كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149090 / تحميل: 5395
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولاجل ذلك لا يتبادر ذلك المعنى من توصيف غير الكافي بهذه الصفات كمعاجم اللغة والتاريخ والسير ، مثلا إذا قيل : « لسان العرب » من أجلّ الكتب في اللغة او ان تاريخ الطبري لم يعمل مثله.

وقد ذكرقدس‌سره في ضمن الوجه الثالث الذي سيوافيك ، ما يمكن ان يكون مؤيدا لكلامه هذا وقال : « ان هناك كتباً لا ينظر إلى اسانيد احاديثها ، فلا يكون الكافي أجلّ هذه الكتب إلا إذا اشتمل على تلك المزيَّة ، وإلا فلا يصح ان يعدّ من اجلها ».

اقول : لم اقف على كتاب يشتمل على تلك المزية ، ولو اراد منه الاصول المؤلفة في عصر الائمة ، فصريح الشيخ في « العدة » اشتراط صحة الاحتجاج بها بكون راويها ثقة. قال في بيان ما هو المختار فى باب حجية خبر الواحد : « وجدت الفرقة المحقة مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتى ان واحداً منهم إذا افتى بشيء لا يعرفونه ، سألوه من اين قلت هذا. فاذا أحالهم على كتاب معروف ، او اصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله »(١) .

وهذه العبارة صريحة في ان ورود الخبر في الاصول المدونة ، لم يكن كافياً في الاحتجاج ما لم يحرز وثاقة راويه ، فاذا كان هذا حال الاصول فغيرها اولى بلزوم المراجعة.

وعلى فرض وجود ما لا ينظر إلى اسانيده فالظاهر ان المراد من قولهم « ان الكافي اجلّ الكتب » وما اشبه هذا ، تفوّقه على سائر الكتب الحديثية من جهة الاسلوب والتبويب والجامعية والضابطية ، إلى غير ذلك من المزايا التي لا توجد في نظائرها المتقدمة عليه او المتأخرة عنه ، لا انه جامع لمزية كل كتاب

__________________

١ ـ عدة الاصول : ٣٣٨ ، الطبعة الحديثة.

٣٦١

كان قبله ، ويعلم مفاد هذه المدائح من امعان النظر في الكتب التي مدحت بهذه المدائح مثلاً يقال : « البحار جامع حديثي لم يعمل مثله » او « الجواهر من جلائل الكتب الفقهية » فليس النظر تصحيح كل ما في البحار من الروايات ، وتصديق كل ما جاء في الجواهر من الفتيا ، بل الجامعية في الأول ، وكثرة الفروع ودقة النظر في الثاني هي الباعثة إلى توصيفهما بما ذكرناه ، وليس المراد ان كل مزية موجودة في الكتب الحديثية او الفقهية موجودة فيهما.

الوجه الثاني : المدائح الواردة في حق المؤلف

ذهب المحدث النوري إلى ان المدائح الواردة في حق الكليني ، تستلزم صحة روايات كتابه واعتبارها وعدم لزوم المراجعة إلى آحاد اسناد رواياتها واليك بعض تلك المدائح :

١ ـ قال النجاشي : « ان الكليني أوثق الناس في الحديث واثبتهم ».

٢ ـ وقال العلاّمة في « الخلاصة » بمثله.

وهذا القول من مثل النجاشي لا يقع موقعه إلا ان يكون الكليني واجداً لكل ما مدح به الرواة والمؤلفون مما يتعلق بسند الحديث واعتبار الخبر ، ومن اجل المدائح واشرف الخصال المتعلقة بالمقام ، الرواية عن الثقات ونقل الاخبار الموثوق بها ، كما ذكروه في تراجم جماعة.

قال الشيخ في « الفهرس » : « علي بن الحسن الطاطري كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ـ إلى ان قال : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ».

وقال ايضاً : « جعفر بن بشير ، كثير العلم ثقة روى عن الثقات ورووا عنه ».

٣٦٢

وقال النجاشي بمثله في ترجمة محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.

وقال الشيخ في « العدة » : « سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به ، وبين ما اسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم ».

وصرح العلاّمة في « المختلف » بأن ابن ابي عقيل شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته ومعرفته.

فاذا كان ابو جعفر الكليني اوثقهم واثبتهم في الحديث ، فلابد وان يكون جامعاً لكل ما مدح به آحادهم من جهة الرواية فلو روى عن مجهول ، او ضعيف ممن يترك روايته ، او اخبراً يحتاج إلى النظر في سنده ، لم يكن اوثقهم واثبتهم ، فان كل ما قيل فى حق الجماعة من المدائح والاوصاف المتعلقة بالسند يرجع اليهما ، فان قيس مع البزنطي واضرابه وجعفر بن بشير لابد وان يحكم بوثاقة مشايخه ، وان قيس مع الطاطري واصحاب الاجماع ، فلا مناص من الحكم بصحة حديثه وانه لم يودع في كتابه إلا ما تلقّاه من الموثوقين بهم وبرواياتهم.

ثم ان النجاشي قال بعد توصيفه بالاوثقية بانه ألفّ الكافي في عشرين سنة ، وظاهر ان ذكره لمدة تأليفه لبيان اثبتيته وانه لم يكن غرضه مجرد جمع شتات الاخبار ، فانه لا يحتاج إلى هذه المدة الطويلة ، بل ولا إلى عشرها ، بل الغرض جمع الاحاديث المعتبرة المعتمدة الموثوق بها ، وهذا يحتاج إلى هذه المدة ، لاحتياجه إلى جمع الاصول والكتب المعتبرة ، واتصالها إلى اربابها بالطرق المعتبرة والنظر في متونها وتصحيحها وتنقيحها.

ويظهر من اوثقيته واثبتيته أيضاً ، انه مبرء عن كل ما قدح به الرواة وضعفوا

٣٦٣

به من حيث الرواية ، كالرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، وعمن لم يلقه ، وسوء الضبط ، واضطراب ألفاظ الحديث ، والاعتماد على المراسيل التي لم يتحقق وثاقة الساقط عنده ، وامثال ذلك مما لا ينافي العدالة ولا يجتمع مع التثبت والوثاقة(١) .

وقد نقلنا كلامه بطوله لما فيه من فوائد ونكات ، ومع ذلك كله ، فالنتيجة التي استنبطها غير صحيحة لوجوه :

أوّلاً : ان الاوثقية صفة تفضيل من الوثاقة ، والمراد منه التحرز عن الكذب لاجل العدالة والورع ، كما ان الاثبتية وصف تفضيل من التثبت ، والمراد منه قلة الزلّة والخطأ وندرة الاشتباه ، فلو كان غير متحرز عن الكذب لا يكون ثقة ، ولو كان كثير الزلة والخطأ ، لا يكون ثبتاً.

هذا حال المادة ، وعليه يكون معنى « الاوثق » هو الواقع في الدرجة العليا من التحرز عن الكذب ، كما يكون معنى « الاثبت » هو المصون عن الزلة والعثرة بوجه ممتاز.

وعلى ذلك فلا يدل اللفظان على ما رامه المحدث النوري وان اتعب نفسه الشريفة في جمع الشواهد لما قصده.

وبالجملة ، لا يستفاد من اللفظين ان كل ما يوصف به معدود من الرواة في الفضائل فهو حاصل فيه على الوجه الاتم والاشد بل المراد تنزيهه من جهة التحرز عن الكذب ، وتوصيفه من جهة الصيانة عن الاشتباه والزلة ، وانه من تينك الجهتين في الدرجة العليا.

واين هو من صحة عامة رواياته لاجل وثاقة رواتها ، او اكتنافها بالقرائن الداخلية ، كما هو المدعى؟

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

٣٦٤

ثانياً : اتصاف جماعة من اصحابنا بعدم الرواية او الارسال إلا عن ثقة ، على فرض ثبوته ، فضيلة لهم ، ليست لها دخالة في الاتصاف بالوثاقة ، بحيث لو لم يكن الكليني مثلهم لا يكون اوثق الناس واثبتهم ، لما عرفت من ان المادة والهيئة لا ترميان إلا إلى التحرز عن الكذب ، والسداد عن الزلة وقلة الاشتباه ، من دون نظر إلى سائر الجهات.

ثالثاً : ان الرواية عن الضعفاء مع ترك التسمية يخالف الوثاقة ، واما الرواية عنهم معها فلا يخالفها ابداً ، نعم اكثار الرواية من الضعفاء كان امراً مذموماً ، وقد رُمي به أحمد بن محمد بن خالد البراقي ، واما النقل عنهم على الوجه المتعارف مع التسمية فلا ينافي الوثاقة والثبت ، فلا مانع من ان يروي الكليني مع ذكر اسمائهم ومع ذلك يكون من اوثق الناس واثبتهم.

رابعاً : ان المتحرزين في النقل عن الضعفاء ، انما يتحرزون في النقل عنهم بلا واسطة ، واما النقل عنهم بواسطة الثقات ، فقد كان رائجاً ، وهذا هو النجاشي لا يروي إلا عن ثقة بلا واسطة ، واما معها فيروي عنه وعن غيره ، ولاجل ذلك يقول في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ثم خلط ، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه »(١) .

وعلى ذلك فأقصى ما يمكن ان يقال : ان الكليني لا يروي في كتابه بلا واسطة إلا عن الثقات ، واما معها فيروي عن الثقة وغيره ، واما الالتزام بالنقل عن الثقات في جميع السلسلة فلم يثبت في حق احد ، إلا المعروفين بهذا الوصف ، اعني ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي كما اوضحناه.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٥٩.

٣٦٥

خامساً : إن تأليف الكافي في عشرين سنة ، لم يكن لأجل تمييز الصحيح عن غيره ، وجمع الروايات الموثوق بها فقط ، بل كان هذا أحد الاهداف ، ولكن كان هناك أسباب اُخر لطول المدّة ، وهو السعي في العثور على النسخ الصحيحة المقروءة على المشايخ ، أو المسموعة عنهم وانتخاب الصحيح عن الغلط ، والأصح من الصحيح ، والدّقة في مضمون الرواية ، ووضعها في الباب المناسب له ، إلى غير ذلك من الاسباب التي تأخذ الوقت الثمين من المؤلف ، ولم يكن التأليف يومذاك أمراً سهلاً ، ولم تكن الكتب مطبوعة منتشرة حتى يمهّد الطريق للمؤلف.

نعم ، مع ذلك لم يكن هدفه أيضاً مجرّد الجمع بلا دقّة ، والتأليف بلا ملاحظة الاسناد والمتون ، ولكن لا على وجه يغني عن ملاحظة الاسناد مطلقاً ، وعلى كل حال ، فالكتاب مع جلالته عمل فردي لا يمكن أن يكون نقيّاً عن الاشتباه والزلة غير محتاج إلى التنقيب والتفتيش ، فجهوده الكبرى مشكورة لا يستغنى عنها ، ولكن لا يكتفى بها.

الوجه الثالث : كون المؤلف في عصر الغيبة الصغرى

أشار السيد علي بن طاووس في « كشف المحجّة » في مقام بيان اعتبار الوصية المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الحسنعليهما‌السلام وقد نقلها من كتاب « رسائل الائمة » للكليني ، إلى وجه آخر لاعتبار أحاديث الكافي وقال ما هذا لفظه : « والشيخ محمد بن يعقوب كان حيّاً في زمن وكلاء المهدي ـ صلوات الله عليه ـ : عثمان بن سعيد العمري ، وولده أبي جعفر محمد ، وأبي القاسم بن روح ، وعليّ بن محمد السيمريرحمهم‌الله ، وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد السيمري ، لأن علي بن محمد السيمري توفّي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة والكليني توفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، فتصانيف الكليني ورواياته في زمن الوكلاء

٣٦٦

المذكورين في وقت يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنفاته »(١) .

ونقله المحدّث الحرّ إلى قوله « في زمن الوكلاء المذكورين »(٢) ولم ينقل تتَّمة كلامه الذي هو أوفى دلالة على ما هو بصدد اثباته.

وقال المحدّث النوري بعد نقل كلام السيد : « نتيجة ما ذكره من المقدّمات عرض الكتاب على أحدهم وإمضاؤه وحكمه بصحته ، وهو عين إمضاء الإمامعليه‌السلام ، وهذا وان كان أمراً غير قطعي يصيب ويخطئ ، ولا يجوز التشبّث به في المقام ، إلا أن التأمل في مقدماته يورث الظن القوي والاطمئنان التامّ او الوثوق بما ذكره ، فانهرحمه‌الله كان وجه الطائفة وعينهم ومرجعهم كما صرحوا به ، في بلد اقامة النوّاب ، وكان غرضه من التأليف ، العمل به في جميع ما يتعلق بامور الدين ، لاستدعائهم وسؤالهم عنه ذلك كما صرح به في أول الكتاب ، وكان بمحضره في بغداد ، يسألون عن الحجةعليه‌السلام بتوسّط أحد من النواب عن صحة بعض الاخبار ، وجواز العمل به ، وفي مكاتيب محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري اليهعليه‌السلام من ذلك جملة وافرة وغيرها ، فمن البعيد أنهرحمه‌الله في طول مدة تأليفه وهي عشرون سنة لم يعلمهم بذلك ، ولم يعرضه عليهم مع ما كان فيما بينهم من المخالطة والمعاشرة بحسب العادة وكانت الشيعة يسألون عن الابواب حوائج واُموراً دنيوية تعسرت عليهم يريدون قضاءها وإصلاحها ، وهذا أبو غالب الزراري استنسخ قسماً كبيراً من أبواب الكافي ورواه عن مؤلفه بالقراءة عليه او بالاجازة ، فمن البعيد أن لا يعرضه على الأبواب مع أنه رفع مشكلة زوجته فوافاه الجواب.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ـ وجاءت العبارة المذكورة في المحجة المطبوعة ( الصفحة ١٥٩ ) الى قوله « تحقيق منقولاته » وليس من الجملة الاخيرة فيها أثر ، نعم توجد في النسخة المكتوبة المصححة بقلم المحدث النوري في حاشيتها العبارة الاخيرة.

٢ ـ الوسائل : ٢ / ٧١.

٣٦٧

وكان عرض الكتاب على النواب مرسوماً ، روى الشيخ في غيبته أنه لما عمل الشلمغاني كتاب التكليف ، قال الشيخ أبو القاسم بن روح : اطلبوا إليّ لأنظره ، فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة إلا في موضعين أو ثلاثة ، فانه كذب عليهم في روايتها ـ لعنه الله ـ.

وقد سئل الشيخ من كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة فقيل : كيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملأى؟ فقال : أقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ وقد سئل عن كتب بني فضّال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال ـ صلوات الله عليه ـ : « خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ».

فمن البعيد غاية البعد أن أحداً منهم ( النواب ) لم يطلب من الكليني هذا الكتاب الذي عمل لكافة الشيعة ، او لم يره عنده ولم ينظر اليه ، وقد عكف عليه وجوه الشيعة وعيون الطائفة ، وبالجملة فالناظر إلى جميع ذلك لعلَّه يطمئن إلى ما أشار اليه السيد الأجل ، وتوهّم أنه لو عرض على الإمامعليه‌السلام ، او على أحد من نوابه لذاع واشتهر ، منقوض بالكتب المعروضة على آبائه الكرام ـ صلوات الله عليهم ـ ، فانه لم ينقل الينا كل واحد منها إلا بطريق أو بطريقين »(١) .

أقول : ما ذكره مبنيّ على أمرين غير ثابتين ، بل الثابت خلافه.

١ ـ كون الكليني مقيماً ببغداد وقام بتأليفه بمرأى ومسمع من النواب ، وكان بينه وبينهم مخالطة ومعاشرة.

٢ ـ إن الجهة الباعثة إلى عرض كتاب ( التكليف ) على أبي القاسم بن روح ، كانت موجودة في الكافي أيضاً واليك بيان الأمرين :

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ـ ٥٣٣.

٣٦٨

أما الأول : فيه أوّلاً : أن صريح قول النجاشي في ترجمته « شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم » أنه كان مقيماً بالري ، مؤلفا فيها ، وإنما انتقل في اُخريات عمره إلى بغداد ، ولم نقف على سنة انتقاله إلى بغداد ومدّة اقامته فيها ، وان ادّعى بعضهم أنه أقام بها سنتين ثم توفي ، ومن البعيد أن لا يستنسخ منه في موطنه عدّة نسخ بواسطة تلاميذه قبل الانتقال إلى بغداد ، ولا ينتشر في الاقطار الاسلامية ، ولو صحّ ذلك فلا فائدة من العرض بعد النشر ، ولا في الاستظهار بعد البثّ ، وانما يكون مفيداً لو عرض قبل النشر واستظهر قبل البثّ ، حتى يعالج ما يحتاج إلى الاصلاح.

وثانياً : إنه لم تكن بينهما مخالطة ومعاشرة ، بشهادة انه لم يرو عن أحد من النواب في أبواب الكافي ، حتى ما يرجع إلى الإمام الحجةعليه‌السلام ، وهذا يعرب عن عدم خلطته ومعاشرته معهم ، وإلا لنقل منهم رواية او روايات في الابواب المختلفة ، ومع هذا فكيف يصحّ أن يدّعي أنه عرض كتابه عليهم واستظهر منهم الحال.

وثالثاً : انه لو عرض هو نفسه او احد تلاميذه ، كتابه عليهم ، لذكره في ديباجة الكتاب ، وقد كتب الديباجة بعد تأليف الكتاب كما هو ظاهر لمن لاحظها ، وما ذكره المحدّث النوري من أن هنا كتباً معروضة على الإمام ، لم ينتقل إلا بطريق او طريقين غير تامّ ، لأن هذه الكتب عرضت على الإمام بعد وفاة مؤلفيها ، والمدّعى أنه عرض الكافي بواسطة المؤلف او تلاميذه في حياة مؤلفه ، فطبع الحال يقتضي أنه لو كان نفس المؤلف عرضه ، لأثبته في المقدمة قطعاً ، تثبيتاً لموقف الكتاب الذي ألّفه ليكون مرجعاً للشيعة في جميع الاعصار.

وأما الثاني : فلأن الداعي إلى عرض كتاب الشلمغاني ، هو احتمال انه أدخل فيه لأجل انحرافه ما لم يصدر عنهمعليهم‌السلام ، وكان كتاب التكليف كالرسالة العملية ينظر فيه كل عاكف وباد ، وعمل بما فيه ، وأين هو

٣٦٩

من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثَّبت الورع ، الذي نقطع بعدم كذبه على الأئمةعليهم‌السلام ، فلا حاجة للعرض ، وإلا لوجب عرض غيره من الجوامع ، مثل جامع البزنطي ، ومحاسن البرقي ، ونوادر الحكمة للأشعري. كل ذلك يؤيد أنه كان هنا سبب خاص لعرض كتاب التكليف دون غيره من الكتب.

وعلى الجملة ، إن قياس كتاب الكافي بكتاب التكليف ، قياس مع الفارق ، وقد ألف الشيخ الشلمغاني كتاب التكليف حال استقامته ، ثم ادعى ما ادعى ، فخرج التوقيع على لعنه والبراءة منه من الناحية المقدسة عام ٣١٢ ، وصار ذلك مظنة للسؤال عن كتابه الذي كان كالرسالة العملية ، فصار العمل به مظنة الضلال ، كما أن تركه كان مظنّة ترك ما يصحّ العمل به.

ولأجل هذا المحذور المختصّ به ، رفع الأمر إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ، فطلب الكتاب وطالعه وعين مواضع ضلاله ، واين هذا من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثبت ليكون مصدراً ومرجعاً للفقهاء ولا بأس بنقل ما ورد حول كتاب التكليف.

منها : ما رواه الشيخ في كتاب « الغيبة » عن ابن زهومة النوبختي ، قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول : « لمّا عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف ، قال ابو القاسم الحسين بن روح : اطلبوه إليّ لأنظره ، فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال : ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة ، إلا في موضعين او ثلاثة ، فانه كذب عليهم في روايتها ـ لعنه الله ـ(١) .

ومنها : ما رواه أيضاً بسنده عن عبدالله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح قال : « سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم ـ عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللّعنة ، وقيل له فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملأى؟ فقال : أقول

__________________

١ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٥١ ـ ٢٥٢ طبعة النجف.

٣٧٠

فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال ـ صلوت الله عليه ـ : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا »(١) .

وروى ايضاً عن سلامة بن محمد قال : « انفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التأديب(٢) إلى قم ، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها فقال لهم : انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيء يخالفكم؟ فكتبوا اليه : انه كله صحيح ، وما فيه شيء يخالف ، إلا قوله « الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام » و « الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع »(٣) .

قال العلاّمة المجلسي : « اما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائمعليه‌السلام ، لكونه في بلد السفراء فلا يخفى ما فيه ، نعم عدم انكار القائم وآبائه ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ عليه وعلى امثاله في تأليفاتهم ورواياتهم مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهمعليهم‌السلام راضين بفعلهم ومجوزين للعمل باخبارهم »(٤) .

تقييم العرض على وكيل الناحية

ثم ان الشيعة عرضت كتب الشلمغاني على الشيخ ابي القاسم وكيل الناحية ، لأجل درايته بالحديث وتعرفه على كلمات الائمةعليهم‌السلام ، ولأجل ذلك لما عرض عليه كتاب التكليف قال : « ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة إلا موضعين او ثلاثة » لا لأجل عرضه على القائمعليه‌السلام ، حتى انه قد انفذ الكتاب نفسه ( التأديب ) إلى فقهاء قم ، والتمس نظرهم فيه ، فكتبوا في حقه ما عرفته ، فاذا كان عرض الكتاب على الشيخ ابي القاسم لأجل

__________________

١ ـ كتاب الغيبة : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ طبعة النجف.

٢ ـ هذا الكتاب لنفس الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح ، راجع الذريعة : ٣ / ٢١٠.

٣ ـ الغيبة للطوسي : ٢٤٠ طبعة النجف.

٤ ـ مرآة العقول : ١ / ٢٢ مقدمة المؤلف.

٣٧١

تعرفه بالحديث ، لا لأجل عرضه على القائمعليه‌السلام فالكليني كان في غنى عن عرضه عليه ، لأن الشيخ لم يكن اقوى منه في الحديث وعرفان الكلم. نعم لو كان الهدف عرضه على القائمعليه‌السلام لكان لما ذكر وجه.

واما ما ذكره العلاّمة المجلسي من حصول الظن المتاخم للعلم بكونهعليه‌السلام راض بفعله فهذا مما لا شك فيه ، كيف ولولا الكافي واضرابه لما بقى الدين ، ولضاعت السنة ، ولكنه لا يقتضي ان يؤخذ بكل رواياته من دون تحقيق في الاسناد.

وقد قال العلاّمة المجلسي في نفس كلامه : « الحق عندي ان وجود الخبر في امثال تلك الاصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ، ولكن لا بد من الرجوع إلى الاسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض »(١) .

ومما يدل على انه لم يكن جميع روايات الكتاب صحيحة عند المؤلف نفسه انهقدس‌سره عنون في مقدمة الكافي الخبرين المتعارضين وكيفية علاجهما ، بأن من المتعارضين ما أمر الإمام بترجيحه بموافقة الكتاب ومخالفته العامة وكونه موافقاً للمجمع عليه ، وفيما لا يوجد المرجحات المذكورة ، يجوز الاخذ باحدهما من باب التسليم.

ومع ذلك ، كيف يمكن القول بأن كل ما ورد في الكافي كان صحيحاً عند الكليني ، واليك نص عبارته : فاعلم يا اخي ـ ارشدك الله ـ انه لا يسع احداً تمييز شيء مما اختلف الرواة فيه عن العلماءعليهم‌السلام برأيه ، إلا على ما اطلقه العالم بقولهعليه‌السلام : « اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه » وقولهعليه‌السلام : « دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم » وقولهعليه‌السلام : « خذوا

__________________

١ ـ مرآة العقول : ١ / ٢٢.

٣٧٢

بالمجمع عليه ، فان المجمع عليه لا ريب فيه » ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا اقلّه ولا نجد شيئاً احوط ولا اوسع من ردّ علم ذلك كله إلى العالمعليه‌السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقولهعليه‌السلام : « بأيّما اخذتم من باب التسليم وسعكم ».

وهذا الكلام ظاهر في ان الكليني لم يكن يعتقد بصدور روايات كتابه عن المعصوم جزماً ، وإلا لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بما له مرجح.

اضف إلى ذلك انه لو كان كل ما في الكافي صحيحاً عند الكليني لنقل منه إلى غيره بعبارة واضحة ، وكان للصدوق الذي يعد في الطبقة التالية للكليني نقل ذلك القول في احد كتبه ، بل كان عليه ان يصحح ما صححه الكليني ، ويزيف ما زيفه ، إذ ليس الكليني باقل من شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، فقد نرى انه يقول في حقه في « فقيهه » : « اما خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة ، وكل ما لا يصححه ذلك الشيخ ـ قدس الله روحه ـ ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح »(١) .

وقال أيضاً : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) سيِّئ الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي ، راوي الحديث ، واني اخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة ، وقد قراته عليه فلم ينكره ورواه لي »(٢) .

كل ذلك يشير إلى انه لم يكن كتاب الكافي عند الصدوق بهذه المنزلة.

__________________

١ ـ الفقيه : الجزء الثاني ، باب صوم التطوع وثوابه ، ذيل الحديث ٢٤١.

٢ ـ العيون : الجزء ٢ ، باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المنثورة ، ذيل الحديث ٤٥.

٣٧٣

نعم ربما يستدل على عدم صحة ما في الكافي بأن الشيخ الصدوق انما كتب كتاب « من لا يحضره الفقيه » اجابة لطلب السيد الشريف ابي عبدالله المعروف بـ « نعمة الله » ولا شك ان كتاب الكافي اوسع من الفقيه ، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق ، فضلاً عن ان تكون قطعية الصدور ، لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب الفقيه ، بل كان على الشيخ الصدوق ارجاع السائل إلى كتاب الكافي(١) .

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال ، فان السيد الشريف طلب من الشيخ الصدوق كتاباً اشبه بالرسائل العملية الرائجة في هذه الاعصار ، ولم يكن الكافي بهذه المثابة ، فلاجل ذلك لم يرجعه الشيخ الصدوق إلى ذلك الكتاب ، لا لاجل عدم قطعية رواياته او عدم صحته.

نعم ربما يورد على المستدل بقطعية احاديث الكافي ان الشيخ الكليني روى في كتابه روايات كثيرة عن غير اهل البيت المعصومينعليهم‌السلام . وهذا لا يجتمع مع ما صرح به في ديباجة كتابه من انه يأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهم‌السلام وقد نقل ذلك الشيخ المتتبع النوري ـ رضوان الله عليه ـ عن رسالة الاستاذ الاكبر ، المحقق البهبهاني فقال : « فقد اكثر من الرواياة عن غير المعصوم في أول كتاب الارث ، وقال في كتاب الديات في باب وجوه القتل : علي بن إبراهيم قال : وجوه القتل على ثلاثة اضرب ـ إلى آخر ما قال. ولم يورد في ذلك الكتاب حديثاً آخر ، وفي باب شهادة الصبيان عن ابي ايوب قال : سمعت اسماعيل بن جعفر ـ إلى آخره ، واكثر أيضاً في اصول الكافي من الرواية عن غير المعصوم منه ما ذكره في مولد الحسين من حكاية الاسد الّذي دعته فضة إلى حراسة جسدهعليه‌السلام وما ذكره في مولد امير المؤمنين

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٤٠ ـ ٤١.

٣٧٤

عليه‌السلام عن اسيد بن صفوان »(١) .

وقد جاء بعض ما رواه الشيخ الكليني عن غير المعصوم في « معجم رجال الحديث » أيضاً(٢) .

ولا يخفى ان نقل هذه الكلمات مع التصريح باسماء المروي عنهم لا يضر المستدل ، فان نقل هذه الكلمات عن اصحابها مع كونهم غير معصومين ، كنقل معاني اللغة عن اصحابها ولا ينافي كون مجموع الكتاب مروياً عن الصادقينعليهم‌السلام .

إلى هنا تبين ان كتاب الكافي كتاب جدير بالعناية ، ويعد اكبر المراجع واوسعها للمجتهدين ، وليست رواياته قطعية الصدور فضلاً عن كونها متواترة او مستفيضة ، ولا ان القرائن الخارجية دلت على صحتها ولزوم الاعتماد عليها ، بل هو كتاب شامل للصحيح والسقيم ، فيجب على المجتهد المستنبط تمييز الصحيح عن الضعيف.

ولاجل ايقاف القارئ على بعض ما لا يمكن القول بصحته نقلاً وعقلاً نشير إلى نموذجين :

١ ـ فقد روي عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قول الله( وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ) ـ الزخرف : ٤٤ فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذكر واهل بيته المسؤولون وهم الذكر(٣) .

ولو كان المراد من « الذكر » هو النبي ، فمن المخاطب في قوله « لك » وهو سبحانه يقول :( انه لذكر لك ) أي لك ايها النبي. نعم وجود هذه

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٠ الفائدة الرابعة من الخاتمة.

٢ ـ لاحظ معجم رجال الحديث : ١ / ١٠١ ـ ١٠٣.

٣ ـ الكافي : ١ / ٢١٠ ، باب ان اهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الائمةعليهما‌السلام الحديث ٢ و ٤.

٣٧٥

الروايات الشاذة النادرة لا ينقص من عظمة الكتاب وجلالته ، وأي كتاب بعد كتاب الله العزيز ، ليس فيه شيء؟

واما الثاني ، فنرجو المراجعة إلى المصدر التالي(١) .

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٢٣٧.

٣٧٦

٢ ـ تقييم احاديث « من لا يحضره الفقيه »

٣٧٧
٣٧٨

ان كتاب « من لا يحضره الفقيه » تأليف الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء صاحب الأمرعليه‌السلام (١) حدود عام ٣٠٦ والمتوفى سنة ٣٨١ هـ ، من اصح الكتب الحديثية واتقنها بعد الكافي وهي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار.

وقد ذكر الشيخ الصدوق في ديباجة كتابه انه لما ساقه القضاء إلى بلاد الغربة ونزل ارض بلخ ، وردها شريف الدين ابو عبدالله محمد بن الحسن المعروف بنعمة ، فدام سروره بمجالسته ، وانشرح صدره بمذاكرته ، وقد طلب منه ان يصنف كتاباً في الفقه والحلال والحرام ويسميه بـ « من لا يحضره الفقيه » كما صنَّف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتاباً في الطب واسماه « من لا يحضره الطبيب » فاجاب مسؤوله وصنف هذا الكتاب له.

ويصف هذا الكتاب بقوله : « ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى ايراد ما افتي به ، واحكم بصحته ، واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي ـ تقدس ذكره ، وتعالت قدرته ـ وجميع ما فيه

__________________

١ ـ لاحظ رجال النجاشي : ١٨٤ ، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠١ عند ذكر التوقيعات ، واكمال الدين واتمام النعمة : ٢٧٦.

٣٧٩

مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول ، واليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني ، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبدالله الاشعري ، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، ونوادر محمد بن ابي عمير ، وكتب المحاسن لاحمد بن ابي عبدالله البرقي ، ورسالة ابي ( رضي الله عنه ) إلي وغيرها من الاصول والمصنفات التي طرقي اليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي واسلافي ـ رضي الله عنهم ـ وبالغت في ذلك جهدي مستعيناً بالله »(١) .

وقد سلكرحمه‌الله في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فان ثقة الاسلام كما عرفت جرى في الكافي على طريقة السلف من ذكر جميع السند غالباً ، وترك اوائل الاسناد ندرة اعتماداً على ما ذكره في الاخبار المتقدمة عليها واما الشيخ الصدوق فانه بنى في « الفقيه » من أول الأمر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل السند ، ووضع مشيخة في آخر الكتاب يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال اسناده في اخبار هذا الكتاب ، وربما اخل بذكر الطريق إلى بعض فيكون السند باعتباره معلقاً.

ثم انهم اطالوا البحث عن احوال المذكورين في المشيخة ، ومدحهم وقدحهم وصحة الطريق من جهتهم او من جهة القرائن الخارجية ، وأول من دخل في هذا الباب العلاّمة في « الخلاصة » وتبعه ابن داود ، ثم ارباب المجاميع الرجالية وشراح الفقيه كالتفريشي والمجلسي الأول وغيرهما(٢) .

ولا يخفى ان البحث في تقييم الكتاب ، يقع في عدة نقاط :

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢ ـ ٥.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٧ ، الفائدة الخامسة.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

« فلو شاء اللّه لجعله » أي : المحس من نفسه رباطة جأش .

« مثله » أي : مثل أخيه الذي رأى منه فشلا ، فيجب عليه الذبّ عنه شكرا .

« إنّ الموت طالب حثيث » أي : سريع .

« لا يفوته المقيم »أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .١ .

« و لا يعجزه الهارب »قل ان الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم .٢ .

« ان أكرم الموت القتل » فلم لا يذبّ عن أخيه خوف القتل و زاد في ( ابن ميثم ) « بالسيف »٣ .

« و الذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي » هكذا في ( المصرية )٤ و كلمة « علي » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٥ .

« من ميتة على الفراش في غير طاعة اللّه » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ( ابن أبي الحديد ) في قوله « في غير طاعة اللّه » حيث جعله بين قوسين كما هو دأبه في ما يأخذ منه ، و ليس في ( ابن ميثم ) ، و الظاهر زيادته لصحّة نسخة ابن ميثم و لعدم وجوده في رواية الواقدي و رواية الكليني المتقدّمتين ، و لأنّ المقام لا يقتضيه٦ .

هذا ، و قد عرفت أن رواية الواقدي « و الذي نفسي بيده لألف ضربة

____________________

( ١ ) النساء : ٧٨ .

( ٢ ) الجمعة : ٨ .

( ٣ ) ابن ميثم ٣ : ٥٥ .

( ٤ ) في الطبعة المصرية : العبارة هي « ابن ابي طالب » راجع : ٢٨٩ .

( ٥ ) ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة لم ترد العبارة ، ٧ : ٣٠٠ اما ابن ميثم شرح نهج البلاغة ٣ : ٥٥ .

( ٦ ) راجع المصادر المتقدمة في الهوامش ٥ ، ٦ .

٤٨١

بالسيف أهون عليّ من موتة على فراشي » .

في ( العقد ) : كانوا يتمادحون بالموت قتلا و يتهاجون بالموت على الفراش و يقولون فيه : مات حتف أنفه ، و أوّل من قاله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و خطب ابن الزبير لمّا بلغه قتل أخيه مصعب فقال : ان يقتل فقد قتل أبوه و أخوه و عمّه ، إنّا و اللّه لا نموت حتفا و لكن تحت ظلال السيوف١ .

و قال ابن أبي الحديد روي أنّه قيل لأبي مسلم الخراساني : ان في بعض الكتب المنزلة : « من قتل بالسيف فبالسيف يقتل » فقال : القتل أحبّ إليّ من اختلاف الأطباء و النظر في الماء و مقاساة الدواء فذكر ذلك للمنصور فقال : قد أبلغناه محبته قلت : و قال المنصور له وقت قتله :

زعمت أن الدين لا يقتضى

فأستوف بالكيل أبا مجرم

سقيت كأسا كنت تسقي بها

أمرّ في الحلق من العلقم٢

و في ( الطبري ) : كان أبو مسلم قتل في دولته و حروبه ستمائة ألف صبرا٣ .

٤ الكتاب ( ١٦ ) و كان يقولعليه‌السلام لأصحابه عند الحرب :

لاَ تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ وَ لاَ جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ وَ أَعْطُوا اَلسُّيُوفَ حُقُوقَهَا وَ وَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا وَ اُذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى اَلطَّعْنِ اَلدَّعْسِيِّ وَ اَلضَّرْبِ اَلطِّلَحْفِيِّ وَ أَمِيتُوا اَلْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ١٠١ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد ٧ : ٣٠٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٣٧ .

٤٨٢

لِلْفَشَلِ فَوَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَ لَكِنِ اِسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا اَلْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ أقول : انّما ذكره في باب الكتب و الملحق بها من العهود و الوصايا لأنّه عطفه كسابقه على قوله في ( ١٤ ) « و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره » ، و لو كان ذكره في الأوّل أو الثالث كان له وجه أيضا .

قول المصنف : « و كان يقولعليه‌السلام » هكذا في ( المصرية )١ و مثله ابن أبي الحديد و لكن في ( ابن ميثم ) : « و كانعليه‌السلام يقول »٢ .

« لأصحابه عند الحرب » ظاهر ذيل العنوان « فو الذي . » دليل على أنّهعليه‌السلام قاله في صفين ، لأنّ معاوية هو الذي ما أسلم و لكن استسلم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المصنّف التقط من مواضع ، فرواه ( الكافي ) بدون ذيله ، فروى في باب ما يوصيعليه‌السلام عند القتال أنّهعليه‌السلام قال : و إذا حملتم فاحملوا فعل رجل واحد ،

و عليكم بالتحامي ، فان الحرب سجال ، لا يشتدن عليكم كرّة بعد فرّة ، و لا حملة بعد جولة ، و من ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه ، و استعينوا بالصبر فان بعد الصبر النصر من اللّه عز و جل ان الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين٣ .

قولهعليه‌السلام « لا يشتدن عليكم فرّة بعدها كرّة و لا جولة بعدها حملة » لانجبار الاولى بالثانية ، و انّما يجب أن يشتدّ عليهم فرّة بدون كرّة و جولة بدون حملة ،

ثم قد عرفت ان ( الكافي ) رواه بلفظ آخر .

« و اعطوا السيوف حقوقها » فان المقصود من حملها الضرب بها ، قال :

____________________

( ١ ) راجع الطبعة المصرية : شرح محمد عبده : ٥٣٢ ، و كذا ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٥ : ١١٤ الرواية : ١٦ .

( ٢ ) ابن ميثم ٤ : ٣٨٦ الرواية ١٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٤١ .

٤٨٣

بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم

و لم تكثر القتلى بها حين سلت١

أي اذا سلّوها لم يشيموها إلاّ بعد كثرة القتلى بها ، و من لا يعطي السيف حقّه يكون كمن قيل فيه :

و ما تصنع بالسيف

وضع سيفك خلخالا

« و وطئوا » هكذا في ( المصرية )٢ و نقله ابن ميثم « و وطنوا » و نسب « وطئوا » إلى رواية٣ .

« للجنوب مصارعها » فسّره بعضهم بأن المراد جنوبهم ، فيكون كناية عن أمرهم بالعزم على القتل في سبيل اللّه ، و فسّره بعضهم بأن المراد جنوب الأعداء فيكون كناية عن إحكام الضرب ليحصل هلاكهم .

« و اذ مروا » أي حثّوا ، و في ( الصحاح ) : تذامر القوم أي حثّ بعضهم بعضا ، و ذلك في الحرب٤ .

« أنفسكم على الطعن الدعسي » أي : الشديد ، فعن أبي عبيد : المداعس الصمّ من الرياح .

« و الضرب الطلخفي » بالكسر فالفتح أي : الشديد ، و مر في سابقه عن ( الإرشاد ) أنّهعليه‌السلام قال في الجمل : « و لقد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلخفي »٥ .

و في ( الجمهرة ) ضرب طلخف و طلحف شديد و طلحفي و طلخفي

____________________

( ١ ) لسان العرب ٤ : ٥٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

( ٣ ) ابن ميثم : ٤ : ٣٨٨ و الرواية ٤ : ٣٨٦ .

( ٤ ) الصحاح للجوهري : ٦٦٥ .

( ٥ ) الإرشاد للمفيد : ١٣٤ مر صفحة ١٦٣ .

٤٨٤

بالحاء و الخاء ، و الطلخف رباعي ذكره ابن دريد في الرباعي١ .

و قول ابن أبي الحديد : « اللام زائدة » غلط ، و منشأ و همه أنّ ( الصحاح ) عنون طخف ثم قال و بزيادة اللام و هو أعم٢ .

« و أميتوا الأصوات » أي : اخفوها أو اعدموها بالصمت .

« فانّه أطرد » أي : أدفع .

« للفشل » أي الجبن .

سمع أبو طاهر الجنابي ضوضاء عسكر المقتدر و دبادبهم و بوقاتهم و هم عشرون ألفا و أبو طاهر في مائة و خمسين رجلا ما كان يسمع لهم صوت حتى كأنّ الخيل ليس لها حمحمة ، فقال أبو طاهر لبعض أصحابه : ما هذا الزّجل ؟ قال : فشل قال : أجل٣ .

« فو الذي » هكذا في ( المصرية )٤ و الصواب : « و الذي » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٥ ، و لأنّه لا معنى للتفريع له على ما قبله .

« فلق الحبّة و برأ » أي خلق .

« النسمة » أي : الإنسان .

« ما أسلموا » للّه .

« و لكن استسلموا » للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قهرهم يوم فتح مكّة .

« و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه » هكذا في ( المصرية )٦ و مثله ابن

____________________

( ١ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٤ : ١١٤٢ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد : ١٥ : ١١٤ .

( ٣ ) لم نعثر عليه في كتب التاريخ و التراجم .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

( ٥ ) انظر ابن ابي الحديد ١٥ : ١١٤ .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

٤٨٥

أبي الحديد و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « عليه أعوانا » .

« أظهروه »١ في ( صفين نصر ) : قال شيخ من بكر بن وائل : كنّا مع عليعليه‌السلام بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح ،

فقال ناس : هذا لواء عقده له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغ عليّاعليه‌السلام فقال : ان النبيّ أخرج هذه الشقّة و قال : من يأخذها بما فيها ؟ فقال عدوّ اللّه عمرو : و ما فيها ؟ قال : ألا تقاتل بها مسلما و لا تفر بها من كافر فأخذها و قد و اللّه فرّبها من المشركين و قاتل بها اليوم المسلمين ، و الذي فلق الحبّة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منّا إلاّ إنّهم لم يدعوا الصلاة٢ .

و فيه قال منذر العلوي : قال محمّد بن الحنفية لمّا أتاهم اللّه من أعلى الوادي و من أسفله و ملأوا الأودية كتائب : استسلموا حتى وجدوا أعوانا٣ .

و فيه : قال حبيب بن أبي ثابت : قال رجل في صفين لعمّار : ألم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتلوا الناس حتى يسلموا فاذا أسلموا عصموا مني دماءهم و أموالهم قال : بلى و لكن و اللّه ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا٤ .

و ممّا يدلّ على كفر معاوية ما رواه نصر مسندا عن رجل شامي قال :

سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : شرّ خلق اللّه خمسة : إبليس ، و ابن آدم الذي قتل أخاه ،

و فرعون ذو الأوتاد ، و رجل من بني اسرائيل ردّهم عن دينهم و رجل من هذه الامة يبايع على كفره عند باب له قال الرجل : فلما رأيت معاوية يبايع عند باب

____________________

( ١ ) انظر ابن ابي الحديد ١٥ : ١١٤ .

( ٢ ) وقعة صفين ، لنصر ابن مزاحم : ٢٤١ ٢٤٢ طبعة مصر .

( ٣ ) المصدر نفسه : ٢٤٢ طبعة مصر و هو منذر الثوري .

( ٤ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٣ طبع مصر .

٤٨٦

له ذكرت قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلحقت بعليعليه‌السلام فكنت معه١ .

و ما رواه مسندا عن جابر الأنصاري قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يموت معاوية على غير ملّتي٢ .

و ما رواه مسندا عن الحسن البصري قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه٣ .

قال الحسن : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل و لم نفلح٤ .

٥ الكتاب ( ١١ ) و من وصية لهعليه‌السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ :

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ اَلْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ اَلْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ اَلْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَ دُونَكُمْ مَرَدّاً وَ لْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اِثْنَيْنِ وَ اِجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي اَلْجِبَالِ وَ مَنَاكِبِ اَلْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ اَلْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ اَلْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ اَلْمُقَدِّمَةِ طَلاَئِعُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلتَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا اِرْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيَكُمُ اَللَّيْلُ فَاجْعَلُوا اَلرِّمَاحَ كِفَّةً وَ لاَ تَذُوقُوا اَلنَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه )٥ و ابن أبي شعبة في ( تحفه )٦

____________________

( ١ ) المصدر نفسه : ٢١٧ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٣٣ : ١٨٧ ح ٤٦٥ ب ١٧ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٣٣ : ١٨٦ ، ح ٤٦١ ٤٦٢ ب ١٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) وقعة صفين لنصر ابن مزاحم : ١٢٢ .

( ٦ ) تحف العقول لابن أبي شعبة : ١٣٠ .

٤٨٧

و الدينوري في ( طواله )١ ففي الأول : عمرو بن سعد عن يزيد بن خالد قال : ان عليّاعليه‌السلام حين أراد المسير من النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هاني و كانا على مذحج و الأشعريين بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدّمته شريح على طائفة و زياد على جماعة ، فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة و لا يقرب بزياد ، فكتب زياد إليهعليه‌السلام : أما بعد فانّك و ليتني أمر الناس و ان شريحا لا يرى لي عليه طاعة و لا حقّا ، و ذلك من فعله بي استخفافا بأمرك و تركا لعهدك و كتب إليه شريح : أما بعد فان زيادا حين اشتركته في أمرك و ولّيته جندا من جنودك تنكّر و استكبر و مال به العجب و الخيلاء و الزهو إلى ما لا يرضاه الربّ تعالى ، فان رأى أمير المؤمنين أن يعزله عنّا و يبعث مكانه من يحب فليفعل فانّا له كارهون .

فكتبعليه‌السلام إليهما : أما بعد فاني قد ولّيت مقدّمتي زياد بن النضر و أمّرته عليها و شريح على طائفة منها أمير ، فان ائتما جمعكما بأس فزياد على الناس و ان افترقتما فكلّ واحد منكما أمير على الطائفة التي وليناه أمرها ، و اعلما ان مقدّمة القوم عيونهم و عيون المقدمة طلائعهم ، فاذا انتما خرجتما من بلادكما فلا تساما من توجيه الطلائع و من نقض الشعاب و الشجر و الخمر في كلّ جانب كيلا يغير كما عدو أو يكون لهم كمين ، و لا تسيرن الكتائب من لدن الصباح إلى المساء إلاّ على تعبئة ، فان دهمكم دهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدّمتم في التعبئة ، و اذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الاشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون ذلك ردءأ و تكون مقاتلتكم من وجه أو اثنين ، و اجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال و بأعالي

____________________

( ١ ) الطوال للدينوري : ١٥٦ .

٤٨٨

الأشراف و مناكب الأنهار يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن ،

و إيّاكم و التفرق ، و اذا نزلتم فانزلوا جميعا و اذا رحلتم فارحلوا جميعا ، و اذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح و الأترسة ، و رماتكم يلون ترستكم و رماحكم ، و ما أقمتم فكذلك فافعلوا كيلا تصاب لكم غفلة و لا تلفى لكم غرّة ، فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم و ترستهم من ليل أو نهار إلاّ كانوا كأنّهم في حصون ، و احرسا عسكر كما بأنفسكما ، و إيّاكما أن تذوقوا نوما حتى تصبحا إلاّ غرارا أو مضمضة ، ثم ليكن ذلك شأنكما و دأبكما حتى تنتهيا إلى عدوّكما ، و ليكن عندي كلّ يوم خبر كما و رسول من قبلكما ، فاني و لا شي‏ء إلاّ ما شاء اللّه حثيث السير في آثار كما ، و عليكما في حربكما بالتودة و إيّاكم و العجلة إلاّ أن تمكّنكم فرصة بعد الإعذار و الحجّة ، و إيّاكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلاّ أن تبدآ أو يأتيكما أمري .

و في الثاني بعد ذكر وصيته إلى زياد بن النضر ثم أردفه بكتاب يوصيه و يحذّره ، و فيه : اعلم ان مقدّمة القوم عيونهم . .

و في الثالث : لما اجتمع إلى عليّعليه‌السلام قواصيه و انضمت إليه أطرافه تهيأ للمسير من النخيلة ، فدعا زياد بن النضر و شريح بن هاني ، فعقد لكلّ واحد منهما على ستة آلاف فارس و قال : ليس كلّ واحد منكما منفردا عن صاحبه ،

فان جمعتكما حرب فأنت يا زياد الأمير ، و اعلما أن مقدّمة القوم عيونهم و عيون المقدّمة طلائعهم .١ .

قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام وصّى بها جيشا » قد عرفت من رواية نصر المتقدّمة انّهعليه‌السلام كتب بالعنوان إلى رئيسي جيشه زياد بن النضر و شريح بن هاني في جعلهم مقدّمة له إلى الشام و كذا من رواية ( التحف )

____________________

( ١ ) الأخبار الطوال : ١٠٦ .

٤٨٩

المتقدّمة ، و اما رواية الدينوري المتقدّمة فالظاهر انّه أراد الاختصار و ذكر المجمل .

« بعثه إلى العدوّ » و هو معاوية و أهل الشام .

قولهعليه‌السلام « فاذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم » أي مكان عسكركم .

« في قبل » أي : استقبال .

« الاشراف » أي : الأمكنة العالية قال شاعر :

كبر حتى لم يستطع ان يركب

حماره إلاّ من مكان عال

و أقود للشرف الرفيع حماري « أو سفاح الجبال » في ( الصحاح ) :١ سفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء و هو مضطجعه .

« أو أثناء الأنهار » في ( الصحاح ) : الثني من الوادي و الجبل منعطفه٢ .

« كيما يكون لكم ردءا » أي : عونا على الظفر .

« و دونكم مردا » للعدو .

« و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين » لئلا يحاصركم العدو .

« و اجعلوا لكم رقباء » أي رصدا و قالوا : الاكليل رقيب الثريا اذا طلعت احداهما عشاء غابت الاخرى .

« في صياصي الجبال » أي : حصونها .

« أو بمناكب الهضاب » جمع الهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض ،

و مناكبها رؤوسها .

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ١ : ٣٧٥ مادة ( سفح ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢٢٩٤ مادة ( ثنى ) .

٤٩٠

« لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن » في ( كامل المبرّد ) : كان المهلب يبثّ الاحراس في الأمن كما يبثّهم في الخوف ، و يذكي العيون في الأمصار كما يذكيها في الصحاري ، و يأمر أصحابه بالتحرّز و يخوّفهم البيات و ان بعد منهم العدو و يقول : احذروا أن تكادوا كما تكيدون و لا تقولوا غلبنا فالضرورة تفتح باب الحيلة .

و لما اجتمعت الخوارج بأرجان فنفحهم المهلب نفحة رجعوا ، فأكمن للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه ،

فسار المهلب يطوف بعسكره و يتفقّد سواده ، فوقف على جبل فقال : ان من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمينا ، فبعث عشرة فوارس فاطلعوا على المكمنة ، فلما علموا انّهم قد علموا بهم قطعوا القنطرة و يئسوا من ناحيته .

قال قطري بن الفجأة و هو أحد رؤسائهم لأصحابه : المهلب من قد عرفتموه ان أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر ، يمده اذا أرسلتموه و يرسله اذا مددتموه لا يبدؤكم الا أن تبدؤوه الا أن يرى فرصة فينتهزها ، فهو الليث المبر و الثعلب الرواغ و البلاء المقيم١ .

« و اعلموا ان مقدّمة القوم » في ( الصحاح ) :٢ مقدّمة الجيش بكسر الدال أوّله .

« عيونهم » في ( الصحاح ) : و العين الديدبان و الجاسوس .

« و عيون المقدّمة طلائعهم » في ( الصحاح )٣ طليعة الجيش من يبعث

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٠٨٢ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢٠٠٨ مادة ( قدم ) .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢١٧٠ مادة ( عين ) .

٤٩١

ليطلع طلع العدو .

« و إيّاكم و التفرّق فاذا نزلتم فانزلوا جميعا و اذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا » و في ( المروج ) : كانت سياسة يعقوب بن الليث الصفار انّه كان بأرض فارس و قد أباح الناس أن يرتعوا ، ثم حدث أمر أراد الرحيل من تلك الكورة ، فنادى مناديه بقطع الدواب عن الرتع ، فرؤي رجل من أصحابه قد أسرع إلى دابته و الحشيش في فمها فأخرجه من فيها مخافة أن تلوكه بعد سماعة النداء ، و أقبل على الدابة مخاطبا لها بالفارسية « دواب را از تر بريدند » يعني قطعوا الدواب عن الرطبة .

و رؤي في عسكره في ذلك الوقت رجل من قواده ذو مرتبة و الدرع الحديد على بدنه لا ثوب بينه و بين بشرته ، فقيل له في ذلك ، فقال : نادى منادي الأمير البسوا السلاح و كنت أغتسل من جنابة ، فلم يسعني التشاغل بلبس الثياب١ .

« و اذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفّة » بالضم ، فعن الأصمعي : كلّ ما استطال نحو كفة الثوب و كفّة الرمل فهو بالضمّ ، و كلّ ما استدار نحو كفّة الميزان و كفّة الصائد و كفّة اللثة فهو بالكسر .

« و لا تذوقوا النوم إلاّ غرارا » أي : قليلا ، و الأصل فيه الغرور ، و هو ما يتغرغر به من الأدوية و عن الأصمعي : يقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها ،

و منه غرار النوم و هو قلته .

و قال اعرابي :

لا أذوق النوم إلاّ غرارا

مثل حسو الطير ماء الثماد

« أو مضمضة » قال المروح السلمي :

لمّا اتكأن على النمارق مضمضت

بالنوم أعينهن غير غرار

____________________

( ١ ) المروج للمسعودي ٤ : ١١٤ .

٤٩٢

و قال آخر على نقل ( الأساس ) :

يمسح بالكفين وجها أبيضا

اذا الكرى في عينه تمضمضا١

و على نقل ( الصحاح ) :

و صاحب نبهته لينهضا

اذا الكرى في عينه تمضمضا٢

و لحسان على ما في ( ديوانه ) :

ما بال عينك يا حسان لم تنم

ما ان تغمض إلا مؤثم القسم٣

٦ الكتاب ( ١٢ ) و من وصية لهعليه‌السلام لمعقل بن قيس الرياحيّ

حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له :

اِتَّقِ اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَ لاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ اَلْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ وَ رَفِّهْ فِي اَلسَّيْرِ وَ لاَ تَسِرْ أَوَّلَ اَللَّيْلِ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ اَلسَّحَرُ أَوْ يَنْفَجِرُ اَلْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ اَلْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لاَ تَدْنُ مِنَ اَلْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ اَلْحَرْبَ وَ لاَ تَبَاعَدْ مِنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ اَلْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَ لاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ أقول : المفهوم من كتب السير أن وصيتهعليه‌السلام إلى معقل إلى قوله « فسر

____________________

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٣١ مادة ( مضض ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٢ : ١١٠٦ مادة ( مضمض ) .

( ٣ ) ديوان حسّان بن ثابت : ٣٠٠٩ .

٤٩٣

على بركة اللّه » ، و أما ما بعده « فاذا لقيت العدو . » ، فانّما وصيتهعليه‌السلام إلى الأشتر حين بعثه مددا لزياد بن النضر و شريح بن هاني و كانعليه‌السلام قدمهما من قرقيسا إلى معاوية .

اما الأول ، ففي ( صفين نصر ) عن أبي الوداك قال : ان عليّاعليه‌السلام بعث معقل بن قيس في ثلاثة آلاف و قال له : خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فإنّي موافيها و سكّن الناس و آمنهم ، و لا تقاتل إلاّ من قاتلك ، و سر البردين و غور الناس و أقم الليل و رفّه في السير ، و لا تسر أول الليل فان اللّه جعله سكنا ، أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك ، فاذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر فخرج حتى أتى الحديثة و هي اذ ذاك منزل الناس انّما بنى مدينة الموصل بعد ذاك مروان بن محمد فاذا هم بكبشين ينتطحان و مع معقل رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية ، فأخذ يقول ايه ايه فقال معقل : ما تقول ؟ فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كلّ واحد كبشا ثم انصرفا .

فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون و لا تغلبون قال له معقل : من أين علمت ذلك ؟ قال : أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كلّ واحد منهما من صاحبه منتصفا حتى أتى كلّ واحد منهما صاحبه فانطلق به .

ثم مضوا حتى أتوهعليه‌السلام بالرقّة١ .

و أمّا الثاني فروى نصر٢ و الطبري٣ أن عليّاعليه‌السلام أرسل إلى الأشتر ان

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٨ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٥٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٦٤ .

٤٩٤

زيادا و شريحا ارسلا إليّ يعلماني انّهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم ، فنبأني الرسول انّه تركهم متوافقين ، فالنجا إلى أصحابك النجا ، فاذا أتيتهم فأنت عليهم ، و إيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلاّ أن يبدؤوك حتى تلقاهم و تسمع منهم ، و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم مرّة بعد مرّة ، و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم إليك فاني حثيث السير إليك إن شاء اللّه١ .

قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام لمعقل بن قيس الرياحي » في ( الطبري ) : خرج المستورد الخارجي على المغيرة لما كان واليا على الكوفة من قبل معاوية ، فقال المغيرة لقبيصة رئيس شرطته : الصق لي بشيعة علي فأخرجهم مع معقل فان معقلا كان من رؤساء أصحابه ، فاذا بعث بشيعته الذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم إلى بعض و تناصحوا و هم أشد استحلالا لدماء هذه المارقة و أجرأ عليهم من غيرهم ، و قد قاتلوا معهم قبل هذه المرّة إلى أن قال فمشى المستورد و معقل كلّ منهما إلى صاحبه و بيد المستورد الرمح و بيد معقل السيف ، فأشرح المستورد الرمح في صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره ، فضربه معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيف أمّ الدماغ فخرّا ميتين٢ .

« حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف » قد عرفت من رواية نصر٣

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٥٣ ، و تاريخ الطبري ٣ : ٥٦٤ .

( ٢ ) تاريخ الأمم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٣ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٥ طبع النجف .

٤٩٥

أنّهعليه‌السلام أنفذه من الطريق في ثلاثة آلاف من المدائن و قال له : خذ على محل الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرّقة ، فأتاهعليه‌السلام بالرقة .

قولهعليه‌السلام « اتق اللّه الذي لا بدّ لك من لقائه »يا أيها الإنسان إنّك كادح إلى ربِّك كدحاً فملاقيه ١ .

« و لا منتهى لك دونه » ألاّ تزر وازرة وزر اُخرى و أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى و أنّ سعيه سوف يرى ثُم يُجزاه الجزاء الأوفىو أنّ إلى ربك المنتهى ٢ .

« و سر » أمر من السير .

« البردين » أي : الغداة و العشي .

« و غور بالناس » في ( الجمهرة ) : غوّروا اذا نزلوا في الهاجرة و أراحوا٣ .

« و رفّه بالسير » أي : وسّع به عليهم من ( رفّه من خناقه ) .

« و لا تسر أوّل الليل فان اللّه جعله سكنا »فالق الإصباح و جعل الليل سكنا ٤ .

« و قدره مقاما لا ظعنا » أي : حركة .

« فأرح » أي : اعط الراحة ، قال النابغة :

و صدر أراح الليل عازب همّه .

« فيه بدنك و روّح ظهرك » قال ابن أبي الحديد : أمرهعليه‌السلام أن يريح في الليل بدنه و ظهره و هي الإبل و ( بنو فلان مظهرون ) أي : لهم ظهر ينقلون عليه كما

____________________

( ١ ) الانشقاق : ٦ .

( ٢ ) النجم : ٣٨ ٤٢ .

( ٣ ) جمهرة اللغ لابن دريد ٣ : ١٢٦٧ .

( ٤ ) الأنعام : ٩٦ .

٤٩٦

تقول منجبون أي لهم نجائب١ .

و قال الراوندي : « الظهور الخيول » و ليس بصحيح٢ .

قلت : الأظهر كون الظهر أعم من الخيل و الإبل ، فالعسكر معهم خيل يركبون عليها و إبل يحملون عليها ، فلو لم يكن الظهر هنا أعمّ لكانعليه‌السلام يقول « و روح ظهرك و خيلك » و أيضا قال في ( النهاية ) : في حديث الخيل : « و لم ينس حقّ اللّه في رقابها و لا ظهورها » حق الظهور ان يحمل عليها منقطعا به أو يجاهد عليها ، و منه الحديث الآخر : « و من حقّها إفقار ظهرها . »٣ .

اللّهم إلاّ أن يقال ان الحديثين أعم ، لأن فيهما « ظهور الخيل » و « ظهر الخيل » ، و هو غير الظهر المطلق ، كما انّه يمكن أن يقال اقتصرعليه‌السلام في ترويح الإبل لأن أتعابها أكثر بحمل الأثقال بخلاف الخيل التي يركبها الرجال .

« فاذا وقفت حين ينبطح » أي : ينبسط .

« السحر أو حين ينفجر » أي : ينشق .

« الفجر فسر على بركة اللّه ، فاذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا » في ( عيون القتيبي )٤ : قرأت في الائين : من سنّة الحرب أن يرتاد للقلب مكانا مشرفا ، فان أصحاب الميمنة و الميسرة لا يقهرون و لا يغلبون ، و ان زالتا بعض الزوال ما ثبت القلب .

« و لا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب » أي ينشئى .

الحرب ، و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس » أي : يخاف الحرب .

« حتى يأتيك أمري » و قد عرفت ان في رواية نصر « حتى اقدم عليك » .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ : ٩٤ .

( ٢ ) منهاج البراعة للقطب الراوندي : عنده ٣ : ٢٥ « روح ظهرك » .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٦٦ .

( ٤ ) العيون للقتيبي ١ : ١١٢ .

٤٩٧

« و لا يحملنّكم شنآنهم » أي : بغضهم .

« على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم »يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى . .١ .و لا يجر منّكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا . .٢ .

٧ الكتاب ( ١٤ ) و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره قبل لقاء العدوّ بصفين :

لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وَ تَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتِ اَلْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اَللَّهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لاَ تُصِيبُوا مُعْوِراً وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَ لاَ تَهِيجُوا اَلنِّسَاءَ بِأَذًى وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ اَلْقُوَى وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلْعُقُولِ إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَ إِنْ كَانَ اَلرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ اَلْمَرْأَةَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ اَلْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام لعسكره قبل لقاء العدوّ بصفين » هكذا في ( المصرية ) :٣ و الصواب : « و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره بصفين قبل لقاء العدو » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٤ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٨ .

( ٢ ) المائدة : ٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٥٣٠ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٥ : ١٠٤ ، لا نرى أي اختلاف في المعنى بين العبارة التي أوردها محمد عبده و العبارة التي أوردها ابن ابي الحديد .

٤٩٨

و كيف كان ففي ( الطبري ) : أمر عليّعليه‌السلام في انسلاخ المحرم من سنة ( ٣٧ ) مرثد بن حارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : ألا ان أمير المؤمنين يقول لكم : « اني قد استدمتكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه ، و احتججت عليكم بكتاب اللّه عز و جل فدعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق ،

و اني قد نبذت إليكم على سواء ان اللّه لا يحبّ الخائنين » ففزع أهل الشام إلى أمرائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتّبان الكتائب و بات عليعليه‌السلام ليلته كلّها يعبى‏ء الناس و يكتّب الكتائب و يدور في الناس يحرّضهم .

قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبيه أن عليّاعليه‌السلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه عدوّا فيقول : لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم ، فأنتم بحمد اللّه عز و جل على حجّة ، و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة اخرى لكم ، فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثّلوا بقتيل ، فاذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا إلاّ باذن و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، و لا تهيجوا امرأة بأذي و ان شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم ، فانّهنّ ضعاف القوى و الأنفس١ .

و رواه نصر بن مزاحم مثله و زاد : و العقول و لقد كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ و انهنّ لمشركات و ان كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده٢ .

و روى ( الكافي ) في باب ما يوصيعليه‌السلام عند القتال عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أنّهعليه‌السلام كان يأمر في كلّ موطن لقينا فيه عدوّنا فيقول : لا

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٦ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٠٣ .

٤٩٩

تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم ، فانّكم على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة لكم اخرى فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تمثّلوا بقتيل١ .

و في حديث مالك بن أعين قال : حرّض عليعليه‌السلام الناس بصفين فقال : ان اللّه تعالى قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى أن قال و اذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، و لا تهيجوا المرأة بأذى و ان شتمن أعراضكم و سببن امراءكم و صلحاءكم ، فإنّهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول ، و قد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ و إنّهنّ مشركات ، و ان كان الرجل ليتناول المرأة فيعيّر بها و عقبه من بعده٢ .

قولهعليه‌السلام « لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم فانّكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة أخرى لكم عليهم » و كذلك ابنه الحسينعليه‌السلام يوصي أصحابه يوم الطف ، ففي ( الطبري ) : بعد ذكر إرسال عبيد اللّه بن زياد للحرّ مع ألف لإدخاله الكوفة ثم إتباعه برسول أن ينزلهعليه‌السلام على غير حصن و لا ماء :

و أخذ الحر الحسينعليه‌السلام بالنزول فقالعليه‌السلام : دعنا ننزل في هذه القرية يعني نينوى أو هذه يعني الغاضرية أو هذه يعني شفية فقال : لا و اللّه ما أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عينا عليّ فقال له زهير : يابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال٣ .

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٣٨ ح ٣ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه عن نصر بن مزاحم بحار الأنوار ٣٣ : ٣٦١ .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٣٠٨ .

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530