مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح0%

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 354

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علاء الدين السيد امير محمد القزويني
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 354
المشاهدات: 53028
تحميل: 2884

توضيحات:

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53028 / تحميل: 2884
الحجم الحجم الحجم
مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأمّا مشروعية الخمس، فبالإضافة إلى قوله تعالى: «أنّما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى...»، ما أخرجه البخاري في صحيحه في باب أداء الخمس من الإيمان عندما سئل النبي (ص) فقال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس...»(1) وهذا دليل على أنّ المغنم لم يكن خاصّاً بغنائم الحرب، لأنّ السؤال كان من وفد عبد القيس، لما أتوا النبي (ص) فقالوا: يا رسول الله، إنّا لا نستطيع أن نأتيك إلّا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحيّ من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل... إلى آخر الحديث(2) .

وفي صحيح سنن الدارمي عن ابن عباس: «... قال: - أي النبي - أتدرون ما الإيمان بالله، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم»(3) .

يقول السيوطي: «و الصواب من القول في ذلك عندنا: أنّ سهم رسول الله (ص) مردود في الخمس، والخمس مقسوم على

_____________________

(1) صحيح البخاري: ح-1-ص13-ط1332ه.

(2) نفس المصدر: ص13.

(3) سنن الدارمي: ح2-ص269.

٢٠١

أربعة أسهم على ما روي عن ابن عباس،للقرابة سهم، ولليتامي سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، لأنّ الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين، وقد أجمعوا أنّ حقّ الأربعة الأخماس لن يستحقّه غيرهم، فكذلك حقّ أهل الخمس»(1) . وعن مجاهد قال: قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة»(2) .

هذا ما أخرجه حفّاظ أهل السنّة في وجوب إخراج الخمس من المغانم التي تشمل أرباح المكاسب، وأنّ الخمس فريضة فرضها الله سبحانه بدل الصدقة، وهي من حقّ الله ورسوله وذوي قرباه. ومن هنا يبطل قول الدكتور كما في صفحة «66»: «إنّ تفسير الغنيمة بالأرباح من الأمور التي لا نجدها إلّا عند فقهاء الشيعة».

وممّا يدل على عدم معرفة الدكتور الموسوي بمشروعية الخمس في أرباح المكاسب، وأنّه يضرب أخماساً بأسداس، وأنّه يفتري على علماء الشيعة، قوله في صفحة «67» وهذا نصّه:

«و كما قلنا قبل قليل إنّ هذه البدعة ظهرت في المجتمع الشيعي في أواخر القرن الخامس الهجري، فمنذ الغيبة الكبرى إلى أواخر القرن الخامس لا نجد في الكتب الفقهية الشيعية باباً للخمس أو إشارة إلى شمول الخمس في الغنائم والأرباح معاً. وهذا هو

_____________________

(1) السيوطي: الدر المنثور-ح10-ص8. وانظر ح3-ص185.

(2) نفس المصدر: ح10-ص5.

٢٠٢

محمد بن الحسن الطوسي من أكابر فقهاء الشيعة في أوائل القرن الخامس ويعتبر مؤسس الحوزة الدينية في النجف، لم يذكر في كتبه الفقهية المعروفة شيئاً عن هذا الموضوع مع أنّه لم يترك صغيرة أو كبيرة من المسائل الفقهية إلّا وذكرها في تآليفه».

أقول : إنّ من يقرأ هذه الكلمات يجد أنّ الدكتور الموسوي، إمّا أن يكون جاهلاً بمؤلفات فقهاء الشيعة التي تناولت فريضة الخمس بالبحث والتدقيق قبل وجود الشيخ الطوسي بفترة غير قصيرة، بل منذ عصر الأئمة صلوات الله عليهم، وإمّا أن يكون مفترياً عليهم باخساً حقّهم، وهذا هو شأنه في كتابه الشيعة والتصحيح، الذي ليس فيه من الأمانة العلمية ولا قلامة ظفر. ونحن نذكر ما جاء عن فقهاء الشيعة في القرن الرابع للهجرة عن فريضة الخمس، وأنّها تشمل أرباح المكاسب، ثم نعرج إلى ما جاء عن الشيخ الطوسي، الذي أنكر الدكتور الموسوي تعرّضه لهذه الفريضة الإسلامية، وأنّه لم يذكر في كتبه الفقهية المعروفة شيئاً عن هذا الموضوع، وهذا هو عين الافتراء على شيخ الطائفة، وليس بعيداً ولا غريباً من الدكتور ذلك، وهو لم يترك عالماً ولا فقيهاً من فقهاء الشيعة إلّا وطعن فيه واتّهمه بالابتداع في الدين والخروج عن ملّة المسلمين.

يقول الشيخ المفيد المتوفى سنة «413» وهو من مشايخ السيد المرتضى والشيخ الطوسي في باب الخمس والغنائم من كتاب المقنعة هذا نصّه:

٢٠٣

«باب الخمس والغنائم»، والخمس واجب في كل مغنم، قال الله عزّ وجل: واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى... الآية. والغنائم كلما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والثياب والرقيق وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر، وكلما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصار»(1) .

يقول الشيخ الطوسي في شرحه للمقنعة في باب الخمس والغنائم بعد أن ذكر الروايات الدالة على وجوب إخراج الخمس من الأصناف التي يتعلق بها: «و عنه-أي محمد بن علي-عن محمد بن الحسين بن عبد الله بن القاسم الحضرمي عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه‌السلام ): «على كل امرىء غنم أو اكتسب، الخمس... حتى الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منها دانق...»(2) .

وفي رواية أخرى كما في شرح المقنعة للشيخ الطوسي أيضاً: «أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه‌السلام ) عن الملاحة؟ فقال: وما الملاحة، فقال: أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً، فقال: هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: والكبريت والنفط

_____________________

(1) الشيخ المفيد: المقنعة-ص45.

(2) الشيخ الطوسي: شرح المقنعة-ح4-ص122.

٢٠٤

يخرج من الأرض؟ قال: فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس»(1) .

وفي رواية: «سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه‌السلام )، أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه؟ الخمس بعد المؤنة»(2) .

وعن علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك ذلك، فقال لي بعضهم:و أي شيء حقّه، فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شيء: فقال: في أمتعتهم وضياعهم، قال: والتاجر عليه والصانع بيده، فقال: ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم»(3) .

وروى الشيخ الطوسي أيضاً عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) قال: «إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال: أخرج الخمس من ذلك المال فإنّ الله تعالى قد رضي من المال بالخمس...»(4) .

_____________________

(1) نفس المصدر: ص122.

(2) نفس المصدر: ص123.

(3) نفس المصدر: ص123.

(4) نفس المصدر: ص124.

٢٠٥

هذا ما أخرجه الشيخ الطوسي في باب الخمس والغنائم، والذي أنكر الدكتور الموسوي، أن يكون هناك من تعرّض لهذا الموضوع حتى شيخ الطائفة، وقد علمنا أنّ فقهاء الشيعة قد تناولوا هذا الموضوع بالبحث منذ عصر الأئمة (عليهم‌السلام ) حتى يومنا هذا، وإليك ما يقوله الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي:

«كتاب الخمس» الذي جعله الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله وذرّيته عوضاً عن الزكاة... إكراماً لهم، ومن منع منه درهماً كان من الظالمين والغاصبين لحقّهم، فعن مولانا الصادق (ع): إنّ الله لا إله إلّا هو حيث حرّم علينا الصدقة أبدالنا بها الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال»(1) .

ويقول أيضاً: «الخامس: ما يفضل عن مؤمنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات وسائر التكسبات...»(2) .

هذا ما يقوله السيد أبو الحسن الموسوي قدّس سره، والذي ينتسب إليه الدكتور، حيث حكم على جدّه بالابتداع في الدين، كما حكم على جميع فقهاء الشيعة بذلك، ومنهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، الذي منح الدكتور الموسوي شهادة الاجتهاد، فقد جاء عن الشيخ رحمه الله في باب الخمس قوله:

_____________________

(1) أبو الحسن الموسوي: وسيلة النجاة-ح1-ص206-207.

(2) نفس المصدر: ص210.

٢٠٦

«الخمس: ويجب عندنا في سبعة أشياء: غنائم دار الحرب، الغوص، الكنز، المعدن أرباح المكاسب، الحلال المختلط بالحرام... والأصل فيه قوله تعالى: «و اعلموا أنّما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى» والخمس عندنا حقّ فرضه الله لآل محمد صلوات الله عليه وعليهم... و يقسم ستة سهام، ثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى، وهذه السهام يجب دفعها إلى الإمام إن كان ظاهراً، وإلى نائبه و«هو المجتهد العادل» إن كان غائباً، يدفع إلى نائبه في حفظ الشريعة وسدانة الملّة، ويعرفه على مهمات الدين، ومساعدة الضعفاء والمساكين لا كما قال محمود الآلوسي في تفسيره مستهزئاً: «ينبغي أن توضع هذه السهام في مثل هذه الأيام في السرداب»(1) . وتبعه في ذلك الدكتور الموسوي.

«هذا وقد ذكر الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلّام المتوفي سنة 224 ه في كتابه «كتاب الأموال» الذي هو من جلائل الكتب ونفائس الآثار، ذكر كتاب الخمس مفصّلاً، والأصناف التي يجب الخمس فيها، ومصرفه وسائر أحكامه، وأكثر ما ذكره موافق لما هو المشهور عند الإمامية»(2) .

هذا هو الجناح الأول الذي كسره الدكتور الموسوي، وهو جناح الخمس، وأمّا اتهامه لبعض فقهاء الشيعة بأنّهم يأخذون هذه الأموال زوراً وبطلاناً من الناس، لأنّها غير شرعية لا يجوز التصرّف

_____________________

(1) محمد حسين آل كاشف الغطاء: أصل الشيعة-ص76.

(2) نفس المصدر: ص97. نقلاً عن كتاب الأموال لابن سلام-ص303 إلى ص349.

٢٠٧

فيها، فهو افتراء باطل، ففقهاء الشيعة أعلى كعبا من أن يمدّوا أيديهم لحطام الدنيا بعد أن ثبتت عدالتهم واجتهادهم اللهم إلّا أن يثبت عدم عدالة بعضهم، فيخرج ذلك البعض عن كونهم من فقهاء الشيعة، لأنّ من شروط المرجعية عند الشيعة والتي يدفع لها هذه الحقوق، الاجتهاد والعدالة، فإذا انتفت العدالة لا سمح الله، مع ثبوت الاجتهاد، فلا يجوز دفع أي حقّ له، سواء أكان خمساً، أو غيره. ولكن الدكتور يحاول أن يلبس الحقّ بالباطل لكي ينتقص من فقهاء الشيعة.

وأمّا الجناح الثاني، كما يقول، فهو بدعة ولاية الفقيه، أو الحكومة الإسلامية، وها نحن نشير إلى ذلك بشيء من الاختصار، ليرى الدكتور الموسوي ومن لفّ لفّه، أن الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، هو القول بولاية الفقيه الجامع لشرطي العدالة والعلم بالقانون الإلهي ليطبقه على واقع الحياة العلمية والفكرية، ولا شكّ عند العقلاء، أنّ الحاكم الجامع لهذين الشرطين، العدالة والاجتهاد، أحقّ من غيره في سياسة الأمّة وإدارة شؤونها، وتطبيق أحكام الله سبحانه، اللهم إلّا عند من لم يرد تطبيق الشريعة الإسلامية، أمثال الدكتور الموسوي، وإعطاء حقّ الولاية وسياسة الناس لكل من هبّ ودبّ وإن كان مجرماً قاتلاً، أو جاهلاً ظالماً، لتعطيل حدود الله سبحانه.

ولاية الفقيه:

قبل أن نتناول ولاية الفقيه، أو الحكومة الإسلامية،

٢٠٨

بالبحث، نشير إلى ما ورد على لسان الدكتور موسى الموسوي في كتابه «الشيعة والتصحيح» لنرى جهالة هذا الرجل، وعدم معرفته بأبسط القضايا الفقهية والكلامية، والقانونية، بالمصطلح الحديث، فهو يقول في صفحة «69» وما بعدها:

«ولاية الفقيه هي الجناح أو البدعة الثانية التي أضيفت إلى سلطة الذين يدّعون أنّهم نوّاب الإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى، وهذه الفكرة بالمعنى الدقيق فكرة حلولية دخلت الفكر الإسلامي من الفكر المسيحي القائل إنّ الله تجسّد في المسيح، والمسيح تجسّد في الحبر الأعظم...» إلى آخر مفترياته، بل خرافاته.

أقول : إنّ الدكتور الموسوي لا يدري ما يقول، فأي تلازم بين أن يقال: فلان نائب عن فلان في تصريف شؤونه، وبين حلوله فيه، حتى تكون هذه الفكرة بالمعنى الدقيق، كما يقول، فكرة حلولية. وعلى هذا فالدكتور حكم على جميع الفرق الإسلامية بالحلولية، لأنّها قالت بالنيابة والخلافة عن رسول الله (ص)، فهذا هو الخليفة الأول، يطلق عليه، خليفة رسول الله، فعلى رأي الدكتور أنّ رسول الله (ص) حلّ في أبي بكر، لأنّه خلفه في سياسة الأمّة ورعاية شؤونها، كما أنّ الخليفة الثاني أطلق عليه خليفة خليفة رسول الله، فاللازم أن يكون أبو بكر قد حلّ وتجسّد في الخليفة الثاني، وهكذا بالنسبة إلى الخلفاء الأمويين والعباسيين، حيث أنّ السابق تجسّد في اللاحق لأنّه خلفه، أو أناب عنه في سفره أو رحيله، فأي عاقل يقول بهذا سوى الدكتور الموسوي، فإذا كان

٢٠٩

هذا هو معنى الحلول والتجسيد، فالأمة الإسلامية كلها حلولية ومجسّدة، لأنّها تؤمن بالنياية. يقول ابن خلدون: «... وإذا نظرت سرّ الله في الخلافة لم تعد هذا لأنّه سبحانه إنّما جعل الخليفة نائباً عنه في القيام بأمور عباده...»(1) . فعلى رأي الدكتور أنّ الله حلّ في الخليفة، بالإضافة إلى ذلك، فقد ينوب شخص عن شخص في تصريف شؤونه، أو أنّ يكون وصيّاً له بعد وفاته، أو وكيلاً عنه في حياته، ولا شكّ أنّ كل ذلك حكم به الشرع وجاء به الأثر عن النبي (ص) عند جميع المسلمين، ولكن الدكتور حكم عليهم بالحلولية التي دخلت في الفكر الإسلامي من المسيحية، نعوذ بالله من شطحات المنحرفين عن دين الله وسنّة نبيّه (ص).

ولا نريد أن نطيل الكلام في بيان جهالة الدكتور الموسوي، ولكن نشير إلى استدلاله على بطلان ولاية الفقيه، وما في هذا الاستدلال من تهافت، فمن لا يعرف أبسط قواعد النحو، فكيف أجاز لنفسه أن يفسّر الآيات القرآنية بالرأي والهوى، وقديماً قال رسول الله (ص) « من فسّر القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار». فالدكتور يقول في صفحة «73»:

«و أعود الآن إلى البحث في ولاية الفقيه من الناحية النظرية والعملية معاً، فأساس النظرية لدى فقهاء الشيعة يرتكز على الآية الكريمة:

_____________________

(1) ابن خلدون: المقدمة-ص196.

٢١٠

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (1)

ويقول علماء الشيعة أن المقصود من أولي الأمر في الآية الكريمة إنما هو الخليفة أو الإمام الشرعي الذي هو الإمام علي ومن بعده أولاده حتى الإمام المهدي، وفي غيبة الإمام المهدي تكون الولاية للفقهاء المجتهدين الذين يحلّون محلّ الإمام وهم النوّاب العامّون.

وخطأ هذا التفسير أوضح من وضوح الشمس، فقبل كل شيء تصطدم نظرية ولاية الفقيه بنصّ صريح جاء في القرآن الكريم وضّح صلاحية الفقهاء وبعبارة واضحة وصريحة، ومن دواعي الأسف والحزن أن كل أولئك الذين أسهبوا في بطلان نظرية الفقيه لم يذكروا هذه النقطة الجوهرية التي تدحض فكرة ولاية الفقيه من أساسها وتنسفها نسفاً أبدياً حتى قيام الساعة. فالآية الكريمة التي تفند ولاية الفقيه وتنصّ على مقدار صلاحية هي:

( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (2) .

فالآية صريحة أنّ واجب الفقيه هو التبليغ والإرشاد في شؤون الدين وليست في الآية إشارة إلى وجوب إطاعة الفقيه أو ولايته. فليت شعري كيف خفيت هذه الآية الكريمة على العلماء والباحثين،

_____________________

(1) سورة الأنفال: الآية 59.

(2) سورة التوبة: الآية 122.

٢١١

ونحن معاشر الشيعة كسائر المسلمين نجمع إجماعاً عامّاً على أنّه لا اجتهاد أمام النصّ.

إذن فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نصّ الكتاب ومن يعارض النصّ الإلهي يعتبر خارجاً عن الإسلام».

أقول : أمّا قوله: «و يقول علماء الشيعة أنّ المقصود من أولي الأمر في الآية الكريمة إنّما هو الخليفة أو الإمام الشرعي...». فهو قول من يجهل آراء الفرق الإسلامية في مفهوم الإمامة والخلافة. فالإمامة والخلافة لفظتان مترادفتان يراد بهما من يتولى أمور المسلمين. يقول ابن حزم الأندلسي: «فلا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمة إلّا على المتولي لأمور أهل الإسلام»(1) . وعلى هذا، فإنّ المقصود من ولي الأمر في الآية الكريمة هو الخليفة أو الإمام بإجماع الفرق الإسلامية، كما وأجمعوا أيضاً على وجوب الانقياد له في أمور الدين والدنيا. يقول ابن حزم:

«اتّفق جميع أهل السنّة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وإن الأمّة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله (ص) حاشا النجدات من الخوارج فإنّهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة...»(2) .

_____________________

(1) ابن حزم: الفصل في الملل-ح4-ص90.

(2) نفس المصدر:ص87.

٢١٢

وهذا المعنى لا ينطبق على الحاكم أو الإمام إلّا بالمفهوم الشيعي، لأنّ من شروط الإمام أو الخليفة، العدالة وإقامة حكم الله، وسياسة الأمّة بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله (ص). وهذا لا ينطبق إلّا على الإمام المعصوم، أو الحاكم الجامع لشرطي العدالة والاجتهاد، لأنّ المجتهد وحده هو العارف بأحكام الشريعة، وبالتالي يكون هو النائب الفعلي والمباشر في إقامة أحكام الدين وسياسة المسلمين، ومن هنا تثبت ولاية الفقيه التي نفاها الدكتور الموسوي جهلاً منه بمفهوم الخلافة أو الإمامة. نعم وقع الخلاف بين الفرق الإسلامية، أنّ الخليفة الفعلي بعد الرسول (ص)، هل يكون بالنصّ والتعيين، أو بالاختيار، إلى الأول ذهبت الشيعة وبعض المعتزلة، وإلى الثاني ذهب أهل السنّة والجماعة. ولكن مبدأ الاختيار لا يصار إليه مع وجود شرطي العدالة ومعرفة أحكام الشريعة. وهذان الشرطان لا يمكن تحققهما إلّا بالمفهوم الشيعي، وهو ولاية الفقيه.

وأمّا قوله: «و من دواعي الأسف والحزن... الخ». فمن دواعي الأسف والحزن أن يزج الدكتور الموسوي نفسه فيما لا يعرف، فمن لا يعرف أبسط قواعد النحو واللغة كما قلنا، كيف أجاز لنفسه أن يفسّر كتاب الله لكي يدحض بها فكرة ولاية الفقيه وينسفها نسفاً أبديّاً؟ وكيف استنبط من الآية المتقدمة، أنّ واجبات الفقيه هي التبليغ والإرشاد في شؤون الدين، وأنّ الآية الكريمة ليس فيها إشارة إلى وجوب إطاعة الفقيه أو ولايته؟ وكيف حكم على علماء الشيعة والباحثين منهم خفاء هذه الآية، ولم تخف على

٢١٣

الدكتور؟ وكيف فهم من لا فهم له، أنّه لا اجتهاد أمام النصّ؟ فلو أنّ الآية الكريمة كانت نصّاً صريحاً كما يدّعي، لما اختلفوا في مفهومها، مع أنّ مفهوم آية النفر من الأدلة القويّة التي يستدل بها على وجوب إطاعة الفقيه. وإليك أيها القارئ الكريم معنى الآية الكريمة، لترى جهالة الدكتور الموسوي، ومدى تحامله على الإسلام والمسلمين:

أمّا الآية الكريمة فيراد منها: أن النفر لما كان واجباً بمقتضى كلمة «لولا» في قوله تعالى: «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة....». وجب إذن الإنذار، بمقتضى قوله تعالى: «و لينذروا قومهم...». فوجوب الإنذار غاية للنفر الواجب، فإذا وجب الإنذار وجب القبول، وإلّا ألغي الإنذار، لأنّ القبول من الفقيه الذي أنذر قومه مترتّب على وجوب الإنذار، وإلّا فلا فائدة مرجوة من الإنذار إذا لم يترتّب عليه القبول، ولهذا فالإنذار لما كان واجباً لترتبه على وجوب النفر والتفقّه في الدين، كان الواجب على الأمّة معرفة المنذر لكي تأخذ دينها منه ليهتدوا إلى الحقّ الواقعي، وذلك بمقتضى تبليغه ووجوب الأخذ منه، وهذا هو معنى ولاية الفقيه أو الحاكم.

وبعبارة أخرى، أن الله سبحانه أوجب النفر على الأمة بالوجوب الكفائي، لأجل التفقه في الدين ومعرفة أحكامه، وذلك لأجل الإنذار، أي أن التفقّه لما كان واجباً، وجب على الفقيه أن ينذر قومه، ولما كان الإنذار واجباً، يلزمه وجوب القبول من المنذر

٢١٤

وهو الفقيه لكي يكون على بيّنة من أمره،و وجوب القبول من الفقيه، معناه وجوب الانقياد له في أمور الدين والدنيا، وهذا هو معنى ولاية الفقيه أو الحاكم الشرعي.

وممّا يدل وجوب الأخذ والانقياد للفقيه الجامع لشرطي العدالة والاجتهاد، قوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون». بناء على أن وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب، وإلّا ألغي وجوب السؤال، وإذا وجب قبول الجواب، وجب قبول كلما يصح أن يسأل عنه ويقع جواباً له(1) .

ومن أغرب ما يقوله الدكتور الموسوي في صفحة «75»: «أمّا إذا كانت ولاية الفقيه منصباً سياسياً فلماذا ربط بالدين وبالمذهب وظهر في مظهر الفقيه ووجوب الإطاعة لصاحبه؟...».

أقول : هذا هو مبلغ فهم رجل الفلسفة والشريعة، وإدراكه لحقيقة الإسلام وقد غاب عن ذهنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». فإذا كان كل مسلم من حقّه رعاية شؤون الآخرين، فما بالك بمن يجمع بين العدالة والاجتهاد، أليس من حقّه سياسة شؤون الأمّة؟ ومن أجاز للدكتور أن يفصل بين أمور الدين والدنيا حتى يبعد السياسة عن دائرة الإسلام والمسلمين؟ إنّ فكرة فصل الدين عن السياسة فكرة جاء بها

_____________________

(1) انظر الشيخ الأنصاري: فرائد الأصول-ص80-81-ط1374ه.

٢١٥

أعداء الإسلام لتقويض معالمه والسيطرة على حرماته، وقد تبنى هذه الفكرة الدكتور الموسوي.

وأما بقية كلامه عن ولاية الفقيه، فلا جدوى من مناقشته، وذلك لعدم اعتماده على المنطق العقلي المستند إلى دليل، وإنّما هو مجرّد سفسطة لا يتّصف بالعلمية ولا الموضوعية، وها نحن نتناول الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه بشيء من الاختصار ففيه الكفاية لمن يريد معرفة حقيقة الدكتور الموسوي، وما يحمله من أفكار.

الحكومة الإسلامية: أو ولاية الفقيه:

لا شكّ أنّ الحكومة الإسلامية في عصر صاحب الرسالة صلوات الله عليه، منوطة به، بلا خلاف، فهو (ص) المتصرف في شؤون الأمة وقيادتها من الناحيتين الدينية والدنيوية، أي من الناحية العبادية التي تتعلق بأمور الآخرة، ومن الناحية السياسية التي تتعلق بأمور الدنيا. وهذه الصلاحية انتقلت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمقتضى النصوص الصريحة المتّفق عليها عند جميع المسلمين، كما مرّت الإشارة إليها، ومن بعده إلى الأئمة المنصوص عليهم بنصوص رواها الفريقان، وبعد حصول الغيبة الكبرى، فإنّ الحكومة الإسلامية عند الشيعة من اختصاص الفقهاء المجتهدين، لأنّهم هم الحافظون للشريعة من أن تتلاعب بها الأهواء، بشرط العدالة، وهذا ما نصّت عليه الأدلة من الفريقين أهل السنّة والشيعة.

٢١٦

يقول ابن خلدون: «... و إذا نظرت سرّ الله في الخلافة لم تعد هذا، لأنّه سبحانه إنّما جعل الخليفة نائباً عنه في القيام بأمور عباده، ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم، وهو مخاطب بذلك، ولا يخاطب بالأمر إلّا من له القدرة عليه...»(1) .

هذا ما يقوله ابن خلدون، حيث ذهب إلى أنّ الخلافة سرّ من أسرار الله سبحانه، فالخليفة نائب عن الله في القيام بأمور العباد، وحملهم على ما فيه صلاحهم، وردعهم عمّا فيه فسادهم ومضارهم، والقائم بذلك لا بدّ وأن يكون له الاستعداد والقدرة على تفهّم الأوامر التي يخاطب بها، وهذا لا يكون إلّا للفقيه الحائز على درجة الاجتهاد والعدالة لكي يكون أميناً على ما ائتمن عليه، وحينئذٍ تثبت ولاية الفقيه. ولهذا ورد عن النبي (ص) أنّه قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب كان له أجران، فإن اجتهد فأخطأ كان له أجر». رواه البيهقي عن أبي هريرة(2) .

فالحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي، ولهذا جعلت لأجل إجراء هذا القانون وبسط العدالة الإلهية بين الناس، ومن هنا كانت ولاية الفقيه هي امتداد لولاية النبي (ص) والإمام (عليه‌السلام ). ومبدأ الولاية عند المسلمين هو الله سبحانه خالق كل شيء، وهو المولى الحقيقي، والناس عباد له يجب عليهم

_____________________

(1) ابن خلدون: المقدمة-ص196.

(2) البيهقي: الاعتقاد على مذهب السلف-ص134.

٢١٧

الانقياد لأوامره والانتهاء عن نواهيه. وقد أعطى الله تبارك وتعالى في رأي المسلمين-ولاية الناس بيد النبي (ص)، فقال تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (1) . ثم انتقلت الولاية في رأي الشيعة بعد النبي (ص) إلى أوصيائه وخلفائه (عليهم‌السلام ) المنصوص عليهم تباعاً، بمقتضى الأدلة المتقدمة، وبما أنّ حكومة الإسلام هي حكومة القانون الإلهي، فالفقيه هو المتصدي لأمر الحكومة لا غير، فهو ينهض بكل ما نهض به الرسول (ص) لا يزيد ولا ينقص شيئاً سوى ما أخرجه الدليل، فعليه إقامة الحدود، كما كان يقيمها الرسول، ويحكم بما أنزل الله، ويجمع الحقوق المتعلقة بأموال الناس كما كان يمارس على عهد الرسول (ص)، وينظّم بيت المال، ويكون مؤتمناً عليه. فالمجتهد الجامع للشرائط ليس مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصّاته، لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلّا بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلّا بأمره وحكمه(2) .

ونرى أنّه ينبغي التركيز على صفات الحاكم الشخصية، والأدلة التي استندوا إليها في إثبات ولاية الفقيه. فقد اشترط الشيعة في صفات الفقيه الذي يتولى السلطة، وجوب توفّر شرطي العلم بالقانون الإلهي استنباطاً، والعدالة فيه، وإلّا انتفت منه الولاية. ولهذا يرى علماء الشيعة أنّه لا بدّ «... في الوالي من صفتين هما

_____________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 6.

(2) السيد كاظم الحائري: أساس الحكومة-ص139-140. و النظر السيد محمد باقر الصدر: فلسفتنا-ص27-و أيضاً محمد رضا المظفر: عقائد الإمامية -ص15.

٢١٨

أساس الحكومة القانونية، ولا يعقل تحققها إلّا بهما: إحداهما العلم بالقانون، وثانيهما العدالة. ومسألة الكفاية داخلة في العلم بنطاقها الأوسع، ولا شبهة في لزومها في الحاكم أيضاً. وإن شئت قلت: هذا شرط ثالث من أسس الشروط... يرجع أمر الولاية إلى الفقيه العادل، وهو الذي يصلح لولاية المسلمين، إذا يجب أن يكون الوالي متّصفاً بالفقه والعدل. فالقيام بالحكومة وتشكيل أسس الدولة الإسلامية من قبيل الواجب الكفائي على الفقهاء العدول»(1) .

ولهذا يجب أن يتوفّر في الشخص الذي يتولى مهام الحكومة الشروط التالية:

أولاً : صفات المرجع الديني من الاجتهاد المطلق والعدالة.

ثانياً : أن يكون خطه الفكري من خلال مؤلفاته وأبحاثه.

ثالثاً : أن تكون مرجعيته بالفعل في الأمة بالطرق الطبيعية المتّبعة تاريخياً.

رابعاً : أن يرشحه أكثرية أعضاء مجلس المرجعية ويؤيّد الترشيح من قبل عدد كبير من العاملين في الحقول الدينية، لأنّ الحكومة لا بدّ وأن تكون للأعلم... وفي حالة تعدد المرجعيات المتكافئة من ناحية العدالة والأعلمية والكفاءة، يعود إلى الأمة أمر التعيين من خلال استفتاء شعبي عام(2) .

_____________________

(1) روح الله الخميني: الحكومة الإسلامية-ص143.

(2) محمد باقر الصدر: لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية-ص21-22.

٢١٩

وقد استدل الشيعة على وجوب ولاية الفقيه بروايات منها، عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) قال: «قال رسول الله (ص): الفقهاء أمناء الرسول ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل يا رسول الله: وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم»(1) .

«فالفقهاء أمناء الرسل في قيادة الجيوش وإدارة المجتمع والدفاع عن الأمّة والقضاء بين الناس. والحديث السابق الذي يؤتمن فيه الفقهاء من قبل الرسل يشترط على الفقهاء ألّا يدخلوا في الدنيا، لأنّ الفقيه إذا كان همّه أن يجمع الحطام لم يكن عادلاً، ولم يعد مؤتمناً للرسول، ومنفّذاً لأحكام الشريعة، فالفقهاء العدول هم وحدهم المؤهلون لتنفيذ أحكام الإسلام وإقرار نظمه وإقامة حدود الله، وحراسة ثغور المسلمين. وعلى كل فقد فوّض إليهم الأنبياء جميع ما فوّض إليهم وائتمنوهم على ما ائتمنوا هم عليه، فهم يجبون الضرائب لينفقوها في مصالح المسلمين، وهم يصلحون كل فاسد من أمور المسلمين. وقد كان الرسول (ص) مكلّفاً بتطبيق الأحكام وإقرار النظام، كذلك الفقهاء، فإليهم الحكم، وعليهم يقع عبء تنفيذ الأحكام، وإقامة حدود الله، ومحاربة أعدائه، والقضاء على كل منشأ للفساد(2) .

ومن الأحاديث التي يستند عليها الشيعة أيضاً، ما جاء عن

_____________________

(1) الخميني: الحكومة الإسلامية-ص67.

(2) نفس المصدر: ص69-70.

٢٢٠