مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح0%

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 354

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علاء الدين السيد امير محمد القزويني
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 354
المشاهدات: 53038
تحميل: 2884

توضيحات:

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53038 / تحميل: 2884
الحجم الحجم الحجم
مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»(1) «... و ما فتئ ابن عباس بعدها يرى أنّهم أضاعوا شيئاً كثيراً بأن لم يسارعوا إلى كتابة ما أراد النبي إملاءه، أمّا عمر فظل ورأيه، أن قال الله في كتابه الكريم: «ما فرّطنا في الكتاب من شيء»(2) .

إذن ماذا أراد النبي أن يكتب؟ ولماذا وقف عمر هذا الموقف في آخر لحظات من حياة الرسول؟ ولماذا قال حسبنا كتاب الله ما فرطنا في الكتاب من شيء؟ ولماذا امتنع القوم عن تلبية الطلب؟ هل أراد النبي (ص) أن يثبت النصّ الشفوي على الخلافة بالكتابة زيادة في التأكيد ودفعاً للالتباس؟(3) ولماذا أمر النبي بتنفيذ جيش أسامة وفيه أكثر الصحابة، منهم أبوبكر وعمر حتى قال (ص) نفذوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة؟ ألأن الأحاديث الواردة عن النبي (ص) في النصّ والوصيّة على علي من السنّة، فأراد عمر الاقتصار على القرآن لينفي الوصيّة؟ كل هذه اسئلة تطرح أمام الباحثين.

يقول أحمد أمين: «و قد أراد الرسول (ص) في مرضه الذي مات فيه أن يعيّن من يلي الأمر من بعده...»(4) . ولهذا فالصياغة المنطقية للفكر السياسي عند عمر بن الخطاب تقتضي أن يقف هذا

_____________________

(1) صحيح البخاري: ح3-ص61-62. وصحيح مسلم؛ح5-ص76. والإمام أحمد:المسند-ح1-ص324-325 وأيضاً ص346.

(2) محمد حسين هيكل: حياة محمد-ص502-503-ط6-دارالمعارف1981.

(3) نوري جعفر: علي ومناوئوه-ص26.

(4) أحمد أمين: يوم الإسلام-ص41-دارالمعارف بمصر-1952.

١٢١

الموقف من الرسول لحرصه على الإسلام كما يظهر في كلامه أكثر من حرص النبي عليه، وهو أمر كان المفروض من عمر أن لا يهبط إليه.

والمحاورة التي دارت بين عمر وبين ابن عباس تكشف عمّا كان يريده رسول الله (ص) من كتابة الكتاب، كما وردت في تاريخ الطبري، وابن الأثير وغيرهما من علماء أهل السنّة: «قال عمر بن الخطاب لا بن عباس: يا بن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد (ص)؟ فكرهت أن اُجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فإنّ أمير المؤمنين يدريني، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجَحاً بجَحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فقلت: يا أمير المومنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، قال: تكلم، قلت: أما قولك يا أمير المومنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أنّ قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأمّا قولك: إنّهم أبوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة، فإنّ الله عزّ وجل وصف قوماً بالكراهة، فقال:( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) . فقال عمر: هيهات والله يا بن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرّك عليها، فتزيل منزلتك مني»(1) . ولهذا يقول الدكتور طه حسين: «ولكن المسلمين لم يختاروه، خوف قريش أن تستقر الخلافة في بني هاشم إن صارت إلى

_____________________

(1) تاريخ الطبري: ح4-ص223. وابن الأثير: الكامل-ح3-ص34.

١٢٢

أحد منهم...»(1) . ولهذا يقول عمر بن الخطاب: «... لقد كان-أي النبي- يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام. لا وربّ هذه البينة لا تجتمع عليه قريش أبداً. ولو وليها، لانتفضت عليه العرب في أقطارها، فعلم رسول الله أنني علمت ما في نفسه فأمسك»(2) .

أمّا قول عمر بن الخطاب، أنّ قريشاً لا تجتمع على علي فقد يكون صحيحاً. ولكن ما الضرر في ذلك؟ إنّ قريشاً لم تجتمع على النبي (ص) نفسه، بل اجتمعت ضده وحاربته إحدى وعشرين سنة، ولم تدخل في الإسلام إلّا بعد أن هزمها. فهل كان من اللازم إلغاء النبوّة لأنّ قريشاً كانت تقف ضدها؟ واذا كان هذا موقف قريش من النبي نفسه فكيف يسوغ أن تعتبر موافقتها على أمر علامة على صلاحه ومعارضتها دليلاً على خطأه؟ إن من العجب أن قريشاً التي حاربت النبوّة والإسلام منذ ولادته واستمرت في حربها لهما حتى اثخنتها الجراح، أصبحت هي التي تقرر مصير الأمة الإسلامية وأصبح تأييدها يرجح كفة أي مرشح للقيادة حتى ولو كان ضد مرشح رسول الله (ص).

وصفوة القول في الوصيّة والخلافةـ، أنّ خطورة الموقف بعد

_____________________

(1) طه حسين: الفتنة الكبرى-عثمان-ص153-152-1967.

(2) محمد جواد شري: أمير المؤمنين-ص162-163. نقلاً عن نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وتاريخ الطبري.

١٢٣

وفاة النبي (ص) لم تكن شيئاً يمكن أن يخفى على أي قائد مارس العمل العقائدي فضلاً عن خاتم الأنبياء. وإذا كان أبوبكر لم يشأ أن يترك الساحة دون أن يتدخل تدخلاً إيجابياً في ضمان مستقبل الحكم بحجة الاحتياط وخوف الفتنة؟ وإذا كان الناس قد هرعوا إلى عمر حين ضرب قائلين: يا أمير المؤمنين لو عهدت عهداً، خوفاً من الفراغ الذي يخلفه الخليفة؟ بالرغم من التركز السياسي والاجتماعي الذي كانت الدعوة قد بلغته، أن يترك الرسول الساحة بغير خليفة مع علمه بدنو أجله واختلاف أمّته من بعده(1) .

وقد جاء عن الإمام علي في قوله لأبي بكر: «... يا أبا بكر، ألم تر لنا حقّاً في هذا الأمر؟ قال بلى، ولكن خشيت الفتنة، وقد قلّدت أمراً عظيماً...»(2) . ومن خطبة لأبي بكر قال فيها: «.... ألا وإنّي قد ولّيتكم ولست بخيركم. ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك أنّي خشيت فتنة...»(3) ولهذا قيل لأبي بكر: «ما حملك على أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمّر على اثنين؟ قال: لم أجد من ذلك بدّاً، خشيت على أمة محمد عليه الصلاة والسلام الفرقة»(4) إذن ألم يتنبه النبي (ص) لما تنبه إليه أبو بكر من هذه الفتنة؟ سبحان الله فإنّ الأمر لعجيب، وفي ذلك يقول الدكتور طه حسين: «... ولو قد قال المسلمون بعد وفاة النبي: إنّ عليّاً كان

_____________________

(1) محمد باقر الصدر: بحث حول الخلافة-ص20.

(2) البلاذري: أنساب الأشراف-ح1-ص582.

(3) المصدر السابق: ص590.

(4) السيوطي: تاريخ الخلفاء-ص71.

١٢٤

أقرب الناس إليه. وكان ربيبه، وكان خليفته على ودائعه، وكان أخاه بحكم تلك المؤاخاة، وكان ختنه وأبا عقبه، وكان صاحب لوائه، وكان خليفته في أهله، وكانت منزلته منه بمنزلة هارون من موسى بنصّ الحديث عن النبي نفسه، ولو قد قال المسلمون هذا كله واختاروا عليّاً بحكم هذا كله للخلافة لما أبعدوا ولا انحرفوا»(1) . ولكن قريشاً أبت ذلك وأرادت خلاف ما أراد الله ورسوله (ص).

هذه جملة من الأدلّة استقيناها من مصادر علماء أهل السنّة وجهابذة الحديث عندهم، ليرى الدكتور الموسوي ومن قال بمقالته أنّ وجود النصّ على خلافة علي بن أبي طالب ممّا لا يمكن إنكاره، والمنكر لذلك يجري عليه قوله سبحانه: «و جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا».

يقول الدكتور الموسوي في صفحة «14» «... و كانت أولى هذه الأمور في الانحراف الفكري ظهور الآراء القائلة بأنّ الخلافة بعد الرسول (ص) كانت في علي بالنصّ الإلهي...».

أقول : لما ثبت بالدليل القطعي على وجود النصّ الإلهي على خلافة علي بن أبي طالب كما تقدم ذلك عن علماء أهل السنّة ورواتهم، فالشيعة ملزمة، بحكم العقل والشرع، بتصديق ما ثبت عن صاحب الشريعة (ص)، لئلا يشاقوا الله ورسوله، وذلك في قوله تعالى:( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ

_____________________

(1) طه حسين: الفتنة الكبرى-عثمان-ص152.

١٢٥

غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) (1) . فمخالفة تلك النصوص الصريحة على وجود النصّ، معناه، مخالفة لله ولرسوله (ص)، ولهذا آمنت الشيعة بهذه النصوص لكي لا تنحرف عن الإسلام وما جاء به الرسول (ص)، كما انحرف الدكتور الموسوي عن تلك النصوص وطعن فيها. ولهذا يقال للدكتور: مَنْ المنحرف في فكره، الذي يؤمن بما جاء عن النبي (ص) عن الله، أم المخالف له (ص)؟ فإن قال بالأول، فقد خرج عن الإسلام وإن قال بالثاني، فيصدق عليه الانحراف عن الإسلام أيضاً. ومن هنا يجب على الدكتور أن يؤمن بوجود النصّ الإلهي على خلافة علي بن أبي طالب امتثالاً لرسول الله (ص)، حتى لا ينحرف عن الإسلام ويتبع غير سبيل المؤمنين، فالذي يؤمن بنبوّة محمد (ص)، يلزمه الإيمان بكل ما يصدر عنه، وإلّا لم يكن مؤمناً به (ص) ولا مصدّقاً بنبوّته.

يقول في صفحة «16» «... إنّ هؤلاء الرواة - سامحهم الله - أساؤوا للإمام علي وأهل بيته بصورة هي أشد وأنكى ممّا قالوه ورووه في الخلفاء والصحابة. وهكذا تشويه كل شيء يتصل بالرسول الكريم (ص)... وهنا تأخذني القشعريرة وتمتلكني الحيرة، وأتساءل: أليس هؤلاء الرواة من الشيعة ومحدّثيها قد أخذوا على عاتقهم هدم الإسلام تحت غطاء حبّهم لأهل البيت».

أقول : يظهر من كلام الدكتور الموسوي هذا، أنّ الغاية

_____________________

(1) سورة النساء: الآية 115.

١٢٦

الوحيدة من تأليف الكتاب، هي الطعن في علماء الشيعة ليبعد العامة عنهم، وهيهات هيهات من ذلك فهم نوّاب الأئمة صلوات الله عليهم، وحافظوا الشريعة، وملاذ الأمة، فهؤلاء الذين اقشعر منهم الدكتور وتملكته الحيرة فيهم، هم الذين أجازوه «شهادة الاجتهاد المزعومة». إنّ من يقف على تلك الكلمات التي ملأ منها كتابه سوف يرى أنّ هناك أياد خبيثة وراء هذا الكتاب تريد تفريق كلمة المسلمين، وأنّ المستفيد من ذلك هم أعداء الإسلام، ولهذا كان الدكتور الموسوي هو الوسيلة لإشباع رغبات هؤلاء، حتى أصبح طعمة سائغة يسيرونه حسبما يريدون وأنّى يشاؤون، لنشر هذه الأفكار التي ليس فيها من العلمية ولا الموضوعية سوى المفتريات التي ينسبها إلى الشيعة وعلمائهم. وإلّا فمن هم الرواة الذين أساؤوا للإمام علي وأهل بيته؟ أهم الذين رووا حديث الغدير وقد علمت أنّ هذا الحديث ممّا أجمع المسلمون على روايته، أم الذين رووا حديث الثقلين، الذي رواه جهابذة علماء أهل السنّة وحفّاظهم في صحاحهم ومسانيدهم، أم الذين رووا حديث المنزلة، الثابت عند جميع المسلمين، حتى عند أعداء أمير المومنين، أم حديث سفينة، أم غير ذلك من الأحاديث الناصّة على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟ والتي من أجلها حكم الدكتور عليهم بالإساءة إلى الإسلام، ولا ذنب لهم إلّا لأنّهم رووا أحاديث الرسول (ص) في أهل بيته (ص).

يقول في صفحة «19»:«و بعد كل ما ذكرناه ورويناه فقد يكون من الطبيعي أن يرى علي نفسه أولى بخلافة محمد (ص) من

١٢٧

غيره... كما أن من الطبيعي أيضاً أن نقرأ في قلب محمد (ص) ولسانه ما يدل على استخلاف علي بعد وفاته».

أقول : أي شيء ذكره الدكتور ورواه عن الثقات حتى يجعله دليلاً على ذلك، والذي يتصفح كتابه «الشيعة والتصحيح» يرى أنّه قد ملأه بالمفتريات على علماء الشيعة، وقد مرّ ذلك في قوله: وفي الصحاح عن رسول الله (ص) «تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وسنّتي...». مع أنّ هذا الحديث، لم يرو في الصحاح، ولم يعرف راوي هذا الحديث، ولم يكن بهذه الصياغة التي جاء بها الدكتور، بل أنّ الدكتور لم يرو رواية واحدة عن رسول الله (ص) تدل على فضل أو فضيلة لعلي بن أبي طالب. وعلى هذا يقال للدكتور الموسوي:

كيف يكون من الطبيعي أن يرى علي نفسه أولى بخلافة محمد (ص) من غيره؟ مع تأكيده لشرعية خلافة الخلفاء كما تقول في صفحة «19» تحت عنوان:

«الإمام علي يؤكّد شرعية بيعة الخلفاء»

فإذا كانت بيعة الخلفاء شرعية، فلماذا قال عنها الخليفة الأول أبو بكر أنّها فلتة؟ أي بلا مشورة، ومن أين علم الإمام علي أنّه أولى من غيره بالخلافة؟ وهو يؤكّد شرعية بيعة الخلفاء، وما المراد بالأولوية التي رآها الإمام علي لنفسه؟ وأنت يا دكتور رجل الفلسفة، هل المراد بالأولوية، الأولوية العقلية، أم الشرعية؟ فإذا

١٢٨

كان المراد من الأولوية، الأولوية العقلية يلزمه أن يكون الإمام علي هو خليفة رسول الله (ص) لأنّ العقل يحكم بأنّ وجود العلّة أولى من وجود المعلول، ووجودها متقدم على وجود معلولها، والوجود أولى من العدم، وهكذا، فالأولوية هنا متقدمة في الوجود أيضاً، فتثبت الخلافة لعلي عقلاً وخارجاً. هذا أولاً.

وأمّا ثانياً: فإنّ الخلافة، أي خلافة النبي (ص) أولى من عدمها، لأنّ في الخلافة حفظ الشريعة من الاندثار، وذلك بإجماع المسلمين، على أنّ الإمامة والخلافة بعد النبي (ص) من أهمّ الواجبات التي تتوقف عليها مصالح العباد والبلاد. فكيف يترك رسول الله (ص) هذه الأولوية التي حكم بها العقل الفطري، وأوجبها الضمير الإنساني؟ إلّا إذا قلنا، بأنّ النبي لم يدرك هذه الأولوية، وأدركها الخليفة الأول في تعيينه لعمر بن الخطاب وذلك خوف الفتنة.

وأمّا إذا قلنا بأنّ الأولوية هنا، هي الأولوية الشرعية، بمعني أنّ الشارع نصّ على أن تكون الخلافة لعلي، لأنّه أولى من غيره، وذلك بمقتضي قوله (ص): «أولست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه».

فأعطى رسول الله (ص) الأولوية الشرعية لعلي بن أبي طالب، فتثبت كذلك خلافته. وهذا ما أشار إليه الدكتور الموسوي من حيث يشعر أو لا يشعر وذلك في قوله: «كما أنّ من الطبيعي أيضاً أن نقرأ في قلب محمد (ص) ولسانه ما يدل على استخلاف علي بعد وفاته».

١٢٩

وأمّا إذا لم تكن الأولوية التي رآها الإمام علي، لا عقلية ولا شرعية، فقد حكم الدكتور الموسوي، على الإمام علي، بأنّه يرى ما ليس له فيه حقّ، بل هو من حقّ غيره، لثبوت شرعية بيعة الخلفاء. ولكن خفي على رجل الفلسفة والشريعة، أن شرعية بيعة الخلفاء شيء لا بدّ وأن يستند على بيان الشارع المقدّس، إلّا فلا تكون شرعية. والذي يدل على عدم شرعية بيعة الخلفاء، ما ينقله الذكتور نفسه في صفحة «41».

«ففي يوم الشورى عرض عبد الرحمن بن عوف على الإمام علي الخلافة بقوله:

«أبايعك على كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الشيخين».

فقال الإمام:

«كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأي».

فكرر عبد الرحمن بن عوف المقالة نفسها وكرر الإمام الإجابة نفسها إلى ثلاث مرات ثم إنحاز عبد الرحمن إلى عثمان وعرض عليه الخلافة بالصورة التي عرضها على الإمام فقبلها عثمان وتّمت البيعة له».

أقول : هذا ما يقوله الدكتور موسى الموسوي. فتارة يرى بأنّ خلافة الخلفاء شرعية، وأنّ الإمام عليّاً أكّد مشروعيّتها، وبايع الخلفاء، وأنّ الخليفة عمر بن الخطاب قوم الآمد، وداوى العمد، وأقام السنّة، إلى آخر ما نسبه إلى الإمام(1) ، ترى الإمام هنا يرفض

_____________________

(1) موسى الموسوي: الشيعة والتصحيح- ص39،28.

١٣٠

سيرة الشيخين أبي بكر وعمر ويؤكّد رفضه لها.

نقول للدكتور الموسوي: هل كانت سيرة الشيخين مخالفة لسيرة رسول الله وسنته، فرفضها الإمام علي (ع)؟ أم أنّها موافقة لسيرة الرسول (ص)، فإن قال بالأول، بطل قوله بأنّ خلافة الخلفاء شرعية، وأنّ الإمام بايع الخلفاء، فكيف يبايع من كانت سيرته مخالفة لسيرة النبي (ص)؟ وإن قال بالثاني، فكيف جاز للإمام أن يرفض سيرة الشيخين مع أنّها موافقة لسيرة النبي (ص)؟ ومن هنا نستشرف بأنّ العلّامة الدكتور الموسوي يكتب بغير قلمه، ويفكّر بغير عقله، ولهذا أصبحت أفكاره التصحيحية أفكاراً تخريبية.

وأما تعليله على شرعية بيعة الخلفاء في قوله صفحة «41»: «فإن كان هذا هو موقف الإمام من الخلفاء الراشدين وهو يصرّح بذلك، فهل نستطيع أن نقول أنّ الإمام كان يظهر شيئاً ويضمر شيئاً آخر؟». فتعليل باطل، فموقف الإمام من الخلفاء كان صريحاً، ولهذا رفض العمل بسيرة الشيخين عندما عرضت عليه الخلافة، لأنّ العمل بها يعني مخالفته لسنّة رسول الله (ص). والخلافة إنّما هي وسيلة لإقامة سنّة رسول (ص) لا مخالفتها. ومن هنا يبطل قول الدكتور كما في صفحة «35»: «بيعة الإمام مع الخلفاء والتأكيد على شرعية الخلفاء الراشدين».

وأمّا استشهاده ببعض أقوال نسبها إلى الإمام علي على مشروعية بيعة الخلفاء، نكتفي بالردّ على بطلانها ما جاء في كتاب

١٣١

الإمامة والسياسة لا بن قتيبة فهي خير دليل على موقف الإمام علي من الخلافة والخلفاء:

يقول الإمام علي في بعض خطبه: «... اللهم إنّي أستعين بك على قريش، فإنّهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي وفضلي واجتمعوا على منازعتي حقّاً كنت أولى به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: إصبر كمداً، وعش متأسفاً، فنظرت فإذا ليس معي رفاقة، ولا مساعد إلّا أهل بيتي، فضننت بهم على الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم طمعاً، وآلم للقلب من حز الحديد...»(1) .

وفي خطبة أخرى كما في الإمامة والسياسة أيضاً، جاء فيها: «... فقال عمر-للإمام علي-إنّك لست متروكاً حتى تبايع، فقال له علي: إحلب حلباً لك شطره... ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه...»(2) .

والذي يدل على عدم شرعية بيعة الخلفاء، ما جاء عن حفّاظ أهل السنّة الدالة على عدم شرعية بيعة الخليفة أبي بكر، فإذا بطلت شرعيتها، بطلت شرعية بيعة الخليفة الثاني والثالث، لأنّها متفرعة على مشروعية بيعة الخليفة الأول، فإذا بطل الأصل بطل الفرع، وإليك نبذة ممّا جاء في ذلك:

_____________________

(1) ابن قتيبة: الإمامة والسياسة-ح1-ص155-156.

(2) نفس المصدر: ح1ص 12،11.

١٣٢

أخرج البخاري في صحيحه في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، أنّ عمر بن الخطاب قال: «... ثم أنه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترنّ أمرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرّها...»(1) .

يقول ابن حجر الهيتمي: «روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما اللذين هما أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به أنّ عمر خطب الناس-بعد-مرجعه من الحج فقال في خطبته: قد بلغني أنّ فلاناً منكم يقول لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وإنّها كذلك إلّا أنّ الله وقى شرّها...»(2) .

وروى الشهرستاني في الملل والنحل عن عمر بن الخطاب قال: «كنت أزور في نفسي كلاماً في الطريق، فلما وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلم، فقال أبو بكر: مه يا عمر، فحمد الله وأثني عليه، وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنّه يخبر عن غيب، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت الفتنة، إلّا أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة «أي دون تدبّر وتمهّل»، وقى الله المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فأيّما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فإنّهما

_____________________

(1) صحيح البخاري: ح4-ص119. ط أولى-1332.

(2) ابن حجر الهيتمي: الصواعق المحرقة-ص8،7. ط 1375ه.

١٣٣

تغرة يجب أن يقتلا»(1) .

يقول الآمدي: «و الذي يدل على ذلك-أي عدم المشورة في بيعة أبي بكر-قول عمر: ألا إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» أي إنّ بيعة أبي بكر من غير مشورة، وقد وقى الله شرّها فلا تعود إلى مثلها»(2) . وفي الكامل لا بن الأثير مثله(3) .

وفي أنساب الأشراف للبلاذري: من خطبة خطبها أبو بكر قال فيها: «... ألا وإنّى قد وليتكم ولست بخيركم، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك أنّي خشيت فتنة»(4) . وفي ذلك يقول الدكتور طه حسين: «فأنت تعلم كيف بويع أبو بكر، وكيف رأى عمر أنّ بيعته كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها، وأنت تعلم أنّ عمر إنّما بويع بعهد من أبي بكر إليه وإلى المسلمين»(5) .

أقول : فإذا كانت بيعة أبي بكر فلتة ومن غير مشورة، وأنّ الله وقى شرّها، فكيف يمكن أن نتصوّر إجتماع شرعية بيعة الخلفاء ومنهم الخليفة الأول، وكون بيعة أبي بكر كانت فلتة وشرّاً على

_____________________

(1) الشهرستاني: الملل والنحل-ح1-ص24. تغرة: غرر بنفسه تغريراً، عرضها للهلاك.

(2) سيف الدين الآمدي: غاية المرام-ص368.

(3) ابن الأثير: الكامل-ح2-ص221.

(4) البلاذري: أنساب الأشراف-ص590.

(5) طه حسين: الفتنة الكبرى-علي وبنوه-ص6.

١٣٤

المسلمين، فإن قلنا بشرعية بيعة الخلفاء، فهي إذن خير محض، وإن قلنا أنّها كانت فلتة فهي شرّ محض، وهل يمكن إجتماع الخير والشر. اللهم إلّا في مذهب فيلسوفنا الدكتور الموسوي. وعلى هذا تبطل مشروعية بيعة الخلفاء وإن ما نسبه الإمام علي ما هو إلّا من المفتريات التي يربأ عنها الباحثون والمتصفون بالعلم منهم.

- لا فصل بين الأوامر الإلهية ورغبات النبي الشخصية -

يقول الدكتر الموسوي في صفحة «20» تحت عنوان: «الفصل بين الأوامر الإلهية ورغبات النبي الشخصية» ما نصّه:

«إن فصل هذين الجانبين في الشخصية المحمدية (ص) يساهم مساهمة كبيرة في إعطاء صورة واضحة عن الجانب الإلهي والشخصي في رسول الله (ص)، وإذا علمنا أنّ النبي الكريم كان يحاول جاهداً للتفريق بين الجانب الإلهي في أقواله وما يصدر عنه من أقوال وأعمال لا صلة لها بالسماء لعرفنا عظمة النبي (ص) وعظمة نفسه الكريمة. فالقرآن عندما يتحدّث عن النبي (ص) بهذه الآيات:

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿4﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) (1) . لا شك أنّه يقصد بذلك أنّه (ص) عند ما يقرأ القرآن ويبلغ المسلمين بالآيات الإلهية وبالأحكام المنزّلة عليهم إنّما ينطق بالوحي وبكلام الله المنزّل على قلبه....

_____________________

(1) سورة النجم: الآيات3-5.

١٣٥

ولكن القرآن الكريم حتى يبيّن الفرق الأساسي بين ما هو رغبة من رغبات النبي الخاصة وما هو أمر إلهي قد حسم الموقف بصورة واضحة وصريحة في آيات العتاب وآيات النهي عن أمور كان النبي (ص) يرغب الإتيان بها ولنقرأ معاً هذه الآيات:

1-( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) .

2-( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) (2) .

3-( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ﴿6﴾ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ) (3) .

إلى آخر الآيات التي استدلّ بها في التفرقة بين رغبات النبي (ص) الشخصية وبين ما هو أمر إلهي».

أقول : مع الاعتذار الشديد للدكتور الموسوي، إن من لم يعرف قواعد وأصول النحو، لا يعرف أيضاً قواعد وأصول البلاغة والبيان، فالذي لا يميّز بين الفاعل والمفعول، ولا يعرف أدوات الحصر والاستثناء المسبوق بالنفي، كيف أجاز لنفسه أن يفسّر آيات القرآن بالرأي والهوى؟ وكيف أجاز لنفسه أن يدّعي التصحيح؟ وهو لا يعرف مقام الرسول (ص)، ولا يفرّق بين الأوامر الإلهية

_____________________

(1) سورة المائدة: الآية 67.

(2) سورة الكهف: الآية 24.

(3) سورة الأعلى: الآيتان 7،6.

١٣٦

ورغبات النبي (ص). وهل يرغب النبي شيئاً هو خلاف ما يريده الله سبحانه؟ وهل رغبات النبي (ص) خارجة عن أحد الأحكام الخمسة؟ مع أنّ كلاً من أفعال المكلفين لا يخلو من أن يكون خاضعاً لأحد هذه الأحكام. وهل نسي الدكتور الموسوي أم أنّه من الجاهلين؟ أنّ السنّة قول النبي (ص) وفعله وتقريره، فرغبات النبي (ص) هل هي من السنّة أم من البدعة؟ ولا شكّ أنّ السنّة من أهم مصادر التشريع الإسلامي، فالمنكر للسنّة منكر لما جاء به الإسلام، فيكون خارجاً عنه كافراً به، أو أنّ رغبات النبي من البدعة، نعوذ بالله من شطحات العقول. وعلى هذا يقال للدكتور:

كيف نميّز بين رغبات النبي (ص) الشخصية والأحكام الإلهية؟ والقرآن الكريم يأمرنا بأن نأخذ بكل ما أمرنا به (ص) وذلك في قوله تعالى: «ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». فالآية هنا مطلقة، بمعنى أنّه لا شيء ممّا يأتينا به الرسول (ص) إلّا وهو من الله، وكل شيء أتى به الرسول (ص) يجب العمل به على وفق الأحكام الخمسة من الوجوب، والندب، والحرمة والكراهة، والإباحة وعلى هذا لا يمكن أن نفصل بين رغبات الرسول (ص) والأحكام الإلهية. فكل ما أتى به الرسول (ص) فهو من الأحكام الإلهية.

والغريب من الدكتور الموسوي، بعد أن ذهب إلى هذه التفرقة، نجده يقول في صفحة «27»: «و هكذا تظهر عظمة رسول الله (ص) بكل قداستها وجلالها حيث لا يريد لأمّته ومجتمعه

١٣٧

إلا ما يريده الله لهم». فأي تناقض أعظم من ذلك فهو تارة يدّعي أنّ هناك فرقاً بين رغبات الرسول وما هو من الأوامر الإلهية، وتارة، أنّ النبي لا يريد إلّا ما يريده الله. ولهذا يقول كما في صفحة «28»: «و إذا كان الرسول (ص) يرغب رغبة شخصية أن يكون عليّاً-هكذا مكتوبة بالنصب والصحيح بالرفع-خليفة من بعده كما تدلّ على ذلك الأحاديث التي رواها الفريقان بأسانيدهما الصحيحة، لكنّه لم يرغم أمّته على قبول ذلك الخليفة».

أقول : إنّ رغبة الرسول (ص) الشخصية في أن يكون علي خليفة من بعده، لا تخلو، إمّا أن تكون هذه الرغبة، موافقة لما يريده الله سبحانه، أو لا، فإن قال بالأول، فقد ثبت النصّ الإلهي، وأنّه لا فرق بين رغبات الرسول والأوامر الإلهية، وذلك بمقتضي قول الدكتور أنّ النبي لا يريد لأمّته إلّا ما يريده الله لهم، فالله سبحانه أراد لهم أن يكون الإمام علي هو الخليفة الشرعي-و إن قال بالثاني، أي أنّ رغبة النبي (ص) الشخصية ليست من الأوامر الإلهية، بل قد لا يريدها الله، فقد ناقض قوله، وبطل استدلاله القائم على الهوى من دون دليل ولا برهان.

أمّا قوله: «لكنه لم يرغم أمّته على قبول ذلك الخليفة» فهو حقّ، فإنّ القرآن لم يرغم الناس على الإيمان برسالة محمد (ص) ولذا فرض الجزية على من لم يدخل في دين الإسلام، ولهذا جاء في قوله تعالى: «... لكم دينكم ولي دين». فدعوة الرسول ليس فيها إرغام، وإنّما هي قائمة على الإقناع العقلي بالنسبة لغير المسلمين، أمّا بالنسبة لمن آمن به، فيكفي في ذلك بيان ما يريده

١٣٨

النبي (ص) من أمّته، وعلى الأمّة الامتثال والإذعان له وعدم مخالفته، وهذا ما تدلّ عليه الأحاديث التي رواها الفريقان بأسانيد صحيحة كما يقول، وكما تقدمت جملة منها.

وأمّا استشهاد الدكتور بقوله تعالى: «و ما ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحي يوحى». فهو دليل على أنّ كل ما ينطق به الرسول (ص) وما يقوله، فهو وحي من الله، وذلك بمقتضي النفي والإثبات، بالإضافة إلى قوله تعالى: «و لو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين». فلو كانت رغبة النبي (ص) مخالفة لما يريده الله سبحانه، فتكون تقوّلاً على الله، ومن هنا يثبت النصّ على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالبرهان التالي:

خلافة الإمام علي يرغبها رسول الله

وكلما يرغبه رسول الله يريده الله.

فالنتيجة

خلافة الإمام علي يريدها الله سبحانه.

أمّا دليل الصغرى، فهو قول الدكتور الموسوي: «الرسول يرغب رغبة شخصية أن يكون علي خليفته».

وأمّا دليل الكبرى، قوله: أن النبي (ص) «لا يريد لأمّته ومجتمعه إلّا ما يريده الله لهم».

فالنتيجة تكون صحيحة، لصحة المقدمات عند الدكتور، وهذا قياس من الشكل الأول، يلزم الدكتور الإيمان به وبنتيجته.

١٣٩

من العرض المتقدم، والروايات التي ذكرناها، والتي تنصّ على خلافة الإمام علي (ع) وأنّ الخلافة لا تكون إلّا بالنصّ الإلهي يظهر بطلان ما يقوله الدكتور الموسوي في صفحة «32»: «و بعد كل هذا ونحن نؤدّي رسالة التصحيح في هذا الكتاب، بعيدة عن الأهواء والعصبيات وتقاليد الآباء والأمهات، إنّها رسالة موّجهة إلى الطبقة المثقفة وأصحاب الأفكار الحرّة من أبناء الشيعة الذين عليهم عقدت الآمال في السير وراء التصحيح. ولذلك أرى أن أعرج على البند الثاني وهو قول الإمام علي في الخلافة لنرى بوضوح كيف أنّ الإمام كان يقول بصراحة أنّه لا نصّ هناك من الله في الخلافة».

وقد استدلّ الدكتور الموسوي ببعض ما جاء عن الإمام علي من أقوال في الخلافة والتي لا تنهض دليلاً على مدّعاه استقاها من نهج البلاغة منها ما في صفحة «33»:

يقول الإمام عليّاً: «هكذا نصب كلمة علي مع أنّها مرفوعة لأنّها بدل عن كلمة الإمام». «دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل... إلى آخر الخطبة.

أقول : من تدبّر هذه الخطبة لوجد أنّ الإمام عليّاً بعد أن أبعد عن الخلافة مدّة الخلفاء الثلاثة، أراد أن يلقي عليهم الحجة، لأنّهم أبعدوه عن حقّ كان له وهذا ما ينقله الدكتور نفسه في نفس الصفحة عن الإمام علي، والذي يعتبره دليلا على إنكار الإمام للنصّ، فهو يقول:

١٤٠