كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149097 / تحميل: 5395
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ب :( وَلا تَنْقُضُوا الإيْمان بَعْد تَوكيدها ) فالأيمان جمع يمين.

فيقع الكلام في الفرق بين الجملتين ، والظاهر اختصاص الأولى بالعهود التي يبرمها مع الله تعالى ، كما إذا قال : عاهدت الله لأفعلنّه ، أو عاهدت الله أن لا أفعله.

وأمّا الثانية فالظاهر انّ المراد هو ما يستعمله الإنسان من يمين عند تعامله مع عباد الله.

وبملاحظة الجملتين يعلم أنّه سبحانه يؤكد على العمل بكلّ عهد يبرم تحت اسم الله ، سواء أكان لله سبحانه أو لخلقه.

ثمّ إنّه قيّد الأيمان بقوله : بعد توكيدها ، وذلك لأنّ الأيمان على قسمين : قسم يطلق عليه لقب اليمين ، بلا عزم في القلب وتأكيد له ، كقول الإنسان حسب العادة والله وبالله.

والقسم الآخر هو اليمين المؤكد ، وهو عبارة عن تغليظه بالعزم والعقد على اليمين ، يقول سبحانه :( لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الإيْمان ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يعلّل تحريم نقض العهد ، بقوله :( وَقَد جَعَلتم الله علَيكم كفيلاً انّ الله يعلم ما تَفْعلون ) أي جعلتم الله كفيلاً بالوفاء فمن حلف بالله فكأنّه أكفل الله بالوفاء.

فالحالف إذا قال : والله لأفعلنّ كذا ، أو لأتركنّ كذا ، فقد علّق ما حلف عليه نوعاً من التعليق على الله سبحانه ، وجعله كفيلاً عنه في الوفاء لما عقد عليه

__________________

١ ـ المائدة : ٨٩.

١٨١

اليمين ، فإن نكث ولم يفِ كان لكفيله أن يؤدبه ، ففي نكث اليمين ، إهانة وإزراء بساحة العزة.

ثمّ إنّه سبحانه يرسم عمل ناقض العهد بامرأة تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، قال :( وَلاتَكُونُوا كَالّتى نَقَضَت غزلها مِنْ بعْدل قُوّة أنكاثاً ) مشيراً إلى المرأة التي مضى ذكرها وبيان عملها حيث كانت تغزل ما عندها من الصوف والشعر ، ثمّ تنقض ما غزلته ، وقد عرفت في قوله ب‍ « الحمقاء » فكذلك حال من أبرم عهداً مع الله وباسمه ثمّ يقدم على نقضه ، فعمله هذا كعملها بل أسوأ منها حيث يدل على سقوط شخصيته وانحطاط منزلته.

ثمّ إنّه سبحانه يبين ما هو الحافز لنقض اليمين ، ويقول إنّ الناقض يتخذ اليمين واجهة لدخله وحيلته أوّلاً ، ويبغي من وراء نقض عهده ويمينه أن يكون أكثر نفعاً ممّا عهد له ولصالحه ثانياً ، يقول سبحانه :( تَتَّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة ) فقوله « أربى » من الربا بمعنى الزيادة ، فالناقض يتخذ أيمانه للدخل والغش ، ينتفع عن طريق نقض العهد وعدم العمل بما تعهد ، ولكن الناقض غافل عن ابتلائه سبحانه ، كما يقول سبحانه :( إنّما يبلوكم الله به وليبيّننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) .

أي انّ ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به ، وأقسم ليبيّنن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق ، ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هوا لمهتدي.(١)

__________________

١ ـ الميزان : ١٢ / ٣٣٦.

١٨٢

النحل

٣٠

التمثيل الثلاثون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون ) .(١)

تفسير الآيات

« رغد » عيش رغد ورغيد : طيّب واسع ، قال تعالى :( وكلا منها رغداً ) .

يصف سبحانه قرية عامرة بصفات ثلاث :

أ : آمنة : أي ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم ، ولا يُشنُّ عليهم بقتل النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، وكانت آمنة من الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول.

ب : مطمئنة : أي قارّة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو ضيق ، فانّ ظاهرة الاغتراب إنّما هي نتيجة عدم الاستقرار ، فترك الأوطان وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمّل المشاق رهن عدم الثقة بالعيش الرغيد فيه ، فالاطمئنان رهن الأمن.

____________

١ ـ النحل : ١١٢ ـ ١١٣.

١٨٣

ج :( يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان ) ، الضمير في يأتيها يرجع إلى القرية ، والمراد منها حاضرة ما حولها من القرى ، والدليل على ذلك ، قوله سبحانه حاكياً عن ولد يعقوب :( وَاسئلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ التِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصادِقُون ) .(١) والمراد من القرية هي مصر الحاضرة الكبيرة يومذاك.

وعلى ذلك فتلك القرية الواردة في الآية بما انّها كانت حاضرة لما حولها من الاَصقاع فينقل ما يزرع ويحصد إليها بغية بيعه أو تصديره.

هذه الصفات الثلاث تعكس النعم المادية الوافرة التي حظيت بها تلك القرية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى نعمة أخرى حظيت بها وهي نعمة معنوية ، أعنيبعث الرسول إليها ، كما أشار إليه في الآية الثانية ، بقوله :( وَلَقد جاءهُمْ رسول منهم ) .

وهوَلاء أمام هذه النعم الظاهرة والباطنة بدل أن يشكروا الله عليها كفروا بها.

أمّا النعمة المعنوية ، أعني : الرسول فكذّبوه ـ كما هو صريح الآية الثانية ـ وأمّا النعمة المادية فالآية ساكتة عنها غير انّ الروايات تكشف لنا كيفية كفران تلك النعم.

روى العياشي ، عن حفص بن سالم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ قوماً في بني إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها ، فلم يزل الله بهم حتى اضطروا إلى التماثيل يبيعونها

__________________

١ ـ يوسف : ٨٢.

١٨٤

ويأكلونها ، وهو قول الله :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ».(١)

وفي رواية أخرى عن زيد الشحّام ، عن الصادقعليه‌السلام قال : كان أبي يكره أن يمسح يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له إلاّ أن يمصّها ، أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها ، قال : فانّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم ، ثم قال : إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة.

قالعليه‌السلام : فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد ، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلاّ أكلته من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به ، فأكلوه وهي القرية التي قال الله تعالى :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .(٢)

وبذلك يعلم أنّ ما يقوم به الجيل الحاضر من رمي كثير من فتات الطعام في سلة المهملات أمر محظور وكفران بنعمة الله. حتى أنّ كثيراً من الدول وصلت بها حالة البطر بمكان انّها ترمي ما زاد من محاصيلها الزراعية في البحار حفظاً لقيمتها السوقية ، فكلّ ذلك كفران لنعم الله.

ثمّ إنّه سبحانه جزاهم في مقابل كفرهم بالنعم المادية والروحية ، وأشار إليها

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩١ ، حديث ٢٤٧.

٢ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩٢ ، حديث ٢٤٨.

١٨٥

بآيتين :

الاَُولى :( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .

الثانية :( فَأخذهم العذاب وهم ظالمون ) .

فلنرجع إلى الآية الأولى ، فقد جزاهم بالجوع والخوف نتيجة بطرهم.

وهناك سؤال مطروح منذ القدم وهو أنّه سبحانه جمع في الآية الأولى بين الذوق واللباس ، فقال :( فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الجُوعِ ) مع أنّ مقتضى استعمال الذوق هو لفظ طعم ، بأن يقول : « فأذاقها الله طعم الجوع ».

ومقتضى اللفظ الثاني أعني : اللباس ، أن يقول : « فكساهم الله لباس الجوع » فلماذا عدل عـن تلك الجملتين إلى جملة ثالثــة لا صلـة لها ـ حسب الظاهر ـ بين اللفظين ؟

والجواب : انّ للإتيان بكلّ من اللفظين وجهاً واضحاً.

أمّا استخدام اللباس فلبيان شمول الجوع والخوف لكافة جوانب حياتهم ، فكأنّ الجوع والخوف أحاط بهم من كلّ الأطراف كإحاطة اللباس بالملبوس ، ولذلك قال :( لباس الجوع والخوف ) ولم يقل « الجوع والخوف » لفوت ذلك المعنى عند التجريد عن لفظ اللباس.

وأمّا استخدام الذوق فلبيان شدة الجوع ، لأنّ الإنسان يذوق الطعام ، وأمّا ذوق الجوع فانّما يطلق إذا بلغ به الجوع والعطش والخوف مبلغاً يشعر به من صميم ذاته ، فقال :( فَأَذاقَهُمُ الله لِباس الجوع والخَوف ) .

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وأمّا ما هو المرادمن تلك القرية بأوصافها الثلاثة ، فقد عرفت من الروايات خصوصياتها.

١٨٦

نعم ربما يقال بأنّ المراد أهل مكة ، لأنّهم كانوا في أمن وطمأنينة ورفاه ، ثمّ أنعم الله عليهم بنعمة عظيمة وهي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفروا به وبالغوا في إيذائه ، فلا جرم أن سلط عليهم البلاء.

قال المفسرون : عذّبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام.

وأمّا الخوف ، فهو انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.

ويؤيد ذلك الاحتمال ما جاء من وصف أرض مكة في قوله :( أَوَ لَمْ نُمَكّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلّ شَيْءٍ ) .(١)

ومع ذلك كلّه فتطبيق الآية على أهل مكة لا يخلو من بُعد.

أمّا أوّلاً : فلأنَّ الآية استخدمت الأفعال الماضية مما يشير إلى وقوعها في الأزمنة الغابرة.

وثانياً : لم يثبت ابتلاء أهل مكة بالقحط والجوع على النحو الوارد في الآية الكريمة ، وان كان يذكره بعض المفسرين.

وثالثاً : انّ الآية بصدد تحذير المشركين من أهل مكة من مغبّة تماديهم في كفرهم ، والسورة مكية إلاّ آيات قليلة ، ونزولها فيها يقتضي أن يكون للمثل واقعية خارجية وراء تلك الظروف ، لتكون أحوال تلك الأمم عبرة للمشركين من أهل مكة وما والاها.

__________________

١ ـ القصص : ٥٧.

١٨٧

الاِسراء

٣١

التمثيل الواحد والثلاثون

( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَة إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) .(١)

تفسير الآيات « الغلُّ » : ما يقيَّد به ، فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، ومعنى قوله :( مغلولة إلى عنقك ) أي مقيَّدة به.

« الحسرة » : الغم على ما فاته والندم عليه ، وعلى ذلك يكون محسوراً ، عطف تفسير لقوله « ملوماً » ، ولكن الحسرة في اللغة كشف الملبس عما عليه ، وعلى هذا يكون بمعنى العريان.

أمّا الآية فهي تتضمن تمثيلاً لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، والأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، فشبّه منع الشحيح بمن تكون يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الاِعطاء والبذل ، فيكون تشبيه لغاية المبالغة في النهي عن الشح والإمساك ، كما شبّه إعطاء المسرف بجميع ما عنده بمن بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف ، فيبقى الثالث وهو المفهوم من الآية

__________________

١ ـ الإسراء : ٢٩ ـ ٣٠.

١٨٨

وإن لم يكن منطوقاً ، وهو الاقتصاد في البذل والعطاء ، فقد تضمّنته آية أخرى في سورة الفرقان ، وهي :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُروا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) .(١)

وقد ورد في سبب نزول الآية ما يوضح مفادها.

روى الطبري أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : قل له : إنّ أمّي تستكسيك درعاً ، فإن قال : حتى يأتينا شيء. ، فقل له : انّها تستكسيك قميصك.

فأتاه ، فقال ما قالت له ، فنزع قميصه فدفعه إليه ، فنزلت الآية.

ويقال انّهعليه‌السلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئاً يلبسه ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلامه الكفّار ، وقالوا : إنّ محمداً اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة( إِنَّ ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي يوسع مرة ويضيق مرة ، بحسب المصلحة مع سعة خزائنه.(٢)

روى الكليني عن عبدالملك بن عمرو الأحول ، قال : تلا أبو عبد الله هذه الآية :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَم يسرفُوا وَلم يقتروا وَكان بين ذلكَ قواماً ) .

قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، فأرخى كفه كلها ، ثمّ قال : هذا الإسراف ، ثمّ قبض قبضة أخرى فأرخى بعضها ، وقال : هذا القوام.(٣)

__________________

١ ـ الفرقان : ٦٧.

٢ ـ مجمع البيان : ٣ / ٤١٢.

٣ ـ البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٧٣.

١٨٩

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وهذا الدستور الإلهي تمخض عن سنّة إلهية في عالم الكون ، فقد جرت سنته سبحانه على وجود التقارن بين أجزاء العالم وانّ كلّ شيء يبذل ما يزيد على حاجته إلى من ينتفع به ، فالشمس ترسل ٤٥٠ ألف مليون طن من جرمها بصورة أشعة حرارية إلى أطراف المنظومة الشمسية وتنال الأرض منها سهماً محدوداً فتتبدل حرارة تلك الأشعة إلى مواد غذائية كامنة في النبات والحيوان وغيرهما ، حتى أنّ الأشجار والأزهار ما كان لها أن تظهر إلى الوجود لولا تلك الأشعة.

إنّ النحل يمتصّ رحيق الاَزهار فيستفيد منه بقدر حاجته ويبدل الباقي عسلاً ، كل ذلك يدل على أنّ التعاون بل بذل ما زاد عن الحاجة ، سنة إلهية وعليها قامت الحياة الإنسانية.

ولكن الإسلام حدّد الإنفاق ونبذ الاِفراط والتفريط ، فمنع عن الشح ، كما منع عن الإسراف في البذل.

وكأنّ هذه السنّة تجلت في غير واحد من شؤون حياة الإنسان ، ينقل سبحانه عن لقمان الحكيم انّه نصح ابنه بقوله :( وَ اقْصُدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ) .(١)

بل يتجلّى الاقتصاد في مجال العاطفة الإنسانية ، فمن جانب يصرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

ومن جانب آخر يقول الإمام عليعليه‌السلام : « هلك فيّ اثنان : محب غال ، ومبغض قال ».(٣)

__________________

١ ـ لقمان : ١٩.

٢ ـ حلية الأولياء : ١ / ٨٦.

٣ ـ بحار الأنوار : ٣٤ / ٣٠٧.

١٩٠

فالاِمعان في مجموع ما ورد في الآيات والروايات يدل بوضوح على أنّ الاقتصاد في الحياة هو الأصل الأساس في الإسلام ، ولعله بذلك سميت الأمة الإسلامية بالاَُمة الوسط ، قال سبحانه :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ) .(١)

وهناك كلمة قيمة للاِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حول الاعتدال نأتي بنصها :

دخل الإمام علي العلاء بن زياد الحارثى وهو من أصحابه يعوده ، فلمّا رأي سعة داره ، قال :

« ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟

بلى إن شئت بلغت بها الآخرة ، تقري فيها الضيف ، وتصل فيها الرَّحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة ».

فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال : « وماله؟ » قال : لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال : « عليّ به ». فلمّا جاء قال :

« يا عديّ نفسك : لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلّ لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ؟! أنت أهون على الله من ذلك ».

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك !

قال : « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل ( الحق ) أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره ! »(٢)

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٩.

١٩١

الكهف

٣٢

التمثيل الثاني والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنَّتين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لاََجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُوَْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماوَُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الحفّ » من حفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به ، وحفاف الشيء جانباه كأنّهما

__________________

١ ـ الكهف : ٣٢ ـ ٤٣.

١٩٢

أطافا به ، فقوله في الآية( فَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مطيفاً بهما ، وقوله :( ما أظن أن تبيد ) فهو من باد الشيء ، يبيد بياداً إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة.

« حسباناً » : أصل الحسبان السهام التي ترمى ، الحسبان ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه فيكون النار والريح من مصاديقه ، وفي الحديث انّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في الريح : « اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ».

« الصعيد » يقال لوجه الأرض « زلق » أي دحضاً لا نبات فيه ويرادفه الصلد ، كما في قوله سبحانه :( فتركه صلداً ) (١)

هذا ما يرجع إلى مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها ، فهو تمثيل للمؤمن والكافر بالله والمنكر للحياة الأخروية ، فالأوّل منهما يعتمد على رحمته الواسعة ، والثاني يركن إلى الدنيا ويطمئن بها ، ويتبين ذلك بالتمثيل التالي :

قد افتخر بعض الكافرين بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فضرب الله سبحانه ذلك المثل يبين فيها بأنّه لا اعتبار بالغنى الموَقت وانّه سوف يذهب سدى ، أمّا الذي يجب المفاخرة به هو تسليم الإنسان لربه وإطاعته لمولاه.

وحقيقة ذلك التمثيل انّ رجلين أخوين مات أبوهما وترك مالاً وافراً فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرب إلى الله بالإحسان والصدقة ، وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعاً بين الجنتين فافتخر الاَخ الغني على الفقير ، وقال :( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) ، وما هذا إلاّ لأنّه كان يملك جنتين من أعناب ونخل مطيفاً

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٤.

١٩٣

بهما وبين الجنتين زرع وافر ، وقد تعلّقت مشيئته بأن تأتي الجنتان أكلها ولم تنقص شيئاً وقد تخللها نهر غزير الماء وراح صاحب الجنتين المثمرتين يفتخر على صاحبه بكثرة المال والخدمة.

وكان كلما يدخل جنته يقول : ما أظن أن تفنى هذه الجنة وهذه الثمار ـ أي تبقى أبداً ـ وأخذ يكذب بالساعة ، ويقول : ما أحسب القيامة آتية ، ولو افترض صحة ما يقوله الموحِّدون من وجود القيامة ، فلئن بعثت يومذاك ، لآتاني ربي خيراً من هذه الجنة ، بشهادة أعطائي الجنة في هذه الدنيا دونكم ، وهذا دليل على كرامتي عليه.

هذا ما كان يتفوّه به وهو يمشي في جنته مختالاً ، وعند ذاك يواجهه أخوه بالحكمة والموعظة الحسنة.

و يقول : كيف كفرت بالله سبحانه مع أنّك كنت تراباً فصرت نطفة ، ثمّ رجلاً سوياً ، فمن نقلك من حال إلى حال وجعلك سوياً معتدل الخلقة ؟

وبما انّه ليس في عبارته إنكار للصانع صراحة ، بل إنكار للمعاد ، فكأنّه يلازم إنكار الربّ.

فإن افتخرت أنت بالمال ، فأنا أفتخر بأنّي عبد من عباد الله لا أُشرك به أحداً.

ثمّ ذكّره بسوء العاقبة ، وانّك لماذا لم تقل حين دخولك البستان ما شاء الله ، فانّ الجنتين نعمة من نعم الله سبحانه ، فلو بذلت جهداً في عمارتها فإنّما هو بقدرة الله تبارك وتعالى.

ثمّ أشار إلى نفسه ، وقال : أنا وإن كنت أقل منك مالاً وولداً ، ولكن أرجو

١٩٤

أن يجزيني ربي في الآخرة خيراً من جنتك ، كما أترقب أن يرسل عذاباً من السماء على جنتك فتصبح أرضاً صلبة لا ينبت فيها شيء ، أو يجعل ماءها غائراً ذاهباً في باطن الأرض على وجه لا تستطيع أن تستحصله.

قالها أخوه وهو يندّد به ويحذّره من مغبّة تماديه في كفره وغيّه ويتكهن له بمستقبل مظلم.

فعندما جاء العذاب وأحاط بثمره ، ففي ذلك الوقت استيقظ الاَخ الكافر من رقدته ، فأخذ يقلّب كفّيه تأسّفاً وتحسّراً على ما أنفق من الأموال في عمارة جنتيه ، وأخذ يندم على شركه ، ويقول : يا ليتني لم أكن مشركاً بربي ، ولكن لم ينفعه ندمه ولم يكن هناك من يدفع عنه عذاب الله ولم يكن منتصراً من جانب ناصر.

هذه حصيلة التمثيل ، وقد بيّنه سبحانه على وجه الإيجاز ، بقوله :( المالُ والبنونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقيِاتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) .(١)

وقد روى المفسرون انّه سبحانه أشار إلى هذا التمثيل في سورة الصافات في آيات أخرى ، وقال :( قالَ قائلٌ مِنْهُمْ إِنّي كانَ لِي قَرينٌ * يَقول أءِنّكَ لَمِنَ المُصَدّقينَ * أإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أإنّا لَمَدِينُونَ * قالَ هَل أَنْتُمْ مُطَّلِعُون * فَاطَّلَعَ فرآهُ فِي سَواءِ الجَحِيم ) .(٢)

إلى هنا تبيّـن مفهوم المثل ، وأمّا تفسير مفردات الآية وجملها ، فالاِمعان فيما ذكرنا يغني الباحث عن تفسير الآية ثانياً ، ومع ذلك نفسرها على وجه الإيجاز.

__________________

١ ـ الكهف : ٤٦.

٢ ـ الصافات : ٥١ ـ ٥٥.

١٩٥

( واضرب لهم ) أي للكفار مع المؤمنين( مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما ) أي للكافر( جنتين ) أي بستانين( من أعناب وحففناهما ) أحدقناهما بنخل( وجعلنا بينهما زرعاً ) يقتات به( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ثمرها( لم تظلم ) تنقص( منه شيئاً وفجّرنا خلالهما نهراً ) يجري بينهما( وكان له ) مع الجنتين( ثمر فقال لصاحبه ) المؤمن( وهو يحاوره ) يفاخره( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) عشيرة( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه ثمارها.( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم( هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي ) في الآخرة على زعمك( لاَجدنّ خيراً منها منقلباً ) مرجعاً( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجادله( أكفرت بالذى خلقك من تراب ) لأنّ آدم خلق منه( ثم من نطفة ثمّ سوّاك ) عدلك وصيّرك( رجلاً ) . أمّا أنا فأقول( لكنّا هو الله ربي ولا أُشرك بربي أحداً ولولا إذ دخلت جنتك قلت ) عند اعجابك بها( ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله ) .( إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً ) وصواعق( من السماء فتصبح صعيداً زلقاً ) أي أرضا ً ملساء لا يثبت عليهاقدم( أو يصبح ماؤها غوراً ) بمعنى غائراً( فلن تستطيع له طلباً ) حيلة تدركه بها( وأحيط بثمره ) مع ما جنته بالهلاك فهلكت( فأصبح يقلب كفيه ) ندماً وتحسراً( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته( وهي خاوية ) ساقطة( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثمّ سقط الكرم( ويقول يا ليتني ) كأنّه تذكّر موعظة أخيه( لم أُشرك بربي أحداً ولم تكن له فئة ) جماعة( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها و( ما كان منتصراً ) عند هلاكها بنفسه( هنالك ) أي يوم القيامة( الولاية ) الملك( لله الحقّ ) .(١)

__________________

١ ـ السيوطي : تفسير الجلالين : تفسير سورة الكهف.

١٩٦

الكهف

٣٣

التمثيل الثالث والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيءٍ مُقتدراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الهشيم » : ما يكسر ويحطم في يبس النبات ، و « الذر » والتذرية : تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كلّ جهة.

تحدّث التمثيل السابق عن عدم دوام نعم الدنيا التي ربما يعتمد عليها الكافر ، ولأجل التأكيد على تلك الغاية المنشودة أتى القرآن بتمثيل آخر يجسم فيها حال الحياة الدنيوية وعدم ثباتها بتمثيل رائع يتضمن نزول قطرات من السماء على الأراضي الخصبة المستعدة لنمو البذور الكامنة فيها ، فعندئذٍ تبتدئ الحركة فيها بشقها التراب وإنباتها وانتفاعها من الشمس إلى أن تعود البذور باقات من الاَزهار الرائعة ، فربما يتخيل الإنسان بقاءها ودوامها ، فإذا بالأعاصير والعواصف المدمِّرة تهب عليها فتصيرها أعشاباً يابسة ، وتبيدها عن بكرة أبيها وكأنّها لم تكن موجودة قط. فتنثر الرياح رمادها إلى الأطراف ، فهذا النوع من الحياة والموت يتكرر

__________________

١ ـ الكهف : ٤٥.

١٩٧

على طول السنة ويشاهده الإنسان باُمّ عينه ، دون أن يعتبر بها ، فهذا ما صيغ لأجله التمثيل.

يقول سبحانه :( وَاضربْ لَهُم مثل الحياة الدُّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ) على وجه يلتف بعضه ببعض ، يروق الإنسان منظره ، فلم يزل على تلك الحال إلى أن ينتقل إلى حالة لا نجد فيها غضاضة ، وهذا ما يعبر عنه القرآن ، بقوله :( فأصبح هشيماً ) أي كثيراً مفتتاً تذوره الرياح فتنقله من موضعه إلى موضع ، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات( وكان الله على كلّ شيء مقتدراً ) .

ثمّ إنّه سبحانه يشبّه المال والبنين بالورود والأزهار التي تظهر على النباتات ووجه الشبه هو طروء الزوال بسرعة عليها ، فهكذا الأموال والبنون.

وإنّما هي زينة للحياة الدنيا ، فإذا كان الأصل مؤقتاً زائلاً ، فما ظنّك بزينته ، فلم يكتب الخلود لشيء مما يرجع إلى الدنيا ، فالاعتماد على الأمر الزائل ليس أمراً صحيحاً عقلائياً ، قال سبحانه :( المال وَالبَنُون زينَة الحَياة الدُّنيا ) .

نعم ، الخلود للأعمال الصالحة بمالها من نتائج باهرة في الحياة الأخروية ، قال سبحانه :( وَالباقياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّك ثَواباً وخَيرٌ مَردّا ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يؤكد على زوال الدنيا وعدم دوامها من خلال ضرب أمثلة ، فقد جاء روح هذا التمثيل في سورة يونس الماضية.(٢)

__________________

١ ـ مريم : ٧٦.

٢ ـ انظر التمثيل الرابع عشر وسورة يونس ٢٥ ، كما يأتي مضمونها عند ذكر التمثيل الوارد في سورة الحديد ، الآية ٢٠.

١٩٨

ايقاظ

ثمّ إنّه ربما يُعدُّ من أمثال القرآن قوله :( وَلَقَد صرفنا في هذا القرآن للناسِ من كلّ مثل وكانَ الإنسان أكثر شيء جدلاً ) .(١)

والحق انّه ليس تمثيلاً مستقلاً وإنّما يؤكد على ذكر نماذج من الأمثال خصوصاً فيما يرجع إلى حياة الماضين التي فيها العبر.

ومعنى قوله :( ولقد صرّفنا ) أي بيّنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وإنّما عبر عن التبيين بالتصريف لأجل الإشارة إلى تنوّعها ليتفكر فيها الإنسان من جهات مختلفة ومع ذلك( وَكانَ الإنسانُ أكثرَ شىءٍ جَدلاً ) أي أكثر شيء منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة.

__________________

١ ـ الكهف : ٥٤.

١٩٩

الحج

٣٤

التمثيل الرابع والثلاثون

( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز ) .(١)

تفسير الآيات

كان العرب في العصر الجاهلي موحدين في الخالقية ، ويعربون عن عقيدتهم ، بأنّه لا خالق في الكون سوى الله سبحانه ، وقد حكاه سبحانه عنهم في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرضَ لَيقُولُنَّ خَلقهُنَّ العَزِيزُ العَلِيم ) .(٢)

ولكنّهم كانوا مشركين في التوحيد في الربوبية ، وكأنّه سبحانه ـ بزعمهم ـ خلق السماوات والأرض وفوّض تدبيرهما إلى الآلهة المزعومة ، ويكشف عن ذلك إطلاق المشركين لفظ الاَرباب في جميع العهود على آلهتهم المزعومة ، يقول سبحانه :( أَأَرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ) (٣) والآية وإن كانت تفصح عن

____________

١ ـ الحج : ٧٣ ـ ٧٤.

٢ ـ الزخرف : ٩.

٣ ـ يوسف : ٣٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

٩ ـ أبو جعفر الرواسي ، اسمه محمد بن الحسن بن أبي سارة.

١٠ ـ أبو جميلة هو المفضل بن صالح السكوني.

١١ ـ أبو الجوزاء ، هو منبّه بن عبدالله.

١٢ ـ أبو الجيش ، اسمه مظفّر بن محمد بن أحمد البلخي.

١٣ ـ أبو حمران ، اسمه موسى بن إبراهيم المروزي.

١٤ ـ أبو حمزة الثمالي ، اسمه ثابت بن أبي صفية دينار.

١٥ ـ أبو حنيفة سائق الحاج ، اسمه سعيد بن بيان(١) .

١٦ ـ أبو خالد القمّاط ، اسمه يزيد(٢) .

١٧ ـ أبو خديجة ، هو سالم بن مكرم.

١٨ ـ أبو الخطاب. ملعون ، اسمه محمد بن مقلاص ، يكنّى أيضاً أبو اسماعيل وأبو الظبيان(٣) .

١٩ ـ ابو داود المسترق ( بتشديد القاف ) المنشد ، اسمه سليمان بن سفيان. قال ابن داود : « انّما سُمي المسترق لانه كان يسترق الناس بشعر السيد الحميري ».

٢٠ ـ أبو الربيع الشامي ، اسمه خليد بن أوفى.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٤٧٦ ـ وفي رجال ابن داود : الرقم ٦٨٦ من القسم الأول : « سائق الحاج ».

٢ ـ ذكره النجاشي في رجاله بالرقم ١٢٢٣ ، وابن داود في رجاله بالرقم ١٧٢٢ ـ فما في الفصل الخامس من خاتمة رجاله بأن اسمه « خالد بن يزيد » من هفوات قلمه الشريف.

٣ ـ رجال ابن داود : الرقم ٤٨٢ من القسم الثاني. اما العلاّمةقدس‌سره فخلط عند ذكر ابي الخطاب في خاتمة خلاصته وقال : « ابو الخطاب ، ملعون يقال له مقلاص ومحمد بن ابي زينب الرواسي. اسمه محمد بن أبي سارة » وفيه من الخطأ ما لا يخفى عصمنا الله من الزلل.

٤٤١

٢١ ـ ابو سعيد القماط ، هو خالد بن سعيد.

٢٢ ـ ابو سمينة ، اسمه محمد بن علي بن إبراهيم القرشي.

٢٣ ـ ابو الصباح الكناني ، اسمه إبراهيم بن نعيم العبدي.

٢٤ ـ ابو علي الاشعري ، اسمه محمد بن عيسى بن عبدالله بن سعد بن مالك ، شيخ القميين ، من أصحاب الرضا وأبي جعفر الثانيعليهما‌السلام .

٢٥ ـ ابو علي الاشعري القمي ، اسمه أحمد بن ادريس ، من مشايخ أبي جعفر الكليني. مات سنة ٣٠٦ بالقرعاء.

٢٦ ـ ابو عبيدة الحذّاء اسمه زياد بن عيسى.

٢٧ ـ أبو غالب الزراري ، اسمه أحمد بن محمد بن سليمان.

٢٨ ـ ابو الفضل الحنّاط اسمه سالم.

٢٩ ـ ابو القاسم. قال العلاّمة : « يرد في بعض الاخبار : الحسن بن محبوب ، عن أبي القاسم. والمراد به معاوية بن عمّار »(١) .

٣٠ ـ ابو المغرا ، اسمه حميد بن المثنّى(٢) .

٣١ ـ ابو ولاّد الحناط ، اسمه حفص بن سالم.

٣٢ ـ ابو هاشم الجعفري ، اسمه داود بن القاسم بن اسحاق.

٣٣ ـ ابو همّام ، اسمه اسماعيل بن همّام.

__________________

١ ـ الخلاصة : ٢٧١ ، الفائدة الثانية ؛ الرجال لابن داود : ٣٠٧.

٢ ـ رجال ابن داود : الرقم ٥٣٨ ، من القسم الأول. رجال النجاشي : الرقم ٣٤٠. اما « ابو المعزا » المذكور في الخلاصة : ٥٨ فليس بصحيح قطعاً.

٤٤٢

٣٤ ـ ابن حمدون الكاتب ، هو أحمد بن إبراهيم بن اسماعيل.

٣٥ ـ ابن عقدة ، اسمه أحمد بن محمد بن سعيد ( المتوفّى عام ٣٣٣ هـ ).

٣٦ ـ البزوفري ، اسمه الحسين بن علي بن سفيان.

٣٧ ـ البقباق ، اسمه الفضل بن عبد الملك.

٣٨ ـ الحجّال ، اسمه عبدالله بن محمد الاسدي(١) .

٣٩ ـ الخشّاب ، اسمه الحسن بن موسى.

٤٠ ـ سجّادة ، اسمه الحسن بن أبي عثمان.

٤١ ـ السمكة ، اسمه أحمد بن اسماعيل.

٤٢ ـ الشاذاني هو محمد بن أحمد بن نعيم.

٤٣ ـ الصفواني ، اسمه محمد بن أحمد بن عبدالله بن قضاعة(٢) .

٤٤ ـ الطاطري ، اسمه علي بن الحسن بن محمد الطائي.

٤٥ ـ علاّن ، اسمه علي بن محمد بن إبراهيم الكليني.

٤٦ ـ القلانسي ابو جعفر ، هو محمد بن أحمد بن خاقان ( حمدان النهدي ).

٤٧ ـ القلانسي ابو عبدالله ، هو الحسين بن مختار.

٤٨ ـ النوفلي ، اسمه الحسين بن يزيد. يروي عن السكوني.

__________________

١ ـ يعبر عنه بأبي محمد الحجال أيضاً. كما في الكشي : الرقم ٤٩٧.

٢ ـ الرجال لابن داود : الرقم ١٢٩٦ من القسم الأول. رجال النجاشي : الرقم ١٠٥٠. فما في خاتمة القسم الأول من الرجال : ٢١٣ ، وخاتمة الخلاصة : ٢٦٩ ، من ثبت « ابي عبدالله » بدل « عبدالله » لعله سهو.

٤٤٣

٤٩ ـ الوشّاء ، اسمه الحسن بن علي بن زياد.

٥٠ ـ حمدان النهدي ، اسمه محمد بن أحمد بن خاقان.

٥١ ـ محمد بن زياد الأزدي هو محمد بن أبي عمير.

٥٢ ـ محمد بن زياد البزاز ، متّحد مع ما قبله.

الفائدة الثانية

توجد في كثير من طرق الكافي لا سيما في أوائلها ، عبارة « عدَّة من أصحابنا » بعنوان مطلق ، مع ذكر بعضهم أحياناً. كما في الحديث الأول من كتاب العقل والجهل : « عدَّة من اصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب »(١) .

او في الحديث الثاني من باب « أن الائمةعليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وعلم ما يكون » من كتاب الحجّة : « عدَّة من اصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن يونس بن يعقوب ، عن الحارث بن المغيرة ، وعدَّة من اصحابنا ، منهم عبد الأعلى ، وأبو عبيدة ، وعبدالله بن بشر الخثعمي ، سمعوا أبا عبداللهعليه‌السلام »(٢) .

فوقع البحث عند المحدّثين والرجاليّين قديماً وحديثاً في تعيين المراد منهم ، كما بحثوا في أنه هل يجب معرفة أسمائهم وتمييز ما اُبهم منهم لأجل الحكم بصحة الحديث او عدم صحته أو لا يجب ذلك ، وأن الطريق المذكور فيه « عدَّة من أصحابنا » ليس مرسلاً أو ضعيفاً من هذه الجهة؟ حتى إن بعضهم أفرد رسالة مستقلة حول المذكورين بهذا العنوان ، كما حكى في المستدرك(٣) .

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ١٠.

٢ ـ الكافي : ١ / ٢٦١ ، الحديث ٢.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤١.

٤٤٤

ونحن نذكر ملخّص ما قيل في هذا المضمار لما فيه من الفوائد فنقول :

حكى النجاشيرحمه‌الله في كتابه عند ترجمة أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني هذه العبارة عنه « كلّ ما كان في كتابي : « عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى » فيهم : محمد بن يحيى ( العطّار ) وعلي بن موسى الكميذاني وداود بن كورة ، وأحمد بن ادريس ، وعلي بن إبراهيم بن هاشم »(١) .

ونقله العلاّمة في الخلاصة عن النجاشي(٢) وزاد عليه أن الكليني قال أيضاً : « وكلّ ما ذكرته في كتابي المشار اليه : « عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي » فهم : علي بن إبراهيم ، وعلي بن محمد بن عبدالله بن اذينة ، وأحمد بن عبدالله بن اُميّة(٣) وعلي بن الحسن »(٤) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٢٦.

٢ ـ الخلاصة : ٢٧١ ـ وفيها « الكمنذاني » بدل الكميذاني وهو منسوب إلى قرية من قرى قم.

٣ ـ قال المحقق التستري : « الظاهر وقوع التحريف فيهما واصلهما : علي بن محمد بن عبدالله ابن ابنته وأحمد بن عبدالله ابن ابنه ـ قاموس الرجال : ١١ / ٤٢ » مرجع الضمير في « بنته » و « ابنه » هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

٤ ـ ذكره المحدث النوري أيضاً في المستدرك : ٣ / ٥٤١ نقلاً عن الخلاصة مع تفاوت يسير : منها « علي بن الحسين السعدآبادي » بدل « علي بن الحسن ».

قال صاحب سماء المقال بعد نقل العدة الثانية عن الخلاصة ما هذا لفظه : « واستظهر جدنا السيد انه علي بن الحسين السعدآبادي ، نظراً إلى ما ذكره الشيخ في رجاله من ان علي بن الحسين السعدآبادي روى عنه الكليني والزراري ، وكان معلمه ، وانه روى عن أحمد بن محمد بن خالد ، على ما يظهر مما ذكره في الفهرست. فانه بعد ذكر اسامي كتب البرقي ، قال : اخبرنا بهذه الكتب كلها وبجميع رواياته عدة من اصحابنا منهم الشيخ المفيد والغضائري وأحمد بن عبدون وغيرهم عن أحمد بن سليمان الزراري ، قال : حدثنا مؤدبي علي بن الحسين السعدآبادي ابو الحسن القمي ، قال حدثنا أحمد بن ابي عبدالله ( البرقي ) » ويشهد عليه ـ أي على استظهار السيد ـ. ملاحظة الاسانيد. راجع : سماء المقال : ١ / ٧٨.

٤٤٥

قال : « وكلّ ما ذكرته في كتابي المشار اليه : « عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد » فهم : عليّ بن محمد بن علان(١) ، ومحمد بن أبي عبدالله ومحمد بن الحسن ، ومحمد بن عقيل الكليني ».

هذا ما تبيَّن من أسامي الرواة المذكورين بعنوان العدّة ، ولكنه لم يتبيّن كثير منهم ، مثل :

١ ـ عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر.

٢ ـ عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد.

٣ ـ عدَّة من أصحابنا ، عن ابان بن عثمان ، عن زرارة.

٤ ـ عدَّة من أصحابنا ، عن جعفر بن محمد ، عن ابن الفضّال.

٥ ـ عدَّة من أصحابنا ، عن سعد بن عبدالله.

وقد استوفى المحدث المتتبّع النوري في خاتمة مستدركه والعلاّمة الكلباسي في سماء المقال البحث عن أكثر العدد المذكورة في الكافي مع ذكر مواضيعها ، فليراجع(٢) .

لكن الشيخ حسن بن زين الدين صاحب المنتقى ادّعى في كتابه بعد حكاية كلام النجاشي والعلاّمة ، أن محمد بن يحيى العطار أحد العدَّة مطلقاً ، واستنتج أن الطريق صحيح من جهة العدّة مطلقاً ، لأن الرجل كان شيخ أصحابه في زمانه وكان ثقة عيناً كثير الحديث(٣) .

__________________

١ ـ صحيحه كما في رجال النجاشي : ٢٦٠ ، الرقم ٦٨٢ : « علي بن محمد بن إبراهيم المعروف بعلان ». صرح بذلك أيضاً المحقق التستري في قاموس الرجال : ١١ / ٤٢.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٥ ؛ سماء المقال : ١ / ٨٣.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩٤٦.

٤٤٦

قال : « ويستفاد من كلامه ـ أي ابي جعفر الكلينيرحمه‌الله ـ في الكافي ، أن محمد بن يحيى أحد العدَّة مطلقاً ، وهو كاف في المطلوب. وقد اتفق هذا البيان في أول حديث ذكره في الكتاب(١) ، وظاهره أنه أحال الباقي عليه. ومقتضى ذلك عدم الفرق بين كون رواية العدَّة عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد ، وإن كان البيان إنما وقع في محل الرواية عن ابن عيسى ، فإنه روى عن العدَّة عن ابن خالد بعد البيان بجملة يسيرة من الاخبار(٢) ، ويبعد أن لا يكون محمد بن يحيى في العدة عن ابن خالد ولا يتعرض مع ذلك للبيان في أول روايته عنه ، كما بيَّن في أول روايته عن ابن عيسى »(٣) .

يلاحظ عليه : « أنه بعد تصريح الكليني على ما نقل عنه العلاّمة ، بأسماء العدَّة عن أحمد بن محمد بن خالد ( إذ لم يذكر فيه محمد بن يحيى ) لا سبيل لهذا الاحتمال. ولذا ذكر الكلباسي أن الكلام المزبور أشبه شيء بالاجتهاد في مقابلة النصّ(٤) .

إن قيل : يمكن استظهار ما ذكره صاحب المنتقى ، ممّا حكاه المحدّث النوري عند نقل كلام العلاّمة في العدة عن البرقي بأنه يوجد في بعض نسخ الكافي في الباب التاسع من كتاب العتق هذا الاسناد : « عدَّة من أصحابنا علي بن إبراهيم ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن يحيى ، وعلي بن محمد بن عبدالله القمي وأحمد بن عبدالله وعلي بن الحسين جميعاً عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى ».

__________________

١ ـ المراد منه أول حديث من كتاب العقل والجهل ، بهذا الاسناد : عدة من أصحابنا ، منهم محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد ( الكافي : ١ / ١٠ ).

٢ ـ راجع الكافي : ١ / ١١ ، الحديث ٧ : عدة من اصحابنا ، أحمد بن محمد بن خالد.

٣ ـ منتقى الجمان : ١ / ٤٣.

٤ ـ سماء المقال : ١ / ٨٠.

٤٤٧

قلنا : أولاً ـ ان ورود هؤلاء في طريق هذه الرواية لا يدل على ان المراد من العدة عن البرقي في جميع الموارد هم المذكورون هنا ، بل يدل على ان الوارد في طريق هذه الرواية ، غير الذين اشتهروا بعنوان العدَّة عن البرقي فيما حكاه العلاّمة. وبعبارة اخرى : ان السبب لذكر اسامي أفراد العدة في هذا الطريق هو التنبيه على أن المراد من العدة هنا ، غير المراد من العدة في الروايات الاُخر عن البرقي.

ثانياً ـ ما افاده المحقق التستري وأجاد في افادته بأن المنقول لا ينبغي أن يعتمد عليه ، لانه نقل عن نسخة مختلطة الحواشي بالمتن. والصحيح ما نقله الحرّ العاملي في « الوسائل » وموجود في أكثر نسخ الكافي وهو : « عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد »(١) .

هذا ، والذي يسهّل الخطب هو أن المذكورين بعنوان العدَّة في طرق الكليني هم مشايخ اجازته إلى كتب كابن البرقي ، وسهل بن زياد ، وابن عيسى ، والبزنطي ، وسعد بن عبدالله وغيرهم من اصحاب المصنَّفات والكتب(٢) ، كما صرح بذلك العلاّمة النوري في خاتمة كتاب المستدرك(٣) .

وحيث إن أكثر هذه الكتب والمؤلفات معلومة الانتساب إلى مؤلفيها ، وقد رام الكليني من ذكر العدّة اكثار الطريق إلى الكتب المذكورة فقط وقد عرفت

__________________

١ ـ راجع الكافي : ٦ / ١٨٣ ، كتاب العتق ، باب المملوك بين شركاء ، الحديث ٥ ; الوسائل : ١٦ / ٢٢ ، الحديث ٥.

٢ ـ حكى النجاشي ، في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى عن استاذه ابي العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي انه قال : « اخبرنا بها ـ أي بكتب أحمد بن محمد ـ ابو الحسن بن داود عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ومحمد بن يحيى وعلي بن موسى بن جعفر وداود بن كورة وأحمد بن ادريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى بكتبه » ( رجال النجاشي : ٨٢ ، ذيل الرقم ١٩٨ ). وهؤلاء هم المذكورون بعنوان العدة عن ابن عيسى. وفي هذا تصريح بانهم كانوا طرق الكليني إلى كتب ابن عيسى.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٢.

٤٤٨

المختار في باب « شيخوخة الاجازة » انه لا حاجة إلى اثبات وثاقة المجيز بالنسبة إلى كتاب مشهور ، فلا يهمّنا التعرّض لتشخيص هؤلاء العدة وتمييز ما اُبهم منهم وجرحهم او تعديلهم ، وان كان اكثر المذكورين منهم من أجلاّء الاصحاب وأعاظم الرواة.

بقي أنه ربما يروي الكليني معبِّراً بلفظ « الجماعة » ، كما في كتاب العقل والجهل ، الحديث ١٥ : « جماعة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى »(١) او يروي معبّراً بلفظ « غير واحد من اصحابنا » كما في باب زكاة مال الغائب الحديث ١١ : « غير واحد من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مهزيار »(٢) ويظهر من العلاّمة الكلباسي في كلا التعبيرين ، ومن المحقّق التستري في التعبير الأول أنه على منوال العدّة ، فلا فرق بين « جماعة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد » و « عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد »(٣) .

وللعلامة بحر العلوم اشعار في ضبط العدة لا بأس بذكرها :

عدّة أحمد بن عيسى بالعدد

خمسة أشخاص بهم تمّ السند

عليّ العلي والعطار

ثمّ ابن ادريس وهم أخيار

ثمّ ابن كورة ، كذا ابن موسى

فهؤلاء عدّة ابن عيسى

وإن عدّة التي عن سهل

من كان الأمر فيه غير سله

ابن عقيل وابن عون الاسدي

كذا علي بعده محمد

وعدة البرقي وهو أحمد(٤)

علي بن الحسن وأحمد

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٢٣ ، الحديث ١٥.

٢ ـ الكافي : ٣ / ٥٢١ ، الحديث ١١.

٣ ـ سماء المقال : ١ / ٨٣ ـ ٨٤ ؛ قاموس الرجال : ١١ / ٤٣.

٤ ـ يذكر الكليني في أكثر الاسناد « عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد » وفي بعضها :

٤٤٩

وبعد ذين ابن اذينة علي

وابن لابراهيم واسمه علي

هذا تمام الكلام في عدَّة الكليني.

الفائدة الثالثة

قد يحذف الكليني صدر السند في خبر مبتنياً على الخبر الذي قبله وهذا ما يعبّر عنه في كلام أهل الدراية بالتعليق فمثلاً يقول في الخبر الأول من الباب :

« علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس » وفي الخبر الثاني منه : « ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن عمر بن يزيد(١) » او يقول في الخبر الأول من الباب : « علي ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن أبي عبدالله صاحب السابري » وفي الخبر الثاني منه : « ابن ابي عمير ، عن ابن رئاب ، عن اسماعيل بن الفضل ». وفي الخبر الثالث منه : « ابن ابي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام »(٢) .

او يقول في الخبر الأول : « عدَّة من اصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد ، وعلي بن إبراهيم عن أبيه ، وسهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيدة الحذّاء ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام » ، وفي الخبر الثاني منه : « ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ». وفي الخبر

__________________

« عدة من اصحابنا عن أحمد بن ابي عبدالله » كما في : ٦ / ٣٦٧ باب الخس من كتاب الاطعمة. والمراد منه البرقي أيضاً.

١ ـ الكافي : ٢ / ٩٦ ، الحديث ١٦ و ١٧ من باب الشكر.

٢ ـ الكافي : ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، الحديث ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ ـ والصفحة ١٠٤ ـ ١٠٥ الحديث ٦ و ٧ والصفحة ١٢١ ـ ١٢٢ ، الحديث ٢ و ٣.

٤٥٠

الثالث منه يقول : « ابن محبوب ، عن ابي جعفر محمد بن النعمان الاحول صاحب الطاق ، عن سلام بن المستنير ، عن ابي جعفرعليه‌السلام »(١) .

ومن المعلوم ان امثال هذه الاخبار مسندة لا مرسلة كما صرَّح به جماعة كالمجلسي الأول والسيد الجزائري وصاحب المعالم(٢) . قال الاخير في المنتقى :

« اعلم أنه اتفق لبعض الاصحاب توهّم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها على طرق سابقة وهي طريقة معروفة بين القدماء ، والعجب أن الشيخرحمه‌الله ربّما غفل عن مراعاتها فأورد الاسناد من الكافي بصورته ووصله بطرقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة. فيصير الاسناد في رواية الشيخ له منقطعاً ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله. ومنشأ التوهّم الذي أشرنا اليه فقد الممارسة المطلعة على التزام تلك الطريقة »(٣) .

وقد تعجب صاحب « سماء المقال » من الشيخ في تهذيبه ، حيث نقل رواية عن الكليني وادعى أنها مرسلة مع أنه من باب التعليق(٤) ، والرواية موجودة في باب الزيادات في الزكاة من « التهذيب » بهذا السند :

« محمد بن يعقوب مرسلا عن يونس بن عبد الرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن ابي بصير ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام »(٥) ، والرواية موجودة في « الكافي » كتاب الزكاة ، باب منع الزكاة ، ( الحديث ٣ ) ولكنها مبتنية

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٥ ، الحديث ١ و ٢ و ٣ من باب الحب في الله والبغض في الله.

٢ ـ سماء المقال : ٢ / ١٣٢.

٣ ـ منتقى الجمان : ١ / ٢٤ ـ ٢٥.

٤ ـ سماء المقال : ٢ / ١٣٢.

٥ ـ التهذيب : ٤ / ١١١ ، الحديث ٥٩.

٤٥١

على الرواية التي نقلها قبلها بهذا السند :

« علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن اسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن ابن مسكان يرفعه عن رجل عن ابي جعفرعليه‌السلام »(١) .

فما رواه الشيخ عن الكليني عن يونس ليس مرسلاً ، كما ان المحدث الحر العاملي التفت إلى التعليق واتى بتمام السند ، هكذا :

محمد بن يعقوب عن علي ، عن ابيه عن اسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن علي بن ابي حمزة ، عن ابي بصير ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام »(٢) .

وزعم بعض ان حذف الكليني صدر السند لعله لنقله عن الاصل المروي عنه. واجاب عنه صاحب « قاموس الرجال » ان الحذف للنقل عن اصل من لم يلقه ، بعيد عن دأب القدماء. وهذا هو المفيد في « الارشاد » حيث ينقل عن « الكافي » بقوله : « جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب ». نعم ، قد يفعلون ذلك مع ذكر طرقهم إلى الاصل بعنوان المشيخة ، كما فعل ذلك الصدوق والشيخ في الفقيه والتهذيبين(٣) .

الفائدة الرابعة

انه قد صدر الكليني جملة من الاسانيد بعلي بن محمد وقد اضطربوا في تعيينه ، منهم من جزم بكونه علي بن محمد بن إبراهيم علان ، ومنهم من اختار كونه علي بن محمد بن اذينة ، ومنهم من رجح ان المراد علي بن محمد بن بندار ، ومنهم من توقف ولم يعين احدهم.

__________________

١ ـ الكافي : ٣ / ٥٠٣ ، الحديث ٢ و ٣.

٢ ـ الوسائل : ٦ / ١٨ ، الباب ٤ ، الحديث ٣.

٣ ـ قاموس الرجال : ١١ / ٤١.

٤٥٢

قال المولى صالح المازندراني في شرحه على الكافي : « يروي مصنف هذا الكتاب كثيراً عن علي بن محمد وهو علي بن محمد بن إبراهيم الكليني المعروف بعلاّن »(١) .

اختار العلاّمة المجلسي في مواضع من « مرآة العقول » كون المراد منه علي بن محمد بن عبدالله بن اذينة الذي ذكره العلاّمة في العدّة التي تروي عن البرقي(٢) وقال في موضع آخر ـ على ما حكى عنه ـ :

« ان تعيين علي بن محمد المصدَّر في اوائل السند من بين الثلاثة المذكورة مشكل »(٣) .

وذهب العلاّمة المامقاني إلى ان علي بن محمد هذا مردد بين ثلاثة وهم : علي بن محمد بن عبدلله بن اذينة ، وعلان ، والمعروف بـماجيلويه وكل منهم شيخ الكليني. ثم قال : « فحمله على احدهم دون الاخرين تحكم. والصالح لم يذكر دليله »(٤) .

وادعى صاحب « قاموس الرجال » ان الظاهر تعين ارادة علان دون صاحبيه. وذلك لانه كلما ورد « علي بن محمد » عن سهل ، وقد فسر الكليني « عدة سهل » بجمع منهم « علان ». واضاف ان كون « ابن اذينة » غير ماجيلويه غير معلوم ، بل الظاهر كون « ابن اذينة » محرف « ابن لابنته » فهو متحد مع ماجيلويه(٥) .

توضيح ذلك : ان علي بن محمد بن عبدالله المعروف ابوه بـ ـ ماجيلويه هو

__________________

١ ـ شرح الكافي للمولى صالح : ١ / ٧٨ ، ذيل الحديث ٢.

٢ ـ مرآة العقول : ١ / ٣٤ ، شرح الحديث ٨.

٣ ـ تنقيح المقال : ٩٨ ـ ٩٩ ، الفائدة الثامنة ، من الخاتمة فصل الكنى.

٤ ـ المصدر نفسه.

٥ ـ قاموس الرجال : ١١ / ٥١ ـ ٥٢ ـ وصرح بهذا التحريف في الصفحة ٤٢ أيضاً.

٤٥٣

ابن بنت البرقي ، كما صرح النجاشي في كتابه(١) اما علي بن محمد بن عبدالله ابن اذينة فهو مذكور فقط في عدة الكليني عن البرقي وليس له عين ولا اثر في موضع اخر ومن هنا استظهر المحقق التستري ان « اذينة » محرف « ابنته » والضمير راجع إلى البرقي فهو متحد مع ماجيلويه المذكور الذي تأدب على البرقي واخذ عنه العلم والادب وروى بواسطته كتب الحسين بن سعيد الاهوازي.

وغير خفي أيضاً ان علي بن محمد المعروف بـ ـ ماجيلويه متحد مع علي بن محمد بن بندار الذي يروي عنه الكليني كثيراً.

وعلى ضوء هذا فلو صح ما استظهره المحقق التستري يرجع الترديد إلى اثنين وهما علان وماجيلويه.

ولكن ما ادعاه ( دام ظله ) من تعين ارادة علان دون ماجيلويه ، ليس بتام لانه قد وقع في الكافي رواية علي بن محمد عن علي بن الحسن(٢) وعن ابن جمهور(٣) وعن الفضل بن محمد(٤) وعن محمد بن موسى(٥) وغيرهم من الرجال ، وان كانت رواية علي بن محمد عن سهل كثيرة جداً ، وعلى سبيل المثال نذكر انه يوجد في « الكافي » من أول كتاب الطهارة إلى اخر الزكاة اكثر من مائة مورد ، روى الكليني في سبعين مورداً منها عن علي بن محمد ، عن سهل ، وفي سائرها عن رجال اخرين. فاطلاق كلام المحقق المذكور ليس في محله. كما ان ما ذكره صاحب « معجم رجال الحديث » بعدم ظفره في الكافي

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ٣٥٣ ، الرقم ٩٤٧ ، والصفحة ٥٩ ذيل الرقمين ١٣٦ ـ ١٣٧.

٢ ـ الكافي : ٣ / ١٨٥ ـ الحديث ٦.

٣ ـ المصدر نفسه : ٣٧ ، الحديث ١٦ والصفحة ٥٠٦ ، الحديث ٢٣ ، والصفحة ٥٢٧ ، الحديث ٢.

٤ ـ المصدر نفسه : ٢٨٧ ، الحديث ٥.

٥ ـ المصدر نفسه : ٢٨٧ ، الحديث ٤.

٤٥٤

وفي غيره على رواية محمد بن يعقوب الكليني عن علان غريب جداً(١) .

وادعى ـ دام ظله ـ أيضاً ان المراد من علي بن محمد المذكور في اوائل اسناد الكافي هو ابن بندار. واليك نص كلامه :

« علي بن محمد من مشايخ الكليني وقد اكثر الرواية عنه في الكافي في جميع اجزائه واطلق. ومن ثم قد يقال بجهالته. ولكن الظاهر انه علي بن محمد بن بندار الذي روى عنه كثيراً فقد روى عنه في ابواب الاطعمة ثلاثة وثلاثين مورداً(٢) . وبهذا يتعيَّن أن المراد بعلي بن محمد في سائر الموارد هو علي بن محمد بن بندار »(٣) .

ولا يخفى ما في هذا القول من النظر ، لأن موارد رواية علي بن محمد عن سهل كثيرة ـ كما أشرنا اليه ـ والمراد منه « علاّن » قطعاً لدخوله في العدة الراوين عن سهل ، كما مرَّ.

ومن عجيب ما وقع له ـ بناء على ما اختاره ـ أن علي بن محمد بن بندار غير علي بن محمد بن عبدالله(٤) ، مع أنهما متّحدان جزماً.

والذي ظهر لنا بعد النظر في عبائر المحقّقين أن علي بن محمد المصدر في أوائل اسناد « الكافي » كثيراً ليس مجهولاً قطعاً ، بل هو إما علي بن محمد

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١٢ / ١٤٠ ، الرقم ٨٣٨٩.

٢ ـ لم نظفر في كتاب الاطعمة ( ج ٦ ، الصفحة ٢٤٢ ـ ٣٧٩ ) إلا على تسعة وعشرين مورداً روى فيها عن علي بن محمد بن بندار ، عشرون منها « علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن ابي عبدالله » ، وسبعة منها « علي بن محمد بن بندار عن ابيه » ، وواحد منها « علي بن محمد بن بندار عن محمد بن عيسى » ، وواحد منها « علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن محمد ». والمراد من أحمد بن محمد هو « أحمد بن ابي عبدالله البرقي » كما لا يخفى. وأيضاً روى في أبواب الاطعمة في موارد تسعة عن علي بن محمد بدون قيد.

٣ ـ معجم رجال الحديث : ١٢ / ١٣٨ ، الرقم ٨٣٨٤.

٤ ـ المصدر نفسه : الرقم ٨٤٣٩.

٤٥٥

بن إبراهيم المعروف بعلاّن ، وإما علي بن محمد بن بندار المعروف أبوه بماجيلويه. وكلاهما ثقتان. فما ادَّعاه صاحب التنقيح كان أقرب إلى الصواب مما ذكر في القاموس والمعجم.

الفائدة الخامسة

نقل عن الاسترآبادي وحجة الاسلام الشفتي والمحقّق الكاظمي أن محمد بن الحسن الذي يروي عنه الكليني هو محمد بن الحسن الصفار ( المتوفّى عام ٢٩٠ هـ ) وقوّى هذا القول العلاّمة الكلباسي والمحقّق التستري(١) ، أما المحدّث النوري فهو بعد ما نقل الوجوه المؤيدة لكون محمد بن الحسن هو الصفار ، زيّفها واستدل على خلافه بوجوه سبعة. ثم ذكر بعض من كانوا في طبقة مشايخ الكليني وشاركوا الصفار في الاسم ، مثل محمد بن الحسن بن علي المحاربي ، ومحمد بن الحسن القمي ، ومحمد بن الحسن بن بندار ومحمد بن الحسن البرناني(٢) .

وأما احتمال كون محمد بن الحسن هذا هو ابن الوليد ـ كما زعمه بعض ـ فبعيد غايته ، لانه من مشايخ الصدوق وقد توفي عام ٣٤٣ ، أي بعد أربعة عشر عاماً من موت الكليني.

الفائدة السادسة

قال صاحب « المعالم » في الفائدة الثانية عشرة من مقدمة كتابه المنتقى :

« يأتي في أوائل أسانيد الكافي : محمد بن اسماعيل عن الفضل بن

__________________

١ ـ سماء المقال : ١ / ٨٢ ـ قاموس الرجال : ١١ / ٤٣ ـ وأيضاً نقل في سماء المقال : ١ / ١٩٩ عن صاحب « انتخاب الجيد » ان كل ما ورد محمد بن الحسن بعد الكليني ، فهو الصفار.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٣ ـ ٥٤٥.

٤٥٦

شاذان ، وأمر محمد بن اسماعيل هذا ملتبس ، لأن الاسم مشترك في الظاهر بين سبعة رجال وهم محمد بن اسماعيل بن بزيع الثقة الجليل ، ومحمد بن اسماعيل البرمكي ، ومحمد بن اسماعيل الزعفراني ـ وهذان وثقهما النجاشي(١) ـ ومحمد بن اسماعيل الكناني ، ومحمد بن اسماعيل الجعفري ، ومحمد بن اسماعيل الصيمري القمي ، ومحمد بن اسماعيل البلخي ، وكلهم مجهولو الحال »(٢) .

ثم استدل على نفي كون محمد بن اسماعيل المذكور احد السبعة المذكورين وأضاف : « ويحتمل كونه غيرهم ، بل هو أقرب. فان الكشي ذكر في ترجمة فضل بن شاذان حكاية عنه وقال : إن أبا الحسن محمد بن اسماعيل البندقي النيسابوري ذكرها. ولا يخفى ما في التزام صاحب الاسم المبحوث عنه ، للرواية عن الفضل بن شاذان من الدلالة على الاختصاص به ونقل الحكاية عن الرجل المذكور يؤذن بنحو ذلك فيقرب كونه هو ثم ان حال هذا الرجل مجهول أيضاً إذ لم يعلم له ذكر إلا بما رأيت. فليس في هذا التعيين كثير فائدة ولعل في اكثار الكليني من الرواية عنه شهادة بحسن حاله »(٣) .

وما احتمله صاحب المعالم هو ما قوّاه الكلباسي في « سماء المقال » والتستري في « قاموس الرجال »(٤) . ومال اليه كثير من الاعلام ، خلافاً لشيخنا البهائي في مقدمة « مشرق الشمسين » حيث اختار كون الرجل هو البرمكي الثقة ، وخلافاً لابن داود فانه قال :

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩١٥ و ٩٣٣.

٢ ـ ان العلاّمة الكلباسي عد ستة عشر رجلاً باسم محمد بن اسماعيل وتعجب من صاحب المعالم انه ذكر ان المشتركين سبعة رجال ، كما ان المحقق الداماد انهاهم إلى اثني عشر رجلاً وادعى الشيخ البهائي انهم ثلاثة عشر.

٣ ـ منتقى الجمان : ١ / ٤٣ ـ ٤٥.

٤ ـ قاموس الرجال : ١١ / ٥١.

٤٥٧

« إذا وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد بن اسماعيل ففي صحتها قولان فان في لقائه له اشكالاً فتقف الرواية بجهالة الواسطة بينهما وان كانا مرضيين معظمين »(١) .

وظاهر هذا الكلام أنه ابن بزيع ، كما قال صاحب المنتقى وناقش فيه بأن الكليني أجل من أن ينسب اليه هذا التدليس الفاحش(٢) .

ولو سلمنا كون الرجل هو محمد بن اسماعيل النيسابوري فهل يحكم بصحة حديثه لكونه ثقة أو يحكم بحسنه او ضعفه لكونه مجهول الحال. قال صاحب المعالم : « ويقوى في خاطري ادخال الحديث المشتمل عليه في قسم الحسن ». وذكر الكلباسي أنه الثقة الإمامي الجليل والعالم النبيل واستشهد لقوله تارة باكثار الكليني في الكافي من الرواية عنه ، حتى قيل إنه روى عنه ما يزيد على خمسمائة حديث ، واخرى باستظهار كون الرجل من مشايخ اجازة الكليني. فحينئذ يكون حديثه صحيحاً ، كما جرى عليه المحقّق الداماد والفاضل البحراني. وفي مقابله جماعة من الاعاظم كالمجلسي الثاني وصاحب المدارك والتفرشي. ولهذا الفريق أيضاً دلائل وشواهد عديدة ، ذكرها العلاّمة الكلباسي في المقصد الثالث من كتابه(٣) .

الفائدة السابعة

ذكر العلاّمة في الفائدة التاسعة من « الخلاصة » وابن داود في رجاله انه قد يغلط جماعة في الاسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حماد بن عيسى ، فيتوهمونه حماد بن عثمان وهو غلط فان إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان ، بل حماد بن عيسى(٤) .

__________________

١ ـ الرجال لابن داود : ٣٠٦.

٢ ـ منتقى الجمان : ١ / ٤٥.

٣ ـ سماء المقال : ١ / ١٧٠ ـ ١٩٩.

٤ ـ الخلاصة : ٢٨١ ؛ الرجال لابن داود : ٣٠٧ ، الفائدة الرابعة.

٤٥٨

والأول توفي سنة ١٩٠ هـ والثاني سنة ٢٠٩ هـ ( او ٢٠٨ هـ ) كما صرح به النجاشي(١) . حكى صاحب المنتقى كلام العلاّمة عن الخلاصة واضاف : « نبَّه على هذا غير العلاّمة أيضاً من اصحاب الرجال. والاعتبار شاهد به »(٢) .

وأصل هذا الكلام ـ كما تفطن إليه السيد بحر العلوم(٣) ـ مأخوذ ممّا ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه بقوله :

« وما كان فيه من وصية أمير المؤمنين لابنه محمد بن الحفنية ( رضي الله عنه ) فقد رويته عن ابي ( رضي الله عنه ) ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى عمَّن ذكره ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام . ويغلط اكثر الناس في هذا الاسناد فيجعلون مكان حمّاد بن عيسى ، حماد بن عثمان. وإبراهيم بن هاشم لم يلق حماد بن عثمان وانما لقى حماد بن عيسى وروى عنه »(٤) .

قال صاحب « سماء المقال » :

« والظاهر من كلام الصدوق أنه اطلع من الخارج على عدم اللقاء »(٥) ، فلا جدوى لما صنعه بعض كالمحدث المتتبع النوريقدس‌سره من إثبات إمكان اللقاء ، لأن المدعى عدم اللقاء ، لا عدم امكانه رأساً(٦) وأما ما يوجد في قليل من الروايات من رواية إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عثمان فلا يضرّ أيضاً ، لأن ظاهر مقالة الصدوق وتابعيه حصول التغليط في تعيين المطلق في المقيد المخصوص او تبديل المقيد بالمقيد وحينئذ إن ثبت عدم اللقاء يحكم إما

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، الرقم ٣٧٠ و ٣٧١.

٢ ـ منتقى الجمان : ١ / ٢٦١ ، باب التكفين والتحنيط.

٣ ـ الفوائد الرجالية : ١ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

٤ ـ الفقيه : ٤ / ١٢٥ ، شرح مشيخة الفقيه.

٥ ـ سماء المقال : ١ / ٩.

٦ ـ المصدر نفسه : ٨٨.

٤٥٩

بارسال الحديث او بتصحيفه. مع أن ما ذكر من موارد الخلاف لم يتحقق إلا نادراً في الغاية(١) .

ومن الشواهد التي ذكروها هي الرواية الخامسة من باب ( تحنيط الميّت وتكفينه ) بهذا الاسناد : « علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عثمان ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا : »(٢) قال صاحب المنتقى بعد نقل هذا الحديث وتقوية كلام العلاّمة في الخلاصة ، ما هذا لفظه :

« وقد وقع هذا الغلط في اسناد هذا الخبر على ما وجدته في نسختين عندي الآن للكافي. ويزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند بأن حماد بن عثمان لا تعهد له رواية عن حريز ، بل المعروف المتكرّر رواية حماد بن عيسى عنه »(٣) .

فتحصل مما ذكرنا أنه إذا وجد في رواية : « إبراهيم بن هاشم عن حماد » فالمراد منه حماد بن عيسى لا حمّاد بن عثمان ، حتى يحكم بارسال السند او تصحيفه بناء على عدم لقاء إبراهيم لابن عثمان.

الفائدة الثامنة

قال ابن داود في رجاله : « إذا وردت رواية يروي فيها موسى بن القاسم عن حماد ، فلا تتوهَّمها مرسلة لكون حماد من رجال الصادقعليه‌السلام ، لأن حماداً إما ابن عثمان وقد بقي إلى زمن الرضاعليه‌السلام وروى عن الصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام وإما ابن عيسى فقد لقي الإمام الصادقعليه‌السلام وبقي إلى زمن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ، ومات غريقاً

__________________

١ ـ نقل المحقق الكلباسي عن جده السيد وعن المحدث النوري موارد عديدة من رواية إبراهيم عن ابن عثمان واجاب عن اكثرها. فراجع : ١ / ٨٦ ـ ٩١.

٢ ـ الكافي : ٣ / ١٤٤ ، الحديث ٥.

٣ ـ منتقى الجمان : ١ / ٢٦١.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530