كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال14%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149086 / تحميل: 5394
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.

٢ ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.

واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.

٣ ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.

كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.

وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

٤ ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.

قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.

١٢١

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.

المجهول في مصطلح العلاّمة وابن داود

ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.

لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(١) .

فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.

وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.

هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ٣١.

١٢٢

المتتبع الطهرانيرحمه‌الله .

وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.

١٢٣
١٢٤

٢ ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة

* مجمع الرجال.

* منهج المقال.

* جامع الرواة.

* نقد الرجال.

* منتهى المقال.

١٢٥
١٢٦

قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(١) .

١ ـ مجمع الرجال

تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة ٩٩٣ هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام ١٠٢١ هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة ١٠٣١ هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.

٢ ـ منهج المقال

تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى

__________________

(١) قاموس الرجال : ج ١ الصفحة ٣١.

١٢٧

سنة ١٠٢٨ هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.

٣ ـ جامع الرواة

تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدس‌سره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.

قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمه‌الله والفهرس

١٢٨

للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليه‌السلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليه‌السلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهم‌السلام رأى انه روي عنهمعليهم‌السلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليه‌السلام ورأى انه روى عنهعليه‌السلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.

( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(١) .

والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.

٤ ـ نقد الرجال

تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام ١٠١٥ هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.

__________________

١ ـ لاحظ المقدمة : ٤ ـ ٥ بتصرف يسير.

١٢٩

قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».

٥ ـ منتهى المقال في أحوال الرجال

المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام ١١٥٩ هـ ، والمتوفّى عام ١٢١٥ أو ١٢١٦ هـ في النجف الاشرف ).

ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.

وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.

هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.

١٣٠

٣ ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء

* بهجة الآمال.

* تنقيح المقال.

* قاموس الرجال.

١٣١
١٣٢

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.

وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.

وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.

١٣٣

١ ـ « بهجة الآمال في شرح زبدة المقال في علم الرجال »

تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام ١٢٣٦ هـ ، والمتوفّى عام ١٣٢٧ هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :

سمّيته بزبدة المقال

في البحث عن معرفة الرجال

ناظمه الفقير في الكونين

هو الحسين بن رضا الحسيني

واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.

٢ ـ « تنقيح المقال في معرفة علم الرجال »

للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام ١٣٥١ هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.

قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم

١٣٤

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(١) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.

وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.

وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(٢) .

وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة ١٨٤ ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٦.

٢ ـ الرواشح : ٦٠.

١٣٥

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(١) .

٣ ـ « قاموس الرجال »

للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في ١٣ جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.

غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.

وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٧ ، بتصرف وتلخيص.

١٣٦

٤ ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية

* جامع الرواة.

* طرائف المقال.

* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.

* معجم رجال الحديث.

١٣٧
١٣٨

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :

١ ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.

وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم

١٣٩

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.

ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.

٢ ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.

وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.

٣ ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530