم الدروس حول الإنجيل، ظناً مني أني أستطيع أن أهدي قلبه إلى المسيحية!

وعندما حان الوقت الذي رأيت فيه حقيقة الإِسلام الساطعة، شعرت بالخوف من نكران المسيح كابنٍ لله. إنها نقطة حساسة في المسيحية والخلاص.

٣٠

لقد جاء السبب الأخير لأكون مسلمة في سؤال بسيط من جزءين:

«إذا كان المسيح ابن الله، فلماذا لا تكون مريم زوجة الله»؟ ولقد غلبني منطق السؤال لدرجة أنّ أيّ شيء أقل من الاستسلام يكون كذبة.

بعدها أمضيت ثلاث ليالٍ بدون نوم، وبينما كنت أجلس في الخارج تحت النجوم وباتجاه الكعبة، سلّمت نفسي لله.

وحاولت بكل جهدي قراءة الشهادتين في ورقة كنت كتبت عليها الكلمات بالإنكليزية كما أسمعها بالعربية.

لا أدري كم بقيت في الخارج على ركبتي، ولكن كان وقتاً خاصاً جداً بالنسبة لي.

الإِسلام كما أراه:

إن الإِسلام يشارك المسيحية في العديد من القيم الأخلاقية والأنبياء، ولكن كل الأجزاء الضائعة نجدها في الإِسلام.

لقد اكتشفتُ ديانة تشجّعني على التفكير في المشاكل الاجتماعية، وتعطيني طريق حياة واضح المعالم.

أن تكون مسلماً عليك أن تدرك أن كل شيء يُعيدك إلى الله.

لقد وضعتُ على باب البراد في منزلي عبارة لأحد العلماء العظام، حيث يقول: «تعلم الإِسلام، إعمل بجدٍ، كن متواضعاً وساعد الآخرين».

ولهذا فإني أقوم الآن بدراسة القرآن مع أخوات مسلمات من أصل أميركي في جمعية النساء المسلمات المتَّحدات.

المسلم أصلاً:

لقد قال زوج الأخت ماري إن إسلام زوجته جعله أكثر التزاماً، لأنه بدأ يدرس عن ديانة كان مهملاً لها مع أنه ولد مسلماً. وأضاف: «أحياناً أشعر أن زوجتي تعرف أكثر مني عن الإِسلام، وأشعر بالخجل».

٣١

كلمة أخيرة...

لقد عرفت من خلال اعتناقي الإِسلام (والذي حدث منذ ست سنوات)، أن مسلماً واحداً زرع بذرة الإسلام في عقلي، ورويداً رويداً سقاها المسلمون الآخرون.

ولقد سمح الله بنمو البذرة لتصبح وردة (مسلمة).

المجد والعزة لله.

وإن شاء الله تتم سقاية البذور التي نزرعها ونرى الكثير من المسلمين الجدد يتفتحون كبراعم جديدة.

٣٢

المسلم البريطاني الأخ «أحمد حسن هولت»

يروي قصة إسلامه

ومع مرور الأيام أخذت زيارات جون إلى القرية تتكاثر وتتخذ طابعاً شبه منتظم حتى بات يعرف كل أهلها تقريباً شيوخاً وشباباً وأطفالاً. وأصبح أحد «أفراد العائلة» لدى العديد من أسرها. (وفي غضون ذلك كان يتلقّى أفضل الدروس على أيدي أفضل الأساتذة دون أن يدري). وبرغم أنه ينتمي إلى مجتمع غربي، فإن جون تمكن بطريقة أو بأخرى من أن يتأقلم بسهولة نسبية مع المجتمع العربي. ولقد أتى كل شيء بشكل طبيعي، كما لو كان عربياً أصيلاً. وعلى الرغم من أن هدفه الأساسي كان مساعدة الإسرائيليين، إلا أنه أخذ يدرك أن هناك هدفاً آخر ودافعاً أكثر عمقاً... ولكن ما هو؟!.

بينما كان جون يتمشى مع «شمول» أحد أصدقائه اليهود، عشية ذات سبت، في محيط الكيبوتز وصلا إلى الجهة الشرقية حيث بدت أضواء القرى العربية المتلألئة على تلال الجليل الغربي. وجذبت اهتمام جون بقعة من الضوء تبدو أكبر من غيرها فسأل جون صديقه ما إسم تلك القرية الكبيرة! فأجابه شمول إنها قرية تامرة وسكانها جميعاً مسلمون وهم قوم سيِّئون يتسببون بمشاكل كبيرة لإسرائيل! فهم يؤوون «مخربي» المنظمات الفلسطينية. ويرفعون العلم الفلسطيني وينظّمون الإضرابات والمسيرات، ولا يمكنك الوثوق بهم، فهم يسرقون أرضنا، ودراجاتنا وأشياء أخرى من بيوتنا.. إياك أن تذهب إلى تلك القرية وابقَ بعيداً عنهم.

بعد بضعة أيام وبينما كان جون يعمل في المطبخ الذي يعدُّ الطعام لسكان الكيبوتز، لاحظ وجود عامل غريب يُجري بعض التصليحات في الغرفة المجاورة. التقت عينا الرجلين لثوانٍ قليلة إلا أن أياً منهما لم يكلّم الآخر. لكن عندما أنهى جون نوبته حوالي الساعة الثانية والنصف، توجه إلى المدخل الرئيسي وهو يشعر بارتياح هنيء لتفكيره في القيلولة الطويلة التي ينوي أن يخلد إليها، وإذ به يجد على أسفل الدرج ذلك العامل الشاب الذي ما أن رآه حتى مد يده مصافحاً وبادره بالقول:

٣٣

- «ستذهب معي الآن إلى قريتنا؟»..

- «أي قرية؟»..

- «قرية تامرة».

ما أن سمع جون إسم القرية حتى رد على الفور:

- «شكراً لك، يسعدني أن أزور قريتكم».

توجها معاً إلى القرية، وهي قرية كبيرة يسكنها حوالي 18 ألف نسمة جلّهم من المسلمين. وهكذا أصبح جون وعادل صديقين حميمين بل وأخوين. ولقد فتحت له تامرة أبوابها واحتضنته منازلها، نمت أواصر المودة والمحبة بينه وبين أهلها، فأخذ يمضي أغلب أوقاته في هذه القرية الوادعة التي لا تبعد عن الكيبوتز أكثر من ساعة ونصف.

كذلك تكررت زيارات جون لثانوية القرية ودعاه أستاذ اللغة الإنجليزية فيها إلى إعطاء بعض الدروس مما أثلج قلب الطلاب، وبالطبع قلب جون أيضاً. كما أنه غالباً ما كان يدعى إلى زيارة الطلاب في بيوتهم لمساعدتهم في دراسة مادة اللغة الأجنبية.

ولكم كان مسروراً عندما أدرك أن سبب دعوتهم له لم يكن حاجتهم لأي مساعدة فمعظمهم كان يتقن الإنكليزية إتقاناً مذهلاً، بل بسبب حبهم له. وإلى جانب ذلك كله فقد كان يحضر جميع الأعراس وحفلات الخطوبة التي تجري في القرية ويبيت ليلته لدى أهل عادل وأحياناً لدى عائلات أخرى.

ثم أخذ جون يعرف طريقه إلى الكيبوتز عبر الحقول، وكان يترك أحياناً القرية عائداً إلى منزله في منتصف الليل، مستمتعاً بضوء القمر وسكون الليل وطمأنينته، وغالباً ما كان يغرق في تفكير عميق، شاعراً أنه ينتمي بطريقة أو بأخرى إلى هذه القرية وتلك الصخور والأشجار. ويشعر عند ذاك بأنه ليس وحيداً على الإطلاق.

ثم صدف عندما كان يهم بالعودة إلى الكيبوتز ذات ليلة أنه لاحظ أن الظلام دامس، إذ لم تكن الليلة مقمرة، إلا أنه لم يرَ أن ثمة داعياً للقلق. فهو قد حفظ الطريق عن ظهر قلب. مشى جون في الظلام نحو الساعة، ثم أخذ يسمع وقع حوافر الخيل، وسرعان ما أدرك أن الصوت يقترب بسرعة منه. ثم برز فجأة أمامه رجل يمتطي فرساً صهباء بادره بسؤال غاضب:

٣٤

- «من أنت وماذا تفعل هنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟».

فردَّ عليه جون موضحاً أنه في طريقه إلى الكيبوتز بعد أن زار إخوانه في تامرة. فسأله الرجل:

- «وعند من كنت؟».

وما أن لفظ جون إسم العائلة التي كان يزورها حتى قفز الشاب عن صهوة فرسه واقترب منه قائلاً:

- «أرجوك أن تسامحني أيها الأخ الإنجليزي إننا نعرف أن هناك رجلاً إنجليزياً يحبنا».

تعانق الرجلان، ثم أضاف الشاب العربي بلهجة مليئة بالحرارة والسرور:

- «هناك من يأتي في الليل ويسرقنا وهو قد يأخذ خرافنا، لذا فعندما تأخذ الكلاب في النياح لا بدّ لنا من أن نتحقق من الأمر».

في غضون ذلك، وصل شابان آخران من قبيلة بدوية مخيِّمة على مسافة بعيدة نسبياً. وبعد مناقشة قصيرة دعا الشابان جون إلى أن يبيت في مضاربهما. ولكن ذلك لم يكن ممكناً فالساعة كانت قد وصلت إلى الواحدة والنصف صباحاً، فتفهَّم الشابان الوضع ووجها الدعوة لجون لزيارتهما في مناسبة أخرى. وقالا له:

- «إنك تسلك أيها الأخ طريقاً خاطئاً، تعال معنا ندلّك على الطريق الصحيح».

إذاً فلقد كان من المقدَّر أن يكون هذان الأخوان من الشباب البدو هما اللذان سيقودان جون إلى الطريق الصحيح المؤدي إلى «افك». فلقد كان جون قد ضلّ الطريق في الظلام الدامس ومشى في الاتجاه الخاطئ.

وفي زيارة أولى له إلى قرية جديدة مع أحد الإخوة، دُعي إلى بيت الأسرة، وأُخذ كما هي العادة إلى كبير العائلة. ولدى دخولهما إلى الغرفة نهض رجل طويل جليل المحيا لملاقاتهم. إلا أنه ما لبث أن توقَّف فجأة وأخذ يحدِّق بجون بحرارة وبدا أن عينيه تكادان تخترقان أعماق جون. ثم تقدم هذا الأخ العزيز وعانق جون وقال وعيناه تترقرقان بالدموع:

- «الحمد لله الذي عاد هذا الإبن إلى بيته».

٣٥

وشعر جون مرة أخرى بدفق عاطفي يغمره. فها هو هذا العجوز الجليل الذي يناهز عمره المئة سنة، والذي يعرف تماماً ما الذي دفع جون للمجيء إلى هذه البلاد، كما يعرف أيضاً موقفه السابق من العرب - المسلمين - قد تمكن بطريق ما أن يرى شيئاً في قلب جون لم يكن هو نفسه واعياً له.

وذات يوم سأله الأخ عادل:

- «هل تحب أيها الأخ أن تتزوج من مسلمة؟».

فرد جون قائلاً:

- «ولماذا تسألني مثل هذا السؤال يا أخي، وأنت تعرف أنه لا يمكن لغير المسلم أن يقترن بمسلمة؟».

فترجم عادل ما قاله صاحبه إلى الحاضرين، الذين علت أصواتهم بالضحك فاستغرب جون وسأل:

- «ما الذي يضحكهم؟».

أجابه عادل:

- «لأننا نعرفك، القرية كلها تعرفك، فليس هناك مشكلة. سنجد لك بيتاً ونوفر لك عملاً فأنت تنتمي إلينا».

وسرعان ما وصل خبر احتمال زواج جون من امرأة عربية إلى الكيبوتز، وأصبح موضوعاً لتسامر القوم فيما بينهم، مما أثار كراهية عدد من «الأصدقاء» اليهود، وما لبث أن تبع ذلك زيارة الشرطة الأمنية التي أخضعت جون لاستجواب مطوّل حول علاقته مع العرب، ثم طُلِب منه في النهاية أن يغادر البلاد، بعد أن كانوا قد عرضوا عليه أن يصبح عضواً دائماً في الكيبوتز. ولكن تلك الدعوة إنما كانت قبل أن يعرفوا بعلاقته مع العرب.

٣٦

نهاية البداية:

لا تزال ذكريات الأيام الأخيرة التي قضيتها في زيارة الأحباء في عدد من القرى، محفورة في ذاكرتي تماماً كما هو حال ذكريات الفراق المؤلمة للأحباء الذين اضطررت للابتعاد عنهم، والذين ستبقى ذكريات قبلاتهم ومحبّتهم طرية في ذهني إلى الأبد. إذ ما تزال ترنُّ في أذني تلك الجملة الرائعة التي ودّعوني بها: «لا يمكنك أن تفارقنا لأنك واحد منا».

وعندما أخذت الطائرة تصعد بي إلى السماء الزرقاء دعوت الله أن لا تكون تلك هي النهاية. إلا أنني لم أكن أعرف آنذاك أنها بالفعل كانت النهاية، ولكنها نهاية البداية ليس إلا.

عندما وصلت إلى بريطانيا، البلد الذي وُلدت فيه، شعرتُ بأن «هذه بلاد غريبة» وشعرت بشوق إلى أهلي، الفلسطينيين العرب المسلمين. ولقد انضممت في النهاية إلى إحدى المنظمات، «مجلس تنمية التفاهم بين العرب والبريطانيين»، وكنت أحضر دائماً الاجتماعات سواء في لندن، أم في سائر المدن البريطانية، وأسعد بلقاء العرب من بلدان مختلفة. وذات يوم وبينما كنت في زيارة لإحدى السفارات العربية في ساحة «سانت جيمس» في لندن قدم لي أحد الأخوة مصحفاً وسجادة للصلاة وهو أمر لعله من الغريب أن يحدث مع مسيحي. لكني تلقيتُ الهدية بفرح. وكان إخوان آخرون يقدمون لي، بين الحين والآخر، كتباً عن الإِسلام. كما أني دُعيت للانضمام إلى جمعية إسلامية، وأخذتُ أحضر الندوات والاجتماعات التي تعقدها. وعلى الرغم من أنني لم أكن مسلماً (أو على الأقل لم أكن مدركاً بأني مسلم) إلا أنني كنت أجد راحة نفسية بين المسلمين.

وفي إحدى المرات تلقيت دعوة لحضور ندوة في «تونغنهام». فسافرت إلى لندن حين كان من المفترض أن تأتي عربة إلى الجامع الرئيسي في «ريجنتس بارك» لتأخذ المدعوين إلى الاجتماع. ولقد كانت هذه هي زيارتي الأولى إلى المسجد، وهناك التقيتُ بأخٍ من العراق، أستاذ في جامعة بغداد، وتبادلت معه الحديث، وفيما نحن نتحدث أذّن المؤذن داعياً لصلاة الظهر. يا الله! ماذا أفعل؟ لا أعرف كيف أصلي، كما أنني أخجل من أن أقول له ذلك. ثم خطرت لي فكرة أن «أذهب معه، وأحذو حذوه».

٣٧

الشهادة:

شعرت لدى دخولي إلى قاعة الصلاة برفقة العديد من «الإخوة» بشعور من الرضى والثقة بالنفس والاطمئنان لم أكن لأعهده في نفسي. ثم شعرت وأنا أتلو الشهادة بأنني أسمو، كما لو أن هذا الشيء الذي نشأت على الهلع منه (سيف الإِسلام) قد طعنني في باطن قلبي، وأخذت ذكرياتي مع الشعب الفلسطيني الذي أحببت تمر كشريط سينمائي سريع «قبلني قبلة النوم»، «نحن نحبك»، «كل أهل قريتنا يحبونك»، «هلا تزوجت من امرأة مسلمة، ليس هناك من مشكلة نحن نعرفك»، «الحمد لله الذي أعاد هذا الإبن إلى شعبه».

صدفة.. ولكن!

في نيسان 1986 كنت ضيفاً على بعض الإخوة الليبيين في طرابلس، وقد شهدتُ آثار القصف الأميركي والاعتداء على الأبرياء من رجال ونساء وأطفال. ولقد كنت أغلي غضباً من تورط الحكومة البريطانية، فعبّرت في حديث للإذاعات والصحف المحلية عن مشاعر السخط هذه. ولم يمضِ أسبوع حتى استدعيتُ إلى مكتب مدير الشركة التي أعمل فيها ولم يكن لدى المدير السيد جوزف «اليهودي» أي حرج في الكشف عن الأسباب التي دفعته إلى صرفي، بعد أن أصبحتُ عبئاً على الشركة. إلا أن حديثه للإعلام كان إلى حد ما مختلفاً. وهكذا صُرفتُ من العمل للمرة الأولى في حياتي المهنية على امتداد 48 عاماً. لقد كنت أمام تجربة صعبة بل مريرة. أو هكذا كنت أتصوَّر إلا أن العام الذي قضيته عاطلاً عن العمل كان نعمة هبطت عليّ. ففي أحد الأيام عرض عليّ بعض الإخوة العراقيين أن أعمل في مجال العقارات في لندن.

ثم تبيّنتُ أن هؤلاء الإخوة الأعزاء هم مسلمون شيعة، وهنا أيضاً شعرت بدفقٍ غامرٍ من المحبة والفرح، ولقد بدأت عيناي تتفتّحان أكثر عندما أخذت ألتقي بإخوة ليس فقط من العراق بل من غيره أيضاً. وهكذا نمت روابط الأخوَّة بيني وبين الأخوَّة المسلمين من سائر المذاهب على حد سواء، ورأيتني أشعر بمحبة وود للجميع.

٣٨

الحمد لله على نعمته الكريمة، فأنا لا أستطيع التفريق لأنني أعرف أن هناك إسلاماً واحداً، وأن كل المسلمين إخوة. وأن الأشرار وحدهم هم الذين يدعون إلى التفرقة. فالله تعالى يقول في كتابه الكريم:﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].

ليلهمنا الله ما فيه وحدتنا الحقيقية وليهدِنا معاً إلى الصراط المستقيم، وليمنحنا ما يكفي من القوة لنقتدي برسوله محمد (ص)

الأخت الإسبانية المسلمة ماريا سلفادور (إيمان بشير)

عرفت الكثير من المشاكل في حياتي وكلها اختفت تدريجياً بعد الإِسلام.

الإِسلام أعطى المرأة حقها كاملاً بعكس الحضارة الغربية

الأخت الإسبانية المولودة من عائلة مسيحية في مدينة برشلونة الإسبانية القائمة على شاطىء البحر الأبيض المتوسط. هي شاهد آخر على أن الإِسلام دين الفطرة الإلهية، ما إن تصغي إلى حقائقه العقول وتلامس أنواره القلوب حتى يحركهما نحوه ويجذبهما إليه مهما كانت الحجب والموانع كبيرة.

.. فرغم أنها كانت في الثامنة عشرة من عمرها، ورغم أنها بنت الحضارة الغربية المادية المتفلّتة والتي تغري أمثالها بالانجراف في تيارها كما هو الواقع.. رغم ذلك، فإنها استجابت للنداء الإلهي الحق الذي دعاها في لحظات تأمل وانعتاق.. وها هي اليوم تحمد الله تعالى على نعمة الهداية للإِسلام، الذي التزمت به إيماناً وعملاً، فأصبحت بذلك حجة على أبناء بيئتها الذين نشأت بينهم، كما هي حجة بالغة على الفتيات والنساء المسلمات اللواتي حدن عن نهج الإِسلام بعدما خدعتهن حضارة الغرب وبريقها الزائف..

التقتها مندوبة «نور الإِسلام» حيث تقيم مع زوجها اللبناني الدكتور محمد بشير وأسرتهما في منزلهما الكائن في ضاحية بيروت الجنوبية وأجرت معها هذه المقابلة:

س: نودّ في البداية أن تعرّفينا على نفسك وعلى ظروفك العائلية والدينية قبل اعتناقك للإِسلام؟

ج: نعم، أنا إسبانية وُلدت ونشأتُ وتعلمت في مدينة برشلونة الإسبانية الشهيرة، وقد كنت أعيش ضمن عائلة صغيرة تتكوّن من ثلاثة أبناء بالإضافة إلى الوالدين.. حياتنا كانت عادية على الصعيد الاجتماعي.

٣٩

أما على الصعيد الديني، فصحيح أننا كنا ننتمي للدين المسيحي بحكم المجتمع والبيئة، إلّا أننا جميعاً وكأكثر العائلات لم نكن نهتم بأيٍّ من تعاليمه، ولم نكن نمارس أي طقس من طقوسه الدينية وهذا عائد إلى أن الدين قد فقد الاهتمام به في أوروبا بشكلٍ عام إلّا في بعض المظاهر الخارجية.

س: ماذا كانت فكرة العائلة والمحيط عن الدين الإِسلامي؟

ج: مع أن إسبانيا في عمقها وتاريخها كانت بلداً إسلامياً لعدة قرون، فإنه وبسبب التجاهل المتعمّد لهذا التاريخ لم نكن نسمع بالإِسلام أبداً، ولم نعرف عنه شيئاً، ولقد تفاجأنا تماماً حين تعرّفنا إليه وإلى ما يتضمّن من عقيدة سامية وتشريع، إذ كان يسود في محيطنا فكرة أن الدين الإِسلامي دين غير جدير بالاهتمام، دين متخلّف، وأن العرب والمسلمين قوم متخلّفون بدائيون، دينهم دين إرهاب وتعصُّب وهذا الفهم كان بسبب التوجيه الخاطىء المتعصب المقصود.

س: المناهج التعليمية لديكم ألم تكن تشير إلى الدين الإِسلامي؟

ج: مطلقاً، لم تُعنَ مدارسنا سابقاً بالإشارة إلى هذا الدين أو التعريف عنه - هذا سابقاً - أما الآن فقد تغيّر الوضع تماماً، حيث أصبحت المناهج تتضمن معارف عن الإِسلام والعادات والتقاليد الإِسلامية، وهذا يرجع إلى الانتشار الإِسلامي الجديد والكثيف بيننا.

س: حدّثينا بشكلٍ مفصّلٍ عن الظروف التي تعرّفت من خلالها إلى الإِسلام وعن دوافع اعتناقك له؟

ج: في البداية كانت تربطني علاقة صداقة قوية بعدد من الشبان والشابات الإسبان الذين كانوا يعتنقون الدين المسيحي شكلياً مثلي، ثم بعد فترة وجيزة، بدأتُ أفاجأ حين ألتقي بهم بالتغيّرات التي أخذت تطرأ على طرق تفكيرهم وسلوكهم، وتوصلت في النهاية إلى معرفة السبب ألا وهو اعتناقهم للدين الإِسلامي بعدما اطّلعوا عليه. وقد صدمني هذا الأمر ودفعني إلى كثير من التساؤلات خاصة بعد ارتداء بعض صديقاتي الحجاب. فأخذت ألاحقهنّ بكثير من الأسئلة عن سبب هذا التصرف وجدوى هذا الحجاب. فانحصرت الإجابة عندهن بأن أفعل مثلهن وأتعرَّف على الدين الإِسلامي من خلال المنتمين إليه، وبعد عدة محاولات من صديقاتي بدأتُ أتردد معهن إلى المركز الإِسلامي لأهل البيت (عليهم السلام) في برشلونة، وهناك كنت أستمع إلى بعض الإخوة الذين كانوا يبيّنون المفاهيم والعقائد الإِسلامية ويجرون النقاشات حول الإِسلام.

٤٠