نهاية الحكمة

نهاية الحكمة0%

نهاية الحكمة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الفلسفة والعرفان
الصفحات: 437

نهاية الحكمة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف:

الصفحات: 437
المشاهدات: 147309
تحميل: 4927

توضيحات:

نهاية الحكمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147309 / تحميل: 4927
الحجم الحجم الحجم
نهاية الحكمة

نهاية الحكمة

مؤلف:
العربية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على عين الانسان وانسان العين ومن دنى من ربّه العليّ فتدلّى فكان قاب قوسين أبي القاسم المصطفى المنزّه من كلّ رين وشين ، وعلى أهل بيته الغرِّ الميامين سيّما ناموس الدهر وإمام العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وبعد ، فإنّ من دواعي الفخر والاعتزاز أن ينهض علماء الشيعة ومحقّقوها الذين عرفوا بالتحقيق والتدقيق في سائر العلوم والفنون ، فكان لهم الكأس الأوفى والقدح المعلّى في الفقه واُصوله والحديث ودرايته والرجال والكلام والتفسير وعلوم القرآن وغيرها ، فيتصدّون لأعقد العلوم وأشرفها رتبةً وأعلاها منزلةً ، أي الحكمة المتعالية بتعالي موضوعها ومسائلها ، والمشرّفة بشرف غايتها وأغراضها أي معرفة الحقّ عزّ شأنه وصفاته العليا وأسمائه الحسنى وأفعاله في خلقه ، وأسرار المبدأ والمعاد ومكامن التكوين والإبداع في عالم الإمكان ، سيّژما ما يتعلّق بشؤون الإنسان وأطواره روحاً وبدناً ، نفساً وجسداً ، عقلا وإحساساً ، فإنّه بحرٌ وسيعٌ وسيع وغوره عميقٌ عميق ، فغاصوا ذلك البحر المتلاطم وسبروا غوره المتفاقم فأخرجوا الدُرر واللآلئ ونظموها في أتقن نظام ، ووضعوها بين يدي طلاّبها ومبتغيها على أحسن ما يُرام.

وكيف لا يكونوا كذلك! وقد أتوا مدينة العلم والحكمة من بابها وأناخوا عقولهم وأرواحهم في فناء ينابيعها الراقية وعيونها الصافية ، فنهلوا من معينها عذباً

٣

فُراتاً وصدروا عنها رواةً وأثباتاً.

والعلاّمة الخبير والمفسِّر النحرير السيد محمّد حسين الطباطبائي (قدس سره) واحدٌ من اُولئك الأفذاذ الذين عزَّ نظيرهم وقلَّما يجود الزمان بمثلهم ، فقد عمّ خيره وجرت ينابيع الحكمة على لسانه وقلمه ، فكتب في المعقول والمنقول والقرآن والعرفان والكلام والبرهان فأحسن وأجاد وأتقن وأفاد رضوان الله تعالى عليه.

والكتاب الماثل بين يديك ـ عزيزنا القارئ ـ حلقة من سلسلة ذهبية رصينة كتبها في الحكمة المتعالية ووسمها بـ «نهاية الحكمة» تسليكاً للطريق وتمهيداً للسبيل أمام بُغاة الحكمة وطلاّبها وإعانةً لهم في ورود لُججها وسبر أغوارها في المراحل المتقدّمة من أسفارها.

ولا يفوتنا ـ ونحن نقدِم على طبع هذا الكتاب ونشره ـ أن نتقدّم بجزيل شكرنا وخالص دعائنا لفضيلة حجّة الاسلام الشيخ عبّاس عليّ الزارعيّ السبزواريّ على ما بذله في تصحيح الكتاب وضبط نصوصه وتخريج أقواله وتوضيح مبهماته والتعليق على بعض عباراته وتنظيم فهارسه ، سائلين الله تعالى للمؤلّف الرضا والرضوان وللمحقّق ولنا المزيد في خدمة خير الأديان إنّه الوليّ المستعان ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علّمنا قواعد العقائد الدينيّة ، ونوّر قلوبنا بالمعارف القرآنيّة ، ودلّ عقولنا على وجوده بالآيات الجليّة ، وقوّى أقدامنا بالبراهين اليقينيّة ، ومنّ علينا بالرسالة المحمّديّة ، وهيّأ لنا النعمات الدنيويّة والاُخرويّة.

والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد ، فإنّ للإنسان قوّة يمتاز بها من سائر الحيوانات.

وهي القوّة النطقيّة التي بها يتعقّل المعقولات ويتمكَّن من النظر والاستدلال واكتساب المجهولات.

ولمّا كانت المجهولات كثيرة وكان العلم بها ذا شُعَب متكثّرة ، بحيث لا يمكن للواحد الاحاطة بجميعها ، فافترق أهل العلم إلى فِرَق مختلفة.

فذهب بعضهم إلى تحصيل الفقه وتحقيقه ، وبعضهم إلى النحو والصرف ، وبعضهم إلى غيرها ، وبعض آخر إلى علم الفلسفة الذي يبحث فيه عن أحوال الموجود بما هو موجود.

وهذا العلم له شأن من الشأن بل أقوى العلوم برهاناً وأشرفها غايةً؛ ولهذا صرف كثيرٌ من المحقّقين هممهم في تحصيله وتحقيقه ، وألّفوا مؤلّفات قيّمة ، ومنها كتاب «نهاية الحكمة» للعلاّمة المحقّق السيّد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره).

ولمّا كان هذا الكتاب من الكُتب الفلسفية المتداولة للدراسة عند محصّلي العلوم في الحوزات العلميّة وغيرها ومحطّ أنظار الأساتيذ وأهل العلم والتحقيق قمت بتصحيحه وتحقيق متنه وتخريج أقواله من منابعها ، واعتمدت في ذلك على أهمّ الجوامع الفلسفيّة والكلاميّة.

وكذا علّقت عليه بتعليقات لازمة لإزاحة

٥

التشويشات وايضاح المبهمات ، ولم يكن بناؤنا على التعليق عليه تفصيلا.

وفي الختام نرجو من الله تعالى أن يزيد في علوّ درجات العلاّمة الطباطبائي (رحمه الله) وأن يحشره مع أجداده الطيبين الطاهرين.

والحمد لله رب العالمين.

عباس علي الزارعيّ السبزواريّ

27 رجب 1416 هـ. ق

قم ـ الحوزة العلميّ ة

٦

كلامٌ

بمنزلة المدخل لهذه الصناعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالَمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

إنّا معاشرَ الناس أشياءُ موجودةٌ جدّاً ، ومَعَنا أشياءُ اُخَر موجودةٌ ربّما فعلَتْ فينا أو انفعلَتْ منّا ، كما أنّا نفعل فيها أو ننفعل منها.

هناك هواءٌ نستنشقه ، وغذاءٌ نتغذّى به ، ومساكنٌ نسكنها ، وأرضٌ نتقلّب عليها ، وشمسٌ نستضيء بضيائها ، وكواكبُ نهتدي بها ، وحيوانٌ ، ونباتٌ ، وغيرهما.

وهناك أُمورٌ نُبصرها ، واُخرى نسمعها ، واُخرى نشمّها ، واُخرى نذوقها ، واُخرى واُخرى.

وهناك اُمورٌ نقصدها أو نهرب منها ، وأشياءُ نُحبّها أو نُبغضها ، وأشياءُ نَرجوها أو نخافها ، وأشياءُ تشتهيها طباعُنا أو تتنفّر منها ، وأشياءُ نُريدها لغرض الاستقرار في مكان أو الانتقال من مكان أو إلى مكان أو الحصول على لذّة أو الاتّقاء من ألم أو التخلّص من مكروه أو لمآرب اُخرى.

وجميع هذه الاُمور التي نشعر بها ، ولعلّ معها ما لا نشعر بها ، ليست بسُدًى ، لما أنّها موجودةٌ جدّاً وثابتةٌ واقعاً.

فلا يقصد شيءٌ شيئاً إلاّ لأنّه عينٌ خارجيّةٌ وموجودٌ واقعيُّ أو منته إليه ، ليس وهماً سرابيّاً.

فلا يسعنا أن نرتاب في أنّ هناك وجوداً ، ولا أن ننكر الواقعيّة مطلقاً ، إلاّ أن نكابر الحقّ فننكره أو نُبدي الشكّ فيه ،

٧

وإن يكن شيءٌ من ذلك فإنّما هو في اللفظ فحسب.

فلا يزال الواحد منّا وكذلك كلّ موجود يعيش بالعلم والشعور ، يرى نفسَه موجوداً واقعيّاً ذا آثار واقعيّة. ولا يمسّ شيئاً آخر غيره إلاّ بما أنّ له نصيباً من الواقعيّة.

غير أنّا كما لا نشكّ في ذلك لانرتاب أيضاً في أنّا ربّما نخطِىء ، فنحسب ما ليس بموجود موجوداً أو بالعكس ، كما أنّ الإنسان الأوّليّ كان يثبت أشياءً ويرى آراءً ننكرها نحن اليوم ونرى ما يناقضها ، وأحد النظرَيْن خطأٌ لا محالة. وهناك أغلاط نبتلي بها كلّ يوم ، فنثبت الوجود لما ليس بموجود وننفيه عمّا هو موجودٌ حقّاً ، ثمّ ينكشف لنا أنّا أخطأنا في ماقضينا به. فمسّت الحاجة إلى البحث عن الأشياء الموجودة وتمييزها بخواصّ الموجوديّة المحصّلة ممّا ليس بموجود ، بحثاً نافياً للشكّ منتجاً لليقين ، فإنّ هذا النوع من البحث هو الذي يهدينا إلى نفس الأشياء الواقعيّة بما هي واقعيّة.

وبتعبير آخر : بحثاً نقتصر فيه على استعمال البرهان ، فإنّ القياس البرهانيّ هو المنتج للنتيجة اليقينيّة من بين الأقيسة ، كما أنّ اليقين هو الإعتقاد الكاشف عن وجه الواقع من بين الإعتقادات.

فإذا بحثنا هذا النوع من البحث أمكننا أن نستنتج به أنّ كذا موجودٌ وكذا ليس بموجود.

ولكنّ البحث عن الجزئيّات خارجٌ من وُسعِنا ، على أنّ البرهان لا يجري في الجزئيّ بما هو متغيّر زائل.

ولذلك بعينه ننعطف في هذا النوع من البحث إلى البحث عن حالِ الموجود على وجه كلّيٍّ ، فنستعلم به أحوال الموجود المطلق بما أنّه كلّيٌّ.

ولَمّا كان من المتسحيل أن يتّصف الموجود بأحوال غير موجودة ، إنحصرت الأحوال المذكورة في أحكام تُساوي الموجود من حيث هو موجودٌ ، كالخارجيّة المطلقة والوحدة العامة والفعليّة الكلّيّة المساوية للموجود المطلق ، أو تكون أحوالا هي أخصّ من الموجود المطلق ، لكنّها وما يقابلها جميعاً تُساوي الموجود المطلق ، كقولنا : «الموجود إمّا خارجيٌّ أو ذهنيٌّ» و «الموجود إمّا واحدٌ أو كثيرٌ» و «الموجود إمّا بالفعل أو بالقوّة» والجميع ـ كما ترى ـ أمورٌ غيرُ خارجة

٨

من الموجوديّة المطلقة.

والمجموع من هذه الأبحاث هو الذي نسمّيه : «الفلسفة»(1) .

وقد تبيّن بما تقدّم :

أوّلا : أنّ الفلسفة أعمُّ العلوم جميعاً ، لأنّ موضوعها أعمُّ الموضوعات ، وهو «الموجود»(2) الشّامل لكلِّ شيء(3) .

فالعلوم جميعاً تتوقّف عليها في ثبوت موضوعاتها.

وأمّا الفلسفة فلاتتوقّف في ثبوت موضوعها على شيء من العلوم ، فإنّ موضوعها الموجود العام الذي نتصوّره تصوّراً أوّليّاً ونصدّق بوجوده كذلك ، لأنّ الموجوديّة نفسه.

وثانياً : أنّ موضوعها لَمّا كان أعمُّ الأشياء ولا ثبوتَ لأمر خارج منه كانت المحمولات المثبتة فيها إمّا نفسَ الموضوع ، كقولنا : «إنّ كلّ موجود فإنّه ـ من حيث هو موجودٌ ـ واحدٌ أو بالفعل» ، فإنّ الواحد وإن غايَرَ الموجود مفهوماً لكنّه عينه مصداقاً ، ولو كان غيرَه كان باطلَ الذات غيرَ ثابت للموجود ، وكذلك ما بالفعل؛ وإمّا ليست نفسَ الموضوع ، بل هي أخصّ منه ، لكنّها ليست غيرَه ، كقولنا : «إنّ العلّة موجودة» فإنّ العلّة وإن كانت أخصّ من الموجود لكنّ العلّيّة ليست حيثيّةً خارجةً من الموجوديّة العامة ، وإلاّ لبطلت.

وأمثال هذه المسائل مع ما يقابلها تعود إلى قضايا مردَّدَةِ المحمول ، تُساوي

__________________

(1) فالفلسفة هي العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود. ويسمّى أيضاً «الفلسفة الاُولى» كما قال الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالة الاُولى من إلهيّات الشفاء : «وهو الفلسفة الاُولى لأنّه العلم بأوّل الاُمور في الوجود وهو العلّة الاُولى وأوّل الاُمور في العموم».

(2) بخلاف من قال : «إنّ موضوعه هو الإله» ، ومن قال : «إنّ موضوعه هو العلل الأربع» ، راجع شرح عيون الحكمة ج 3 ص 8 ـ 9.

(3) إن قلت : قد يبحث في الفلسفة عن أحوال المعدوم ولا يعتبر فيها الوجود فكيف يشمله الموجود؟ قلنا : الموجود أعم من الذهنيّ والخارجي ـ كما سيأتي ـ والمعدوم وان كان معدوماً بالحمل الأولي ولكنّه موجود بالحمل الشائع الصناعي.

٩

أطراف الترديد فيها الموجوديّةَ العامة ، كقولنا : «كلُّ موجود إمّا بالفعل أو بالقوّة». فأكثر المسائل في الفلسفة جاريةٌ على التقسيم ، كتقسيم الموجود إلى واجب وممكن ، وتقسيم الممكن إلى جوهر وعرض ، وتقسيم الجوهر إلى مجرّد ومادّيّ ، وتقسيم المجرّد إلى عقل ونفس ، وعلى هذا القياس.

وثالثاً : أنّ المسائل فيها مسوقة على طريق عكس الحمل ، فقولنا : «الواجب موجودٌ والممكن موجودٌ» في معنى : «الوجود يكون واجباً ويكون ممكناً» ، وقولنا : «الوجوب إمّا بالذات وإمّا بالغير» معناه : «أنّ الموجود الواجب ينقسم إلى واجب لذاته وواجب لغيره».

ورابعاً : أنّ هذا الفنّ لمّا كان أعمَّ الفنون موضوعاً ولا يشذّ عن موضوعه ومحمولاتها الراجعة إليه شيءٌ من الأشياء ، لم يتصوّر هناك غايةٌ خارجةٌ منه يقصد الفنّ لأجلها.

فالمعرفة بالفلسفة مقصودةٌ لذاتها من غير أن تقصدَ لأجل غيرها وتكونَ آلةً للتوصّل بها إلى أمر آخر كالفنون الآليّة ، نعم هناك فوائد تترتّب عليها.

وخامساً : أنّ كون موضوعها أعمَّ الأشياء يوجب أن لا يكون معلولا لشيء خارج منه ، إذ لا خارجَ هناك ، فلا علّةَ له.

فالبراهين المستعملة فيها ليست ببراهين لِمّية.

وأمّا برهان الإنّ فقد تحقّق في كتاب البرهان من المنطق أنّ السلوك من المعلول إلى العلّه لا يفيد يقيناً ، فلا يبقى للبحث الفلسفي إلاّ برهان الإنّ الذي يعتمد فيه على الملازمات العامة ، فيسلك فيه من أحد المتلازمين العامين إلى الآخر.

١٠

المرحلة الأُولى

في أحكام الوجود الكلّيّة

وفيها خمسة فصول

١١

الفصل الأوّل

في أنّ الوجود مشتركٌ معنويٌّ

الوجود بمفهومه مشتركٌ معنويٌ يُحمَل على ما يُحمَل عليه بمعنى واحد(1) .

وهو ظاهرٌ بالرجوع إلى الذّهن حينما نحمله على أشياء أو ننفيه عن أشياء ، كقولنا : «الإنسان موجود» ، و «النبات موجود» ، و «الشمس موجودة» ، و «إجتماع النقيضين ليس بموجود» ، و «إجتماع الضدّين ليس بموجود».

وقد أجاد صدر المتألّهين (قدس سره) ، حيث قال : «إنّ كون مفهوم الوجود مشتركاً بين الماهيّات قريبٌ من الأوّليّات»(2) .

__________________

(1) إعلم أنّ البحث عن اشتراك الوجود إمّا لفظيّ وإمّا عقلي. أمّا الأوّل وهو البحث عن أنّ لغة الوجود هل هي موضوعة لمعنى واحد فلا اشتراك لفظيّاً أو موضوعة لمعان متعدّدة فيكون اللفظ مشتركاً؟ وهذا البحث من مباحث علم اللغة ولا يليق بالمباحث العقلية. وأمّا الثاني وهو البحث عن أنّ الوجود هل هو معنى واحد في جميع ما يُحمل على الماهيات أم معان متعدّدة بحسب تعدّد الماهيات. وهذا هو محل النزاع ومعركة الآراء في المقام. فذهب جمعٌ إلى الأوّل ويعبّر عنه بالاشتراك المعنويّ للوجود ، وجمعٌ آخر كالأشاعرة إلى الثاني ويعبّر عنه بالاشتراك اللفظي للوجود.

(2) راجع تعليقة صدر المتألّهين على شرح حكمة الإشراق ص 182 ، وراجع الأسفار الأربعة

١٢

فمن سخيف القول ما قال بعضهم(1) : «إنّ الوجود مشتركٌ لفظيّ ، وهو في كلّ ماهيّة يُحمل عليها بمعنى تلك الماهيّة».

ويرُدُّه لزومُ سقوط الفائدة في الهليّات البسيطة مطلقاً(2) ، كقولنا : «الواجب موجود» و «الممكن موجود» و «الجوهر موجود» ، و «العرض موجود».

على أنّ من الجائز أن يتردّد بين وجود الشيء وعدمه مع العلم بماهيّته ومعناه(3) ، كقولنا : «هل الإتّفاق موجودٌ أو لا؟».

وكذا التردّد في ماهيّة الشيء مع الجزم بوجوده ، كقولنا : «هل النفس الإنسانيّة الموجودة جوهرٌ أو عرضٌ؟» والتردّد في أحد شيئين مع الجزم بالآخر يقضي بمغايرتهما.

ونظيره في السخافة ما نُسِبَ إلى بعضهم(4) : «أنّ مفهوم الوجود مشتركٌ لفظيٌّ بينَ الواجب والممكن».

__________________

ج 1 ص 35. واعترف كثيرٌ من المحقّقين بأنّ كون مفهوم الوجود مشتركاً بين الماهيات بديهيٌّ ، ثمّ استدلّوا عليه تنبيهاً ، فراجع المباحث المشرقيّة ج 1 ص 18 ـ 22 ، وشرح المقاصد ج 1 ص 61 ـ 62 ، وشرح المواقف ص 90 ـ 92 ، وقواعد المرام ص 39 ، وكشف المراد ص 24.

(1) وهو أبو الحسن الأشعريّ وأبو الحسين البصريّ على ما في شرح المواقف ص 92 ، وشرح المنظومة ص 16 ، وشرح المقاصد ج 1 ص 61 ، وإرشاد الطالبين ص 20.

(2) والوجه في سقوطها ما قال الرّازيّ في المباحث المشرقية ج 1 ص 23 ، إليك نصّ عبارته : «لكان قول القائل : (الجوهر موجودٌ) مثل قوله : (الجوهر جوهرٌ) وبالجملة لا يكون الحمل والوضع هاهنا إلاّ في اللفظ ، ولمّا لم يكن كذلك علمنا إنّ الوجود مغايرٌ للجوهريّة» ـ إنتهى كلامه. وقس عليه أمثلة اُخرى.

(3) كذا في المباحث المشرقيّة ج 1 ص 25 حيث قال : «إنّه يصحّ منّا أن نعقل الماهية ونشكّ في وجودها ، والمشكوك ليس نفس المعلوم ولا داخلا فيه» ـ إنتهى كلامه.

(4) وهو الكشّي وأتباعه على ما في شرح المواقف ص 92 حيث قال : «وهاهنا مذهبٌ ثالث نُقِلَ عن الكشّي وأتباعه ، وهو : أنّ الوجود مشترك لفظاً بين الواجب والممكن ، ومشتركٌ معنىً بين الممكنات كلّها. وهذا لسخافته لم يلتفت المصنّف إليه».

١٣

ورُدّ(1) بأنّا إمّا أن نقصد بالوجود الذي نحمله على الواجب معنىً أو لا ، والثاني يوجب التعطيل(2) ، وعلى الأوّل إمّا أن نعني به المعنى الذي نعنيه إذا حملناه على الممكنات ، وإمّا أن نعني به نقيضَهُ؛ وعلى الثاني يلزم نفي الوجود عنه عند إثبات الوجود له تعالى عن ذلك ، وعلى الأوّل يثبت المطلوب ، وهو كون مفهوم الوجود مشتركاً معنويّاً.

والحقٌّ ـ كما ذكره بعض المحقّقين(3) ـ أنّ القول بالإشتراك اللفظيّ من الخلط بين المفهوم والمصداق ، فحكم المغايرة إنّما هو للمصداق دون المفهوم.

الفصل الثاني

في أصالة الوجود وإعتباريّة الماهيّة

الوجود هو الأصيل دونَ الماهيّة ، أي إنّه هو الحقيقة العينيّة التي نثبتها بالضرورة.

إنّا بعد حَسْم أصل الشكّ والسفسطة وإثبات الأصيل الذي هو واقعيّة الأشياء ، أوّلَ ما نرجع إلى الأشياء ، نجدها مختلفةً متمايزةً مسلوباً بعضُها عن بعض في عين أنّها جميعاً متّحدةٌ في دفع ما كان يحتمله السوفسطيّ من بطلان الواقعيّة ، فنجد فيها مثلا إنساناً موجوداً ، وفرساً موجوداً ، وشجراً موجوداً ، وعنصراً موجوداً ، وشمساً موجودةً ، وهكذا؛ فلها ماهيّاتٌ محمولةٌ عليها بها يبايِنُ بعضها بعضاً ، ووجودٌ محمولٌ عليها مشتركُ المعنى بينها.

والماهيّة غير الوجود(4) ، لأنّ المختصَّ

__________________

(1) راجع شرح المنظومة ص 16 ـ 17.

(2) أي يوجب تعطيل عقلنا عن معرفة ذاته وصفاته. كذا في شرح المنظومة ص 16.

(3) وهو الحكيم السبزواري في شرح المنظومة ص 17. ويُستفاد ذلك أيضاً ممّا ذكره صدر المتألّهين في الجواب عمّا أورده الشيخ الإشراقيّ على أصالة الوجود ، فراجع الأسفار ج 1 ص 41.

(4) واستدلّ عليه الرّازي في المباحث المشرقيّة ج 1 ص 23 ـ 27.

١٤

غيرُ المشترك. وأيضاً الماهيّة لا تأبى في ذاتها أن يحمل عليها الوجود وأن يسلب عنها ، ولو كانت عين الوجود لم يجز أن تسلب عن نفسها لاستحالة سلب الشيء عن نفسه ، فما نجده في الأشياء من حيثيّة الماهيّة غير ما نجده فيها من حيثيّة الوجود. وإذ ليس لكلِّ واحد من هذه الأشياء إلاّ واقعيّة واحدة ، كانت إحدى هاتين الحيثيّتين ـ أعني الماهيّة والوجود ـ بحذاء ما له من الواقعيّة والحقيقة ، وهو المراد بالأصالة ، والحيثيّةُ الاُخرى اعتباريّةً منتزعةً من الحيثيّة الأصيلة ، تُنسب إليها الواقعيّة بالعرض.

وإذ كان كلّ شيء أنمّا ينال الواقعيّة إذا حُمِل عليه الوجود وإتّصف به فالوجود هو الذي يحاذي واقعيّة الأشياء.

وأمّا الماهيّة فإذ كانت مع الإتّصاف بالوجود ذاتَ واقعيّة ومع سلبه باطلة الذات فهي في ذاتها غير أصيلة ، وإنمّا تتأصّل بعرْضِ الوجود.

فقد تحصّل : أنّ الوجود أصيلٌ والماهيّة إعتباريّةٌ ، كما قال به المشّاؤون(1) ، أي أنّ الوجود موجودٌ بذاته والماهيّة موجودةٌ به.

وبذلك يندفع ما اُورِدَ(2) على أصالة الوجود من أنّ الوجود لو كان حاصلا في الأعيان كان موجوداً لأنّ الحصول هو الوجود ، فللوجود وجودٌ ، وننقل الكلام إليه وهلمّ جراً ، فيتسلسل.

وجه الإندفاع (3) : أنّ الوجود موجودٌ لكن بذاته لا بوجود زائد ـ أي إنّ

__________________

(1) ومنهم بهمنيار في التحصيل ص 284 ، والسيّد الداماد في القبسات ص 38 ، وتبعهم صدر المتألّهين في الأسفار ج 1 ص 49 ، والحكيم السبزواري في شرح المنظومة ص 10. وقيل : «إنّما لُقّبوا بهذا الإسم لأنّهم كانوا يمشون في ركاب ارسطو كذا».

(2) أورده الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق ، فراجع كلام الماتن في شرح حكمة الإشراق ص 183 ـ 184 ، وكذا أورده في التلويحات ص 22 ـ 23. وتعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج 1 ص 39 ـ 40 ، والحكيم السبزواري في شرح المنظومة ص 11.

(3) هذا ما أجاب به صدر المتألّهين في تعليقته على شرح حكمة الإشراق ص 184 ـ 185 ، والأسفار ج 1 ص 40 ـ 41. وتعرّض له الحكيم السبزواري في شرح المنظومة ص 11.

١٥

الوجود عينُ الموجوديّة ـ ، بخلاف الماهيّة التي حيثيّةُ ذاتها غيرُ حيثيّةِ وجودها.

وأمّا دعوى(1) أنّ الموجود في عُرْف اللغة إنّما يطلق على ما له ذات معروضة للوجود ، ولازمه أنّ الوجود غير موجود؛ فهي على تقدير صحّتها أمرٌ راجعٌ إلى الوضع اللغوي أو غلبة الإستعمال ، والحقائق لا تتّبع إستعمالَ الألفاظ ، وللوجود ـ كما تقدّم(2) ـ حقيقةٌ عينيةٌ نفسُها ثابتةٌ لنفسها.

قال بهمنيار في التحصيل : «وبالجملة فالوجود حقيقتهُ أنّه في الأعيان لا غير ، وكيف لا يكون في الأعيان ما هذه حقيقته؟» إنتهى(3) .

ويندفع أيضاً ما اُشكل عليه(4) بأنّ كونَ الوجود موجوداً بذاته يستتبع كونَ الوجودات الإمكانيّة واجبةً بالذات ، لأنّ كون الوجود موجوداً بذاته يستلزم إمتناعَ سلبِهِ عن ذاته ، إذ الشيء لا يسلب عن نفسه ، ولا نعني بالواجب بالذات إلاّ ما يمتنع عدمه لذاته.

وجه الإندفاع (5) : أنّ الملاك في كون الشيء واجباً بالذات ليس هو كون وجوده نفسَ ذاته ، بل كون وجوده مقتضى ذاته من غير أن يفتقر إلى غيره ، وكلّ وجود إمكانيٍّ فهو في عين أنّه موجودٌ في ذاته مفتقرٌ إلى غيره مفاضٌ منه ، كالمعنى الحرفيّ الذي نفسه نفسه ، وهو مع ذلك لا يتمّ مفهوماً إلاّ بالقيام بغيره.

وسيجيء مزيد توضيح له في الأبحاث الآتية(6) .

قالصدر المتألّهين في الأسفار : «معنى وجود الواجب بنفسه أنّه مقتضى ذاته من غير احتياج إلى فاعل وقابل؛ ومعنى تحقّق الوجود بنفسه أنّه إذا حصل ، إمّا بذاته كما في الواجب ، أو بفاعل لم يفتقر تحقّقه إلى وجود آخر يقوم به ، بخلاف

__________________

(1) لم أجد مدّعيه.

(2) في السطور المتقدّمة حيث قال : «إنّ الوجود موجود لكن بذاته».

(3) راجع التحصيل ص 281.

(4) تعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار : ج 1 ص 40.

(5) كما في الأسفار : ج 1 ص 40 ـ 41.

(6) راجع الفصل الأول والثاني من المرحلة الرابعة.

١٦

غير الوجود»(1) إنتهى.

ويندفع عنه أيضاً ما أُورِد عليه(2) أنّه لو كان الوجودُ موجوداً بذاته والماهيّةُ موجودةً بغيرها ـ الذي هو الوجود ـ كان مفهومُ الوجود مشتركاً بين ما بنفسه وما بغيره ، فلم يتمّ مفروض الحجّة من أنّ الوجود مشتركٌ معنويّ بين الموجودات لا لفظيّ.

وجه الإندفاع (3) : أنّ فيه خلطاً بين المفهوم والمصداق ، والإختلاف المذكور مصداقيّ لا مفهوميّ.

فتبيّن بما تقدّم فساد القول بأصالة الماهيّة ، كما نُسِبَ إلى الإشراقيّين(4) .

فهي عندهم أصيلة إذا كانت بحيث ينتزع عنها الوجود ، وإن كانت في حدّ ذاتها إعتباريّهً والوجود المنتزَع عنها إعتباريّاً.

ويردُّهُ أنّ صيرورةَ الماهيّة الإعتباريّة بانتزاع مفهوم الوجود الإعتباريّ أصيلةً ذات حقيقة عينيّة ، إنقلابٌ ضروريّ الإستحاله.

وتبيّن أيضاً فساد القول بأصالة الوجود في الواجب وأصالة الماهيّة في الممكن ، كما قال به الدّواني(5) وقَرَّره بأنّ الوجود على ما يقتضيه ذوق المتألّهين حقيقةٌ عينيّةٌ شخصيّةٌ هي الواجب (تعالى) ، وتتأصّل الماهيّات الممكنة بنوع من الإنتساب إليه ، فإطلاق الموجود عليه (تعالى) بمعنى أنّه عين الوجود ، وعلى الماهيّات الممكنة بمعنى أنّها منتسبة إلى الوجود الذي هو الواجب.

ويرُدُّه(6) أنّ الإنتساب المذكور إن استوجب عرْضَ حقيقة عينيّة على

__________________

(1) راجع الأسفار ج 1 ص 40.

(2) هذا الإيراد أورده الشيخ الإشراقيّ ، فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) ص 184.

(3) هكذا أجاب عنه صدر المتألّهين في الأسفار ج 1 ص 41.

(4) راجع شرح حكمة الإشراق ص 185 ـ 191 ، والتلويحات ص 23. ونُسب إليهم ايضاً في الأسفار ج 1 ص 39 و 411.

(5) نُسِب إليه في شرح المنظومة (قسم الحكمة) ص 25.

(6) وردَّه أيضاً في الأسفار ج 1 ص 73 ـ 74.

١٧

الماهيّات كانت هي الوجود ، إذ ليس للماهيّة المتأصّلة إلاّ حيثيّتا الماهيّة والوجود ، وإذا لم تضف الأصالة إلى الماهيّة فهي للوجود ، وإن لم يستوجب شيئاً وكانت حال الماهيّة قبلَ الإنتساب وبعدَه سواءً ، كان تأصّلها بالإنتساب إنقلاباً ، وهو محالٌ.

يتفرّع على أصالة الوجود وإعتباريّة الماهيّة :

أوّلا : أنّ كلَّ ما يُحمل على حيثيّة الماهيّة فإنّما هو بالوجود.

وأنّ الوجود حيثيّةٌ تقييديّةٌ في كلِّ حمل ماهويٍّ ، لما أنّ الماهيّة في نفسها باطلةٌ هالكةٌ لا تملك شيئاً ، فثبوت ذاتها وذاتيّاتها لذاتها بواسطة الوجود.

فالماهيّة وإن كانت إذا اعتبرها العقل من حيث هي لم تكن إلاّ هي ، لا موجودة ولا معدومة ، لكنّ ارتفاع الوجود عنها بحسب هذا الإعتبار ـ ومعناه أنّ الوجود غير مأخوذ في حدّها ـ لا ينافي حملَه عليها خارجاً عن حدّها عارضاً لها ، فلها ثبوتٌ مّا كيفما فرضت.

وكذا لوازم ذاتها ـ التي هي لوازم الماهيّة كمفهوم الماهيّة العارضة لكلّ ماهيّة ، والزوجيّة العارضة لماهيّة الأربعة ـ تثبت لها بالوجود لا لذاتها.

وبذلك يظهر أنّ لازِمَ الماهيّة بحسب الحقيقة لازِمُ الوجودين الخارجيَّ والذهنيّ كما ذهب إليه الدّوانيّ(1) .

وكذا لازِمُ الوجود الذهني كالنوعيّة للإنسان ، ولازِمُ الوجود الخارجيّ كالبرودة للثلج ، والمحمولات غير اللازمة كالكتابة للإنسان ، كلّ ذلك بالوجود.

وبذلك يظهر أنّ الوجود من لوازم الماهيّة الخارجة عن ذاتها.

وثانياً : أنّ الوجود لا يتّصف بشيء من أحكام الماهيّة ، كالكلّيّة والجزئيّة ، وكالجنسيّة والنوعيّة والفصليّة والعرضيّة الخاصة والعامة ، وكالجوهريّة والكميّة والكيفيّة وسائر المقولات العرضيّة(2) ، فإنّ هذه جميعاً أحكامٌ طارئةٌ على الماهيّة من جهة صدقها وانطباقها على شيء كصدق الإنسان وإنطباقه على زيد وعمرو

__________________

(1) راجع حاشية الدّوانيّ على شرح التجريد للقوشجيّ ص 27.

(2) أي الأين والمتى والملك والجدة والاضافة وأن يفعل وأن ينفعل.

١٨

وسائر الأفراد ، أو من جهة اندراج شيء تحتها كاندراج الأفراد تحت الأنواع والأنواع تحت الأجناس. والوجود ـ الذي هو بذاته الحقيقة العينيّة ـ لا يقبل انطباقاً على شيء ولا اندراجاً تحت شيء ولا صدقاً ولا حملا ولا ما يشابه هذه المعاني ، نعم مفهوم الوجود يقبل الصدق والإشتراك كسائر المفاهيم.

ومن هنا يظهر أنّ الوجود يساوق الشخصيّة.

ومن هنا يظهر أيضاً أنّ الوجود لا مثلَ له(1) ، لأنّ مثلَ الشيء ما يشاركه في الماهيّة النوعيّة ولا ماهيّةَ نوعيّةً للوجود.

ويظهر أيضاً أنّ الوجود لا ضدَّ له(2) لأنّ الضدّين ـ كما سيأتي(3) ـ أمران وجوديّان متعاقبان على موضوع واحد داخلان تحتَ جنس قريب بينهما غاية الخلاف ، والوجود لا موضوع له ولا جنس له ولا له خلاف مع شيء.

وثالثاً : أنّ الوجود لا يكون جزءاً لشيء ، لأنّ الجزء الآخر والكلّ المركّب منهما إن كانا هما الوجود بعينه فلا معنى لكون الشيء جزءاً لنفسه ، وإن كان أحدهما أو كلاهما غير الوجود كان باطلَ الذات ، إذ لا أصيل غير الوجود ، فلا تركيب(4) .

وبهذا البيان يثبت أنّ الوجود لا جزءَ له(5) ، ويتبيّن أيضاً أنّ الوجود بسيط في ذاته.

ورابعاً : أنّ ما يلحق الوجود حقيقةً من الصفات والمحمولات اُمور غيرُ خارجة عن ذاته ، إذ لو كانت خارجةً كانت باطلةً.

وخامساً : أنّ للموجود من حيث إتّصافه بالوجود نحو إنقسام إلى ما بالذات وما بالعرض ، فالوجود موجودٌ بالذات بمعنى أنّه عين نفسه ، والماهيّة موجودةٌ بالعرض ، أي أنّها ليست [متصفةً] بالوجود بالنظر إلى نفس ذاتها وإن كانت

__________________

(1 و 2) راجع كشف المراد ص 30 ، وشوارق الإلهام ص 54 ، والأسفار ج 1 ص 343 ، وشرح المنظومة ص 41 ـ 42.

(3) في الفصل التاسع من المرحلة السابعة.

(4) قال المصنّف (قدس سره) في بداية الحكمة ص 19 : «وما قيل : (إنّ كلّ ممكن زوجٌ تركيبيٌ من ماهية ووجود) فاعتبارٌ عقليٌّ ...».

(5) راجع بداية الحكمة : ص 19.

١٩

موجودةً بالوجود حقيقةً قبالَ ما ليس بموجود بالوجود.

وسادساً : أنّ الوجود عارضٌ للماهيّة ـ بمعنى أنّ للعقل أن يجرّد الماهيّة عن الوجود ، فيعقلها وحدها من غير نظر إلى وجودِها ـ ، فليس الوجود عينها ، ولا جزءاً لها. ومن الدليل على ذلك جواز سلب الوجود عن الماهيّة ، وإحتياج إتّصافها به إلى الدليل ، وكونها متساوية النسبة في نفسها إلى الوجود والعدم ، ولو كان الوجود عينها أو جزءاً لها لما صحّ شيءٌ من ذلك.

والمغايرة ـ كما عرفت(1) ـ عقليّةٌ ، فلا تنافي إتّحادَ الماهيّة والوجود خارجاً وذهناً ، فليس هناك إلاّ حقيقة واحدة هي الوجود لمكان أصالته وإعتباريّتها ، فالماهيّات المختلفة يختلف بها الوجود نحواً من الإختلاف من غير أن يزيد على الوجود شيءٌ؛ وهذا معنى قولهم : «إنّ الماهيّات أنحاء الوجود»(2) . وإلى هذا الإختلاف يؤول ما بين الماهيّات الموجودة من التميّز والبينونة واختلاف الآثار ، هو معنى قولهم : «إنّ الماهيّات حدود الوجود»(3) . فذات كلّ ماهيّة موجودة حدٌ لا يتعدّاه وجودها ، ويلزمه سلوبٌ بعدد الماهيّات الموجودة الخارجة عنها. فماهيّه الإنسان الموجودة ـ مثلا ـ حدٌّ لوجوده ، لا يتعدّاه وجودُه إلى غيره ، فهو ليس بفرس وليس ببقر وليس بشجر وليس بحجر ، إلى آخر الماهيّات الموجودة المباينة للإنسان.

وسابعاً : أنّ ثبوتَ كلَّ شيء ـ أيُّ نحو من الثبوت فُرِضَ ـ إنّما هو لوجود هناك خارجيٌ يطّرد العدم لذاته. فللتصديقات النفس الأمريّة ـ التي لا مطابَق لها في خارج ولا في ذهن ـ مطابَقٌ ثابتٌ نحواً من الثبوت التبعي بتبع الموجودات الحقيقيّة.

توضيح ذلك : أنّ من التصديقات الحقّة ما له مطابَقٌ في الخارج ، نحو «الإنسان موجودٌ» و «الإنسان كاتبٌ». ومنها ما له مطابَقٌ في الذهن ، نحو

__________________

(1) في الفرع الأوّل.

(2) راجع الأسفار : ج 1 ص 57 و 360.

(3) وقد يقال : «الماهيّات حكاياة الوجودات» ، فراجع تعليقة السبزواري على الأسفار ج 1 ص 248 الرقم (1).

٢٠