كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149003 / تحميل: 5391
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإن أراد البيع ولا حاكم هناك ، استقلّ به ، فإن كان فوجهان لهم ، أحدهما : جواز الاستقلال ؛ لأنّه نائب عن المالك في الحفظ ، فكذا في البيع(١) .

مسألة ٣٩٤ : لو وجد بعيراً في أيّام منى في الصحراء مقلَّداً كما يُقلَّد الهدي ، لم يجز أخذه ؛ لأنّه لا يجوز مع عدم التقليد فمعه أولى.

وقال الشافعي : يأخذه ويُعرّفه أيّام منى ، فإن خاف أن يفوته وقت النحر نحره ، والأولى عنده أن يرفع إلى الحاكم حتى يأمره بنحره(٢) .

ونقل بعضهم قولاً آخَر : إنّه لا يجوز أخذه(٣) ، كما ذهبنا إليه.

ثمّ بنوا القولين على القولين فيما إذا وجد بدنة منحورة غمس ما قُلّدت به في دمها وضرب صفحة سنامها ، هل يجوز الأكل منها؟ فإن منعنا الأكل ، منعنا الأخذ هنا ، وإن جوّزنا الأكل اعتماداً على العلامة ، فكذا التقليد علامة كون البعير هدياً ، والظاهر أنّ تخلّفه كان لضعفه عن المسير ، والأُضحية المعيّنة إذا ذُبحت في وقت النحر وقع في موقعه وإن لم يأذن صاحبها(٤) .

قال الجويني : لكن ذبح الضحيّة وإن وقع في موقعه لا يجوز الإقدام عليه من غير إذنٍ(٥) .

وجوّز بعض الشافعيّة الأخذ والنحر(٦) .

ولهذا الإشكال ذهب القفّال تفريعاً على هذا القول أنّه يجب رفع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٦.

(٢) البيان ٧ : ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦.

٣٠١

الأمر إلى الحاكم لينحره(١) .

وهذا ليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الأخذ الممنوع منه إنّما هو الأخذ للتملّك ، ولا شكّ أنّ هذا البعير لا يؤخذ للتملّك.

المطلب الثاني : في الملتقط.

مسألة ٣٩٥ : يصحّ أخذ الضالّة في موضع الجواز لكلّ بالغٍ عاقلٍ.

ولو أخذه في موضع المنع ، لم يجز ، وضمنه ، إماماً كان أو غيره ؛ لأنّه أخذ ملك غيره بغير إذنه ، ولا أذن الشارع له ، فهو كالغاصب.

وهذا الفرض في الإمام عندنا باطل ؛ لأنّه معصوم.

أمّا عند العامّة الذين لم يوجبوا عصمة إمامهم فإنّه قد يُفرض.

وكذا يُفرض عندنا في نائب الإمام.

وكذا يجوز للصبي والمجنون أخذ الضوالّ ؛ لأنّه اكتساب ، وينتزع الوليّ ذلك من يدهما ، ويتولّى التعريف عنهما سنةً ، فإن لم يأت له مالك تملّكاه وضمناه بتمليك الوليّ لهما وتضمينهما إيّاه إن رأى الغبطة في ذلك ، وإن لم يكن في تمليكهما غبطة ، أبقاها أمانةً.

مسألة ٣٩٦ : الأقرب : عدم اشتراط الحُرّيّة ، فيجوز للعبد القِنّ والمدبَّر والمكاتَب وأُمّ الولد والمعتق بعضه التقاطُ الضوالّ في موضع الجواز ؛ لأنّه اكتساب وهؤلاء من أهله وهُمْ أهلٌ للحفظ.

والأقرب : إنّه لا يشترط الإسلام ولا العدالة ، فيجوز للكافر أخذ الضالّة ، وكذا للفاسق ؛ لأنّه اكتساب وهُما من أهله.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

٣٠٢

وقال الشافعي : لا يجوز لغير الإمام وغير نائبه أخذ الضوالّ للحفظ لصاحبها ، فإن أخذها غير الامام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لزمه الضمان ؛ لأنّه لا ولاية له على صاحبها(١) .

ولأصحابه وجهٌ آخَر : إنّه يجوز أخذها لحفظها قياساً على الإمام(٢) .

واحتجّ بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنَع من أخذها من غير أن يفرّق بين قاصد الحفظ وقاصد الالتقاط ، والقياس على الإمام باطل ؛ لأنّ له ولايةً ، وهذا لا ولاية له(٣) .

ونحن نقول بموجبه في موضع المنع من أخذها.

أمّا لو وجدها في موضعٍ يخاف عليها فيه ، مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب على الظنّ افتراس الأسد لها إن تركها فيه ، أو وجدها قريبةً من دار الحرب يخاف عليها من أهلها ، أو في موضعٍ يستحلّ أهله أخذ أموال المسلمين ، أو في برّيّة لا ماء بها ولا مرعى ، فالأولى جواز الأخذ للحفظ ، ولا ضمان على آخذها ؛ لما فيه من إنقاذها من الهلاك ، فأشبه تخليصها من غرقٍ أو حرقٍ ، وإذا حصلت في يده سلّمها إلى بيت المال ، وبرئ من ضمانها ، وله التملّك مع الضمان ؛ لأنّ الشارع نبّه على علّة عدم التملّك لها بأنّها محفوظة ، فإذا كانت في المهلكة انتفت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ - ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦٠ - ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ و ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٣) راجع : المغني ٦ : ٣٩٩ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

٣٠٣

العلّة.

مسألة ٣٩٧ : لو ترك دابّة بمهلكةٍ فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلّصها ، تملّكها - وبه قال الليث والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق(١) - إلّا أن يكون تركها بنيّة العود إليها فأخذها ، أو كانت قد ضلّت منه ؛ لما رواه العامّة عن الشعبي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ وجد دابّةً قد عجز عنها أهلها فسيّبوها فأخذها فأحياها فهي له »(٢) .

وفي لفظٍ آخَر عن الشعبي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ ترك دابّةً بمهلكةٍ فأحياها رجل فهي لمَنْ أحياها »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت وقامت وسيّبها صاحبها لـمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشي‌ء المباح »(٤) .

ولأنّ القول بملكها يتضمّن إحياءها وإنقاذها من الهلاك ، وحفظاً للمال عن الضياع ، ومحافظةً على حرمة الحيوان ، وفي القول بعدم الملك‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٠ - ١٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٩ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٤.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٧ / ٣٥٢٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٦٨ / ٢٥٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٨ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٨ / ٣٥٢٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٨ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٦ ، الهامش (٤)

٣٠٤

تضييع ذلك كلّه من غير مصلحةٍ تحصل ، ولأنّ مالكه نبذه رغبةً عنه وعجزاً عن أخذه ، فمَلَكه آخذه ، كالمتساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبةً عنه وزهداً فيه.

المطلب الثالث : في الأحكام.

مسألة ٣٩٨ : يجوز للإمام ونائبه أخذ الضالّة على وجه الحفظ لصاحبه ، ثمّ يرسله في الحمى الذي حماه الإمام لخيل المجاهدين والضوالّ ؛ لأنّ للإمام نظراً في حفظ مال الغائب ، وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ، ثمّ يُعرّفها حولاً ، فإن جاء صاحبها ، وإلّا بقيت في الحمى.

وقال أحمد : لا يلزمه تعريفها ؛ لأنّ عمر لم يكن يُعرّف الضوالّ(١) .

وفعل عمر ليس حجّةً.

وإذا عرف إنسان دابّته ، أقام البيّنة عليها وأخذها ، ولا يكفي وصفها ؛ لأنّها ظاهرة بين الناس يعرف صفاتها غير أهلها ، فلا تكون الصفة(٢) لها دليلاً على ملكه لها ، ولأنّ الضالّة قد كانت ظاهرةً للناس حين كانت في يد مالكها ، فلا يختصّ هو بمعرفة صفاتها دون غيره ، ويمكنه إقامة البيّنة عليها ؛ لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه بملكه إيّاها.

مسألة ٣٩٩ : الأقرب عندي : إنّه يجوز لكلّ أحدٍ أخذ الضالّة ، صغيرةً كانت أو كبيرةً ، ممتنعةً عن السباع أو غير ممتنعةٍ ، بقصد الحفظ لمالكها ، والأحاديث(٣) الواردة في النهي عن ذلك محمولة على ما إذا نوى بالالتقاط‌

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٢) في « ث ، خ ، ر » : « الصفات ».

(٣) منها : ما تقدّم تخريجه في الهامش (١) من ص ١٦٦.

٣٠٥

التملّك إمّا قبل التعريف أو بعده ، أمّا مع نيّة الاحتفاظ فالأولى الجواز ، كما أنّه لا يجوز للإمام ولا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملّك.

مسألة ٤٠٠ : ما يحصل عند الإمام من الضوالّ فإنّه يُشهد عليها ويَسِمها بوَسْم أنّها ضالّة.

ثمّ إن كان له حمى ، تركها فيه إن رأى المصلحة في ذلك ، وإن رأى المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمى ، باعها بعد أن يصفها ويحفظ صفاتها ، ويحفظ ثمنها لصاحبها ، فإنّ ذلك أحفظ لها ؛ لأنّ في تركها ضرراً على مالكها ؛ لإفضائه إلى أن تأكل جميع ثمنها.

وأمّا غير الإمام ونائبه إذا التقط الضالّة ولم يجد سلطاناً يُنفق عليها ، أنفق من نفسه ، ويرجع مع نيّة الرجوع.

وقيل : لا يرجع ؛ لأنّ عليه الحفظَ ، ولا يتمّ إلّا بالإنفاق(١) .

والأوّل أقرب ؛ دفعاً لتوجّه الضرر بالالتقاط.

ولا يبعد من الصواب التفصيلُ ، فإن كان قد نوى التملّك قبل التعريف أو بعده ، أنفق من ماله ، ولا رجوع ؛ لأنّه فَعَل ذلك لنفعه ، وإن نوى الحفظ دائماً ، رجع مع الإشهاد إن تمكّن ، وإلّا فمع نيّته.

ولو كان للّقطة نفعٌ كالظهر للركوب ، أو الحمل أو اللبن أو الخدمة ، قال الشيخرحمه‌الله : يكون ذلك بإزاء ما أنفق(٢) .

والأقرب : أن ينظر في قدر النفقة وقيمة المنفعة ، ويتقاصّان.

مسألة ٤٠١ : لا يضمن الضالّة بعد الحول إلّا مع قصد التملّك.

ولو قصد حفظها دائماً ، لم يضمن ، كما في لقطة الأموال ، إلّا مع‌

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٣ : ٢٩٠.

(٢) النهاية : ٣٢٤.

٣٠٦

التفريط أو التعدّي.

ولو قصد التملّك ، ضمن ، فإن نوى الحفظ بعد ذلك ، لم يبرأ من الضمان ؛ لأنّه قد تعلّق الضمان بذمّته ، كما لو تعدّى في الوديعة ثمّ نوى الحفظ.

ولو قصد الحفظ ثمّ نوى التملّك ، لزمه الضمان من حين نيّة التملّك.

مسألة ٤٠٢ : لو وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً ، لم يجز له أخذه ؛ لأنّه كالضالّة الممتنعة يتمكّن من دفع المؤذيات عنه.

ولو كان صغيراً ، كان له أخذه ؛ لأنّه في معرض التلف ، والمال إذا كان بهذه الحال جاز أخذه ، وهو نوع منه.

وإذا أخذ عبداً صغيراً للحفظ ، لم يدفع إلى مدّعيه إلّا بالبيّنة ، ولا تكفي الشهادة على شهود الأصل بالوصف ؛ لاحتمال الشركة في الأوصاف ، بل يجب إحضار شهود الأصل ليشهدوا بالعين ، فإن تعذّر إحضارهم لم يجب نقل العبد إلى بلدهم ولا بيعه على مَنْ يحمله ، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحاً جاز ، ولو تلف قبل الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه ، ضمن المدّعي قيمة العبد وأجره.

مسألة ٤٠٣ : لو ترك متاعاً في مهلكةٍ فخلّصه إنسان ، لم يملكه ؛ لأنّه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية على الحيوان ، فإنّ الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع ، والمتاع يبقى إلى أن يعود مالكه إليه.

ولو كان المتروك عبداً ، لم يملكه آخذه ؛ لأنّ العبد في العادة يمكنه التخلّص إلى الأماكن التي يعيش فيها ، بخلاف البهيمة.

وله أخذ العبد والمتاع ليخلّصه لصاحبه.

وهل يستحقّ الأُجرة عن تخليص العبد أو المتاع؟ الوجه : إنّه لا يستحقّ إلّا مع الجُعْل ؛ لأنّه عمل في مال غيره بغير جُعْلٍ ، فلم يستحق شيئاً ، كالملتقط.

٣٠٧

وقال أحمد : يستحقّ الجُعْل(١) . وليس بجيّدٍ.

مسألة ٤٠٤ : ما يلقيه رُكْبان البحر فيه من السفينة خوفاً من الغرق إذا أخرجه غير مالكه ، فالأقرب : إنّه للمُخرج ، وبه قال الليث بن سعد والحسن البصري [ قال : ](٢) وما نضب عنه الماء فهو لأهله(٣) .

وقال ابن المنذر : يردّه على أربابه ، ولا جُعْل له(٤) ، وهو مقتضى قول الشافعي(٥) .

ويتخرّج على قول أحمد : إنّ لمن أنقذه أُجرة مثله(٦) .

والأقرب : ما قدّمناه ؛ لأنّه مال ألقاه أربابه فيما يتلف بتركه فيه اختياراً منهم ، فمَلَكه مَنْ أخرجه ، كالمنبوذ بنيّة الإعراض عن تملّكه.

ولو انكسرت السفينة في البحر فأُخرج بعض المتاع الذي فيها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، روى الشعيري فيه أنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن ذلك ، فقال : « أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهُمْ أحقّ به »(٧) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٥.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني والشرح الكبير ، وهو مقتضى ما في الإشراف على مذاهب أهل العلم.

(٣ و ٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦١ ، المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٥) كما في المغني ٦ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٦) المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٧ ، الهامش (٣)

٣٠٨

وقال الشافعي وابن المنذر : إذا انكسرت السفينة فأخرجه قوم ، يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ، ولا شي‌ء للّذين أصابوه(١) .

وعلى قياس قول أحمد يكون لمستخرجه أُجرة المثل ؛ لأنّ ذلك وسيلة إلى تحصيله(٢) وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق ، فإنّ الغوّاص إذا علم أنّه يُدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ، وإن علم أنّه يؤخذ منه بغير شي‌ءٍ لم يخاطر بنفسه في استخراجه(٣) .

مسألة ٤٠٥ : قد بيّنّا أنّه يجوز للإنسان أن يلتقط العبد الصغير وكذا الجارية الصغيرة ، ويُملك كلٌّ منهما بعد التعريف.

وقياس مذهب أحمد : إنّه لا يُملكان بالتعريف(٤) .

وقال الشافعي : يملك العبد دون الجارية ؛ لأنّ التملّك بالتعريف - عنده - كالقرض ، والجارية - عنده - لا تُملك بالقرض(٥) .

واستشكل بعض العامّة ذلك ؛ فإنّ الملقوط محكوم بحُرّيّته ، وإن كان ممّن يعبّر عن نفسه فأقرّ بأنّه مملوك لم يُقبل إقراره ؛ لأنّ الطفل لا قول له ، ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريف سيّده(٦) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦ - ٣٥٧.

(٢) الظاهر : « تخليصه ».

(٣) كما في المغني ٦ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٤) كما في المغني ٦ : ٤٠٢ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٩ ، البيان ٧ : ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٧ ، المغني ٦ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٦) المغني ٦ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

٣٠٩

الفصل الثالث : في اللقيط‌

وفيه مطالب :

الأوّل : الأركان.

اللقيط كلّ صبي ضائع لا كافل له ، ويُسمّى منبوذاً باعتبار أنّه يُنبذ ، أي يرمى ، ويُسمّى لقيطاً ، أي ملقوطاً ، واللقيط فعيل بمعنى مفعول ، كما يقال : دهين وخضيب وجريح وطريح ، وإنّما هو مدهون ومخضوب ومجروح ومطروح ، ويُسمّى ملقوطاً باعتبار أنّه يُلقط.

إذا عرفت هذا ، فالأركان ثلاثة :

الأوّل : الالتقاط.

وهو واجب على الكفاية ؛ لاشتماله على صيانة النفس عن الهلاك ، وفي تركه إتلاف النفس المحترمة ، وقد قال الله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (١) .

ولأنّ فيه إحياء النفس فكان واجباً ، كإطعام المضطرّ وإنجائه من الغرق ، وقد قال الله تعالى :( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً ) (٢) وقال تعالى :( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٣) .

ووجد سُنَين أبو جميلة منبوذاً فجاء به إلى عمر بن الخطّاب ، فقال :

____________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) سورة المائدة : ٣٢.

(٣) سورة الحجّ : ٧٧.

٣١٠

ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال : وجدتُها ضائعةً فأخذتُها ، فقال عريفه : إنّه رجل صالح ، فقال : كذلك؟ قال : نعم ، قال : اذهب فهو حُرٌّ ، ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته(١) .

وهذا الخبر عندنا لا يُعوّل عليه ، والولاء عندنا لمن يتولّاه الملتقط ، فإن لم يتوال أحداً ، كان ميراثه للإمام.

وليس أخذ اللقيط واجباً على الأعيان بالإجماع وأصالة البراءة ، ولئلّا تتضادّ الأحكام ، ولأنّ الغرض الحفظ والتربية ، وذلك يحصل بأيّ واحدٍ اتّفق ، بل هو من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ولو تركه الجماعة بأسرهم أثموا بأجمعهم إذا علموا به وتركوه مع إمكان أخذه.

مسألة ٤٠٦ : ويستحبّ الإشهاد على أخذه ؛ لأنّه أصون وأحفظ ، لأنّه يحتاج إلى حفظ الحُرّيّة والنسب ، ولأنّ اللّقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط.

وللشافعيّة طريقان ، أحدهما : إنّه على وجهين أو قولين كما قدّمنا في اللّقطة ، والأصح : القطع بالوجوب ، بخلاف اللّقطة ، فإنّ الأصحّ فيها الاستحباب ؛ لأنّ اللقيط يحتاج إلى حفظ الحُرّيّة والنسب ، فجاز أن يجب الإشهاد عليه كما في النكاح(٢) .

والأصل عندنا ممنوع.

وحكى الجويني وجهاً ثالثاً هو : الفرق ، فإن كان الملتقط على ظاهر العدالة لم يكلّف الإشهاد ، وإن كان مستور العدالة كُلّف ليصير الإشهاد قرينةً‌

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧٣٨ / ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٧.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، البيان ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٣.

٣١١

تغلب على الظنّ الثقة(١) .

وإذا أوجبنا الإشهاد فلو تركه لم تسقط ولاية الحضانة.

وقال الشافعي : تسقط ولاية الحضانة ، ويجوز الانتزاع(٢) .

وإذا أشهد فليشهد على الملتقط وما معه من ثيابٍ وغيرها إن كان معه شي‌ء.

الركن الثاني : اللقيط.

وقد ذكرنا أنّه كلّ صبي ضائع لا كافل له ، والتقاطه من فروض الكفايات ، فيخرج بقيد الصبي البالغ ، فإنّه مستغنٍ عن الحضانة والتعهّد ، فلا معنى لالتقاطه.

نعم ، لو وقع في معرض هلاكٍ ، أُعين ليتخلّص.

أمّا الصبي الذي بلغ سنّ التمييز فالأقرب : جواز التقاطه ؛ لحاجته إلى التعهّد والتربية ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّه لا يلتقط ؛ لأنّه مستقلٌّ ممتنع ، كضالّة الإبل ، فلا يتولّى أمره إلّا الحاكم(٣) .

وقولنا : « ضائع » نريد به المنبوذ ؛ لأنّ غير المنبوذ يحفظه أبوه أو جدّه لأبيه أو الوصي لأحدهما ، فإن لم يكن أحد هؤلاء ، نصب القاضي له مَنْ يراعيه ويحفظه ويتسلّمه ؛ لأنّه كان له كافل معلوم ، وهو أبوه أو جدّه أو وصيّهما ، فإذا فقد قام القاضي مقامه ، كما أنّه يقوم لحفظ مال الغائبين والمفقودين ، أمّا المنبوذ فإنّه يشبه اللّقطة ولهذا يُسمّى لقيطاً فلم يختصّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩.

(٢) الوسيط ٤ : ٣٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٤.

٣١٢

حفظه بالقاضي.

وقولنا : « لا كافل له » نريد به مَنْ لا أب له ولا جدّ للأب ومَنْ يقوم مقامهما ، والملتَقَط ممّن هو في حضانة أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه.

نعم ، لو وُجد في مضيعةٍ أُخذ ليُردّ إلى حاضنه.

الركن الثالث : الملتقِط.

مسألة ٤٠٧ : يعتبر في الملتقِط التكليف والحُرّيّة والإسلام والعدالة ، فلا يصحّ التقاط الصبي ولا المجنون.

ولو كان الجنون يعتوره أدواراً ، أخذه الحاكم من عنده ، كما يأخذه لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي.

وأمّا العبد فليس له الالتقاط ؛ لأنّ منافعه ملك سيّده ، فليس له صَرفها إلى غيره إلّا بإذنه ، ولأنّ الالتقاط تبرّعٌ والعبد ليس من أهله ؛ إذ أوقاته مشغولة بخدمة مولاه.

ولو أذن له السيّد أو علم به فأقرّه في يده ، جاز ، وكان السيّد في الحقيقة هو الملتقِط ، والعبد نائبه قد استعان به عليه في الأخذ والتربية والحضانة ، فصار كما لو التقطه سيّده وسلّمه إليه.

وإذا أذن له السيّد ، لم يكن له الرجوع في ذلك.

أمّا لو كان الطفل في موضعٍ لا ملتِقط له سوى العبد ، فإنّه يجوز له التقاطه ؛ لأنّه تخليصٌ له من الهلاك ، فجاز ، كما لو أراد التخليص من الغرق.

ولو التقط العبد مع وجود ملتقطٍ غيره ، لم يُقر في يده ، وينتزعه الحاكم ؛ لأنّه المنصوب للمصالح ، إلّا أن يرضى مولاه ويأذن بتقريره في‌

٣١٣

يده ، فيقدَّم على الحاكم.

ولا فرق بين القِنّ والمدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب والمحرَّر بعضه في ذلك كلّه ؛ لأنّه ليس لأحد هؤلاء التبرّعُ بماله ولا بمنافعه إلّا بإذن السيّد.

وقال الشافعي : المكاتَب إذا التقط بغير إذن السيّد انتُزع من يده ، كالقِنّ ، وإن التقط بإذن السيّد جاء فيه الخلاف في تبرّعاته بالإذن ، لكنّ الظاهر عندهم المنع ؛ لأنّ حقّ الحضانة ولاية ، وليس المكاتَب أهلاً لها(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما.

وللشافعيّة وجهان في الـمُعتَق نصفه إذا التقط في يوم نفسه هل يستحقّ الكفالة؟(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لا يجوز للكافر أن يلتقط الصبي المسلم ، سواء كان الكافر ذمّيّاً أو معاهداً أو حربيّاً ؛ لأنّه لا ولاية للكافر على المسلم ، قال الله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) ولأنّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ويُعلّمه الكفر ، بل الظاهر أنّه يُربّيه على دينه وينشأ على ذلك كولده ، فإن التقطه لم يُقرّ في يده.

أمّا لو كان الطفل محكوماً بكفره ، فإنّه يجوز للكافر التقاطه ؛ لقوله تعالى :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٤) .

وللمسلم التقاط الطفل الكافر.

مسألة ٤٠٩ : الأقرب : اعتبار العدالة في الملتقِط ، فلو التقطه الفاسق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥.

(٣) سورة النساء : ١٤١.

(٤) سورة الأنفال : ٧٣.

٣١٤

لم يُقر في يده ، وينتزعه الحاكم ؛ لأنّ الفاسق غير مؤتمنٍ شرعاً ، وهو ظالم ، فلا يجوز الركون إليه ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (١) ولا يؤمن أن يبيع الطفل أو يسترقّه ويدّعيه مملوكاً له بعد مدّةٍ ، ولا يؤمن سوء تربيته له ولا يوثق عليه ويخشى الفساد به ، وهو قول الشافعي(٢) أيضاً.

ويفارق اللّقطة - حيث أُقرّت في يد الفاسق عندنا وفي أحد قولَي الشافعي(٣) - من ثلاثة أوجُه :

الأوّل : إنّ في اللّقطة معنى التكسّب ، والفاسق من أهل التكسّب ، وهاهنا لا كسب ، بل هو مجرّد الولاية.

الثاني : إنّ في اللّقطة وجوب ردّها إليه لو انتزعناها منه بعد التعريف حولاً ونيّة التملّك ليتملّكها ، فلم ننتزعها منه واستظهرنا عليه في حفظها وإن كان الانتزاع أحوط ، وهنا لا يردّ اللقيط إليه ، فكان الانتزاع أحوط وأسهل.

الثالث : المقصود في اللّقطة حفظ المال ، ويمكن الاحتياط عليه بالاستظهار في التعريف ، أو بنصب الحاكم مَنْ يُعرّفها ، فيزول خوف الخيانة ، ولا يحتاج إلى أن ينتزعها الحاكم ، وهنا المقصود حفظ الحُرّيّة والنسب ، ولا سبيل إلى الاستظهار عليه ؛ لأنّه قد يدّعي رقّه في بعض البلدان وبعض الأحوال.

____________________

(١) سورة هود : ١١٣.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٠ ، البيان ٨ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥ ، المغني ٦ : ٤١٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٩.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ و ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

٣١٥

وقيل : لا يشترط العدالة ، ولا ينتزع اللقيط من يد الفاسق ؛ لإمكان حفظه في يده بالإشهاد عليه ، ويأمر الحاكم أميناً يشارفه عليه كلّ وقتٍ ويتعهّده في كلّ زمانٍ ، ويشيع أمره فيعرف أنّه [ لقيط ](١) فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته ؛ جمعاً بين الحقّين ، كما في اللّقطة(٢) .

مسألة ٤١٠ : مَنْ ظاهر حاله الأمانة إلّا أنّه لم يختبر حاله ، لا ينتزع من يده ؛ لأنّ ظاهر المسلم العدالة ، ولم يوجد ما يعارض هذا الظاهر ، ولأنّ حكمه حكم العَدْل في لقطة المال والولاية في النكاح وأكثر الأحكام ، لكن يوكل الإمام مَنْ يراقبه من حيث لا يدري لئلّا يتأذّى ، فإذا حصلت للحاكم الثقة به صار كمعلوم العدالة.

وقبل ذلك لو أراد السفر به ، مُنع وانتُزع منه ؛ لأنّه لا يؤمن أن يسترقّه وأن يكون إظهاره العدالة لمثل هذا الغرض الفاسد ، وهو أحد قولَي الشافعي ، والثاني له : إنّه يُقرّ في يده ويسافر به ؛ لأنّه يُقرّ في يده في الحضر من غير مشرفٍ يُضمّ إليه ، فكذا في السفر ، كالعَدْل ، ولأنّ الظاهر الستر والصيانة(٣) .

فأمّا مَنْ عُرفت عدالته وظهرت أمانته فيُقرّ اللقيط في يده في سفرٍ وحضرٍ ؛ لأنّه مأمون عليه إذا كان سفره لغير النقلة ، ولها وجهان.

مسألة ٤١١ : يعتبر في الملتقِط الرشد ، فلا يصحّ التقاط المبذِّر‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لقطة ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) المغني ٦ : ٤١٣ - ٤١٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠.

(٣) الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦ ، المغني ٦ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١١ ، وفيها القول الأوّل فقط.

٣١٦

المحجور عليه ، فلو التقط لم يُقر في يده وانتُزع منه ؛ لأنّه ليس مؤتمناً عليه شرعاً وإن كان عَدْلاً.

ولا يشترط في الملتقِط الذكورة ، فإنّ الحضانة أليق بالإناث.

ولا يشترط كونه غنيّاً ؛ إذ ليست النفقة على الملتقط.

والفقير يساوي الغني في الحضانة.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر ، وهو : إنّه لا يُقرّ في يد الفقير ؛ لأنّه لا يتفرّغ للحضانة ؛ لاشتغاله بطلب القوت(١) .

مسألة ٤١٢ : لو ازدحم على لقيطٍ اثنان ، فإن كان ازدحامهما عليه قبل أخذه وقال كلّ واحدٍ منهما : أنا آخذه وأحضنه ، جعله الحاكم في يد مَنْ رآه منهما أو من غيرهما ؛ لأنّه لا حقّ لهما قبل الأخذ.

وإن ازدحما بعد الأخذ بأن تناولاه تناولاً واحداً دفعةً واحدة ، فإن لم يكن أحدهما أهلاً للالتقاط مُنع منه ، وسلّم اللقيط إلى الآخَر ، كما لو كان أحدهما مسلماً حُرّاً عَدْلاً والآخَر يكون كافراً أو فاسقاً أو عبداً لم يأذن له مولاه ، أو مكاتَباً كذلك ، فإنّ المسلم العَدْل الحُرّ يُقرّ في يده ، ولا يشاركه الآخَر ، ولا اعتبار بمشاركته إيّاه في الالتقاط ؛ لأنّه لو التقطه وحده لم يُقرّ في يده ، فإذا شاركه مَنْ هو من أهل الالتقاط كان أولى.

وأمّا إن كان كلّ واحدٍ منهما أهلاً للالتقاط ، فإن سبق أحدهما إلى الالتقاط ، مُنع الآخَر من مزاحمته.

ولا يثبت السبق بالوقوف على رأسه من غير أخذٍ ، وهو أظهر وجهي‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، البيان ٨ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

٣١٧

الشافعيّة ، والثاني : إنّه يثبت(١) .

وإن لم يسبق أحدهما ، فإن اختصّ أحدهما بوصفٍ يوجب تقدّمه قُدّم ، وكان أولى من الآخَر.

وإن تساويا من كلّ وجهٍ ، فإن سلّم أحدهما لصاحبه ورضي بإسقاط حقّه جاز ؛ لأنّ الحقّ له ، فلا يُمنع من الإيثار به ، وإن تشاحّا أُقرع بينهما - وبه قال الشافعي(٢) - لقوله تعالى :( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (٣) .

ولأنّه أمر مشكل ؛ لعدم إمكان الجمع بينهما ، وعدم أولويّة أحدهما ، وكلّ مشكلٍ ففيه القرعة بالنصّ عن أهل البيتعليهم‌السلام (٤) .

ولأنّه لا يمكن أن يُخرج عن أيديهما ؛ لاشتماله على إبطال حقّهما الثابت لهما بالالتقاط ، أو يُترك في أيديهما إمّا جمعاً ، والاجتماع على الحضانة مشقٌّ أو متعذّر ، ولا يمكن أن يكون عندهما في حالةٍ واحدة ، وإمّا بالمهايأة ، وهو يشتمل على الإضرار باللقيط ؛ لما في تبدّل الأيدي من قطع الأُلفة واختلاف الأغذية والأخلاق ، أو يختصّ به أحدهما لا بالقرعة ، ولا سبيل إليه ؛ لتساويهما ، فلم يبق مخلص إلّا القرعة ، كالزوج يسافر بإحدى زوجاته بالقرعة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٢ - ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٥ ، البيان ٨ : ١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٣) سورة آل عمران : ٤٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٣.

٣١٨

وقال بعض الشافعيّة : يرجّح أحدهما باجتهاد القاضي ، فمَن رآه خيراً للّقيط أقرّه في يده(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه قد يستوي الشخصان في اجتهاد القاضي ولا سبيل إلى التوقّف ، فلا بدّ من مرجوعٍ إليه ، وليس سوى القرعة.

وقال بعض الشافعيّة : يخيّر الصبي في الانضمام إلى مَنْ شاء منهما(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه قد لا يكون مميّزاً بحيث يفوّض إليه التخيير ، ولو كان مميّزاً فإنّه لا يخيّر ، كما يخيّر الصبي بين الأبوين عند بلوغه سنّ التمييز - عندهم(٣) - لأنّه هناك يعوّل على الميل الناشئ من الولادة ، وهذا المعنى معدوم في اللقيط.

مسألة ٤١٣ : هذا إذا تساويا في الصفات ، فإن ترجّح أحد الملتقطين بوصفٍ يوجب تخصيصه به دون الآخَر وكانا معاً ممّن يثبت لهما جواز الالتقاط ، أُقرّ في يده ، وانتُزع من يد الآخَر.

والصفات المرجّحة أربعة :

أ : الغنى ، فلو كان أحدهما غنيّاً والآخَر فقيراً ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّهما يتساويان - وهو قول بعض علمائنا(٤) - لأنّ الفقير أهل للالتقاط ، كالغني.

وأظهرهما عند الشافعيّة : أولويّة الغني ؛ لأنّه ربما يواسيه بمالٍ وينفعه في كثيرٍ من الأوقات ويؤاكله أحياناً ، ولأنّ الفقير قد يشتغل بطلب القوت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٦ ، البيان ٨ : ١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤.

(٤) لم نتحقّقه.

٣١٩

عن الحضانة(١) .

فإن رجّحنا الغني على الفقير وكانا معاً غنيّين إلّا أنّ أحدهما أكثر غنىً من الآخَر ، فللشافعيّة وجهان في تقديم أكثرهما مالاً(٢) .

ب : أن يكون أحدهما بلديّاً والآخَر قرويّاً ، أو كان أحدهما بلديّاً أو قرويّاً والآخَر بدويّاً ، تساويا عند بعض علمائنا(٣) ، ورجّح البلديّ على القرويّ ، والقرويّ على البدويّ ؛ لما فيه من حفظ نسبه وإمكان وصول قريبه إليه.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ج : مَنْ ظهرت عدالته بالاختبار يُقدّم على المستور على خلافٍ بين علمائنا.

وللشافعيّة وجهان :

أحسنهما : إنّه يقدّم احتياطاً للصبي.

والثاني : يستويان ؛ لأنّ المستور لا يسلّم ثبوت المزيّة للآخَر ويقول : لا أترك حقّي بجهلكم بحالي(٥) .

د : الحُرّ أولى من العبد والمكاتَب وإن كان التقاطه بإذن السيّد ؛ لأنّه في نفسه ناقص ، وليست يدُ المكاتَب يدَ السيّد.

مسألة ٤١٤ : لا تُقدّم المرأة على الرجل ؛ لأنّ المرأة وإن كانت

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٣) لم نتحقّقه.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧ - ٤٨٨.

(٥) الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

٣٢٠

٧ ـ اصحاب الصادقعليه‌السلام في رجال الشيخ

٣٢١
٣٢٢

قيل : ان جميع من ذكره الشيخ في رجاله من اصحاب الصادقعليه‌السلام ثقات ، وقد استدل عليه بما ذكره الشيخ المفيد في ارشاده ، وهذا لفظه : « نقل الناس عن الصادقعليه‌السلام من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن احد من اهل بيته العلماء ، ما نقل عنه ، ولا لقي احد منهم من اهل الآثار ، ونقلة الاخبار ، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن ابي عبدالله ، فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل »(١) .

وقال ابن شهر آشوب في مناقبه : « نقل عن الصادقعليه‌السلام من العلوم ما لم ينقل عن احد ، وقد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا اربعة آلاف رجل(٢) .

وقال الشيخ محمد بن علي الفتال في « روضة الواعظين » : « قد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة عن الصادقعليه‌السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا اربعة آلاف »(٣) .

__________________

١ ـ الارشاد : ٢٨٩ طبعة ايران.

٢ ـ المناقب : ٤ / ٢٤٧.

٣ ـ روضة الواعظين : ١٧٧.

٣٢٣

وهؤلاء الاثبات الثلاثة وصفوا تلك الصفوة بالثقات وان كان كلام الشيخ والنجاشي خالياً عن ذلك الوصف كما سيوافيك.

وقد ذكر اهل الرجال ان أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ المكنى بـ « ابي العباس » المعروف بـ « ابن عقدة » قد ضبط اصحاب الصادقعليه‌السلام فى كتاب رجاله. قال النجاشي في ترجمته ; « له كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمدعليه‌السلام »(١) .

ومثله الشيخ في فهرسته ، حيث قال : « له كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمدعليه‌السلام »(٢) .

وليس في كلام النجاشي والشيخ توصيف رجاله بالوثاقة.

وعلى كل تقدير ، فما ذكره الشيخ المفيد لو كان ناظراً إلى ما جمعه ابن عقدة من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، يكون ما ذكره نفسه ومن تبعه كابن شهر آشوب والفتال شهادة منهم على وثاقة اربعة آلاف رجل من اصحاب الصادقعليه‌السلام . هذا من جانب.

ومن جانب آخر ان الشيخ قد اخرج اسماء هؤلاء الرواة في رجاله مع غيرهم. قال في ديباجة رجاله : « ولم اجد لأصحابنا كتاباً جامعاً في هذا المعنى ( اسماء الرجال الذين رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الأئمة من بعده إلى زمن القائم ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ ومن تأخر عنهم ) إلا مختصرات ، قد ذكر كل انسان منهم طرفاً ، إلا ما ذكره ابن عقدة ، فانه قد بلغ الغاية في ذلك ، ولم يذكر رجاله باقي الأئمةعليهم‌السلام ، وانا اذكر ما ذكره ، واُورد ذلك من بعد من لم يذكره »(٣) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ٩٤ الرقم ٢٣٣.

٢ ـ الفهرست للشيخ : ٥٣.

٣ ـ رجال الشيخ الطوسي : ٢.

٣٢٤

فبملاحظة هذين الأمرين تصبح النتيجة هي ان ما ذكره الشيخ من اسماء الرواة من اصحاب الصادقعليه‌السلام كلهم ثقات حسب توثيق الشيخ المفيد ومن تبعه.

ثم ان جماعة من المتأخرين تبعوا الشيخ المفيد واقتفوا اثره في ما ذكره واليك نقل بعض كلماتهم :

قال علم الدين المرتضى علي بن جلال الدين عبد الحميد النسابة ، الذي هو من علمائنا في اوائل القرن الثامن في كتابه « الانوار المضيئة » : ومما اشتهر بين العامة والخاصة ان اصحاب الحديث جمعوا اسماء الرواة عنهعليه‌السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا اربعة آلاف »(١) .

وقال الشيخ الطبرسي في الباب الخامس كتابه « اعلام الورى باعلام الهدى » في ذكر مناقب الصادقعليه‌السلام : « ولم عن ينقل عن احد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات ، فكانوا أربعة آلاف رجل »(٢) .

ثم ان بعض المتأخرين اكتفوا بذكر عدد الرواة عن الصادقعليه‌السلام من دون توصيفهم بكونهم من الثقات.

١ ـ قال المحقق في « المعتبر » : « انتشر عنه من العلوم الجمَّة ما بهر به العقول ـ إلى ان قال : وروى عنه من الرجال ما يقارب اربعة آلاف رجل »(٣) .

٢ ـ قال العلاّمة في « الخلاصة » في القسم الثاني ( في ترجمة ابن عقدة )

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٠ ، وكتاب ( الانوار المضيئة ) مخطوط يوجد في مكتبة السيد مير حامد حسين ، راجع الذريعة : ٢ / ٤٤٢.

٢ ـ اعلام الورى : ١٦٥ ـ ١٦٦ من الفصل الرابع.

٣ ـ المعتبر : ٥ ـ ٦ في ضمن الوجه الأول.

٣٢٥

ما لفظه : « قال الشيخ الطوسي : سمعت جماعة يحكون عنه انه قال : أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها وأُذاكر بثلاثمائة ألف حديث وله كتب ذكرناها في كتابنا الكبير. منها اسماء الرجال الذين رووا عن الصادقعليه‌السلام اربعة آلاف رجل ، واخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه ، مات بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة »(١) .

وما ذكره الشيخ في رجاله يختلف مع ما نقله العلاّمة عنه حيث قال « سمعت جماعة يحكون انه قال : احفظ مائة وعشرين الف حديث بأسانيدها ، واُذاكر بثلاثمائة ألف حديث ، روى عنه التلعكبري من شيوخنا وغيره ، وسمعنا من ابن المهدي ومن أحمد بن محمد المعروف بابن الصلت ، رويا عنه وأجاز لنا ابن الصلت عنه بجميع رواياته ، ومولده سنة تسع واربعين ومائتين ، ومات سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة »(٢) وقد وقفت على عبارة الشيخ في الفهرست فلاحظ ، وليس في عبارة الشيخ في رجاله وفهرسته مما ذكره العلاّمة من عدد الرواة عنه اثر.

٣ ـ وقال الشهيد في « الذكرى » : « ان ابا عبدالله جعفر بن محمدعليه‌السلام كتب من اجوبة مسائله اربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف ، ودون من رجاله المعروفين اربعة آلاف رجل من اهل العراق والحجاز والشام ـ إلى ان قال : ومن رام معرفة رجالهم ، والوقوف على مصنفاتهم ، فليطالع كتاب الحافظ بن عقدة وفهرس النجاشي و »(٣) .

٤ ـ وقال الشيخ الكبير والد الشيخ البهائي مثل ما قاله المحقق في « المعتبر » واليك نصه : « ومنهم جعفر الصادقعليه‌السلام الذي اشتهر عنه

__________________

١ ـ الخلاصة : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

٢ ـ رجال الشيخ : ٤٤٢ في « باب من لم يرو عن الأئمة ».

٣ ـ الذكرى : ٦ في ضمن الوجه التاسع.

٣٢٦

من العلوم ما بهر العقول ـ إلى ان قال : ودون العامة والخاصة ممن برز ومهر بتعلمه من العلماء والفقهاء اربعة الاف رجل ، كزرارة بن اعين و »(١) .

٥ ـ وقال العلاّمة المجلسي في شرحه على الكافي بعد ما نقل ما ذكره العلاّمة في « الخلاصة » : « وذكر الأصحاب اخباراً من ابن عقدة في كتاب الرجال والمسموع من المشايخ انه كان كتاباً بترتيب كتب الحديث والفقه وذكر احوال كل واحد منهم ، وروى عن كتابه خبراً او خبرين او اكثر ، وكان ضعف الكافي »(٢) .

ولا يخفى ان ما ذكره المجلسي يتفاوت مع ما ذكره العلاّمة في مختلفه ، فان الظاهر من عبارة العلاّمة انه كان على حسب ترتيب الكتب الرجالية ، وانه اخرج لكل رجل كل الأحاديث التي رواها عن الصادقعليه‌السلام .

هذه هي الكلمات الواردة في المقام التي قد جمعها المتتبع الخبير العلاّمة النوري في الفائدة الثامنة من خاتمة كتاب « مستدرك الوسائل » وقد راجعنا نفس المصادر فنقلناها عنها.

نظرنا في الموضوع

١ ـ ان اقصى ما يمكن ان يقال : انه صدر توثيق من الشيخ المفيد في حق اربعة الاف رجل من اصحاب الصادقعليه‌السلام ، واما ان مراده هو نفس ما ورد في رجال ابن عقدة ، فأمر مظنون او محتمل ، إذ لم يكن التأليف في الرجال في تلك العصور مختصاً بابن عقدة ، كيف والمؤلفون في علم الرجال من عصر الحسن بن محبوب إلى زمن الشيخ الطوسي أكثر من أن يذكر(٣) فلا يصحّ أن يقال إنَّ الشيخ المفيد ناظر في عبارته هذه إلى ما كتبه ابن

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٠.

٢ ـ مرآة العقول كما في مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٠.

٣ ـ لاحظ مصفّى المقال للعلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني.

٣٢٧

عقدة مع وفور كتب الرجال ، بل هي ناظرة لما جاء في الكتب الرجالية المؤلفة في تلك العصور في أصحاب الصادقين ، بل الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ، ويؤيد ذلك أن الشيخ عبَّر بلفظ الجمع وقال : « إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات » فتخصيص عبارة الشيخ المفيد بما جاء في رجال ابن عقدة ، أمر لا دليل عليه.

والدليل على أن المقصود من اصحاب الحديث ليس خصوص ابن عقدة ، أن الشيخ قد التزم في مقدمة رجاله أن يأتي بكلّ ما ذكره ابن عقدة في رجاله مع زيادات لم يذكرها ابن عقدة ، ومع ذلك لم يبلغ عدد أصحاب الصادقعليه‌السلام في رجال الشيخ أربعة آلاف.

فلو كان مقصود المفيد من أصحاب الحديث هو خصوص ما ذكره ابن عقدة ، يجب أن يبلغ عدد أصحاب الصادقعليه‌السلام في رجال الشيخ أيضاً إلى أربعة آلاف ، لما التزم به الشيخ في مقدمته ، مع أن المذكور في رجاله لا يتجاوز عن ثلاثة آلاف وخمسين رجلاً.

نعم اعتذر عنه المحدّث النوري بأن ما أسقطه الشيخ في باب أصحاب الصادقعليه‌السلام أثبته في باب أصحاب أبي جعفر الباقرعليه‌السلام وفي باب أصحاب أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ، لأن بعض أصحاب الصادقعليه‌السلام أدرك عصر الإمام الباقرعليه‌السلام كما أدرك عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فاكتفى الشيخ في رجاله في الباب المعقود لخصوص أصحاب الصادقعليه‌السلام بذكر من اختصّ بالصادق ولم يدرك الإمام الباقر ، ولا الإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ولكن « ابن عقدة » جعل المناط كل من روى عن الصادقعليه‌السلام وإن كانت له رواية عن غيره.(١)

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٣.

٣٢٨

ولكن الاعتذار غير موجه ، لأن ابا العباس ابن عقدة قد أفرد لاصحاب كل إمام قبل الصادقعليه‌السلام كتاباً خاصاً. قال الشيخ في فهرسته : « وله كتاب من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وكتاب من روى عن الحسن والحسين ، وكتاب من روى عن علي بن الحسينعليهما‌السلام وأخباره ، كتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام وأخباره ، كتاب من روى عن زيد بن علي ومسنده ، كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمدعليه‌السلام »(١) .

ومع هذا التصريح لا يصحّ هذا الاعتذار ، نعم لو كان أبو العباس ابن عقدة مكتفياً في التأليف بذكر خصوص أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام أمكن أن يقال إن ما أسقطه الشيخ من أصحابه ، أدرجه في أصحاب الإمامين الهمامين ، الباقر والكاظمعليهما‌السلام ، والمفروض أن ابن عقدة قد أفرد لاصحاب الإمام أبي جعفرعليه‌السلام كتاباً خاصاً وإن لم يؤلف في أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام كتاباً.

٣ ـ إن الظاهر من عبارة المتتبّع ، العلاّمة النوري ، أن ابن عقدة هو الذي وثَّقهم حيث قال : « الذين وثقهم ابن عقدة ، فانه صنَّف كتاباً في خصوص رجاله ، وأنهاهم إلى أربعة آلاف ، ووثَّق جميعهم »(٢) مع أن العبارات الحاكية لعمل ابن عقدة ليست فيها أية اشارة إلى توثيق ابن عقدة ، وإنما الظاهر من عبائر النجاشي والشيخ في رجالهما وفهرسته هو أن ابن عقدة جمع أسماء الرواة عنه ، لا أنه وثقهم ، وبذلك يسقط البحث الذي عقده العلاّمة النوري في توثيق ابن عقدة ، فانه زيدي ، وهل يكون توثيقه حجَّة أو لا؟ وقد أطنب الكلام فيه.

٤ ـ إن المراجع لما نقلناه من المشايخ يقف على أن المصدر الأساسي

__________________

١ ـ الفهرست : ٥٢.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٠.

٣٢٩

لوثاقة هؤلاء الرواة من أصحاب الصادقعليه‌السلام هو الشيخ المفيد ، وأما البواقي فقد اقتفوا أثره ، وتؤيد ذلك وحدة كثير من العبارات ، على أن عدة من المشايخ قد اقتفت الشيخ المفيد في عدد الرواة ، من غير تصريح بكونهم ثقات او لا ، كما أوعزنا اليه.

نعم قد أسند الشيخ الحرّ العاملي في ترجمة « خليد بن أوفى » التوثيق إلى المفيد وابن شهر آشوب والطبرسي ، من دون اسناده إلى ابن عقدة. قال : « ولو قيل بتوثيقه ( خليد ) وتوثيق أصحاب الصادقعليه‌السلام إلا من ثبت ضعفه لم يكن بعيداً ، لأن المفيد في « الارشاد » ، وابن شهر آشوب في معالم العلماء » ، والطبرسي في « إعلام الورى » قد وثّقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادقعليه‌السلام والموجود منهم في جميع كتب الرجال والحديث ، لا يبلغون ثلاثة آلاف. وذكر العلاّمة وغيره أن ابن عقدة جمع الأربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال »(١) .

٥ ـ الاعتماد على هذا التوثيق وان صدر من شيخ الاُمة ومفيدها وأيدته جماعة من الأصحاب ، مشكل جدّاً ، لأنه إن أراد بذلك أن أصحاب الصادقعليه‌السلام كانوا أربعة آلاف وكلّهم كانوا ثقات ، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم كانوا عدولاً ، وإن أراد أن أصحاب الصادقعليه‌السلام كانوا كثيرين ، إلا أن الثقات منهم كانوا أربعة آلاف ، فهذا أمر يمكن التسالم عليه لكنه غير مفيد ، إذ ليس لنا طريق إلى معرفة الثقات منهم ، وليس لنا دليل على أن ما ذكره الشيخ في رجاله كلهم من الثقات.

٦ ـ أضف إلى ذلك أن الشيخ قد ضعف عدة من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، فقال في الباب المختصّ بهم : « إبراهيم بن أبي حيَّة ضعيف ،

__________________

١ ـ امل الآمل : ١ / ٨٣ لاحظ ترجمة « خليد بن اوفى ».

٣٣٠

الحارث بن عمر البصري أبو عمر ضعيف الحديث ، عبد الرحمن بن الهلقام ضعيف ، عمرو بن جميع البصري الأزدي ضعيف الحديث ، محمد بن حجّاج المدني منكر الحديث ، محمد بن عبد الملك الانصاري الكوفي ضعيف ، محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي ملعون غال »(١) إلى غير ذلك من العبارات في حق بعض أصحابه ، فكيف يمكن أن يقال : إن كل ما جاء به رجال الشيخ نفس ما ذكره الشيخ المفيد.

٧ ـ نعم قد أتعب المتتبع العلاّمة النوري نفسه الشريفة في توجيه هذه التصريحات بوجود الضعاف بين أصحاب الصادقعليه‌السلام بما لا يمكن الاعتماد عليه ، فقال : « إن المراد من الضعف ما لا ينافي الوثاقة كالرواية عن الضعفاء ، او رواية الضعفاء عنه ، او الاعتماد على المراسيل ، أو الوجادة(٢) أو رواية ما ظاهره الغلوّ والجبر والتشبيه »(٣) .

وأنت ترى أن ما ذكره من التوجيه خلاف الظاهر جدّاً ، والرواية عن الضعفاء والاعتماد على المراسيل وإن كانا من أسباب الضعف عند القدماء ، لكن الانصاف أنه إذا اُريد الضعف من هذه الناحية يجب أن يصرح به ، ولو اطلق ، فالظاهر أن الضعف راجع إلى نفسه.

أضف إلى ذلك أنه قال في حق بعضهم : « ملعون غال ».

فقد خرجنا بهذه النتيجة : أنه لم يثبت التوثيق العمومي لاصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام الموجودة في رجال الشيخ أو ما بأيدينا في كتب الرجال.

__________________

١ ـ لاحظ رجال الشيخ : ١٤٦ ، ١٧٨ ، ٢٣٢ ، ٢٤٩ ، ٢٨٥ ، ٢٩٤ ، ٣٠٢.

٢ ـ المراد من الوجادة نقل الحديث بمجرد وجوده في كتاب من دون أن يكون له طريق إلى نفس الكتاب.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٣.

٣٣١
٣٣٢

٨ ـ هل شيخوخة الاجازة دليل الوثاقة عند المستجيز؟

٣٣٣
٣٣٤

إن قسماً من مشايخ الاجازة الذين يجيزون رواية أصل او كتاب لغيرهم ، غير موصوفين في كتب الرجال بالوثاقة ، فهل استجازة الثقة عن واحد منهم آية كونه ثقة أو لا؟ وهذا نظير ما روى الصدوق والشيخ كثيراً من الاصول والكتب بالاستجازة عن عدة من المشايخ الذين يعدّون من مشايخهما في الرواية ، فهل استجازة ذينك العلمين أو غيرهما من هؤلاء دليل على وثاقتهم مطلقاً او عند المستجيزين خاصة او لا يدلّ على شيء من ذلك؟

توضيحه مع تحقيقه

لو قلنا إن رواية الثقة عن شخص آية كون المروي عنه ثقة عند الراوي ، فلا كلام في كلام مشايخ الاجازة لأمثال الصدوق والشيخ وغيرهما ثقات ، لكن ذلك الاصل ممّا لا أصل له ، إلا إذا أكثر الرواية عنه ، كما سيوافيك ، وقد عقد المحقق الداماد فصلاً خاصاً في رواشحه ، فراجع الراشحة الثالثة والثلاثين ، الصفحة ١٠٤ ، والكلام في المقام على غير هذا الاصل. فنقول : إن الاجازة على أقسام :

١ ـ أن يجيز الشيخ كتاب نفسه ، فيشترط في الشيخ المجيز ما يشترط في سائر الرواة من الوثاقة والضبط ، وحكم شيخ الاجازة في هذا المجال حكم

٣٣٥

سائر الرواة الواقعين في سند الحديث ، فيشترط فيه ما يشترط فيهم ، ولا يدل استجازة الثقة على كونه ثقة حتى عنده ، إذ لا تزيد الاستجازة على رواية الثقة عنه ، فكما انها لا تدل على وثاقة المروي عنه ، فهكذا الاستجازة فيجب احراز وثاقة المجيز من طريق آخر.

نعم لو كان جميع احاديث كتابه مطابقاً لأحاديث كتاب معتبر ، يكون احاديثه مقبولة سواء أكان في نفسه ثقة او ضعيفاً ، ولذا قال ابن الوليد استاذ الصدوق في « محمد بن اورمة » المطعون فيه بالغلوّ : « ان كل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره ، فانه يعتمد عليه ويفتي به ، وكل ما تفرد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد »(١) .

غير ان تحصيل هذا الشرط مما لا يمكن في هذه العصور ، لاندراس المصنفات والاصول بعد الشيخ الطوسي ، فقد اصبحت تلك الكتب بعد الجوامع الثانوية ( الكتب الأربعة ) مرغوبة عنها ، لعدم احساس الحاجة إلى كتابتها واستنساخها مع وجود تلك الجوامع ، خصوصاً بعد كلام الشيخ في آخر الاستبصار حيث قال : « وارجو من الله تعالى ان تكون هذه الكتب الثلاثة ( التهذيب والاستبصار والنهاية ) التي سهل الله تعالى الفراغ منها ، لا يحتاج معها إلى شيء من الكتب والاصول ، لأن الكتاب الكبير الموسوم بـ « تهذيب الاحكام » يشتمل على جميع احاديث الفقه المتفق عليه والمختلف فيه ، وكتاب النهاية يشتمل على تجريد الفتاوى في جميع ابواب الفقه وذكر جميع ما روي فيه ، على وجه يصغر حجمه وتكثر فائدته ويصلح للحفظ ، وهذا الكتاب يشتمل على جميع ما روي من الأخبار المختلفة وبيان وجه التأويل فيها والجمع

__________________

١ ـ قال النجاشي : « وحكى جماعة من شيوخ القميين عن ابن الوليد انه قال : محمد بن اورمة طعن عليه بالغلو ، فكل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به وما تفرد به فلا تعتمده » لاحظ رجال النجاشي : الرقم ٨٩١.

٣٣٦

بينها »(١) .

٢ ـ إذا اجاز كتاب غيره وكان انتساب الكتاب إلى مصنفه مشهوراً فالاجازة لاجل مجرد اتصال السند ، لا لتحصيل العلم بالنسبة إلى مصنفه والاجازات الرائجة بالنسبة إلى الكتب الاربعة وغيرها من المؤلفات الحديثية المشهورة كلها من هذا القبيل ، فليست الاجازة إلا لاجل تحصيل اتصال السند وتصحيح الحكاية عند نقل الحديث عن شيخ الاجازة بلفظ « حدثنا » إلى ان يصل إلى ارباب الكتب الاربعة وينتهي السند إلى المعصومعليه‌السلام ، وفي هذه الصورة لا يحرز وثاقة الشيخ بالاستجازة أيضاً ، لأن نسبة الكتب إلى اربابها ثابتة ، انما الغاية من تحصيلها ، تصحيح الحكاية والتمكن من القول بـ « حدثنا » إلى ان ينتهي الأمر إلى الإمام ، ويكفي فيه نفس الاجازة سواء كان المجيز ثقة ام لا.

ثم ان الظاهر من الصدوق بالنسبة إلى الكتب التي اخذ منها الحديث في « الفقيه » انها كتب مشهورة ، عليها المعول واليها المرجع ، وان ما ذكره في المشيخة في آخر الكتب ، لاجل تحصيل اتصال السند ، لا لتصحيح نسبة الكتاب إلى مؤلفه ، فلا تدل استجازته على وثاقة من روي عنهم في هذه الكتب.

توضيحه ، ان الشيخ الكليني ذكر تمام السند في كتابه « الكافي » ، فبدأ الحديث باسم شيخ الاجازة عن شيخه إلى ان ينتهي إلى الشيخ الذي اخذ الحديث عن كتابه ، حتى يصل إلى الإمام ، وهذه سيرته في غالب الروايات إلا ما شذّ.

لكن الشيخ الصدوق وكذا الشيخ الطوسي قد بنيا على حذف اوائل السند والاكتفاء باسم من اُخذ الحديث من اصله ومصنفه ، حتى يصل السند إلى

__________________

١ ـ الاستبصار : ٤ / ٣٠٥.

٣٣٧

الإمام ، ثم وضعا في آخر كتبهم « مشيخة » يعرف بها طريقتهما إلى من اخذا الحديث من كتابه ، فهي المرجع في اتصال السند في اخبار كتابهما ، وربما اخلا بذكر السند إلى بعض اصحاب الكتب فصار معلقاً. هذا هو دأب الشيخين الصدوق والطوسي.

والظاهر من مقدمة « الفقيه » ان الكتب التي اخذ الصدوق منها الأحاديث وبدأ السند بأسامي مؤلفيها ، كتب مشهورة معروفة غير محتاجة إلى اثبات النسبة ، فوجود السند إلى هذه الكتب وعدمه سواسية.

قال في مقدمة الفقيه : « وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني ، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبدالله ، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ، ونوادر محمد بن ابي عمير ، وكتب المحاسن لأحمد بن ابي عبدالله البرقي ، ورسالة ابي إليّ وغيرها ما الاُصول والمصنفات التي طرقي اليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي واسلافي ».(١)

وهذه العبارة من المحدث الاكبر نصّ على ثبوت نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها ، ولم يكن هناك اية حاجة إلى طريق يدل على النسبة ، وان ما اتى به في المشيخة من الاسماء لمجرد اتصال السند ، فلو اكتفينا بمثل هذا التنصيص من الصدوق ، لكان البحث عن صحة طريق الصدوق وعدمها بالنسبة إلى هذه الكتب ونظائرها بحثاً زائداً غير مفيد ، اللّهم إلا في الكتب غير المعروفة التي لم تثبت نسبتها إلى مؤلفيها ، لو نقل عنها فيه ، وإلى ذلك كان يميل السيّد

__________________

١ ـ الفقيه : ١ / ٣ ـ ٤.

٣٣٨

المحقق البروجرديقدس‌سره في درسه الشريف عندما أفاض البحث في المشيخة ، وبذلك يعلم وجه ما افاده الشيخ الطوسي من تقديم رواية السامع على رواية المستجيز إلا فيما إذا روى المستجيز باجازته اصلاً معروفاً او مصنفاً مشهوراً فيسقط الترجيح.(١)

وبذلك يمكن ان يقال : ان البحث عن طرق الشيخ الطوسي ايضاً إلى اصحاب الكتب المعروفة الثابتة نسبتها إلى مؤلفيها ، بحث زائد غير مفيد ، فلا وجه لعد الحديث ضعيفاً او حسناً لاجل ضعف طريقه او عدم ثبوت وثاقة مشايخ اجازته إلى هذه الكتب.

نعم ، الكلام في تشخيص حال هذه الكتب من حيث ثبوت انتسابها إلى مؤلفيها وعدمه لولا الاحراز ، يدخل في القسم الثالث الذي سيوافيك الكلام فيه.

قال المحقق التستري : « لو كنا نعرف الاصول المشهورة والمصنفات المعروفة كالقدماء ، حكمنا بصحة كثير من احاديث الكافي التي حكموا بعدم صحتها بالاصطلاح الحادث المتأخر ، فان اكثر الوسائط ، مشايخ اجازة ، واكثر احاديثها مأخوذة من مصنفات اصحاب الائمة واُصولهم ، وذكر سائر المشايخ لمجرد اتصال السلسلة كما هو ديدن اصحاب الحديث ، كالمفيد في ارشاده عند الأخذ من الكافي ، والصدوق في غير فقيهه ، والشيخ في الجزءين الأولين من استبصاره ، لكن الأسف ضياع تلك الاصول والمصنفات »(٢) .

اما استثناء الفقيه ، فلما عرفت من ان الصدوق لا يذكر في بدء السند إلا اسم الشخص الذي أخذ الحديث عن كتابه ، ولا يذكر مشايخ الاجازة إلا في خاتمة الكتاب المسماة بالمشيخة ، وقد عرفت ان البحث عن طرق الصدوق

__________________

١ ـ عدة الاصول : ٥٧ طبعة الهند.

٢ ـ قاموس الرجال : ١ / ٦٠.

٣٣٩

غير مفيد ، لأن الكتب المنقولة عنها معروفة مشهورة.

واما استثناء الجزءين الاولين من الاستبصار ، فلأنه سلك فيهما على غير النحو الذي سلك في بقية الكتاب. قال في آخر « الاستبصار » : « وكنت سلكت في أول الكتاب ايراد الاحاديث باسانيدها وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأول والثاني ، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعوَّلت على الابتداء بذكر الرواي الذي اخذت الحديث من كتابه او اصله ، على ان اورد عند الفراغ من الكتب جملة من الأسانيد يتوصل بها إلى هذه الكتب والاصول ، حسب ما عملته في كتاب « تهذيب الأحكام » ـ إلى ان قال : فما ذكرته عن محمد بن يعقوب »(١) .

والحاصل ، انه لو كانت نسبة الكتب التي اخذ منها الحديث إلى مؤلفيها ، مثل نسبة كتاب الكافي إلى مؤلفه او ادنى منها ، لما دلت الاستجازة على وثاقة مجيزها وأيضاً لما ضرّ عدم وثاقة شيخ الاجازة فضلاً عن كونه مشكوك الوثاقة بالنقل عن هذه الكتب ، لما عرفت ان نسبة الكتب التي اخذ الصدوق عنها الحديث إلى مؤلفيها ، كمثل نسبة الكافي إلى مؤلفه او اقل منها بقليل ، وقد عرفت ان البحث عن طرق الصدوق إلى الكتب غير مفيدة ووافقنا في ذلك المحقق التستري حيث قال : « بل يمكن ان يقال بعدم الاحتياج إلى ما فعل في طرق الصدوق ، حيث انه صرح في الفقيه بمعروفية طرقه إلى الكتب وان الكتب في نفسها مشهورة »(٢) وقد عرفت منا ما ذكره السيد المحقق البروجردي في درسه.

واما « التهذيبان » فلو كنا متمكنين من تشخيص الكتب الثابتة نسبتها إلى مؤلفيها عن غيرها ، لاستغنينا عن كثير من المباحث التي تدور حول مشيخة

__________________

١ ـ الاستبصار : ٤ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ طبعة النجف.

٢ ـ قاموس الرجال : ١ / ٥٩.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530