كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال14%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149028 / تحميل: 5391
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الأمّة تجربة ، وأكبر منك سنا ، فأنت أحق أن تجيبني الى هذه المنزلة التي سألتني ، فادخل في طاعتي ، ولك الأمر من بعدي ، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ ، تحمله الى حيث أحببت ، ولك خراج أي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجبيها أمينك ويحملها لك في كل سنة ، ولك أن لا يستولى عليك بالإساءة ، ولا تقضى دونك الأمور ، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله ، أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام »(1) .

واشتملت هذه الرسالة ـ بكلتا الروايتين ـ على دجل معاوية ومراوغته ، وأغاليطه كما يقول الدكتور « أحمد رفاعي »(2) ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر فى محتوياتها وهي :

1 ـ جاء فيها « أن هذه الأمّة لما اختلفت بينها لم تجهل فضلكم ، ولا سابقتكم للإسلام ، ولا قرابتكم من نبيكم. الخ » إن من تتبع الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي (ص) عرف زيف هذا الكلام ومجافته للواقع ، فان العترة الطاهرة واجهت بعد النبي (ص) أشق المحن والخطوب ، فان الجرح لما يندمل والرسول لما يقبر استبد القوم بالأمر ، وعقدوا سقيفتهم متهالكين على الحكم ، وتغافلوا عترة نبيهم فلم يأخذوا رأيهم ولم يعتنوا بهم ولما تم انتخاب أبي بكر خفوا مسرعين الى بيت بضعته وريحانته وهم يحملون مشاعل النار لإحراقه ، وسحبوا أخا النبي ووصيه أمير المؤمنين مقادا بحمائل سيفه ليبايع قسرا ، وهو يستجير فلا يجار ، وخلد بعد ذلك الى العزلة يسامر همومه وشجونه ، وتتابعت عليهم منذ ذلك اليوم المصائب والخطوب فلم يمض على انتقال النبي (ص) الى دار الخلد خمسون عاما وإذا بالمسلمين

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 / 13.

(2) عصر المأمون 1 / 17.

٦١

في موكب جهير يجوب البيداء من بلد الى بلد وهم يحملون رءوس أبنائه على أطراف الرماح ، وبناته سبايا « يتصفح وجوههن القريب والبعيد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ». وبعد هذه المحن التي ألمّت بهم هل أدت الأمّة حقهم وعرفت مكانتهم ولم تجهل فضلهم.

2 ـ ومن محتوياتها : « ورأى صالحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم أن يولوا الأمر من قريش الخ ». إن صالحاء المسلمين وخيارهم كانوا مع أمير المؤمنين ولم يرتضوا بيعة أبي بكر ، وأقاموا على ذلك سيلا من الاحتجاج والإنكار ذكرناه بالتفصيل فى الجزء الأول من هذا الكتاب.

لقد كانت مغبة اختيار قريش أن يحكم رقاب المسلمين معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم من أئمة الظلم والجور الذين أغرقوا البلاد في الماسي والشجون وأمعنوا فى إذلال المسلمين وإرهاقهم حتى بايعوا في عهد يزيد انهم خول وعبيد له هذا ما رآه صالحاء الناس من قريش في صرف الأمر عن عترة نبيهم كما قال معاوية وقد وفقت فى اختيارها ـ كما يقولون ـ فانا لله وإنا إليه راجعون.

3 ـ ومن غريب هذه الرسالة قوله : « فلو علمت أنك أضبط للرعية مني وأحوط على هذه الأمّة ، وأحسن سياسة. الخ » نعم تجلت حيطته على الإسلام وحسن سياسته حينما تم له الأمر ، وصفا له الملك ، فانه أخذ يتتبع صالحاء المسلمين وأبرارهم فيمعن في قتلهم ومطاردتهم وزجهم في السجون. ومن حيطته على الإسلام استلحاقه لزياد بن أبيه ، وسبه لأمير المؤمنين على المنابر ، وفي قنوت الصلاة ، ونصبه ليزيد حاكما على المسلمين وأمثال هذه الموبقات والجرائم التي سودت وجه التاريخ.

٦٢

مذكرة معاوية :

وأرسل معاوية الى الإمام مذكرة يحذره فيها من الخلاف عليه ، ويمنيه بالخلافة من بعده إن تنازل له عن الأمر وهذا نصها :

« أما بعد : فان الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس وأيس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه ، وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأجريت لك ما شرطت وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :

وإن أحد أسدى إليك أمانة

فأوف بها تدعى إذا مت وافيا

ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى

ولا تجفه إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي ، فأنت أولى الناس بها والسلام ».

وأكبر الظن ان هذه الرسالة المشتملة على مثل هذا اللون من التهديد والتوعيد إنما بعثها معاوية الى الإمام بعد ما اتصل اتصالا وثيقا بزعماء الجيش العراقي وقادته فضمنوا له تنفيذ مخططاته ، فانه لم يكتب ذلك إلا بعد الاتصال بزعماء العراق وانقطاع أمله من إجابة الحسن له.

جواب الامام :

ولم يعتن الإمام بتهديد معاوية ، وأجابه بجواب يلمس فيه الحزم والإصرار منه على الحرب وهذا نصه :

« أما بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، تذكر فيه ما ذكرت ، وتركت جوابك خشية البغي عليك ، وبالله أعوذ من ذلك ، فاتبع الحق تعلم أني

٦٣

من أهله ، وعليّ أثم أن أقول فأكذب والسلام ».

وكانت هذه الرسالة هي آخر الرسائل التي دارت بين الإمام ومعاوية وعلى أثرها علم معاوية أنه لا يجديه خداعه وأباطيله ، ولا تنفع مغالطاته السياسية ، وعرف أن الإمام مصمم على حربه فاتجه بعد ذلك الى الحرب وتهيئة أسبابه ومقتضياته.

٦٤

اعلان الحرب

٦٥
٦٦

وبعد ما فشلت أغاليط معاوية ومخططاته السياسية رأى أن خير وسيلة له للتغلب على الأحداث أن يبادر الى اعلان الحرب لئلا يتبلور الموقف ، وتفوت الفرصة وأكبر الظن ـ انه بالإضافة الى ذلك ـ إنما استعجل الحرب لأمور وهي :

1 ـ إنه اتصل اتصالا وثيقا بزعماء العراق ، وقادة الجيش ، ورؤساء القبائل فاشترى ضمائرهم الرخيصة بالأموال ومنّاهم بالوظائف ، فأجابوه سرا الى خيانة الإمام وتنفيذ أغراضه ، ويدل على ذلك مذكرته التي بعثها الى عماله وولاته يطلب منهم النجدة والالتحاق به فانه أعرب فيها عن اتصالهم به.

2 ـ علمه بتفكك الجيش العراقي وتفلله وعدم طاعته للإمام وذلك مسبب عن أمور نذكرها مشفوعة بالتفصيل عند عرض علل الصلح وأسبابه

3 ـ علمه بوجود الخطر الداخلي الذي مني به العراق ، وسلمت منه الشام ، وهي فكرة الخوارج التي انتشرت مبادئها بين الأوساط العراقية ومن أوليات مبادئهم اعلان التمرد والعصيان على الحكم القائم ، ونشر الفوضى في البلاد ليتسنى لهم الإطاحة به واستلام قيادة الأمّة.

4 ـ مقتل الإمام أمير المؤمنين (ع) الذي فقد به العراق قائدا وموجها وخطيبا ، يحملهم على الحق ويثيبهم الى الصواب ، وقد أصبح العراقيون بعد فقده يسيرون فى ظلام قاتم ، ويتخبطون خبط عشواء قد فقدوا الرائد والدليل.

هذه الأمور ـ فيما نعلم ـ هي التي حفزت معاوية الى اعلان الحرب واستعجاله ، فان العراق لو لم يمن بمثل هذه الكوارث والفتن لما وجد معاوية الى الحرب سبيلا ، ولبذل جميع طاقاته في تأخير الحرب ، وعقد

٦٧

الهدنة المؤقتة ـ كما فعل ذلك مع ملك الروم ـ حتى يتبين له الأمر فانا لا ننسى كلماته التي تنم عن خوفه وفزعه من العراقيين حينما كانوا صفا واحدا غير مبتلين بالتفكك والانحلال فقد قال : « ما ذكرت عيونهم تحت المغافر(1) بصفين إلا لبس على عقلي » ووصف اتحادهم بقوله : « إن قلوبهم كقلب رجل واحد » فلولا اختلافهم وتشتتهم لما بادر معاوية الى اعلان الحرب واستعجاله.

مذكرة معاوية لعماله :

ورفع معاوية مذكرة ذات مضمون واحد الى جميع عماله وولاته ، يحثهم فيها على الخروج الى حرب الإمام ويأمرهم بالالتحاق به سريعا بأحسن هيئة ، وأتم استعداد وهذا نصها :

« من عبد الله معاوية أمير المؤمنين ، الى فلان ابن فلان ، ومن قبله من المسلمين ، سلام عليكم ، فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد : فالحمد لله الذي كفاكم مئونة عدوكم ، وقتلة خليفتكم ، إن الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين ، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم ، فأقبلوا الي حين يأتيكم كتابي هذا بجاهدكم وجندكم ، وحسن عدتكم ، فقد أصبتم بحمد الله الثأر ، وبلغتم الأمل ، وأهلك الله أهل البغي والعدوان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(2) .

__________________

(1) المغافر : جمع ، مفرده : مغفر ومغفرة ، وهو زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة.

(2) شرح ابن أبي الحديد 4 / 13.

٦٨

ولما وصلت هذه الرسالة الى عماله وولاته قاموا بتحريض الناس وحثهم على الخروج والاستعداد لحرب ريحانة رسول الله وسبطه وفي أقرب وقت التحقت به قوى هائلة منظمة لا ينقصها شيء من حيث الكراع والسلاح ، والعدد والعدة.

ولما توفرت له القوة الهائلة من الجند والعسكر وأصحاب المطامع الذين لا يقدسون سوى المادة زحف بهم نحو العراق وتولى بنفسه القيادة العامة للجيش ، وأناب عنه في عاصمته الضحاك بن قيس الفهري ، وقد كان عدد الجيش الذي نزح معه ستين ألفا ، وقيل أكثر من ذلك ، ومهما كان عدده فقد كان مطيعا لقوله ، ممتثلا لأمره ، منفذا لرغباته ، مذعنا له لا يخالفه ولا يعصيه.

وطوى معاوية البيداء بجيشه الجرار فلما انتهى الى جسر منبج(1) .

__________________

(1) جسر منبج : بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء بلد قديم ، المسافة بينه وبين حلب يومان ، أول من بناه كسرى ، وقد أنجب جماعة من الشعراء يعد فى طليعتهم البحتري ، وقد عناها المتنبي بقوله :

قيل بمنبج مثواه ونائله

فى الأفق يسأل عمن غيره سألا

ولها يتشوق ابراهيم بن المدبر ، وكان يهوى جارية بها في قوله :

وليلة عين المرج زار خياله

فهيّج لي شوقا وجدد أحزاني

فأشرقت أعلى الدير أنظر طامحا

بألمح آماقي وأنظر انساني

لعلي أرى أبيات منبج رؤية

تسكن من وجدي وتكشف أشجاني

جاء ذلك في معجم البلدان 8 / 169.

٦٩

فزع العراقيين :

وحينما أذيع خبر توجهه وبلوغه الى هذا المحل عم العراقيين الذعر والخوف ، ولما علم الإمام بتوجهه أمر بعض أصحابه أن ينادى فى العاصمة « الصلاة جامعة » ويقصد بذلك جمع الناس فى جامع البلد ، فنودي بذلك وما هي إلا فترة يسيرة من الزمن حتى اكتظ الجامع بالجماهير الحاشدة فخرج (ع) فاعتلى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« أما بعد : فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ، ثم قال لأهل الجهاد : اصبروا إن الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ، انه بلغنى أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك ، اخرجوا رحمكم الله الى معسكركم في النخيلة(1) حتى ننظر وتنظرون ، ونرى وترون »(2) .

ولما أنهى (ع) خطابه وجم الحاضرون ، وأخرست ألسنتهم ، واصفرّت ألوانهم كأنهم قد سيقوا الى الموت ، فلم يجب الإمام أحد منهم كل ذلك لخوفهم من أهل الشام ، وحبهم للسلم ، وإيثارهم للعافية ، وكان هذا التخاذل في بداية الدعوة الى جهاد العدو ينذر بالخطر ويدعو الى التشاؤم واليأس من صلاحهم.

__________________

(1) النخيلة : تصغير نخلة موضع قريب من الكوفة على سمت الشام وبه قتل معاوية الخوارج لما ورد الى الكوفة وفيهم يقول ابن الأصم راثيا :

إني أدين بما دان الشراة به

يوم النخيلة عند الجوسق الحرب

جاء ذلك فى معجم البلدان 8 / 276.

(2) شرح النهج ابن أبي الحديد 4 / 13.

٧٠

ولما رأى الصحابي العظيم والحازم اليقظ عدي بن حاتم(1) سكوت الجماهير وعدم اجابتهم للإمام غاظه ذلك والتاع أشد اللوعة ، فانبرى إليهم

__________________

(1) عدي بن حاتم الطائي كان أبوه حاتم مضرب المثل في الجود والسخاء ، يكنى عدي بأبي طريف ، وفد على النبي (ص) فى السنة التاسعة من الهجرة وكان نصرانيا فاسلم ، ولإسلامه حديث طريف طويل ، ذكره ابن الأثير في أسد الغابة ، روى عن النبي (ص) أحاديث كثيرة ، كان جوادا شريفا في قومه عظيما عندهم ، وعند غيرهم ، وكان حاظر الجواب ، ومن أهل الدين والتقى ، وهو القائل : ما دخل عليّ وقت الصلاة إلا وأنا مشتاق إليها ، ودخل يوما على عمر بن الخطاب فرأى منه تكبرا واستخفافا بحقه ، فالتفت إليه قائلا : أتعرفني؟ فأجابه عمر ، بلى والله أعرفك ، أكرمك الله بأحسن المعرفة ، أعرفك والله أسلمت إذ كفروا ، وعرفت إذ أنكروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا فقال عدي : حسبي حسبي. شهد فتوح العراق ، ووقعة القادسية ، ووقعة النهروان ، ويوم الجسر مع أبي عبيدة وغير ذلك ، ومن كرمه ونبله أن الأشعث ابن قيس أرسل إليه شخصا يستعير منه قدور حاتم ، فملأها عدي طعاما وحملها إليه فأرسل إليه الأشعث إنما أردناها فارغة ، فأجابه عدي ، إنا لا نعيرها فارغة ، وكان يفت الخبز للنمل ويقول : إنهن جارات ولهن حق ، كان من المنحرفين عن عثمان ، وشهد مع الامام وقعة الجمل ففقئت عينه بها ، وله ولدان ، قتل أحدهما مع الامام علي ، والآخر مع الخوارج ، وشهد صفين أيضا وكان له بها مواقف مشهورة توفي سنة سبع وستين من الهجرة ، وقيل غير ذلك ، كان له من العمر مائة وعشرون سنة ، قيل توفى بالكوفة ، وقيل بقرقيسيا والأول أصح ، جاء ذلك فى أسد الغابة 3 / 392 ، وقريب منه جاء فى كل من الاصابة والاستيعاب وتهذيب التهذيب.

٧١

منكرا سكوتهم وتخاذلهم المفضوح قائلا بنبرات تقطر حماسا وعزما :

« أنا عدي بن حاتم ، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!!! ألا تجيبون إمامكم ، وابن بنت نبيكم؟ أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فاذا جد الجد راوغوا كالثعالب ، أما تخافون مقت الله ، ولا عيبها وعارها ».

ثم التفت الى الإمام مظهرا له الطاعة والامتثال قائلا :

« أصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ، ووفقك لما يحمد ورده وصدره ، قد سمعنا مقالتك ، وانتهينا الى أمرك ، وسمعنا لك ، وأطعنا فيما قلت ورأيت ».

ثم أظهر الى المجتمع عزمه على الخروج لحرب معاوية فورا قائلا :

« وهذا وجهي الى معسكرنا ، فمن أحب أن يوافي فليواف ».

ثم خرج من المسجد وكانت دابته بالباب فركبها وخرج وحده من دون أن يلتحق به أحد وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه ، فانتهى الى النخيلة فعسكر بها وحده(1) .

وهكذا اضطرب غيظا وموجدة كل من الزعيم قيس بن سعد بن عبادة ، ومعقل بن قيس الرياحي(2) ، وزياد بن صعصعة التميمي لما رأوا

__________________

(1) شرح النهج ابن أبي الحديد 4 / 14.

(2) معقل بن قيس الرياحي : أدرك النبي (ص) ، قال ابن عساكر : أوفد عمار معقلا على عمر يخبره بفتح تستر ، كما وجهه الى بني ناجية حين ارتدوا وكان من امراء الإمام علي (ع) يوم الجمل ومدير شرطته ، وذكر خليفة بن الخياط أن المستورد بن علقمة اليربوعي الخارجي بارزه لما خرج بعد علي فقتل كل منهما الآخر وكان ذلك سنة 42 هجرية في خلافة معاوية وقيل سنة 39 في خلافة علي جاء ذلك في الاصابة 3 / 475 ،

٧٢

سكوت الجماهير وعدم إجابتهم بشيء ، فلاموهم على هذا التخاذل وبعثوا فيهم روح النشاط الى حرب عدوهم ومناجزته ثم التفتوا الى الامام وكلموه بمثل كلام عدي فى الانقياد والطاعة والامتثال لأمره فشكرهم الامام على موقفهم المشرف ، وأثنى على شعورهم الطيب قائلا :

« ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والنصيحة فجزاكم الله خيرا ».

وخرج الامام (ع) من فوره لرد العدوان الأموي ، واستخلف فى عاصمته المغيرة بن نوفل بن الحرث(1) وأمره بحثّ الناس الى الجهاد واشخاصهم إليه فى النخيلة ، وطوى (ع) البيداء بجيشه الجرار المتخاذل ـ وسيأتي وصفه بعد قليل ـ حتى انتهى الى النخيلة فاستقام فيها فنظم جيشه(2) ثم ارتحل عنها وسار حتى انتهى الى ( دير عبد الرحمن ) فأقام

__________________

(1) المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي ولد على عهد الرسول (ص) بمكة قبل الهجرة ، وقيل لم يدرك من حياة رسول الله (ص) إلا ست سنين يكنى بأبي يحيى تزوج بامامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وكانت امامة زوجا للإمام علي ، فلما قتل أوصى (ع) أن يتزوجها المغيرة من بعده ، فلما مات (ع) تزوج بها المغيرة. وهو ممن شهد مع الامام صفين ، وكان في أيام عثمان قاضيا ، وقد روى عن النبي (ص) حديثا واحدا وهو قوله (ص) : « من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا ، فقد بات لله بالمحاربة » جاء ذلك في أسد الغابة 4 / 407.

(2) جاء في الخرائج والجرائح ص 228 أنه نزح مع الامام من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوا وبما وعدوا ، وغرّوه كما غرّوا الامام عليا من قبل وعسكر (ع) في النخيلة عشرة أيام فلم يحضر معه إلا أربعة آلاف فرجع الى الكوفة ليستنفر الناس وخطب خطبته التي يقول فيها : « قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي ».

٧٣

به ثلاثة أيام ليلتحق به المتخلفون من جنده ، وعنّ له أن يرسل مقدمة جيشه للاستطلاع على حال العدو وإيقافه فى محله لا يتجاوزه الى آخر ، واختار الى مقدمته خلّص أصحابه من الباسلين والماهرين ، وكان عددهم اثنى عشر الفا ، واعطى القيادة العامة الى ابن عمه عبيد الله بن العباس ، وقبل أن تتحرك هذه الفصيلة من الجيش دعا الامام قائدها العام عبيد الله فزوده بهذه الوصية القيّمة وهي :

« يا ابن العم! إني باعث معك اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر ، الرجل منهم يزيد الكتيبة ، فسر بهم ، وألن لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وافرش لهم جناحك ، وادنهم من مجلسك ، فانهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، وسر بهم على شط الفرات ، ثم امضي حتى تستقبل بهم معاوية ، فان أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك ، فاني على أثرك وشيكا ، وليكن خبرك عندي كل يوم ، وشاور هذين ـ قيس بن سعد وسعيد بن قيس ـ وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله ، وإن أصبت ، فقيس بن سعد على الناس ، فان اصيب ، فسعيد بن قيس على الناس ». وحفلت هذه الوصية بما يلي :

1 ـ إنها دلت على اطلاعه الوافر في تدبير شئون الدولة ، فان التوصية بالجيش بهذا اللون المشتمل على العطف والحنان ، والاطراء عليه بمثل هذا الثناء ، من أنهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، والزام القيادة العامة باللين والبسط مما يزيد الجيش اخلاصا وإيمانا بدولته ، ومن الطبيعى ان الجيش إذا أخلص لحكومته ، وآمن بسياستها ثبتت قواعدها ، وظفرت بسياج حصين يمنع عنها العدوان الخارجي ، ويقيها من الشر والفتن الداخلية ، ويوجب لها المزيد من الهدوء والاستقرار.

٧٤

2 ـ وأما أمره أن لا يعتدي عبيد الله على معاوية ، ولا يناجزه الحرب حتى يكون هو المبتدي فليس ذلك لأن معاوية من مصاديق قوله تعالى : « وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين »(1) فان معاوية لم يبق وليجة للاعتداء إلا سلكها ، فقد اعتدى في تخلفه عن بيعة أمير المؤمنين ، ومحاربته له في صفين ، وفي بعثه السفاح بسر بن أبي أرطاة وفعله بأمره ما فعل من المنكرات ، ولم يزل معتديا وخارجا على الاسلام الى حين وفاة أمير المؤمنين ، ولكن إنما أمر الحسن (ع) أن لا يبتدي عبيد الله بحربه لسد مراوغاته حتى لا يستطيع أن يدعي أنه ما جاء للحرب وإنما جاء للتداول في اصلاح أمر المسلمين.

3 ـ ونصت وصية الامام على الزام عبيد الله بمشاورة قيس بن سعد وسعيد بن قيس وترشيحهما للقيادة من بعده ، وفي ذلك الفات منه الى الجيش ان أمره المتبع هو المقرون بمشاورة الرجلين ، كما فيه توثيق لهما ، والحق انه لم يكن في جيش الامام من يضارعهما في نزعاتهما الخيرة وفي ولائهما لأهل البيت (ع) ، وأعظم بهما شأنا أنهما نالا ثقة الامام واهتمامه.

وقبل أن نطوي الحديث على هذا الموضوع نعرض بعض الجهات التي ترتبط فيه وهي :

1 ـ اختيار عبيد الله :

ويتساءل الكثير عن الحكمة التي رشح الامام من أجلها عبيد الله لقيادة مقدمة جيشه مع أنه كان في ذلك الجيش من هو أصلب منه إيمانا وأقوى عقيدة ، وأعظم اخلاصا كالزعيم قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس

__________________

(1) سورة البقرة آية 189.

٧٥

واضرابهما من الثقات والمؤمنين. « والجواب عن ذلك » ـ أولا ـ ان الامام (ع) أراد بذلك تشجيعه واخلاصه باسناد القيادة العامة إليه ـ وثانيا ـ ان له من الكفاءة والقدرة والحزم ما يجعله أهلا لهذا المنصب الرفيع ، فهو قد تربى فى مدرسة الامام أمير المؤمنين (ع) ولكفاءته وقدرته نصبه الامام (ع) واليا على اليمن. ـ وثالثا ـ إنه حري بأن يخلص ويبذل قصارى جهوده في المعركة لأنه موتور من قبل معاوية ، فلقد قتل ولديه بسر بن ارطاة. ـ ورابعا ـ ان الامام (ع) لم يجعل القيادة العامة بيده بل جعلها ثلاثية بينه وبين قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس ، وقد أوفى المسألة حقها من جميع الوجوه سماحة المغفور له آل ياسين(1) .

2 ـ عدد الجيش :

واضطربت كلمة المؤرخين في تحديد الجيش الذي نزح مع الامام الى مظلم ساباط ، فابن أبي الحديد ذكر أنه نزح مع الامام جيش عظيم ولم يحدده إلا أنه حدد المقدمة التي تولى قيادتها عبيد الله فقال : « إن عددها كان اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر(2) . وذكر الطبري وغيره انه كان اربعين ألفا(3) ، ويستفاد من مطاوي بعض الأحاديث التي دارت بين الامام وبعض أصحابه في أمر الصلح أن عدد الجيش كان مائة ألف كقول سليمان بن صرد للامام (ع) وهو في مقام التقريع له

__________________

(1) صلح الحسن ص 96.

(2) شرح ابن أبي الحديد 4 / 14.

(3) تأريخ الطبري 6 / 94.

٧٦

على امضائه وقبوله الصلح « أما بعد : فان تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق »(1) ، كما يستفاد أيضا أنه كان تسعين ألفا(2) ، وقيل أنه سبعون ألفا(3) الى غير ذلك ، والذي نذهب إليه أن عدد الجيش كان يربو على أربعين ألفا ، ويدل على ذلك ما حدث به نوف البكالي(4) قال : لما عزم الامام على العودة الى حرب معاوية قبيل وفاته باسبوع عقد للحسين على عشرة آلاف ، ولأبي أيوب على عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد على عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 151.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 194 ذكر ذلك في جواب زياد الى معاوية حينما هدده وذلك قبل أن يستلحقه به ، فقال زياد : إن ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، وبقية الأحزاب ، كتب يتوعدني ويتهددني وبيني وبينه ابنا رسول الله فى تسعين ألفا.

(3) البداية والنهاية 8 / 42 وجاء فيه أن رجلا دخل على الحسن بن علي وبيده صحيفة فقال له الرجل : ما هذه؟ فأجابه الامام ان معاوية يعدنيها ويتوعد ، فقال الرجل : قد كنت على النصف منه ، فأجابه الامام : إني خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون أو أكثر أو أقل تنضح أوداجهم دما كلهم يستعدي الله فيم اهريق دمه ، وقريب من هذا ذكره ابن أبي الحديد فى شرح النهج 4 / 7.

(4) نوف البكالي : بفتح الباء وتخفيف الكاف ، كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ، ونقل عن تغلب انه منسوب الى بكال قبيلة من همدان ، ويقال : بكيل وهو أكثر ، وقال ابن أبي الحديد : انه بكال بكسر الباء وهي قبيلة من حمير منهم هذا الشخص وهو نوف بن فضالة صاحب الامام علي (ع) جاء ذلك في التعليقات ص 354.

٧٧

وهو يريد الرجعة الى صفين ، فما دارت عليه الجمعة حتى ضربه ابن ملجم بالسيف(1) ، فهذا القول يروي لنا جيشا مسلحا كان متهيئا للحرب قد عدّ اسماء جماعة من قادته لهم السلطة على ثلاثين ألف جندي مسلح ولم يذكر لنا أسماء القادة الآخر الذين نصبهم الإمام على كتائب جيشه ولا كمية عدد الجيش الآخر ولا شك بأنهم كانوا يربون على عشرة آلاف ، هؤلاء جميعا قد بايعوا الحسن ونفروا معه الى حرب عدوه ، ويدل على ذلك ما رواه ( أبو الفداء ) ان الحسن تجهز الى حرب معاوية بالجيش الذي بايع أباه(2) ويؤيده أيضا ما ذكره ( ابن الأثير ) قال :

« كان أمير المؤمنين علي قد بايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت لما ظهر ما كان يخبرهم به عن أهل الشام ، فبينما هو يتجهز للمسير قتلعليه‌السلام ، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له ، فلما قتل وبايع الناس ولده الحسن بلغه مسير معاوية في أهل الشام إليه فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا عليا وسار عن الكوفة الى لقاء معاوية »(3) .

ويؤكد ذلك حديث المسيب بن نجبة مع الامام في أمر الصلح قال له « ما ينقضي عجبي منك صالحت معاوية ومعك أربعون ألفا »(4) .

فعدد الجيش على هذه الروايات المتوافرة كان أربعين الفا ، وهو الذي يذهب إليه ، وقد ناقش سماحة الحجة المغفور له آل ياسين الروايات

__________________

(1) شرح النهج محمد عبده 2 / 132.

(2) تاريخ أبي الفداء 1 / 193.

(3) الكامل 3 / 61.

(4) شرح ابن أبي الحديد 4 / 6.

٧٨

المتقدمة واختار بعد التصفية والمناقشة ان عدده كان عشرين ألفا أو يزيد قليلا(1) .

ومهما كان الأمر فان الاختلاف في عدده ليس بذي خطر لأن الجيش مهما كان عدده كثيرا وخطيرا إذا كان مختلف الأهواء والنزعات لا بد وأن ينخذل ولا يحرز فتحا ونصرا ، لأن الاعتبار في النصر والظفر دائما إنما هو بالإخلاص والإيمان والعقيدة ووحدة الكلمة ، لا بالكثرة وضخامة العدد فكم فئة قليلة تضامنت فيما بينها ، واتحدت وتعاونت ، قد حازت النصر وفتحت فتحا مبينا ، وسحقت القوى المقابلة لها وإن كانت أكثر منها عدة وأعظم استعدادا أوفر قوة ، والجيش العراقي مهما بلغ عدده وبولغ في كثرته فانه مصاب بالاختلاف والتفكك والانحلال ومع ذلك فكيف يظفر بالنجاح وما ذا تفيده الكثرة؟ وضخامة العدد؟.

3 ـ وصف الجيش :

لا شك أن الجيش هو العماد الذي يقوم عليه عرش الدولة ، ويبتنى عليه كيانها ، وهو السياج الواقي للحكومة والشعب من الاعتداء ، وعليه المعول فى حفظ النظام وسيادة الأمن ، لكن فيما إذا كان مخلصا فى دفاعه ومؤمنا بحكومته ، وأما إذا كان خائنا أو لا ينظر لدولته إلا بنظر العداء والانتقام ويترقب الفرص للفتك بها وتمكين العدو منها ، فانها حتما لا تنجح في أي ميدان من ميادين الصراع الداخلي والخارجي ولا تفوز بالنجاح حينما يتلبد جوّها السياسى بالغيوم القاتمة والأخطار الفاتكة ، وكان الجيش العراقي الذي زحف مع الإمام لمحاربة معاوية قد ركس فى الفتنة وماج في الشقاء

__________________

(1) صلح الحسن ص 106.

٧٩

فكان خطره على الدولة أعظم من خطر معاوية ، وقد وصفه الشيخ المفيدرحمه‌الله وقسمه الى عناصر وقد أجاد فى وصفه وأبدع في تقسيمه ، قال طيب الله مثواه :

« واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ، ثم خفوا وخف معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه ، وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب فتن وطمع بالغنائم ، وبعضهم شكاك ، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون الى دين »(1) .

وأعرب الشيخ المفيد نضّر الله مثواه في كلامه ـ أولا ـ عن كراهة الجيش للحرب ، وإيثاره للعافية ، ورغبته في السلم ، وأفاد ـ ثانيا ـ في تقسيمه ان الجيش ينقسم الى عناصر متباينة فى أفكارها ، مختلفة في عقائدها وهي كما يلي :

1 ـ الشيعة :

وهؤلاء فيما يظهر عدد قليل في الجيش العراقي ولو كانوا عددا كثيرا فيه ، لما أجبر أمير المؤمنين (ع) على التحكيم في صفين ولما صالح الحسن معاوية وهذا العنصر يخالف بقية العناصر في تفكيره وشعوره وإيمانه فهو يرى أن الخلافة من حقوق أهل البيت وانهم أوصياء النبي وحضنة الإسلام وحماته ، وطاعتهم مفروضة على جميع المسلمين.

__________________

(1) الارشاد ص 169 ، وذكر هذا المعنى بعينه علي بن محمد الشهير بابن الصباغ في الفصول المهمة ص 143 ، والأربلي فى كشف الغمة ص 161 ، والمجلسي في البحار 10 / 110.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل السادس

التوثيقات العامة

١ ـ أصحاب الاجماع.

٢ ـ مشايخ الثقات.

٣ ـ العصابة التي لا يروون إلا عن ثقة.

٤ ـ رجال أسانيد « نوادر الحكمة ».

٥ ـ رجال أسانيد « كامل الزيارات ».

٦ ـ رجال اسانيد « تفسير القمّي ».

٧ ـ أصحاب « الصادق » عليه‌السلام .

٨ ـ شيخوخة الإجازة.

٩ ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام .

١٠ ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص.

١٦١
١٦٢

١ ـ أصحاب الاجماع

* ما هو الاصل في ذلك.

* « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد.

* عددهم وما نظمه السيد بحر العلوم.

* كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع وحجيته.

* مفاد « تصحيح ما يصح عنهم ».

١٦٣
١٦٤

قد وقفت على الطُّرق التي تثبت بها وثاقة راو معيَّن وهناك طرق تثبت بها وثاقة جمع كثير تحت ضابطة خاصة ، وإليك هذه الطرق واحداً بعد واحد. وأهمّها مسألة أصحاب الاجماع المتداولة في الألسن وهم ثمانية عشر رجلاً على المشهور.

إن البحث عن أصحاب الاجماع من أهمّ أبحاث الرجال ، وقد اشار اليه المحدّث النوري وقال : « إنه من مهمّات هذا الفنّ ، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها »(١) .

ولتحقيق الحال يجب البحث عن أمور :

الأول : ما هو الاصل في ذلك؟

الأصل في ذلك ما نقله الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة نأتي بعبارته في تلك المواضع.

١ ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام : اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٥٧.

١٦٥

عليه‌السلام وأصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا : أفقه الأولين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستّة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي ، ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري »(١) .

٢ ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون اُولئك الستّة الذين عددناهم وسمَّيناهم(٢) وهم ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، قالوا : وزعم أبو اسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون(٣) أن أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام »(٤) .

٣ ـ « تسمية الفقهاء من اصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسنعليهما‌السلام : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر أُخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم(٥) في أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام منهم : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبدالله بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن

____________

١ ـ رجال الكشي : ٢٠٦.

٢ ـ يريد بذلك العبارة المتقدمة التي نقلناها آنفاً.

٣ ـ قال النجاشي ( في الرقم ٣٠٢ ) : « كان وجهاً في أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسنعليهما‌السلام ».

٤ ـ رجال الكشي : ٣٢٢ ، والمراد من الاحداث : الشبان.

٥ ـ يريد العبارة الثانية التي نقلناها عن رجاله.

١٦٦

محبوب ، الحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوّب(١) وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوّب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى »(٢) .

ويظهر من ابن داود في ترجمة « حمدان بن أحمد » أنه من جملة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم والاقرار لهم بالفقه(٣) ونسخ الكشي خالية منه ، ولعله أخذه من الاُصول ، لا من منتخب الشيخ ، كما احتمله المحدّث النوري ، لكن التأمل يرشدنا إلى خلاف ذلك وأن العبارة كانت متعلقة بـ « حمّاد بن عيسى » المذكور قبل حمدان. وقد سبق قلمه الشريف فخلط هو أو النسّاخ ووجه ذلك أنه عنون أربعة اشخاص بالترتيب الآتي :

١ ـ حمّاد بن عثمان النّاب. ٢ ـ حمّاد بن عثمان بن عمرو. ٣ ـ حمّاد بن عيسى. ٤ ـ حمدان بن أحمد وصرّح في ترجمة حمّاد بن عثمان الناب أنه ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأتى بهذا المضمون في ترجمة حمدان ، مع أن اللازم عليه أن يأتي به في ترجمة ابن عيسى ولعل الجميع كان مكتوباً في صفحة واحدة فزاغ البصر ، فكتب ما يرجع إلى ابن عيسى في حق حمدان(٤) .

أضف إلى ذلك أن ابن داود نفسه خصّ الفصل الأول من خاتمة القسم الأول من كتابه بذكر أصحاب الاجماع ـ كما سيوافيك عبارته ـ وذكر أسماءهم

__________________

١ ـ الظاهر أن « الواو بمعنى « أو » أي أحد هذين ، ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد.

٢ ـ رجال الكشي : الرقم ١٠٥٠.

٣ ـ رجال ابن داود : ٨٤ ، الرقم ٥٢٤.

٤ ـ والجدير بالذكر ان تغاير « حمّادين » الاولين محلّ نظر. بل استظهر جمع من أئمة الرجال اتحادهما ولعله الاصح. راجع قاموس الرجال : ٣ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ؛ ومعجم رجال الحديث : ٦ / ٢١٢ ـ ٢١٥.

١٦٧

مصّرحاً بكون حمّاد بن عيسى منهم من دون أن يذكر حمدان بن أحمد.

والعجب أنّه ذكر الطبقة الثّالثة بعنوان الطبقة الثانية وقال : إنّهم من أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام مع أنّه صرح في ترجمة كل منهم أنّهم كانوا من أصحاب الرضاعليه‌السلام وبعضهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي جعفر الثانيعليهما‌السلام (١) .

هذا ، مضافاً إلى أنه لا اعتبار بما انفرد به داود مع اشتمال رجاله على كثير من الهفوات.

الثاني : « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد

إن التّعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الاجماع » أمر حدث بين المتأخرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التّي يبحث عنها في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيهما ، ولكنّ الكشّي عبر عنهم بـ « تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرينعليهما‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من أصحاب الصادقعليه‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من اصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام » فهورحمه‌الله كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين أنّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإماميّ مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرّ له عود ، ولتكن على ذكر من هذا المطلب ، فأنّه يفيدك في المستقبل.

الثالث : في عددهم

قد عرفت أنه لا اعتبار بما هو الموجود في رجال ابن داود من عدّ « حمدان بن أحمد » من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من الرجوع إلى عبارة

__________________

١ ـ الرجال : طبعة النجف ، الرقم : ١١٨ ، ٤٤٢ ، ٤٥٤ ، ٧٨٢ ، ٩٠٩ و ١٢٧٢.

١٦٨

الكشي فقد نقل الكشي اتفاق العصابة على ستة نفر من أصحاب الصادقينعليهما‌السلام وهم : ١ ـ زرارة أعين ، ٢ ـ معروف بن خربوذ ، ٣ ـ بريد بن معاوية ، ٤ ـ أبو بصير الأسدي ، ٥ ـ الفضيل بن يسار ، ٦ ـ محمد بن مسلم الطائفي.

ونقل أيضاً اتّفاقهم على ستة من أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام فقط وهم : ٧ ـ جميل بن دراج ، ٨ ـ عبد الله بن مسكان ، ٩ ـ عبد الله بن بكير ، ١٠ ـ حماد بن عثمان ، ١١ ـ حماد بن عيسى ، ١٢ ـ أبأن بن عثمان.

كما نقل اتفاقهم على ستة نفر من أصحاب الامامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام وهم : ١٣ ـ يونس بن عبد الرحمان ، ١٤ ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ١٥ ـ محمد بن أبي عمير ، ١٦ ـ عبد الله بن مغيرة ، ١٧ ـ الحسن بن محبوب ، ١٨ ـ أحمد بن محمّد بن نصر.

هذا ما اختار الكشي في من اجمعت العصابة عليهم ، ولكن نقل في حق الستة الأولى أن بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي ، فالخمسة من الستة الأولى موضع اتّفاق من الكشي وغيره ، كما أن الستة الثانية موضع اتفاق من الجميع ، وأما الطبقة الثالثة فخمسة منهم مورد اتفاق بينه وبين غيره حيث قال : « ذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى » فيكون خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتفاق بينه وبين غيره وبالنتيجة يكون ستة عشر شخصاً موضع اتفاق من الكل ، وانفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما أبو بصير الأسدي من الطبقة الأولى ، والحسن بن محبوب من الثالثة ونقل الاخرون ، الاتفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الستة الأولى والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الثالثة ، فيكون المجموع : اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتفق الكل على

١٦٩

كونهم من أصحاب الاجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره فالمتيقن هو ١٦ شخصاً ، والمختلف فيه هو ٦ اشخاص.

ثم إن المتتبع النوري قد حاول رفع الاختلاف قائلاً : « إنه لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وأنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الاخر ، والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع.

ونقل عن بعض الأجلة الاشكال عليه ، بأنّ الكشّي جعل الستّة الأولى أفقه الأوّليين وقال : « فقالوا أفقه الأوّين ستة » ومعناه هؤلاء أفقه من غيرهم ومنهم أبو بصير المرادي. وعليه فالأسدي الّذي هو جزء من الستة أفقه من أبي بصير المرادي وعلى القول الآخر يكون المرادي من أفراد الستة ويكون أفقه من أبي بصير الاسدي ، فيحصل التكاذب بين النقلين ، فواحد منهم يقول : الأفقه هو الأسدي ، والآخر يقول : الأفقه هو المرادي »(١) .

وفيه أولاً : أنه يتم في القسم الأول من هذه الطّبقات الثلاث ، حيث اشتمل على جملة « أفقه الأولين ستة » دون سائر الطبقات ، فهي خالية عن هذا التعبير.

وثانياً أنه يحتمل أن يكون متعلق الاجماع هو التصديق والانقياد لهم بالفقه ، لا الأفقهيّة من الكلّ ، فلاحظ وتأمّل.

الرابع : فيما نظمه السيد بحر العلوم

إن السيد الجليل بحر العلوم جمع أسماء من ذكره الكشي في المواضع الثلاثة في منظومته وخالفه في أشخاص من الستة الأولى ، قالقدس‌سره :

قد أجمع الكل على تصحيح ما

يصح عن جماعة فليعلما

__________________

١ ـ خاتمة مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٥٧ ، الفائدة السابعة.

١٧٠

وهم أولو نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستة الأولى من الأمجاد

أربعة منهم من الأوتاد

زرارة كذا بريد(١) قد أتى

ثم محمد(٢) وليث(٣) يافتى

كذا الفضيل(٤) بعده معروف(٥)

وهو الذي ما بيننا معروف

والستة الوسطى اولو الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل(٦) مع أبان(٧)

والعبدلان(٨) ثم حمّادان(٩)

والستة الاخرى هم صفوان(١٠)

ويونس(١١) عليهما الرضوان

ثم ابن محبوب(١٢) كذا محمد٣)

كذاك عبدالله(١٤) ثم أحمد(١٥)

وما ذكرناه الأصحّ عندنا

وشذّ قول من به خالفنا(١٦)

قوله : « وما ذكرناه الأصح » إشارة إلى الاختلاف الذي حكاه الكشي في عبارته حيث اختار الكشي ان أبا بصير الاسدي منهم ، واختار غيره أن أبا

__________________

١ ـ المراد بريد بن معاوية.

٢ ـ المراد محمد بن مسلم.

٣ ـ ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.

٤ ـ الفضيل بن يسار.

٥ ـ معروف بن خربوذ.

٦ ـ جميل بن دراج.

٧ ـ أبان بن عثمان.

٨ ـ عبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير.

٩ ـ حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.

١٠ ـ صفوان بن يحيى. المتوفّى عام ٢٢٠ هـ.

١١ ـ يونس بن عبد الرحمن.

١٢ ـ الحسن بن محبوب.

١٣ ـ محمد بن أبي عمير.

١٤ ـ عبد الله بن المغيرة.

١٥ ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

١٦ ـ قد مضى القولان في عبارة الكشي.

١٧١

بصير المرادي منهم واختار السيد بحر العلوم القول الثاني ونسب القول الأول إلى الشذوذ.

الخامس : في كيفية تلقي الأ صحاب هذا الاجماع

إن المتتبع النوري قد قام بتصفح كلمات الأصحاب حتى يستكشف من خلالها كيفية تلقيهم هذا الإجماع بالقبول وإليك الإشارة إلى بعض الكلمات التي نقلها المحدث النوري في الفائدة السابعة من خاتمة المستدرك بتحرير منّا حسب القرون :

١ ـ إن أول من نقله من الأصحاب هو أبو عمرو الكشي وهو من علماء القرن الرابع وكان معاصراً للكليني ( المتوفّى عام ٣٢٩ هـ ) وتتلمذ للعياشي صاحب التفسير.

٢ ـ ويتلوه في النقل ، الشيخ الطوسي ، وهو من علماء القرن الخامس ( المتوفّى عام ٤٦٠ هـ ) حيث إنه قام باختصار رجال الكشي بحذف أغلاطه وهفواته ، وأملاه على تلاميذه وشرع بالإملاء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ٤٥٦ هـ ، بالمشهد الشريف الغري ، ونقل سبط الشيخ ، السيد الأجل « علي بن طاووس » في كتاب « فرج المهموم » عن نفس خط الشيخ في أول الكتاب أنه قال : « هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واخترنا ما فيها »(١) . وظاهر كلامه أن الموجود في الكشي مختاره ومرضيه.

أضف إلى ذلك أنه يقول في العدة : « سوَّت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات ، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به ، وبين ما

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٥٧ ، نقلاً عن فرج المهموم.

١٧٢

أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم »(١) .

فان قوله « وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به » دليل على أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفنّ من طبقة الثقات ، عصابة مشتركة في هذه الفضيلة غير هؤلاء.

٣ ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب من علماء القرن السادس ( المتوفّى عام ٥٨٨ هـ ) فقد أتى بما ذكره الكشّي في أحوال الطبقة الاُولى والثانية ، وترك ذكر الثالثة ، ونقل الطبقتين بتغيير في العبارة كما سيوافيك وجهه(٢) .

٤ ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، فقيه الشيعة ، العلامة الحلي من علماء القرن الثامن ( المتوفّى عام ٧٢٦ هـ ) وقد أشار بما ذكره الكشّي في خلاصته في موارد كثيرة كما في ترجمة « عبدالله بن بكير » و « صفوان بن يحيى » و « البزنطي » و « أبان بن عثمان ».

٥ ـ وقال ابن داود مؤلّف الرجال وهو من علماء القرن الثامن ، حيث ولد عام ٦٤٨ وألَّف رجاله عام ٧٠٧ هـ : « أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج »(٣) .

٦ ـ وقال الشهيد الأول ( المستشهد عام ٧٨٦ هـ ) في « غاية المراد » عند

__________________

١ ـ عدة الاصول : ١ / ٣٨٦ ، وسيوافيك حق القول في تفسير كلام العدة ، وتقف على أن كلام العدة غير مستنبط من كلام الكشي ، وانما ذكرناه في المقام تبعاً للمحدث النوري.

٢ ـ المناقب : ٤ / ٢١١ ، أحوال الإمام الباقر ، والإمام الصادقعليهما‌السلام : ٢٨٠.

٣ ـ رجال ابن داود : ٢٠٩ ، خاتمة القسم الأول ، الفصل الأول ، طبعة النجف والصفحة : ٣٨٤ ، طبعة جامعة طهران.

١٧٣

البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب : « وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب ».

نعم ، لم نجد من يذكر هذا الاجماع أو يشير إليه من علماء القرن السّابع كالحسن بن زهرة ( المتوفّى عام ٦٢٠ هـ ) ونجيب الدين ابن نما ( المتوفّى عام ٦٤٥ هـ ) ، وأحمد بن طاووس ( المتوفّى عام ٦٧٣ هـ ) ، والمحقق الحلّي ( المتوفّى عام ٦٧٦ هـ ) ويحيى بن سعيد ( المتوفّى عام ٦٨٩ هـ ).

كما لم نجد من يذكره من علماء القرن التّاسع كالفاضل المقداد ( المتوفّى عام ٨٢٦ هـ ) وابن فهد الحلّي ( المتوفّى عام ٨٤١ ).

نعم ذكره الشّهيد الثّاني ( وهو من علماء القرن العاشر وقد استشهد عام ٩٦٦ هـ ) في شرح الدراية في تعريف الصحيح حيث قال : « نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً ، وهذا كلّه خارج عن تعريف الصحيح الّذي ذكروه ».

كما نقل في الروضة البهية ، في كتاب الطلاق عن الشيخ أنه قال : « ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير وأقرّوا له بالفقه والثقة »(١) .

وأما القرون التالية ، فقد تلقاه عدة من علماء القرن الحادي عشر بالقبول كالشيخ البهائي ( المتوفّى عام ١٠٣١ هـ ). والمحقق الداماد ( المتوفّى عام ١٠٤١ هـ ) ، والمجلسي الأوّل ، وفخر الدين الطّريحي ( المتوفّى عام ١٠٨٥ هـ ) والمحقق السبزواري ( المتوفّى عام ١٠٩٠ هـ ) مؤلّف « ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ».

كما تلقاه بالقبول كثير من علماء القرن الثاني عشر كالمجلسي الثاني

__________________

١ ـ الروضة البهية : ٢ / ١٣١ ، كتاب الطلاق.

١٧٤

( المتوفّى عام ١١١٠ هـ ) وعلماء القرون التالية ولا نرى حاجة في ذكر عبائرهم(١) .

اقول : ان الأصحاب وان تلقوه بالقبول ، لكن ذلك التلقّي لا يزيدنا شيئاً ، لأنهم اعتمدوا على نقل الكشي ولولاه لما كان من ذلك الاجماع أثر ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ لم يذكره في كتابي الرجال والفهرست ، ولا نجد منه اثرا في رجال البرقي ورجال النجاشي ، وذكره ابن شهرآشوب تبعاً للكشي وتصرف في عبارته ، على أن ذكر الشيخ في رجال الكشي لا يدل على كونه مختاراً عنده لأنه هذبه عن الأغلاط ، لا عن كل محتمل للصدق والكذب ، وابقاؤه يكشف عن عدم كونه مردوداً عنده ، لا كونه مقبولاً.

السادس : في وجه حجية ذاك الاجماع

عقد الاصوليون في باب حجية الظنون ، فصلاً خاصاً للبحث عن حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها ، فذهب البعض إلى الحجّية بادعاء شمول أدلة حجية خبر الواحد له ، واختار المحققون وعلى رأسهم الشيخ الأعظم عدمها ، قائلاً بأن أدلة حجّية خبر الواحد تختص بما إذا نقل قول المعصوم عن حس لا عن حدس ، وناقل الإجماع ينقله حدساً لا حسّاً وذلك من ناحيتين :

الأولى : من ناحية السبب ، وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الإمامعليه‌السلام ووجه كونه حدسياً ، لا حسياً ، ان الجل ـ لولا الكل ـ يكتفون في احراز السبب ، باتفاق عدة من الفقهاء لا اتفاق الكل ، وينتقلون من اتفاق عدة منهم إلى اتفاق الجميع.

الثانية : من ناحية المسبب ، وهو قول الإمام ، فإنهم يجعلون اتفاق

__________________

١ ـ لاحظ خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٥٨ ـ ٧٥٩ ، بتحرير وتلخيص واضافات منا.

١٧٥

العلماء دليلاً على موافقة قولهم لقول الإمامعليه‌السلام حدساً لا حساً ، مع ان الملازمة بين ذاك الاتفاق ، وقول الامام غير موجودة ، وعلى ذلك فناقل الاجماع ينقل السبب ( اتفاق الكل ) والمسبب ( قول الامام ) حدساً لا حساً ، وهو خارج عن مورد أدلة الحجية.

والاشكال من ناحية السبب ، مشترك بين المقام وسائر الاجماعات المنقولة ، حيث ان المظنون ان ابا عمرو الكشي لم يتفحص في نقل إجماع العصابة على هؤلاء ، وإنما وقف على آراء معدودة واكتفى ، وهي لا تلازم اتفاق الكل.

وهناك اشكال اخر يختص بالمقام ، وهو ان الاجماع المنقول لو قلنا بحجّيته ، انما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي ، لا على الموضوع ، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لا حكم من الأحكام ، كما تفصح منه عبارة الكشي : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ».

والاجماع على موضوع ولو كان محصلاً ، ليس بحجة ، فكيف إذا كان منقولاً.

والجواب عن الاشكال الأول مبني على تعيين المفاد من عبارة الكشي في حق هؤلاء الثمانية عشر ، فلو قلنا بأن المراد منها هو تصديق هؤلاء الأعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم ـ كما هو المختار ويظهر من عبارة المناقب أيضاً وغيرها كما ستوافيك ـ فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلى اتفاق الكل حتى يقال انه أمر حدسي بل يكفي توثيق شخص أو شخصين أو ثلاثة وقف عليه الكشي عن حس ، ليس الاطلاع على هذا القدر أمراً عسيراً حتى يرمي الكشي فيه إلى الحدس ، بل من المقطوع أنه وقف عليه وعلى أزيد منه.

نعم ، لو كان المراد من عبارة الكشي هو اتفاق العصابة على صحة رواية هؤلاء ، بالمعنى المصطلح عند القدماء اعتماداً على القرائن الخارجية ،

١٧٦

فالإشكال باق بحاله ، لان العلم بالصحة ليس أمراً محسوساً حتى تعمه أدلة حجية خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر ، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحة ، كلها من قبيل عرض الكتاب على الإمامعليه‌السلام وتصديقه إياه ، أو تكرر الحديث في الاصول المعتمدة ، حتى يقال « انها من قبيل الامور الحسية ، وأن المسبب ـ أعني صحة روايات هؤلاء ـ وان كان حدسيّاً ، لكن أسبابه حسّية ، ولا يلزم في حجة قول العادل كون المخبر به أمراً حسياً ، بل يكفي كون مقدمات حسية » ، وذلك لأن القرائن المفيدة لصحة أخبار هؤلاء ليست حسّية دائماً ، وإنما هي على قسمين : محسوس وغير محسوس ، والغالب عليها هو الثاني وقد مر الكلام فيه عند البحث عن شهادة الكليني في ديباجة الكافي على صحة رواياته.

وقد حاول بعض الأجلة الإجابة عنه ( ولو قلنا بأن المراد هو تصحيح روايات هؤلاء ) بأن نقل الكشي ، اتفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء بالقرائن الدالة على صدق مفهومها أو صدورها ، وأن لم يكن كافياً في إثبات الاتفاق الحقيقي ، لكنه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم على تصحيح مرويات هؤلاء ، ومن البعيد أن يكون مصدره ادعاء واحد أو اثنين من علماء الطائفة ، لأن التساهل في دعوى الإجماع شائعاً وأن كان بين المتأخرين ، لكنه بين القدماء ممنوع جداً ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر إن اتفاق جماعة على صحة روايات هؤلاء العدة ، يورث الاطمئنان بها ، والقرائن التي تدل على الصحة وإن كانت على قسمين : حسي واستنباطي ، لكن لما كان النظر والاجتهاد في تلك الأيام قليل ، وكان الأساس في المسائل الفقهية وما يتصل بها ، هو الحس والشهود ، يمكن أن يقال باعتمادهم على القرائن العامة التي تورث الاطمئنان لكل من قامت عنده أيضاً ، ككونه من كتاب عرض على الإمام ، أو وجد في أصل معتبر ، أو تكرر في الاصول ، إلى غير ذلك من القرائن المشهورة.

١٧٧

والحاصل ؛ أنه إذا ثبت ببركة نقل الكشي كون صحة روايات هؤلاء ، أمراً مشهوراً بين الطائفة ، يحصل الاطمئنان بها من اتفاق مشاهيرهم ، لكونهم بعداء عن الاعتماد على القرائن الحدسية ، بل كانوا يعتمدون على المحسوسات أو الحدسيات القريبة منها ، لقلة الاجتهاد والنظر في تلك الأعصار.

أقول : لو صحت تلك المحاولة لصحت في ما ادعاه الكليني في ديباجة كتابه ، من صحة رواياته ، ومثله الصدوق في مقدمة « الفقيه » ، بل الشيخ حسب ما حكاه المحدث النوري بالنسبة إلى كتابيه « التهذيب والاستبصار » والاعتماد على هذه التصحيحات ، بحجة ان النظر والاجتهاد يوم ذاك كان قليلاً ، وكان الغالب عليها هو الاعتماد على الامور الحسية مشكل جداً وقد مرَّ اجمال ذلك عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال فلاحظ ، على ان احراز القرائن الحسية بالنسبة إلى أحاديث هؤلاء مع كثرتها ، بعيد غايته وسيوافيك بعض الكلام في ذلك عند تبيين مفاد العبارة.

واما الاشكال الثاني فالاجابة عنه واضحة ، لأنه يكفي في شمول الأدلة كون المخبر به مما يترتب على ثبوته اثر شرعي ، ولا يجب ان يكون دائماً نفس الحكم الشرعي ، فلو ثبت بإخبار الكشي ، اتفاق العصابة على وثاقتهم أو صحة اخبارهم ، لكفى ذلك في شمول ادلة الحجية كما لا يخفى.

السابع : في مفاد « تصحيح ما يصح عنهم »

وهذا هو البحث المهم الذي فصل الكلام فيه المتتبع النوري في خاتمة مستدركه ، كما فصل في الامور السابقة ـ شكر الله مساعيه ـ.

والخلاف مبني على ان المقصود من الموصول في « ما يصح » ما هو؟ فهل المراد ، الرواية والحكاية بالمعنى المصدري ، أو ان المراد المروي ونفس الحديث؟

١٧٨

فتعيين أحد المعنيين هو المفتاح لحل مشكلة العبارة ، وأما الاحتمالات الاُخر ، فكلها من شقوق هذين الاحتمالين ، ويتلخص المعنيان في جملتين :

١ ـ المراد تصديق حكاياتهم.

٢ ـ المراد تصديق مروياتهم.

وان شئت قلت : هل تعلق الإجماع على تصحيح نفس الحكاية وان ابن ابي عمير صادق في قوله ، بأنّه حدثه ابن اُذينة أو عبدالله بن مسكان أو غيرهما من مشايخه الكثيرة الناهزة إلى أربعمائة شيخ أو تعلق بتصحيح نفس الحديث والمروي ، وان الرواية قد صدرت عنهمعليهم‌السلام .

وبعبارة اخرى ؛ هل تعلق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه « ابن اُذينة » ، أو تعلق بما يرويه مع الواسطة أعني نفس الحديث الذي يرويه عن الإمام بواسطة استاذه.

والمعنى الأول يلازم توثيق هؤلاء ويدل عليه بالدلالة الالتزامية ، فان اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم وتحدثهم ملازم لكونهم ثقات ، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.

وأما المعنى الثاني فله احتمالات :

١ ـ صحة نفس الحديث والرواية وان كانت مرسلة أو مروية عن مجهول أو ضعيف لأجل كونها محفوفة بالقرائن.

٢ ـ صحتها لأجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة فتكون الصحة نسبية لا مطلقة ، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه فيتحد مع المعنى الأول.

٣ ـ صحتها لأجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم حتى يصل إلى الإمامعليه‌السلام فعلى الاحتمال الثالث ، تنسلك مجموعة كبيرة من الرواة ممَّن

١٧٩

لم يوثقوا خصوصاً ، في عداد الثقات ، فإن لمحمد بن ابي عمير مثلا « ٦٤٥ » حديثاًيرويها عن مشايخ كثيرة(١) .

واليك توضيح هذين المعنيين(٢) .

المعنى الأول : وهو ما احتمله صاحب الوافي في المقدمة الثالثة من كتابه : « ان ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي »(٣) . وعلى هذا تكون العبارة كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.

ونقل المحدث النوري عن السيد المحقق الشفتي في رسالته في تحقيق حال « أبان » ان متعلق التصحيح هو الرواية بالمعنى المصدري أي قولهم أخبرني ، أو حدثني ، أو سمعت من فلان ، وعلى هذا فنتيجة العبارة أن أحداً من هؤلاء إذا ثبت أنه قال : حدثني ، فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده.

وقد سبقه في اختيار هذا المعنى رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه ، حيث اكتفى بنقل المضمون وترك العبارة وقال : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادقعليه‌السلام ) وهم جميل بن دراج ، وعبدالله بن مسكان الخ » فقد فهم من عبارة الكشي اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون ، فيدل بالدلالة الالتزامية على وثاقة هؤلاء لا غير ، والتصديق مفاد مطابقي ، والوثاقة مفاد التزامي كما لا يخفى.

__________________

١ ـ لاحظ معجم رجال الحديث : ١٤ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، طبعة النجف.

٢ ـ وقد ادغمنا الوجه الثاني والثالث من الاحتمال الثاني فبحثنا عنهما بصفقة واحدة ، لان وثاقة هؤلاء ليست مورداً للشك والترديد وانما المهم اثبات وثاقة مشايخهم.

٣ ـ الوافي : المقدمة الثالثة ، الصفحة ١٢ ، وجعل الفيض كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم في عرض ذلك الاحتمال ، والظاهر أنه في طوله ، لان تصديق حكايتهم في الموارد المجردة عن القرائن غير منفك عن التصديق بعدالتهم فلاحظ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530