كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال14%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149109 / تحميل: 5395
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الشيخ الطوسي حتى صارت سبباً لتقسيم احاديثهما حسب اختلاف حال المشايخ إلى الصحيح والموثق والحسن والضعيف ، لأن جميع الوسائط بينه وبين صاحب الكتاب ، او صاحب الاصل ، في الحقيقة مشايخ اجازة لكتاب الغير وأصله ، ولكنه امنية لا تحصل إلا بالسعي الجماعي في ذاك المجال ، وقيام لجنة بالتحقيق في المكتبات.

٣ ـ إذا اجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلفه إلا بواسطة الشيخ المجيز ـ ولا شك انه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند المستجيز ، إذ لولاه لما ثبت نسبته إلى المؤلف ، وبدونها لا يثبت الكتاب ولا ما احتواه من السند والمتن وعادت الاجازة امراً لغواً ـ فلو كان توثيق المستجيز او ثبوت وثاقة المجيز عند المستجيز كافياً لنا نأخذ بالرواية.

وباختصار ، ان الهدف الأسمى في هذا القسم من الاستجازة والاستمداد من ذكر الطريق إلى اصحاب هذه الكتب ، هو اثبات نسبة هذه الكتب إلى اصحابنا ومؤلفيها لا غير ، ولا يتحقق هذا الهدف إلا ان يكون الشيوخ المجيزون واحداً بعد واحد ثقات يعتمد على قولهم ، فلو لم يكن الشيخ ثقة عند المستجيز ، لما كان للاستناد اليه أية فائدة.

وبالجملة ، الفائدة العليا من ذكر الطريق في المشيخة ، هو اثبات نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها اثباتاً لا غبار عليه ، وهذا الهدف لا يتحقق عند المستجيز إلا بكون شيخ الاجازة ثقة عنده ، وإلا فلو كان مجهولاً او ضعيفاً او مطعوناً بإحدى الطرق ، لما كان لهذه الاستجازة فائدة. وهذا هو ما يعني به من ان شيخوخة الاجازة دليل على وثاقة الشيخ عند المستجيز.

وربما يقال بأن الحسن بن محمد بن يحيى المعروف بابن اخي طاهر ، عرفه النجاشي بقوله : « روى عن المجاهيل احاديث منكرة. رأيت

٣٤١

اصحابنا يضعفونه ومات في شهر ربيع الأول سنة ٣٥٨ هـ »(١) ، مع انه من مشايخ الاجازة للتلعكبري ، قال الشيخ في رجاله : « روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة سبع وعشرين وثلاثمائة إلى سنة خمس وخمسين وله منه اجازة »(٢) .

ولكنه لا ينافي ما ذكرنا ، لامكان ثبوت وثاقته عند المستجيز كما لا يخفى فلو كان ثبوت وثاقته عند المستجيز كافياً لنا ـ ما لم يدلّ دليل على خلافه ـ نأخذ بالحديث إذا وقع في السند وإلا فلا.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٤٩.

٢ ـ رجال الشيخ : ٤٦٥ ، الرقم ٢٣ ، في باب من لم يرو عن الائمة.

٣٤٢

٩ ـ الوكالة عن الامامعليه‌السلام

٣٤٣
٣٤٤

ربما تعدّ الوكالة من الإمام ، طريقاً إلى وثاقة الراوي ، لكنه لا ملازمة بينها وبين وثاقته ، نعم لو كان وكيلاً في الامور المالية ، تكون امارة على كونه أميناً في الاُمور المالية ، واين هو من كونه عادلا ، ثقة ضابطاً؟ نعم إذا كان الرجل وكيلاً من جانب الإمام طيلة سنوات ، ولم يرد فيه ذم يمكن ان تكون قرينة على وثاقته وثبات قدمه إذ من البعيد ان يكون الكاذب وكيلاً من جانب الإمام عدة سنوات ولا يظهر كذبه للامام فيعزله.

وربما يستدل على وثاقة كل من كان وكيلاً من قبل المعصومين بما رواه الكليني عن علي بن محمد ، عن الحسن بن عبد الحميد ، قال : شككت في أمر « حاجز » فجمعت شيئاً ، ثم صرت إلى العسكر ، فخرج إلي ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا ، بامرنا ، رد ما معك إلى حاجز بن يزيد »(١) .

فلو لم تكن الوكالة ملازمة للعدالة ، لما كان لرد الإمامعليه‌السلام معنى.

لكن الرواية اخص من المدعى ، فان الظاهر ان المراد الوكلاء المعروفون الذين قاموا مقام الائمة بامرهم ، وهذا غير كون الرجل وكيلاً للامام في أمر ضيعته أو أمر من الامور.

__________________

١ ـ الكافي : ج ١ ، باب مولد الصاحبعليه‌السلام ، الحديث ١٤.

٣٤٥
٣٤٦

١٠ ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص

٣٤٧
٣٤٨

ان نقل الثقة عن شخص لا يدل على كون المروي عنه ثقة ، لشيوع نقل الثقات من غيرهم ، نعم كانت كثرة النقل عن الضعاف أمراً مرغوباً عنه بين المشايخ وكانت معدودة من جهات الضعف ، ولاجل هذا اخرج أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، زميله أحمد بن محمد بن خالد عن قم ، لكثرة النقل عن الضعفاء ، وقال العلاّمة في « الخلاصة » : « إنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل قال ابن الغضائري : طعن عليه القمّيون ، وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروى عنه ، فإنه كان لا يبالي عمَّن أخذ ، على طريقة أهل الاخبار ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم ، ثمَّ أعاده اليها واعتذر اليه »(١) .

وقال النجاشي في ترجمة سهل بن زياد : « كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها »(٢) .

وعلى ضوء هذا يمكن أن يقال : إن كثرة تخريج الثقة عن شخص دليل

__________________

١ ـ الخلاصة : ١٤ ، القسم الأول.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٤٩٠.

٣٤٩

على وثاقته لوجهين :

الأول : ما عرفت أن كثرة الرواية عن الضّعاف كانت تعدّ من أسباب الضعف حتى آل أمر أحمد بن محمد بن خالد ، وسهل بن زياد الآدمي إلى الاقصاء من قم.

الثاني : إن كثرة النقل عن شخص آية كون المرويّ عنه ثقة ، وإلا عاد النقل لغواً ومرغوباً عنه ، وهذا بخلاف قلة النقل ، فانه ـ مع كونه أمراً متعارفاً ـ يمكن أن يكون للنقل غايات اُخرى ، غير الاعتماد وهو تعضيد سائر الروايات والنُّقول ، وهذه منتفية فيما إذا كثر النقل عن شخص.

هذا ، وإن صاحب المستدرك قد أفرط في تكثير أسباب التوثيق وجعل نقل الثقة عن شخص آية كون المرويّ عنه ثقة ، وتمسك بوجوه غير نافعة يقف عليها السابر في كتابه.

هذه نهاية الدراسة حول التوثيقات العامة ، فقد عرفت الصحيح عن السقيم ، وأن المفيد منها قليل بالنسبة إلى غيره.

وبذلك نختم الحديث حول هذا الموضوع ونخوض في موضوع آخر ، وهو بيان مدى اعتبار الكتب الاربعة من حيث الصحة والاعتبار ، وهو بحث قيّم لا يستغني عنه الفقيه ، كما أنه لا يمكن أن يكتفي بما ورد في هذه الدراسة ، بل لا بدّ من مواصلة البحث والدراسة في هذا المجال ، بدقّة ومزيد إمعان.

٣٥٠

الفصل السابع

دراسة حول الكتب الاربعة

١ ـ الكافي.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه.

٣ ـ التهذيب والاستبصار.

٣٥١
٣٥٢

١ ـ تقييم احاديث « الكافي »

٣٥٣
٣٥٤

إن البحث عن كتاب الكافي للشيخ الأجل الكليني يقع على وجهين :

الأول : هل كلّ من ورد في أسناد الكافي ثقة او لا؟ وهذا هو الذي استقصينا البحث عنه عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال وأوضحنا الحال فيه فلا نعود اليه.

الثاني : هل هناك قرائن تدلّ على أن كل ما ورد فيه من الروايات صحيح ، بمعنى أنه معتبر يصحّ العمل به او لا؟ وهذا ما نبحث عنه في المقام ، ولنقدّم كلمة في حق المؤلف وكتابه.

إن كتاب الكافي أحد الكتب الاربعة التي عليها تدور رحى استنباط مذهب الإمامية ، فان أدلة الاحكام وإن كانت أربعة ( الكتاب والسنة والعقل والاجماع ) على ما هو المشهور بين الفقهاء ، إلا أن الناظر في فروع الدين يعلم أن العمدة في استعلام الفرائض والسنن ، والحلال والحرام ، هو الحديث وأن الحاوي لجلّها ، هو الكتب الاربعة ، وكتاب الكافي بينها كالشمس بين نجوم السماء ، والمؤلف أغنى من التوصيف وأشهر من التبجيل.

فقد وصف الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق كتاب الكافي بأنه أجلّ

٣٥٥

كتب الشيعة وأكثرها فائدة(١) .

وقال المحقّق الكركي في اجازته للقاضي صفي الدين عيسى : « ومنها جميع مصنَّفات ومرويات الشيخ الإمام السعيد الحافظ المحدّث الثقة ، جامع أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، صاحب الكتاب الكبير في الحديث المسمّى بالكافي ، الذي لم يعمل مثله ، وقد جمع هذا الكتاب من الاحاديث الشرعية ، والاسرار الربانية ما لا يوجد في غيره ، وهذا الشيخ يروي عمَّن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيتعليهم‌السلام ورجالهم ومحدّثيهم مثل علي بن إبراهيم بن هاشم »(٢) .

وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في الكتاب الموسوم بـ « وصول الاخيار » : « أما كتاب الكافي ، فهو للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، شيخ عصره في وقته ، ووجه العلماء والنبلاء ، كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به ، صنَّف كتاب الكافي وهذَّبه في عشرين سنة ، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً يحتوي على ما لايحتوي عليه غيره »(٣) .

وقال العلاّمة المجلسي في مقدمة شرحه على الكافي : « وابتدأت بكتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الاسلام مقبول طوائف الأنام ، ممدوح الخاص والعام ، محمد بن يعقوب الكليني ـ حشره الله مع الأئمة الكرام ـ لأنه كان أضبط الاصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها »(٤) .

إلى غير ذلك من كلمات الثناء والاطراء ممّا لا مجال لذكرها.

قال النجاشي في ترجمة الكليني : « محمد بن يعقوب بن اسحاق أبو

__________________

١ ـ شرح عقائد الصدوق : ٢٧ ، طبعة تبريز.

٢ ـ بحار الانوار : ١٠٨ / ٧٥ ـ ٧٦.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ، الفائدة الرابعة.

٤ ـ مرآة العقول : ١ / ٣٤.

٣٥٦

جعفر الكليني ـ وكان خاله علاّن الكليني الرازي ـ شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. صنَّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي في عشرين سنة ، شَرْحُ كُتُبِه : كتاب العقل ، كتاب فضل العلم ـ إلى أن عدَّ أحداً وثلاثين كتاباً »(١) .

ثمَّ إن صاحب « لؤلؤة البحرين » نقل عن بعض مشايخه المتأخرين : « أما الكافي فجميع أحاديثه حصرت في ستَّة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، الصحيح منها باصطلاح من تأخّر خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثاً ، والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً ، والموثق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثاً ، والقوي منها اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً »(٢) .

وقال المحقّق المتتبع المحدث النوري بعد نقل ذلك الكلام : « الظاهر أن المراد من القوي ما كان بعض رجال سنده أو كلّه ، الممدوح من غير الإمامي ولم يكن فيه من يضعف به الحديث »(٣) .

وقال الشهيد في « الذكرى » : « إن ما في الكافي يزيد على ما في مجموع الصحاح الستة للجمهور وعدّة كتب الكافي اثنان وثلاثون »(٤) .

قال في « كشف الظنون » نقلاً عن الحافظ بن حجر : « إن جميع أحاديث صحيح البخاري بالمكرّر ، سوى المعلقات والمتابعات ، على ما حرّرته وحقّقته ، سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً ، والخالص من ذلك بلا تكرير ألفا حديث وستمائة وحديثان ، وإذا انضمّ اليه المتون المعلقة المرفوعة

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٢٧.

٢ ـ لؤلؤة البحرين للمحدث البحراني الطبعة القديمة غير المرقمة في أحوال شيخنا الكليني وذكر بعد هذا عدد سائر الكتب الثلاثة. وما ذكره من الأرقام ينقص عند الجمع ٧٨ حديثاً فلاحظ.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤١ الفائدة الرابعة.

٤ ـ الذكرى : ٦.

٣٥٧

وهي مائة وخمسون حديثاً ، صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة واحداً وستيّن حديثاً.

وروي أيضا عن مسلم أن كتابه أربعة آلاف حديث دون المكرّرات وبالمكرّرات سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً.

وقال ابو داود في أول سننه : « وجمعت في كتابي هذا اربعة آلاف حديث وثمانية أحاديث من الصحيح وما يشبهه وما يقاربه »(١) .

وقد جمع الامام أبو السعادات مبارك بن محمد بن الاثير الجزري ( المولود عام ٥٤٤ هـ ، والمتوفي عام ٦٠٦ هـ ) جميع ما في هذه الصحاح في كتاب أسماه « جامع الاصول من أحاديث الرسول » فبلغ عدد أحاديثه « ٩٤٨٣ ». قال ياقوت في معجمه : جمع الجرزي فيه بين البخاري والمسلم والموطّأ وسنن أبي داود وسنن النسائي والترمذي ، عمله على حروف المعجم وشرح غريب الاحاديث ومعانيها وأحكامها وصنَّف رجالها ونبَّه على جميع ما يحتاج اليه منها(٢) .

هذا حال الكتاب ومكانته ، وإليك بيان مدى صحّة رواياته.

الصحيح عند القدماء والمتأخرين

تقسيم الحديث إلى الاقسام الاربعة المشهورة تقسيم جديد حدث من زمن الرجالي السيد أحمد بن طاووس أستاذ العلاّمة وابن داود الحليين ، بعد ما كان التقسيم بين القدماء ثنائياً غير خارج عن كون الحديث معتبراً أو غير معتبر ، فما أيدته القرائن الداخلية كوثاقة الراوي ، أو الخارجية كوجوده في أصل معتبر

__________________

١ ـ كشف الظنون ، كما في مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤١ ـ لاحظ فتح الباري في شرح أحاديث البخاري : ١ / ٤٦٥ ، الفصل العاشر في عد أحاديث الجامع.

٢ ـ راجع مقدمة جامع الاصول : الجزء ١٢.

٣٥٨

معروف الانتساب إلى جماعة كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار ، فهو صحيح ، أي معتبر يجوز الاستناد اليه ، والفاقد لكلتا المزيتين غير صحيح ، بمنعى انه غير معتبر لا يمكن الركون اليه ، وان امكن ان يكون صادراً عنهم.

هذا هو التقسيم المعروف بين القدماء إلى عصر الرجالي المعروف ابن طاووس.

اما بعده ، فقد آل الأمر إلى التقسيم الرباعي ، بتقسيمه إلى صحيح وموثق وحسن وضعيف ، واما الباعث لهذا التقسيم ورفض التقسيم الدارج بين القدماء ، فليس هنا محل ذكره ولعل السبب هو ان القرائن المورثة للاطمئنان آل إلى القلة والندرة حسب مرور الزمان ، وأوجب ضياع الاصول والمصنفات المؤلفة بيد اصحابها الثقات ، فالتجأ إلى وضع التقسيم الرباعي الذي يبتني على ملاحظة السند واحوال الراوي ، وعلى كل تقدير فهناك اصطلاحان للحديث الصحيح.

والهدف من البحث هنا ، هو استعراض صحة احاديث الكافي حسب اصطلاح القدماء ، اعني اعتبارها لاجل القرائن الداخلية او الخارجية ، وممن أصر على ذلك شيخ مشايخنا المحدث النوري في الفائدة الربعة من خاتمة المستدرك ، واعتمد في ذلك على وجوه اربعة ، أهمها الوجه الرابع الذي استعرضناه عند البحث عن ادلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال ، لانه كان وجها عاماً يعمّ الكافي وغيره من سائر الكتب الاربعة ، وهو الاعتماد على ما صرح به مؤلفوه على صحة ما ورد فيها ، وقد عرفت مدى متانة ذلك الوجه ، وهنا نستعرض الوجوه الثلاثة الباقية ، فهي حسب اعتقاده تثبت اعتبار احاديثه وتغني الباحث عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه ، وتورث الوثوق والاطمئنان بصدورها وصحتها بالمعنى المعروف بين القدماء ، واليك تلك الوجوه الثلاثة :

٣٥٩

الوجه الأول : المدائح الواردة حول الكافي

ان المدائح الواردة في حق الكتاب ، تقتضي غناء الفقيه عن ملاحظة آحاد رواته ، واليك المدائح اجمالاً وان مرَّ تفصيلها في صدر البحث.

١ ـ وصفه الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق بأنه اجل كتب الشيعة واكثرها فائدة.

٢ ـ وعرفه المحقق الكركي في اجازته للقاضي صفيّ الدين عيسى بانه لم يعمل مثله.

٣ ـ وقال الشهيد في اجازته للشيخ زين الدين ابي الحسن علي بن الخازن : « لم يعمل للامامية مثله ».

٤ ـ وقال محمد امين الدين الاسترآبادي : « وقد سمعنا من مشايخنا وعلمائنا انه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه او يدانيه ».

٥ ـ ووصفه العلاّمة المجلسي بانه اضبط الاصول واجمعها واحسن مؤلفات الفرقة الناجية واعظمها.

وهذه المدائح لا ترجع إلى كبر الكتاب وكثرة احاديثه فانه مثله واكبر منه ممن تقدم او تأخر عنه ، كان كبيراً متداولاً بينهم ، كالمحاسن لاحمد بن محمد بن خالد البراقي ، ونوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، وانما هي لاجل اتقانه وضبطه وتثبته.

اقول : لا يخفى انه يستفاد من هذه المدائح اعتبار الكتاب بما هو هو ، في مقابل عدم صلاحيته للمرجعية والمصدرية ، لانه لازم قولهم « اجل الكتب واكثرها فائدة » او « انه لم يعمل مثله في الاسلام ». اما استفادة غنى المستنبط عن ملاحظة آحاد رجال احاديثه ، وان كل ما فيه معتبر فلا ، إذ ليس معنى اعتبار الكتاب صحة كل واحد من احاديثه ، بحيث يغني الباحث عن اية مراجعة ،

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

٥١

غزوة الطائف

« الطائف » من مصايف الحجاز ومن المناطق الخصبة ، الكثيرة الزرع فيها ، وتقع الطائف في الجنوب الشرقي من مكة على بعد (١٢) فرسخا منها ، وقد كانت ولا تزال بسبب مناخها اللطيف ، وبساتينها المثمرة ، ونخيلها الكثيرة مقصدا بل مركزا وموطنا لطلاب اللذة والراحة من أهل الحجاز.

وقد كانت قبيلة ثقيف التي كانت تعدّ من القبائل العربية القوية الكثيرة العدد تسكن في هذا البلد.

وكانت أعراب ثقيف من الذين شاركوا في معركة « حنين » ضدّ الاسلام والمسلمين ، ثم لجئوا بعد الهزيمة المنكرة التي لحقت بهم على أيدي جنود الاسلام الظافرين إلى بلدهم الذي كان لهم آنذاك فيه حصن قويّ ومنيع.

ولتكميل الانتصار الاسلامي أمر الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بملاحقة الهاربين المنهزمين في معركة حنين.

من هنا كلّفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا عامر الأشعري وأبا موسى الأشعري وفريقا من جنود الاسلام بملاحقة من لجأ منهم إلى « أوطاس » فقتل القائد الأوّل في هذه الواقعة ، واستطاع الثاني أن يحرز انتصارا كبيرا على العدو ويفرق جمعه(١) .

وأما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه فقد توجه بالبقية من جيشه الى

__________________

(١) المغازي : ج ٣ ص ٩١٥ و ٩١٦.

٥٢١

الطائف(١) ، ومرّ في طريقه على حصن مالك بن عوف النصرى مثير فتنة « حنين » ورأس المؤامرة ، فهدمه وسوّاه بالأرض.

على أن تهديم حصن « مالك » لم يكن بدافع انتقاميّ بل كان لأجل ان لا يترك وراءه نقطة اعتماد وملجأ للعدوّ.

تحركت أعمدة الجيش الاسلامي الواحدة تلو الاخرى ، واستقرت حول مدينة الطائف.

كان حصن الطائف حصنا منيعا ، مرتفع الجدران ، قوي البنيان ، فيه أبراج للمراقبة مسيطرة على خارج الحصن سيطرة كاملة.

ومنذ أن استقرّ الجيش الاسلامي خارج الطائف بدأ حصاره لها ، غير أنّ الحصار لم يتكامل بعد حتى عمد العدو إلى رمي المسلمين للحيلولة دون تقدّمهم نحو المواقع المرسومة لها ، فقتل بهذا جماعة من المسلمين في بداية هذه الواقعة.

فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجيش بالانسحاب والتراجع التكتيكي الى نقطة بعيدة عند مرمى العدوّ ، والتمركز فيها ريثما تصدر الاوامر الجديدة

وهنا اقترح « سلمان الفارسي » الذي سبق له أن اقترح حفر الخندق في معركة الاحزاب ، وكان ذا خبرة بفنون القتال ، اقترح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يرمي الحصن بالمنجنيق(٢) ، وكان هذا الجهاز الذي كان يستخدم في حروب تلك الأعصر يؤدى نفس دور الدبابة في الحروب الراهنة.

فقام امراء الجيش الاسلامي بنصب المنجنيق بارشاد وتوجيه من سلمان ، وأخذوا يرمون الحصن المذكور وأبراجها الشاهقة بالحجارة طوال عشرين يوما متوالية.

ولكن العدوّ لم يسكت تجاه هذه العمليات القوية التي بدأها المسلمون ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢١ ص ١٦٣.

(٢) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤١٧.

٥٢٢

فزاد من رميه واستمر في ذلك ، فوقعت بين المسلمين بعض الاصابات نتيجة ذلك(١) .

والآن يجب أن نرى كيف حصل المسلمون على جهاز المنجنيق ، هذا؟

يرى البعض أن سلمانا هو الذي صنع هذا الجهاز وعلّم المسلمين كيفية استخدامه في هذه الغزوة(٢) .

ويرى آخرون ان المسلمين حصلوا على هذا الجهاز وغنموه من اليهود في خيبر عند فتح قلاعهم وحصونهم واصطحبوه معهم إلى الطائف واستخدموه في غزوها.

ولا يبعد أن الصحابي الجليل سلمان الفارسي قد ادخل بعض التحسينات على ذلك الذي جلبه المسلمون من خيبر ، وعلّم المسلمين كيفية نصبه واستخدامه في القتال ، فانه يستفاد من التاريخ أن المنجنيق لم يكن منحصرا في المنجنيق الذي حصل عليه من يهود خيبر ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث الطفيل بن عمرو الدوسي لتحطيم أصنام لقبيلة « دوس » في وقت متزامن مع خروجه الى معركة حنين ثم الطائف فعاد الطفل فاتحا مع من خرجوا تحت إمرته من جنود الاسلام الاربعمائة ، وكانوا برمتهم من أبناء قبيلته ، فقد قدم الطائف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عدد واحد من جهاز المنجنيق وعربتين حربيتين خاصتين ، وقد استخدمت هذه الآليات في غزوة الطائف.

شدخ جدار الحصن بالمنجنيق :

كان لا بدّ لاخضاع العدو ودفعه إلى الاستسلام من القيام بحملات واسعة ومن مختلف الاطراف والنواحي ، ولهذا تقرر أن يقوم جنود الاسلام ، مضافا إلى

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٥٨.

(٢) السيرة النبوية : ج ٤ ص ١٢٦ ، وابن هشام يرى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اول من أستخدم المنجنيق في الجزيرة العربية.

٥٢٣

رمي الحصن بالمنجنيق ، إيجاد ثغرة في الجدار واجه مشكلة كبرى ، لأن السهام والاحجار ، والنيران كانت تنصبّ على رءوس المقاتلين المسلمين كالمطر ، ولم يكن في مقدور أحد منهم الاقتراب والدنوّ من جدار الحصن ، فكان أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف هو استخدام الدبابة التي كانت في جيوش العالم الكبرى في تلك العصور في صورتها البدائية.

وكانت الدبابة آنذاك تصنع من الخشب وتغطى بجلود البقر ، ويدخل تحتها جماعة من الجنود الاقوياء ثم تتحرك نحو الحصن حتى تدنو إليه ، ويقوم الجنود بعملية إيجاد ثغرة او نقب في جدار الحصن ، فاستخدم نفر من جنود الاسلام الشجعان الاشداء هذا الجهاز بالطريقة المذكورة ، بيد أن العدو قد حال دون هذا العمل إذ ألقى على الدبابة سكك الحديد المحماة بالنار فاخرب سقفها ، واضطرّ أفرادها الى الخروج منها ، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلت منهم رجلا واحدا ولم ينتج هذه التكتيك القتالي ، ولم يتحقق أي نجاح في هذا المجال ، فانصرف المسلمون عن استخدامه(١) .

ضغوط اقتصادية ونفسية :

إن تحقيق الانتصار لا ينحصر في مجرد استخدام الطرق والتكتيكات العسكرية ، بل للقائد الحكيم أن يستخدم ـ لاضعاف قوة العدو وكسر صموده ـ الضربات والضغوط الاقتصادية ويجبره على الاستسلام.

وقد تكون الضربة النفسية والاقتصادية اقوى مفعولا بدرجات أى إن أثرها تفوق بمراتب عديدة أثر الضربة العسكرية ، والإضرار البدني الذي يلحق بجنود العدو وأفراده.

ولقد كانت أرض الطائف أرض زراعة ، ونخيل وأعناب ، وكانت معروفة

__________________

(١) المغازي : ج ٣ ص ٩٢٨.

٥٢٤

في الحجاز بخصبها ، وكثرة محاصيلها وخيراتها ، لأن أهلها كانوا يجهدون كثيرا في تنمية نخيلهم وأعنابهم ورعايتها ، ويولون الحفاظ عليها اهتماما كبيرا ، ويعطون هذا الأمر القسط الاكبر من جهودهم.

فأعلن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهديد المتمردين اللاجئين إلى الحصن ، والمعتصمين به ، بأنه سيعمد إلى قطع أعناب ثقيف ، وإفناء مزارعها إذا واصل المعتصمون بالحصن مقاومتهم ولم يسلموا للمسلمين.

فلم يكترث العدو بهذا التهديد لأنه لم يك يتصور أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو النبي الذي عرف برحمته ورافته ـ يستخدم مثل هذه الطريقة.

وفجأة وجدت « ثقيف » أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصدر أوامره بقطع الأعناب ، واتلاف المزارع وتحريقها ، فوقع المسلمون فيها يقطعون ويحرقون.

فعجّت « ثقيف » لذلك وضجّت ، واستغاثت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقسمت عليه بالرحم والقرابة أن يكف عن ذلك ، فتركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احتراما لوشيجة القربى التي كانت بينه وبين « ثقيف ».

ان المعتصمين بحصن الطائف وان كانوا من مثيرى معركة حنين والطائف ، وتانك الغزوتان اللتان كلّفتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكثير من الخسائر والمتاعب غير أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل مع ذلك التماس العدو وطلبه هذا ، فابدى وللمرة الاخرى وجه الاسلام الرحيم وكشف عن إنسانيته في التعامل مع العدوّ اللدود في ميدان القتال ، وأمر أصحابه بالكف عن قطع الاعناب وتحريقها.

ثم إن مع ما نعرفه ونعهده من أخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأساليبه الانسانية في مجال التعامل مع العدوّ ، يمكننا أن ندرك بسرعة أن الامر بقطع الاعناب وتحريق المزارع كان مجرد تهديد ومحاولة ضغط على العدو بحيث إذا لم تنجح هذه الطريقة معه لكفّ عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

٥٢٥

آخر محاولة لفتح حصن الطائف :

كانت قبيلة « ثقيف » جماعة ثريّة ، وذات مال كثير ، وعبيد وإماء كثيرين ، ولكي يحصل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على معلومات دقيقة عن الاوضاع في داخل الحصن ، ويعرف بالتالي حجم امكانات العدو ومدى استعداداته من جهة ، ويوجد الاختلاف في صفوفه من جهة اخرى أمر أن يعلن عن القرار التالي : وينادى : أي عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حرّ.

ونفعت هذه الطريقة إلى حدّ ما ، فقد خرج من الحصن بطريقة ماهرة حوالي بضعة عشر رجلا من عبيد ثقيف ورقيقهم ، والتحقوا بصفوف المسلمين فعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال التحقيق معهم أنّ المعتصمين بالحصن لا ينوون الاستسلام ، وأنهم مستعدون للمقاومة حتى لو طال الحصار عاما واحدا ، فإنهم قد أعدّوا لمثل هذا الحصار الطويل الطعام الكافي ، ولن يقعوا في أزمة بسبب طول الحصار.

جيش الاسلام يعود الى المدينة :

استخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الغزوة جميع الاساليب والتكتيكات العسكرية المادية والنفسيّة ضدّ العدوّ ، وقد اثبتت التجربة أن فتح الحصن يحتاج إلى مزيد من الصبر والعمل على حين لم تكن ظروف الجيش الاسلامي وامكاناته ـ يومذاك ـ لتسمح بذلك القدر من الصبر والترقب ، والانتظار والتوقف ، اكثر ممّا توقف ومكث في تلك المنطقة وذلك :

أولا : لأنه قتل في اثناء هذه المحاصرة (١٣) مسلما سبعة منهم من قريش ، وأربعة من الانصار ، ورجل واحد من قبيلة اخرى.

هذا مضافا إلى من استشهد من المسلمين في وادي « حنين » إثر هجوم العدوّ الغادر ، وانفراط صفوف الجيش الاسلامي ، والذين لم يذكر التاريخ مع

٥٢٦

الأسف أسماءهم ، وخصوصياتهم ، ولهذا كان قد دبّ نوع من التعب في نفوس جنود الإسلام لم يكن من الصالح تجاهله.

وثانيا : أن شهر شوال قد انتهى ، وبدأ شهر ذي القعدة الذي كان معدودا عند العرب من الاشهر الحرم وقد أيّد الاسلام فيما بعد هذه السنّة ، وأكّد حرمة الاشهر الحرم.

من هنا كان من الضروري ـ حفاظا على هذه السنّة ـ(١) إنهاء الحصار في أقرب وقت لكي لا تتّهم عرب ثقيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمخالفة السنّة الصالحة وخرقها.

أضف إلى ذلك دنوّ حلول موسم الحج ، مع العلم بأن إدارة ذلك الموسم ومناسكه كانت في ذلك العام للمسلمين ، بعد أن كانت ـ قبل ذلك ـ تدار بواسطة المشركين وبرعايتهم.

ولا شك أن موسم الحج الذي كان سببا لحصول اجتماع بشريّ عظيم من سكان الجزيرة العربية كان يوفّر اكبر وافضل فرصة لتبليغ الاسلام ، وبيان حقيقة التوحيد ، وكان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يستغل هذه الفرصة العظيمة التي اتيحت له لأوّل مرة ، في مجال الدعوة ، ويستفيد منها اكثر قدر ممكن ويولي اهتمامه لقضايا اخرى اكثر أهميّة وخطورة من فتح حصن واقع في منطقة نائية.

مع أخذ هذه الظروف بنظر الاعتبار ترك الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصار الطائف وعاد بجيشه إلى الجعرّانة التي جعلها محلا لحفظ أسرى حنين وغنائمها.

__________________

(١) ويدلّ على هذا الأمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك مكة متوجها إلى الطائف في الخامس من شهر شوال واستغرقت مدة الحصار عشرين يوما ، وصرفت بقيّة الايام ( وهي خمسة ) في المسير إلى حنين ، وفي المعركة.

وقولنا بأن الحصار طال عشرين يوما يستند إلى رواية نقلها ابن هشام ، إلاّ أن ابن سعد ذكر مدة الحصار أربعين يوما ( الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٥٨ ).

٥٢٧

حوادث ما بعد الحرب :

انتهت حوادث معركة « حنين » و « الطائف » وعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون تحقيق نتيجة قطعية الى « الجعرانه » لتقسيم غنائم معركة « حنين ».

والغنائم التي حصل عليها المسلمون في معركة « حنين » كانت من اكبر الغنائم التي غنموها طوال المعارك الاسلامية كلّها ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم قدم « الجعرّانة » كان هناك ستة آلاف أسير و (٢٤) ألف من الإبل واكثر من (٤٠) ألف رأس غنم و (٨٥٢) كيلو غرام من الفضة يحافظ عليها في مركز الغنائم(١) وكان من الممكن أن تسدّد القيادة من هذه الغنائم قسما كبيرا من ميزانية الجيش الاسلامي.

لقد مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في « الجعرّانة » ثلاثة عشر يوما ، وفي هذه المدة قسّم تلك الغنائم بطريقة خاصة ملفتة للنظر وجديرة بالتأمل والدراسة.

فقد خلّى سبيل بعض الأسرى ، وتركهم لذوبهم ، وخطّط لاخضاع ( او بالاحرى إسلام ) مالك بن عوف النصري مثير معركة حنين والطائف الهارب ، كما أظهر تقديره وشكره لمواقف الاشخاص في هاتين الغزوتين وخدماتهم ، وجذب بسياسته الحكيمة افئدة أعداء الاسلام ، ورغّبها في عقيدة التوحيد الشريفة ، وأنهى نقاشا حدث بينه وبين جماعة الأنصار حول طريقة تقسيم الغنائم بخطبة جميلة.

وإليك تفصيل الكلام في المواضيع المذكورة :

١ ـ لقد دأب رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على احترام حقوق الأفراد ، وتثمين جهودهم مهما ضؤلت ودقّت ، وعلى أن لا يبخس أحدا عمله ، فإذا أحسن

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٥٢.

٥٢٨

إليه أحد قابل إحسانه بما يزيد عليه أضعافا مضاعفة. وكان ذلك من أبرز صفاته وأخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقد رضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترعرع في قبيلة بني سعد التي هي من قبائل هوازن ، وقد ارضعته امرأة من هذه القبيلة تدعى « حليمة السعدية » ، وقد بقي في تلك القبيلة خمسة أعوام.

وقد شاركت قبيلة بني سعد في معركة حنين ضدّ الاسلام فسبيت بعض نسائهم وأطفالهم على أيدي المسلمين ، كما وقعت بعض أموالهم بأيديهم أيضا ، وقد ندمت على فعلها ندما شديدا.

وقد كانوا يعلمون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشأ وترعرع فيهم ، ورضع بلبن نسائهم هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى كانوا يعرفون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملء قلبه الرحمة والمروءة ومعرفة الجميل ، فاذا سنح لهم أن يذكّروه بذلك لأطلق أسراهم حتما.

فقدم أربعة عشر رجلا من رؤسائهم الذين كانوا قد أسلموا جميعا « الجعرانة » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أمّروا على أنفسهم شخصيتين من رجالهم أحدهما هو « زهير بن صرد » والآخر عم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرضاعة ، فقالوا : يا رسول الله إنّما في هذه الأسرى من يكفلك من عماتك وخالاتك ، وحواضنك ، وقد حضنّاك في حجورنا وارضعناك بثدينا ، ولقد رايتك مرضعا فما رأيت مرضعا خيرا منك ، ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ، ورأيتك شابا فما رأيت شابا خيرا منك ، وقد تكاملت فيك خلال الخير ، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك فامنن علينا منّ الله عليك.

وقال زهير بن صرد : يا رسول الله إنّما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كنّ يكفلنك ، ولو أننا ملحنا للحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين.

٥٢٩

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم :

« إن أحسن الحديث أصدقه ، وعندي من ترون من المسلمين ، فابناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم »؟

قالوا : يا رسول الله خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا وما كنّا نعدل بالأحساب شيئا ، فردّ علينا أبناءنا ونساءنا.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم واسأل لكم الناس وإذا صلّيت الظهر بالناس فقولوا : إنا لنستشفع برسول الله الى المسلمين ، وبالمسلمين الى رسول الله فاني سأقول : لكم ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس ».

فلما صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر بالناس قاموا فتكلموا بالذي أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إنا نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم.

وبهذا وهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم نصيبه من الاسرى.

فقال المهاجرون : أمّا ما كان لنا فهو لرسول الله.

وقال الانصار : ما كان لنا فهو لرسول الله.

وهكذا وهب الانصار والمهاجرون نصيبهم من الاسرى تبعا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يتأخر عن ذلك إلاّ قليلون مثل « الاقرع بن حابس » و « عيينة بن حصن » فقد امتنعا عن أن يهبا نصيبهما ، ويطلق سراح ما عندهم من السبايا ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد استأنيت بهم ، فخيّرتهم بين النساء والأبناء ، والأموال ، فلم يعدلوا بالأبناء والنساء ، فمن كانت عنده منهنّ شيء فطابت نفسه أن يردّه فليرسل ،

٥٣٠