كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال14%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149084 / تحميل: 5394
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وبروايتهم ، ولكن غاية ما يستفاد من هذه العبارة ان الطاطري لا يروي في كتبه إلا عن ثقة ، واما انه لا يروي مطلقاً إلا عن ثقة فلا يدل عليه.

وعلى ذلك كلما بدأ الشيخ سند الحديث باسم الطاطري فهو دليل على ان الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية فعندئذ فالسند صحيح إلى اخره ، وهذا غير القول بأنه لا يروي إلا عن ثقة ، حتى يحكم بصحة كل سند وقع فيه الطاطري إلى ان ينتهي إلى المعصوم ، على ان من المحتمل ان يكون كلام الشيخ محمولاً على الغالب ، فلاحظ كتابه واطمأن بوثاقة كثير من رواة كتابه ، فقال في حقه ما قال ، والله العالم.

نعم هذه التوثيقات في حق هؤلاء الرجال ، قرائن ظنية على وثاقة كل من يروون عنه ولو انضمت اليه القرائن الاخر ربما حصل الاطمئنان على وثاقة المروي عنه ، فلاحظ.

و ـ أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال

ان للشيخ ابي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله النجاشي مشايخ معروفين سنشير اليهم ، وجده النجاشي هو الذي ولي على الأهواز وكتب إلى ابي عبداللهعليه‌السلام يسأله فكتب الإمام اليه رسالة معروفة بالرسالة الأهوازية التي نقلها السيد محيي الدين في أربعينه والشهيد الثاني في كشف الريبة مسنداً اليه(١) .

وقد تقدمت ترجمة النجاشي عند البحث عن الاصول الرجالية.

ويظهر من الشيخ النجاشي ان كل مشايخه ثقات ، بل يظهر جلالة قدرهم وعلوّ رتبتهم فضلاً عن دخولهم في زمرة الثقات ، وهذا ظاهر لمن لاحظ كلماته

__________________

١ ـ رواها الشيخ الانصاري عند البحث عن الولاية ، لاحظ : الصفحة ٦٠ من المكاسب طبعة تبريز.

٢٨١

في احوال بعض مشايخه ، واليك بعض ما قال في حق مشايخه :

١ ـ قال في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور :

« كوفي كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعاً ، ويروي عن المجاهيل ، وسمعت من قال : كان ايضاً فاسد المذهب والرواية ، ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابو علي ابن همام وشيخنا الجليل الثقة ابو غالب الزراري ـ رحمهما الله ـ وليس هذا موضع ذكره »(١) .

وتعجبه من روايات شيخيه عن هذا الرجل قرينة على انه لم يكن يجوز لنفسه الرواية عن غير الثقة في الحديث ، والاعتماد في النقل على المنحرف الضعيف ، ولكن التعجب من النقل عن واضع الحديث لا يدلّ إلا على التحرز عن مثله لا عن كل ضعيف كما هو المطلوب ، وغاية ما يمكن ان يقال انه كان محترزاً عن مثله لا عمن دونه من الضعفاء.

٢ ـ وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري : « كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في اخر عمره ، وذكر مصنفاته ثم قال : رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت عنه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعفونه ، فلم ارو عنه شيئاً وتجنبته وكان من اهل العلم والادب القوي وطيب الشعر وحسن الخط ـرحمه‌الله وسامحه ـ ومات سنة ٤٠١ هـ »(٢) .

٣ ـ وقال في ترجمة اسحاق بن الحسن بن بكران : « ابو الحسين العقرائي التمّار كثير السماع ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت علواً فلم اسمع منه شيئاً ، له كتاب الرد على الغلاة ، وكتاب نفي السهو عن النبي ، وكتاب عدد

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٣١٣ ـ ابو علي محمد بن همام البغدادي ( المتوفّى عام ٣٣٣ هـ ) وابو غالب الزراري هو مؤلف رسالة ابي غالب ( المتوفّى عام ٣٦٨ هـ ) ويروي النجاشي عنهما مع الواسطة ، كيف وقد تولد النجاشي عام ٣٧٢ هـ ، كما تقدم.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٢٠٧.

٢٨٢

الائمة »(١) .

٤ ـ وقال في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ، ثم خلط ، ورأيت جل اصحابنا يغمزونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه »(٢) .

ولعل استثناء ما ترويه الواسطة لاجل انها كانت تروي عنه حال الاستقامة والثبت ، والاعتماد على الواسطة بناء على ان عدالته تمنع عن روايته عنه ما ليس كذلك ، كذا وجّهه السيد العلاّمة الطباطبائي ، ووجهه المحدّث النوري ، بأن نقله بالواسطة كان مجرد تورع واحتياط عن اتهامه بالرواية عن المتهمين ووقوعه فيه كما وقعوا فيه(٣) .

٥ ـ وقال في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب ابو نصر المعروف بابن برنية : « كان يذكر أنّ أُمّه ام كلثوم بنت ابي جعفر محمد بن عثمان العمري سمع حديثاً كثيراً وكان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس ابي الحسين ابن الشبيه العلوي الزيدي المذهب ، فعمل له كتاباً وذكر ان الائمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين ، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي ان الائمة اثنا عشر من ولد اميرالمؤمنينعليه‌السلام . له كتاب في الإمامة ، وكتاب في اخبار ابي عمرو وأبي جعفر العمريين ، ورأيت ابا العباس ابن نوح قد عول عليه في الحكاية في كتابه اخبار الوكلاء. وكان هذا الرجل كثير الزيارات وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة اربعمائة بمشهد امير المؤمنين

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٧٨.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٥٩.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٠٤.

٢٨٣

عليه‌السلام »(١) .

قال المحدث النوري : « ولم يعتمد عليه في كتابه ، ولا ادخله في طرقه إلى الاصول والكتب لمجرد تأليفه الكتاب المذكور. قال السيد العلاّمة الطباطبائي بعدما نقل ما ذكرناه : ويستفاد من ذلك كله غاية احتراز النجاشي وتجنبه عن الضعفاء والمتهمين ، ومنه يظهر اعتماده على جميع من روى عنه من المشايخ ، ووثوقه بهم ، وسلامة مذاهبهم ورواياتهم عن الضعف والغمز ، وان ما قيل في ابي العباس ابن نوح(٢) من المذاهب الفاسدة في الاصول لا أصل له ، وهذا أصل نافع في الباب يجب ان يحفظ ويلحظ »(٣) .

٦ ـ ونقل في ترجمة عبيدالله بن ابي زيد أحمد المعروف بأبي طالب الأنباري ، عن شيخه الحسين بن عبيدالله قال : « قدم ابو طالب بغداد واجتهدت ان يمكنني اصحابنا من لقائه فاسمع منه فلم يفعلوا ذلك »(٤) . وقال المتتبع المحدث النوري : « ان ذلك يدل على امتناع علماء ذلك الوقت عن الرواية عن الضعفاء وعدم تمكينهم الناس من الاخذ عنهم ، وإلا لم يكن في رواية الثقتين الجليلين عن ابن سابور(٥) غرابة ولا للمنع من لقاء الانباري وجه ، ويشهد لذلك قولهم(٦) في مقام التضعيف : « يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء والمجاهيل » فان هذا الكلام من قائله في قوة التوثيق لكل من يروي عنه وينبه عليه ايضاً قولهم(٧) ضعفه اصحابنا او غمز عليه اصحابنا او بعض

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١١٨٥.

٢ ـ ابو العباس ابن نوح من مشايخ النجاشي.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٠٤.

٤ ـ رجال النجاشي : الرقم ٦١٧.

٥ ـ نقل ذلك في ترجمة جعفر بن مالك حيث تعجب النجاشي من نقل ابي علي ابن همام وابي غالب الزراري عنه.

٦ و ٧ ـ والظاهر افراد الضمير في الكل ، لأن البحث في النجاشي لا في كل عالم رجالي ، اللهم إلا ان يريد المحدث النوري بهذه العبارة ان هذا المسلك لا يختص بالنجاشي ، بل يعم كل من يعبر بهذه الالفاظ.

٢٨٤

اصحابنا من دون تعيين ، إذ لولا الوثوق بالكل لما حسن هذا الاطلاق ، بل وجب تعيين المضعف والغامز او التنبيه على انه من الثقات.

ويدل على ذلك اعتذارهم عن الرواية عن الطاطريين وبني فضال وامثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم ، بعمل الاصحاب برواياتهم ، لكونهم ثقات في النقل ، وعن ذكر ابن عقدة ( مع انه من الزيدية ) باختلاطه بأصحابنا وعظم محله وثقته وأمانته ، وكذا اعتذار النجاشي عن ذكره لمن لا يعتمد عليه ، بالتزامه لذكر من صنف من اصحابنا او المنتمين اليهم ، ذكر ذلك في ترجمة محمد بن عبد الملك والمفضل بن عمر »(١) .

وهذه الكلمات من الشيخ النجاشي تعرفنا بطريقته وانه كان ملتزماً بأن لا يروي إلا عن ثقة ، ولأجل ذلك يمكن أن يقال ، بل يجب ان يقال : إن عامّة مشايخه ثقات إلا من صرح بضعفه.

وقد استخرج المحدّث النوري مشايخه في المستدرك فبلغ اثنين وثلاثين ونقله العلاّمة المامقاني في خاتمة التنقيح(٢) . ونحن نذكر مشايخه على ما جمعه واستخراجه المحدث النوري ـ شكرالله سعيه ـ.

مشايخ النجاشي كما استخرجهم النوري

١ ـ الشيخ المفيد وهو المراد بقوله : شيخنا ابو عبدالله.

٢ ـ ابو الفرج الكاتب محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة القنائي ، الذي وثقه في الكتاب واثنى عليه.

٣ ـ ابو عبدالله محمد بن علي بن شاذان القزويني ، الذي اكثر رواياته عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٠٤.

٢ ـ تنقيح المقال : ٢ / ٩٠.

٢٨٥

٤ ـ ابو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفامي القمّي.

٥ ـ القاضي ابو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي.

٦ ـ محمد بن جعفر الأديب وقد يعبّر عنه بـ « المؤدب » و « القمي » و « التميمي » و « النحوي ».

٧ ـ ابو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي الذي صرح بأنه شيخه ومستنده ومن استفاد منه.

٨ ـ ابو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى بن الجراح المعروف بابن الجندي.

٩ ـ ابو عبدالله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز.

١٠ ـ ابو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري المعروف.

١١ ـ أحمد بن محمد بن عبدالله الجعفي ، الذي يروي غالباً عن أحمد بن محمد بن عقدة الحافظ.

١٢ ـ ابو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الاهوازي المعروف بابن الصلت الذي هو من مشايخ الشيخ.

١٣ ـ والده علي بن أحمد بن علي بن العباس النجاشي.

١٤ ـ ابو الحسين علي بن أحمد بن ابي جيد القمي.

١٥ ـ ابو القاسم علي بن شبل بن اسد الملقب بالوكيل وهو من مشايخ الشيخ.

١٦ ـ القاضي ابو الحسن علي بن محمد بن يوسف.

١٧ ـ الحسن بن أحمد بن إبراهيم.

٢٨٦

١٨ ـ ابو محمد الحسن بن أحمد بن الهيثم العجلي الذي قال فيه « انه من وجوه اصحابنا ».

١٩ ـ ابو عبدالله الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري ، الذي هو من اجلاء شيوخ الشيخ.

٢٠ ـ ابو عبدالله الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخزاز المعروف بابن الخمري.

٢١ ـ ابو عبدالله الحسين بن أحمد بن موسى بن هدية.

٢٢ ـ القاضي ابو اسحاق إبراهيم بن مخلّد بن جعفر.

٢٣ ـ ابو الحسن اسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحرّاني.

٢٤ ـ ابو الخير الموصلي سلامة بن ذكا وهو من رجال التلعكبري.

٢٥ ـ ابو الحسن العباس بن عمر بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن ابي مروان الكلوذاني المعروف بابن المروان ، الذي اكثر رواياته عن علي ابن بابويه.

٢٦ ـ ابو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبدالله البصري.

٢٧ ـ ابو محمد عبدالله بن محمد بن محمد بن عبدالله الدعجلي.

٢٨ ـ عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي.

٢٩ ـ ابو محمد هارون بن موسى التلعكبري.

٣٠ ـ ابو جعفر او ابو الحسين محمد هارون التلعكبري.

٣١ ـ ابو الحسين أحمد بن محمد بن علي الكوفي الكاتب الذي روى

٢٨٧

عنه السيد الأجل المرتضى.

٣٢ ـ ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحّام(١) .

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٠٢ ـ ٥٠٣ ـ وسقط فيه كـ : « ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى ».

٢٨٨

٤ ـ كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بلا

واسطة في « نوادر الحكمة »

٢٨٩
٢٩٠

ولتوضيح هذا النوع من التوثيق نقدم مقدمة وهي : أن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي الذي يعد من اجلاء الأصحاب ، قد ألَّف كتاباً اسماه « نوادر الحكمة » وهو يشتمل على كتب اولها كتاب التوحيد واخرها كتاب القضايا والأحكام كما ذكره الشيخ في الفهرست(١) .

والنجاشي يصف الكتاب بقوله : « لمحمد بن أحمد بن يحيى كتب منها كتاب « نوادر الحكمة » وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميون بـ « دبّة شبيب » قال : وشبيب فامي كان بقم له دبة ذات بيوت ، يعطي منها ما يطلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بذلك ».

ويعرف شخصية بقوله : « محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي كان ثقة في الحديث ، إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن اخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد(٢) يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما

__________________

١ ـ فهرست الشيخ : ١٧٠ ـ ١٧١.

٢ ـ محمد بن الحسن بن الوليد القمي ، جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به ، له كتب راجع فهرس الشيخ : ١٤٨ ـ وقال النجاشي في رجاله : « محمد بن الحسن بن أحمد بن وليد ابو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ويقال انه نزيل قم وما كان

٢٩١

رواه عن ١ ـ محمد بن موسى الهمداني ، ٢ ـ او ما رواه عن رجل. ٣ ـ او يقول بعض اصحابنا ٤ ـ او عن محمد بن يحيى المعاذي ٥ ـ او عن ابي عبدالله الرازي الجاموراني ٦ ـ او عن ابي عبدالله السياري ٧ ـ او عن يوسف بن السخت ٨ ـ او عن وهب بن منبه ٩ ـ او عن ابي علي النيشابوري ١٠ ـ او عن ابي يحيى الواسطي ١١ ـ او عن محمد بن علي ابي سمينة ١٢ ـ او يقول في حديث او كتاب ولم أروه ١٣ ـ او عن سهل بن زياد الآدمي ١٤ ـ او عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ١٥ ـ او عن أحمد بن هلال ١٦ ـ او محمد بن علي الهمداني ١٧ ـ او عبدالله بن محمد الشامي ١٨ ـ او عبدالله بن أحمد الرازي ١٩ ـ او أحمد بن الحسين بن سعيد ٢٠ ـ او أحمد بن بشير الرقي ٢١ ـ او عن محمد بن هارون ٢٢ ـ او عن مموية بن معروف ٢٣ ـ او عن محمد بن عبدالله بن مهران ٢٤ ـ او ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي ٢٥ ـ وما يرويه عن جعفر بن محمد بن مالك ٢٦ ـ او يوسف بن الحارث ٢٧ ـ او عبدالله بن محمد الدمشقي(١) .

طبقته في الحديث

يروي هو عن مشايخ كثيرة ، منهم ابن ابي عمير ( المتوفّى عام ٢١٧ هـ ) وأحمد بن ابي نصر البزنطي ( المتوفّى عام ٢٢١ هـ ) وأحمد بن خالد البرقي ( المتوفّى عام ٢٧٤ هـ أو ٢٨٠ هـ ).

ويروي عنه أحمد بن ادريس الأشعري ( المتوفّى عام ٣٠٦ هـ ) وسعد بن عبدالله القمي ( المتوفّى عام ٢٩٩ هـ أو ٣٠١ هـ ).

__________________

اصله منها ، ثقة ثقة عين مسكون اليه مات سنة ٣٤٣ هـ » اقول : وهو شيخ الصدوق الذي قال في حقه انه يسكن اليه في تصحيحاته وتضعيفاته ، فكل ما صححه ابن الوليد فهو صحيح وما ضعفه فهو ضعيف. لاحظ الفقيه ج ٢ باب صوم التطوع وثوابه من الايام المتفرقة ، ذيل الحديث ٢٤١.

١ ـ استثنى ابن الوليد هؤلاء الجماعة من مشايخ مؤلف نوادرالحكمة ومعناه ان غير هؤلاء الواردين في ذلك الكتاب ممن روى عنهم بلا واسطة محكوم بالصحة « رجال النجاشي : الرقم ٩٣٩ ».

٢٩٢

والرجل من اساتذة الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث.

وزاد الشيخ في الفهرس : ٢٨ ـ جعفر بن محمد الكوفي ٢٩ ـ والهيثم بن عدي.

غير ان ابا العباس بن نوح قال : « وقد اصاب شيخنا ابو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه ابو جعفر بن بابويهرحمه‌الله على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا ادري ما رابه فيه(١) ، لانه كان على ظاهر العدالة والثقة »(٢) .

فاستدلوا بأن في استثناء المذكورين وبالاخص بالنظر إلى ما ذكره ابن نوح في حق محمد بن عيسى بن عبيد الذي يدل على التزامهم باحراز العدالة في الراوي ، شهادة على عدالة كل من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم تستثن روايته(٣) .

وباختصار قالوا باعتبار كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى إذا لم يكن ممن استثناه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد عنه ، فان اقتصار ابن الوليد على ما ذكره من موارد الاستثناء يكشف عن اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد غير الموارد المذكورة. والتصحيح والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة لا كل من جاء اسمه في اسناد ذلك الكتاب منتهياً إلى الإمام.

نظرنا في الموضوع

يستفاد من هذه الكلمات ان مشايخه في الحديث المذكورين في رجال

__________________

١ ـ في بعض النسخ « رايه » والظاهر ما اثبتناه من الريب بمعنى الشك ، أي ما الذي اوجد الشك في حقه.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩٣٩.

٣ ـ لاحظ تكملة الوحيد البهبهاني وغيره.

٢٩٣

نوادر الحكمة غير من استثنى ، محكوم بالوثاقة والعدالة عند هؤلاء الثلاثة ( أعني ابن الوليد وابن نوح والصدوق لأجل اعتماد الاخير على تعديل ابن الوليد وجرحه في عامة الموارد ) وتوثيقاتهم حجَّة ما لم تعارض بتضعيف آخر.

وربما يورد عليه بأن اعتماد ابن الوليد أو غيره من الاعلام المتقدمين ، فضلا عن المتأخرين ، على رواية شخص والحكم بصحتها لا يكشف عن وثاقة الراوي او حسنه ، وذلك لاحتمال أن الحاكم بالصحة يعتمد على أصالة العدالة ، ويرى حجيَّة كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجية خبره(١) .

ولا يخفى أن ما ذكره من الاحتمال لا يوافق ما نقله النجاشي في رجاله عن ابن نوح ، فانه قد اعترض على ابن الوليد في استثناء محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال : « لا أدري ما رابه فيه ـ أي ما هو السبب الذي أوقعه في الشك فيه ـ لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة » والمتبادر من العبارة أن الباقين ممَّن قد اُحرزت عدالتهم ووثاقتهم ، لا أن عدالتهم كانت محرزة بأصالة العدالة.

وأضعف من ذلك ما ذكره « لعله كان يرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق » فان هذا الاحتمال لا يناسب العبارة.

ويوضح هذا النظر ما ذكره الصدوق في مورد من الفقيه حيث قال : « كان شيخنا محمد بن الحسن لا يصحح خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه ، ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذّاباً غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخقدس‌سره ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ».

وقال أيضا : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٨٦ ، طبعة النجف ، والصفحة ٧٤ ، طبعة بيروت.

٢٩٤

الله عنه ) سيّئ الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي ، راوي هذا الحديث ، وإني قد أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي »(١) .

فان هذه التعابير تشعر بأن توصيف الباقين بالوثاقة ، والمستثنين بالضعف كان بالاحراز لا بالاعتماد على أصالة العدالة في كل راو أو على القول بحجية قول كل من لم يظهر منه فسق.

أضف اليه أنه لو كان المناط في صحة الرواية هذين الاصلين ، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق او تضعيف شيخه ابن الوليد ، لأن نسبة الاصل إلى الاستاذ والتلميذ سواسية.

هذا وإن العلاّمة المامقاني نقل عن الحاوي : أن استثناء اولئك الجمع لا يقتضي الطعن فيهم ، لأن رد الرواية أعمّ من الطعن لا سيما محمد بن عيسى حيث قبل روايته باسناد غير منقطع(٢) .

والظاهر خلافه ، ولاجل كون الاستثناء دليلا على الطعن تعجب ابن نوح استثناء محمد بن عيسى بن عبيد ، مع كونه ظاهر العدالة والوثاقة. نعم لم يرد رواية محمد بن عيسى مطلقاً إلا فيما إذا كانت اسنادها منقطعة.

هذا وان صاحب « قاموس الرجال » فسر « انقطاع الاسناد » بما إذا كان متفرداً بالرواية ولم يشاركه فيها غيره ، واستشهد على ذلك بقول ابن الوليد في موضع اخر ، قال في كتب يونس : « ما لم يتفرد محمد بن عيسى بروايتها عنه ، صحيحة وليس محمد بن عيسى متفرداً بهذا الشرط بل روايات الحسن

__________________

١ ـ عيون أخبار الرضا : ج ٢ ، باب في ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المنثورة ، ذيل الحديث ٤٥ ، طبع طهران.

٢ ـ تنقيح المقال : ٢ / ٧٦ ، في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري القمي.

٢٩٥

اللؤلؤي ومحمد بن أورمة كذلك »(١) .

وهذا التوجيه مما يأباه ظاهر العبارة أعني قوله : « منقطع الاسناد » والظاهر هو انقطاع الاسناد بين محمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن عيسى ولاجل ذلك يروي النجاشي كتب محمد بن عيسى بن عبيد عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن الحميري ، عن محمد بن عيسى بن عبيد(٢) .

وقد اضاف الشيخ إلى « منقطع الاسناد » قوله « يتفرد به » وهذا يدل على تغايرهما. وعلى كل تقدير فبعض اولئك المستثنين كالحسن اللؤلؤي ممن وثقه النجاشي ، ولابد من اعمال قواعد التعارض في التوثيق والتضعيف.

وعلى كل تقدير فكون الرجل من مشايخ مؤلف كتاب « نوادر الحكمة » يورث الظن او الاطمئنان بوثاقته إذا لم يكن أحد هؤلاء المستثنين ، فلاحظ.

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ٨ / ٤١.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٨٩٦.

٢٩٦

٥ ـ ما وقع في اسناد كتاب « كامل الزيارات »

٢٩٧
٢٩٨

لا شك ان مؤلف كامل الزيارات ( وهو الشيخ الاقدم والفقيه المقدم الشيخ ابو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه المتوفي سنة ٣٦٧ او ٣٦٩ على احتمال ، والمدفون بالكاظمية في الرواق الشريف ، وفي محاذاة تلميذه الشيخ المفيد ) احد اجلاء الاصحاب في الحديث والفقه ، ووصفه النجاشي(١) في رجاله بانه من ثقات اصحابنا واجلائهم في الفقه والحديث ، وتوارد عليه النص بالوثاقة في فهرس الشيخ(٢) والوجيزة ، والبحار ، وبلغة الرجال للشيخ سليمان الماحوزي ، والمشتركات للشيخ فخر الدين الطريحي ، والمشتركات للكاظمي ، والوسائل ، ومنتهى المقال للشيخ أبي علي ، في ترجمة أخيه ، والسيد رضي الدين ابن طاوس وغيرهم من الاعلام(٣) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٣١٨ ، وقال : كل ما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه ، وله كتب حسان.

٢ ـ الفهرست : الرقم ١٤١ ، وذكر الشيخ في رجاله انه مات سنة ٣٦٨ هـ ، وقال العلاّمة في الخلاصة : انه مات سنة ٣٦٩ هـ ويحتمل كون التسع مصحف « السبع ».

٣ ـ لاحظ مقدمة كامل الزيارات بقلم العلاّمة محمد علي الغروي الاردوبادي ، فقد حقق احوال المترجم ونقل عبائر العلماء في حقه ، وقال النجاشي : « روى عن ابيه واخيه عن سعد » ومراده سعد بن عبدالله الاشعري القمي ( المتوفّى ٣٠١ هـ وقيل ٢٩٩ هـ ) ولم يرو هو عن سعد إلا حديثين كما في رجال النجاشي في ترجمة سعد الرقم ٤٦٧ ، او اربعة احاديث كما في ترجمة نفسه ، الرقم ٣١٨.

٢٩٩

وكتابه هذا من أهم كتب الطائفة وأصولها المعتمد عليها في الحديث ، أخذ منه الشيخ في التهذيب وغيره من المحدّثين ، وهو من مصادر الشيخ الحر العاملي في وسائله ، وعدَّه فيه من الكتب المعتمدة التي شهد بصحتها مؤلفوها وقامت القرائن على ثبوتها ، وعلم بصحة نسبتها اليه ، وذكره النجاشي في رجاله بعنوان كتاب « الزيارات » كما ذكره الشيخ في الفهرس بعنوان « جامع الزيارات » وعبَّر عنه في بقية الكتب باسم « كامل الزيارة ».

وهوقدس‌سره ذكر في مقدّمة كتابه ما دعاه إلى تصنيف كتابه في هذا الموضوع ، ثم قال : « ولم اُخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات الله عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكن ما وقع لنا من جهة الثّقات من أصحابنا ـرحمهم‌الله برحمته ـ ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين ، غير المعروفين بالرواية ، المشهورين بالحديث والعلم ، وسمَّيته كتاب « كامل الزيارات » وفضلها وثواب ذلك »(١) .

وربما يستظهر من هذه العبارة أن جميع الرواة المذكورين في أسناد أحاديث ذلك الكتاب ممَّن روي عنهم إلى أن يصل إلى الإمام من الثقات عند المؤلف ، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في الموضوعات يعدّ كل من جاء في أسناد هذا الكتاب من الثقات بشهادة الثقة العدل ابن قولويه.

وقد وضع الشيخ الفاضل محمّد رضا عرفانيان فهرساً في هذا الموضوع فاستخرج أسامي كل من ورد فيها فبلغت ٣٨٨ شخصاً.

وقد أشار بما ذكرنا الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة السادسة من خاتمة الكتاب وقال : « وقد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره ، وأنها

__________________

١ ـ مقدمة كامل الزيارات : ٤.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530