كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال14%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149103 / تحميل: 5395
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أنحاء العالم الإسلامي بإحضار كبار العلماء من المتمرّسين في مختلف أنواع العلوم بالحضور إلى خراسان ليسألوا الإمام عن أعقد المسائل العلمية، ولمّا حضروا عنده عرض عليهم الأمر، ووعد بالثراء العريض كل مَن يسأل الإمامعليه‌السلام سؤالاً يعجز عن إجابته، والسبب في ذلك - فيما نحسب - يعود إلى ما يلي:

أوّلاً: إنّ المأمون أراد أن ينسف عقيدة الشيعة ويقضي على جميع معالمها فيما إذا عجز الإمام الرضاعليه‌السلام فإنّه يتخذ من ذلك وسيلة لنقض ما تذهب إليه الشيعة من أنّ الإمام أعلم أهل عصره، وأدراهم بجميع أنواع العلوم، ومن الطبيعي أنّ ذلك يؤدّي إلى زعزعة كيان التشيّع، وبطلان عقيدتهم في أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ثانياً: إنّ الإمام لو عجز عن أجوبة المسائل التي يقدمها العلماء له فإنّ المأمون يكون في سعة من عزله عن ولاية العهد بعد أن استنفذت أغراضه السياسية منها، فقد أظهر للناس في بداية الأمر أنّه إنّما رشّح الإمام لهذا المنصب الخطير لأنّه أعلم الأمّة، ولكن لما ظهر له خلاف ذلك قام بعزله، وفي نفس الوقت تقوم وسائل إعلامه بإذاعة ذلك، والحط من شأن الإمام، وفي ذلك استجابة لعواطف الأسرة العباسية التي غاظها ترشيح المأمون للإمام لولاية العهد.

فعمدت إلى عزله، ومبايعة المغني إبراهيم - كما سنتحدث عن ذلك - وعلى إي حال فقد قام العلماء بالتفتيش عن أعقد المسائل وأكثرها صعوبة وعمقاً في جميع أنواع العلوم، وعرضوها على الإمام فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتمرّس فيها، ويقول الرواة: إنّه سُئل عن أكثر من عشرين ألف مسألة في نوب مفرقة عاد فيها بلاط المأمون إلى مركز علمي، وخرجت الوفود العلمية، وهي مليئة بالإعجاب والإكبار بمواهب الإمام وعبقرياته، وأخذت تذيع على الناس ما يملكه الإمام من طاقات هائلة من العلم والفضل كما ذهب معظمهم إلى القول بإمامته، ممّا اضطر المأمون إلى حجب الإمام عن العلماء خوفاً أن يفتتنوا له ولم يذكر الرواة إلا كوكبة يسيرة منها، نعرض لها ولبعض ما أثر عنه هذا الموضوع، وفيما يلي ذلك:

1 - أسئلة عمران الصابئ:

وكان عمران الصابئ من كبار فلاسفة عصر الإمامعليه‌السلام كما كان الزعيم الروحي لطائفة الصابئة، وقد انتدبه المأمون لامتحان الإمام، فاختار له أعمق المسائل الفلسفية وأكثرها تعقيداً وغموضاً. وقد شرحها وعلّق عليها المحقّق الشيخ

١٠١

محمد تقي الجعفري، قال: وقد اشتمل هذا الاحتجاج على أهم المسائل الإلهية وأغمضها، وهي على إطلاقها عويصات في الحكمة المتعالية، قد أتعبت أفكار الباحثين الناظرين في ذلك الفن، ولم يأت هؤلاء الأساطين بأجوبة كافية لتلك المسائل بل تعقبها أسئلة أخرى ربّما تكون أغمض من نفس الأسئلة، وقد وقعت تلك الغوامض موارد لأسئلة عمران في هذه الرواية، وأجاب عنها الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ثامن حجج الله على عباده وأُمنائه في أرضه، وما بيّنه الإمام في هذا الاحتجاج مناهج واضحة لم يطمسها غبار الحجب المادية التي تثيرها العقول المحدودة في معقل المحسوسات المظلمة، هكذا ينكشف عند المتمسّكين بأذيال أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي حقائق ضل في سبيل الوصول إليها الأفكار الناقصة.

( ونعرض للنص الكامل من أسئلة الصابئ وجواب الإمام عنها حسبما ذكره الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا) مع مقتطفات من تعليقات الشيخ الجعفري عليها... لقد قدم الوفد الذي كان مع عمران جملة من المسائل، وبعدما أجاب الإمامعليه‌السلام عن أسئلة الوفد الذي هو من كبار علماء النصارى، واليهود والصابئة، قال لهم: ( يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام، وأراد أن يسأل، فليسأل غير محتشم... )

فانبرى إليه عمران الصابئ، وكان متطلّعاً بصيراً في علم الكلام فخاطب الإمام بأدب وإكبار قائلا: ( يا عالم الناس لولا أنّك دعوت إلى مسألتك، لم أقدم عليك بالمسائل، فلقد دخلت الكوفة والبصرة، والشام، والجزيرة ولقيت المتكلّمين، فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً - يعني أنّ الله تعالى واحد لا ثاني له - ليس غيره قائماً بوحدانيته أفتأذن لي أن أسألك... )

عرض الصابئ إلى عمق مسألته، وأنّه لم يهتد لحلها علماء الكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ويطلب من الإمامعليه‌السلام حلها، فقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً: ( إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو... ).

( أنا هو )

١٠٢

سل يا عمران، وعليك بالنصفة، وإيّاك والخطل(1) والجور... ).

وأطرق الصابئ بوجهه إلى الأرض، وقال بنبرات تقطر أدباً وإجلالاً للإمام: ( والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلق به فلا أجوزه... )

لقد أعرب الصابئ عن نواياه الحسنة وأنّه يريد الحقيقة، والوصول إلى الواقع، ولا صلة له بغير ذلك، فقالعليه‌السلام : ( سل عمّا بدا لك... ).

وكان المجلس مكتظاً بالعلماء والقادة، وفي طليعتهم المأمون فانضم بعضهم إلى بعض، وانقطعوا عن الكلام ليسمعوا أسئلة الصابئ وجواب الإمام عنها، وتقدّم الصابئ بأسئلته.

س1: ( أخبرني عن الكائن الأوّل، وعمّا خلق... ) أمّا المسؤول عنه في هذه الكلمات فهو الشيء الأوّل والمادة الأُولى التي خلق الله تعالى الأشياء منها، وليس المسؤول عنه وجود الله المبدع العظيم فإنّه من الأمور الواضحة التي لا يشك فيها من يملك وعيه وإرادته، فإنّ جميع ما في الكون تدلّل على وجود خالقها فإنّه من المستحيل أن يوجد المعلول من دون علّته... ولنستمع إلى جواب الإمامعليه‌السلام عن هذه المسألة.

ج 1: ( أمّا الواحد فلم يزل واحداً كائنا، بلا حدود، ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة، لا في شيء أقامه، ولا في شيء حده، ولا على شيء حذاه، ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة، وغير صفوة، واختلافاً وائتلافاً، وألواناً وذوقاً وطعماً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به ولا رأي لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً... ).

وحكى هذا المقطع من جواب الإمامعليه‌السلام ما يلي:

أوّلاً: إنّ الله تعالى واحد لا شيء معه، وهو مجرّد من الحدود والأعراض التي هي من صفات الممكن، فهو كائن واحد، ما زال ولا يزال، وليست وحدته عددية أو نوعية أو جنسية، وإنّما بمعنى عدم ارتباطه بأي شيء مادي أو غير مادي، فهو بمرتبة من الكمال لا يشابهه أي شيء من الممكنات التي نسبتها إليه نسبة الصانع إلى المصنوع، فتبارك الله.

ثانياً: إنّ النظرة البدوية في الأشياء أنّ كل صورة لا بد لها من مادة تقوم وتحل

___________________________

(1) الخطل: المنطق الفاسد.

١٠٣

بها، ولكن هذا بالنسبة إلى غير الواجب تعالى أمّا هو فإنّه يخلق الأشياء لا من شيء كان، ولا من شيء خلق، وإنّما يقول للشيء كن فيكون، فقد ابتدع خلق الأشياء لا على شيء حذاه، ومثله له، فهو القوّة الكبرى المبدعة لخلق الأشياء لا لحاجة منه إليها، فهو المصدر الوحيد للفيض على جميع الكائنات.

والتفت الإمامعليه‌السلام إلى عمران فقال له: ( تعقل هذا يا عمران...؟ ).

( نعم والله يا سيدي... ).

( اعلم يا عمران أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة، لم يخلق إلاّ مَن يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه كان لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى؛ ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة ولكن تقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل... ).

وهذا الكلام متمّم لما قبله من أنّ الله تعالى خلق الخلق في غنى عنهم فهم المحتاجون إلى فيضه ورحمته وعطائه، فهو الجواد المطلق الذي بسط الرحمة والإحسان على جميع الموجودات والكائنات، وكان من فضله أنّه فضّل بعض مخلوقاته على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل.

س 2: ( يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه..؟ ).

وهذا السؤال عميق للغاية، وتوضيحه - حسبما ذكره الشيخ الجعفري - أن تحصل شيء وتحققه في الانكشاف العلمي كواقع ذلك الشيء ينحل إلى هوية نفسه، وطارديته لغيره، وبذلك يكون محدوداً، فإنّ الحجر ما لم يضف إلى هويته عدم جميع أضداده لا يتحصّل تحصلاً علمياً... فإنّ النفس المعلومة ما لم يلاحظ طرد جميع ما سواها عنها لا تكون معلومة ومحصلة عند العالم وكأنّ هذا هو الموجب لسؤال عمران عن كونه تعالى معلوماً عند نفسه، فحينئذٍ لو أجاب الإمام بثبوته لاستشكل عمران هل كان تحصيل نفسه عند نفسه ملازماً لطرد غيره من المعقولات أم لا؟.

ج 2: قالعليه‌السلام : ( إنّما يكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه، وليكن الشيء نفسه، بما نفى عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه، فتدعوه الحاجة إلى

١٠٤

نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها... والتفت الإمام إلى عمران فقال له: ( أفهمت يا عمران؟... ).

( نعم والله يا سيدي... ).

وحاصل ما أجاب به الإمامعليه‌السلام أنّ ما ذكره الصابئ إنّما يصح فيما لو كان المعلوم مقارناً بعدّة أشياء تخالفه فيلزم حينئذٍ نفي تلك الأشياء لتحصيل المعلوم إلاّ أنّ الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة ما لم يكن هناك شيء يقارنه فلا حاجة إلى نفيه ليقرّر إرادته بذلك النفي.

س 3: أخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ضمير؟

أراد الصابئ بهذا السؤال إلزام الإمام بالقول بالتركيب في ذاته تعالى، من جهة أنّه ذو ضمير.

ج 3: أرأيت إذا علم بضمير هل يجد بداً من أن يجعل لذلك الضمير حداً تنتهي إليه المعرفة؟ أراد الإمام أنّ ذلك الضمير لا بد أن يعرف حقيقته وماهيته، وقد وجّه الإمام إليه السؤال التالي: ( فما ذلك الضمير؟... ).

فانقطع الصابئ عن الكلام ولم يستطع أن يقول شيئاً، فقد سد الإمام عليه كل نافذة يسلك فيها لإثبات ما يذهب إليه، والتفت الإمام إليه قائلاً: ( لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه فتعرفه بضمير آخر؟ فإن قلت: نعم، أفسدت عليك قولك... ).

وأقام الإمام الحجّة الكاملة والبرهان القاطع على بطلان ما التزم به الصابئ من أنّه تعالى يعلم بواسطة الضمير، وعلى هذا فلا بد من ضمير آخر يقع به الإدراك لذاته تعالى، وهذا الضمير الآخر يتوقّف على ضمير غيره، وهكذا فيلزم التسلسل، وهو ما لا نهاية له، وإن توقف الضمير الثاني على الضمير الأول فيلزم منه الدور والأمران ممّا أجمع على فسادهما، لترتب الأمور الفاسدة عليها حسبما ذكره الفلاسفة والمنطقيون وتمم الإمامعليه‌السلام حجته وبرهانه بقوله: ( يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له: أكثر من فعل وعمل وصنع، وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزية كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم، فاعقل ذلك، وابن عليه ما علمت صواباً... ).

١٠٥

أراد لإمامعليه‌السلام أنّ صدور الأفعال والأعمال المختلفة من الله تعالى ليست على غرار غيره من الممكنات التي تحتاج إلى العلل والأسباب كالعقل، وغيره من سائر الجوارح الظاهرية، فإنّه تعالى يستحيل عليه ذلك.

س 4: ( يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يكون؟... ).

واستفسر عمران عن حدود المخلوقات التي تميز بعضها عن بعض فأجابه الإمام:

ج 4: ( قد سألت فاعلم أنّ حدود خلقه على ستة أنواع: ملموس، وموزون، ومنظور إليه، وما لا ذوق له، وهو الروح، ومنها منظور إليه، وليس له وزن، ولا لمس، ولا حس، ولا لون، ولا ذوق، والتقدير والأعراض، والصور، والطول، والعرض، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها، وتغيّرها من حال إلى حال وتزيدها، وتنقصها، فأمّا الأعمال والحركات فإنّها تنطلق؛ لأنّه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة، وبقي الأثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره... ).

وحفل جواب الإمامعليه‌السلام بذكر الخواص والصفات التي تتميّز بها الأشياء سواء أكانت من الكائنات الحيّة أم من غيرها.

س 5: يا سيدي: ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره، ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق... ).

ومعنى هذا السؤال أنّ الحقائق الطبيعية، التي أوجدها الله تعالى، أنّها توجب تغير الخالق العظيم بتغييرها، وهذا إنّما يلزم على القول باتحادها معه تعالى ذاتاً، وهذا مستحيل.

ج 5: ( قديم لم يتغيّر عزّ وجل بخلقه الخلق، ولكن الخلق يتغيّر، بتغييره... ).

وحاصل جواب الإمامعليه‌السلام أنّ الخالق العظيم لما كان هو الصانع والموجد للأشياء، وهو قديم فلا يلزم منه التغيير بتغيير الممكنات والكائنات.

س 6: ( يا سيدي فبأي شيء عرفناه؟... ).

ج 6: ( بغيره... إنّ جميع ما في الكون ممّا يرى، وممّا لا يرى يدلل على وجود الخالق العظيم،

١٠٦

لقد عرفناه بمخلوقاته، وآمنا به بما نشاهده من بدائع صنعته، وقد استبان بصورة واضحة لا غموض فيها في هذه العصور التي غزا الإنسان فيها الفضاء الخارجي، فقد ظهر للبشرية عظيم صنعته تعالى بما أودعه في هذا الفضاء من الكواكب التي لا تحصى ولا تعد، وكلّها تسير بانتظام، ودقّة، ولو اختلفت في مسيرها لحظة لتصادمت، وتلاشت، ولم يبق لها اثر، فسبحان الله المبدع الحكيم.

س 7: أي شيء غيره؟

ج 7: ( مشيئته، واسمه وصفته، وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث، مخلوق، مدبّر... ).

لقد عرفنا الله بمشيئته واسمه وصفاته التي دلّت عليه سبحانه، ففي دعاء الصباح: ( يا مَن دلّ على ذاته بذاته ).

وكل ما في الكون من موجودات تستند إليه استناد المصنوع إلى الصناع.

س 8: يا سيدي أي شيء هو؟

ج 8: ( هو نور، بمعنى أنّه هادٍ خلقه من أهل السماء، وأهل الأرض، وليس لك عليّ أكثر من توحيدي إيّاه... ).

لقد أراد عمران بسؤاله معرفة حقيقة الله تعالى، متوهّماً أنّه تعالى كسائر الممكنات والموجودات، ولمّا كان ذلك مستحيلاً، إذ كيف يحيط الإنسان الذي لا يعرف ذاته وما فيها من الأجهزة الدقيقة، كيف يعرف حقيقة الخالق العظيم المصور والمبدع للأكوان، وقد أجاب الإمامعليه‌السلام أنّه يعرف بأوصافه الظاهرية من هدايته لخلقه وغير ذلك من الأدلة الصريحة الواضحة التي تنادي بوجود خالقها العظيم.

س 9: يا سيدي: أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق، ثم نطق...

ج 9: ( لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إنّ السراج ليضيء، فما يريد أن يفعل بنا لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه، ولا كون، وإنّما هو ليس شيء غيره، فلمّا استضاء لنا، قلنا: قد أضاء لنا، حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك... ).

ومعنى جواب الإمامعليه‌السلام أنّ السكوت والنطق إنّما يعرضان موضوع قابل لهما، توارد العدم والملكة وحيث إنّ نطق الله تعالى ليس على غرار ما يتصف به الناطقون من الممكنات، فيصح عليه النطق، كما يصح عليه السكوت وقد ذهبت

١٠٧

الشيعة إلى أنّ التكلّم من صفات الأفعال، لا يقوم بذاته تعالى قوام الأوصاف الذاتية، فإنّه تعالى هو الذي خلق النطق والكلام إذا أراده، وقد مثّل الإمامعليه‌السلام لذلك بالسراج فإنّه لا يقال له إنّه ساكت لا ينطق، كما أنّ إسناد الإضافة إلى السراج ليس اختياريا له، هذه بعض الاحتمالات في تفسير كلام الإمامعليه‌السلام .

س 10: ( يا سيدي: فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق... ).

ج 10: ( يا عمران في قولك إنّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه، حتى يصيب الذات منه ما يغيره، هل تجد النار تغيرها تغير نفسها، وهل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قط رأى بصره؟... ).

إنّ هذا السؤال من عمران قد تقدّم، وقد أجابه الإمامعليه‌السلام وقد زادهعليه‌السلام توضيحاً، فقال له إنّ الكائن لا يتغيّر بوجه من الوجوه، فأفعال النفس - مثلاً - التي تصدر منها لا توجب زيادة فيها ولا نقصاناً، وهناك مثال آخر وهو البصر، فإن صدر الرؤية منه لا توجب زيادة فيه ولا نقصانا.

س 11: ( ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق، أم الخلق فيه؟... )

ج 11: ( أجل هو يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق، ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك، وسأعلمك ما تعرفه، ولا قوّة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها، أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك يا عمران...؟ ).

لقد أحال الإمامعليه‌السلام حلول الله تعالى في خلقه، وحلولهم فيه، ومثّل لذلك بالصورة التي تنعكس في المرآة فإنّها لا تحل فيها، وكذلك المرآة لا تحل في الصورة، وإنّما النور هو الذي أوجب رؤية الصورة في المرآة، وهو غير حال في شيء منهما، يقول ابن الفارض:

بوحدته دامت لها كل كثرة

فصحت وقد آنت لها كل علة

فقد صار عين الكل فردا لذاته

وإن دخلت أفراده تحت عدة

نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة

بغير شريك فد تغطّت بكثرة

وهنا بحوث فلسفية عميقة أعرضنا عن ذكرها إيثاراً للإيجاز.

س 12: ( بضوء بيني وبينها... ).

١٠٨

وهذا السؤال مرتبط بما قبله، وقد أوضحناه.

ج 12: هل ترى من ذلك الضوء أكثر ممّا تراه في عينك؟

عمران: نعم.

الإمام: فأرناه.

وسكت عمران، ولم يدر ما يقول، فقد سدّ الإمام عليه كل نافذة يسلك منها، وواصل الإمام حديثه قائلاً: ( فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك، ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى ).

تأجيل المناظرة:

وحضر وقت الصلاة، ولم يجد الإمام بدّاً من تأجيل المناظرة فالتفت إلى المأمون، فقال له: الصلاة حضرت، وخاف عمران من عدم استئناف الحوار بينه وبين الإمام، فقال له: ( يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي، فقد رقّ قلبي... ).

فأوعده الإمامعليه‌السلام بالعودة إلى مناظرته، ونهض الإمام فأدّى فريضة الصلاة.

استئناف المناظرة:

وعادت الجلسة، وقد حضرها المأمون، وكبار العلماء والقادة، والتفت الإمامعليه‌السلام إلى عمران فقال له: ( سل يا عمران... ).

س 13: ( يا سيدي ألا تخبرني عن الله عزّ وجل، هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف؟... ).

ج 13: إنّ الله المبدأ، الواحد الكائن الأول، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه، لا معلوماً - يعني بحقيقته - ولا مجهولاً، ولا محكماً، ولا متشابهاً، ولا مذكوراً، ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام، ولا إلى شيء يقوم ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل لخلق(1) إذ لا شيء غيره، وما أوقعت عليه من الكل

____________________

(1) في نسخة قبل خلقه الخلق.

١٠٩

فهي صفات محدثة، وترجمة يفهم بها مَن فهم. واعلم أنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه ومشيئته وإرادته التي جعلها أصلاً لكل شيء، ودليلاً على كل شيء مدرك، وفاصلاً لكل مشكل، وبتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها، تتناهى ولا وجود لها؛ لأنّها مبدعة بالإبداع. والنور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول التي عليها مدار الكلام، والعبادات كلّها من الله عزّ وجل علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على لغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في ساير اللغات من العجم والأقاليم، واللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفاً من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً، فأمّا الخمسة المختلفة ( فيتجنح ) لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها، وأحكام عدتها فعلامته كقوله عزّ وجل:( كن فيكون ) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عزّ وجلّ الإبداع لا بوزن له، ولا حركة، ولا سمع، ولا لون، ولا حس، والخلق الثاني الحروف، لا وزن لها، ولا لون، وهي مسموعة موصوفة، غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوساً، ملموساً، ذا ذوق منظور إليه والله تبارك وتعالى سابقاً للحروف، والحروف لا تدل على غير نفسها. وبهر المأمون، ولم يفهم أكثر محتويات هذه الكلمات العميقة التي تحتاج إلى وقت طويل لبيانها، وقال للإمام: ( كيف لا تدل - أي الحروف - على غير أنفسها؟... ). فأجابه الإمام موضحاً له الأمر قائلاً:

( إنّ الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألف منها أحرفاً أربعة أو خمسة، أو ستة، أو أكثر من ذلك، أو أقل لم يؤلّفها بغير معنى ولم يكن إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً... ).

س 14: كيف لنا بمعرفة ذلك؟...

ج 14: أمّا المعرفة فوجه ذلك وبيانه: إنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير

١١٠

نفسها ذكرتها فرداً، فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، وإذا ألفتها وجعلت منها أحرفاً، وجعلتها اسماً وصفة لمعنى، ما طلبت، ووجه ما عنيت، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟

( نعم ).

وواصل الإمام حديثه في بيان معاني الحروف عند تركيبها قائلاً: ( واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف، ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال، والوجود ولا مثال على الإحاطة، كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث، والتسديس؛ لأنّ الله عزّ وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد، بالطول والعرض، والقلّة والكثرة، واللون والوزن، وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله، وتقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا. ولكن يدل على الله عزّ وجل بصفاته، ويدرك بأسمائه، ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن، ولا لمس كف، ولا إحاطة بقلب، ولو كانت صفاته جلّ ثناؤه لا تدل عليه، وأسماؤه لا تدعو إليه، والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أنّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأنّ صفاته وأسماءه غيره... أفهمت يا عمران؟ )

( نعم يا سيدي زدني... )

وواصل الإمام حديثه الممتع، وقد استولى على مَن حضر من العلماء والقادة، قائلاً: ( إيّاك وقول الجهّال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عزّ وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكن القوم تاهوا وعموا، وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزّ وجل:( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (1) .

يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا

____________________

(1) سورة الإسراء: آية 72.

١١١

يكون إلاّ بما ها هنا، ومَن أخذ علم ذلك برأيه، وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً؛ لأنّ الله عزّ وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون... ).

س 15: ( يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع أخلق هو أم غير خلق؟... ).

علّق الشيخ الجعفري على هذه المسألة بقوله: إنّ هذه المسألة أيضاً ممّا أعيى الأذهان والعقول البشرية؛ لأنّها التي أوجبت افتراق المسالك والفرق المختلفة فمنهم مَن قال: باستحالة الإبداع مطلقاً أكان من الواجب، أم من الممكن، ومن قبيل المواد والصور أو العقول والنفوس وغيرها، ومنهم من جوزه مطلقاً، ومنهم من حصر إمكان الإبداع على الله تعالى على نحو العموم أي إنّه تعالى قادر على أن يبدع أي موجود شاء دون مادة سابقة له، وقع التغير عليه، وقد قالوا: إنّه مقتضى قدرته المطلقة وقابلية الموضوع ومنهم من ذهب مذاهب أخرى(1) .

ج 15: بل خلق ساكن، لا يدرك بالسكون، وإنّما صار خلقاً لأنّه شيء محدث، والله تعالى الذي أحدثه فصار خلقاً له، وإنّما هو الله عزّ وجل خلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فيما خلق الله عزّ وجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكناً ومتحركاً ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابهاً، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزّ وجل، واعلم أنّ كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس، وكل حاسة تدل عل ما جعل الله عزّ وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله، واعلم أنّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقاً مقدراً بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين: التقدير والمقدر، وليس في كل واحد منهما لون ولا وزن، ولا ذوق، فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه، ولا يعضده، ولا يكنه، والخلق ممّا يمسك بعضه بعضاً بإذن الله تعالى ومشيئته، وإنّما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم، فازدادوا من الحق بعداً، ولو وصفوا الله عزّ وجل بصفاته،

____________________

(1) تحف العقول (ص 527).

١١٢

ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين، ولما اختلفوا، فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه، ارتبكوا، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم... )

س 16: ( أشهد أنّه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة... ).

( سل عمّا أردت... ).

( أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحوّل من شيء إلى شيء؟ أو به حاجة إلى شيء...؟ ).

ج 16: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنّه مَن أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم، وليس يفهم المتفاوت عقله، العازب حلمه، ولا معجز عن فهمه أولو العقل المنصفون، أمّا أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجة إلى ذلك، ولكنّه عزّ وجل لم يخلق شيئاً لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شيء، ولا على شيء إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضاً، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه،

والله جلّ وتقدّس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك؟ إلاّ الله عزّ وجل، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سره، والمستحفظين لأمره وخزانه، القائمين بشريعته، وإنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئا فإنّما يقول له( كن فيكون ) بمشيئته وإرادته وليس شيء أقرب إليه من شيء، ولا شيء أبعد منه من شيء... أفهمت يا عمران؟... ).

( نعم يا سيدي... ).

إنّ الإنسان مهما أوتي من علم فهو عاجز عن معرفة نفسه وما فيها من الأجهزة الدقيقة المذهلة، فكيف ليعرف أو يحيط علماً بالخالق العظيم، مبدع الأكوان، وواهب الحياة، يقول ابن أبي الحديد:

فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر عليلا

فكري كلّما دان شبراً منك راح ميلا

أنت حيّرت ذوي اللب، وبلبلت العقولا

إنّ فكر الإنسان محدود فكيف يعرف حقيقة الله تعالى، نعم عرفناه وآمنّا به بمخلوقاته، فكل ذرّة في هذا الوجود تنادي بوجود الخالق العظيم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماء والأرض.

١١٣

إسلام الصابئ:

ولمّا رأى عمران الصابئ الطاقات الهائلة من العلم التي يتمتع بها الإمامعليه‌السلام ، والتي منها أجوبته الحاسمة من أعمق المسائل الفلسفية التي لا يهتدي لحلّها إلاّ أوصياء الأنبياء الذين منحهم الله العلم وفصل الخطاب، أعلن عمران إسلامه وطفق يقول: ( أشهد أنّ الله تعالى على ما وصفت، ووحدت، وأشهد أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده المبعوث بالهدى، ودين الحق... ). ثم خرّ ساجداً لله تعالى وأسلم، وبهر العلماء والمتكلمون من علوم الإمام، ومواهبه وعبقرياته، وراحوا يحدثون الناس عن فضل الإمام وسعة علومه، وانصرف المأمون وهو غارق بالألم، قد أترعت نفسه بالحقد والحسد للإمام:

خوف محمد على الإمام:

وخاف عمّ الإمام محمد بن جعفر عليه من المأمون، وكان حاضرا في المجلس، ورأى كيف تغلب على عمران الصابئ الذي هو في طليعة فلاسفة العصر، فاستدعى الحسن بن محمد النوفلي، وكان من أصحاب الإمام فقال له: ( يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك - يعني الإمام -؟

لا والله ما ظننت أنّ علي بن موسى الرضا خاض في شيءٍ قط، ولا عرفناه به، إنّه كان يتكلّم بالمدينة، أو يجتمع إليه أصحاب الكلام؟...

( وراح النوفلي يعرفه بعلم الإمام وفضله قائلاً: ( قد كان الحجاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، وربّما كلم مَن يأتيه يحاججه... ).

وراح محمد يبدي مخاوفه من المأمون على ابن أخيه قائلاً: ( إنّي أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة، فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء... ).

وكان النوفلي يظن خيراً بالمأمون، ولا يخاف منه على الامام، فقال لمحمد: ) ما أراد الرجل - يعني المأمون - إلاّ امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه؟... ).

ولم يقنع محمد بكلام النوفلي، فقد كان يظن السوء بالمأمون وراح يقول له: ( قل له: إنّ عمّك قد كره هذا الباب، وأحب أن تمسك عن هذه الأشياء

١١٤

لخصال شتّى... ).

وكان عمّ الإمام مصيباً في حدسه، عالماً بما تكنّه الأسرة العباسية من العداء والحقد لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد أثارت أسئلة الصابئ وإسلامه على يد الإمام أحقاد المأمون فقدم اغتيال الإمام كما سنوضّح ذلك في غضون هذا الكتاب.

ونقل النوفلي كلمات محمد إلى الإمامعليه‌السلام فشكره على ذلك، ودعا له بالخير.

تكريم الإمام لعمران:

وكسب الإمامعليه‌السلام في مناظرته إسلام عمران الذي هو في طليعة علماء عصره، فقد بعث خلفه، فلمّا مثل عنده رحّب به وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم، ودعا له بكسوة فخلعها عليه وأعطاه عشرة آلاف درهم، ففرح عمران بذلك وأخذ يدعو للإمام ويشكره على ذلك قائلاً: ( جُعلت فداك حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السلام ).

وجعل عمران يتردد على الإمام ويكتسب من فيض علومه وصار بعد ذلك فيما يقول المؤرّخون داعية من دعاة الإسلام، وجعل المتكلمون من أصحاب المقالات والبدع يفدون عليه، ويسألونه عن مهام المسائل وهو يجيبهم عنها، حتى اجتنبوه، وأوصله المأمون بعشرة آلاف درهم، كما أعطاه الفضل بن سهل مالاً، وولاه الإمام على صدقات بلخ فأصاب الرغائب(1) .

أسئلة سليمان المروزي:

أمّا سليمان المروزي فكان متضلّعاً بالفلسفة، ومتمرسا في البحوث الكلامية وكان يعد في طليعة علماء خراسان، وقد انتدبه المأمون لامتحان الإمام الرضاعليه‌السلام وقد قابله بحفاوة وتكريم، وقال له: إنّ ابن عمي علي بن موسى الرضا، قدم علي من الحجاز، وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته... ).

وخاف سليمان من ذلك، فقد ظن أنّ الإمام سوف يعجز عن أجوبة مسائله فيحقد عليه العلويون، وراح يعتذر من المأمون قائلاً:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 168 - 178، وذكر الطبرسي ما يقرب من ذلك في الاحتجاج، والمجلسي في البحار، والحسن بن شعبة في تحف العقول.

١١٥

( إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا كلّمني، ولا يجوز الانتقاص عليه... ).

وتعهّد له المأمون، ووعده أن لا يصيبه أي أذى أو مكروه قائلاً: ( إنّما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك، وليس مرادي إلاّ تقطعه عن حجّة واحدة فقط... ).

وهذا الكلام يدلل على سوء ما يضمره المأمون للإمام، وما يكنّه له من الحقد والعداء، واطمأن سليمان، من أي اعتداء عليه، وراح يقول للمأمون: ( حسبك يا أمير المؤمنين، اجمع بيني وبينه، وخلّني والذم... ).

ووجّه المأمون في الوقت رسوله إلى الإمام يطلب منه الحضور لمناظرة سليمان فأجابه الإمام إلى ذلك، وحضر معه وفد من أعلام أصحابه ضم عمران الصابئ الذي أسلم على يده وجرى حديث بينه وبين سليمان حول البداء، فأنكره سليمان، وأثبته عمران، وطلب سليمان رأي الإمام فيه فأقره، واستدل عليه بآيات من الذكر الحكيم، والتفت المأمون إلى سليمان فقال له: سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف، ووجه سليمان الأسئلة التالية للإمامعليه‌السلام :

س 1: ( ما تقول فيمَن جعل الإرادة اسماً وصفة مثل حي، وسميع، وبصير وقدير؟... ).

ج 1: إنّما تقول: حدثت الأشياء واختلفت لأنّه شاء وأراد، ولم تقولوا: حدثت الأشياء واختلفت لأنّه سميع بصير، فهذا دليل على أنّهما - أي الإرادة والمشيئة - ليستا مثل سميع، ولا بصير، ولا قدير.

وانبرى سليمان قائلاً: ( فإنّه لم يزل مريداً... ).

ورد عليه الإمام: ( يا سليمان فإرادته غيره؟... ).

( نعم... ).

وذهب سليمان إلى التعدد مع أنّ الله تعالى متحد مع إرادته، وأبطل الإمام شبهته قائلاً: ( قد أثبت معه شيئاً غيره لم يزل؟... ).

( ما أثبت... ).

١١٦

( أهي - أي الإرادة - محدثة؟... ).

( لا ما هي محدثة... ).

وضيق الإمام على سليمان الخناق، وراحت أقواله تتناقض فتارة يقول بقدم الإرادة، وأخرى يقول بحدوثها، فصاح به المأمون، وطلب منه عدم المكابرة، والإنصاف في حديثه قائلاً: ( عليك بالإنصاف، أما ترى من حولك من أهل النظر؟. )

والتفت المأمون إلى الإمام قائلاً: ( كلّمه يا أبا الحسن، فإنّه متكلّم خراسان ).

وسأله الإمام قائلاً: ( أهي محدثة؟... ).

فأنكر سليمان حدوث الإرادة، فردّ عليه الإمام: ( يا سليمان هي محدثة، فإنّ الشيء إذا لم يكن أزلياً كان محدثاً، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً... ).

وانبرى سليمان قائلاً:

( إرادته - أي الله - منه؟ كما أنّ سمعه وبصره وعلمه منه ).

وأبطل الإمام عليه قوله، وقائلاً: ( فأراد نفسه؟... ).

( لا... ).

وأخذ الإمام يفند مقالته قائلاً له: ( فليس المريد مثل السميع والبصير ).

وراح سليمان يتخبّط خبط عشواء فقد ضيّق الإمام عليه، وسد كل نافذة يسلك منها، قائلاً: ( إنّما أراد نفسه، كما سمع نفسه، وأبصر نفسه، وعلم نفسه... ).

وانبرى الإمام فأبطل مقالته، قائلاً له: ( ما معنى أراد نفسه؟ أراد أن يكون شيئاً، وأراد أن يكون حياً، أو سميعاً، أو بصيرا أو قديراً؟... ).

ولم يدر سليمان ماذا يقول، فأجاب: ( نعم... ).

١١٧

فقال له الإمام: ( أفبإرادته كان ذلك؟... ).

( نعم... )

وطفق الإمام يبطل مقالته، ويبدي ما فيها من التناقض قائلاً: ( فليس لقولك: أراد أن يكون حياً سميعاً، بصيراً معنى، إذا لم يكن ذلك بإرادته؟... ).

والتبس الأمر على سليمان، وراح يقول: ( بلى قد كان ذلك بإرادته... ). وعجّ المجلس بالضحك، وضحك المأمون والرضاعليه‌السلام من تناقض كلام سليمان، والتفت الإمام إلى الجماعة، وطلب منهم الرفق بسليمان، ثم قال له: ) يا سليمان، فقد حال - أي الله تعالى - عندكم عن حاله وتغير عنها، وهذا ما لا يوصف الله به... ).

وبان العجز على سليمان، وانقطع الكلام، والتفت الإمام إليه ليقيم عليه الحجة قائلاً: ( يا سليمان أسألك عن مسألة...؟ ).

( سل جعلت فداك... ).

( اخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون؟ أو بما لا تفقهون، ولا تعرفون... ).

( بل بما نفقه ونعلم... ).

وأخذ الإمام يقيم الحجّة والبرهان على خطأ ما ذهب إليه سليمان قائلاً: ( فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة، وأنّ المريد قبل الإرادة، وأنّ الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم: إنّ الإرادة والمريد شيء واحد... ).

وطفق سليمان قائلاً: ( جعلت فداك، ليس ذلك منه على ما يعرف الناس، ولا على ما يفقهون؟ ).

واندفع الإمام يبطل ما ذهب إليه قائلاً: ( فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف، ولا يعقل... ).

وحار سليمان ولم يطق جواباً أمام هذه الطاقات الهائلة من العلم التي يملكها

١١٨

الإمامعليه‌السلام ، واستأنف الإمام حديثه ليتم عليه الحجة قائلاً: ( يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار؟... ).

وأسرع سليمان قائلاً: ( نعم ).

وانبرى الإمام قائلاً: ( أفيكون ما علم الله تعالى أنه يكون من ذلك؟... ).

( نعم... ).

( فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء، إلاّ كان يزيدهم أو يطويه عنهم؟... )

فأجاب سليمان: ( بل يزيدهم... ).

وأبطل الإمام قوله: ( فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه، أنّه يكون... ).

وطفق سليمان يقول: ( جعلت فداك فالمريد لا غاية له... ).

ومضى الإمام يفنّد شبه سليمان قائلاً:

( فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما، لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عزّ وجل عن ذلك علواً كبيراً... ).

وراح سليمان يعتذر ويوجه ما قاله: ( إنّما قلت: لا يعلمه، لأنه لا غاية لهذا، لان الله عزّ وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً... ).

وراح الإمامعليه‌السلام يفنّد شبهه وأوصافه قائلاً: ( ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم؛ لأنّه قد يعلم ذلك، ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عزّ وجل في كتابه:( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) (1) وقال لأهل الجنّة:( عَطَاءً غَيْرَ

____________________

(1) سورة النساء / آية 56.

١١٩

مجذوذ ) (1) وقال عزّ وجل:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) (2) فهو عزّ وجل يعلم ذلك لا يقطع عنهم الزيادة... أرأيت ما أكل أهل الجنة، وما شربوا يخلف مكانه؟... ).

( بلى... ).

( أفيكون يقطع ذلك عنهم، وقد أخلف مكانه؟... ).

( لا... ).

ومضى الإمامعليه‌السلام يقرّر ما ذهب إليه قائلاً: ( فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم... ).

وراح سليمان يتمسك بالشبه والأوهام ثم يزيله عنها هذه الحجج البالغة التي أقامها الإمام قائلاً: ( بلى يقطعه عنهم، ولا يزيدهم... ).

وانبرى الإمام فأبطل ذلك بقوله: ( إذا يبيد فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود، وخلاف الكتاب؛ لأنّ الله عزّ وجل يقول:( لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ) (3) .

ويقول عزّ وجل: (عطاء غير مجذوذ) ويقول عزّ وجل:( وما هم عنها بمخرجين ) (4).

ويقول عزّ وجل:( خالدين فيها أبداً ) (5)

ويقول عزّ وجل:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) .

ووجم سليمان، وحار في الجواب، وراح يسد عليه كل نافذة يسلك فيها لإثبات شبهة قائلاً له: ( يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة أفعل هي أم غير فعل...؟ ).

( بل هي فعل... ).

ورد الإمام عليه: ( فهي محدثة لأنّ الفعل كله محدث... ). إنّ كل ممكن معلول ومصنوع وحادث إمّا واجب الوجود تعالى فهو عارٍ عن

____________________

(1) سورة هود / آية 108

(2) سورة الواقعة / آية 33.

(3) سورة ق / آية 35.

(4) سورة الحجر / آية 48.

(5) سورة البينة / آية 8.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولاجل ذلك لا يتبادر ذلك المعنى من توصيف غير الكافي بهذه الصفات كمعاجم اللغة والتاريخ والسير ، مثلا إذا قيل : « لسان العرب » من أجلّ الكتب في اللغة او ان تاريخ الطبري لم يعمل مثله.

وقد ذكرقدس‌سره في ضمن الوجه الثالث الذي سيوافيك ، ما يمكن ان يكون مؤيدا لكلامه هذا وقال : « ان هناك كتباً لا ينظر إلى اسانيد احاديثها ، فلا يكون الكافي أجلّ هذه الكتب إلا إذا اشتمل على تلك المزيَّة ، وإلا فلا يصح ان يعدّ من اجلها ».

اقول : لم اقف على كتاب يشتمل على تلك المزية ، ولو اراد منه الاصول المؤلفة في عصر الائمة ، فصريح الشيخ في « العدة » اشتراط صحة الاحتجاج بها بكون راويها ثقة. قال في بيان ما هو المختار فى باب حجية خبر الواحد : « وجدت الفرقة المحقة مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتى ان واحداً منهم إذا افتى بشيء لا يعرفونه ، سألوه من اين قلت هذا. فاذا أحالهم على كتاب معروف ، او اصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله »(١) .

وهذه العبارة صريحة في ان ورود الخبر في الاصول المدونة ، لم يكن كافياً في الاحتجاج ما لم يحرز وثاقة راويه ، فاذا كان هذا حال الاصول فغيرها اولى بلزوم المراجعة.

وعلى فرض وجود ما لا ينظر إلى اسانيده فالظاهر ان المراد من قولهم « ان الكافي اجلّ الكتب » وما اشبه هذا ، تفوّقه على سائر الكتب الحديثية من جهة الاسلوب والتبويب والجامعية والضابطية ، إلى غير ذلك من المزايا التي لا توجد في نظائرها المتقدمة عليه او المتأخرة عنه ، لا انه جامع لمزية كل كتاب

__________________

١ ـ عدة الاصول : ٣٣٨ ، الطبعة الحديثة.

٣٦١

كان قبله ، ويعلم مفاد هذه المدائح من امعان النظر في الكتب التي مدحت بهذه المدائح مثلاً يقال : « البحار جامع حديثي لم يعمل مثله » او « الجواهر من جلائل الكتب الفقهية » فليس النظر تصحيح كل ما في البحار من الروايات ، وتصديق كل ما جاء في الجواهر من الفتيا ، بل الجامعية في الأول ، وكثرة الفروع ودقة النظر في الثاني هي الباعثة إلى توصيفهما بما ذكرناه ، وليس المراد ان كل مزية موجودة في الكتب الحديثية او الفقهية موجودة فيهما.

الوجه الثاني : المدائح الواردة في حق المؤلف

ذهب المحدث النوري إلى ان المدائح الواردة في حق الكليني ، تستلزم صحة روايات كتابه واعتبارها وعدم لزوم المراجعة إلى آحاد اسناد رواياتها واليك بعض تلك المدائح :

١ ـ قال النجاشي : « ان الكليني أوثق الناس في الحديث واثبتهم ».

٢ ـ وقال العلاّمة في « الخلاصة » بمثله.

وهذا القول من مثل النجاشي لا يقع موقعه إلا ان يكون الكليني واجداً لكل ما مدح به الرواة والمؤلفون مما يتعلق بسند الحديث واعتبار الخبر ، ومن اجل المدائح واشرف الخصال المتعلقة بالمقام ، الرواية عن الثقات ونقل الاخبار الموثوق بها ، كما ذكروه في تراجم جماعة.

قال الشيخ في « الفهرس » : « علي بن الحسن الطاطري كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ـ إلى ان قال : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ».

وقال ايضاً : « جعفر بن بشير ، كثير العلم ثقة روى عن الثقات ورووا عنه ».

٣٦٢

وقال النجاشي بمثله في ترجمة محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.

وقال الشيخ في « العدة » : « سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به ، وبين ما اسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم ».

وصرح العلاّمة في « المختلف » بأن ابن ابي عقيل شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته ومعرفته.

فاذا كان ابو جعفر الكليني اوثقهم واثبتهم في الحديث ، فلابد وان يكون جامعاً لكل ما مدح به آحادهم من جهة الرواية فلو روى عن مجهول ، او ضعيف ممن يترك روايته ، او اخبراً يحتاج إلى النظر في سنده ، لم يكن اوثقهم واثبتهم ، فان كل ما قيل فى حق الجماعة من المدائح والاوصاف المتعلقة بالسند يرجع اليهما ، فان قيس مع البزنطي واضرابه وجعفر بن بشير لابد وان يحكم بوثاقة مشايخه ، وان قيس مع الطاطري واصحاب الاجماع ، فلا مناص من الحكم بصحة حديثه وانه لم يودع في كتابه إلا ما تلقّاه من الموثوقين بهم وبرواياتهم.

ثم ان النجاشي قال بعد توصيفه بالاوثقية بانه ألفّ الكافي في عشرين سنة ، وظاهر ان ذكره لمدة تأليفه لبيان اثبتيته وانه لم يكن غرضه مجرد جمع شتات الاخبار ، فانه لا يحتاج إلى هذه المدة الطويلة ، بل ولا إلى عشرها ، بل الغرض جمع الاحاديث المعتبرة المعتمدة الموثوق بها ، وهذا يحتاج إلى هذه المدة ، لاحتياجه إلى جمع الاصول والكتب المعتبرة ، واتصالها إلى اربابها بالطرق المعتبرة والنظر في متونها وتصحيحها وتنقيحها.

ويظهر من اوثقيته واثبتيته أيضاً ، انه مبرء عن كل ما قدح به الرواة وضعفوا

٣٦٣

به من حيث الرواية ، كالرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، وعمن لم يلقه ، وسوء الضبط ، واضطراب ألفاظ الحديث ، والاعتماد على المراسيل التي لم يتحقق وثاقة الساقط عنده ، وامثال ذلك مما لا ينافي العدالة ولا يجتمع مع التثبت والوثاقة(١) .

وقد نقلنا كلامه بطوله لما فيه من فوائد ونكات ، ومع ذلك كله ، فالنتيجة التي استنبطها غير صحيحة لوجوه :

أوّلاً : ان الاوثقية صفة تفضيل من الوثاقة ، والمراد منه التحرز عن الكذب لاجل العدالة والورع ، كما ان الاثبتية وصف تفضيل من التثبت ، والمراد منه قلة الزلّة والخطأ وندرة الاشتباه ، فلو كان غير متحرز عن الكذب لا يكون ثقة ، ولو كان كثير الزلة والخطأ ، لا يكون ثبتاً.

هذا حال المادة ، وعليه يكون معنى « الاوثق » هو الواقع في الدرجة العليا من التحرز عن الكذب ، كما يكون معنى « الاثبت » هو المصون عن الزلة والعثرة بوجه ممتاز.

وعلى ذلك فلا يدل اللفظان على ما رامه المحدث النوري وان اتعب نفسه الشريفة في جمع الشواهد لما قصده.

وبالجملة ، لا يستفاد من اللفظين ان كل ما يوصف به معدود من الرواة في الفضائل فهو حاصل فيه على الوجه الاتم والاشد بل المراد تنزيهه من جهة التحرز عن الكذب ، وتوصيفه من جهة الصيانة عن الاشتباه والزلة ، وانه من تينك الجهتين في الدرجة العليا.

واين هو من صحة عامة رواياته لاجل وثاقة رواتها ، او اكتنافها بالقرائن الداخلية ، كما هو المدعى؟

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

٣٦٤

ثانياً : اتصاف جماعة من اصحابنا بعدم الرواية او الارسال إلا عن ثقة ، على فرض ثبوته ، فضيلة لهم ، ليست لها دخالة في الاتصاف بالوثاقة ، بحيث لو لم يكن الكليني مثلهم لا يكون اوثق الناس واثبتهم ، لما عرفت من ان المادة والهيئة لا ترميان إلا إلى التحرز عن الكذب ، والسداد عن الزلة وقلة الاشتباه ، من دون نظر إلى سائر الجهات.

ثالثاً : ان الرواية عن الضعفاء مع ترك التسمية يخالف الوثاقة ، واما الرواية عنهم معها فلا يخالفها ابداً ، نعم اكثار الرواية من الضعفاء كان امراً مذموماً ، وقد رُمي به أحمد بن محمد بن خالد البراقي ، واما النقل عنهم على الوجه المتعارف مع التسمية فلا ينافي الوثاقة والثبت ، فلا مانع من ان يروي الكليني مع ذكر اسمائهم ومع ذلك يكون من اوثق الناس واثبتهم.

رابعاً : ان المتحرزين في النقل عن الضعفاء ، انما يتحرزون في النقل عنهم بلا واسطة ، واما النقل عنهم بواسطة الثقات ، فقد كان رائجاً ، وهذا هو النجاشي لا يروي إلا عن ثقة بلا واسطة ، واما معها فيروي عنه وعن غيره ، ولاجل ذلك يقول في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ثم خلط ، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه »(١) .

وعلى ذلك فأقصى ما يمكن ان يقال : ان الكليني لا يروي في كتابه بلا واسطة إلا عن الثقات ، واما معها فيروي عن الثقة وغيره ، واما الالتزام بالنقل عن الثقات في جميع السلسلة فلم يثبت في حق احد ، إلا المعروفين بهذا الوصف ، اعني ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي كما اوضحناه.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٥٩.

٣٦٥

خامساً : إن تأليف الكافي في عشرين سنة ، لم يكن لأجل تمييز الصحيح عن غيره ، وجمع الروايات الموثوق بها فقط ، بل كان هذا أحد الاهداف ، ولكن كان هناك أسباب اُخر لطول المدّة ، وهو السعي في العثور على النسخ الصحيحة المقروءة على المشايخ ، أو المسموعة عنهم وانتخاب الصحيح عن الغلط ، والأصح من الصحيح ، والدّقة في مضمون الرواية ، ووضعها في الباب المناسب له ، إلى غير ذلك من الاسباب التي تأخذ الوقت الثمين من المؤلف ، ولم يكن التأليف يومذاك أمراً سهلاً ، ولم تكن الكتب مطبوعة منتشرة حتى يمهّد الطريق للمؤلف.

نعم ، مع ذلك لم يكن هدفه أيضاً مجرّد الجمع بلا دقّة ، والتأليف بلا ملاحظة الاسناد والمتون ، ولكن لا على وجه يغني عن ملاحظة الاسناد مطلقاً ، وعلى كل حال ، فالكتاب مع جلالته عمل فردي لا يمكن أن يكون نقيّاً عن الاشتباه والزلة غير محتاج إلى التنقيب والتفتيش ، فجهوده الكبرى مشكورة لا يستغنى عنها ، ولكن لا يكتفى بها.

الوجه الثالث : كون المؤلف في عصر الغيبة الصغرى

أشار السيد علي بن طاووس في « كشف المحجّة » في مقام بيان اعتبار الوصية المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الحسنعليهما‌السلام وقد نقلها من كتاب « رسائل الائمة » للكليني ، إلى وجه آخر لاعتبار أحاديث الكافي وقال ما هذا لفظه : « والشيخ محمد بن يعقوب كان حيّاً في زمن وكلاء المهدي ـ صلوات الله عليه ـ : عثمان بن سعيد العمري ، وولده أبي جعفر محمد ، وأبي القاسم بن روح ، وعليّ بن محمد السيمريرحمهم‌الله ، وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد السيمري ، لأن علي بن محمد السيمري توفّي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة والكليني توفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، فتصانيف الكليني ورواياته في زمن الوكلاء

٣٦٦

المذكورين في وقت يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنفاته »(١) .

ونقله المحدّث الحرّ إلى قوله « في زمن الوكلاء المذكورين »(٢) ولم ينقل تتَّمة كلامه الذي هو أوفى دلالة على ما هو بصدد اثباته.

وقال المحدّث النوري بعد نقل كلام السيد : « نتيجة ما ذكره من المقدّمات عرض الكتاب على أحدهم وإمضاؤه وحكمه بصحته ، وهو عين إمضاء الإمامعليه‌السلام ، وهذا وان كان أمراً غير قطعي يصيب ويخطئ ، ولا يجوز التشبّث به في المقام ، إلا أن التأمل في مقدماته يورث الظن القوي والاطمئنان التامّ او الوثوق بما ذكره ، فانهرحمه‌الله كان وجه الطائفة وعينهم ومرجعهم كما صرحوا به ، في بلد اقامة النوّاب ، وكان غرضه من التأليف ، العمل به في جميع ما يتعلق بامور الدين ، لاستدعائهم وسؤالهم عنه ذلك كما صرح به في أول الكتاب ، وكان بمحضره في بغداد ، يسألون عن الحجةعليه‌السلام بتوسّط أحد من النواب عن صحة بعض الاخبار ، وجواز العمل به ، وفي مكاتيب محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري اليهعليه‌السلام من ذلك جملة وافرة وغيرها ، فمن البعيد أنهرحمه‌الله في طول مدة تأليفه وهي عشرون سنة لم يعلمهم بذلك ، ولم يعرضه عليهم مع ما كان فيما بينهم من المخالطة والمعاشرة بحسب العادة وكانت الشيعة يسألون عن الابواب حوائج واُموراً دنيوية تعسرت عليهم يريدون قضاءها وإصلاحها ، وهذا أبو غالب الزراري استنسخ قسماً كبيراً من أبواب الكافي ورواه عن مؤلفه بالقراءة عليه او بالاجازة ، فمن البعيد أن لا يعرضه على الأبواب مع أنه رفع مشكلة زوجته فوافاه الجواب.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ـ وجاءت العبارة المذكورة في المحجة المطبوعة ( الصفحة ١٥٩ ) الى قوله « تحقيق منقولاته » وليس من الجملة الاخيرة فيها أثر ، نعم توجد في النسخة المكتوبة المصححة بقلم المحدث النوري في حاشيتها العبارة الاخيرة.

٢ ـ الوسائل : ٢ / ٧١.

٣٦٧

وكان عرض الكتاب على النواب مرسوماً ، روى الشيخ في غيبته أنه لما عمل الشلمغاني كتاب التكليف ، قال الشيخ أبو القاسم بن روح : اطلبوا إليّ لأنظره ، فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة إلا في موضعين أو ثلاثة ، فانه كذب عليهم في روايتها ـ لعنه الله ـ.

وقد سئل الشيخ من كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة فقيل : كيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملأى؟ فقال : أقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ وقد سئل عن كتب بني فضّال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال ـ صلوات الله عليه ـ : « خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ».

فمن البعيد غاية البعد أن أحداً منهم ( النواب ) لم يطلب من الكليني هذا الكتاب الذي عمل لكافة الشيعة ، او لم يره عنده ولم ينظر اليه ، وقد عكف عليه وجوه الشيعة وعيون الطائفة ، وبالجملة فالناظر إلى جميع ذلك لعلَّه يطمئن إلى ما أشار اليه السيد الأجل ، وتوهّم أنه لو عرض على الإمامعليه‌السلام ، او على أحد من نوابه لذاع واشتهر ، منقوض بالكتب المعروضة على آبائه الكرام ـ صلوات الله عليهم ـ ، فانه لم ينقل الينا كل واحد منها إلا بطريق أو بطريقين »(١) .

أقول : ما ذكره مبنيّ على أمرين غير ثابتين ، بل الثابت خلافه.

١ ـ كون الكليني مقيماً ببغداد وقام بتأليفه بمرأى ومسمع من النواب ، وكان بينه وبينهم مخالطة ومعاشرة.

٢ ـ إن الجهة الباعثة إلى عرض كتاب ( التكليف ) على أبي القاسم بن روح ، كانت موجودة في الكافي أيضاً واليك بيان الأمرين :

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ـ ٥٣٣.

٣٦٨

أما الأول : فيه أوّلاً : أن صريح قول النجاشي في ترجمته « شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم » أنه كان مقيماً بالري ، مؤلفا فيها ، وإنما انتقل في اُخريات عمره إلى بغداد ، ولم نقف على سنة انتقاله إلى بغداد ومدّة اقامته فيها ، وان ادّعى بعضهم أنه أقام بها سنتين ثم توفي ، ومن البعيد أن لا يستنسخ منه في موطنه عدّة نسخ بواسطة تلاميذه قبل الانتقال إلى بغداد ، ولا ينتشر في الاقطار الاسلامية ، ولو صحّ ذلك فلا فائدة من العرض بعد النشر ، ولا في الاستظهار بعد البثّ ، وانما يكون مفيداً لو عرض قبل النشر واستظهر قبل البثّ ، حتى يعالج ما يحتاج إلى الاصلاح.

وثانياً : إنه لم تكن بينهما مخالطة ومعاشرة ، بشهادة انه لم يرو عن أحد من النواب في أبواب الكافي ، حتى ما يرجع إلى الإمام الحجةعليه‌السلام ، وهذا يعرب عن عدم خلطته ومعاشرته معهم ، وإلا لنقل منهم رواية او روايات في الابواب المختلفة ، ومع هذا فكيف يصحّ أن يدّعي أنه عرض كتابه عليهم واستظهر منهم الحال.

وثالثاً : انه لو عرض هو نفسه او احد تلاميذه ، كتابه عليهم ، لذكره في ديباجة الكتاب ، وقد كتب الديباجة بعد تأليف الكتاب كما هو ظاهر لمن لاحظها ، وما ذكره المحدّث النوري من أن هنا كتباً معروضة على الإمام ، لم ينتقل إلا بطريق او طريقين غير تامّ ، لأن هذه الكتب عرضت على الإمام بعد وفاة مؤلفيها ، والمدّعى أنه عرض الكافي بواسطة المؤلف او تلاميذه في حياة مؤلفه ، فطبع الحال يقتضي أنه لو كان نفس المؤلف عرضه ، لأثبته في المقدمة قطعاً ، تثبيتاً لموقف الكتاب الذي ألّفه ليكون مرجعاً للشيعة في جميع الاعصار.

وأما الثاني : فلأن الداعي إلى عرض كتاب الشلمغاني ، هو احتمال انه أدخل فيه لأجل انحرافه ما لم يصدر عنهمعليهم‌السلام ، وكان كتاب التكليف كالرسالة العملية ينظر فيه كل عاكف وباد ، وعمل بما فيه ، وأين هو

٣٦٩

من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثَّبت الورع ، الذي نقطع بعدم كذبه على الأئمةعليهم‌السلام ، فلا حاجة للعرض ، وإلا لوجب عرض غيره من الجوامع ، مثل جامع البزنطي ، ومحاسن البرقي ، ونوادر الحكمة للأشعري. كل ذلك يؤيد أنه كان هنا سبب خاص لعرض كتاب التكليف دون غيره من الكتب.

وعلى الجملة ، إن قياس كتاب الكافي بكتاب التكليف ، قياس مع الفارق ، وقد ألف الشيخ الشلمغاني كتاب التكليف حال استقامته ، ثم ادعى ما ادعى ، فخرج التوقيع على لعنه والبراءة منه من الناحية المقدسة عام ٣١٢ ، وصار ذلك مظنة للسؤال عن كتابه الذي كان كالرسالة العملية ، فصار العمل به مظنة الضلال ، كما أن تركه كان مظنّة ترك ما يصحّ العمل به.

ولأجل هذا المحذور المختصّ به ، رفع الأمر إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ، فطلب الكتاب وطالعه وعين مواضع ضلاله ، واين هذا من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثبت ليكون مصدراً ومرجعاً للفقهاء ولا بأس بنقل ما ورد حول كتاب التكليف.

منها : ما رواه الشيخ في كتاب « الغيبة » عن ابن زهومة النوبختي ، قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول : « لمّا عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف ، قال ابو القاسم الحسين بن روح : اطلبوه إليّ لأنظره ، فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال : ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة ، إلا في موضعين او ثلاثة ، فانه كذب عليهم في روايتها ـ لعنه الله ـ(١) .

ومنها : ما رواه أيضاً بسنده عن عبدالله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح قال : « سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم ـ عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللّعنة ، وقيل له فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملأى؟ فقال : أقول

__________________

١ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٥١ ـ ٢٥٢ طبعة النجف.

٣٧٠

فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال ـ صلوت الله عليه ـ : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا »(١) .

وروى ايضاً عن سلامة بن محمد قال : « انفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التأديب(٢) إلى قم ، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها فقال لهم : انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيء يخالفكم؟ فكتبوا اليه : انه كله صحيح ، وما فيه شيء يخالف ، إلا قوله « الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام » و « الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع »(٣) .

قال العلاّمة المجلسي : « اما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائمعليه‌السلام ، لكونه في بلد السفراء فلا يخفى ما فيه ، نعم عدم انكار القائم وآبائه ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ عليه وعلى امثاله في تأليفاتهم ورواياتهم مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهمعليهم‌السلام راضين بفعلهم ومجوزين للعمل باخبارهم »(٤) .

تقييم العرض على وكيل الناحية

ثم ان الشيعة عرضت كتب الشلمغاني على الشيخ ابي القاسم وكيل الناحية ، لأجل درايته بالحديث وتعرفه على كلمات الائمةعليهم‌السلام ، ولأجل ذلك لما عرض عليه كتاب التكليف قال : « ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة إلا موضعين او ثلاثة » لا لأجل عرضه على القائمعليه‌السلام ، حتى انه قد انفذ الكتاب نفسه ( التأديب ) إلى فقهاء قم ، والتمس نظرهم فيه ، فكتبوا في حقه ما عرفته ، فاذا كان عرض الكتاب على الشيخ ابي القاسم لأجل

__________________

١ ـ كتاب الغيبة : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ طبعة النجف.

٢ ـ هذا الكتاب لنفس الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح ، راجع الذريعة : ٣ / ٢١٠.

٣ ـ الغيبة للطوسي : ٢٤٠ طبعة النجف.

٤ ـ مرآة العقول : ١ / ٢٢ مقدمة المؤلف.

٣٧١

تعرفه بالحديث ، لا لأجل عرضه على القائمعليه‌السلام فالكليني كان في غنى عن عرضه عليه ، لأن الشيخ لم يكن اقوى منه في الحديث وعرفان الكلم. نعم لو كان الهدف عرضه على القائمعليه‌السلام لكان لما ذكر وجه.

واما ما ذكره العلاّمة المجلسي من حصول الظن المتاخم للعلم بكونهعليه‌السلام راض بفعله فهذا مما لا شك فيه ، كيف ولولا الكافي واضرابه لما بقى الدين ، ولضاعت السنة ، ولكنه لا يقتضي ان يؤخذ بكل رواياته من دون تحقيق في الاسناد.

وقد قال العلاّمة المجلسي في نفس كلامه : « الحق عندي ان وجود الخبر في امثال تلك الاصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ، ولكن لا بد من الرجوع إلى الاسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض »(١) .

ومما يدل على انه لم يكن جميع روايات الكتاب صحيحة عند المؤلف نفسه انهقدس‌سره عنون في مقدمة الكافي الخبرين المتعارضين وكيفية علاجهما ، بأن من المتعارضين ما أمر الإمام بترجيحه بموافقة الكتاب ومخالفته العامة وكونه موافقاً للمجمع عليه ، وفيما لا يوجد المرجحات المذكورة ، يجوز الاخذ باحدهما من باب التسليم.

ومع ذلك ، كيف يمكن القول بأن كل ما ورد في الكافي كان صحيحاً عند الكليني ، واليك نص عبارته : فاعلم يا اخي ـ ارشدك الله ـ انه لا يسع احداً تمييز شيء مما اختلف الرواة فيه عن العلماءعليهم‌السلام برأيه ، إلا على ما اطلقه العالم بقولهعليه‌السلام : « اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه » وقولهعليه‌السلام : « دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم » وقولهعليه‌السلام : « خذوا

__________________

١ ـ مرآة العقول : ١ / ٢٢.

٣٧٢

بالمجمع عليه ، فان المجمع عليه لا ريب فيه » ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا اقلّه ولا نجد شيئاً احوط ولا اوسع من ردّ علم ذلك كله إلى العالمعليه‌السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقولهعليه‌السلام : « بأيّما اخذتم من باب التسليم وسعكم ».

وهذا الكلام ظاهر في ان الكليني لم يكن يعتقد بصدور روايات كتابه عن المعصوم جزماً ، وإلا لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بما له مرجح.

اضف إلى ذلك انه لو كان كل ما في الكافي صحيحاً عند الكليني لنقل منه إلى غيره بعبارة واضحة ، وكان للصدوق الذي يعد في الطبقة التالية للكليني نقل ذلك القول في احد كتبه ، بل كان عليه ان يصحح ما صححه الكليني ، ويزيف ما زيفه ، إذ ليس الكليني باقل من شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، فقد نرى انه يقول في حقه في « فقيهه » : « اما خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة ، وكل ما لا يصححه ذلك الشيخ ـ قدس الله روحه ـ ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح »(١) .

وقال أيضاً : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) سيِّئ الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي ، راوي الحديث ، واني اخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة ، وقد قراته عليه فلم ينكره ورواه لي »(٢) .

كل ذلك يشير إلى انه لم يكن كتاب الكافي عند الصدوق بهذه المنزلة.

__________________

١ ـ الفقيه : الجزء الثاني ، باب صوم التطوع وثوابه ، ذيل الحديث ٢٤١.

٢ ـ العيون : الجزء ٢ ، باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المنثورة ، ذيل الحديث ٤٥.

٣٧٣

نعم ربما يستدل على عدم صحة ما في الكافي بأن الشيخ الصدوق انما كتب كتاب « من لا يحضره الفقيه » اجابة لطلب السيد الشريف ابي عبدالله المعروف بـ « نعمة الله » ولا شك ان كتاب الكافي اوسع من الفقيه ، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق ، فضلاً عن ان تكون قطعية الصدور ، لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب الفقيه ، بل كان على الشيخ الصدوق ارجاع السائل إلى كتاب الكافي(١) .

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال ، فان السيد الشريف طلب من الشيخ الصدوق كتاباً اشبه بالرسائل العملية الرائجة في هذه الاعصار ، ولم يكن الكافي بهذه المثابة ، فلاجل ذلك لم يرجعه الشيخ الصدوق إلى ذلك الكتاب ، لا لاجل عدم قطعية رواياته او عدم صحته.

نعم ربما يورد على المستدل بقطعية احاديث الكافي ان الشيخ الكليني روى في كتابه روايات كثيرة عن غير اهل البيت المعصومينعليهم‌السلام . وهذا لا يجتمع مع ما صرح به في ديباجة كتابه من انه يأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهم‌السلام وقد نقل ذلك الشيخ المتتبع النوري ـ رضوان الله عليه ـ عن رسالة الاستاذ الاكبر ، المحقق البهبهاني فقال : « فقد اكثر من الرواياة عن غير المعصوم في أول كتاب الارث ، وقال في كتاب الديات في باب وجوه القتل : علي بن إبراهيم قال : وجوه القتل على ثلاثة اضرب ـ إلى آخر ما قال. ولم يورد في ذلك الكتاب حديثاً آخر ، وفي باب شهادة الصبيان عن ابي ايوب قال : سمعت اسماعيل بن جعفر ـ إلى آخره ، واكثر أيضاً في اصول الكافي من الرواية عن غير المعصوم منه ما ذكره في مولد الحسين من حكاية الاسد الّذي دعته فضة إلى حراسة جسدهعليه‌السلام وما ذكره في مولد امير المؤمنين

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٤٠ ـ ٤١.

٣٧٤

عليه‌السلام عن اسيد بن صفوان »(١) .

وقد جاء بعض ما رواه الشيخ الكليني عن غير المعصوم في « معجم رجال الحديث » أيضاً(٢) .

ولا يخفى ان نقل هذه الكلمات مع التصريح باسماء المروي عنهم لا يضر المستدل ، فان نقل هذه الكلمات عن اصحابها مع كونهم غير معصومين ، كنقل معاني اللغة عن اصحابها ولا ينافي كون مجموع الكتاب مروياً عن الصادقينعليهم‌السلام .

إلى هنا تبين ان كتاب الكافي كتاب جدير بالعناية ، ويعد اكبر المراجع واوسعها للمجتهدين ، وليست رواياته قطعية الصدور فضلاً عن كونها متواترة او مستفيضة ، ولا ان القرائن الخارجية دلت على صحتها ولزوم الاعتماد عليها ، بل هو كتاب شامل للصحيح والسقيم ، فيجب على المجتهد المستنبط تمييز الصحيح عن الضعيف.

ولاجل ايقاف القارئ على بعض ما لا يمكن القول بصحته نقلاً وعقلاً نشير إلى نموذجين :

١ ـ فقد روي عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قول الله( وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ) ـ الزخرف : ٤٤ فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذكر واهل بيته المسؤولون وهم الذكر(٣) .

ولو كان المراد من « الذكر » هو النبي ، فمن المخاطب في قوله « لك » وهو سبحانه يقول :( انه لذكر لك ) أي لك ايها النبي. نعم وجود هذه

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٠ الفائدة الرابعة من الخاتمة.

٢ ـ لاحظ معجم رجال الحديث : ١ / ١٠١ ـ ١٠٣.

٣ ـ الكافي : ١ / ٢١٠ ، باب ان اهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الائمةعليهما‌السلام الحديث ٢ و ٤.

٣٧٥

الروايات الشاذة النادرة لا ينقص من عظمة الكتاب وجلالته ، وأي كتاب بعد كتاب الله العزيز ، ليس فيه شيء؟

واما الثاني ، فنرجو المراجعة إلى المصدر التالي(١) .

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٢٣٧.

٣٧٦

٢ ـ تقييم احاديث « من لا يحضره الفقيه »

٣٧٧
٣٧٨

ان كتاب « من لا يحضره الفقيه » تأليف الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء صاحب الأمرعليه‌السلام (١) حدود عام ٣٠٦ والمتوفى سنة ٣٨١ هـ ، من اصح الكتب الحديثية واتقنها بعد الكافي وهي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار.

وقد ذكر الشيخ الصدوق في ديباجة كتابه انه لما ساقه القضاء إلى بلاد الغربة ونزل ارض بلخ ، وردها شريف الدين ابو عبدالله محمد بن الحسن المعروف بنعمة ، فدام سروره بمجالسته ، وانشرح صدره بمذاكرته ، وقد طلب منه ان يصنف كتاباً في الفقه والحلال والحرام ويسميه بـ « من لا يحضره الفقيه » كما صنَّف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتاباً في الطب واسماه « من لا يحضره الطبيب » فاجاب مسؤوله وصنف هذا الكتاب له.

ويصف هذا الكتاب بقوله : « ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى ايراد ما افتي به ، واحكم بصحته ، واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي ـ تقدس ذكره ، وتعالت قدرته ـ وجميع ما فيه

__________________

١ ـ لاحظ رجال النجاشي : ١٨٤ ، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠١ عند ذكر التوقيعات ، واكمال الدين واتمام النعمة : ٢٧٦.

٣٧٩

مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول ، واليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني ، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبدالله الاشعري ، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، ونوادر محمد بن ابي عمير ، وكتب المحاسن لاحمد بن ابي عبدالله البرقي ، ورسالة ابي ( رضي الله عنه ) إلي وغيرها من الاصول والمصنفات التي طرقي اليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي واسلافي ـ رضي الله عنهم ـ وبالغت في ذلك جهدي مستعيناً بالله »(١) .

وقد سلكرحمه‌الله في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فان ثقة الاسلام كما عرفت جرى في الكافي على طريقة السلف من ذكر جميع السند غالباً ، وترك اوائل الاسناد ندرة اعتماداً على ما ذكره في الاخبار المتقدمة عليها واما الشيخ الصدوق فانه بنى في « الفقيه » من أول الأمر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل السند ، ووضع مشيخة في آخر الكتاب يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال اسناده في اخبار هذا الكتاب ، وربما اخل بذكر الطريق إلى بعض فيكون السند باعتباره معلقاً.

ثم انهم اطالوا البحث عن احوال المذكورين في المشيخة ، ومدحهم وقدحهم وصحة الطريق من جهتهم او من جهة القرائن الخارجية ، وأول من دخل في هذا الباب العلاّمة في « الخلاصة » وتبعه ابن داود ، ثم ارباب المجاميع الرجالية وشراح الفقيه كالتفريشي والمجلسي الأول وغيرهما(٢) .

ولا يخفى ان البحث في تقييم الكتاب ، يقع في عدة نقاط :

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢ ـ ٥.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٧ ، الفائدة الخامسة.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530