كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149051 / تحميل: 5392
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

حسين بن حنظلة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : أكل الكباب يذهب بالحمى(١) .

وروى أيضاً عن عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة قال : الدباء يزيد في الدماغ(٢) .

وروى البرقي في المحاسن بسنده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة ، عن احدهماعليهما‌السلام قال : السمك يذيب الجسد(٣) .

اما وجه النقض فان عبداللَّه بن محمد ، من رجال كتاب « نوادر الحكمة » وقد ضعف عدة من رجالها ، وذكرها النجاشي في ترجمة مؤلفها ، منهم عبد اللَّه بن محمد الشامي ، واليك نص النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي : « كان ثقة في الحديث إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثنى من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ، ما رواه عن موسى بن محمد الهمداني ـ إلى ان قال : او عبد الله بن محمد الشامي ، او عبد الله بن أحمد الرازي »(٤) .

اقول : ان عبد اللَّه بن محمد الشامي ، الذي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى صاحب « نوادر الحكمة » غير عبد اللَّه بن محمد الشامي الذي يروي عنه البزنطي ، فان الأول شيخ صاحب النوادر وتلميذ أحمد بن محمد بن

__________________

١ ـ الكافي : ج ٦ كتاب الاطعمة باب الشواء والكباب ، الحديث ٤.

٢ ـ الكافي : ٦ / ٣٧١ كتاب الاطعمة باب القرع ، الحديث ٤.

٣ ـ المحاسن : ٤٧٦ ، الحديث ٤٨٣.

٤ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩٣٩.

٢٦١

عيسى قال الشيخ : « عبد الله بن محمد يكنى ابا محمد الشامي الدمشقي يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وغيره من اصحاب العسكريعليه‌السلام » وقال في فصل من لم يرو عنهمعليهم‌السلام : « عبد الله بن محمد الشامي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى » وهذا هو الذي استثناه ابن الوليد من روايات كتاب « نوادر الحكمة ».

واما عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، فهو متقدم على سميّه بواسطتين : ١ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ٢ ـ أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، وذلك لأن ابن عيسى يروي كثيراً عن البزنطي ، وهو يروي عن عبد الله بن محمد الشامي ، فلا يمكن ان يكونا شخصاً واحداً.

وبعبارة اخرى ؛ توفي مؤلف النوادر حوالي ٢٩٠ ، وتوفي أحمد بن محمد بن عيسى بعد ٢٧٤ ، أو بعد ٢٨٠ ، وتوفي البزنطي ٢٢١ ، فكيف يمكن ان يروي صاحب « نوادر الحكمة » عن شيخ البزنطي وهو عبد الله بن محمد الشامي. ومنشأ الاشتباه اتحاد الراويين في الاسم والنسبة.

ولأجل ان يقف القارئ على تعددهما ذاتاً وطبقة ، فليلاحظ ما رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا باب النص على الرضاعليه‌السلام قال : حدثنا ابي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ومحمد بن علي ماجيلويه ـ رضي اللَّه عنهم ـ قالوا حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ( مؤلف نوادر الحكمة ) عن عبد الله بن محمد الشامي ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين مولى ابي عبداللهعليه‌السلام (١) . ترى فيه ان عبد الله بن محمد الشامي يروي عن علي

__________________

١ ـ عيون اخبار الرضا : ١٦ ، الطبعة الحجرية.

٢٦٢

بن اسباط بواسطة ، وكان علي بن اسباط معاصراً لعلي بن مهزيار ، وقد دارت بينهما رسائل ، وعلي بن مهزيار متأخر عن البزنطي(١) . وليسا في طبقة واحدة ، فكيف يمكن ان يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر ، شيخاً للبزنطي؟ ولأجل ذلك يحكم بتعدد الراويين.

٤ ـ عبد الرحمن بن سالم : روى الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن اسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر(٢) .

وروى ايضاً بهذا السند عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم(٣) .

وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : من غسل فاطمةعليها‌السلام ؟...(٤) .

اقول : ويروي عنه ابن ابي عمير أيضاً. روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن ابيه ،

__________________

١ ـ توفي ابن مهزيار في ايام إمامة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، روى الكليني مكاتبته عنه في الحج لاحظ ج ٤ ، الصفحة ٣٠ باب بلا عنوان بعد باب الحج عن المخالف ، وقد تقلد الإمام العسكريعليه‌السلام الإمامة بعد وفاة ابيه عام ٢٥٤ هـ ، وعلى ذلك يكون موت ابن مهزيار حوالي تلك السنة.

٢ ـ الوسائل : ج ١ باب ٤ من ابواب الوضوء ، الحديث ٤.

٣ ـ الوسائل : ج ٢ باب ٢٢ من ابواب غسل الميت ، الحديث ١.

٤ ـ الوسائل : ج ٢ باب ٢٤ من ابواب غسل الميت الحديث ٦ والظاهر سقوط الواسطة بين أحمد بن محمد بن عيسى ، وعبد الرحمن بن سالم وهو أحمد بن محمد بن ابي نصر ، كما في الاستبصار الرقم ( ٧٣٠ ) ويشهد بذلك السندان السابقان.

٢٦٣

عن ابي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وان كان حلالاً؟(١) .

وقع بعنوان « عبد الرحمن بن سالم » في اسناد ثلاث وعشرين رواية ، فهو يروي عن ابي بصير وابيه ، واسحاق بن عمار ، والمفضل بن عمر ، وروى عنه ابن ابي عمير ، وابن ابي نصر ، والحسن بن ظريف ، وسهل بن زياد ، ومحمد بن أسلم وغيرهم.

قال النجاشي : « عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الكوفي العطار ـ وكان سالم بياع المصاحف ـ وعبد الرحمن اخو عبد الحميد بن سالم ، له كتاب » ثم ذكر سنده اليه(٢) . وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادقعليه‌السلام كما عده البرقي من اصحابه(٣) .

ولم يضعفه إلا ابن الغضائري وقال : « روى عن ابي بصير ، ضعيف » ومن المعلوم ان تضعيفاته غير موثوق بها ، لما أوضحنا حالها.

حصيلة البحث : قد تعرفت على النقوض المتوجهة إلى الضابطة من جانب المحقق مؤلف « معجم رجال الحديث » والفاضل المعاصر مؤلف « مشايخ الثقات » وان شيئاً منها لا يصلح لأن يكون نقضاً للقاعدة ، وذلك لجهات شتى نشير اليها :

١ ـ ان كثيراً من هؤلاء الضعاف لم يكونوا مشايخ للثقات ، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم ، وانما توهمت الرواية عنهم بسبب وجود « عن » مكان « الواو » ، فتصحيف العاطف بحرف الجر ، صار سبباً لأوهام كثيرة. وقد نبه

__________________

١ ـ الكافي : ٥ / ٤٩٧ ، كتاب النكاح باب الاوقات التي يكره فيها الباه.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٦٢٩.

٣ ـ رجال الشيخ : الرقم ٧١١.

٢٦٤

على هذه القاعدة صاحب « منتقى الجمان » كما أوضحناه فتصور العديل استاذاً لهم.

٢ ـ ان كثيراً ممن اتهم بالضعف ، مضعفون من حيث المذهب والعقيدة ، لا من حيث الرواية ، وهذا لا يخالف وثاقتهم وصدقهم في الحديث. وقد وقفت في كلام الشيخ على ان المراد من الثقات هم الموثوق بهم من حيث الرواية والحديث لا المذهب ، وبعبارة اخرى كانوا ملتزمين بالنقل عن الثقات سواء كانوا إماميين أم غيرهم.

٣ ـ ان منشأ بعض النقوض هو الاشتراك في الاسم بين المضعف وغيره ، كما مر نظيره في عبد الله بن محمد الشامي.

٤ ـ ان بعض من اتهم بالضعف لم يثبت ضعفهم أوّلاً ، ومعارض بتعديل الآخرين ثانياً. وعلى ضوء ما تقدم ، تقدر على الاجابة عن كثير من النقوض المتوجهة إلى الضابطة ، التي ربما تبلغ خمسة واربعين نقضاً. وأغلبها مستند إلى سقم النسخ وعدم إتقانها.

نعم من كان له إلمام بطبقات الرواة ، وميز الشيخ عن التلميذ ، يقف على كثير من الاشتباهات الواردة في الاسناد التي لم تقابل على النسخ الصحيحة.

فابتلاؤنا بكثير من هذهالاشتباهات وليد التقصير في دراسة الحديث ، وعدم معرفتنا بأحوال الرواة ، وطبقاتهم ومشايخهم وتلاميذهم ، وفقدان النسخ الصحيحة.

محاولة للاجابة عن النقوض

ان هنا محاولة للاجابة عن هذه النقوض لا بأس بطرحها ، وهي :

ان شهادة الشيخ في المقام لا تقصر عن شهادة ابن قولويه وعلي بن

٢٦٥

إبراهيم في أول كتابيهما بأنهما لا يرويان فيهما إلا عن ثقة. فكما انه يجب الاخذ بشهادتهما مطلقاً ، إلا إذا عارضها تنصيص آخر ، وعند التعارض اما ان يتوقف ، او يؤخذ بالثاني لو ثبت رجحانه ، فهكذا المقام يؤخذ بهذه الشهادة إلا إذا ثبت خلافها ، او تعارضت مع نصّ اخر ، فكما ان ثبوت الخلاف في مورد شهادة ابن قولويه وعلي بن إبراهيم ، لا يضر بالاخذ بقولهما في غير مورده فهكذا المقام.

وجه ذلك ان الشهادة الاجمالية في هذه المقامات تنحل إلى شهادات حسب عدد الرواة ، فالتعارض او ثبوت الخلاف في موارد خاصة يوجب عدم الأخذ بها في الموارد التي ثبت خلافها دون ما لم يثبت ، وقد اورد على هذه المحاولة بوجهين :

الوجه الأول : ان هذا الجواب انما يتم لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس هؤلاء الثلاثة ، بأن كانوا مصرحين بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة فعند ذلك تؤخذ بشهادتهم إلا في صورة التعارض او ثبوت الخلاف ، اما إذا كانت الشهادة مستندة إلى نفس الشيخ ، بأن يشهد هوقدس‌سره بأن هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فعندئذ يكون الوقوف على مشايخ لهم مضعفين بنفس الشيخ ، موجباً لسقوط هذه الشهادة عن الاعتبار فلا يبقى لها وثوق.

والفرق بين كون الشهادة منتهية إلى نفس الأقطاب الثلاثة ، وكونها منتهية إلى نفس الشيخ واضح ، إذ لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس المشايخ ، يكون معناه انهم شهدوا على انهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة عندهم. فاذا تبين الخلاف ، او تعارض مع تنصيص اخر ، يحمل على انه صدر اشتباهاً من هؤلاء في هذه الموارد المتبينة ، فحسبوا غير الثقة ثقة فرووا عنه. وهذا لا يضر بالاخذ بها في غير تلك الموارد وكم له من نظائر في عالم الشهادات.

٢٦٦

واما إذا كانت الشهادة منتهية إلى نفس الشيخ ، وكانت شهادته على انهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، مبنية على استقرائه في مشايخهم ، فلا تعتدّ بها إذا تبين الخلاف ، واعلم انهم يروون عن غير الثقة أيضاً ، إذ عندئذ يتبين ان استقراء الشيخ كان استقراء ناقصاً غير مفيد لامكان انتزاع الضابطة الكلية ، فلا يصح الأخذ بها لبطلان اساسها.

هذا ما يرومه معجم رجال الحديث. وان كانت العبارة غير وافية بهذا التقرير ، ولكن الإجابة عن هذا الاشكال ممكنة بعد الدقة في عبارة « العدة ». لأن الظاهر من عبارة الشيخ هو استكشاف الطائفة التزامهم بأنهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، على وجه كانت القضية مشهورة في الأوساط العلمية قبل زمن الشيخ إلى ان انتهت اليه ، فعند ذاك يكون الشيخ حاكياً لهذا الاستكشاف ، لا انه هو الذي كشف ذلك ، وادعى الإجماع عليه. ألا ترى انه يقول : « سوت الطائفة بين ما يرويه هؤلاء وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ».

فالطائفة التي سوت بين ما يرويه هؤلاء هي التي كشفت هذا الالتزام عنها وعرفها الشيخ ، وبذلك يسقط الاشكال عن الصلاحية ، لانه كان مبنياً على ان الشيخ هو الذي كشف الضابطة عن طريق الاستقراء ، وبالعثور على مشايخ ضعفهم الشيخ نفسه في كتبه ، يكون ذلك دليلاً على نقصان الاستقراء.

ولكنك عرفت ان احتمال كون الشيخ هو المستكشف ، فضلاً عن كون استكشافه مبنياً على الاستقراء ، أمر لا توافقه عبارة « العدة ». وعلى ذلك يؤخذ بهذه الشهادة ، ويحكم بوثاقة مشايخهم عامة ، وان لم يذكروا في الكتب الرجالية بشيء من الوثاقة والمدح.

الوجه الثاني : ربما يقال ان هذه المحاولة انما تنتج في المسانيد ، فيحكم بوثاقة كل من جاء فيها إلا من ثبت ضعفه. وأما المراسيل فلا تجري

٢٦٧

فيها ، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة هي من ثبت ضعفه فعندئذ لا يمكن الأخذ بها ، لأنه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية(١) .

وأجاب عنه السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ على أساس حساب الاحتمالات ، وحاصله : أن الوسيط المجهول إذا افترضنا أنه مردّد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير ، وكان مجموع من روى عنه أربعمائة شخص ، وكان ثابت الضعف منهم بشهادة أخرى ، لا يزيدون على خمسة أو حوالي ذلك ، فعندئذ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد الخمسة المضعفة ٨٠/١ ، وإذا افترضنا أن ثابت الضعف من الاربعمائة هم عشرة ، يكون احتمال كون الوسيط المحذوف منهم ٤٠/١ ومثل هذا الاحتمال لا يضرّ بالاطمئنان الشخصي ، وليس العقلاء ملتزمين على العمل والاتباع ، إذا صاروا مطمئنين مائة بالمائة.

ثمَّ إنهقدس‌سره أورد على ما أجاب به إشكالاً هذا حاصله : إن هذا الجواب إنما يتم إذا كانت الاحتمالات الاربعمائة في الوسيط المجهول ، متساوية في قيمتها الاحتمالية ، إذ حينئذ يصحّ أن يقال احتمال كونه أحد الخمسة المضعفين قيمة ٨٠/١ ، وإذا فرضنا أن ثابت الضعف عشرة في أربعمائة ، كان احتمال كون الوسيط أحدهم ٤٠/١ ، وأما إذا لم تكن الاحتمالات متساوية ، وكانت هناك أمارة احتمالية تزيد من قيمة احتمال أن يكون الوسيط المجهول أحد الخمسة ، فسوف يختلّ الحساب المذكور ، ويمكن أن ندّعي وجود عامل احتمالي ، يزيد من قيمة هذا الاحتمال ، وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل او بعض اصحابه ، ونحو ذلك من التعبيرات التي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء ، وعدم الوثوق بالرواية ، يناسب أن يكون المرويّ عنه أحد أولئك الخمسة ، وإلا لما

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٨٠ ، ومشايخ الثقات : ٤١.

٢٦٨

كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه وعندئذ يختلّ الحساب المذكور ويكون المظنون كون المرويّ هو أحد الخمسة ، لا أحد الباقين ، فتنقلب المحاسبة المذكورة(١) .

ولا يخفى أن الجواب المذكور غير واف لدفع الاشكال ، وعلى فرض صحّته فالذي اُورد عليه غير تامّ.

أما الأول ، فلأن العقلاء في الاُمور المهمّة ، يحتاطون بأكثر من ذلك ، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة ٨٠/١ فلو علم العقلاء أن قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية ، لا يقدمون على السكنى في أحدها ، كما أنه لو وقفوا على أن السيل سيجرف إحدى السيارات التي تبلغ العدد المذكور لا يجرأون على ركوب أي منها ، وهكذا غير ذلك من الامور الخطيرة.

نعم الاُمور الحقيرة التي لا يهتمّ العقلاء باضرارها ، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتى بأقل من النسبة المذكورة. والشريعة الالهية من الامور المهمة ، فلا يصحّ التساهل فيها ، مثل ما يتساهل في الاُمور غير المهّمة.

ولأجل ذلك قلنا إن أصل الجواب غير تامّ. اللّهم إلا أن يقال : إنَّ تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة ، يكشف عن أنه اكتفى في العمل بالشريعة ، بالمراتب النازلة من الاطمئنان ، وإلا لما سوَّغ العمل بقول الثقة على وجه الاطلاق ، وليس قول كل ثقة مفيداً للدرجة العليا من الاطمئنان.

وأما الثاني ، وهو أن الاشكال غير وارد على فرض صحَّة الجواب ، فلأن النجاشي يصرّح بأن وجه إرساله الروايات ، هو أن اُخته دفنت كتبه في حال استتاره ، وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدَّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي

__________________

١ ـ مشايخ الثقات : ٤٤ ـ ٤٥.

٢٦٩

الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله(١) .

وعلى هذا فقوله « عن رجل » وما شاكله ، لأجل أنه نسي المرويّ عنه ، وإلا لصرّح باسمه ، لا كأنه بلغ من الضعف إلى درجة يأنف عن التصريح باسمه ، حتى يستقرب بأنه من أحد الخمسة الضعاف.

نعم هاهنا محاولة لحجيّة مراسيله لو صحت لاطمأنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة كانت من الثقات لا من الخمسة الضعاف.

وحاصلها أن التتبع يقضي بأن عدد رواياته عن الضعاف قليل جدّاً بالنسبة إلى عدد رواياته عن الثقات ، مثلاً إنه يروي عن أبي أيوب في ثمانية وخمسين مورداً ، كما يروي عن ابن اذينة في مائة واثنين وخمسين مورداً ، ويروي عن حمّاد في تسعمائة وخمسة وستّين مورداً ، ويروي عن عبد الرحمن بن الحجّاج في مائة وخمسة وثلاثين مورداً ، كما يروي عن معاوية بن عمّار في أربعمائة وثمانية وأربعين مورداً ، إلى غير ذلك من المشايخ التي يقف عليها المتتبّع بالسبر في رواياته.

وفي الوقت نفسه لا يروي عن بعض الضعاف إلا رواية او روايتين او ثلاثة ، وقد عرفت عدد رواياته في الكتب الاربعة عن هذه الضعاف.

فاذا كانت رواياته من الثقات أكثر بكثير من رواياته عن الضعاف ، يطمئن الانسان بأن الواسطة المحذوفة في المراسيل هي من الثقات ، لا من الضعاف. ولعلّ هذا القدر من الاطمئنان كاف في رفع الاشكال.

نعم لمّا كانت مراسيله كثيرة مبسوطة في أبواب الفقه ، فلا جرم إن الانسان يذعن بأن بعض الوسائط المحذوفة فيها من الضعفاء.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٨٨٧.

٢٧٠

ولكن مثل هذا العلم الاجمالي أشبه بالشبه غير المحصورة ، لا يترتب عليها أثر ، كالعلم بأن بعض الاخبار الصحيحة غير مطابق للواقع ، ولا صادر عن المعصوم.

٢٧١
٢٧٢

٣ ـ العصابة المشهورة بأنهم لا يروون إلا عن الثقات

* أحمد بن محمد بن عيسى.

* بنو فضال كلهم.

* جعفر بن بشير البجلي.

* محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.

* علي بن الحسن الطاطري.

* أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال.

٢٧٣
٢٧٤

قد عرفت حقيقة الحال في ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. هلمّ معي ندرس حال الباقين ممَّن قيل في حقّهم إنهم لا يروون إلا عن ثقة ، وهم عبارة عن عدّة من أجلاء الاصحاب منهم :

ألف ـ أحمد بن محمد بن عيسى القمي

لا شكّ أن أحمد بن محمد بن عيسى ثقة جليل وثَّقه النجاشي والشيخ ، ونقل العلاّمة في خلاصته(١) أنه أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي القمي من قم لانه كان يروي عن الضعاف ، لكنه أعاده اليها ، معتذراً اليه ، ولمّا توفي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليبرء نفسه ممّا قذفه به وهذا يدلّ على أن أحمد بن محمد بن عيسى ما كان يروي عن الضِّعاف وإلا لما أخرج سميّه ومعاصره من قم ، فيعدّ هذا دليلاً على أنه لا يروي إلا عن ثقة.

والظاهر بطلان هذا الاستنتاج ، لأنه لم يخرج البرقي من قم لأجل روايته عن ضعيف او ضعيفين او ضعاف معدودين ، بل لأجل أنه كان يكثر الرواية عن

__________________

١ ـ الخلاصة : ١٤ ، طبعة النجف. ونقل النجاشي في فهرسه ( الرقم : ٤٩٠ ) قريباً منه في حق سهل بن زياد الآدمي ، وان ابن عيسى اخرجه من قم وكان يشهد عليه بالغلو والكذب.

٢٧٥

الضعاف ويعتمد عليهم. قال الشيخ في ترجمته : « وكان ثقة في نفسه غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل »(١) وقال العلاّمة في « الخلاصة » : « أصله كوفي ثقة غير أنه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، قال ابن الغضائري : طعن عليه القميون وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروي عنه فانه كان لا يبالي عمَّن أخذ على طريقة أهل الاخبار ».

والمتحصل من ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى أخذ على البرقي إكثار الرواية من الضعاف ، وهو يدل على عدم اكثاره منها لا أنه لا يروي عن ضعيف قطّ.

أضف إلى ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدَّة من الضعفاء نظراء :

١ ـ محمد بن سنان : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : العلماء أمناء ، والاتقياء حصون(٢) .

ومحمد بن سنان هذا ممَّن ضعفه النجاشي وقال : « قال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد : إنه روى عن الرضاعليه‌السلام قال : وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّاً لا يعوَّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وقد ذكره ابو عمرو في رجاله ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري قال : قال أبو محمد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان »(٣) .

٢ ـ علي بن حديد : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن

__________________

١ ـ فهرست الشيخ : الرقم ٥٥.

٢ ـ الكافي : ١ / ٣٣ ، كتاب فضل العلم ، الباب الثاني ، الحديث ٥.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٨٨٨ ، ورجال الكشي : ٤٢٨.

٢٧٦

محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن مرازم ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء(١) .

وقد مضى أن علي بن حديد في الضعاف.

٣ ـ اسماعيل بن سهل : روى الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن اسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعي ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال : قال امير المؤمنينعليه‌السلام : ان الندم على الشر يدعو إلى تركه(٢) .

واسماعيل بن سهل هذا ضعفه النجاشي. قال : « اسماعيل بن سهل الدهقان ضعفه اصحابنا ، له كتاب »(٣) وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة وابن داود مثله(٤) .

٤ ـ بكر بن صالح : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبدالله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي اللهبي ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح(٥) .

وبكر بن صالح هذا ممَّن ضعفه النجاشي. قال : « مولى بني ضبَّة روى عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، ضعيف له كتاب نوادر »(٦) .

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٥٩ ، كتاب فضل العلم ، باب الرد إلى الكتاب والسنة ، الحديث ٢١.

٢ ـ الكافي : ٢ / ٤٢٧ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الاعتراف بالذنوب ، الحديث ٧.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٥٦.

٤ ـ الخلاصة : ٢٠٠ ، ورجال ابن داود : ٢٣١ ، وذكراه في القسم الثاني.

٥ ـ الكافي : ٢ / ١٠١ باب حسن الخلق ، الحديث ١٢.

٦ ـ رجال النجاشي : الرقم ٢٧٦.

٢٧٧

وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة : « بكر بن صالح الرازي مولى بني ضبَّة ، وروى عن أبي الحسن الكاظمعليه‌السلام ، ضعيف جدّاً كثير التفرّد بالغرائب »(١) .

ب ـ بنو فضّال

قد استدلّ على وثاقة كل من روى عنه بنو فضال بالحديث التالي : روى الشيخ في كتاب « الغيبة » عن أبي محمد المحمدي قال : وقال أبو الحسين بن تمام : حدثني عبدالله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح ( رضي الله عنه ) قال : سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم ( رضي الله عنه ) ـ عن كتب ابن ابي العزاقر(٢) بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملآى؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن عليعليه‌السلام وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملآى؟ فقال ـ صلوات الله عليه ـ : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا(٣) .

وهذه الرواية ممّا استند اليه الشيخ الانصاريرحمه‌الله في كتاب صلاته عند ما تعرض لرواية داود بن فرقد وقال : « روى الشيخ عن داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي بمقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، فاذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ـ ثم قال : وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح وبنو فضّال ممّن أُمروا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم »(٤) .

__________________

١ ـ الخلاصة : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢ ـ هو محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العزاقر وقد خرج التوقيع بلعنه على يد الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح في ذي الحجة من شهور سنة ٣١٢ هـ ، وله كتاب « التكليف ».

٣ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٣٩ ، طبعة النجف.

٤ ـ صلاة الشيخ الانصاري : ١.

٢٧٨

غير أن الاستدلال بهذا الحديث على فرض صحة سنده قاصر ، لأن المقصود من الجملة الواردة في حقّ بني فضال هو أن فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضرّ بحجية الرواية المتقدمة على الفساد ، لا انه يؤخذ بكل رواياتهم ومراسيلهم ومسانيدهم من غير أن يتفحص عمَّن يروون عنه ، بل المراد أنه يجري على بني فضال الحكم الذي كان يجري على سائر الرواة ، فكما أنه يجب التفتيش عنهم حتى تتبيّن الثقة منهم عن غيرها فهكذا بنو فضال.

ج ـ جعفر بن بشير

قد استدل المحدث النوري في مستدركه(١) على وثاقة كل من روى جعفر بن بشير عنهم ومن رووا عنه بما ذكره النجاشي في رجاله حيث قال : « جعفر بن بشير البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم وكان ثقة وله مسجد بالكوفة ـ إلى أن قال : مات جعفررحمه‌الله بالأبواء سنة ٢٠٨ هـ. كان أبو العباس بن نوح يقول : كان يلقّب فقحة العلم(٢) روى عن الثقات ورووا عنه ، له كتاب المشيخة »(٣) .

ولكن الظاهر أن العبارة غير ظاهرة في الحصر ، بل المراد أن جعفر بن بشير يروي عن الثقات كما تروي الثقات عنه ، وأما إنه لا يروي عنه إلا الثقات وهو لا يروي إلا عنهم ، فلا تفيده العبارة ، كيف ومن المستبعد عادة أن لا يروي عنه إلا ثقة وهو خارج عن اختياره ، وأقصى ما تفيده العبارة أن القضية غالبية.

كيف وقد روى جعفر بن بشير عن الضعيف أيضاً.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٧ ، الفائدة العاشرة.

٢ ـ هكذا ضبطه في الايضاح على ما نقله قاموس الرجال والفقحة من النبت الزهرة ، كما ضبطه في الخلاصة : ٣٢ ، ورجال ابن داود بـ « قفة العلم ».

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٣٠٤.

٢٧٩

روى الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن صالح بن الحكم قال : سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصلاة في السفينة إلى آخره(١) .

وصالح بن الحكم ممن ضعفه النجاشي وقال : « صالح بن الحكم النيلي الاحول ، ضعيف »(٢) .

د ـ محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني

وقد قيل(٣) في حقه ما قيل في حقّ جعفر بن بشير مستدلاً بما ذكره النجاشي في حقه أيضاً حيث قال : « محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني أبو عبدالله ثقة عين روى عن الثقات ورووا عنه ولقي أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام »(٤) .

والمراد من هذه العبارة ما ذكرناه في حقّ المتقّدم عليه.

هـ ـ علي بن الحسن الطاطري

قال الشيخ في ترجمة الرجل : « كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على ما خالفه من الإمامية ، وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلأجل ذلك ذكرناها »(٥) .

استدل بذيل كلام الشيخ من أن كل من روى علي بن الحسن الطاطري عنه فهو ثقة ، لأن الشيخ شهد على أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم

__________________

١ ـ التهذيب : ٣ / ٢٩٦ ، باب الصلاة في السفينة ، الحديث ٨٩٧.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٥٣٣.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٧ ، الفائدة العاشرة.

٤ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩٣٣.

٥ ـ فهرست الشيخ : ١١٨ ، الرقم ٣٩٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500
٥٠١

الباب الرابع

خلاصة وخاتمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول 507 شخصية الحسنعليه‌السلام بين الافتراء والواقع

الفصل الثاني 517 القراءة السائدة للصلح والمشكلات التي امامها

الفصل الثالث 520 صلح الامام الحسنعليه‌السلام قراءة جديدة

الفصل الرابع 571 مسار ثقافة الامة المسلمة

الفصل الخامس 579 خلاصة في المقارنة بين مراحل سير مشروعين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٥٠٢
٥٠٣

الباب الرابع / الفصل الاول

شخصية الحسن عليه‌السلام بين الافتراء والواقع

اجمع الباحثون المستشرقون على وصف الحسنعليه‌السلام بانه كان شخصية متخاذلة ليس جديرا ان يكون ابنا لعليعليه‌السلام ، ولا رجل الساعة المطلوب سلم الحكم لقاء منحة سنوية يقدمها له معاوية ثم انصرف الى ملذاته وشهواته ثم مات بسبب اسرافه فيها ، وكانت مصادرهم في ذلك روايات مبثوثة هنا وهناك في مصادر التاريخ الاسلامي الاولى ، وضعها العباسيون لمواجهة خصومهم الحسنيين الثائرين لتجريدهم منسلاح الشعبية التي كانوا يتمتعون بها في الكوفة لمكانة ابائهم الحسن المثنى(1) والحسن السبط وامير المؤمنين عليعليه‌السلام وقد اقاما تجربتي حكم رائدتين اتسمتا بتقديم مصلحة الرسالة والامة على المصالح الشخصية.

وفيما يلي خلاصة كلماتهم فيه ، وبعض الروايات التاريخية الطاعنة في الحسن التي

__________________

(1) ذكر المؤرخون وأصحاب السير والحديث والانساب وغيرهم أن الحسن المثنى بن الحسن السبط حضر مع عمه الحسينعليه‌السلام يوم الطف وشهد المعركة ، وواسى عمه في الصبر على السيوف والرماح حتى أثخن بالجراح ووقع على الارض بين القتلى ، وكان به رمق. فأخذه اخواله من فزارة واستوهبوه من ابن زياد وعولج فبرئ (عمدة الطالب ص 100) واتفقوا على أنه برئ ولحق بالمدينة وتوفي سنة 97 هـ الذهبي ، تاريخ الاسلام ج 6 ص 330.

أقول : وقد تبنى ابو مخنف رواية خالف فيها الثابت من سيرة الحسن المثنى فقال (واستصغر الحسن بن الحسن بن علي وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن يسار الفزاري فترك فلم يقتل) (تاريخ الطبري 4 / 359). وهو شاهد على ان ابا مخنف كان قد الف كتابه مقتل الحسين رعاية للإعلام العباسي في بني الحسن والكوفة.

٥٠٤

وضعها الاعلام العباسي مع بعض كلمات الخليفة العباسي في الحسن وابيه عليعليه‌السلام ، ثم شواهد تاريخيه على عظمة شخصية الامام الحسنعليه‌السلام في العبادة والسلوك والمكانة الدينية والاجتماعية.

شخصية الامام الحسن عليه‌السلام عند المستشرقين

قال الدكتور فيليب حتي : «ولكن الحسن الذي كان يميل الى الترف والبذخ لا الى الحكم والارادة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه اياها معاوية».(1)

وقال الراهب اليسوعي لامنس (البلجيكي) المتخصص بالتاريخ الاسلامي(2) : «الحسن اكبر ابناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل الى الشهوات والافتقار الى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع ابيه واخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب. وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل افراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته.(3)

وقال جرهارد كونسلمان : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.(4)

وقال سايكس : في كتابه () ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لانه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بارسال اثني عشر الف جندي كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يتنزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(5)

__________________

(1) حتى ، فليب ، العرب تاريخ موجز ، ص 78.

(2) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد لا إسلام ، يفتقر إفتقاراً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين.

(3)الموسوعة الاسلامية (Encyclopedia Of Islam) ج 7 / 401 4002. أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت الى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت الى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(4) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة .

(5) الدكتور الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الاموي ، ص 74.

٥٠٥

وقال الكاتب العراقي هادي العلوي (1) : «ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا او عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول اليه الامر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه ابوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الايديولوجيا(2)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن امامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الاباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(3)

مصادر المستشرقين روايات الإعلام العباسي

استند الباحثون المستشرقون في تكوين الرؤية السلبية الانفة الذكر عن الحسنعليه‌السلام الى رويات اوردتها مصادر تاريخية اسلامية امثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ واغاني ابي الفرج الاصبهاني ، وتاريخ محمد بن طاهر المقدسي ت 507 هـ.

روى ابن سعد عن وهب بن جرير بن حازم ت 175 هـ عن ابيه قال اخبرنا شعبة عن ابي اسحاق عن معدي كرب ان عليا مر على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا. ان لكل قوم صداد وان صدادنا الحسن.(4)

وروى عن علي بن محمد عن سحيم بن حفص الأنصاري (ت 170 هـ). عن عيسى

__________________

(1) ادرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه ينتسب الى الاسلام والتشيع ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديلولوجيا ومنهج المستشرقين في البحث.

(2) الدكتور الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الاموي ، ص 74.

(3) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 تموز السنة 37 العدد 9. من الغريب ان العلوي هذا عرفه اصدقاؤه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولا بد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي واصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم عليا ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

(4) ابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج 1 ص 277 ـ 278 ورواه أيضا ابن معين عن ذر عن شعبة عن أبي اسحق عن معدي كرب (ابن معين تاريخ ابن معين ج 2 / 419).

٥٠٦

بن أبي هارون المزني. قال : تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان المنذر بن الزبير هويها. فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها الحسن. فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت : شهرني. فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضا شيئا ، فطلقها. ثم خطبها المنذر. فقيل لها : تزوجيه فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ (أي بيهتك) فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها. فقال الحسن لعاصم بن عمر : انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة فستأذناه. فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال دعهما يدخلان عليها. فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظرا منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث. فقال الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها. وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر. فقال الحسن يوما لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وحفصة عمته هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا على منزل حفصة. فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلا ثم خرج. ثم قال أيضا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا بمنزل حفصة. فدخل الحسن فتحدثا طويلا. ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ فقال : يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.(1)

وروى عن يحيى بن حماد قال اخبرنا أبو عوانة (176 هـ)(2) عن سليمان عن حبيب بن ابي ثابت عن ابي ادريس عن المسيب بن نجبة قال سمعت عليا يقول الا احدثكم عني وعن أهل بيتي؟ اما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، واما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لوقد التقتا حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم شيئا ، واما انا وحسين فنحن منكم وانتم منا.(3)

__________________

(1) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، ج 1 ص 307 ، سحيم بن حفص الأنصاري كنيته أبو اليقظان واسمه عامر بن حفص وسحيم لقب له. ذكره ابن النديم في الفهرست ص 106.أقول : هو من شيوخ علي بن محمد المدائني.

(2) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج 7 ص 287 أبو عوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء كان أصله من أهل واسط ثم انتقل إلى البصرة فنزلها حتى مات بها.

(3) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم الناقص ج 1 ص 297 ، وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11.

٥٠٧

وروى عن محمد بن عبد الله الاسدي (203 هـ) قال حدثنا اسرائيل (160 هـ)(1) عن ابي اسحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.(2)

وروى ابو الفرج الاسفهاني عن احمد عن عمر بن شبة عن المدائني عن قيس بن الربيع (168 هـ)(3) عن الاجلح عن الشعبي عن جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة : مالك ولهذا؟(4)

وروى عن عمر بن شبة وسعيد بن محمد المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن اسماعيل بن ابراهيم علية البصري (193 هـ) عن سعيد بن عروبة البصري عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر ابي سلسان قال : لما جيء بالوليد بن عقبة الى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمرقال لعلي دونك ابن عمك فاقم عليهالحد فأوعز علي إلى ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي : بل ضعفت ووهنت وعجزت.(5)

وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّهعليه‌السلام كان أرخى ستره على مأتي حرة».(6)

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج 6 ص 374 قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي إسرائيل لص يسرق الحديث.

(2) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم المفقود ، من ذخائر تراثنا ترجمة الحسن من ابن سعد غير المطبوع ص 58.

(3) العقيلي ،الضعفاء الكبير (ضعفاء العقيلي) ، ج 3 ص 469 قيس بن الربيع عن محمد بن عبيد قال كان قيس بن الربيع استعمله أبو جعفر على المدائن فكان يعلق النساء بثديهن ويرسل عليهن الزنابير قال ابن حبان : كان شعبة يروى عنه وكان معروفا بالحديث صدوقا ويقال إن ابنه أفسد عليه كتبه بأخرة فترك الناس حديثه. وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 226 قيس بن الربيع الحافظ أبو محمد الأسدي الكوفي كان من أوعية العلم وارى الأئمة تكلموا فيه لظلمه.

(4) ابو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ، ج 5 ص 144.

(5) ابو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ، ج 5 ص 145.

(6) المقدسي ، البدء والتاريخ / ج 5 ص 4.

٥٠٨

الروايات الطاعنة في شخصية الحسن عليه‌السلام

من وضع الامويين والعباسيين

الروايات الانفة الذكر مما وضعه الاعلام العباسي بأمر الخليفة العباسي ابي جعفر الدوانيقي لمواجهة الحسنيين الثائرين ضد العباسيين لتجريدهم من سلاح قوي بيدهم وهو التاريخ المشرق لأبيهم الحسنعليه‌السلام وجدِّهم عليعليه‌السلام انهم يقاتلون ليس لأجل السلطة بل لأجل المحرومين ، قال محمد بن عبد الله بن الحسن في رسالته الى ابي جعفر الوانيقي (وإنما ادعيتم هذا الامر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا وإن أبانا عليا كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الامر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا).(1)

قال عليعليه‌السلام «اللّهم إِنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك.».(2)

وقد سلم الحسينعليه‌السلام ملك العراق بهدف الاصلاح وامان الناس لما عرض عليه معاوية ان يبقى عليه ويبقى هو على الشام. ولما اطلع معاوية على الشروط وقف عند شرط امان الناس وذكر قيس بن سعد انه لا بد ان يقتله وموقف الحسن كان واضحا ان الشروط ومنها الامان صفقة كاملة اما ان يقبلها معاوية كلها او يرفضها معاوية كلها.

ومن اهم الشواهد على انها تبينت من قبل العباسيين قول المنصور بعد ان سجن عبد الله بن الحسن واخوته :

(فقام فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.

ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن عليعليه‌السلام ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معايوة إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان

__________________

(1) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 6 ص 196.

(2) نهج البلاغة ، فيض / 406 ؛ عبده 2 / 19.

٥٠٩

فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه).(1)

وكذلك شعر مروان بن ابي حفصة ت 182 هـ : كان يتقرب الى الخليفة هارون بهجاء العلويين. انشد قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها ولد فاطمةعليها‌السلام وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياًعليه‌السلام ونال منه وأولها :

عليٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم اباه(2)

ذوو الشورى كانوا ذوي الفضل

ساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه

بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل

فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ

على منبر بالمنطق الصادق الفضل

وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكمُ

هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

وخلَّيتموها وهي في غير أهلها

فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ

وقد باعها من بعده الحسن ابنه

وطالبتموها حين صارت إلى أهل(3)

شخصية الامام الحسن عليه‌السلام في

الروايات الصحيحة

روى الشيخ الصدوق عن المفضل بن عمر قال قال الامام الصادقعليه‌السلام (ت 148 هـ) حدثني أبي عن أبيهعليهما‌السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ،

وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا ،

وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

__________________

(1) المسعودي ،مروج الذهبي ج 3 ص 301.

(2) أي رفضه أهل الشورى في قصة بيعة عثمان.

(3) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج 4 ص 63 ـ 64. وانظرالاغاني لابي الفرج الاصفهاني ج 23 ص 214 ـ 215. وابن خلكان ، وفيات الاعيان ج 5 ص 189 ـ 193. والدينوري ، ابن قتيبة ، الشعروالشعراء ، ج 2 ص 649.

٥١٠

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ،

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من النار ،

وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إذا ذاكرا لله سبحانه ،

وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.(1)

وقال ابن عساكر عن عبد الله بن العباس قال : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه.(2)

قال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك.(3)

عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال ما تكلم عندي أحد كان احب الي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه تكلم بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في ارض فعرض حسين امرا لهم لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم انفه قال فهذا اشد كلمة فحش سمعتها منه قط.(4)

قال الواقدي : عن ثعلبة بن ابي مالك : شهدت الحسن يوم مات ودفن بالبقيع فلقد رأيت البقيع ولو طرحت فيه ابرة ما وقعت الال على راس انسان.(5)

وروى ابن عساكر ايضا قال : بكى على الحسن بن علي بمكة والمدينة سبعا النساء والصبيان والرجال.(6)

__________________

(1) الشيخ الصدوق ،الأمالي ، ص 140.

(2) ابنعساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ص 72. والذهبي ،سير اعلام النبلاء ، ج 4 ص 387.

(3) المجلسي ،بحار الانوار ج 43 ص 251.

(4) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ص 80. وابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج 1 ص 279. والمزي ،تهذيب الكمال ج 2 ص 591.

(5) ابن حجر ،الاصابة ج 1 ص 495. والحاكم ،المستدرك ، ج 3 ص 190. وابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم المتمم ج 1 ص 351.

(6) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 118. وابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 43.

٥١١

وفي الطبقات الكبرى : عن أبي جعفر قال : مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعا ما تقوم الاسواق.(1)

وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة ، قال : فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا!. قال : فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت : يا عم. قال : ما تشاء؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت من عنده حتى تفسخ جبينك عرقا! قال : يا ابن أخي انه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله.(2)

وفيه يقول النجاشي الشاعر وكان من شيعة علي ، يرثيه عند وفاته :

لم يُسْبِلِ السترُ على مثله

في الأرض من حافٍ ومن ناعل(3)

وقيل للحسن : فيك عظمة ، فقالعليه‌السلام : بل فيَّ عزة قال الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».(4)

قال محمد بن اسحاق : ما بلغ احد من الشرف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ الحسن بن علي. كان يبسط له على باب داره فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله الا جلس اجلالا له فاذ اعلم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن ابي وقاص فقد نزل ومشى الى جنبه.(5)

وقال معاوية لعبد الله بن الزبير سنة 44 حين زار المدينة الا ترى الحسن زارني مرة واحدة قال ان مع الحسن ماة الف سيف لو شاء ضربك بها.

قال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن محمد بن عمر العبدي ، عن أبي سعيد : إن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش : أخبرني عن الحسن بن علي. قال : يا أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم الناقص 1 ص 352. والحاكم ،المستدرك ، ج 3 ص 189.

(2) المزي ،تهذيب الكمال : ج 6 ص 233. وابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 69 70.

(3) المسعودي ،مروج الذهب ، ج 2 ص 428.

(4) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 43 ص 251.

(5) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 43 ص 254 نقل عن المناقب.

٥١٢

ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجل له شرف إلا أتاه فيتحدثون. حتى إذا ارتفع النهرا صلى ركعتين ، ثم نهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه. ثم ينصرف إلى منزله ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال : ما نحن معه في شيء.(1)

أقول :

يتضح من هذه الروايات أي جناية جناها فنسنك وزملائه مؤلفو (ECYCLOPEDIA OF ISLAM) (الموسوعة الاسلامية) التي صدرت باللغة الانكليزية والفرنسية والالمانية حين قدموا الامام الحسنعليه‌السلام الى العالم انه رجل شهوات وملذات في قبال ما تعرضه الروايات الصحيحة انه شخصية رائدة عبادةً وسلوكاً ومكانةً في الدين وانه بلغ في الشرف ما لم يبلغه احد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(1) ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام منطبقات ابن سعد ج 1 ص 297. وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 71. والبلاذري ،انساب الاشراف ، ج 3 ص 274.

٥١٣

الباب الرابع / الفصل الثاني

القراءة السائدة للصلح والمشكلات امامها

يكاد يجمع الباحثون الشيعة في تعليلهم لصلح الامام الحسن وتسليمه الامر لمعاوية انه انطلق من واقع منهار للكوفيين وعدم قدرتهم على الاحتفاظ بالدولة التي انشاها في قبال معاوية بل عدم القدرة على توفير الامان للحسن نفسه اذ تعرض لمحاولة اغتيال جرح فيها جرحا بليغا ونهبمتاعه. ومن ثم كاتب معاوية في الصلح ليحقق الامان له ولشيعته وليفضح معاوية.

الروايات التي استندوا إليها

وقد اعتمدوا في هذا التحليل على روايات في مصادر التاريخ منها رواية ابن سعد عن يونس بن ابي اسحاق ت 159 هـ فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى. وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت أن لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا. ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر ...).(1)

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 6 ص 245 ، وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الحسن قال محمد بن سعد قال ابو عبيد عن مجالد ، عن الشعبي.

٥١٤

ومنها رواية زياد بن عبد الله ، عن عوانة بن الحكم : بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن ، وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات ، وهم اثنا عشر ألفا ، وكانوا يسمون شرطة الخميس ، قال : فبينا الحسن بالمدائن ، إذ نادى مناد في عسكر الحسن : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل ، فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ، ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد ، فطعنه بالخنجر ، ووثب الناس على الأسدي فقتلوه ، ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض بالمدائن ، وكتب إلى معاوية في الصلح. قال : ثم قام الحسن ـ فيما بلغني ـ الناس ، فقال : يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث : في قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي.(1)

ومنها رواية ابن الاثير قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق اخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(2) (3)

ومنها رواية احمد بن علي الطبرسي نسبت الى الحسن قوله : أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي واهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم الى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(4)

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 6 ص 245.

(2) ابن الأثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407.

(3) قال صاحبارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ج 4 ص 411 قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الامر فدعاه ورعه الى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقه بايعه على الموت اربعين الفا. انظر ايضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري المعيني ج 16 ص 239.

(4) المجلسي ، بحار الانوار ، ج 44 ص 21 عن الاحتجاج للطبرسي. والفضل بن الحسن الطبرسي ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ص 213

٥١٥

رواية ابي الفرج في مقاتل الطالبيين :

كما اجمعوا على ان معاوية اعلن عن نقضه للشروط لما دخل الكوفة سنة 41 هـ واخذ البيعة من اهلها والحسن بينهم. قال العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين اعلى الله مقامه : فلما تمت البيعة لمعاوية في الكوفة خطب فذكر عليا قنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له الحسن : على رسلك يا أخي. ثم قامعليه‌السلام فقال : أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا! فقالت طوائف من أهل المسجد : آمين. ثم تتابعت سياسة معاوية ، تتفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة من كل منكر في الاسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا للأموال ، وسجنا للأحرار ، وتشريدا للمصلحين).

رواية المدايني :

ورواية أبي الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتابه (الاحداث) : قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام عليعليه‌السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن عليعليه‌السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريق في الأرض. ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسينعليه‌السلام وولى عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف).(1)

__________________

(1) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج 11 ص 46.

٥١٦

تحليل المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدر

ومنذ عهد العلامة المحقق الشيخ راضي ال ياسين في كتابه صلح الامام الحسن ، والعلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين في تقديمه له سادت فكرة تحليلية حول الصلح مفادها : ان الامام الحسنعليه‌السلام بصلحه وشروطه / مع علمه ان معاوية سوف لا يفي بواحدة منها / استهدف فضحه امام المسلمين والحفاظ على الثلة الطيبة من شيعة علي ، وقد اخذت صيغتها التامة على يد المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله قال (أصيب المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام بمرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذيكان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له لا إمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

__________________

(1) العاملي ،الانتصار ج 8 ص 137 ـ 139.

٥١٧

المشكلات امام القراءة السائدة

يرد على القراءة السائدة للصلح ان الروايات اليت اعتمدت عليها معارضة بروايات اخرى ولكن الباحثين اغفلوها عند التحليل ،

ففي قبال ما رواه ابن الاثير واعتمده الباحثون في التحليل ان الحسن قال : رأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا غُلِب ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) ونظيراتها. توجد روايات تعطي رؤية اخرى عن اهل الكوفة

منها : ما رواه هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال : أخبرني أبي وعوانة بن الحكم والشرقي بن القطامي قالوا : لما قدم معاوية المدينة أتاه وجوه الناس ، ودخل عليه عبد الله بن الزبير ، فقال له معاوية : ألا تعجب للحسن بن علي ، أنه لم يدخل علي (وفي رواية : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي :) منذ قدمت المدينة ، وأنا بها منذ ثلاث ، قال : يا أمير المؤمنين! دع عنك حسنا فإن مثلك ومثله كما قال «الشماخ» :

أجامل أقواما حياء وقد أرى

صدورهم تغلي علي مراضها

والله لو شاء الحسن أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل ، ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) به من أم الحُوار بحُوارها. قال معاوية : أردت أن تغريني به ، والله لأصلنّ رحمه ولأقبلنّ عليه.(1)

وفي رواية المدائني قال ، قال معاوية لابن الزبير : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي؟ فقال ابن الزبير : مثلك ومثل الحسن كما قال الشاعر :

أجامل أقواما حياء وقد أرى

قلوبهم تأرى عليّ مِراضها(2)

__________________

(1) ابو الفرج الاصفهاني ،الأغاني ج 9 ص 173 (قال ابو الفرج نسخت من كتاب يحيى بن حازم حدّثنا عليّ بن صالح صاحب المصلَّى قال حدّثنا ابن دأب) ، أيضا ابن حمدون ت 562 هـالتذكرة الحمدونية ج 5 ص 192. والحُوار : ولد الناقة من وقت ولادته الى ان يفطم ويفصل. وقول معاوية والله لأصلن رحمه ولأقبلن عليه : هي المجاملة حياء التي استشهد ببيت الشهر لأجلها ، هي مجاملة لأجل ان يعبر مرحلة فرضها عليه الحسن لمعالجة الانشقاق وفتح الشام لأخبار عليعليه‌السلام وقد انتقم معاوية بعد ذلك من الحسن بدس السم له. ومن شيعته بتشريدهم وقتلهم.

(2) : وفي رواية تغلي. و (مِراض) جمع مريض ، ومرض القلب او الصدرهو الشك والعداوة ، وهو هنا العداوة ، والمعنى أجامل اقواما حياء ولكني ارى قلوبهم او صدورهم تغلي عليَّ حقدا وعداواة. وفي

٥١٨

فقال معاوية : والله ما جامل ولقد أعلن ، قال : بلى والله لقد جامل ، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل ،(1)

فقال : أراك يا ابن الزبير تجول في ضلالتك.(2)

أقول : وقول ابن الزبير (ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) بهمن أم الحوار بحوارها).

يشهد له قول الحسن حين خرج من الكوفة الى المدينة إذ تمثل بقول الشاعر :

وما عن قِلى فارقتُ دارَ معاشري

هم المانعون حوزتي وذماري

__________________

لسان العرب أَتأَر إِليه النَّظَرَ : أَحَدَّه. وأَتأَره بصره : أَتْبَعَه إِياه ، وقد اراد معاوية باستشهاده بالبيت ان يُفهم ابن الزبيران الحسنعليه‌السلام يجامله مجاملة قد اضطر اليها لحل ازمة الانشقاقفي امة جده ، والا فان قلب الحسن يغلي علي لانه لا ينسى قتلى شيعة ابيه في صفين واعلامه الكاذب فيه. وقد روى المجلسي في بحار الانوار ج 44 ص 57 ان الحسنعليه‌السلام أنشأ.

أجامل أقواما حياء وقد أرى

قلوبهم تغلي علي مراضها

قال البهبودي في / خامش 57 : أظن الصحيح هكذا :

أجامل أقواما حياء ، وقد أرى

قدورهم تغلى على مراضها

يقال : غلت القدر تغلى غليانا : جاشت وثارت بقوة الحرارة ، ومراض القدر أسفلها إذا غطى من الماء ، يقول : انهم يثورون ثورة ظاهرية كالقدر التي ثارتأعلاه ولم تغلِ

أسفلها ، فهم منافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.

أقول : لم اجد في لسان العرب ولا في تاج العروس ، ان مِراض القدر اسفلها ، ومهما يكن فان استشهاد الامام الحسن بالبيت ان صحت القصة فهوعليه‌السلام يريد انه جامل معاوية وهش في وجهه بما تقتضيه مصلحة الرسالة والامة وهو يعلم ان قلب معاوية يغلي عليه عداوة لقتلاه في بدر. اما المعنى الذي ذهب اليه البهبودي فهو بعيد.

والبيت سواء استشهد به معاوية او الامام الحسنعليه‌السلام فمعناه واحد ، مع ملاحظة ان معاوية حين استشهد به اراد بن ان الحسنعليه‌السلام حين جامله فان قلبه يغلي عليه بما قتل من شيعة ابيه في صفين وبما عرضه من اعلامه الكاذب فيه ، وان الحسن حين استشهد به لو صحت الرواية اراد انه اجبر معاوية على مجاملته مع ان قلبه يغلي عليه حقدا لقتلاه في بدر ، ولم يأخذ بثأرهم لان ثأرهم في تصوره لا يكون الا حين يقتل من بني هاشم علياءهم الامر الذي حققه ولده يزيد بعده بوصية منه. ومن هنا فان حلم معاوية ليس حلما وايضا بل هو تكتيك بلغة العصر كما كشف ذلك لعائشة بنت عثمان حين قال لها : فأظهرنا لهم حلما تحته غضب).

(1) أي حرب صعبة [زبن] : الزَّبْنُ ، كالضَّرْبِ : الدَّفْعُ ، كما في الصِّحاح. وفي المُحْكَم : دَفْعُ الشيء عن الشيء ، كالناقَةِ تَزْبِنُ ولَدَها عن ضرْعِها برِجْلِها وتَزْبِنُ الحالِبَ. زَبَنَ الشيء يَزْبِنُه زَبْناً وزَبَنَ به : دَفَعَه (تاج العروس).

(2) البلاذري ،انساب الاشراف ، ج 5 ص 38.

٥١٩

ويشهد لهايضا قول معاوية للزرقاء بنت عدي وقد استضافها وحاورها (والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته!).(1)

وفي قبال الجزءالاخرمن رواية ابن الاثير وهو قوله (مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) :

ما رواه البلاذري عن عوانة : أن علياعليه‌السلام كتب إلى قيس ابن سعد بن عبادة وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله بن شبيل الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادّون معدّون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.

وعن قال عوانة : قال عمرو بن العاص ـ حين بلغه ما عليه عليّ من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة قد انقادوا له :

لا تحسبني يا عليّ غافلا

لأوردن الكوفة القبائلا

ستين ألفا فارسا وراجلا

فقال : عليّ :

لأبلغن العاصي بن العاصي

ستين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص.(2)

ويشهد له ايضا : ما رواه سليم قال : (ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف وكثرت الشيعة(3) بعد ذلك المجلس من ذلكاليوم وتكلموا ، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه

__________________

(1) ان بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ، ص 63 ، ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 1 ص 220. ابن طيفور ،بلاغات النساء ص 49 ، التستري ،قاموس الرجال ج 12 ص 259 ـ 260.

(2) البلاذري ، انساب الاشراف ج 2 ص 481. والدلاص الدروع اللينة. والاحْتِقابُ شَدُّ الحَقِيبةِ من خَلْفٍ ، وكذلك ما حُمِلَ مِن شيء من خَلْف.

(3) أي الموالين له المعادين لعدوه المتبرئين منهم ..

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530