مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح0%

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 354

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علاء الدين السيد امير محمد القزويني
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 354
المشاهدات: 52996
تحميل: 2883

توضيحات:

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52996 / تحميل: 2883
الحجم الحجم الحجم
مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يكون أبيّ بن كعب، وابن عباس حبر الأمّة، قد حرّفا القرآن الموجب لخروجهما عن الإسلام، وهذا القول باطل بإجماع المسلمين، فيتعيّن القول الثاني، وهو أنّ هذه الزيادة من قبيل البيان والتفسير لمعنى الآية الكريمة، فتثبت إذن إباحة المتعة وأنّها غير منسوخة ولا محرّمة.

3- روايات النيسابوري في تفسيره في إباحة المتعة:

يقول النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن، بهامش جامع البيان:

«إتفقوا على أنّها - أي المتعة - كانت مباحة في أول الإسلام، ثم السواد الأعظم من الأمّة على أنّها صارت منسوخة، وذهب الباقون ومنهم الشيعة إلى أنّها ثابتة كما كانت، ويروى هذا عن ابن عباس وعمران بن الحصين، قال عمّارة: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح، قال: لا سفاح ولا نكاح، قلت فما هي، قال: هي متعة كما يقال....»(1) .

أقول : لا أدري، أيوجد في الشريعة، أو في العرف، وسط بين السفاح - أي زنا - وبين النكاح الصحيح. فالنكاح إمّا أن يكون صحيحاً، أو غير صحيح، فيدخل في السفاح، ولا وسط بينهما، فزواج المتعة، لا يخلو، إمّا أن يكون نكاحاً صحيحاً،

_____________________

(1) النيسابوري: تفسير غرائب القرآن-بهامش جامع البيان للطبري-ح5-ص16017.

٢٤١

فتثبت مشروعيته وعدم نسخه، لصحة هذا النكاح، وإن كان زنا، فكيف يبيح الإسلام الزنا؟ نعوذ بالله من شطحات العقول.

ولا يجوز إدخاله في وطء الشبهة، لأنّ هذا النوع من الوطء لا يكون إلّا إذا اعتقد الزوج بأنّ هذه المرأة زوجته، ثم وطأها، فتبين أنّها أجنبية، وهذا بخلاف زواج المتعة، المتوقف على الإيجاب والقبول، ورضا الطرفين وجميع شروط الزواج الدائم.

ومن أغرب ما يروى عن ابن عباس: «إنّ الناس لما ذكروا الإشعار في فتيا ابن عباس في المتعة، قال: قاتلهم الله، إنّي ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكني قلت إنّها تحلّ للمضطر كما تحلّ الميتة والدم ولحم الخنزير له»(1) .

أقول : إنّ من ينظر إلى هذه الرواية، وإسنادها إلى ابن عباس، يأخذه العجب من هذه الفتيا،أيجوز لا بن عباس أن يفتي بجواز الزنا في حال الضرورة، كما يجوز أكل الميتة ولحم الخنزير للمضطر؟ أو أن فتوى ابن عباس بإباحتها، لأنّها مباحة في أصل الشريعة كالزواج الدائم وملك اليمين، فبماذا يجيب الحاكم العادل. أيباح الزنا للمضطر؟ مع أن الزاني لا يزني إلّا وهو مضطر إليه، فينتفي حينئذٍ الزنا من الشريعة الإسلامية.

وممّا يدلّ على إباحة المتعة وعدم نسخها ما روي عن «عمران بن الحصين فإنّه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسول الله (ص) وتمّتعنا معه،

_____________________

(1) نفس المصدر:ص17.

٢٤٢

ومات ولم ينهنا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء يريدان عمر نهى عنها»(1) . وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه كما سوف يتّضح. ولهذا كان أبيّ بن كعب يقرأ: «فما استمتعتم بع منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن، وبه قرأ ابن عباس أيضاً، والصحابة ما أنكروا عليهما فكان إجماعاً... وممّا يدل على ثبوت المتعة ما جاء في الروايات أنّ النبي (ص) نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وأكثر الروايات أنّه (ص) أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح، وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه...»(2) إلخ.

4- الدر المنثور للسيوطي وروايات إباحة المتعة:

وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن ابن عباس قال: «كانت المتعة في أول الإسلام، وكانوا يقرأون هذه الآية: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى الآية، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه...»(3) .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن

_____________________

(1) نفس المصدر:ص17.

(2) نفس المصدر: ص18.

(3) السيوطي: الدر المنثور: ح8-ص140.

٢٤٣

عباس: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، قال ابن عباس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، فقلت ما نقرؤها كذلك، فقال ابن عباس: والله لأنزلها الله كذلك. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير، قال في قراءة أبّي بن كعب: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أنّه سمع ابن عباس يقرؤها فما استمتعتم به منهن إلى أجل فآتوهن أجورهن... وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد، فما استمتعتم به منهن، قال: يعني نكاح المتعة»(1) .

«و أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) وليس معنا نساءنا، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ورخّص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم»(2) .

أقول : إذا كانت المتعة من الطيبات التي أحلّها الله سبحانه للمؤمنين بنصّ القرآن، ولا شيء من الطيبات بحرام، فتثبت استمرارية إباحة المتعة بالقياس المنطقي التالي:

زواج المتعة من الطيبات

ولا شيء من الطيبات بحرام

فالنتيجة: لا شيء من زواج المتعة بحرام

_____________________

(1) نفس المصدر: ص140.

(2) نفس المصدر: ص140.

٢٤٤

فدليل الصغرى والكبرى قوله تعالى: «يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم» والمتعة حلال بنصّ الآية: فما استمتعتم به منهن...»، فتثبت حلّية زواج المتعة وعدم تحريمها. وهذا القياس من الشكل الأول، الذي تكون الصغرى فيه موجبة، مع كليّة الكبرى، ولهذا تكون النتيجة صحيحة.

والغريب من السيوطي أن ينسب التحريم إلى النبي (ص) بعد إباحتها بآية الميراث تارة، وبآية الطلاق تارة أخرى، في تفسيره(1) . وهو ينسب التحريم في كتابه تاريخ الخلفاء إلى عمر بن الخطاب في أولياته حيث يقول: «... و أول من سن قيام شهر رمضان، وأول من عسّ باليل... وأول من حرّم المتعة...»(2) . ويؤيّد ذلك قوله في تفسيره: «و أخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: نهى عمر عن متعتين متعة النساء ومتعة الحج»(3) .

وممّا يدلّ على تناقض السيوطي قوله: «و أخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم، أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة، قال: لا، وقال علي: لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنا إلّا شقي»(4) . ولهذا يحاول بعض الرواة أن يسند القول

_____________________

(1) نفس المصدر: ص140.

(2) السيوطي: تاريخ الخلفاء-ص136-137-ط3-القاهرة-1946.

(3) السيوطي: الدر المنثور-ح8-ص141.

(4) نفس المصدر: ص141.

٢٤٥

بالتحريم إلى الإمام على (ع)، مع أن المشهور من مذهب الإمام علي (ع) إباحتها إلى يوم القيامة.

والذي يدل على نهي عمر بن الخطاب عن المتعة ما أخرجه السيوطي أيضاً في تفسيره، عن نافع أنّ ابن عمر سئل عن المتعة، فقال: حرام، فقيل له، إن ابن عباس يفتي بها، قال: فهلا ترمرم بها في زمان عمر»(1) .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله رحم بها أمّة محمد، ولو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلّا شقي، قال: وهي التي في سورة النساء، فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا.... وأخبر أنّه سمع ابن عباس يراها الآن حلالاً»(2) .

أقول : يظهر من هذه الرواية وغيرها، أنّ المتعة كانت رحمة من الله لأمّة محمد (ص)، وليس من المعقول أن ينهى النبي (ص) عن هذه الرحمة، ورحمة الله وسعت كل شيء. كما وأنّ الروايات المتقدمة تسند التحريم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وهذا ما رواه أيضاً البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك الإمام أحمد، كما سنشير إليه إن شاء الله.

_____________________

(1) نفس المصدر: ص141.

(2) نفس المصدر: ص141.

٢٤٦

5- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي وإباحة المتعة:

يقول القرطبي في تفسيره: «و قال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأبي وابن جبير: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن».

ثم نهى عنها النبي (ص) - و قال سعيد بن المسيب: نسختها آية الميراث، إذا كانت المتعة لا ميراث فيها...»(1) . «و روى عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلّا شقي»(2) .

يقول القرطبي: «و اختلف العلماء كم مرّة أبيحت ونسخت، ففي صحيح مسلم عن عبد الله قال: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. قال أبو حاتم البستي في صحيحه: قولهم للنبي (ص) «ألا نستخصي» دليل على أنّ المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معني، ثم رخّص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهى عنها عام خيبر، ثم أذن فيها عام الفتح، ثم حرّمها بعد ثلاث، فهي محرّمة إلى يوم القيامة. وقال ابن العربي: وأمّا متعة النساء فهي من غرائب الشريعة، لأنّها أبيحت في صدر الإسلام ثم حرّمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة

_____________________

(1) القرطبي: الجامع لأحكام القران-ح5-ص130.

(2) نفس المصدر:ص130.

٢٤٧

أوطاس، ثم حرّمت بعد ذلك واستقرّ الأمر على التحريم، وليس لها أخت في الشريعة إلّا مسألة القبلة، لأنّ النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرّت بعد ذلك. وقال غيره ممّن جمع طرق الأحاديث فيها: إنّها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات.... يقول القرطبي: وهذه الطرق كلّها في صحيح مسلم...»(1) .

أقول : يستفاد من هذا الكلام أمور:

الأول : إباحة زواج المتعة بنصوص لا تقبل التأويل، كتاباً وسنّة بإجماع المسلمين، وأنّ المتعة لم تكن معروفة قبل ذلك، وإنّما شرّعت في الإسلام. وأمّا قول أبي حاتم: «إنّ المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى»، فهو قول بلا دليل، فإنّ مجرّد السؤال في قولهم «ألا نستخصي»، ليس فيه دليل على أنّ المتعة كانت موجودة، ولكنّها محظورة، ولو سلّمنا وجودها قبل الإسلام، فهل هي من جملة الأنكحة المتعارفة عندهم؟ أم أنّها كانت سفاحاً، فعلى الأول، فهي نكاح صحيح أقرّه الإسلام وأباحه للمسلمين، ولهذا قال أبو عمر: «لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل...». وقال ابن عطية: «و كانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى»(2) . وعلى الثاني، أي كون المتعة سفاحاً، فكيف يرخّص النبي (ص) للمسلمين

_____________________

(1) نفس المصدر: ص130-131.

(2) نفس المصدر: ص132.

٢٤٨

السفاح، مع أنها كانت رحمة رحم الله بها أمّة محمد.

الثاني : إباحة المتعة، ثم تحريمها، ثم إباحتها، ثم تحريمها، مرّات متعددة، فتارة أباحها لهم (ص) في الغزو، ثم نهى عنها عام خيبر، ثم أباحها عام الفتح، ثم حرّمت، كل هذا الاختلاف يدلّ على عدم تحريمها، لأنّ إباحتها لهم، لا تخلو، إمّا أن تكون المتعة من الطيبات، أم لا، فإن كانت من الطيبات التي أحلّها الله سبحانه ورحم بها عباده، فلا يصحّ النهي عنها. وإن كانت من الخبائث والفواحش، فكيف يبيح النبي (ص) للمؤمنين الفواحش، والله يقول في محكم كتابه:( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ ) (1) . ولهذا روي عن الإمام مالك فيما لو فعلها أحد: «لا يرجم، لأنّ نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو أنّ ما حرّم بالسنّة هل هو مثل ما حرّم بالقرآن أم لا؟»(2) . وهذا دليل على عدم تحريم المتعة.

الثالث : تكرار النبي (ص) في إباحة المتعة وتحريمها، يوجب العبث في الشريعة الإسلامية، وعدم استقرار الأحكام الشرعية، مع أنّ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فإذا كانت المتعة حلالاً، وقد أباحها النبي (ص) يلزمه استمرار هذه الإباحة، وذلك للشك في تحريمها، فيرجع إلى أصل إباحتها.

_____________________

(1) سورة الأعراف: الآية33.

(2) نفس المصدر: ص133.

٢٤٩

الرابع : وأمّا دعوى الإجماع وانعقاده على تحريمها(1) ، فدعوى باطلة، لمخالفة جمع من الصحابة لهذا الإجماع، يقول أبو بكر الطرسوسي: «و لم يرخّص في نكاح المتعة إلّا عمران بن الحصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت»... «و قال أبو عمر: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس»(2) . ولأجل ذلك بطل الإجماع، خصوصاً وأنّه لا إجماع في مقابل النص، وقد ورد النصّ في إباحتها.

6- تفسير البغوي وإباحة المتعة:

يقول البغوي في تفسير قوله تعالى: «فما استمتعتم به منهن...»: «و قال آخرون: هو نكاح المتعة، وهو أن تنكح إمرأة إلى مدّة... وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسلام»(3) .

يقول البغوي: «و كان ابن عباس يذهب إلى أنّ الآية محكمة، وترخّص في نكاح المتعة. روي عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فقال: أما تقرأ في سورة النساء: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»؟ قلت: لا أقرأها هكذا، قال ابن عباس: هكذا أنزل الله، ثلاث

_____________________

(1)نفس المصدر: ص133.

(2) نفس المصدر: ص133.

(3) تفسير البغوي: ح1-ص414. ط2-1987-دار المعرفة-بيروت.

٢٥٠

مرات...»... قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: لا أعلم في الإسلام شيئاً أحلّ ثم حرّم ثم أحلّ ثم حرّم غير المتعة»(1) .

7- تفسير الخازن:

وأمّا الخازن فيقول في تفسيره: «و قال قوم المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة، وهو أن ينكح امرأة إلى مدّة معلومة بشيء معلوم، فإذا انقضت المدّة بانت منه بغير طلاق... وكان هذا في ابتداء الإسلام ثم نهى رسول الله (ص) عن المتعة فحرّمها»(2) .

ثم ذكر الروايات الواردة عن ابن عباس في قوله: «و اختلفت الروايات عن ابن عباس في المتعة، فروي عنه أن الآية محكمة، وكان يرخّص في المتعة...»(3) . إلى آخر ما نقله الخازن في تفسيره، تركنا التعرّض لها للاختصار فراجع.

8- تفسير ابن كثير:

يقول ابن كثير في تفسير آية المتعة: «و قد استدلّ بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شكّ أنّه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وقد ذهب الشافعي وطائفة من

_____________________

(1) نفس المصدر: ص414.

(2) تفسير الخازن: ح1-ص366-دار الكتب العربية-مصر.

(3) نفس المصدر: ص366.

٢٥١

العلماء إلى أنّه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ مرتين، وقال آخرون: أكثر من ذلك. و قال آخرون: إنّما أبيح مرة ثم نسخ... وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وكان ابن عباس وأبّي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة»، وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة...»(1) .

أقول : أمّا قوله: «و قد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة». يبطله استمرارية إباحتها بنصّ قراءة ابن عباس وأبّي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي، من ذكرهم للأجل في قولهم: «إلى أجل مسمى».

وأمّا قول ابن كثير: «و العمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال: نهى رسول الله (ص) عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر»(2) . يبطله أيضاً ما ثبت في الصحيحين وغيرهما-كما سوف يتّضح-من أنّ آية المتعة نزلت في كتاب الله، وعمل بها الصحابة في زمن رسول الله (ص) وزمن أبي بكر، وشطر من خلافة عمر، ولم ينزل قرآن يحرّمها، ولم ينه عنها النبي (ص) حتى مات. فإن كانت هذه الرواية صحيحة، فقد بطل القول بتحريمها من قبل النبي (ص). وإن لم تكن

_____________________

(1) تفسير ابن كثير: ح2-ص244-ط1-بيروت-1966.

(2) نفس المصدر: ص245.

٢٥٢

صحيحة يلزمه عدم صحّة ما في الصحيحين، وهذا ما لا يرتضيه ابن كثير. أمّا إذا قلنا بصحّة الروايتين، الرواية القائلة بإباحة المتعة وعدم تحريمها، وأنّ النبي (ص) لم ينه عنها، والرواية القائلة بتحريمها يوم خيبر، فمقتضى الجمع بين الروايتين المتعارضتين السقوط، والرجوع إلى الأصل، ولّما كان الأصل فيها هو الإباحة بإجماع المسلمين، فيتعيّن القول بالإباحة. إضافة إلى ذلك، فإن رواية التحريم لا تقف في وجه روايات الإباحة، لتضاربها وعدم استقرارها، ممّا يوهن تلك الروايات، ويقوي روايات الإباحة لوجود العاضد من القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: «فما استمتعتم به منهن...» وهذا هو المجمع عليه، ومن هنا تثبت استمرارية إباحة المتعة وعدم تحريمها.

9- الصحيحان البخاري ومسلم وروايات إباحة المتعة:

وحسبك على إباحة المتعة، ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب التفسير: «قال عمران بن الحصين: نزلت المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (ص) ولم ينزل قرآن يحرّمها ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء، قال محمد يعني البخاري يقال عمر»(1) .

أقول : هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه، وهو أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به من علماء أهل السنّة، فقد

_____________________

(1) صحيح البخاري: ح3-ص71-ط1-المطبعة العامرة المليجية-1332ه.

٢٥٣

نصّ بصريح العبارة التي لا تقبل التأويل على إباحة المتعة، واستمرار هذه الإباحة إلى يوم القيامة، كما أنّ هذا الحديث نصّ في عدم نزول قرآن يحرّمها، وأنّه نصّ في عدم نهي النبي (ص) عنها حتى التحق بالرفيق الأعلى، كما أنّه صريح أيضاً في أنّ المحرّم لها هو الخليفة عمر بن الخطاب.

وأخرج البخاري أيضاً في باب قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم»، من كتاب التفسير عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله-بن مسعود- قال: كنّا نغزو مع النبي (ص) وليس معنا نساء، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب، ثم قرأ عبد الله: «يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم»(1) .

وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه في باب نكاح المتعة هذا الحديث عن قيس أيضاً قال: «سمعت عبد الله يقول: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله، يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»(2) .

أقول : وهذا الحديث الذي رواه كل من البخاري ومسلم في

_____________________

(1) نفس المصدر:ص84.

(2) صحيح مسلم: ح4-ص130.

٢٥٤

صحيحيهما، نصّ في أنّ متعة النساء من الطيبات المباحة، وأنّها رحمة رحم الله بها أمّة محمد (ص).

وفي رواية أخرى كما في صحيح مسلم عن أبي نضرة قال: «كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثم نهانا عمر فلم نعد لهما»(1) .

وأخرج الإمام مسلم أيضاً في صحيحه: «... كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال: على يديّ دار الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص)، فلما قام عمر قال: إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإنّ القرآن قد نزل منازله، فأتمّوا الحج والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتوا نكاح هذه النساء، فإن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته بالحجارة»(2) .

وعن أبي موسى، أنّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد حتى لقيه بعد فسأله، فقال عمر: قد علمت أنّ النبي (ص) قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا معرسين بهن في الآراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم»(3) .

_____________________

(1) نفس المصدر: ص131.

(2) نفس المصدر: ص38.

(3) نفس المصدر: ص46،45.

٢٥٥

وعن عطاء أنّه قال: «قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر»(1) .

وفي رواية جابر بن عبد الله، كما في الصحيح أيضاً، قال: «كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث»(2) .

أقول : هذا ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من أن المتعة من الأمور التي وردت فيها النصوص الصريحة على إباحتها، وأنّ الصحابة فعلوها في عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر حتى نهاهم عنها عمر في شأن ابن حريث، وأنّها كانت من الطيبات، ولا يعقل أن يحرّم الله سبحانه على عباده ما أحلّه لهم من الطيبات، أو يمنع رحمته عنهم، ومن حيث أنّه قد ثبت أنّ نكاح المتعة من الطيبات، وأنّها رحمة من الله رحم بها عباده، علمنا أنّها حلال إلى يوم القيامة بمقتضى تلك النصوص الصريحة الدّالة على إباحتها وعدم تحريمها من النبي (ص).

10- مسند الإمام أحمد، ومآثر الأناقة للقلقشندي:

روى الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن الحصين قال:

_____________________

(1) نفس المصدر: ص131.

(2) نفس المصدر: ص131.

٢٥٦

«نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله (ص) فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي (ص) حتى مات»(1) .

وفي المسند أيضاً عن أبي النضر قال: «قلت لجابر بن عبد الله أنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها، قال: فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمّتعنا مع رسول الله (ص)، قال عفان: ومع أبي بكر، فلما وليّ عمر خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وأن رسول الله (ص) هو الرسول، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) إحداهما متعة الحج، والأخرى متعة النساء»(2) .

وعن عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: كنّا نتمتع على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر حتى نهانا عمر أخيراً يعني النساء»(3) .

يقول القلقشندي في مآثر الأناقة في معالم الخلافة في أوليات الخليفة عمر: «و هو أول من حرّم المتعة بالنساء، وهي أن تنكح المرأة على شيء إلى أجل، وكانت مباحة قبل ذلك»(4) . وقد جاء عن السيوطي مثل ذلك في تاريخ الخلفاء كما مرّ.

_____________________

(1) الإمام أحمد: المسند-ح4-ص436. وانظر السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة-ص290.

(2) الإمام أحمد: نفس المصدر: ح1-ص52-ط1983.

(3) نفس المصدر: ح3-ص304.

(4) القلقشندي: مآثر الأناقة في معالم الخلاقة-ح3-ص338.

٢٥٧

ما يقوله آل كاشف الغطاء في نكاح المتعة:

يقول محمد الحسين آل كاشف الغطاء: «إنّ من ضروريات مذهب الإسلام التي لا ينكرها من له أدنى إلمام بشرائع هذا الدين الحنيف - إنّ المتعة - يعني العقد إلى أجل مسمى، قد شرّعها رسول الله (ص) وأباحها وعمل بها جماعة من الصحابة في حياته، بل وبعد وفاته، وقد اتّفق المفسّرون أنّ جماعة من عظماء الصحابة كعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعمران بن الحصين، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب وغيرهم كانوا يفتون بإباحتها، ويقرأون الآية المتقدمة هكذا: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»، وممّا ينبغي القطع به أنّ ليس مرادهم التحريف في كتابه جلّ شأنه والنقص منه (معاذ الله)، بل المراد بيان معنى الآية على نحو التفسير الذي أخذوه من الصادع بالوحي ومن أنزل عليه ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه»(1) .

ويقول أيضاً: «و على أي فالإجماع بل الضرورة في الإسلام قائمة على ثبوت مشروعيتها وتحقق العمل بها، غاية ما هناك أنّ المانعين يدّعون أنّها نسخت وحرّمت بعد ما أبيحت وحصل هنا الاضطراب في النقل والاختلاف الذي لا يفيد ظنّاً فضلاً عن القطع، ومعلوم حسب قواعد الفن أنّ الحكم القطعي لا ينسخه إلّا دليل قطعي.

فتارة يزعمون أنّها نسخت بالسنّة وأن النبي (ص) حرّمها بعد

_____________________

(1) آل كاشف الغطاء: أصل الشيعة-ص102-طبعة1955.

٢٥٨

ما أباحها، وأخرى يزعمون أنّها قد نسخت بالكتاب، وهنا وقع الخلاف والاختلاف أيضاً، فبين قائل أنّها نسخت بآية الطلاق... وآخر يقول: نسختها آية مواريث الأزواج... ، وأجدني في غنى عن بيان بطلان هذه الأوهام وسخافتها وأنّه لا تنافي ولا تدافع بين هذه الآيات وتلك الآية حتى يكون بعضها ناسخاً لبعض، وسيأتي له مزيد توضيح في بيان أنّها زوجة حقيقية ولها جميع أحكامها»(1) .

ويقول: «و أمّا ثالثاً: فنسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل، لأنّ آية المتعة في سورة النساء وهي مدنية، وآية الأزواج في سورة المؤمنين والمعارج وكلاهما مكيتان، ويستحيل تقدم الناسخ على المنسوخ.

وأمّا رابعاً: فقد روى جماعة من أكابر علماء السنّة أنّ آية المتعة غير منسوخة، منهم الزمخشري في «الكشاف» حيث نقل عن ابن عباس أنّ آية المتعة من المحكمات، ونقل غيره أنّ الحكم بن عيينة سئل: أن آية المتعة هل هي منسوخة؟ فقال: لا»(2) . وكل ذلك مرّ الكلام عنه مفصلاً.

ويقول آل كاشف الغطاء أيضاً: «ولكن من توسّع في تصفّح أسفارهم - أي أهل السنّة - ومأثور أحاديثهم وأخبارهم، يجد القضية أوسع بكثير، ففي بعضها أنّ النسخ كان في حجة الوداع العاشرة من الهجرة، وأخرى، أنّه في غزوة تبوك التاسعة من

_____________________

(1) نفس المصدر: ص103.

(2) نفس المصدر: ص104.

٢٥٩

الهجرة، وقيل في غزوة أوطاس، أو غزوة حنين وهما في الثامنة في شوال، وقيل يوم فتح مكة وهو في شهر رمضان من الثامنة أيضاً، وقالوا: إنّه أباحها في فتح مكة ثم حرّمها هناك بعد أيام، والشائع وعليه الأكثر أنّه نسخها في غزوة خيبر السابعة من الهجرة أو في «عمرة القضاء» وهي في ذي الحجة من تلك السنة، ومن كل هذه المزاعم يلزم أن تكون قد أبيحت ونسخت خمس أو ست مرّات لا مرتين أو ثلاث كما ذكره النووي وغيره في (شرح مسلم)، فما هذا التلاعب بالدين يا علماء المسلمين؟ وبعد هذا كله، فهل بيقى قدر جناح بعوضة من الثقة في وقوع النسخ بمثل هذه الأساطير المدحوضة باضطرابها أولاً، وبأنّ الكتاب لا ينسخ بأخبار الآحاد ثانياً، وبأنّها معارضة بأخبار كثيرة من طرقهم صريحة في عدم نسخها ثالثاً...»(1) .

«و أعجب من الجميع نسبة النهي عنها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، مع أن حلّية المتعة قد صارت شعاراً لأهل البيت وشارة لهم، وعلي (عليه‌السلام ) بالخصوص قد تظافر النقل عنه بإنكار حرمة المتعة، ومن كلماته المأثورة التي جرت مجرى الأمثال قوله: لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلّا شقا أو شقي»(2) . وكل ذلك مرّ في مصادر علماء أهل السنّة وحفّاظهم.

_____________________

(1) نفس المصدر: ص105.

(2) نفس المصدر: ص106-107.

٢٦٠