• البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28888 / تحميل: 8064
الحجم الحجم الحجم
المباحثات

المباحثات

مؤلف:
العربية

١

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

عرف واشتهر كتاب المباحثات بأنه من تأليفات الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا ، وكان مرجعا لدى الباحثين والناقدين للفلسفة عموما ، ولآراء مؤلفه خصوصا.

وهنا مجموعة أسئلة مطروحة حول خصوصيات هذا الكتاب. وقبل الشروع في الجواب عنها يلزمنا تعريف المؤلف وسيرته ، إلا ان شهرته وما كتب في ترجمته من مقالات وكتب مفردة تغني عن ذلك ، ومع هذا فإني سوف أذكر كلاما مختصرا لمسيس الحاجة إليه في البحث عن الكتاب(١) .

المؤلف :

أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا. ولد في ٣٧٠ ه‍. بأفشنة ـ قرية قريبة من بخارى ـ ثم انتقل مع والده إلى بخارى وتنشّأ بها. قال عن نفسه :

«واحضر لي معلم القرآن ومعلم الأدب ، وكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى يقضى مني العجب».

__________________

(١) ما جاء في سيرة المؤلف هنا ملخص من رسالة سيرة الشيخ الرئيس ، التي كتبه الجوزجاني تلميذه ، ونقل معظمه عن الشيخ ثم أكمله من عنده.

٣

ثم اشتغل بتعليم المنطق والفلسفة والهندسة والطب ، وصار متبحّرا فيه ، حتى عالج السلطاننوح بن منصور الساماني (٢) من مرضه الذي تحير فيه الأطباء ؛ ولذلك اتّصل به واستفاد من خزانة كتبه.

قال : «فلما ثماني عشرة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها ؛ وكنت إذا ذاك للعلم أحفظ ، ولكنه اليوم معي أنضج. وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء بعد».

قال : «ثم مات والدي وتصرّفت بي الأحوال وتقلّدت شيئا من أعمال السلطان ، ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخارى والانتقال إلى كركانج ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ، ومنها إلى باورد ، ومنها إلى طوس ، ومنها إلى سمنقان ، ومنها إلى جاجرم

ومنها إلى جرجان ثم مضيت إلى دهستان وعدت منها إلى جرجان ، واتّصلأبو عبيد الجوزجاني بي».

وانتقل إلى الري وأقام عندمجد الدولة (٣) أياما ، ثم اتفقت له أسباب أوجبت خروجه إلى قزوين ، ومنها إلى همدان. ودعاه شمس الدولة(٤) لمعالجة «قولنج» أصابه وصار الشيخ من ندمائه وتقلّد هناك الوزارة. واتفق تشويش العسكر عليه ، فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس ، وأغاروا على أسبابه وأخذوا

__________________

(٢) نوح بن منصور بن نوح من الملوك السامانيين. ولد في ٣٥٣ ه‍. ق ببخارى وورث ملك ماوراء النهر عن أبيه في ٣٦٥ (على ما أكثر التواريخ المعتبرة) ومات في ٣٨٧ ه‍. ق ببخارى وتولى السلطنة بعده ابنه منصور. (ملخصا من لغت نامه).

(٣) مجد الدولة أبو طالب رستم بن فخر الدولة من الملوك الديالمة ، تولى السلطنة بالري بعد أبيه من ٣٨٧ ه‍ ق. إلى ٤٢٠. (تاريخ مفصل ايران. عباس اقبال. ص ١٨١).

(٤) شمس الدولة أبو طاهر بن فخر الدولة أخو مجد الدولة ، تولى السلطنة بعد أبيه على همدان وكرمانشاه من ٣٨٧ ه‍ ق. إلى ٤١٢ تقريبا (المصدر السابق ، ص ١٨٣).

٤

جميع ما كان يملكه ، وعاد «القولنج» للأمير شمس الدولة ، وطلب الشيخ واعتذر إليه ، فأقام عنده مكرما واعيدت الوزارة إليه ثانيا.

فشرع هناك بتأليف كتاب الشفاء وابتدأ بالطبيعيات ، ومات شمس الدولة وبويع لابنه ، وطلبوا استيزار الشيخ فأبى عليهم.

فاتهموه بمكاتبة علاء الدولة(٥) وأخذوه وحملوه إلى قلعة فردجان ، وبقي فيها أربعة أشهر ثم أعادوه إلى همدان.

قال الجوزجاني : «وعزم على التوجه إلى أصفهان ، فخرج متنكّرا ـ وأنا معه وأخوه وغلامان ـ في زيّ الصوفية ، إلى أن وصلنا إلى طهران على باب أصفهان ، بعد أن قاسينا شدائد في الطريق ؛ فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدولة وخواصّه ...».

واختصّ الشيخ بعلاء الدولة وصار من ندمائه إلى أن عزم علاء الدولة على قصد همدان ؛ وخرج الشيخ في صحبته وصنّف كتاب الإنصاف ، وفي اليوم الذي قدم فيهالسلطان مسعود أصفهان نهب عسكره رحل الشيخ ، وكان الكتاب في جملته وما وقف له على أثر ، ثم قصد علاء الدولة همدان وكان الشيخ معه وهناك انتقل إلى جوار ربّه ،ودفن بهمدان في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة . وكانت ولادته في سنةسبعين وثلاثمائة ؛ وجميع عمرهثمان وخمسون سنة.

وكان مشتغلا بالكتابة والتأليف ضمن أسفاره واشتغالاته ، فقد ألّف كتبا

__________________

(٥) أبو جعفر محمد بن دشمنزيار الملقب بعلاء الدولة وكاكويه ، وهو ابن خال مجد الدولة بن فخر الدولة ـ السابق الذكر ـ كان حاكما على أصفهان بعد فخر الدولة حتى سنة ٤٢٧ وانهزم من السلطان مسعود الغزنوي (٤٢١ ه‍) ومن أميره بو سهل الحمدوني (٤٢٥ ه‍) ثم أخيرا فى (٤٢٧ ه‍) ، ولم يرجع إلى الحكم. (راجع تاريخ مفصل ايران ـ اقبال ١٨٢ و ٢٧٠ و ٢٦٤).

٥

ورسائل كثيرة أشهرها الشفاء والقانون والإشارات والنجاة(٦) .

كتاب المباحثات :

ومن كتبه المشهورة كتابه هذا ـ المباحثات ـ وقد اشتهر لدى الباحثين والناقدين لآراء الشيخ ، رغم صغر حجمه وعدم الترتيب والتبويب فيه ؛ ولو ذهبنا لنجد نظيرا له من كتب الشيخ فأشبه شيء به كتابه التعليقات ، فانهما استرضعا من ثدي واحد. إذ لم يكن شأن الشيخ فيهما القصد إلى تأليف كتاب ، بل هما مجموعة جوابات وكلمات مأخوذة منه ، جمعهما تلميذه الخاص بهمنيار بنفسه ، أو بمعاونة تلميذة الآخر ابن زيلة كما سنشير إليه.

والكتاب مما لا شك في نسبته ، فقد ذكره أولاالجوزجاني (٧) عند سرد أسامي تأليفاته حيث قال : «... وكتاب المباحثات مجلدة ...» وهذا الفهرس من المصادر الرئيسية في عد تأليفات الشيخ الرئيس ، لكونالجوزجاني ملازما للشيخ ومنادما له خلال خمس وعشرين سنة حتى في أسفاره المختلفة ، وحينما كان الشيخ مشتغلا بهذه التأليفات ؛ ثم إن الكتاب كان مشتهرا لدى الباحثين عن آراء الشيخ الرئيس ، كالفخر الرازي والخواجة نصير الدين الطوسي وصدر المتألهين الشيرازي وغيرهم(٨) . والشيخ أورد أحيانا اسماء كتبه فيه كالإشارات والشفاء

__________________

(٦) ألف جورج قنواتي فهرسا لتأليفات الشيخ وأوصل رقم الكتب والرسائل إلى (٢٧٦) عددا. ثم ألف الدكتور يحيى مهدوي كتابه «فهرست نسخه هاى مصنفات ابن سينا» وأورد فيه (١٣١) كتابا ورسالة صحيح النسبة إلى الشيخ و (١١٠) أثرا مشكوكا أو منحولا إليه.

(٧) سيرة الشيخ الرئيس.

(٨) لم يكن الكتاب عند صدر المتألهين كما صرح بذلك في كتابه الأسفار الأربعة.

والأظهر أن اتصاله بهذا الكتاب كان بما نقله الفخر الرازي في كتابه المباحث المشرقية.

٦

والإنصاف والمبدأ والمعاد ـ وأحال البحث إليها. على أن جلّ المطالب والمباحث التي فيه تدور حول المباحث الواردة في كتابه الشفاء ، خصوصا كتاب النفس منه.

السائل ، أو السائلون؟

المشهور أن السائل هو بهمنيار بن المرزبان تلميذ الشيخ(٨) فقد جاء في أول الرسالة السادسة :

«الخادمبهمنيار بن المرزبان ، خادم مولانا الرئيس ، السيد الأوحد ، الأجلّ شرف الملك ، فخر الكفاة ـ أطال الله بقاه وأدام رفعته وعلاه

__________________

(٨) أقدم ترجمة لبهمنيار ما جاء في تتمة صوان الحكمة للبيهقي ، ننقل شيئا منها بلفظه :

«الفيلسوف بهمنيار الحكيم ؛ كان تلميذ أبي علي وكان مجوسي الملة ، غير ماهر في كلام العرب ؛ وكان من بلاد آذربايجان والمباحث التي لأبي علي أكثرها مسائل بهمن يار ، تبحث عن غوامض المشكلات.

ومن تصانيف بهمنيار كتاب التحصيل وكتاب الرتبة في المنطق ، وكتاب في الموسيقي ، ورسائل كثيرة ومات بهمنيار في شهور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، بعد موت أبي علي بثلاثين سنة (تاريخ الحكماء (تتمة صوان الحكمة) ص ٩٧) هذا جلّ ما نعرفه من ترجمة بهمنيار وقد أخذ سائر المترجمين له من كلام البيهقي ، فترى الشهرزوري (نزهة الأرواح : ٢ / ٣٨) ينقل كلامه بلفظه دون ذكر القائل.

وقد طبع كتابه «التحصيل» (طهران ١٣٤٩ ـ ه. ش ـ كلية الإلهيات) بتحقيق الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري (ره). وقال الاستاذ في مقدمته على الكتاب :

«من البعيد بقاء بهمنيار على المجوسية مع ما نرى من نظراته وسياق فكره في مسائل التوحيد والخير والشر ، وأن ذلك لا ينتظم مع العقائد المجوسية».

ومما يوضح اتصال بهمنيار بأبي علي ما كتبه الشيخ في المباحثة الثالثة مخاطبا له ـ كما يظهر ـ :

«وذلك غير ما كنت أتوقّعه منه ـ وهو لي كالولد ، بل ألحّ من الولد وأحبّ ، وقد علّمته وأدّبته وبلغت به المنزلة التي بلغها ؛ فما كان له في ذلك التبليغ آخر غيري يقوم فيه مقامي ...».

٧

وكبت حساده وأعداه ـ خدم نهى الحضرة بكتاب مطوي على أوراق وأسئلة وشكوك يرجو وصول الجميع إليها وإحاطة العلم الشريف بها فإن هذه الجوابات التي ينعم بها ربما يضيع أصول المسائل على أيدي الغلمان وقد ساء ظني بالكتاب الصادر أخيرا وخيّل لي الشيطان ضياعه ...».

فعلى هذا لا يبقى شك في أن لبهمنيار القدم الأول في تدوين هذا الكتاب.

وأما هل لغيره أيضا حظّ من ذلك فقد يدل عليه ما جاء على ظهر نسخة بودليان :

«السينات على الحواشي علامة السؤال ، والجيمات علامة الجواب ، وحرف الطاء مع السين علامة لما وجد من تلك الأسئلة أصولها في الرقاع إما بخط بهمنيار ، وإما بخط أبي منصور بن زيلة ، وكذلك هي مع الجيم علامة لما وجد من تلك الأجوبة تحتها بخط الشيخ الرئيس أبي علي ؛ وما هو عاطل منها لم يظفر بالنسخة المسودّة ، فعطّل دلالة على أن المعلم وجد بخط أحد السائلين المذكورين ، وكذلك الجواب بخط المسئول عنه».

وقد لمح الشيخ إليه في أول المباحثة الأولى أيضا :

(٢) «... أما الإشارات فإن النسخة منها لا تخرج إلا مشافهة وبعد شروط لا تعقد إلا مكافحة ؛ وليس يمكن أن يستفتح بها ويطلع معه غريب عليها ، فإنه لا يمكن أن يطلع عليها إلا هو والشيخ أبو منصور بن زيلة ...».

فهذا يدل على أن بهمنيار وابن زيلة(٩) اشتركا في طرح الأسئلة أو جمعها.

__________________

(٩) فأقدم ترجمة عنه ما قاله البيهقي :

«الحكيم أبو منصور حسين بن طاهر بن زيلة ، كان أصفهاني المولد ، وهو من خواص تلامذة ـ

٨

ثم هناك قرائن تدل على ورود شخص آخر في هذه الدائرة أيضا. فقد جاء في الرقم (٥١٣) :

«هذا الجواب من بابه الشيخ الكرماني».

على أن المباحثة تدور حول اعتراض الكرماني(١٠) على البرهان الذي

__________________

ـ أبي علي ومن بطانته. وقيل : إنه كان مجوسي الملة ، ولكن لم يتحقق لي ذلك. وكان عالما بالرياضيات وماهرا في صناعة الموسيقي أيضا. ومن تصانيفه الاختصار من طبيعيات الشفاء ، وشرح رسالة حي بن يقظان وله كتاب في النفس ورسائل اخر وكان قصير العمر ، مات في سنة أربعين وأربعمائة بعد موت أبي علي باثنتي عشرة سنة وكان عارفا بعلوم العرب ، كاملا في صناعة الانشاء». (تاريخ الحكماء بيهقي : ٩٩) وقد نقل هذه الترجمة أيضا الشهرزوري بلفظه دون ذكر من البيهقي في نزهة الأرواح (٢ / ٣٩) وجاء ذكر ابن زيلة في عيون الانباء (٢ / ١٩) أيضا. وقد طبع من تأليفاته شرح حي بن يقظان وكتاب الكافي في الموسيقي (دانشنامه ايران واسلام : ٦١٩ ابن زيلة).

(١٠) لا نعلم شيئا من هذا الشيخ الكرماني ، غير ما جاء في رسالة السيرة عن لسان الجوزجاني :

«وكان الشيخ قد صنف بجرجان المختصر الأصغر في المنطق. وهو الذي وضعه بعد ذلك في أول النجاة ـ ووقعت نسخته إلى شيراز ؛ فنظر فيها جماعة من أهل العلم هناك. فوقعت لهم الشبه في مسائل منها ، وكتبوها على جزء. وكان القاضي بشيراز من جملة القوم. فأنفذ بالجزء إلى أبي القاسم الكرماني ـ صاحب إبراهيم بن بابا الديلمى ، المشتغل بعلم الباطن ـ وأضاف إليه كتابا إلى الشيخ أبي القاسم. وأنفذهما مع ركابي قاصد ، وسأله عرض الجزء على الشيخ وتنجز جوابه فيه. فحضر الشيخ أبو القاسم في يوم صائف عند اصفرار الشمس عند الشيخ ، وعرض عليه الكتاب والجزء. فقرأ الكتاب وردّه عليه وترك الجزء بين يديه والناس يتحدثون وهو ينظر فيه. ثم خرج أبو القاسم وأمرني الشيخ باحضار البياض ، فشددت له خمسة أجزاء كل واحد عشرة أوراق بالربع الفرعوني وعند الصباح حضر رسوله يستحضرني ، فحضرت وهو على المصلّى وبين يديه الأجزاء الخمسة. فقال : ـ

٩

اعتمد عليه الشيخ لإثبات النفس ، وردّ الشيخ واستنكاره الشديد عليه حين سمع أنه ضحك من البرهان :

(٤٩) «والذي حكاه من امتعاض الشيخ أبي القاسم الكرماني حين بلغه ما بلغه ـ فليس من حق مثله أن يشفق من ذلك ...».

(٧٩) «... فالضاحك هو المضحوك منه ، وهو السخيف ، وهو المهوّس ...».

عدد الرسائل

هذا الكتاب ـ كما عرفنا ـ مجموعة أسئلة ورسائل ، والقسم الأعظم منها متبادلة بين الشيخ وتلميذيه ، ولم يكن تأليفا مبوّبا على نظم خاص ، كما هو

__________________

ـ خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له : استعجلت في الإجابة عنها لئلا يتعوّق الركابي ...»

(راجع النسخ الموجودة عن هذه الأجوبة في مصنفات ابن سينا ص ١٧).

وقال الشهرزوري : (نزهة الأرواح ٢ / ٢٨) :

«أبو القاسم الكرماني : كان حكيما عالما جرت بينه وبين أبي علي مناظرة أدّت إلى مشاجرة لزمها سوء الأدب ، ونسبه أبو علي إلى قلّة العناية بصناعة المنطق ، ونسب الكرماني لأبي علي المغالطة. وكتب هذه المناظرة أبو علي إلى الوزير الأمين أبي سعد الهمداني الذي صنف لأجله الأجوبة. من كلامه : «الطبيب خادم القدر صحّ المريض أو هلك». قال يوما لأبي علي : «لا تعزز ما عندك بتهجّن ما عند غيرك ، فإن الحق أبلج والإنصاف لم ينعدم».

ولابن سينا رسالة «الأجوبة عن المسائل العشرة» وجاء بأول النسخة الموجودة منها بمكتبة المجلس الشورى الإسلامي (٢ / ٦٢٥) : «وكان السائل هو أبو القاسم الجرجاني أو الكرماني».

(فهرست مصنفات ابن سينا : ص ١٥).

١٠

الشأن في الكتب المؤلّفة ؛ ولذلك لم يتنبّه أكثر الناظرين فيه لكونه كتابا معروفا ؛ فترى عددا من المفهرسين للمخطوطات عرّفوه في فهارسهم بمجموعة رسائل أو أسئلة وأجوبة. ولعلّه لذلك أيضا لم ير المستنسخون من واجبهم استنساخه بكماله وترتيبه الخاصّ ؛ فاختلف النسخ في النظم وعدد الرسائل ، وحتى الأسئلة والأجوبة في رسالة واحدة.

فلو أعرضنا عن النسخ التي تحتوى على ملتقطات من الكتاب فهناك نوعان من النسخ يحتمل كونهما كاملتين على اختلافهما :

الف :نسخة بودليان (وسنأتي بشرحها فيما بعد) وهي أقدم النسخ الموجودة ـ على ما علمت ـ وهي تحتوى على ستّ رسائل. لكن توجد قرائن كثيرة تشهد على عدم كون كل رسالة فيها مفردة ، وإنما هي مجموعة أسئلة أخذت من رسالات عدة أو سئلت مشافهة ثم جمعت في جزء وصارت كرسالة واحدة.

ففي الرسالة الخامسة ترى أسئلة مرتبطة بأسئلة اخرى موجودة في نفس الرسالة : فقد جاء في الرقم (٣٥٦) : «ما معنى قوله في الفصول المتقدمة : هيئات النفوس مركبة تركيبا نفسانيا ...» وهذا إشارة ـ على ما يظهر ـ إلى الرقم (٣٣٨).

وفي (٣٥٨) : «ما معنى قوله : بقاء الفعل غاية للفعل ...» إشارة إلى الرقم (٣٤٦).

وفي (٣٦٠) : «فاعل المزاج لم يلزم أن يكون حافظا؟ فقد احيل به في هذه الفصول على البذور ...» إشارة الى (٣٤٧).

وفي الرسالة السادسة ـ على أنها رسالة طويلة تستغرق أكثر من نصف الكتاب ـ السؤال (٨٦٨) : «كيف يكون الإمكان من لوازم الماهيات ...؟» سؤال عما أجيب في (٨٦٧).

١١

والفقرات (٧٩٩) إلى (٨١٧) مأخوذة بلفظها من كتاب الشفاء ـ الإلهيات ـ(١١) .

ومن القرائن أيضا التكرار الواقع فيها بلفظها ـ وسنشير إلى بعضها.

ب :نسخة برينستون ـ وتوجد نسخ أخرى على سياقها ـ هذه النسخة وأخواتها تحتوي على المباحثات الستة أيضا ؛ إلا أنها تختلف عن الأولى في الترتيب(١٢) ، كما أنها تنقص عنها من الرقم (٧٨٨) إلى آخر الكتاب. ثم إن سياق هذه النسخة أكثر شيوعا بين النسخ بحيث يؤيد أن تكون هي الصورة الأصلية من الكتاب. فما سبب تلك الاختلافات؟

أما اختلاف الترتيب فتوجيهه سهل بعد ما ذكرنا أن الكتاب مجموعة أسئلة غير منسجمة وغير مبوّبة ، ويظهر أيضا مما نقلنا عن ظهر النسخة الأولى من أنها كانت في رقاع وأجزاء فاستنسخت منها ولم تكن ذا ترتيب يجب رعايته للكاتب.

إنما الكلام في هذه الزيادات :فهل هي من كلام الشيخ أولا ؟ثم من كتاب المباحثات ثانيا؟

أما بالنسبة إلى السؤال الأول : فكونها من كلام الشيخ مما لا شك فيه(١٣) . إذ

__________________

(١١) هذه الفقرات أيضا توجد كرسالة مفردة منسوبة إلى بهمنيار معنونه باسم «اثبات المبدأ الأول» أو «موضوع علم ما بعد الطبيعة». فذكر الدكتور المهدوي (فهرست مصنفات ابن سينا : ٢٥٩) أنها موجودة في مجموعتي (٤٨٢٩ و ٤٨٤٩ أيا صوفيا) و (٤٨٩٤ نور عثمانية) منسوبا إلى الشيخ وفي (١٤٨٤ ليدن) منسوبا إلى بهمنيار. وأنها طبعت مع رسالة في مراتب الموجودات لبهمنيار وترجمتها بالآلمانية (ليبزيك ١٨٥١ م. بتحقيق Dr ـ Salomonpoper ).

(١٢) سنشير إلى اختلاف ترتيبها عند البحث عن نسخ الكتاب.

(١٣) راجع التعليقة على الفقرة (٨٢٤ ـ ٨٢٦).

١٢

قسم منها ـ كما ذكرنا ـ يوجد في كتاب الشفاء بلفظه. ثم إن فقرات منها تكرار ما مضى في الكتاب سابقا(١٤) ، على أن سياق كتابة الشيخ يمتاز عن غيره ويعرفه كل من درس مؤلفاته بسهولة ، ثم إن هذه المطالب أيضا ـ كأخواتها من مطالب الكتاب ـ مرتبطة كثيرا بكتاب الشفاء وتوضيحات حوله.

وأما هل هي من صلب كتاب المباحثات ، أم ملحقة به؟ فمن العسير الجواب عن ذلك. والأقرب أن نقول أنها كانت أيضا مجموعة جوابات من الشيخ أو مأخوذة من كلماته أو كتبه عند بهمنيار ، فالحق بها. ويؤيد ذلك أولا التكرارات المشيرة إليها. وثانيا ما في الفقرة (٨٥٢) : «وجد في رقعة» ، وثالثا ما كتب بآخر القسم الأول من نسخة ليدن(١٥) : «إلى هنا وجدت المباحثات في عدة نسخ ـ والحمد لله وحده ، وصلواته على محمد وآله» ثم النص المنقول سابقا عن ظهر نسخة بودليان «... وما هو عاطل منها لم يظفر بالنسخة المسودة ...».

والفقرة (٨٩٦) يحتمل أن تكون مؤيدة لما قلناه ، إذ قال الشيخ فيها : «قد بيّنا فيالمباحثات الصديقية أن التشخص لطبيعة النوع الواحد كيف يمكن أن يكون» فلو كان هذا إشارة إلى ما جاء في الفقرة (٥٣٢) ـ من بيان كيفية كون التشخص بعرض لازم ـ لاتّضح صحة الفرض المذكور أولا. وكون الرسالة ذا اسم المباحثات في حياة الشيخ ثانيا.

__________________

(١٤) الفقرة (٧٩٦) تكرر في (٨٧٨) وجوابها فقط في (٦٤٥) وتكرر الجواب من (٦٥٤) في (٨١٨). والفقرتين (٨٤٩) و (٨٥٠) نفس ما جاء في (٢١٠) إلى (٢١٥). والرقم (٦١٥) تكرر في (٨٦٧) وجواب الرقم (٦٥٤) تكرر في (٨١٨) والرقم (٦٤٤) في (٧٦٧). والرقم (٧٥٨) في (٧٨٨) والرقم (٧٨٩) تكرار ما في (٤٢٠ ـ ٤٢١).

(١٥) سنشير إلى هذه النسخة وخصوصياتها عند البحث عن النسخ ، ويجدر بنا أن نتذكر هنا أن القسم الأول من هذه النسخة مطابق لنسخة برينستون ـ تقريبا ـ والقسم الثاني منها يشتمل على معظم الزيادات التي في نسخة بودليان مع إضافات أخر.

١٣

زمان الكتابة :

وأما زمان كتابة الرسائل : فقد اشير في ثلاثة مواضع منها إلى كتاب الإشارات ، وذكر أهل السير أنه من أواخر تأليفات الشيخ. فيفهم من ذلك أن الرسائل أيضا مكتوبة في الأخير من عمره.

على أن في الرسالة الرابعة إشارة أدقّ من هذا. قال فيها عن كتابه الانصاف :

«وقد كان اتفق من الدواعي عام طروق ركاب السلطان الماضي هذه البلاد ما بعثه على الاشتغال بكتاب سمّاه الانصاف وقبل أن نقل ذلك إلى المبيضّة وقع عليه قطع في هزيمة ألمأت بأسبابه كلها على باب أصفهان ، فلما عاد إلى الري هزّ لمعاودة ذلك التصنيف فاستفزّ ...».

وقال الجوزجاني في رسالة السيرة عن كتاب الإنصاف :

«كتاب الانصاف عشرون مجلدة ؛ شرح فيه جميع كتب أرسطو ، وأنصف فيه بين المشرقيين والمغربيين ؛ ضاع في نهب السلطان مسعود ...».

«وصنف الشيخ كتاب الانصاف ، واليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود اصفهان نهب عسكره رحل الشيخ ، وكان الكتاب في جملته ، وما وقف له على أثر ...».

و «السلطان الماضي» إشارة على الأظهر إلىالمحمود الغزنوي ، الذي مات في سنة (٤٢١) واتفق في أواخر سلطنته دخول ابنهالمسعود أصفهان ـ سنة (٤٢١). ويظهر أنه في هذه الواقعة نهب أمتعة الشيخ وكتبه.

١٤

وذكر البعض أن ضياع كتب الشيخ كان سنة (٤٢٥) حين ظفر بو سهل الحمدوي ـ وكان أميرا من قبل المسعود الغزنوي ـ على علاء الدولة ودخل أصفهان.(١٦)

والأول أظهر وأوفق مع ما في السيرة وهذه الرسالة.

وعلى أي ، فنظرا إلى تاريخ وفاة الشيخ (٤٢٨) فإنّ كتابة الرسائل كانت في هذه الفترة ـ ٤٢١ إلى ٤٢٨. أو ٤٢٥ ـ ٤٢٨.

أهمية كتاب المباحثات :

بقي الآن سؤال آخر ، وهو عن موقع هذه المكاتبات من تأليفات الشيخ ، وأنه هل هي ذات أهمية خاصة مع كثرة تأليفاته المفصلة والمختصرة؟

والجواب عنه واضح للناظر فيها ، إذ لهذه الأجوبة أهمية خاصة من جوانب شتّى :

فأولا إذ كانت هذه المحاورات بين الشيخ وخواص تلاميذه سقطت الآداب اللازم مراعاتها عند المؤلفين ، ولذلك تجلّت فيها روحية الشيخ الواقعية بكل وضوح ، ولا يخفى أهمية ذلك في مطالعة سيرة الشيخ. فمثلا اعتماده الشديد على نفسه وآراءه :

(١١٥) «وما أنا ممن أوطأت نفسي غشوة فيما لم أحسنه أني أحسّنه ؛ بل اجتهدت وبالغت ؛ فلا يروعني مناقض ولو نزل من السماء. ولا يهجس في بالي أن الشيء الذي أتقنته عرضة لنقض أو إبطال أو فساد ؛ وإن اجتمع علي كل فان وحيّ ومنتظر

__________________

(١٦) راجع تاريخ مفصل ايران : ٢٦٤ و ٢٧١. والكامل لابن الأثير : وقائع سنة ٤٢٥. فهرست مصنفات ابن سينا : ٤٦ ـ ٤٨.

١٥

من أهل السماء والأرض ؛ وما لا أعلم فلا أدعيه ...».

ثم شدة غضبه وبطشه على المتعرضين لأقواله وتسفيهه لهم :

(٩٦) «... وليتكلّف هذا الماضغ للخراء ، الغالط في نفسه ، الواضع نفسه ليس موضع من يجب أن يتشكك ويباحث ، وأن محله ليس محل من يخطر بباله حلا وجوابا ، بل محل من يفي بنقض ويقوم مقام مقابل ـ وبالله أنه قد يمكن أن يخاطب بالكلام الأهلي الذي لا تعويص فيه ولا تحريف للكلام عن جهته ، ثم لا يفهمه بوجه من الوجوه ؛ لا سيما إذا جعل الخطاب مجردا كليا. أفمثله يتعرض لأهل البصيرة ويقول : «هذا هوس عظيم ، وذلك كذلك»؟! وليس الهوس العظيم إلا هو وجوهره وذاته ـ فليتكلّف خمسين ورقة في إثبات أن النفس مزاج ، أو في دفعه ومنعه ...».

وثانيا إذا ليس شأن الشيخ فيها غير بيان ما أشكل على تلاميذه فلا يلتفت إلى ذكر الأقوال المختلفة ، والناظر فيها يرى آراءه الخاصة بسهولة في شتّى المواضع.

وثالثا توقفه في مواضع من المسائل وإقراره الصريح بالعجز فيها بما لا يتفق في مؤلّف آخر.

(٥٤٨) «لا أدري ـ لا إله إلا الله ـ وقبيح بالأئمة الإقرار بالجهل».

(٥٦٧) «لا أدرى. لو علم هذا لقصر الحديث».

(٦٥٥) «... إلا أني بعد لم أخصّ فيه الرأي».

(٧٣٠) «... وأنا إلى هذه الغاية لم أحصّلها ؛ وما عندي أن أحصّل بعد هذا السنّ شيئا لم أحصّله قبل ...».

١٦

نسخ الكتاب :

توجد عدة نسخ للكتاب مختلفة كما وكيفا ؛ يمكننا أن نقسمها إلى أربعة أصناف :

الف : نسخة مكتبة بودليان وفروعاتها.

ب : نسخة مكتبة برينستون وأمثالها.

ج : نسخة دار الكتب المصرية رقم (٦) الحكمة.

د : نسخ تحتوى على ملتقطات من الرسالة.

الف :

١ ـ فأقدم النسخ ـ التي علمت بها ـ النسخة الموجودة بمكتبة بودليان (مجموعة ٤٥٧) تاريخ تحريرها سنة ٦٣٨ وفيها كتاب النجاة ورسالة حيّ بن يقظان.

هذه النسخة أكمل من جميع النسخ الاخرى التي على غير سياقها ، وهي أصحها. والنصّ الموجود على الصفحة الاولى منها ـ لو لم يكن مستنسخا عن نسخة اخرى ـ يدل على أنها مستنسخة من اصول الرسائل :

«السينات على الحواشي علامة السؤال ، والجيمات علامة الجواب ، وحرف الطاء مع السين علامة لما وجد من تلك الأسئلة أصولها في الرقاع إما بخط بهمنيار ، وإما بخط أبي منصور بن زيلة ، وكذلك هي مع الجيم علامة لما وجد من تلك الأجوبة تحتها بخط الشيخ الرئيس أبي علي ؛ وما هو عاطل منها لم يظفر بالنسخة المسودّة ، فعطّل دلالة على أن المعلم وجد بخط أحد السائلين المذكورين. وكذلك الجواب بخط المسئول عنه».

١٧

والموجود عندي منها صورة عن المصورة الموجودة في المكتبة المركزية لجامعة طهران (رقم ٣١٤٩) وأشير إليها برمز (ب). ثم النسخة ام النسختين التاليتين :

٢ ـ نسخة المكتبة المركزية لجامعة طهران ؛ وهي من الكتب التي أهداها المغفور له الاستاذ السيد محمد المشكاة إلى الجامعة. وهي مجموعة ثمينة موجودة في المكتبة برقم ١١٤٩ (فهرس المكتبة ، الجزء الرابع من المجلد الثالث ، ص ٢٤٠٤) واشير إليها برمز (د).

والنسخة تحتوي على أربع وسبعين رسالة للشيخ الرئيس وثلاثة للدواني. ورسالة المباحثات تقع في الورق ٧٠ إلى ١٠٩ منها. وليس عليها تاريخ التحرير وقد تملكها مصطفى بن عبد الله في ٩٦٢ فهي مكتوبة قبل الألف.

وهناك قرائن كثيرة تدل على كونها ـ بواسطة أو بلا واسطة ـ مستنسخة عن نسخة بودليان ؛ اشير إلى اثنتين منها :

الاولى : النصّ في الورقة (٤١) من نسخة بودليان (س ٣ مطابق رقم ٤٩٣ من طبعتنا)

«لأن هذا يقارنه ما لا يقارن ذلك ويفارقه ما لا يفارق ذلك» وإذ كانت الفقرة الثانية ساقطة عند الاستنساخ عن (ب) استدركه الكاتب في الهامش ووضع في المتن علامة للتنبيه (راجع صورة الورقة) ، ولكن المستنسخ عن هذه النسخة لم يتنبه للعلامة ، وحسب ما في الهامش من تمام السطر وأدرجها في الفقرة التالية منها ، فترى فيها :

«لم لا يجوز أن يكون إدراكي لذاتي لحصول ذاتي ويفارقه ما لا يفارق ذلك ...».

الثانية : في الورقة (٣٦) كانت حاشية كتبها الناسخ عموديا (راجع الصورة) حتى يتميز عن المتن ، ولكن المستنسخ لم يتنبه لذلك وأدرجها في الفقرة

١٨

(٤٣٠) من المتن ، وهذا السهو لا يمكن أن يتفق إلا عند الاستنساخ من نسخة بودليان.

٣ ـ النسخة الموجودة بمكتبة مجلس الشورى الإسلامي ضمن مجموعة (٦٣٤) (فهرس المكتبة ج ٢ ص ٣٩٥ ـ ٤٠١) تحتوى على ٤٢ رسالة حكمية. وهي مجموعة ثمينة تاريخ كتابتها (١٠٤٣)نستعليق ، رقم ٩٠١٤. ورسالة المباحثات تقع في الورقة ١٢٨ إلى ١٨٠ منها. وأشير إليها برمز (م).

وهذه النسخة مستنسخة عن نسخة (د) أو كلتاهما مستنسختان عن نسخة أخرى كتبت عن نسخة (ب) لتطابقهما في عموم الأغلاط والسقطات ؛ ومنها الموردين المذكورين في نسخة (د).

ولكون النسختين (د ، م) مكتوبتين بلا ترديد ـ بواسطة او بلا واسطة ـ عن نسخة (ب) ولكون الأصل موجودا ، لم أشر إلى موارد اختلافهما مع (ب) إلا في موارد قليلة ، رغم أني طابقت نسختي معهما من البدء إلى الختم.

وقد جعلت نسخة (ب) أصلا أعتمد عليه في هذا الطبع وأشير إلى اختلاف البقية معه في الهامش.

ب : هذا القسم من النسخ يحتوى على المتن القريب من الكامل ويختلف مع الاولى في الترتيب. وكان الموجود عندي منه :

٤ ـ نسخة برينستون وهي مجموعة ثمينة تحتوى على ٢٦ رسالة حكمية تاريخ تحريرها سنة ٦٧٧. كانت من كتب العلامة المغفور له كاشف الغطاء إذ يوجد نقش خاتمه على الصفحة الاولى منها. ورسالة المباحثات تقع في الورق ١٧ ـ إلى ٦٧ منها.

والموجود عندي من هذه النسخة صورة فتوغرافية عن المصورة الموجودة

١٩

بمكتبة آية الله العظمى المرعشي ـقدس‌سره ـ بقم. وقد جاء توصيف النسخة في المجلد الثالث من فهرس النسخ المصورة في المكتبة.

وهذه النسخة أصل لبعض النسخ الآتي ذكرها كما سأشير لذلك. وتختلف مع القسم الأول في السياق ، كما انها تنقص عنه شيئا ؛ إذ أنها تشرع بالمباحثة الرابعة ـ ولا يوجد فيها ما في صدر الرسالة من الرقم (١٢٧) إلى آخر (١٤١) وجاء بدلا من هذا كله :

«بسم الله الرحمن الرحيم. رب يسّر بلطفك العميم. الحمد لله واهب العقل ، مفيض العلم ، والصلاة على رسله ، خصوصا على محمد وآله ...».

ثم جاء الرقم (١٤٢) «ما معنى العقل بالقوة ...» إلى آخر الرقم (٢٦٦) وذلك يطابق الورقة (١٦ ب ـ ٢٣ آ) منها. ومن هنا كتبت المباحثة الاولى «وصل للشيخ عدة كتب ...» الرقم (١) إلى آخر الرقم (٣١) وذلك يطابق الورقة (٢٣ آ ـ ٢٥ ب). وهنا انتقل إلى الرقم (٢٦٧) إلى اخر الرقم (٣٠٩) وذلك يطابق الورقة (٢٦ آ ـ ٢٧ ب). ثم كتبت المباحثة الثانية ، الرقم (٣٢) «وصل كتاب الشيخ الفاضل ...» إلى آخر المباحثة ، الرقم (٤٦). ويطابق الورقة (٢٧ ب ـ ٢٩ آ). ثم يوجد الرقم (٣١٠) إلى آخر الرقم (٣٩٦) ويطابق الورقة (٢٩ آ ـ ٣٣ ب) منها. ثم تشرع المباحثة الثالثة ، الرقم (٤٧) «وصل خطاب الشيخ الفاضل ...» إلى آخر المباحثة ، الرقم (١٢٦) ويطابق الورقة (٣٣ ب ـ ٣٩ ب) ثم تشرع المباحثة السادسة ولا يوجد فيها ما في صدر الرسالة وتشرع بالسؤال الرقم (٤٠٠) إلى آخر الرقم (٧٨٧) ويطابق الورقة (٣٩ ب ـ ٦٧ آ) وبقية المباحثة السادسة غير موجودة فيها. وجاء في آخر الرسالة :

«هذا آخر الموجود من هذا الكتاب تم كتاب المباحثات المعروف

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدئ والبديع.

خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

أوّل الدين معرفته.... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس

١٤١

لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه..

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره، حتى عب عُبَابُه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع

١٤٢

سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس. معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الإذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

١٤٣

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونها

- التوحيد للشيخ الصدوق ص ٣١

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا....

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من

١٤٤

تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، ولا يعدله شيء، الظاهر على كل شيء بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق .... إلى آخر الخطبة.

أمير المؤمنين يردّ على تجسيم اليهود

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٧٧

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال فقال له عليعليه‌السلام : إنما يقال: متى كان لشيء لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس عليعليه‌السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر

١٤٥

اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليعليه‌السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزى، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية،بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود .... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهى.

وقد تقدم في الفصل الأول رده على كعب الأحبار فى مجلس الخليفة عمر.

١٤٦

ويوجّه المسلمين إلى التفكّر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٧٠

١٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الأطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيه، وسما به مطلاً على رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك على معاينة، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوى الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه

١٤٧

خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشي مشي المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع، ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعرى من لباسه، فيسقط تترى، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة،

١٤٨

ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

ويصف النملة والجرادة

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :.... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر. أنظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

١٤٩

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس، وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد جدوبها.

عليعليه‌السلام مؤسّس علم التوحيد

- أمالي المرتضى ج ١ ص ١٠٣

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءهعليهم‌السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة،

١٥٠

ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم على ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وهو يصف الله تعالى:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنهعليه‌السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل لهعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينظم زبور آل محمد

- قالعليه‌السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم على مشيته اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون....

١٥١

- الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون

وكان من دعائهعليه‌السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء، فاعف عني.....

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢١

دعاؤهعليه‌السلام في التحميد لله عز وجل:الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة، واحتجت عن الأبصار بالعزة، واقتدر على الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الإله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم ....

١٥٢

الإمام محمد الباقرعليه‌السلام يجيب على سؤال متى وجد الله

- الكافي ج ٨ ص ١٢٠

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفرعليه‌السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفرعليه‌السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفرعليه‌السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفرعليه‌السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا. فكان من الآيات التي

١٥٣

أراها الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيلعليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل، ثم تقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما.

قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل على آدمعليه‌السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم.

قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟

١٥٤

قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهى.

والظاهر أن الإمام الباقرعليه‌السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير عليعليه‌السلام .

ويركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه ولا تعطيل

- التوحيد للصدوق ص ١٠٤

أبي رحمه‌الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال: سئل أبو جعفرعليه‌السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شيء قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الإمام الصادقعليه‌السلام : لا نفي ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٢

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد،

١٥٥

فكتبعليه‌السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون على الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

- توحيد الصدوق ص ١٠٣

حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣١

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

١٥٦

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متى؟

قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادقعليه‌السلام فقال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣

ج: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين.

الإمام الصادقعليه‌السلام يردّ على الحلول والثنائية بين الذات والصفات

- الكافي ج ١ ص ٨٢

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا

١٥٧

عبد اللهعليه‌السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

- الكافي ج ١ ص ٨٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع.

- الكافي ج ١ ص ٨٧

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والإله يقتضي مألوهاً والإسم غير المسمى، فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.

١٥٨

قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

- علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

- الكافي ج ١ ص ١٠٣

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أيناً فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الإمام الكاظمعليه‌السلام يردّ على تجسيد النصارى

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٣٠

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام وهو يكلم راهباً من النصارى،

١٥٩

فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

ويبيّن أنّ الله تعالى غنيٌّ عن النزول والحركة

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

- توحيد الصدوق ص ١٠٧

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شيء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399