كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149058 / تحميل: 5393
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

لأهداف عليا.

وبعبارة اُخرى : إنَّ الافعال الخارقة للعادة ليست ظواهر عارية عن العلل ، بل إنَّ علتها غير طبيعيّة ، وافتقاد العلة الطبيعية ( وخاصة العلة الطبيعية غير المعروفة ) ليس دليلا على افتقاد مطلق العلة.

والخلاصة ؛ إن قوانين الخلقة ليست بحيث لا يمكن تبدُّلها ، وتغيّرها بارادة بارئها وخالقها.

إنهم يقولون : إنَّ جميع خوارق العادة ، وجميع أفعال الأنبياء العجيبة الّتي تتصف بصفة الاعجاز ، والخارجة عن اطار القوانين الطبيعية ، تتحقق من هذه الزاوية.

إنَّ هذا الفريق من الناس لا يسمَحُون لأنفسهم بان يرفضوا الأعمال الخارقة للعادة ، والكرامات الّتي جاء ذكرها في القرآن الكريم ، والاحاديث ، أو وردت في المصادر التاريخية الصحيحة المعتبرة ، أو يكشوا فيها بحجة أنها لا توافق الموازين الطبيعية ، والقوانين العلمية.

وها نحن نشير إلى قضيتين عجيبتين وقعتا في فترة الطفولة من حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع اخذ ما قلناه بنظر الاعتبار لا يبقى أي مجال للترديد ، أو الاستبعاد :

١ ـ لقد نقَلَ المؤرخون عن « حليمة السعدية » قولها بأنها لمّا تكفلَّت إرضاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادت أن ترضعه في محضر اُمّها ، ففتحت جيبها وأخرجت ثديها الايسر ، وأخذت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجرها ، ووضعت ثديها في فمه ، فترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثديها ، ومالَ إلى ثديها الأيمن ، فاخذت « حليمة » ثديها الأيمن من يد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعت ثديها الأيسر في فمه وذلك أنَّ ثديها الأيمن كان جهاماً ( أي خالياً من اللبن ولم يكن يدرُّ به ) ، وخافت ( حليمة ) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مصَّ الثدي ولم يجد فيه شيئاً لا يأخذ ـ بعده ـ الأيسر. ولكن النبيّ أصرَّ على أخذ الثدي الأيمن ، فلمّا مصَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأيمن امتلأ فانفتح حتّى ملأ شدقيه

٢٢١

فادهش الجميع ذلك(١) .

٢ ـ وتقول « حليمة » أيضاً : إن البوادي أجدبت وحملنا الجُهد على دخول البلد ، فدخلتُ مكة مع نساء بني سعد فأخذتُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرفنا به البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتّى أثرينا ، وكثرت مواشينا ، وأموالنا(٢) .

إنَّ مَن المسلم أنَّ حكم الماديين ، أومن يحذو حذوهم ويتبع منهجهم في هذه المسائل يختلف عن حكم المؤمنين باللّه.

فان أتباع المنهج المادي إذ عجزوا عن تفسير هذا النوع من القضايا من زاوية العلوم الطبيعية ، نجدهم يبادرون إلى اعتبار هذه الحوادث من نسج الخيال ، ومن ولائد الاوهام ، واما إذا كانوا اكثر تأدباً لقالوا : إن رسول الإسلام ليس بحاجة إلى امثال هذه المعاجز :

ونحن نقول : لا نقاش في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غني عن هذه المعاجز إلاّ أن عدم الحاجة شيء ، والحكم بصحة هذه الاُمور أو بطلانها شيء آخر.

وأما المؤمن باللّه الّذي يردُّ النظام الطبيعي ، إلى مشيئة اللّه خالق الكون وارادته العليا ، ويعتقد بأن كل الحركات والظواهر في العالم الطبيعي من اصغر اجزائه ( الذرة ) إلى اكبر موجوداته ( المجرة ) يجري تحت تدبيره ، ونظارته ، فانه بعد التحقق من مصادر هذه الحوادث والتأكد من وقوعها ينظر إليها بنظر الاحترام ، وأمّا إذا لم يطمئن إليها لم يرفضها رفضاً قاطعاً.

ولقد ورد في القرآن الكريم نظائر عديدة لهذه القصة حول « مريم » اُم عيسى فالقرآن يخبرنا عن تساقط الرطب الجَنيّ من جذع النخلة اليابسة كرامة لوالدة المسيح عندما لجأت إليه مريم عند المخاض إذ يقول : « ...ألاّ تَحزَني قَدْ جَعلَ رَبُّكِ تَحتك سَريّاً. وَهُزِّي إليْكِ بِجذْع النَخلةِ تُساقِط عَليْك رُطباً جَنِيّاً »(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٣٤٥ و ٣٤٦.

٢ ـ المناقب لابن شهراشوب : ج ١ ، ص ٢٤.

٣ ـ مريم : ٢٤ و ٢٥.

٢٢٢

إنه وان كان الفرق بين « مريم » و « حليمة » شاسعاً وكبيراً من حيث الملكات الفاضلة والمكانة ، والمنزلة ، إلاّ أن منزلة « مريم »عليها‌السلام لو استوجبت مثل هذا اللطف الالهي ، ففي المقام استوجب نفسُ مقام الوليد العظيم ، ومكانته عند اللّه تعالى أن تشمله العناية الالهية.

كما انه قد جاء في القرآن الكريم حول مريمعليها‌السلام امور اُخرى مشابهة.

ان عصمة هذه المرأة الطاهرة ، وتقاها وطهرها البالغ كانت بحيث أن « زكريا » كلّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً ، فاذا سألها : مِن أينَ لكِ هذا قالت : هو مِنْ عِند اللّه؟(١) .

وَعلى هذا الأساس يجب أن لا نتردَّد ولا نسمح لانفسنا بأن نشك في مثل هذه الكرامات ، أو نستبعدها.

خَمسَةُ أعوام في الصَحْراء :

أمضى وليدُ « عبد المطلب » في قبيلة « بني سعد » مدة خمسة أعوام ، بلغ فيها أشده.

وخلالَ هذه المدة اخذته « حليمة » إلى اُمّه مرتين أو ثلاث ، وقد سلّمته إلى اُمه في آخر مرة.

وكانت المرّة الاُولى من تلك المرات عند فطامه ، ولهذا السبب اتت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « حليمة » إلى مكة ولكنها عادت به إلى الصحراء باصرار منها ، وكان السبب وراء هذا الاصرار على اصطحابه معها إلى البادية هو أن هذا الوليد قد اصبح مبعث خير ورخاء ، وبركة في منطقتها ، وقد دفع شيوعُ مرض الوباء في « مكة » إلى أن تقبل امُّه الكريمة بهذا الطلب(٢) .

وأما المرةُ الثانيةُ من تلك المرات فكانت عندما قدم جماعة من نصارى

__________________

١ ـ «وَكَفَّلها زكريّا كُلَّما دَخلَ عَلَيْها زكَريّا المِحْرابَ وَجدَ عِنْدها رزْقاً قال يا مَريَمُ أنّى لَكِ هذا قالَتْ هُو مِنْ عِنْد اللّه » ( آل عمران : ٣٧ ).

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٤٠١.

٢٢٣

الحبشة إلى الحجاز ، فوقع نظرهم على محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في « بني سعد » ، ووجدوا فيه جميع العلائم المذكورة في الكتب السماوية للنبي الّذي سيأتي بعد عيسى المسيحعليه‌السلام ، ولهذا عزموا على أخذه غيلة إلى بلادهم لما عرفوا ان له شأنا عظيماً ، لينالوا شرف احتضانه ويذهبوا بفخره(١) .

ولا مجال لاستبعاد هذه القضية لأن علائم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذُكِرَت في الانجيل حسب تصريح القرآن الكريم ، فلا يبعد أن علماء النصارى قد تعرّفوا في ذلك الوقت على النبيّ من العلائم الّتي قرأوها ودرسوها في كتبهم.

يقول القرآن الكريم في هذا المجال : «وَإذْ قالَ عِيْسى بْنُ مرْيَم يا بَني إسْرائيلَ إنّي رَسُولُ اللّه إليْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْن يَديَّ مِنَ التوْراة وَمُبشِّراً بِرَسُول يأتْي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أَحمَد فَلمّا جَاءهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبيْنٌ »(٢) .

ثمّ انّ في هذا الصعيد آياتٌ اُخر صرَّحت بجلاء بأن علائم رسول الإسلام في الكتب السماوية الماضية في وضوح ، ومن غير إبهام ، وأن الامم السابقة كانت على علم بهذا الأمر(٣) .

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٧.

٢ ـ الصف : ٦.

٣ ـ «الذين يتَّبِعُونَ الرسول النبيّ الاُميَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مكْتُوباً عِندَهُمْ في التوراة والإنْجيل » ( الأعراف : ١٥٧ ).

٢٢٤

٧

العَوْدة

إلى اَحضان العائلة

لقد خَلقَت يدُ القدرة الالهية كلَ فرد من أفراد النوع الانساني لأمر معين ، فهناك من خلق لا كتساب العلم والمعرفة ، وهناك من خُلقَ للاختراع والاكتشاف ، وثالثٌ خلق للسعي والعمل ، وبعض للتدبير والسياسة وفريق للتدريس والتربية وهكذا.

وإن المربِّين المخلصين الذين يهمّهم تقدم الأَفراد أو رقيّ مجتمعهم لا يعمدون إلى نَصب أحد في عمل من الاعمال ولا يعهدون إليه مسؤولية من المسؤوليات إلاّ بعد اختبار سليقته ومواهبه ، بغية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، إذ في غير هذه الحالة يتعرِّض المجتمع لضررين كبيرين : احدهما : أن لا يوكل إلى الفرد ما يستطيع القيام به ، والثاني : ان يبقى العمل الّذي قام به ناقصاً ، مبتوراً.

وقد قيل في المثل : لكل انسان موهبة ، والسعيد هو من اكتشف تلكم المواهب ، واصابها.

وقد ذكروا أن استاذاً كان ينصح تلميذاً له كسولا ، ويعدّد له مضارَّ الكسل والتواني ، ويصف له حال من ترك الاشتغال بالعلم ، وضيّع ربيع حياته في البطالة والغفلة.

وبينما الاستاذ ينصح تلميذه ـ وهو يسمع مواعظ اُستاذه ـ رأى تلميذه يرسم

٢٢٥

بقطعة من الجص صورة على المنضدة ، فادرك من فوره أن هذا الصبيّ لم يُخلق للدرس وتحصيل العلم ، بل خلقته يد القدرة للرسم ، فطلب منه أن يصطحب اباه إلى المدرسة في اليوم القادم ، ثم قال لوالد الصبيّ : إذا كان ولدك هذا كسولا في التعلم ، والتحصيل فانه يمتلك ذوقاً رفيعاً في الرسم ، ورغبة كبيرة في التصوير.

وقبل الوالد نصيحة المعلّم هذه ولم يمض زمانٌ طويل إلاّ وبرع الصبي وغدى قمة في هذا الفن ، بعد أن تابع هوايته بشغف وأكثر من ممارستها.

إن فترة الطفولة والصبا في حياة الأشخاص خير فرصة لأولياء الأطفال بأن يختبروا مواهب أبنائهم ، ويتعرفوا عليها من خلال تصرفاتهم ، وأفكارهم وردودهم ، لأن حركات الطفل وأقواله الجميلة والحلوة خير مرآة لما ينطوي عليه من مواهب وقابليات وصفات لوتوفرت لها ظروف التربية الصحيحة لأمكن الاستفادة منها على أفضل صورة ، وأحسن وجه.

إن مطالعة فاحصة لحياة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقواله وأفعاله إلى وقت البعثة المباكرة تُوقفنا على صورة كاملة لشخصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضح لنا أهدافه العليا ، على أن مطالعة صفحات الطفولة في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط لا تكشف لنا عن مستقبله المشرق ، بل ان دراسة الصورة الاجمالية لحياته وتاريخه إلى يوم مبعثه الشريف ، وإعلانه عن نبوَّته وقيادته للمجتمع ، تخبرنا عن ذلك المستقبل العظيم ، وبالتالي عن هذه الحقيقة وهي ان هذه الشخصية خُلِقَت لأيّ عمل ، وأن إدعاء الرسالة والقيادة له هل ينسجمُ مع سوابقه التاريخية أم لا؟؟

هل تُؤيّد تفاصيلُ حياتِه خلال أربعين سنة قبل الرسالة ، وهل تؤيّد أفعالُه واقوالُه ، وبالتالي : سلوكه مع الناس ومعاشرته الطويلة مع الآخرين رسالته أم لا؟؟

من هنا نعمدُ إلى عرض بعض الصفحات من حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ايامها وسنواتها الاولى.

٢٢٦

لقد حافظت مرضعةُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه خمس سنوات ، وقامت في هذه المدة برعاية شؤونه خير قيام ، وبالغت في كفالته والعناية به ، وفي خلال هذه المدة تعلّم النبي لغة العرب على احسن ما يكون ، حتّى انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفتخر بذلك في ما بعد إذ كان يقول :

أنا أعربكُمْ ( اي أفصحكم ) وارضعت في بني سعد »(١) .

ثم ان « حليمة » جاءت به إلى « مكة » ، وبقي عند امّه الحنون ردحاً من الزمن ، وفي كفالة جده العظيم : « عبد المطلب » ردحاً آخر منه ، وكان هو السلوة الوحيدة لاقاربه والبقية الباقية من ابيه : « عبد اللّه »(٢) .

سَفْرةٌ إلى يثرب :

منذ أن فقَدت كَنّة « عبد المطلب » وعروس ابنه : « آمنة » زوجها الشاب الكريم : « عبد اللّه » باتت تترقب الفرص لتذهب إلى « يثرب » وتزور قبر زوجها الحبيب الفقيد عن كثب ، وتزور اقاربها في يثرب في نفس الوقت.

وذات مرة فكَّرت بأن تلك الفرصة قد سنحت ، وأن ولدها « محمَّداً » قد كبُر ، ويمكنه أن يشاركها في حزنها ، فتهيأت هي واُمّ ايمن للسفر ، واتجهت نحو يثرب برفقه « محمَّد » ، ولبثت هناك شهراً.

ولقد انطوت ( وبالاحرى حملت ) هذه السفرة على بعض الآلام الروحية لوليد قريش « محمّد » لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى فيها ولأوّل مرة البيت الّذي توفي فيه والده العزيز ، ودفن(٣) وكانت والدته قد حدَّثته بامور عن والده إلى ذلك الحين.

وكانت لا تزال سحابةُ الحزن تخيّم على روحه الشريفة إذ فوجئ بحادثة مقرحة اُخرى ، وغشيه موج آخر من الحزن لأنه عند عودته إلى مكة فقد اُمّه

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٨٩.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٧.

٣ ـ كان البيت الّذي يضمّ قبر « عبد اللّه »عليه‌السلام لا يزال موجوداً حتّى قُبيل توسعة الدائرة حول المسجد النبوي الطاهر ، ولكنه اُزيل بحجّة إيجاد تلك التوسعة.

٢٢٧

العزيزة في اثناء الطريق في منطقة تدعى ب‍ « الابواء »(١) .

إنَ هذه الحادثة قد عزَّزتْ مكانة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عشيرته اكثر فأكثر ، وجعلته يتمتع بمحبّة أزيد منهم ، فهو الزهرة الوحيدة من تلك الجنينة المباركة ، كما انه صار منذ ذلك الحين يتمتع بعناية أكبر من قبل جده « عبد المطلب » ولهذا كان يحبُّه اكثر من أبنائه ، بل ويؤثره عليهم جميعاً.

ومن ذلك أنه كان يُمدُّ في فناء الكعبة المعظمة بساطٌ لزعيم قريش « عبد المطلب » فيجلس هو عليه ويتحلَّقُ حوله وجوهُ قريش وسادتها وأولادُه فإذا وقَعت عيناه على بقية عبد اللّه « محمَّد » أمر بأن يُفرَّجَ له حتّى يتقدم نحوه ثم يُجلِسُه إلى جنبه على ذلك البساط المخصوص به(٢) .

ان القرآن الكريم يُذكّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفترة يتمه ويقول : «ألمَ يجدْكَ يتيماً فآوى ».

إن الحكمة وراءيتم وليد قريش ليست واضحة لنا تمام الوضوح ، ولكننا نعلم إجمالا بأن سيل هذه الحوادث المؤلمة احيانا ، والمزعجة احيانا اخرى لم يك خالياً عن حكمة معقولة ومصلحة رشيدة ، بيد أننا مع كل هذا يمكن لنا الحدس بأن اللّه تعالى أراد أن يذوق قائد العالم البشري ومعلمه ، وإمام الإنسانية وهاديها ـ وقبل ان يتسلم مهامه ، ويزاول مسؤولياته العظمى ويبدأ قيادته ـ حُلو الحياة ومرَّها ، ويجرِّب سراء العيش وضرّاءه ، حتّى تتهيَّأ لديه تلك الروحُ الكبرى الصبورة الصامدة ، ويدّخر من تلك الحوادث الصعبة تجارب ودروساً ، ويعدّ نفسه لمواجهة مسلسل الشدائد والمصاعب ، والمشاق والمتاعب الّتي كانت تنتظره في المستقبل.

وربما أراد اللّه تعالى أن لا تكون في عنق نبيِّه طاعة لأحد ، ولهذا انشأه حراً خلياً من كل قيد ، منذ الايام الاُولى من حياته ، يصنع نفسَه بنفسِه ويقيّض لها موجبات الرشد ، واسباب الرقيّ ليتضح أن نبوغَهُ ليس نبوغاً بشرياً عادياً ومألوفاً

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١٠٥.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٨.

٢٢٨

وانه لم يكن لوالديه اي دخل فيه وفي مصيره ، وبالتالي فان عظمته الباهرة نابعةٌ من مصدر الوحي ، وليست من العوامل العادية والاسباب المأنوسة المتعارفة.

وَفاة عبْدالمُطَّلب :

لقد جرت عادة الحياة ان تتعرض للمرء باستمرار ، وتستهدف سفينة حياته كالأمواج المتلاحقة مُوجِّهة ضرباتها القوية لروحه ، ونفسه.

أجل هذه هي طبيعة الحياة وسنتها مع أفراد النوع الانساني من دون استثناء.

ولم يكن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعزل عن هذ السنة المعروفة وهذه القاعدة الحياتية العامة.

فلم تكن أمواج الحزن تفارق قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفاة والديه بعد حتّى فاجأته مصيبة كبرى.

إنه لم يكن يمض من عمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر من ثمان سنوات إلا وفقد جدّه العظيم « عبد المطلب » ، وقد اعتصَرت وفاة « عبد المطلب » قلب رسول اللّه ألماً وحزناً ، وكان لها وقعٌ شديدٌ على نفسه المباركة ، حتّى أنه بكى لفقده بكاء شديداً وظلّت دموعُه تجري من أجله إلى أن وري في لحده ، ولم ينس ذكره أبداً!!(١) .

كفالة أبي طالب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

سيكون لنا حديثٌ مفصَّل حول شخصيّة أبي طالب في فصل خاص(٢) وسنثبت هناك إيمانه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوثائق والأدلة القاطعة ، ولكنَّ من المناسب الآن أن نستعرض بعض الحوادث المرتبطة بفترة كفالته للنبي

__________________

١ ـ كتب اليعقوبي في تاريخه : ج ٢ ، ص ١٠ و ١١ من تاريخه حول سيرة عبد المطلب ، وأنه كان موحِّداً لاوثنياً ، وذكر أن الإسلام أمضى الكثير من سننه.

٢ ـ في حوادث السنة العاشرة.

٢٢٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لقد تكَفَّل أبو طالب ـ ولأَسباب خاصة ـ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقبل تحمُّل هذه المسؤولية بفخر واعتزاز ، ولأنّ أبا طالب ـ مضافاً إلى العلل المشار إليها ـ كان أخاً لوالد النبي من أُمٍّ واحدة أيضاً(١) كما أنّه كانَ معروفاً بجوده وكرمه ، ومن هنا أوكلّ « عبد المطلب » أمر كفالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حفيده ، إليه ، وسوف نقص عليك تدريجاً سطوراً ذهبية من تاريخه ، تمثل شاهد صدق على خدماته القيمة ، وأياديه الجليلة.

يقولون : إن النبي شارك وهو في العاشرة من عمره جنباً إلى جنب مع عمّه في حرب من الحروب(٢) وحيث أن هذه الحرب وقعت في الأشهر الحُرم لذلك سُمّيت بحرب « الفجار » وقد وردت تفاصيل حروب « الفجار » في التاريخ بشكل مسهَب.

سَفرةٌ إلى الشام :

لقد جرت العادة ان يسافر تجار قريش إلى الشام كل سنة مرة واحدة.

فعزم « ابو طالب » على أن يشارك في رحلة قريش السنوية هذه ذات مرة ، وعالج مشكلة ابن اخيه « محمَّد » الّذي ما كان يقدر على مفارقته بأنه قرر أن يتركه في مكة في حراسة جماعة من الرجال ، ولكنه ساعة الرحيل واجه من ابن اخيه العزيز ما غيّر بسببه قراره المذكور فقد شاهد « محمَّداً » وقد اغرورقت عيناه بالدموع لفراق كفيله الحميم « ابي طالب » ، فاحدثت ملامح « محمَّد » الكئيبة طوفاناً من المشاعر العاطفية في قلب « أبي طالب » بحيث اضطرته إلى أن يرضى

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٧٩ ، وامهما هي فاطمة المخزومية.

٢ ـ لقد كتب اليعقوبي في تاريخه : ج ١ ، ص ١٥ طبعة النجف أنّ أبا طالب لم يشترك في هذه الحرب قط ، كما لم يسمح لبني هاشم بالمشاركة فيها أيضاً ، لأنه كان ظلماً وعدواناً وقطيعة رحم واستحلالا للشهر الحرام.

٢٣٠

بمشقة اصطحاب « محمَّد » في تلك الرحلة(١) .

لقد كانت سفرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الّتي قام بها بصحبة عمّه وكافله « ابي طالب » في الثانية عشرة من عمره ، من اجمل وأطرف اسفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عَبر فيها على : « مَديَن » و « وادي القرى » و « ديار ثمود » واطّلع على مشاهد الشام الطبيعية الجميلة.

ولم تكن قافلة قريش التجارية قد وَصلت إلى مقصدها حتّى حدثت في منطقة تدعى « بصرى » قضية غيرت برنامج « ابي طالب » وتسببت في عدوله عن المضي به في تلك الرحلة والقفول إلى مكة.

واليك فيما يلي مجمل هذه القضية :

كان يسكن في « بصرى » من نواحي الشام راهبٌ مسيحي يدعى « بحيرا » يتعبّد في صومعته ، يحترمه النصارى في تلك الديار.

وكانت القوافل التجارية إذا مرت على صومعته توقفت عندها بعض الوقت وتبركت بالحضور عنده.

وقد اتفق أن التقى هذا الراهبُ قافلة قريش الّتي كان فيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلفت نظره شخصيةُ « محمَّد » ، وراح يحدق في ملامحه ، وكانت نظراته هذه تحمل سراً عميقاً ينطوي عليه قلبه منذ زمن بعيد وبعد دقائق من

__________________

١ ـ ويذكر « أبو طالب » في ابيات له قصّة هذه السفرة وما جرى فيها من البدء إلى الختام نقتطف منها بعض الأبيات :

إنَّ ابنَ آمِنة النبي محمَّداً

عِندي يفوقُ منازل الأولاد

لما تعَلّق بالزمام رحمتُه

والعيسُ قد قلَّصْنَ بالازواد

فَارفضَّ من عينيّ دمع ذارفٌ

مثل الجمان مُفرّق الأفراد

راعيتُ فيه قرابة موصولة

وحفَظت فيه وصية الأجداد

وأمرتُه بالسير بين عمومة

بيض الوجوه مصالت أنجاد

حتّى إذا ما القومُ بُصرى عاينوا

لاقوا على شرك من المرصاد

حبراً فاخبرهم حديثاً صادقاً

عنه وردّ معاشر الحُسّاد

( تاريخ ابن عساكر : ج ١ ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧٢ وديوان ابي طالب : ص ٣٣ ـ ٣٥ ).

٢٣١

النظرات الفاحصة ، والتحديق في وجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج عن صمته وانبرى سائلا : اُنشدكم باللّه أيّكم وليّه؟

فاشار جماعة منهم إلى « أبي طالب » وقالوا : هذا وليّه.

فقال « ابو طالب » : إنه ابن أخي ، سلني عمّا بدا لك.

فقال « بحيرا » : إنه كائن لابن أخيك هذا شأنٌ عظيمٌ ، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا ، هذا سيّدُ العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه رحمة للعالمين. إحذرْ عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنَّ قتلَه(١) .

هذا وقد اتفق اكثر المؤرخين على أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعدَّ تلك المنطقة ، وليس من الواضح أن عمه « أبا طالب » بعثه إلى مكة مع أحد ، ( ويُستَبعد أن يكون عمُه قد رضي بمفارقته منذ أن سمع تلك التحذيرات من الراهب بحيرا ) ، أم أنه اصطحبه بنفسه إلى مكة ، وانثنى عن مواصلة سفره إلى الشام(٢) .

وربما قيل أنه تابع ـ بحذر شديد ـ سفرَهُ إلى الشام مع ابن اخيه « محمَّد ».

اُكذُوبَةُ المُسْتشرقيْن :

لقد آلينا على أنفسنا في هذا الكتاب ان نشير إلى أخطاء المستشرقين وغلطاتهم بل وربما أكاذيبهم ، واتهاماتهم الباطلة ، وشُبههُم الواهية ليتضح للقراء الكرام الى أي مدى يحاول هذا الفريق إرباك أَذهان البُسطاء من الناس ، وبلبلة عقولهم حول قضايا الإسلام!!

إن قضية اللقاء الّذي تم ـ في بصرى ـ بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والراهب « بحيرا » لم تكن سوى قضية بسيطة ، وحادثة عابرة وقصيرة ، إلا أنها وقعت في ما بعد ذريعة بايدي هذه الزمرة ( المستشرقون ) فراحوا يصرّون أشدّ اصرار على أنّ

__________________

١ ـ روى تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٣٢ و ٣٣ ، والسيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٨٠ ـ ١٨٣ هذه القصّة بتفصيل اكبر وقد اختصرناها هنا تمشياً مع حجم هذا الكتاب.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٨٢ و ١٨٣.

٢٣٢

ما أظهره رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تعاليم رفيعة سامية بعد ٢٨ عاماً ، واستطاع بها أن يُحيي بها تلك الاُمة الميّتة قد تلقاها من الراهب « بحيرا » في هذه السفرة. ويقولون : إن « محمَّداً » بما تمتع به من قوة ذاكرة ، وصفاء نفس ودقة فكر ، وعظمة روح وهبته اياها يد القدر ، أخذ من الراهب « بحيرا » في لقائه به ، قصص الانبياء السالفين والاقوام البائدة مثل عاد وثمود ، وكثيراً من تعاليمه الحيوية.

ولا ريب في أن هذا الكلام ليس سوى تصور خيالي لا يتلاءم ولا ينسجم مع حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل وتكذبه الموازين العقلية ، واليك بعض الشواهد على هذا :

١ ـ لقد كان « محمَّد »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باجماع المؤرخين اُميّاً ، لم يتعلم القراءة والكتابة ، وكان عند سفره إلى الشام ، ولقائه ب‍ « بحيرا » لم يتجاوز ربيعه الثاني عشر بعد ، فهل يصدق العقل ـ والحال هذه ـ أن يستطيع صبيٌ لم يدرس ولم يتعلّم القراءة والكتابة ولم يتجاوز ربيعه الثاني عشر ان يستوعب تلك الحقائق من « التوراة » و « الإنجيل » ، ثم يعرضها ـ في سن الاربعين ـ على الناس بعنوان الوحي الالهيّ والشريعة السماوية؟!

إن مثل هذا الأمر خارج عن الموازين العادية ، بل ربما يكون من الاُمور المستحيلة لو أخذنا بنظر الاعتبار حجم الإستعداد البشري.

٢ ـ إن مدة هذا اللقاء كان اقل بكثير من أن يستطيع محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل تلك الفترة الزمنية القصيرة أن يستوعب « التوراة » و « الانجيل » ، لأن هذه الرحلة كانت رحلة تجارية ولم يستغرق الذهاب والاياب والاقامة اكثر من أربعة أشهر ، لأن قريشاً كانت تقوم في كل سنة برحلتين ، في الصيف إلى « الشام » ، وفي الشتاء إلى « اليمن » ، ومع هذا لا يُظنّ أن تكون الرحلة برمتها قد استغرقت اكثر من اربعة أشهر ، ولا يستطيع اكبر علماء العالم واذكاهم من أن يستوعب في مثل هذه المدة القصيرة جداً محتويات ذينك الكتابين ، فضلا عن صبي لم يدرس ، ولم يتعلم القراءة والكتابة من احد.

٢٣٣

هذا مضافاً إلى أنه لم يكن يصاحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الراهب كل تلك الاشهر الاربعة بل ان اللقاء الّذي وقع إتفاقاً في أحد منازل الطريق لم يستغرق سوى عدة ساعات لا اكثر.

٣ ـ إن النَص التاريخي يشهد بأن « ابا طالب » كان ينوي اصطحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام ، ولم يكن مقصده الأصلي « بصرى » بل إن « بصرى » كان منزلا في أثناء الطريق تستريح عنده القوافل التجارية أحياناً ، ولفترة جداً قصيرة.

فكيف يمكن في مثل هذه الصورة ان يمكث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة ، ويشتغل بتحصيل علوم « التوراة » و « الانجيل » ومعارفهما؟ سواء قلنا بأن « ابا طالب » أخذه معه إلى الشام ، أو عاد به من تلك المنطقة إلى مكة أو أعاده بصحبة أحد إلى مكة؟!

وعلى كل حال فان مقصد القافلة ومقصد « ابي طالب » لم يكن « بصرى » ليقال : ان القافلة اشتغلت فيها بتجارتها ، بينما اغتنم « محمَّد » الفرصة واشتغل بتحصيل معارف العهدين.

٤ ـ إذا كان محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تلقى اُموراً ومعارف من الراهب المذكور اذن لاشتهر ذلك بين قريش حتماً ، ولتناقل الجميع خبر ذلك بعد العودة إلى مكة.

هذا مضافاً إلى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ما كان يتسطيع أن يدعي امام قومه في ما بعد بأنه اُميُّ لم يدرس كتاباً ، ولا تلمذ على أحد ، في حين أن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح رسالته بهذا العنوان ، ولم يقل أحدٌ ، يا محمَّد كيف تدعي بأنك لم تقرأ ولم تدرس عند احد وقد درست عند راهب « بصرى » وتلقيت منه هذه الحقائق الناصعة وانت في الثانية عشرة من عمرك؟

لقد وَجَّه مشركوا مكة جميع انواع الإتهام إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالغوا في البحث عن أيّة نقطة ضعف في قرآنه يمكن أن يتذرعوا بها لتفنيد دعوته ، حتّى أنهم عندما شاهدوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات مرةْ عند

٢٣٤

« مروة » يجالس غلاماً نصرانياً استغلوا تلك الفرصة وقالوا : لقد أخذ « محمّد » كلامه من هذا الغلام ، ويروي القرآن الكريم مزعمتهم هذه بقوله : «ولَقدْ نَعلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحدْونَ إليْه أَعجَمِيَّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيّ مُبيْنٌ »(١) .

ولكن القرآن الكريم لم يتعرض لذكر هذه الفرية قط كما أن قريشاً المجادلين المعاندين لم يتذرعوا بها أبداً ، وهذا هو بعينه دليلٌ قاطعٌ وقويٌ على أن هذه الفرية من افتراءات المستشرقين في عصرنا هذا ، ومن نسج خيالهم!!

٥ ـ إن قصص الانبياء والرسل الّتي جاءت في القرآن الكريم على وجه التفصيل تتعارض وتتنافى مع ما جاء في التوراة والانجيل.

فقد ذُكِرَت قصصُ الأنبياء واحوالهم في هذين الكتابين بصورة مشينة جداً ، وطُرحت بشكل لا يتفق مع المعايير العلمية والعقلية مطلقاً ، وان مقايسة عاجلة بين هذين الكتابين من جانب وبين القرآن الكريم من جانب آخر تثبت بأن قضايا القرآن الكريم ومعارفه لم تتخذ من ذينك الكاتبين بحال ، ولو أن النبيَ محمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اكتسب معارفه ومعلوماته حول الانبياء والرسل من العهدين لجاء كلامُه مزيجاً بالخرافات والأَوهام(٢) .

٦ ـ إذا كان راهب « بُصرى » يمتلك كل هذه الكمية من المعلومات الدينية والعلميّة الّتي عرضها رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلماذا لم يحض هو بأي شيء من الشهرة ، ولماذا ترى لم يُربِّ غير « محمَّد » في حين أن معبَده كان مزار الناس ومقصدَ القوافل؟!

٧ ـ يعتبرُ الكتاب المسيحيّون « محمّداً »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا أميناً صادقاً ، والآيات القرآنية تصرح بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على علم مسبق

__________________

١ ـ النحل : ١٠٣.

٢ ـ تتجلى هذه الحقيقة أكثر فاكثر إذا ما قارنّا بين مواضيع القرآن الكريم ، وبين ما جاء في نصوص العهدين ( التوراة والأنجيل ) وقد تصدى بعض الكتاب الاسلاميين لمثل هذه المقارنة ، وقد تعرضنا لها ايضاً في بعض دراساتنا.

٢٣٥

أصلاً بقصص الأَنبياء والاُمم السابقين ، وأن معلوماته في هذا الصعيد لم تحصل لديه إلا عن طريق الوحي.

فقد جاء في سورة « القصص » الآية (٤٤) هكذا : «وما كُنْتَ بجانِب الغرْبيِّ إذْ قَضيْنا إلى مُوْسى الأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِديْن ».

وجاء في سورة « هود » الآية (٤٩) بعد نقل قصة نوح : «تِلْكَ مِنْ أَنباء الْغَيْبِ نُوحيها إليكَ ما كُنْتَ تَعلَمُها أَنْت وَلا قومُك مِنْ قَبْل هذا ».

إن هذه الآيات توضح أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على علم أبداً بهذه الحوادث ، والوقائع.

وهكذا جاء في الآية (٤٤) من سورة « آل عمران » : «ذلِكَ مِنْ أنْباء الْغيْبِ نُوْحيه إلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيهِمْ إذْ يُلْقُوْنَ أقْلامهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَديْهم إذْ يَخْتصِمُونَ ».

إن هذه الآية وغيرها من الآيات العديدة تصرح بأن هذه الأخبار الغيبيّة وصلت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الوحي فقط ، وهو لم يكن على علم بها مطلقاً.

نَظْرةٌ إجْماليَّة إلى التَوْراة الحاضِرَة :

إنَّ هذا الكتاب السَماويّ تورَّط في تناقضات عجيبة في بيان قصص الأنبياء والمرسلين لا يمكن نسبتها إلى الوحي مطلقا ، وها نحن نأتي هنا بنماذج في هذا المجال من التوراة ليتضح لنا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان قد أخذَ قضايا القرآن الكريم من ذلك الراهب فلماذا لا يحتوي هذا الكتاب العظيم على تلك الأضاليل الّتي انطوى عليها « التوراة » و « الانجيل ».

واليك بعض ما جاء حول الأَنبياء والمرسلين في « التوراة » و « الانجيل » ونقارن ذلك بما جاء في القرآن الكريم ليتضح مدى الفرق بين الكتابين ( العهدين ، والقرآن ).

* * *

٢٣٦

١ ـ داودعليه‌السلام :

جاء في التوراة : « إن داود رأى من على السطح امرأة تستحمّ ، وكانت المرأة جميلة المنظر جداً ، فارسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : إنها امرأة اُوريّا فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهَّرة من طمثها ثم رجعت إلى بيتها ، وحبلت المرأة ، فارسلت وأخبرت داود وقالت : إني حُبلى ، فارسل داود إلى يؤاب يقول : اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة(١) ، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت فلما سمعت امرأة أوريّا أنه قدمات اُوريّا رجلُها ندبت بعلها ، ولمّا مضت المناحة أرسل داود وضمَّها إلى بيته وصارت له إمرأة ، وولدت له إبناً ، وامّا الأمرُ الّذي فعله داود فقبح في عينيّ الرب »!!(٢) .

هكذا تصف التوراة النبيّ الكريم داود ، وترميه بالزنا ، واكراه امرأة محصنة على خيانة زوجها!!

بينما يصف القرآن الكريم النبيّ داودعليه‌السلام بافضل الاوصاف إذ يقول ( في الآية ١٥ و ١٦ من سورة النمل ) : «وَلَقَدْ آتَيْنا داوود وسلَيْمانَ عِلْماً وَقالا ألحَمْدُ للّه الَّذيْ فَضَّلنا عَلى كثير مِنْ عِبادِهِ وَقالَ يا أيُّهَا الناسَ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَيْر وَاُوتيْنا مِنْ كُلِّ شَيء إنَّ هذا لَهُوَ الفَضْلِ الْمُبِيْنِ ».

٢ ـ النبيّ سليمانعليه‌السلام :

تقول « التوراة » عن النبيّ العظيم سليمانعليه‌السلام :

١ ـ « وداود الملكُ ولد سليمان من الّتي لاُوريّا »(٣) .

أي ان سليمان النبيّ الكريم ـ والعياذ باللّه ـ هو ابن زنا!!

__________________

١ ـ أي في مقدمة الجيش المحارب.

٢ ـ العهد القديم ( التوراة ) : صموئيل ، الثاني الاصحاح الحادي عشر ٣ إلى ٢٧.

٣ ـ إنجيل مَتَّى : الاصحاح الأول ٦.

٢٣٧

٢ ـ وَأَحَبَّ المَلِكُ سُلَيمان نساء غريبة مِنَ الذين قالَ عَنْهُمْ الربُ لبنيّ اسرائيل : لا تدخلونَ إليهم ، وهُمْ لا يَدُخلونَ إليكم لأَنَّهُمْ يُميلونَ قلوبَكم وراء آلهتهم ، فالتصق سلَيمانُ بهؤلاء بالمحبَّة ، وكانت له سبع مئة من النساء السيدات ، وثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبَهُ وكان في زمان شيخوخة سليمان ان نساءه أملن قلبه وراء آلهة اُخرى ، ولم يكن قلبُه كاملا مع الرب الهِهِ كقلب داود ابيه ، فذهب سليمان وراء عَشتُورت إلاهة الصيد ونين ، وملكوم رجس العمونيين ، وعمل سليمان الشرَّ في عيني الرب ، ولم يتبع الرب تماماً كداود أبيه ، فغضب الربُ على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل »!!!(١) .

إن سليمان ـ حسب هذه التعابير التوراتية ـ يعشق النساء الاجنبيات ، ويتقرب اليهن بصنع أصنام لَهُنَّ. ويعبدها معهن ، ويرتكب الشرور الّتي أغضبت الرب!!

بينما يقول القرآن الكريم عن سليمانعليه‌السلام «ولقد آتيْنا داودَ وَسُلَيْمانَ عِلماً »(٢) .

ويقول : «وَلِسُلَيْمان الرِّيْح عاصِفَة تَجْري بأَمْره إلى الأرض الَّتي باركْنا فيها ، وَكنا بِكُلِّ شَيء عالِمين »(٣) .

إنه نبي عظيم اختاره اللّه تعالى لوحيه ، وأصطفاه لأَداء رسالاته.

٣ ـ يعقوبعليه‌السلام :

إنَّ « التوراة » تصف النبي العظيم يعقوبعليه‌السلام بأنه رجل كذّاب مخادع ، أخذ النبوة من ابيه بالمكر والخداع ، « فعِند ما شاخَ اسحاقُ وكَلّت عيناهُ عن النظر دعا عيسو إبنه الاكبر ، وطلب منه أن يصطادله صيداً ، ويصنع له طعاماً جيداً حتّى يباركه ، ويعطيه النبوة ، ولكن يعقوب ( ابن إسحاق من رفقة

__________________

١ ـ التوراة : الملوك الأول الاصحاح : ١١ ، العبارات ١ : ١١.

٢٣٨

زوجته الأخرى ) بادر إلى صنع طعام لذيذ لأبيه وتظاهر بأنه عيسو ، لابساً ثياب عيسو ، وقطعاً من جلود جَدْيي المعزى على عنقه لأن عيسو كان مشعراً وكان يعقوب املس الجسد ، فبارك اسحاق ابنه يعقوب ومنحه النبوة ، وبعد ذلك قدم عيسو من الصيد ، فعرف اسحاقُ بانه خُدِع ، وأن يعقوب أخذ منه النبوة بالمكر ، فارتعد اسحاقٌ ارتعاداً عظيماً جداً وقال لعيسو متأسفاً : قد جاء أخوك بمكر ، وأخذ بركتك »!!(١) .

هذا هو حال يعقوب في لسان « التوراة » المحرفة!!

وأما القرآن الكريم فانه يقول عن هذا النبيّ الطاهر : «وَوَهبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاّ هَدَيْنا مِن قَبلُ وَمِنْ ذريّته داوود وَسُليمانَ وَأيّوبَ وَيُوسفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزي الُمحْسِنيْن »(٢) .

ويقول تعالى أيضاً : «وَاذْكُرْ عِبادنا إبْراهِيْمَ وَاسْحاقَ وَيَعْقُوبَ اُوْلى الأَيْدي والأَبْصار. انا أخلَصْناهُمْ بخالِصَة ذِكْرى الدّار. وإنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفيْنَ الأَخيار »(٣) .

٤ ـ إبْراهيمعليه‌السلام :

تقول « التوراة » عن إبراهيمعليه‌السلام إنّه لمّا اراد أن يدخلَ مصر قال لِزوجته سارة : إني قد علمتُ أنك إمرأة حسَنة المنظر ، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون : هذه إمرأَته ، فيقتلونني ، ويَسْتَبْقونكِ ، قولي إنكِ اُختي ، ليكونَ لي خيرٌ بسببكِ وتحيا نفسي من أجلِكِ.

وكذلك فعَلتْ سارة واخِذت إلى بيت فرعون ، فصنع إلى إبرام خيراً

__________________

١ ـ سفر التكوين : الاصحاح السابع والعشرون : ١ إلى ٤٦ ، وقد ذكرنا هذه القصّة من التوراة بتلخيص.

٢٣٩

بسببها ، وصار له غنم ، وبقر ، وحمير ، وعبيد ، وإماء ، واُتن ، وجمال ، ولما عرف فرعون ـ في ما بعد ـ ان سارة زوجة ابراهيم ، وليس اُخته عاتبه قائلا : لماذا لم تخبرني إنها إمرأتك ، لماذا قلت : هي اُختي حتّى أخذتها لي لتكونَ زوجتي والآن هو ذا إمرأتك ، خذْها واذهب »(١) .

إن ابراهيم الخليلعليه‌السلام في وصف التوراة رجلٌ كذابٌ ، يكذب ويحتال.

أما القرآن الكريم فيصف هذا النبي الجليل بأعظم الأوصاف ، ويعتبره أعظم الأنبياء إذ يقول عنه انه :

١ ـ حنيف مُوحِّدٌ للّه : «ولكِنْ كانَ حَنِيفاً » ( آل عمران : ٦٧ ).

٢ ـ إمامُ الناس : «إنّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً » ( البقرة : ١٣٤ ).

٣ ـ مُسْلِمٌ : «ولكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً » ( آل عمران : ٦٧ ).

٤ ـ حَليمٌ : «إنَّ إبراهيم لأوّاةٌ حَلِيْمٌ » ( التوبة : ٨٤ ).

٥ ـ امة كامِلَة بمفرده : «إنّ إبراهيم كانَ أُمَّة » ( النحل : ١٢٠ ).

٦ ـ أواهٌ يَخشى اللّه : «إنَّ إبراهِيْم لأوّاهٌ » ( التوبة : ٨٤ ).

٧ ـ مصطفى : «لمنَ المُصْطَفين الأَخْيار » ( ص : ٤٨ ).

٨ ـ ذو قلب سَليم : «إذ جاء رَبّه بِقَلْب سَلِيْم » ( الصافات : ٤٨ ).

٥ ـ المسيحعليه‌السلام :

إن عيسى ـ حسب رواية الإنجيل ـ يحتقر اُمه ، ويزدري بها ، فذات يوم جاء إخوته واُمه ووقفوا خارجاً وارسلوا يدعونه ، وكان الجمع جالساً حوله ، فقالوا له « هو ذا امُّك وإخوتك خارجاً يطلبونك ، فأجابَهُم قائلا : من اُميّ وإخوتي؟ ثم نظرَ حوله إلى الجالِسين وقال : ها اُمّي وإخوتي ، لأَنَّ مَنْ يصنع مشيئة اللّه هو أخي واُختي واُمّي »!!(٢)

__________________

١ ـ سفر التكوين : الاصحاح الثاني عشر ١ ـ ٢٠.

٢ ـ إنجيل مرقس : الاصحاح الثالث : ٣١ ـ ٣٥.

٢٤٠

على ما ينفرد بنقله »(١) .

أقول : ان الشيخ ضعفه في موضعين من الاستبصار ، أحدهما باب البئر تقع فيها الفأرة وغيرها ، فروى فيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن بعض أصحابنا قال : « كنت مع أبي عبداللهعليه‌السلام في طريق مكة ، فصرنا إلى بئر ، فاستقى غلام أبي عبداللهعليه‌السلام دلواً ، فخرج فيه فأرتان » فقال الشيخ : « فأوّل ما في هذا الخبر أنّه مرسل ، وراويه ضعيف ، وهذا يضعف الاحتجاج بخبره »(٢) .

وقال في باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة ، في ذيل حديث عباد : « وأما خبر زرارة فالطريق اليه علي بن حديد ، وهو ضعيف جداً لا يعول على ما ينفرد بنقله »(٣) .

والجواب بوجهين ، الأول : لم يثبت ضعف علي بن حديد ، بل الظاهر عما رواه الكشي وثاقته ، قال في ترجمة هشام بن الحكم : « علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن راشد ، عن أبي جعفر الثاني قال : جعلت فداك ، قد اختلف أصحابنا ، فاُصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : عليك بعلي بن حديد ، قلت : فآخذ بقوله؟ قال : نعم ، فلقيت علي بن حديد فقلت : نصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : لا »(٤) .

وقال في ترجمة يونس بن عبد الرحمن : « آدم بن محمد القلانسي البلخي قال : علي بن محمد القمي قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أبيه يزيد بن حماد عن أبي الحسن قال :

__________________

١ ـ الخلاصة : ٢٣٤ ، ونحوه في القسم الثاني المختص بالضعفاء.

٢ ـ الاستبصار : ١ / ٤٠ ابواب المياه ، باب البئر تقع فيه الفأرة ، الحديث ٧٠.

٣ ـ الاستبصار : ٣ / ٩٥ باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة ، الحديث ٣٢٥.

٤ ـ رجال الكشي : ٢٣٧ ، وفي السند المروي في رجال الكشي ضعف.

٢٤١

قلت اُصلي خلف من لا أعرف؟ فقال : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه ، فقلت له : اُصلي خلف يونس وأصحابه؟ فقال : يأبى ذلك عليكم علي بن حديد ، قلت : آخذ بقوله في ذلك؟ قال : نعم ، قال : فسألت علي بن حديد عن ذلك ، فقال : لا تصلّ خلفه ولا خلف أصحابه »(١) .

وربما يؤيد وثاقته كونه من رجال « كامل الزيارات »(٢) . التي نص ابن قولويه في أوله بأنه يروي عن الثقات في كتابه هذا(٣) . كما يؤيد وثاقته أيضاً كونه من رجال تفسير القمي(٤) الذي نصّ في أول تفسيره بأن رجال تفسيره هذا من الثقات. وسوف يوافيك الكلام في هذين التوثيقين ، غير ان تضعيف الشيخ مقدم على ما نقله الكشي ، لأن في سند روايته ضعفاً ، فلم يبق إلا كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي. والظاهر تقديم جرح الشيخ على التوثيق العمومي الذي مبناه كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي ، وسيوافيك الكلام بأن التوثيق العمومي المستفاد من مقدمة الكتابين ، على فرض صحته ، حجة ما لم يعارض بحجة صريحة اخرى ، مضافاً إلى ما في نفس هذا التوثيق العمومي الّذي نسب إلى الكتابين من الضعف.

الثاني : وجود التصحيف في سند الرواية. والظاهر أن لفظة « عن علي بن حديد » مصحف « وعلي بن حديد » ويدلّ عليه اُمور :

الف ـ كثرة رواية ابن أبي عمير عن جميل بلا واسطة. قال في معجم رجال الحديث : « ورواياته عنه تبلغ ٢٩٨ مورداً »(٥) . وعلى ذلك فمن البعيد

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٤١٨ ، ترجمة يونس بن عبد الرحمن.

٢ ـ كامل الزيارات : ٤ ، الباب ٨ في فضل الصلاة في مسجد الكوفة ومسجد السهلة.

٣ ـ كامل الزيارات : ٤ ، وسيوافيك ان مضمون كلام صاحب كامل الزيارات لا يفيد إلا وثاقة مشايخه الذين يروي عنهم بلا واسطة ، فلا دلالة لوقوعه في اسناد كامل الزيارات على وثاقة من لا يروي عنه بلا واسطة.

٤ ـ راجع تفسير القمي في تفسير قوله تعالى( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) .

٥ ـ معجم رجال الحديث : ٢٢ / ١٠٢.

٢٤٢

جداً ، ان ابن ابي عمير الذي يروي عن جميل هذه الكمية الهائلة من الأحاديث بلا واسطة ، يروي عنه رواية واحدة مع الواسطة ، ولأجل ذلك لا تجد له نظيراً في كتب الأحاديث.

ب ـ وحدة الطبقة ، لأن الرجلين في طبقة واحدة من أصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام . ونصّ النجاشي على رواية عليّ بن حديد عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام (١) .

ج ـ لم يوجد لا بن ابي عمير أي رواية عن علي بن حديد في الكتب الاربعة غير هذا المورد ، كما يظهر من قسم تفاصيل طبقات الرواة لمعجم الرجال(٢) وهذا يؤكّد كون علي بن حديد ، معطوفاً على ابن أبي عمير وأنه لم يكن شيخاً له ، وإلا لما اقتصر في النقل عنه على رواية واحدة.

٤ ـ الحسين بن أحمد المنقري : فقد روى عن ابن ابي عمير ، عدداً من الروايات جاء في بعضها لفظ المنقري دون الآخر ، والقرائن تشهد على وحدتهما. واليك مجموع ما ورد عنه في الكتب الأربعة :

١ ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري قال : سمعت أبا إبراهيم يقول : من استكفى بآية من القرآن(٣) .

٢ ـ روى عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري عن خاله قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : من أكل طعاماً لم يدع اليه فأنّه أكل قصعة من النار(٤) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : رقم الترجمة ٧١٧.

٢ ـ معجم الرجال الحديث : ٢٢ / ٢٩٢.

٣ ـ الكافي : ج ٢ كتاب فضل القرآن ، الباب ١٣ ، الحديث ١٨.

٤ ـ الكافي : ج ٥ ، كتاب المعيشة ، الباب ٥ ، الحديث ٥ ورواه الشيخ في التهذيب : ج ٩ ، الحديث ٣٩٨.

٢٤٣

٣ ـ روي في الروضة عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن يونس بن ظبيان قال : قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل(١) .

٤ ـ روى ( الكليني ) ايضاً بسند صحيح عن ابن ابي عمير ، عن الحسين بن أحمد ، عن شهاب بن عبد ربه قال : قال لي ابو عبداللهعليه‌السلام : ان ظننت ان هذا الأمر كائن في غد ، فلا تدعنَّ طلب الرزق(٢) .

٥ ـ روي عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن حسين بن أحمد المنقري ، عن عيسى الضرير قال : قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : رجل قتل رجلاً متعمداً ما توبته؟(٣) .

وهذا الحديث لم يذكره في معجم الرجال في هذا المقام ، لكنه ذكره في ترجمة الحسين بن أحمد المنقري ، وربما يتخيل ان « الحسين » في الأخير هو المحسن بن أحمد كما في الفقيه(٤) . لكنه ضعيف ، لأن المحسن من اقران ابن ابي عمير ، ومن اصحاب الرضاعليه‌السلام ، ومن مشايخ أحمد بن محمد بن خالد ، الذي يروي عن ابن ابي عمير بلا واسطة ، وعندئذ كيف يصح نقل ابن ابي عمير عن « المحسن »؟

والجواب عن النقض يظهر بالاحاطة بكلمات النجاشي وابن الغضائري في حقه.

قال النجاشي : « الحسين بن أحمد المنقري التميمي ابو عبدالله ، روى عن ابي عبداللهعليه‌السلام رواية شاذة لم تثبت ، وكان ضعيفاً ، ذكر ذلك

__________________

١ ـ الروضة : الحديث ٥٦١.

٢ ـ الكافي : ج ٥ ، كتاب المعيشة ، الباب ٥ الحديث ٩.

٣ ـ الكافي : ج ٧ ، كتاب الديات ، الباب ٤ ، الحديث ٤.

٤ ـ الفقيه : الجزء ٤ باب تحريم الدماء والاموال ، الحديث ٢٠٦.

٢٤٤

أصحابنارحمهم‌الله . روى عن داود الرقي وأكثر ، له كتب ».

وقال الشيخ في الفهرست : « الحسين بن أحمد المنقري له كتاب رويناه » ( الفهرست : الرقم ٢١٦ ).

وعده في رجاله من أصحاب الباقرعليه‌السلام ( الرقم ٢٥ ) ، ومن أصحاب الكاظمعليه‌السلام قائلاً : « إنه ضعيف » ( الرقم ٨ ).

ان كون الرجل من أصحاب الباقرعليه‌السلام مع إكثاره النقل عن داود الرقي ، محل تأمل وقد توفي داود الرقي بعد المائتين بقليل بعد وفاة الرضاعليه‌السلام ( سنة ٢٠٣ ).

وعلى أي تقدير ، فالظاهر ان ضعفه راجع إلى العقيدة لا الرواية وذلك لأمرين :

الأول : ان النجاشي وصفه بقوله : « روى عن داود الرقي وأكثر » وقد قال في حق داود : « ضعيف جداً والغلاة تروي عنه » ، فيمكن أن يكون هو أحد الغلاة الذين رووا عن داود.

الثاني : ان الشيخ ذكر داود الرقي في أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، وقال : « داود الرقي مولى بني أسد وهو ثقة ، من أصحاب ابي عبداللهعليه‌السلام » ، ومع ذلك نرى ابن الغضائري يقول في حقه : « داود بن كثير بن أبي خالد الرقي مولى بني أسد روى عن ابي عبداللهعليه‌السلام ، كان فاسد المذهب ، ضعيف الرواية لا يلتفت اليه ».

فاتضح ان الطعن فيه لم يكن لاجل كونه غير ثقة في نقل الحديث ، بل الطعن لاجل وجود الارتفاع في العقيدة بقرينة اكثار النقل عن داود الرقي ، المتهم بالارتفاع في العقيدة ، ونقل الغلاة عنه ، والكل غير مناف للوثاقة في مقام النقل الذي كان ابن ابي عمير ملتزماً فيه بعدم النقل إلا عن الثقة.

٢٤٥

هذه النقوض هي التي ذكرها صاحب معجم رجال الحديث ، وقد عرفت مدى صحتها.

ثم ان صاحب مشايخ الثقات جعل ثابتي الضعف منهم خمسة وهم :

١ ـ الحسين بن أحمد المنقري.

٢ ـ علي بن حديد.

٣ ـ يونس بن ظبيان.

٤ ـ ابو البختري وهب بن وهب.

٥ ـ عمرو بن جميع.

وبعد ان عرفت حقيقة الحال في الثلاثة الاُول ، فهلمَّ معي نبحث في الاخيرين منهم :

ألف ـ ابو البختري وهب بن وهب العامي : قال النجاشي : « وهب بن وهب ابو البختري ، روى عن ابي عبداللهعليه‌السلام وكان كذاباً ، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. قال سعد : تزوج أبو عبداللهعليه‌السلام باُمّه ، له كتاب يرويه جماعة » ثم ذكر سنده اليه(١) .

وليس لا بن ابي عمير في الكتب الأربعة رواية عنه إلا ما ورد في صلاة الاستسقاء ، ورواها الشيخ بسنده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن ابن ابي عمير ، عن ابي البختري ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام ، عن ابيه ، عن عليعليه‌السلام أنه قال : مضت السنة انه لا يستسقى إلا بالبراري ، حيث ينظر الناس إلى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة(٢) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١١٥٥.

٢ ـ التهذيب : ج ٣ ، الحديث ٣٢٥.

٢٤٦

أقول : يمكن التخلص من النقض بوجهين :

الأول : كون الرجل ثقة عند ابن ابي عمير وقت تحمل الحديث ، وهذا كاف في العمل بالالتزام.

الثاني : ان أبا البختري كان عامياً ، ومن المحتمل أن يكون التزام المشايخ راجعاً إلى ابواب العقائد والأحكام الشرعية ، وأما ما يرجع إلى أدب المصلّي في صلاة الاستسقاء ، فلم يكن من موارد الالتزام ، ولم يكن في نقل مثل ذلك أي خطر واشكال فتأمل.

ب ـ عمرو بن جميع الزيدي البتري : قال النجاشي : « عمرو بن جميع الازدي البصري ، ابو عثمان ، قاضي الري ، ضعيف ، له نسخة يرويها عنه سهل بن عامر » ثم ذكر سنده إلى الكتاب(١) .

اقول : وليس لابن ابي عمير رواية عنه في الكتب الأربعة ، بل روى عنه الصدوق في معاني الأخبار ، ولا يتجاوز الروايتين :

١ ـ روى الصدوق في معاني الاخبار عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن محمد بن ابي عمير ، عن عمرو بن جميع قال : قال ابو عبداللهعليه‌السلام : لابأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين(٢) .

٢ ـ وبهذا الإسناد أيضاً قال : قال ابو عبداللهعليه‌السلام : حدثني ابي ، عن ابيه ، عن جده قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا مشت اُمتي المطيطا ، وخدمتهم فارس والروم ، كان بأسهم بينهم. المطيطا :

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٧٦٩.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ٤ ، الباب ٨ من ابواب السجود ، الحديث ٦ ، نقلاً عن معاني الاخبار للصدوق.

٢٤٧

التبختر ، ومد اليدين في المشي(١) .

ان عمرو بن جميع مع ضعفه كان زيدياً بترياً ، وقد صرح بكونه بترياً ابو عمرو في رجاله ، في ترجمة محمد بن اسحاق صاحب المغازي(٢) .

ومن استظهر من عبارة « العدة » بأن المشايخ التزموا أن لا يروون إلا عن إمامي ثقة يكون النقض هنا وفيما تقدم ، من جهتين : من جهة المذهب حيث ان ابا البختري كان عامياً ، وعمرو بن جميع كان بترياً ، ومن جهة الوثاقة ، لكون الرجلين ضعيفين ، وعلى المختار يكون النقض من جهة واحدة ، وعلى كل تقدير فإحدى الروايتين لا صلة لها بالأحكام الشرعية ، وانما هي نقل تنبؤ عن مستقبل الامة إذا ساد فيهم الكبر والتبختر. نعم الرواية الاُخرى تتضمن حكماً شرعياً. ولعل ابن ابي عمير كان يعتقد بوثاقته عند التحمل والنقل.

ثم ان سيدنا الاستاذ ـ دام ظله ـ أورد على القاعدة نقضاً بعدة أشخاص :

١ ـ يونس بن ظبيان.

٢ ـ علي بن ابي حمزة.

٣ ـ علي بن حديد.

٤ ـ ابي جميلة.

٥ ـ عبدالله بن قاسم الحضري(٣) .

وقد عرفت الحال في الثلاثة الاُول وسيوافيك الكلام في ابي جميلة عند البحث عن مشايخ صفوان الذي عدت روايته عن ابي جميلة نقضاً على القاعدة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ، الباب ٦٣ من ابواب آداب السفر ، الحديث ٣ نقلاً عن معاني الاخبار.

٢ ـ رجال الكشي : ٣٣٢.

٣ ـ كتاب الطهارة : ج ١ ، ص ١٩١.

٢٤٨

واليك الكلام في الخامس أعني عبدالله بن قاسم الحضرمي.

قال النجاشي : عبدالله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل : كذاب غال يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يُعتدّ بروايته ، له كتاب يرويه عنه جماعة(١) .

وذكره الشيخ في « الفهرست » وقال : له كتاب ، وذكر سنده اليه ،(٢) وعنونه في رجاله في اصحاب الكاظمعليه‌السلام قائلاً : عبد الله بن القاسم الحضرمي واقفي(٣) .

وقال ابن الغضائري : عبدالله بن قاسم الحضرمي كوفي ضعيف أيضاً غال متهافت ولا يرتفع به(٤) .

روى محمد بن ابي عمير عنه عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام عن ابيه ، عن جده عن عليعليه‌السلام قال : « كن لما لا ترجو ارجى منك لما ترجو ، فان موسى بن عمرانعليه‌السلام خرج يقتبس لأهله ناراً فكلمه الله عز وجل فرجع نبياً ، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمانعليه‌السلام وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين »(٥) .

يلاحظ عليه :

أوّلاً : من المحتمل ، اعتماد النجاشي في تضعيفه إلى تضعيف ابن الغضائري ، يُعرب عنه تقارب العبارتين ، وقد عرفت قيمة تضعيفاته.

وثانياً : ان ابن ابي عمير لم يرو عنه إلا رواية واحدة ولا صلة لمضمونها

__________________

١ ـ رجال النجاشي رقم الترجمة ٥٩٤.

٢ ـ فهرست الشيخ رقم الترجمة ٤٦٥.

٣ ـ رجال الشيخ رقم الترجمة ٥٠.

٤ ـ الخلاصة القسم الثاني باب « عبد الله » رقم الترجمة ٩.

٥ ـ الفقية ج ٤ في النوادر ، الحديث رقم ٨٥٠.

٢٤٩

بالاحكام ولعله كان ملتزماً بأن لا يروي إلا عن ثقة فيما يمت إلى بالحكم الشرعي بصلة لا في الموضوعات الأخلاقية او التربوية كما هو مورد الحديث.

ثالثاً : انه لم يرد في الفقيه توصيفه بالحضرمي فيحتمل كونه « عبدالله بن القاسم الحارثي وهو وان كان ضعيفاً حيث يصفه النجاشي بالضعف والغلو ويقول : ضعيف غال(١) لكنه اين هو من قوله في الحضرمي « كذاب » ، عندئذ يقوى ان يكون ضعفه لأجل غلوه في العقيدة لا لضعفه في لسانه ، وقد عرفت أن التضعيف بين القدماء لأجل العقيدة لا يوجب سلب الوثوق عن الراوي ، لأن أكثر ما رآهُ القدماء غلواً أصبح في زماننا من الضروريات في دين الامامية فلاحظ.

هذا كله حول أسانيد ابن أبي عمير وحال النقوض التي جاءت في « معجم رجال الحديث » و « مشايخ الثقات » وغيرهما. غير ان النقوض لا تنحصر فيما ذكر بل هناك موارد اُخر ، ربما يستظهر منها ان ابن أبي عمير نقل فيها عن الضعفاء ، وستجيء الاشارة الكلية إلى ما يمكن الجواب به عن هذه الموارد المذكورة وغير المذكورة.

وقد حان وقت البحث عن مشايخ عديله وقرينه وهو صفوان بن يحيى.

٢ ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابُري ( المتوفّى عام ٢١٠ هـ )

قد تعرفت من الشيخ ان صفوان ، احد الثلاثة الذين التزموا بعدم الرواية والإرسال إلا عن ثقة ، وقبل دراسة هذه الضابطة عن طريق أسانيده نأتي بما ذكره النجاشي في حقه.

قال : « صفوان بن يحيى البجلي بياع السابري ، كوفي ثقة ، ثقة ، عين ، روى أبوه عن أبي عبداللهعليه‌السلام وروى هو عن الرضاعليه‌السلام ، وكانت له عنده منزلة شريفة ، ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسىعليه‌السلام . وقد توكل للرضا وأبي جعفرعليهما‌السلام ، وسلم

__________________

١ ـ رجال النجاشي : برقم ٥٩١.

٢٥٠

مذهبه من الوقف ، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة ، وكانت جماعة الواقفة بذلوا له أموالاً كثيرة ـ إلى ان قال : ـ وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقتهرحمه‌الله ، وصنف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا » ، ثم ذكر كتبه(١) .

وقال الشيخ في الفهرست : « أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث ، وأعبدهم ، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاثة مرات ».

مشايخه

فقد أنهى في « معجم رجال الحديث » مشايخه في الكتب الأربعة إلى ١٤٠ شيخاً ، وقد أحصاها مؤلف « مشايخ الثقات » فبلغ مشايخه في كتب الأبعة وغيرها ٢١٣ شيخاً ، والثقات منهم ١٠٩ مشايخ ، والباقون اما مهمل او مجهول ، وقليل منهم مضعف ، وهذا ان دل على شئ فانما يدل على جلالة الرجل وعظمته وإحاطته بأحاديث العترة الطاهرة. ومع ذلك فقد ادعي وجود ضعاف في مشايخه نأتي بما جاء في « معجم الرجال » أوّلاً ، ثم بما جاء في كتاب « مشايخ الثقات » ثانياً.

١ ـ يونس بن ظبيان : روى الشيخ عن موسى بن قاسم ، عن صفوان وابن ابي عمير ، عن بريد ( يزيد ) ويونس بن ظبيان قالا : سألنا أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتى إذا كان أوان الحج(٢) .

أقول : مر الجواب عنه بوجوه ثلاثة في البحث السابق فلا نعيد.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٢٥٤ ، ورجال الكشي : ٤٣٣ ، طبعة الاعلمي.

٢ ـ التهذيب : ٥ / ٣٢ ، الحديث ٩٥ من ابواب ضروب الحج.

٢٥١

٢ ـ علي بن ابي حمزة البطائني : روى الكليني عن أحمد بن ادريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن علي بن ابي حمزة قال : قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم ان الله جسم صمدي نوري ، معرفته ضرورة يمنّ بها على ما يشاء من خلقه. فقالعليه‌السلام : سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحدّ ، ولا يحسّ ، ولا يجسّ ولا تدركه الابصار ولا الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد(١) .

وليس لصفوان بن يحيى رواية عن علي بن ابي حمزة في الكتب الأربعة غير ما ذكر.

والجواب من وجهين : الأول : ما عرفت ان وزان علي بن أبي حمزة ، وزان زياد بن مروان القندي ، فالرجلان قد ابتليا بالطعن واللعن ، وليس وجهه إلا الانتماء إلى غير مذهب الحق ، وهو لا يمنع من قبول روايتهما إذا كانا ثقتين في الرواية ، والنجاشي والشيخ وان صرحا بوقف الرجل وانه من عُمده ، ولكنه لا يضر باعتبار قوله إذا كان متجنّباً عن الكذب.

الثاني : ان ابا عمرو الكشي روى مسنداً ومرسلاً يناهز خمس روايات(٢) . تدل على انحراف عقيدته ، كما روى الشيخ في غيبته ما يدل على انه تعمد الكذب(٣) إلا ان هنا روايات تدل على كونه باقياً على مذهب الإمامية ، او انه رجع عن الوقف وصار مستبصراً. وهذه الروايات مبثوثة في غيبة النعماني ، وكمال الدين للصدوق ، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، بل

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ١٠٤ باب النهي عن الجسم والصورة ، الحديث ١.

٢ ـ رجال الكشي : رقم الترجمة ٣١٠ و ٣٣٢.

٣ ـ غيبة الشيخ الطوسي : ٤٦ ، طبعة النجف.

٢٥٢

في رجال الكشي ما يدل على رجوعه عن الوقف ، ولأجل هذه المعارضة لا يمكن رمي الرجل بالبقاء على الوقف بقول قاطع.

ولأجل إيقاف القارئ الكريم على هذه النصوص نأتي بها :

الف : ما رواه أبو زينب في غيبته عن علي بن أبي حمزة ، قال : كنت مع ابي بصير ومعنا مولى لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام فقال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : منا اثنا عشر محدَّثاً ، السابع من ولدي القائم فقام اليه ابو بصير فقال : أشهد اني سمعت ابا جعفرعليه‌السلام يقوله منذ أربعين سنة(١) .

ب : روى الصدرق في كمال الدين بسنده عن الحسن بن علي بن ابي حمزة ، عن ابيه ، عن يحيى بن ابي القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام عن ابيه عن جده قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن ابي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي ، وأوصيائي ، وأوليائي ، وحجج الله على امتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر(٢) .

ج : روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عن الحسن بن علي الخزّاز قال : خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن ابي حمزة ، ومعه مال ومتاع ، فقلنا : ما هذا؟ قال : هذا للعبد الصالحعليه‌السلام أمرني ان أحمله إلى علي ابنهعليه‌السلام وقد أوصى اليه(٣) .

كل ذلك يدل على خلاف ما نسب اليه الكشي من القول بالوقف وقد نقل

__________________

١ ـ الغيبة للنعماني : ٦١ ، طبعة الاعلمي بيروت.

٢ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ١ / ٢٥٩ الحديث ٤ طبعة الغفاري.

٣ ـ عيون اخبار الرضا : ١ / ١٩ الحديث ٤ ، من الطبعة الحجرية القديمة.

٢٥٣

الكشي نفسه ما يظهر منه عناية الإمام الرضاعليه‌السلام (١) به ويصد الانسان عن التسرع في القضاء. خصوصاً إذا وقف الانسان على ما رواه الشيخ بسند صحيح في « التهذيب » عن الحسن بن علي بن ابي حمزة ، الذي رمي بالوقف مثل أبيه ، روى انه قال لأبي الحسن ( الرضا )عليه‌السلام : ان ابي هلك وترك جاريتين قد دبَّرهما ، وأنا ممن أشهد لهما وعليه دين كثير ، فما رأيك؟ فقال : رضي الله عن ابيك ، ورفعه مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قضاء دينه خير له ان شاء الله(٢) .

ولو صحت هذه الروايات لما صح ما ذكره ابن الغضائري في حق ابن أبي حمزة ، انه اصل الوقف ، واشد الخلق عداوة للولي من بعد ابي إبراهيم.

وقد قام الفاضل المعاصر الشيخ غلام رضا عرفانيان ، بتأليف رسالة في شأن الاعتبار الروائي لعلي بن ابي حمزة ، ونجله الحسن ـ شكر الله مساعيه ـ.

والقضاء الصحيح في حق الرواة خصوصاً المشايخ منهم ، لا يتم بصرف المراجعة إلى كلمات الرجاليين ، خصوصاً رجال الكشي الذي فيه ما فيه من اللحن والخلط ، فلا بد من بذل السعي في الروايات الواردة في المجاميع الحديثية.

هذا كله حول « علي بن ابي حمزة » ومن تتَّبع الكتب الفقهية يرى ان الاصحاب يأخذون برواياته ويعملون بها إذا لم يكن هناك معارض.

واليك الكلام في باقي النقوض :

٣ ـ ابو جميلة المفضل بن صالح الأسدي : روى الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن ابي عبد الله ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابي

__________________

١ ـ رجال الكشي : رقم الترجمة ٣١٠.

٢ ـ التهذيب : ٨ / ٢٦٢ الحديث ٩٥٣ ، ولا يخفى ان سؤال الحكم الشرعي عن أبي الحسنعليه‌السلام يعرب عن اعتقاده بإمامته وكونه كأبيه إماماً وقدوة.

٢٥٤

جميلة ، عن حميد الصيرفي ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال : كل بناء ليس بكفاف فهو وبال على صاحبه يوم القيامة(١) .

والمراد منه المفضل بن صالح الأسدي والّذي عده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادقعليه‌السلام قائلاً : « المفضل بن صالح ابو علي مولى بني اسد ، يكنى بأبي جميلة ، مات في حياة الرضاعليه‌السلام »(٢) .

ولكن النجاشي ضعفه عندما ذكر جابر بن يزيد الجعفي ( المتوفّى عام ١٢٨ هـ ) وقال : « روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا ، منهم : عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح ، ومنخل بن جميل ، ويوسف بن يعقوب »(٣) .

وقال العلاّمة في الخلاصة : « مفضل بن صالح ابو جميلة الأسدي النحاس مولاهم ، ضعيف كذاب ، كذاب ، يضع الحديث ، روى عن ابي عبد الله وعن ابي الحسنعليهما‌السلام ».(٤)

أقول : ليس لصفوان أية رواية عن المفضل في الكتب الأربعة إلا هذه الرواية(٥) ومع ذلك كله فلم يثبت ضعفه ، اما ما ذكره العلاّمة فهو مأخوذ عن ابن الغضائري ، واليك نص عبارته : « المفضل بن صالح ابو جميلة الأسدي النحاس مولاهم ، ضعيف كذاب يضع الحديث ». وقد ذكرنا انه لا اعتبار بتضعيفاته وتعديلاته ، لعدم استناده فيهما إلى السماع بل إلى قراءة المتون كما مر غير مرة.

واما ما ذكره النجاشي فمن القريب جداً ان تضعيفه لأجل الاعتقاد فيه

__________________

١ ـ الكافي : ٦ / ٥٣١ كتاب الزي والتجمل ، باب النوادر ، الحديث ٧.

٢ ـ رجال الشيخ : ٣١٥.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٣٣٢.

٤ ـ الخلاصة : ٢٥٨.

٥ ـ معجم رجال الحديث : ١١ / ٤٣١.

٢٥٥

بالغلو ، فصار ذلك الاعتقاد مبدأً للتضعيف ، ومن تتبع رجاله يقف على ان النجاشي متأثر جداً بطريقة ابن الغضائري ، وان بعض تضعيفاته أو كثيراً منها إذا لم يذكر لها وجهاً ، كان لاعتقاد الغلو في الراوي ، وقد عرفت عند البحث عن كتاب ابن الغضائري ان مفهوم الغلو لم يكن محدوداً آنذاك ، حتى يعرف به الغالي من المقصر.

وهذا الاحتمال وان لم يكن له دليل ، إلا انه مظنون لمن راجع رجال النجاشي. وعلى ذلك فلا يعد تضعيفه نقضاً للقاعدة التي استنبطها الأصحاب من طريقة هؤلاء الثقات ، والتزامهم بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

٤ ـ عبد الله بن خداش المنقري : روى الكليني عن ابي علي الأشعري ؛ عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الله بن خداش المنقري انه سأل ابا الحسنعليه‌السلام عن رجل مات وترك ابنته وأخاه ، قال : المال للابنة(١) .

قال النجاشي : « عبد الله بن خداش ، ابو خداش المهري ضعيف جداً ، وفي مذهبه ارتفاع ، له كتاب أخبرناه ابن شاذان ، عن أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا ابي ، قال حدثنا سلمة بن الخطاب عنه بكتابه »(٢) .

اقول : ان النجاشي وان ضعفه ، لكن تضعيفه بقرينة قوله « وفي مذهبه ارتفاع » لأجل اعتقاده بأنه غال ، لا لانه ليس بصدوق. والظاهر كما عرفت ان النجاشي كان متأثراً بابن الغضائري في تضعيف الراوي في بعض الأحيان لأجل كونه راوياً لبعض ما يتراءى منه الغلوّ ، حسب عقيدة النجاشي وزميله ابن الغضائري ، مثل ذلك لا يمكن الاعتماد عليه.

__________________

١ ـ الكافي : ج ٧ كتاب المواريث باب ميراث الولد ، الحديث ٤ ، ومستدرك الوسائل الجزء ١٧ ، الباب ٥ من ابواب ميراث الابوين ، الحديث ٢.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٦٠٤.

٢٥٦

أضف إلى ذلك أن الكشي نقل وثاقته عن عبدالله بن أبي عبدالله ، محمد بن خالد الطيالسي ، فتوثيقه ممّا يعتنى به. قال الكشي : « محمد بن مسعود ، قال أبو محمد عبدالله بن محمد بن خالد :(١) أبو خداش ، عبدالله بن خداش المهري. ومهرة : محلَّة بالبصرة وهو ثقة » ثم نقل عنه أنه كان يقول : « ما صافحت ذمّياً قطّ ، ولا دخلت بيت ذمّي ، ولا شربت دوءً قط ، ولا افتصدت ولا تركت غسل يوم الجمعة قطّ ، ولا دخلت على وال قطّ ، ولا دخلت على قاض قطّ ».

وقد اختلف ضبط اسم والده ، والمشهور هو بالدال كما في مواضع من رجال الشيخ في اصحاب الكاظم وأصحاب الجوادعليهما‌السلام ، فضبطه بأبي خداش المهري البصري ، ولكن ابن داود ذكر أنه رأى في كتاب الرجال للشيخ بخطّه في رجال الصادقعليه‌السلام عبدالله بن خداش البصري.

ثم الظاهر أن المنقري هو تصحيف المهري. وقد قال الفيضقدس‌سره في هامش الوافي : « الصحيح المهري ـ بفتح الميم والهاء الساكنة قبل الراء ـ مكان المنقري ».

٥ ـ معلّى بن خنيس : وقد روى عنه صفوان على ما في فهرست الشيخ في ترجمة معلّى. قال : « معلّى بن خنيس يكنّى أبا عثمان الأحول له كتاب ، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه عن صفوان ، عنه »(٢) . والاجابة عن هذا النقض واضحة.

أما أولاً : فقد مرَّ أن المعلى بن خنيس ثقة ، وما اُثير حوله من الشبهات ليست بتامَّة ، وكفى بذلك ما نقله الشيخ في « الغيبة » في حقّه ، يقول :

__________________

١ ـ المراد منه ابو العباس الطيالسي وقد يكنى بابي محمد فلا تغفل.

٢ ـ الفهرس : الرقم ٧٢١.

٢٥٧

« وكان معلّى من قوّام ابي عبداللهعليه‌السلام وإنما قتله داود بن علي بسببه ، وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور ، فروي عن ابي بصير قال : لمّا قتل داود بن علي « المعلى بن خنيس » ، فصلبه ، عظم ذلك على ابي عبداللهعليه‌السلام واشتدّ عليه وقال له : يا داود ، على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله إنه لأوجه عند الله منك في حديث طويل. وفي خبر آخر أنه قال : أما والله لقد دخل الجنة »(١) .

وثانياً : إن المعلى قتل قبل ثلاث وثلاثين ومائة ، كما مرَّ في بحث مشايخ ابن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ممَّن توفي عام ٢١٠ ، فكيف يمكن له أن ينقل عنه ، مع ان بين الوفاتين ٧٧ سنة فما زاد ، ولم يكن صفوان من المعمرين الذين عاشوا إلى مائة وأزيد ، ولذلك ان من القريب سقوط الواسطة بين صفوان ومعلى بن خنيس. ويشهد على ذلك قول النجاشي في ترجمة معلى بن خنيس : « له كتاب أخبرنا أبو عبدالله بن شاذان ، قال : حدثنا علي بن حاتم ، قال : حدثنا محمد بن عبدالله بن جعفر ، عن أبيه ، عن أيوب ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي عثمان معلى بن زيد الاحول ، عن معلى بن خنيس بكتابه »(٢) .

فيظهر من ذلك أن ما نقلناه آنفاً من الفهرست هو ترجمة معلى بن عثمان ( او ابن زيد ) الاحول ، لا معلى بن خنيس والنسخة محرّفة لما عرفت من بُعد رواية صفوان عن معلى بن خنيس أولاً ، ولأن « أبا عثمان » كنية معلى بن عثمان ( أو ابن زيد ) كما ذكر النجاشي والشيخ نفسه في رجاله ثانياً.

إلى هنا وقفت على حال النقوض المتوجهة إلى الضابطة التي نقلها الشيخ

__________________

١ ـ الغيبة : ٢١٠ ( طبعة النجف ) ، ولاحظ ما ورد حول قتله من الروايات في تنقيح المقال الجزء الثالث ، الصفحة ٢٣٠.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ١١١٥.

٢٥٨

في حقّ الفقهاء الثلاثة وليس النقض منحصراً بما ذكره صاحب « معجم رجال الحديث » أو مؤلف « مشايخ الثقات » بل هناك نقوض اُخر يعرف الجواب عنها بالاحاطة بما ذكرناه. وإليك الكلام في أحوال البزنطي الشيخ الثالث ، الذي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.

٣ ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي ( المتوفّى عام ٢٢١ هـ )

قال النجاشي : « أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر زيد ، مولى السكون ، أبو جعفر ، المعروف بالبزنطي ، كوفي لقي الرضا وأبا جعفرعليهما‌السلام ، وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب منها : الجامع قرأناه على أبي عبدالله الحسين بن عبيدالله ، قال : قرأته على أبي غالب أحمد بن محمد الزراري ، قال حدثني به خال أبي محمد بن جعفر ، وعمّ أبي علي بن سليمان قالا : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه به. وكتاب النوادر ـ إلى أن قال : ـ ومات أحمد بن محمد سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد وفاة الحسن بن علي بن فضال بثمانية أشهر. ذكر محمد بن عيسى بن عبيد أنه سمع منه سنة عشرة ومائتين »(١) والبزنطي أحد الفقهاء الثلاثة الذين ادّعى الشيخ أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. وقد جاء في الكتب الاربعة في أسناد روايات تبلغ زهاء ٧٨٨ مورداً ، وقد أنهى صاحب « معجم رجال الحديث » مشايخه في الكتب الاربعة وغيرها فبلغ ١١٥ شيخاً ، والثقات منهم ٥٣ شيخاً ، والباقي إما مهمل أو مجهول ، وقليل منهم مضعف نظراء.

١ ـ المفضَّل بن صالح : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي نصر وابن محبوب ، جميعاً عن المفضل بن صالح ، عن

__________________

١ ـ فهرس النجاشي : الرقم ١٨٠.

٢٥٩

محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول : كنت مع أبي في الحجر فبينما هو قائم يصلي إذا أتاه رجل فجلس اليه فلمّا انصرف ، سلّم عليه ثم قال : إني أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلا أنت ورجل آخر ، قال : ما هي(١) .

وقد تعرَّفت على حال هذا النقض عند البحث عن مشايخ صفوان فلا نعيد.

٢ ـ حسن بن علي بن أبي حمزة : روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : قلت له : إن أبي هلك وترك جاريتين(٢) .

وفيه أولاً : إن علي بن أبي حمزة ونجله الحسن ومعاصرهما زياد بن مروان القندي ، ابتلوا بالشَّتم والطعن واللعن ، لذهابهم إلى الوقف ، ولكنه كان راجعاً إلى اعتقادهم الفاسد ، ولا ينافي وثاقتهم الروائية.

وثانياً : إن هناك روايات تدلّ على رجوع الوالد والولد عن الوقف وصيرورتهما مستبصرين ، وقد نقلا النصّ على إمامة الإمام الرضاعليه‌السلام ومنها هذه الرواية ؛ فترى انّ النَّجل يذهبالى الإمام الرضاعليه‌السلام يسأله عن مسألة شرعية راجعة إلى تركة أبيه ، ولولا اعتقاده لما كان لسؤاله معنى ، وقد عرفت بعض هذه الروايات عند البحث عن النّقوض المتوجّهة إلى مشايخ ابن أبي عمير ، فلا نعيد.

٣ ـ عبدالله بن محمد الشامي : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبدالله بن محمد الشامي ، عن

__________________

١ ـ الكافي : ج ٤ ، كتاب الحج ، باب بدء البيت والطواف ، الحديث ٢.

٢ ـ التهذيب : ٨ / ٢٦٢ باب التدبير ، الحديث ٩٥٣.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530