النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ٥

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين0%

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 348

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد فخر الدين
تصنيف: الصفحات: 348
المشاهدات: 42309
تحميل: 3712


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42309 / تحميل: 3712
الحجم الحجم الحجم
النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألنّور المبين

فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

الجزء الخامس

المؤلّف

محمّد فخر الدّين

١

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

ألحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسَّلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

ألحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. فله الشكر وله الحمد بما أنعم علينا من توفيقه بالانتهاء من الجزء الخامس من (ألنّور المبين في ما نزل من القرآن في إمام المتّقين).

وبهذا السعي والجهد اليسير قد انتهينا من إكماله وما توفيقي إلّا بالله العليّ العظيم.

المؤلّف

محمّد فخر الدّين

الخميس ١٦شوال ١٤٣٢هـ

الموافق ١٥/٩/٢٠١١م

٢

بحث حول الولاية

٣

( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (١)

ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

قال رسول اللهصلى الله عليه وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليّه وليقتد بالأئمّة من بعدي، فإنّهم عترتي خُلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.

١- الإصابة في تمييز الصحابة: شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني ١/٥٥٩.

٢- التدوين في معرفة علماء قزوين: عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني ٢/٤٨٥.

٣- ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من كتاب تاريخ دمشق: للشيخ محمد باقر المحمودي، ٢/٩٤ - ٩٥ و٩٨ - ٩٩.

٤- تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي ج ٤ ص ٤١٠.

٥- شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ج ٢ ص ٤٥٠، وفي طبعة مؤسسة الأعلمي بيروت ص ٤٢٠ في الجزء الثاني عشر: قول رسول الله صلى الله عليه وآله: من سرّه أن....

٦- فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين: إبراهيم بن سعد الدين محمد الحمويني ص ٤٥٠.

٧- كفاية الطالب: للحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ص ٢٦ و٩٤.

٨- الكواكب الدُريّة: مصطفى محمد المناوي ص ٤٤.

٩- كنز العمّال: علاء الدين علي المتّقي الهندي ٦/١٥٥ و٢١٧.

١٠- مقتل الحسين: الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي ج ١ ص ٣

١١- مناقب سيّدنا عليّ: درويش الفقير العيني ص ٥١.

____________________

١- سورة النحل: الآية ١٢٥.

٤

روى ابن أبي الحديد في شرح النهج: المجلد الثاني ص ٣٠٥ ط مؤسسة الأعلمي قال:

وروى أبان بن عيّاش، قال: سألت الحسن البصري عن عليّعليه‌السلام ، فقال: ما أقول فيه! كانت له السابقة، والفضل والعلم والحكمة والفقه والرأي والصحبة والنجدة والبلاء والزهد والقضاء والقرابة، إنّ عليّا كان في أمره عليّاً، رحم الله عليّاً، وصلّى عليه! فقلت: يا أبا سعيد، أتقول: ((صلّى عليه)) لغير النبيّ فقال: ترّحم على المسلمين إذا ذكروا، وصلِّ على النبي وآله وعليٌّ خير آله. فقلت: أهو خيرٌ من حمزة وجعفر؟ قال: نعم، قلت: وخيرٌ من فاطمة وابنيها؟ قال: نعم والله، إنّه خير آل محمّد كلّهم، ومن يشكُّ أنّه خيرٌ منهم؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله:[وأبوهما خيرٌ منهما] ولم يجر عليه إسم شرك، ولا شُرب خمر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام:[زوّجتك خير أمّتي] فلو كان في أمّته خيرٌ منه لاستثناه، ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الصحابة، فآخى بين عليّ ونفسه، فرسول الله صلى الله عليه وآله خير الناس نفساً، وخيرهم أخاً، فقلت يا أبا سعيد، فما هذا الّذي يقال عنك إنّك قلته في عليّ؟ فقال: يا بن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة، ولولا ذلك لشالت بي الخُشُب.

قام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بحجّة الوداع في العام العاشر من الهجرة النبويّة الشريفة، ولم يحج غيرها، وسمّيت بحجة الإسلام وكذلك حجّة البلاغ وحجّة الكمال وحجّة التمام(١) ، فعند عودة النبي صلى الله عليه وآله من أداء مناسك الحج نزل عليه جبرائيل: بالآية الشريفة:( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ ) في موضع يقال له غدير خمّ، وفيما يلي: نورد ما جاء في كتاب الغدير: ج ١ ص ٢٨ طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات للعَلَم الحجة الشيخ الأميني النجفي أعلى الله مقامه: قال:

____________________

١- وجاءت تسمية حجّة البلاغ لنزول قوله سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) وتسميتها بالتمام والكمال لنزول قوله تعالى( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .

٥

فلمّا قضى النبي صلى الله عليه وآله مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ووصل إلى غدير خمّ من الجُحفة الّتي تتشعّب فيها طرق المدَنيِّين والمصريِّين والعراقيِّين، وذلك يوم الخميس(١) الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله:( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) الآية. وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهنَّ أحد حتّى إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهنّ حتّى إذا نودي بالصّلاة صلاة الظهر عمد إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء، وظلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلمّا انصرف صلى الله عليه وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الابل وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته فقال:

[ألحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الّذي لاهادي لمن أضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد ألا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله. أمّا بعد :

أيّها الناس قد نبَّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيٌّ إلّا مثل نصف عمر الّذي قبله، وإنّي أوشك أن اُدعا فأجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، قال:ألستم تشهدون ألا إله إلّا الله، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقٌّ وناره حقٌّ وأنّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور ؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال:أللّهم اشهد، ثمّ قال: أيّها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا: بلى. قال:فإنّي فرَطٌ على الحوض، وأنتم واردون عليَّ الحوض، وإنَّ عرضه ما بين صنعاء وبصري (٢) فيه أقداح عدد النجوم من فضّة فانظروا كيف تخلّفوني في الثقلين (٣)

____________________

١ - المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب(وأبي سعيد الخدري) وبعض آخر من رواة حديث الغدير.

٢ - صنعاء: عاصمة اليمن اليوم، وبصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

٣ - الثقل: بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.

٦

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال:الثقل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزَّ وجل وطرفٌ بأيديكم فتمسّكوا به لاتضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وأنَّ اللّطيف الخبير نبّأني أنهّما لن يتفرَّقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ثمّ أخذ بيد عليٍّ فرفعها حتّى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال:أيها الناس مَنْ أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثمّ قال: أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبب من أحبّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب ، ثمَّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:ألله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي ، ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وممن هنّأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كلٌّ يقول: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسّان: إئذن لي يارسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ، فقال:قل على بركة الله ، فقام حسان فقال: يامعشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية ثمّ قال:

يُناديهمُ يوم الغدير نبيّهم

بخمٍّ وأسمع بالرّسول مناديا

فقال: فمن مولاكمُ ونبيّكم

فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا:

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا عليُّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاهُ فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدقٍ مواليا

هناك دعا اللّهم، وال وليَّه

وكن لِلّذي عادى عليّاً معاديا(١)

____________________

١- هذه الأبيات الخمسة التالية نقلتها من الغدير : ج ٢ ص ٥٠.

٧

وقد أقرّه النبيّ صلى الله عليه وآله على ما فهمه من مغزى كلامه، وقرَّظه بقوله:لا تزال يا حسان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك] (١) ((وأورد ما أخرجه الخوارزمي في كتابه - مقتل الحسين - عن أبي هارون العبدي: ج ١ ص ٤٧ عن أبي سعيد الخدري، أنّ حسان بن ثابت أنشد عند ذلك الأبيات التالية:

١- يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم

بخمٍّ فأسمع بالرّسول مناديا

٢- يقول: فمن مولاكم ونبيّكم

فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا

٣- إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تر منّا في الولاية عاصيا

٤- فقال له: قم ياعليُّ، فانّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا))

هذا مجمل القول في واقعة الغدير وسيوافيك تفصيل ألفاظها وقد أصفقت الأمّة على هذا وليست في العالم كلّه وعلى مستوى البسيط واقعةٌ إسلاميّةٌ غديريّةٌ غيره، ولو أُطلق يومُه فلا ينصرف إلّا إليه، وإن قيل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف على أمم من الجحفة، ولم يعرف أحدٌ من البحّاثة والمنقّبين سواه.

نعم شذّ عنهم (الدكتور ملحم إبراهيم الأسود) في تعليقه على ديوان أبي تمّام، فإنّه قال: هي واقعةُ حربٍ معروفة.

أخرج محمد كرد علي في كتاب خطط الشام: ج ٥ ص ٢٥١ حديث أبي هارون العبدي قال:

كنت أرى رأي الخوارج لا أتولّى غيرهم حتّى جلست إلى أبي سعيد الخدري، فسمعته يقول: أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة.

فقال رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربعة ال ّ تي عملوا بها؟

قال: الصّلاة، والزكاة، والحج، والصوم، صوم شهر رمضان.

____________________

١ - هذا من أعلام النبوّة ومن مغيّبات رسول الله، فقد علم أنّه سوف ينحرف عن إمام الهدى صلوات الله عليه في أُخريات أيّامه، فعلّق دعائه على ظرف استمراره نصرتهم.

٨

قال فما الواحدة التي تركوها؟

قال: ولاية عليّ بن أبي طالب.

قال: وإنّها مفترضةٌ معهنَّ؟

قال:نعم.

قال: فقد كفر الناس..؟

قال: فما ذنبي.

وروى الكليني في الكافي: ج ١ ص ٢٨٩ عن الامام محمّد الباقرعليه‌السلام وفيه، وقال أبو جعفرعليه‌السلام :

[وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولايةُ آخر الفرائض، فأنزل الله عزّ وجل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي )

قال أبو جعفرعليه‌السلام :يقول الله عزّ وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض].

وروى الشيخ الكليني في الكافي: ج ٢ ص ١٨ الحديث ٣ باب دعائم الاسلام فقد روى عن الامام أبي جعفر محمد الباقرعليه‌السلام قال:[بُني الاسلام على خمس: على الصّلاة والزكاة والصوم والحج والولاية].

وعن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجه، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كنت عنده جالساً فقال له رجل: حدثني عن ولاية عليٍّ، أمن الله أو من رسوله؟

فغضب ثمّ قال:[ويحك كان رسول الله صلى الله عليه وآلهأخوف(لله) من أن يقول ما لم يأمره به الله، بل افترضه الله، كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج].

وروى في الكافي: ج ١ ص ١٩٨

٩

أبو محمد القاسم بن العلاء رحمه الله، رفعه عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنّا مع الرضاعليه‌السلام بمَرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي (الرضا)عليه‌السلام فاعلمته خوض الناس فيه، فتبسَّمعليه‌السلام ثمّ قال:

[يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إنّ الله عزّ وجلّ لم يقبض نبيّه صلى الله عليه وآله حتّى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن تبيان كل شي، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عزّ وجلّ :( مَّا فَرَّ‌طْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) وأنزل في حجّة الوداع وهي في آخر عمره صلى الله عليه وآله :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٢)

وأمرُ الامامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله، حتّى بيّن لامّته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليّاً عليه‌السلام علماً وإماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلّا بيّنه، فمن زعم أنّ الله عزّ وجل لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به .

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة، فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم.

إنّ الامامة خصّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوّة والخلّة، مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها، وأشاد بها ذكره فقال :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا )

فقال الخليل عليه‌السلام سروراً بها :( وَمِن ذُرِّ‌يَّتِي ؟ )

قال الله تبارك وتعالى :( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٣) .

____________________

١ - سورة الأنعام: الآية ٣٨.

٢ - سورة المائدة: الآية ٣.

٣ - سورة البقرة: الآية ١٢٤.

١٠

فابطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة ثمّ اكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة، فقال :( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴿٧٢﴾ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِ‌نَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ‌اتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (١)

فلم تزل في ذريّته، يرثها بعض عن بعض، قرناً فقرناً، حتّى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله، فقال جلَّ وتعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ‌اهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) فكانت له خاصّة فقلّدها صلى الله عليه وآله علياً عليه‌السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريّته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان بقوله تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ) (٣) فهي في وُلد عليّ عليه‌السلام خاصّة إلى يوم القيامة، اذ لانبي بعد محمّد صلى الله عليه وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهّال .]

ولحديث الغدير، الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة السنة العاشرة من الهجرة النبويّة في موضع غدير خم، رواة كثيرون ممن حضروا الموقف من صحابة النبي صلى الله عليه وآله ، كما أوردتها كثير من المصادر، يروونها عن صحابة النبي صلى الله عليه وآله، نورد فيما يلي بعضا منها:

أورد العلّامة السيد مرتضى العسكري في كتابه ولاية الامام عليٍّعليه‌السلام في الكتاب والسنّة: ص ٤٩ الطبعة الأولى، قال:

____________________

١ - سورة الأنبياء: الآيتين ٧٢ و٧٣.

٢ - سورة آل عمران: الآية ٦٨.

٣ - سورة الروم: الآية ٥٦.

١١

لما صدر رسول الله من حجة الوداع(١) نزلت عليه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة(٢) آية:

( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) المائدة: ٦٧

فنزل غدير خمّ من الجُحفة(٣)

وكان يتشعّب منها طريق المدينة ومصر والشام ووقف هناك حتّى لحقه من بعده وردَّ مَن كان تقدّم ونهى أصحابه عن سَمرات متفرّقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهنّ ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ من الشوك(٤) ونادى بالصّلاة جامعة(٥) وعمد إليهنّ(٦) وظُلّل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _بثوب على شجرة سَمَرة_ من الشمس فصلّى الظهر بهجير(٧) . ثمّ قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ وقال ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال:[إنّي أوشك أن أُدعا فأجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟.

قالوا: نشهد أنّك بلّغتَ ونصحت فجزاك الله خيرا.

قال:أليس تشهدون ألا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه وأنّ الجنّةَ حقٌّ وأنّ النار حقٌّ؟.

قالوا: بلى نشهد ذلك.

قال:أللّهم اشهد .

ثمّ قال:ألا تسمعون؟.

قالوا: نعم.

____________________

١ - رواه الحاكم الحسكاني في شواهده: ج ١/١٩٢ -١٩٣.

٢ - شواهد التنزيل للحسكاني: ١/١٨٩ و ١٩١ - ١٩٣، وأسباب النزول للواحدي: ص ١٣٠، والدرّ المنثور: ٢/٢٩٨، وفتح القدير: ٢/٥٧ وتفسير النيسابوري: ٦/١٤٩.

٣ - مجمع الزوائد: ٩/ ١٦٣- ١٦٥، وابن كثير: ٥/٢٠٩، ٢١٣.

٤ - محمع الزوائد: ٩/١٠٥، والسمر:نوع من الشجر، وقمّ: كنس، وقريب من لفظه لابن كثير: ٥/٢٠٩.

٥ - مسند أحمد: ٤/٢٨١، وسنن ابن ماجة: باب فضل عليّ وتاريخ ابن كثير: ٥/٢٠٥ و ٢١٠.

٦ - مجمع الزوائد: ٩/ ١٦٣ - ١٦٥.

٧ - مسند أحمد بن حنبل: ٤/ ٢٨١، وسنن ابن ماجة: باب فضل عليّ، وتاريخ ابن كثير: ٥/ ٢١٢.

١٢

قال:يا أيّها الناس إنّي فَرَط وأنتم واردون عَلَيّ الحوض وأنّ عرضه ما بين بصري إلى صنعاء (١) فيه عدد النجوم قدحان من فضّة، وإنّي سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما؟.

فنادى مناد: وما الثقلان يارسول الله؟

قال:كتاب الله طرفٌ بيد الله وطرفٌ بأيديكم، فاستمسكوا به لاتضلّوا ولا تبدِّلوا، وعترتي أهل بيتي، وقد نبَّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض، سألت ذلك لهما ربِّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهما فهما أعلم منكم.

قالوا: بلى يارسول الله.

ثمّ قال:ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

ثمّ قال:ألستم - أو تشهدون - أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟.

قالوا: بلى يا رسول الله.

ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب بضبعيه فرفعها حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ثمّ قال:

أيّها الناس الله مولاي وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه. أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبّه وأبغض من أبغضه

ثمّ قال:أللّهم اشهد .

ثمّ لم يتفرّقا - رسول الله وعليٌّ - حتّى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة: ٣.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ].

____________________

١ - كانت بصرى اسما لقرية بالقرب من دمشق، وأخرى بالقرب من بغداد.

- مجمع الزوائد: ٩/١٦٢و١٦٣و١٦٥ وبعض ألفاظه في روايات الحاكم: ٣/١٠٩و١١٠ وابن كثير: ٥/٢٠٩

- مسند أحمد بن حنبل: ١/١١٨و١١٩و٢٨٧. وسنن ابن ماجة: ١/٤٣، الحديث ١١٦،وجاء (نعم) في مسند أحمد: ٤/٢٨١و٣٦٨و٣٧٠و٣٧٢ وابن كثير: ٢١٠ (ألست أولى بكلّ امريءٍ من نفسه؟)

- مسند أحمد: ٤/٢٨١و٣٦٨و٣٧٠و٣٧٢ وابن كثير: ٥/٢٠٩و٢١٢

١٣

وفي باب ما نزل من القرآن بالمدينة من تاريخ اليعقوبي:

إنّ آخر ما نزل عليه:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ) وهي الرواية الصحيحة الثابتة وكان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - صلوات الله عليه - بغدير خمّ، فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وفي رواية قال: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب.

وكانت لرسول الله عمّامة، تسمّى السحاب كساها عليّا عند ذاك وكانت سوداءَ اللون وكان الرسول يلبسها في أيّام خاصّة مثل يوم فتح مكّة ورووا في كيفيّة تتويج الامام بها يوم الغدير كالآتي:

عن عبد الأعلى بن عدي البهراني قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّا يوم غدير خم فعمّمه وأرخى عذبة العمامة من خلفه.

وعن عليّعليه‌السلام قال: عمّمني رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خمّ بعمامة سوداء طرفها على منكبي.

أورد ابن طاووس السيد أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس في الاقبال: ج ٢ ص ٤٥٤ قال: إعلم أنّ ما نذكره في هذا الفصل ما رواه أيضا مخالفوا الشيعة المعتمد عليهم في النقل، فمن ذلك ما رواه عنهم مصنف كتاب الخالص المسمّى بالنشر والطي، وجعله حجّة ظاهرة باتفاق العدو والولي، وحمل به نسخة إلى الملك شاه مازندراني رستم بن علي بالريّ فقال فيما رواه عن رجالهم، فقال: وعن أحمد بن محمد بن علي المهلب، أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن القاسم الشعراني عن أبيه،حدّثنا سلمة بن الفضل الأنصاري، عن أبي مرين، عن قيس بن حنان عن عطيّة السعدي، قال: سألت حذيفة بن اليمان عن إقامة النبي صلى الله عليه وآله عليّا يوم غدير خم كيف كان فقال حذيفة: فهبط جبرئيل فقال إقرأ:( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) الآية وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الأرض لانشوى. وانتهى إلينا رسول الله فنادى الصلاة جامعة ولقد كان أمرُ عليّعليه‌السلام أعظم عند الله مما يقدر، فدعا المقداد، وسلمان وأبا ذر وعمّار وأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقيموا ما تحتهما فكسحوه وأمرهم أن يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمروا بثوب فطرح عليه ثمّ صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر ينظر يمنة ويسرة ينتظر اجتماع الناس إليه فلمّا اجتمعوا قال: [الحمد لله الذي علا فقهر في توحّده، ودنى في تفرّده ( إلى أن قال) أقرُّ له على نفسي بالعبوديّة وأشهد له بالربوبيّة، وأُؤدّي ما أوحى إليّ حذار إن لم أفعل أن تحلَّ بي قارعةٌ، أوحى إليّ:

( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) الآية. معاشر الناس: ما قصّرتُ في تبليغ ما أنزله الله تبارك وتعالى وأنا أُبَيِّنُ لكم سبب هذه الآية:

١٤

إنّ جبرئيل هبط إليّ مرارا وأقرأني عن الله السّلام أن أقول في المشهد وأُعْلِمَ الأبيض والأسود: أنَّ عليّ بن أبي طالب أخي وخليفتي والإمام بعدي. أيّها الناس: لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم وكثرة أذاهم لي، مرّة سمّوني أُذناً لكثرة ملازمته إيّاي وإقبالي عليه حتّى أنزل الله: ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لسمّيت. واعلموا أنّ الله قد نصبه لكم وليّا وإماما. مفترض الطاعة على المهاجرين والأنصار، والتابعين، وعلى البادي، والحاضر، وعلى العجميّ، والعربيّ، وعلى الحرّ و المملوك، وعلى الكبير والصغير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كل موحِّد فهو ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره،ملعونٌ من خالفه مرحومٌ من صدّقه. معاشر الناس: تدبّروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتبّعوا متشابهة فوالله لا يوضح تفسيره إلّا الذي آخذ بيده ورافعها بيديّ، ومعلمكم: أنّ من كنت مولاه فهو مولاه وهو عليٌّ. معاشر الناس: إنّ عليّاً والطيّبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، لن يفترقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض، ولا تحل إمرة المؤمنين لأحد بعدي غيره. ثمّ ضرب على عضده فرفعه على درجة دون مقامه، متيامناً عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآلهفرفعه بيده وقال: أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله، فقال:ألا من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله،إنّما اكمل الله لكم دينكم بولايته وإمامته، وما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين إلّا بدأ به - (الى أن نقل منه)معاشر الناس: إنّي رسول الله قد خلت من قبلي الرسل إنَّ عليا الموصوف بالصبر والشكر ثمّ من بعده من ولده من صلبه. معاشر الناس:قد ضلَّ من قبلكم أكثر الأوّلين، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم أن تسلكوا الهدى إليه ثمّ عليٌّ ثمّ ولدي من صلبه أئمّة يهدون بالحقّ. إنّي قد بيّنت لكم وفهمتكم، هذا عليٌّ يفهمكم بعدي. ألا وأنّي عند انقطاع خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته والإقرار له. ألا إني بايعت الله، وعليٌّ بايع لي وآخذكم بالبيعة له عن الله: ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرً‌ا عَظِيمًا ) .

١٥

معاشر الناس: أنتم أكثر من أن تصافحوني بكفّ واحد، قد أمرني الله أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدتم الإمرة لعليّ بن أبي طالب ومن جاء من بعده من الأئمّة مني ومنه على ما أعلمتكم: أنّ ذرّيتي من صلبه فليبلغ الشاهد الغائب فقولواسامعين مطيعين راضين لما بلّغت عن ربك: نبايعك على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيا ونموت ونبعث، لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب. أعطينا بذلك الله وإيّاك وعلياً والحسن والائمّة من الذين ذكرت كل عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا. ونحن لا نبتغي بذلك بدلا ونحن نؤدّي ذلك إلى كلّ من رأينا].

فبادر الناس: بنعم، نعم، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله آمنا به بقلوبنا، وتداكوا على رسول الله وعليّ، بأيديهم إلى أن صل ّ يت الظهر والعصر في وقت واحد وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشاءان في وقت واحد ورسول الله يقول كلّما أتى فوج: الحمد لله الّذي فضلنا على العالمين... انتهى.

١٦

روى الامام أبو منصور أحمد الطبرسي في كتابه الاحتجاج: ج ١ ص ٧١ خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الغدير، قال : [ألحمد لله الّذي علا في توحّده ودنى في تفرِّده وجلّ في سلطانه وعظم في أركانه وأحاط بكل شيء علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه. مجيدا لم يزل محمودا لايزال، بارئ المسموكات (١) وداحي المدحّوات (٢) وجبّار الأرضين والسماوات، قدّوس سُبّوح ربّ الملائكة والروح، متفضّل على جميع من برأه، متطوّل على جميع من أنشأه. يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شي رحمته، ومنَّ عليهم بنعمته، لا يعْجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقّوه من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيّات، له الإحاطة بكل شي والغلبة على كل شي، والقوّة في كل شي، والقدرة على كلّ شي وليس مثله شي وهو منشئ الشيء حين لا شيء، دائم، قائم بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، جلّ عن أن تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار هو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معانيه، ولا يجد أحد كيف هو من سرّ وعلانيّة إلّا بما دلَّ عزّ وجلّ على نفسه .

وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صوّر ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد، ولا تكلّف ولا احتيال، أنشأها فكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلّا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي ترجع إليه الأمور.

وأشهد أنّه الذي تواضع كل شي لقدرته وخضع كل شي لهيبته. ملك الأملاك ومفلّك الأفلاك ومسخّر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يكوّر الليل على النّهار ويكوّر النّهار على الليل(٣) يطلبه حثيثا، قاصم كل جبّار عنيد، ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحدٌ صمدٌ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

إله واحد وربٌّ ماجد، يشاء فيمضي ويريد فيقضي، ويعلم فيحصي ويميت ويحيي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي، ويمنع ويعطي.

____________________

١- المرتفعات أعني الكواكب والسماوات.

٢- وهي الأرضين الواسعة التي وسعت بإرادته تعالى.

٣- إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما.

١٧

له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شي قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا إله إلّا هو العزيز الغفار. مجيب الدعاء، ومجزل العطاء، ومحصي الأنفاس، وربِّ الجنّة والناس. لا يشكل عليه شي، ولا يضجره صراخ المستصرخين، ولا يبرمه الحاح الملحّين، العاصم للصالحين، والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده. أحمده على السرّاء والضرّاء والشدة والرخاء

وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله. أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته لأنّه الله الذي لايؤمن مكره ولا يخاف جوره. وأقرّ له على نفسي بالعبوديّة وأشهد له بالربوبيّة وأؤدّي ما أوحي إليَّ حذرا من أن لا أفعل فتحلَّ بي منه قارعة (١) لايدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته، لا إله إلّا هو. لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلّغ ما أنزل إليَّ فما بلّغت رسالته وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافي الكريم فأوحى إليّ: ((بسم الله الرحمن الرحيم ،( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ (في عليٍّ، يعني في الخلافة لعليّ بن أبي طالب)وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) .معاشر الناس: ما قصّرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إليَّ، وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل هبط إليَّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود: أنَّ عليّ بن أبي طالب أخي، ووصيي وخليفتي، والامام من بعدي الّذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وهو وليّكم من بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليَّ بذلك آية من كتابه :

( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَ‌اكِعُونَ )

وعليّ بن أبي طالب أقام الصلوة وأتى الزكوة وهو راكعٌ يريد الله عزّ وجل في كل حال .

____________________

١- الداهية والمهلكة.

٢- قال جلال السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور: ج ٢/ص٢٩٨. أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أنّه قال: كنّا نقرأ في عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ - أنَّ علياً مولى المؤمنين -وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) سورة المائدة الآية ٦٧.

١٨

وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المنافقين وإدغال(١) الآثمين وختل(٢) المستهزئين بالاسلام الّذين وصفهم الله في كتابه: بأنّهم ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) ويحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم. وكثرة أذاهم لي في غير مرّة حتّى سمّوني أُذنا وزعموا أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي وإقبالي عليه، حتّى أنزل الله عزّ وجل في ذلك قرآنا: ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ‌ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ... ) التوبة٦١ ،ولو شئت أن أُسمي بأسمائهم لسمّيت وأنْ أُومي إليهم بأعيانهم لأومأت وأنْ أدلّ عليهم لدللت ولكنّي والله في أمورهم قد تكرّمت، وكل ذلك لايرضي الله منّي إلّا أن أُبلّغ ما أُنزل إليّ ثمّ تلى صلى الله عليه وآله وسلم: ( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ (في عليّ) وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) . فاعلموا يا معاشر الناس: أنَّ الله قد نصبه لكم وليّا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم باحسان وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجميّ والعربيّ والحرّ والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحّد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، مؤمن مَنْ صدّقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له. معاشر الناس: إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فأسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله عزّ وجل هو موليكم وإلهكم ثمَّ من دونه محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثمّ من بعدي عليٌّ وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم ثمّ الإمامة في ذريّتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلّا ما أحلّه الله ولا حرام إلّا ما حرّمه الله، عرّفني الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه. معاشر الناس: ما من علمٍ إلّا وقد أحصاه الله فيَّ وكلّ علم علمت فقد أحصيته في إمام المتّقين وما من علم إلّا علّمته وهو الإمام المبين.

____________________

١- الإدغال: الخيانة والمخالفة.

٢- الختل: الخديعة.

١٩

معاشر الناس: لاتضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا من ولايته فهو الّذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ويزهق الباطل وينهي عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثمّ إنّه أوّل من آمن بالله ورسوله، وهو الّذي فدى رسوله بنفسه وهو الّذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره. معاشر الناس: فضِّلوه فقد فضّله الله واقبلوه فقد نصبه الله. معاشر الناس: إنّه إمام من الله ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذّبه عذاباً شديداً نكراً أبد الآباد ودهر الدهور فاحذروا أن تخالفوه فتصْلوا ناراً ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَ‌ةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِ‌ينَ ) (١) . أيّها الناس: بي والله بشَّرَ الأوّلون من النبيّين والمرسلين وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجّة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين فمن شكّ في ذلك فهو كافر كفر الجاهليّة الأولى ومن شكَّ في شيء من قولي هذا فقد شكّ في الكل منه، والشّاك في ذلك فله النار. معاشر الناس: حبَاني الله بهذه الفضيلة منّاً منه عَلَيَّ وإحسانا منه إليَّ ولا إله إلّا هو له الحمد منّي أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.معاشر الناس: فضِّلوا عليّاً فإنّه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، وبنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق. ملعون ملعون مغضوب مغضوب من ردَّ عَلَيَّ قولي هذا ولم يوافقه. ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن الله تعالى بذلك ويقول: من عادى عليّاً ولم يتولّه فعليه لعنتي وغضبي. فلتنظر نفس ما قدّمت لغد واتّقوا الله أن تخالفوه فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها إنّ الله خبير بما تعملون. معاشر الناس: إنّه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى: ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَ‌تَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّ‌طتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ ) الزمر: ٥٦.

____________________

١ - سورة البقرة: الآية ٢٤.

٢٠