مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح0%

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 354

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علاء الدين السيد امير محمد القزويني
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 354
المشاهدات: 53045
تحميل: 2885

توضيحات:

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53045 / تحميل: 2885
الحجم الحجم الحجم
مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنكار الدكتور الموسوي إباحة المتعة:

يقول الدكتور في صفحة «109 - 110»:

«إنّ المرأة التي شرّفها الله أن تكون أمّا تنجب أعظم الرجال والنساء على السواء ومنحها مرتبة لم يمنحها لغيرها حيث جعل الجنّة تحت أقدامها كما قال الرسول الكريم (ص): «الجنّة تحت أقدام الأمهات». هل يليق بها أن تقضي أوقاتها بين أحضان الرجال واحداً بعد الآخر باسم شريعة محمد».

إنّ الإسلام جاء ليخرج الناس من إباحية الجاهلية، ويقيدهم بالفضيلة والأخلاق، لا أن يمنح الجاهلية ومظاهرها قداسة التشريع والقانون الإلهي».

ويقول في صفحة «107»: «كيف تستطيع أمّة تحترم شرف الأمهات اللواتي جعل الله الجنّة تحت أقدامهن وهي تبيح المتعة أو تعمل بها».

أقول : هذا ما يقوله الدكتور، حيث أنكر إباحة المتعة، وشدّد الإنكار على من أباحها وعمل بها، مع أنّ أمر المتعة وحلّيتها بعد نصّ القرآن وعمل النبي (ص) والصحابة طوال زمن النبي ومدة خلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر، أوضح من أن تحتاج إلى إنكار الدكتور الموسوي، لأنّها ثابتة بالضرورة من دين النبي (ص)، لما تقدم من النصوص الصريحة التي لا تقبل التشكيك على إباحتها وحلّيتها واستمرار هذه الحلّية إلى يوم القيامة. فعلى رأي الدكتور أنّ النبي (ص) لم يحترم شرف الأمهات، لأنّه أباح المتعة، وأنّ

٢٦١

الصحابة الكرام لم يحترموا شرف الأمهات، لأنّهم عملوا بها وقالوا بإباحتها، أمثال ابن عباس، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وعمران بن الحصين، وغير هؤلاء من صحابة رسول الله (ص)، وجميع أهل البيت والتابعين لهم، كسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، فهؤلاء جميعاً عند الدكتور الموسوي لم يحترموا شرف الأمهات، ولم يعرفوا أنّ الجنة تحت أقدامهن، وغاب عنهم قول رسول الله (ص)، الجنّة تحت أقدام الأمهات، ولم يخف ذلك عن الدكتور، بل إنّ غيرة الدكتور على شرف الأمهات فاقت غيرة رسول الله (ص) وصحابته الكرام، حتى أهدروا كرامة الأمهات ونالوا من شرفهنّ، لأنّ النبي (ص) وصحابته عملوا بها بعد إباحتها، حتى أنجبوا الذراري والأولاد، ولهذا أساء الدكتور التعبير ونال من أولئك العظام حيث وصفهم بأبشع الصفات، وحطّ من قدرهم، واتّهمهم بالإباحية الجاهلية، وأنّ أحضان الرجال كانت مأوى للنساء، حيث قضت النساء أوقاتها - كما يقول - بين أحضان الرجال واحداً بعد الآخر باسم شريعة محمد، وقد تمادى أكثر من ذلك في قوله: «هل يعقل أن يناقض قانونه هذا بوضع قانون آخر فيه من الإباحية المطلقة ما تزلزل السموات والأرض ويجعل للناس الخيار؟»(1) .

هكذا يحاول الدكتور تشويه معالم الشريعة الإسلامية، ومخالفة كل النصوص الواردة في حقيقة المتعة، لإشباع رغباته في النيل من

_____________________

(1) انظر ص110 من كتابه الشيعة والتصحيح.

٢٦٢

علماء الشيعة والقضاء على ما هو الثابت من دين النبي (ص) بحجة التصحيح. ونكتفي في الردّ على هذه المفتريات التي شنّع بها ما جاء في كتاب أصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ليرى القارئ حقيقة هذا الرجل الذي ينسب نفسه إلى طائفة الشيعة ظلماً وبهتاناً.

يقول آل كاشف الغطاء: «أمّا النظر من الوجهة الأخلاقية والاجتماعية:

فأقول : أليس دين الإسلام هو الصوت الإلهي والنغمة الربوبية الشجيّة التي هبّت على البشر بنسائم الرحمة... ؟ وجاءت لسعادة الإنسان لا لشقائه ولنعمته لا لبلائه، هو الدين الذي يتمشى مع الزمان في كل أطواره ويدور مع الدهر في جميع أدواره، ويسدّ حاجات البشر في نظم معاشهم ومعادهم وجلب صلاحهم ودرء فسادهم، ما جاء دين الإسلام ليشق على البشر ويلقيهم في حظيرة المشقة، وعصارة البلاء والمحنة... كلا بل جاء رحمة للعالمين، وبركة على الخلق أجمعين،ممهداً سبل الهناء والراحة، ووسائل الرخاء والنعمة، ولذا كان أكمل الأديان، وخاتمة الشرائع، إذ لم يدع نقصاً في نواميس سعادة البشر، يأتي دين بعد يكمله، أو ثلمة في ناحية من نواحي الحياة فتأتي شريعة أخرى فتفسدها»(1) .

«ثم أليس الصانع الحكيم بباهر حكمته، وقاهر قدرته، قد أودع في هذا الهيكل الإنساني غريزة الشهوة، وشدّة الشوق والشبق

_____________________

(1) آل كاشف الغطاء: أصل الشيعة-ص112.

٢٦٣

إلى الأزواج، لحكمة سامية، وغاية شريفة، وهي بقاء النسل وحفظ النوع ولو خلي من تلك الغريزة، وبطلت أو ضعفت فيه تلك الجبلة لم يبق للبشر على مرّ الأحقاب عين ولا أثر... فالمسافر - مثلاً - لا سيما من تطول أسفارهم في طلب علم أو تجارة أو جهاد، أو مرابطة ثغر، وهم في ميعة الشباب، وريعان العمر، وتأجج سعير الشهوة، لا يخلو حالهم من أمرين: إمّا الصبر ومجاهدة النفس الموجب للمشقة التي تجر إلى الوقوع في أمراض مزمنة، وعلل مهلكة مضافاً إلى ما فيه من قطع النسل، وتضييع ذراري الحياة المودعة فيهم، وفي هذا نقص للحكمة، وتفويت للغرض، وإلقاء في العسر والحرج، وعظيم المشقة التي تأباه شريعة الإسلام، الشريعة السمحة السهلة «يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».

وإمّا الوقوع في الزنا والعهار، الذي ملأ الممالك والأقطار، بالمفاسد والمضار، ولعمر الله-و قسماً بشرف الحق-لو أنّ المسلمين أخذوا بقواعد الإسلام، ورجعوا إلى نواميس دينهم الحنيف وشرائعه الصحيحة «لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض» ولعاد إليهم عزّهم الداثر ومجدهم الغابر»(1) .

أقول : ليس أدل على ذلك، ما نجده في المستشفيات ودور الحضانات من كثرة أولاد السفاح، وأبناء الزنا، الذين لفظتهم الحياة، فباتوا لا يعرفون الليل من النهار، والنور من الظلام، والحب والحنان، من الكره والعصيان، ولا ذنب لهم سوى تلك

_____________________

(1) نفس المصدر: ص112-113.

٢٦٤

النزوات العابرات التي جاء بها الآباء والأمهات، وشملتهم رعاية دور الحضانات لا يعرفون لهم أباً ولا أماً، ولا أخاً ولا أختاً، يشكون إليهم شجونهم، ويأخذون منهم عطفهم وحنانهم، حنانيك اللهم ورحمتك التي وسعت كل شيء، حيث شرعت شرعة الحياة لتلك الزهور اليانعة، عندما تخرج لهذه الدنيا فترى النور والضياء يملأ قلبها، وحنان الآباء والأمهات يكلكل عليها.

«و من تلك الشرائع مشروعية المتعة، فلو أن المسلمين عملوا بها على أصولها الصحيحة من العقد والعدة والضبط وحفظ النسل منها لا نسدت بيوت المواخير وأوصدت أبواب الزنا والعهار، ولا رتفعت أو قلّت ويلات هذا الشر على البشر، ولأصبح الكثير من تلك المومسات المتهتكات مصونات محصنات، ولتضاعف النسل وكثرت المواليد الطاهرة والستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق وطهارة الأعراق... ولله در عالم بني هاشم وحبر الأمّة عبد الله بن عباس في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في «النهاية» والزمخشري في «الفايق» وغيرهما حيث قال: ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها أمّة محمد ولولا نهيه عنها ما زنى إلّا شقّي... وفي الحق أنّها رحمة واسعة وبركة عظيمة، ولكن المسلمين فوتوها على أنفسهم، وحرموا من ثمراتها وخيراتها، ووقع الكثير في حمأة الخنا والفساد والعار والنار والخزي والبوار: «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير». فلا حول ولا قوة إلّا بالله»(1) .

_____________________

(1) نفس المصدر: ص113-114.

٢٦٥

وأمّا قول الدكتور الموسوي: «و هل يليق بها أن تقضي أوقاتها بين أحضان الرجال واحداً بعد الآخر». فقد أجاب الشيخ محمد الحسين عن هذه الشناعات في قوله:

«و أمّا قولك(1) ، فما قولكم في متعة الدورية التي يتناوبها ويتعاقبها الثلاثة والأربعة بل والعشرة بحسب الساعات فمن يتبع الولد وبمن يلحق؟ فاللازم (أولاً) أن تدلنا على كتاب جاهل من الشيعة ذكر فيه تحليل هذا النحو من المتعة فضلاً عن عالم من علمائهم، وإذا لم تدلنا على كتابة منهم أو كتاب، فاللازم أن تحد حد المفتري الكذاب، كيف وإجماع الإمامية على لزوم العدّة في المتعة، وهي على الأقل خمسة وأربعون يوماً، فأين التناوب والتعاقب عليها حسب الساعات؟ وإن كنت تريد أن بعض العوام والجهلاء الذين لا يبالون بمقارنة المعاصي وانتهاك الحرمات قد يقع منهم ذلك، فهذا مع أنّه لا يختص بعوام الشيعة، بل لعلّه في غيرهم أكثر ولكن لا يصح أن يسمى هذا تحليلاً إذ التحليل ما يستند إلى فتوى علماء المذهب لا ما يرتكبه عصاتهم وقساتهم، وهذا النحو من المتعة عند علماء الشيعة من الزنا المحض الذي يجب فيه الحد...»(2) .

أقول : أين هذا من كلام الدكتور الموسوي، أنّ المرأة تقضي أوقاتها بين أحضان الرجال واحداً بعد الآخر، والذي يبدو أنّ

_____________________

(1) ردّاً على ما جاء في مجلة الاعتدال.

(2) نفس المصدر: ص116.

٢٦٦

- رجل الشريعة - لم يطلّع حتى على رسالة جدّه الإمام الأكبر السيد أبو الحسن ليرى شروط زواج المتعة عند علماء الشيعة، ولكنه أخذ دينه واعتقاده ممّن أراد التشويش على علماء الشيعة، وإليك ما جاء في وسيلة النجاة عن شروط المتعة وأنّها كازواج الدائم.

شروط زواج المتعة:

يقول السيد أبو الحسن - جد الدكتور الموسوي -:

«القول في النكاح المنقطع»: ويقال له المتعة والنكاح المؤجل:

1- مسألة: النكاح المنقطع كالدائم في أنّه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظين، وأنّه لا يكفي مجرّد الرضا القلبي به من الطرفين...

2- مسألة: ألفاظ الإيجاب في هذا العقد ثلاثة: متّعت، وزوّجت، وأنكحت، أيها حصل وقع الإيجاب به، ولا ينعقد بغيرها... و القبول: كل لفظ دلّ على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب، كقوله قبلت المتعة أو التزويج أو النكاح...

3- مسألة: لا يجوز تمتّع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه، وكذا لا يجوز تمتّع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفّار، ولا بالمرتدّه.

4- مسألة: لا يتمتع بأمة-أي مملوكة- وعنده حرّة إلّا بإذنها...

5- يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو أخلّ به بطل...

6- تمتلك المتمتّعة المهر بالعقد فيلزم عليه دفعه إليها بعده لو

٢٦٧

طالبته.... فلو وهبها المدة، فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر - كالدائم - وإن كان بعده لزمه الجميع.

7- يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل، فلو لم يذكره متعمداً أو نسياناً بطل متعة وانعقد دائماً على إشكال...

8- يجوز العزل للمتمتع من دون إذنها وإن قلنا بعدم جوازه في الدائم، ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل.

9- لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين، ولو شرطا التوارث أو توريث أحدهما فالظاهر التواريث على حسب شرطهما...

وعدتها على الأشهر الأظهر حيضتان، وإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً... هذا فيما إذا كانت حائلاً-أي غير حامل-و أمّا لو كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها كالمطلقة على إشكال، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل ومن انقضاء خمسة وأربعين يوماً أو حيضتين.

وأمّا عدّتها من الوفاة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملاً كالدائمة»(1) .

أقول : هذه جملة من شروط زواج المتعة، وأنّها كالزواج الدائم بلا خلاف عند علماء الشيعة، إلّا ما أخرجه الدليل، وعلى هذا يظهر فساد ما يقوله الدكتور الموسوي في تصحيحه صفحة: «113»:

_____________________

(1) السيد أبو الحسن الموسوي: وسيلة النجاة-ح2-ص337-338-339.

٢٦٨

«و هكذا نرى بوضوح أنّ المسؤولية الأولى والأخيرة في العمل بهذا الأمر المقيت تقع على عاتق الذين أباحوا أعراض المسلمات، ولكنهم أحصنوا أعراضهم وأهدروا شرف المؤمنات ولكنهم صانوا شرف بناتهم».

وخاتمة المطاف في الزواج المؤقت أو المتعة، أنّ هذا الزواج كان مشروعاً بنصّ القرآن الكريم، وقد أباحه الرسول (ص)، وأجمع المسلمون على إباحته والعمل به في عصر صاحب الرسالة (ص) وعهد الخليفة أبي بكر وشطر من خلافة عمر فهو ثابت بالضرورة من دين المسلمين أجماعاً وقولاً واحداً، بالكتاب والسنّة، وقد حكم الدكتور الموسوي ببدعة هذا الزواج، وأنّه عادة جاهلية عمل بها الناس. بل أنّها دعوة إلى الإباحية التي لا توجد حتى لدى المجتمعات الإباحية-كما يقول في صفحة «109»، في التاريخ القديم والحديث، وحتى لويس الرابع عشر في قصره بفرساي وسلاطين الأتراك وملوك الفرس في قصورهم لم يجسروا عليها». ولكن النبي (ص) وصحابته الكرام أوجدوا هذه الإباحية وعملوا بها، وذلك بمقتضى النصوص المتقدمة عند علماء أهل السنّة وحفّاظهم، وأنّ جدّه الإمام الأكبر أحد دعاة هذه الإباحية، نعوذ بالله من تخبيل إبليس.

هذا ويقال للدكتور الموسوي:

المتعة مباحة بنصّ القرآن عند جميع المسلمين، وكل من أنكر النصّ فهو خارج عن الإسلام بنصّ الدكتور حيث يقول في

٢٦٩

صفحة «73»: «إنّ فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نصّ الكتاب، ومن يعارض النصّ الإلهي يعتبر خارجاً عن الإسلام».

أمّا النصّ الإلهي الذي خالفه الدكتور، فهو قوله تعالى: «فما استمتعتم به منهن...». وأمّا النصوص المستفيضة من السنّة النبويّة على إباحتها، وأنكرها الدكتور، فكما تقدم، وأمّا مخالفة الدكتور للإجماع، فقد حكينا قيام الإجماع على إباحتها، وعلى هذا فقد خالف الدكتور الموسوي: النصّ الإلهي، والسنّة النبويّة، والإجماع.

٢٧٠

صلاة الجمعة

يقول الدكتور الموسوي في صفحة «126»: «أعتقد جازماً أنّ فقهائنا «هكذا مكتوبة، والصحيح، فقهاءنا»، إجتهدوا أمام النصّ الصريح بسبب واحد ألا وهو إيجاد الفرقة في الصف الإسلامي الكبير، وحمل الشيعة على عدم التلاحم مع الفرق الإسلامية الأخرى في صلاة يوم الجمعة».

ويقول في صفحة «127» بعد أن ذكر آية الجمعة في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة...»بهذا النصّ الصريح القاطع شرع الإسلام صلاة الجمعة وفرضها على كل من يؤمن بالله ورسوله وكتابه. غير أنّ الأكثرية من فقهاء الشيعة - سامحهم الله - إجتهدوا أمام النصّ الصريح وقالوا بالخيار بين صلاة الظهر والجمعة، وأضافوا أنّ شرط إقامة الجمعة إنّما هو حضور الإمام الذي هو الإمام المهدي...».

ويقول أيضاً: «و لا أريد أن أدخل أيضاً في جدول فقهي عقيم لم يحل منذ ألف عام عند فقهاء المسلمين، ولن يحل إذا ما أردنا أن نتحدث بلغة الروايات التي يستند عليها فقهاء الشيعة».

٢٧١

«إن كل ما قيل ويقال في إسقاط صلاة الجمعة في عهد غيبة الإمام يصطدم بنصّ صريح لا إجتهاد فيه وذلك إذا كنّا ملتزمين بدستور الإسلام، فنحن أمام دستور ثابت وصريح وواضح لم يكن مقيداً بقيود أو مشروطاً بشروط، ولست أدري كيف استطاع فقهائنا «هكذا مكتوبة، والصحيح، فقهاؤنا»، أن يحتهدوا في نصّ قرآني بليغ وواضح...» إلى آخر ما يقوله...

أقول : ويرد على ذلك كله أمور:

الأول : قوله «أعتقد جازماً أن «فقهائنا» إجتهدوا أمام النصّ الصريح...»، فالذي لا يعرف المنصوب من المجرور، والفاعل من المفعول، فمن طريق أولى أنّه لا يعرف موارد الاجتهاد، ومتى يكون في مقابل النصّ، فلو أنّ الآية نصّ صريح في وجوب صلاة الجمعة على الإطلاق من دون قيد ولا شرط، لما وقع فيها الخلاف، مع أنّ فقهاء الشيعة وأهل السنّة متفقون على وجوب صلاة الجمعة بأصل الشرع، إلّا أنّهم اختلفوا في شروطها، ألا ترى أن الحج واجب بأصل الشرع في قوله تعالى: «و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، وكذلك الصلاة، فإنّها واجبة بأصل الشرع في قوله تعالى: «و أن أقيموا الصلاة»، مع العلم بأنّ كل آية من هذه الآيات نصّ صريح في الوجوب،إلّا أنّ هذا الوجوب موقوف على بعض الشروط ليخرجه من حيز القوة إلى حيز الفعل. فالحج واجب بحسب الأمر والواقع، ولكن وجوبه الفعلي مشروط بالاستطاعة، والصلاة واجبة، ولكنها مشروطة بالبلوغ والعقل ودخول الوقت وغيرها من الشروط المنجزة للصلاة، وهكذا

٢٧٢

بقية الواجبات، وهذه الشروط لم يبينها الكتاب الكريم، وقد تكفلت السنّة النبويّة في بيانها، ومنها صلاة الجمعة.

الثاني : إنّ الآية المذكورة مطلقة لم يبيّن فيها وقت صلاة الجمعة، ولا عدد ركعاتها، وغاية ما في الأمر هو إطلاق وجوب صلاة الجمعة، وهذا لا خلاف فيه، وإنّما الخلاف في تحقق شروط هذا الوجوب، فمنهم من أوجبها مطلقاً بلا قيد ولا شرط، ومنهم من قال بالتخيير بين صلاة الجمعة والظهر عند عدم توفّر الشروط، وأما مع توفّرها فيكون الوجوب عيناً، وكل ذلك خفي على رجل الشريعة.

الثالث : وأمّا استدلاله بآية الجمعة، فهو استدلال من لا يعرف قواعد وأصول الاستدلال، مع أنّ الاستدلال بهذه الآية على وجوب صلاة الجمعة بالوجوب العيني، موقوف على معرفة جملة من مباحث علم الأصول، كمبحث الألفاظ المشتمل على عدّة مباحث، منها مثلاً، معرفة آراء العلماء في المعني الحرفي، والوضع، والمشتق، والصحيح والأعمّ، ومباحث الأوامر والنواهي، وأنّ الأمر هل هو ظاهر في الوجوب أم أعمّ من الوجوب والندب، وأنّ الأمر هل يفيد التكرار أم لا، وأنّه يدل على الفور أو التراخي، وأنّ الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أم لا، كما يلزم معرفة الملازمات العقلية، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، ومتى يجب العمل بالمطلق أو العام، إلى غير ذلك من مباحث الألفاظ. كما وأنّ الاستدلال بهذه الآية على وجوب صلاة الجمعة، موقوف أيضاً على القول بحجية الظهور، والمتكفل ببيان ذلك مباحث الحجج،

٢٧٣

كمبحث القطع، ومباحث حجية الظن، والأصول العملية، وما يتعلق بهذه المباحث من قضايا النحو واللغة والمعاني والبيان والتفسير وعلم الرجال والجرح والتعديل، والفلسفة والكلام وعلوم المنطق، وأنّى للدكتور الموسوي كل ذلك حتى أجاز لنفسه أن يستدل بالآية على وجوب صلاة الجمعة، فالآية لم تأت إلّا بإطلاق الأمر المتعلق بالصلاة يوم الجمعة من دون ذكر الشروط والواجبات التي يجب أن تتوفر في صلاة الجمعة، مع عدم ذكر الموانع التي تمنع من وجوبها. وجل هذه الشروط والموانع مستفاد من السنّة، والذي يستفاد من الكتاب العزيز وجوب السعي إلى صلاة الجمعة عند سماع النداء، مع أنّ جميع فقهاء المذاهب إشترطوا العدد والخطبتين والحضور، وعدد المقيمين لصلاة الجمعة، وكل ذلك لم يذكر في الآية. فلو كانت الآية صريحة كما يدّعي، وأنّ فقهاء الشيعة إجتهدوا أمام النصّ الصريح، لما وقع فيها كل ذلك، نعم، الآية تدلّ على أصل الوجوب كبقية الواجبات، وهذا لا خلاف فيه.

الرابع : وأمّا قوله: «و لا أريد أن أدخل أيضاً في جدل فقهي عقيم لم يحلّ منذ ألف عام عند فقهاء المسلمين، ولن يحل إذا ما أردنا أن نتحدث بلغة الروايات التي يستند عليها فقهاء الشيعة». فهو من أوضح الواضحات على ما يضمره الدكتور من محاولات لترك النصوص الشرعية، والرجوع إلى الهوى، مع أنّ السنّة النبويّة أحد المصادر التشريعية، بل أنّها أعظم مصدر تشريعي بعد القرآن، ولما كان الدكتور من غير ذوي الاختصاص بهذا الفن، من حيث معرفة مداليل الروايات وأسانيدها، حاول

٢٧٤

التخلّص منها وعدم الرجوع إليها في حلّ مسألة صلاة الجمعة.

ثم إنّ المسألة إذا لم تكن قابلة للحل، وأنّ الدخول فيها دخول في جدل فقهي عقيم لم يحل منذ ألف عام عند فقهاء المسلمين، إلّا بترك الروايات الواردة عن النبي (ص)، والرجوع إلى الهوى، فلماذا إذن كل هذا التحامل والتشنيع على فقهاء الشيعة؟ وهم لم ينكروا وجوبها، وإذا كان فقهاء المسلمين منذ القديم لم يتمكنوا من حلّ المشكلة، فهل يستطيع الدكتور الموسوي حلّها؟ أو أنّه في تصحيحه يحاول إيجاد الفرقة والغلظة بين المذاهب الإسلامية بعد أن حاول الغيارى من علماء المسلمين القضاء على هذه الفرقة، وأنّ مثل هذه الأمور لا أثر لها على وحدة المسلمين. ولكن الدكتور يريد أن يشعل نارها من جديد بحجة التصحيح.

وأغرب من ذلك، أننا تصفحنا الرسالة العملية للإمام الأكبر السيد أبو الحسن «وسيلة النجاة» فلم نر ذكراً لصلاة الجمعة فيها، والذي يبدو من الإمام الأكبر-حسب تعبير الدكتور-أنّه يذهب إلى عدم وجوبها إلّا مع السلطان العادل، ومع عدم وجوده يحرم أقامتها، والدكتور يدّعى أنّ جدّه قدّس سره أحد المصلحين الذين يحاولون التصحيح والقضاء على الفرقة، فبماذا يجيب؟

الخامس : إنّ صلاة الجمعة عند فقهاء الشيعة واجبة بأصل الشرع بلا خلاف عندهم، ولكنهم اختلفوا في شروطها-كغيرهم من المذاهب الأخرى-فمن شروط الوجوب عند بعضهم، السلطان العادل، فتجب عينا بوجوده، ومع عدم وجود السلطان العادل،

٢٧٥

فمنهم من يذهب إلى الوجوب التخييري بين صلاة الجمعة وبين الظهر، وهذا هو الأغلب عند فقهاء الشيعة، وقيل بعدم الوجوب.

واعتبار السلطان العادل في وجوب إقامة الجمعة، لم ينفرد به فقهاء الشيعة، فهو مذهب أبي حنيفة ومالك، حيث ذهبا إلى عدم انعقاد الجمعة إلّا بإذنه، ولا تصحّ إلّا في مصر جامع لهم سلطان، وهذا ما حكاه عنهما الشيخ عبد الرحمن الشافعي في ميزانه بهامش الجزء الأول ص71، والشعراني في ص204 من ميزانه من جزئه الأول في صلاة الجمعة(1) .

يقول القزويني: «و الغريب من الذين يقيمون صلاة الجمعة انّهم ينددون بمن يقيمون صلاة الظهر دونها، ويطعنون فيهم وينسبونهم إلى ترك فريضة ويستدلون عليهم بقوله تعالى في آخر سورة الجمعة: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله...». ولكن الذي فاتهم هو أنّ آية الجمعة واحدة نزلت في الصلاة من يومها، كما يدل عليه منطوقها، أعمّ من الصلاة التي يقيمونها، والعام لا دلالة فيه على إرادة الخاص، فالآية لا تفيد سوى مشروعية هذه الصلاة، أمّا من حيث الكيف والكلم والأين ومتى، فلا دلالة فيها على شيء منها إطلاقاً، وإذا تعدينا الآية إلى السنّة لرأينا أنّ وجوب هذه الصلاة مشروط

_____________________

(1) أنظر القزويني: الشيعة في عقائدهم وأحكامهم-ص113. والسيد محسن الأمين: نقض الوشيعة-ص20.

٢٧٦

بأمور كثيرة، وأهمها السلطان العادل الذي يقيم الحدود بالشكل الذي أنزل الله في القرآن وجاء به النبي (ص) الأمين... ولكن لماذا يا ترى لا نراهم يستدلون بعشرات الآيات النازلة في القتال في سبيل الله على وجوب فريضة الجهاد التي هي من أشرف الفرائض على كل حال، والتي تقف دونها صلاتهم من يوم الجمعة، وما الفائدة العائدة على الإسلام والمسلمين في إقامتهم لهذه الصلاة دون صلاة الظهر، وما هو الضرر الحاصل في إقامة الظهر دونها، وما فائدة صلاتهم إذا كانت لا تقيم الإسلام كل الإسلام في واقع الحياة، ولا تستأصل شأفة الكافرين... وهل لذلك وجه غير فرارهم من الموت وخوفهم من أن يصابوا في الله معرة أو تنالهم في ذلك شوكة، ولو أضرت الجمعة التي يقيمونها بأموالهم وأنفسهم لتركوها كما تركوا أشرف الفرائض وهو الجهاد في إعلاء كلمة الدين وتطبيق نظامة تطبيقاً كاملاً في شتى المجالات، وإنكار ذلك مكابرة واضحة»(1) .

وخير دليل على وجوب صلاة الجمعة عند فقهاء الشيعة ما يقوله الدكتور الموسوي في صفحة «128».

«و بعد أن استلم الفقهاء السلطة في إيران أصبحت صلاة الجمعة في ضمن سياسة الدولة الأساسية وعيّنت ولاية الفقيه لكل مدينة إماماً يسمى «إمام الجمعة...». ولكن الدكتور يسرع في تشويه الحقائق في قوله: «كما كان يفعل الشاه من قبل واستحدثوا

_____________________

(1) القزويني: المصدر السابق-ص114.

٢٧٧

تسمية جديدة لها وهي «صلاة العبادي السياسي»،.... ولكن الذي يعنيني إنّ صلاة الجمعة لا زالت متروكة في كثير من المناطق... ومن هنا أودّ أن أطلب التصحيح والقضاء على هذه الظاهرة التي تتناقض مع روح الإسلام وأهدافه ونصّ القرآن الكريم». وجواب ذلك ما ذكرناه سابقاً فراجع.

٢٧٨

تحريف القرآن

إنّ ظاهرة القول بتحريف القرآن، ونسبة ذلك إلى الشيعة، ظاهرة قديمة وليست من مبتدعات الدكتور موسى الموسوي، فقد سبقه في ذلك، أحمد أمين في كتابيه فجر الإسلام وضحاه، وموسى جار الله التركستاني في كتابه الوشيعة، وإحسان ظهير، وغير هؤلاء ممن أراد تشويه عقيدة الشيعة من غير دليل ولا برهان، سوى المفتريات، وتبعهم في ذلك الدكتور الموسوي فزاد على هؤلاء في مفترياته على الشيعة بحجة التصحيح، وقد ملأ كتابه منها من غير خجل ولا حياء من صاحب الشريعة (ص)، فهو يقول في صفحة «131»:

«لست أدري كيف يستطيع المرء أن يقول بتحريف القرآن وأمام نصّ صريح يدحض كل الأقوال حول التحريف، ولست أدري أيضاً كيف يستطيع أحد أن يكون مؤمناً بالقرآن وهو يدلي رأياً يناقض ما جاء في الآية الكريمة:

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

_____________________

(1) سورة الحجر: الآية 9.

٢٧٩

ويقول أيضاً: «و القائلون بالتحريف يشكّلون عدداً من علماء الفرق الإسلامية كلها، إلّا أنّ علماء الشيعة ومحدّثيهم يشكّلون الأكثرية... ولكن ذهب آخرون إلى التحريف بإصرار وعناد منهم النوري الذي ألّف كتاباً أسماه «فصل الخطاب في تحريف الكتاب». وذكر الكتاب المذكور عبارات تزعم أنّها آيات قرآنية محرّفة...».

أقول : لا شك أنّ من قال بتحريف القرآن، فقد افترى على الله الكذب، ووجود بعض الروايات الدالة على التحريف، مع التسليم بها في كتب الشيعة، فإنّها لا تعبّر عن رأي الشيعة ولا علمائهم، لأنّها من أخبار الآحاد التي لا تفيد علماً ولا عملاً، خصوصاً وأنّ علماء الشيعة قد نفوا وقوع التحريف في القرآن، كما اعترف الدكتور الموسوي بذلك. بالإضافة إلى أنّ الشيعة لا تعتقد بصحة ما في كتب الأحاديث من روايات، ولأجل ذلك فتحوا باب الاجتهاد لتنقيح تلك الروايات وطرح ما يخالف الضرورة من دين المسلمين، ولما كان القول بتحريف القرآن مخالفاً للضرورة عند علماء الشيعة، فاتهامهم بالتحريف من الباطل في القول، ولهذا نجد الدكتور الموسوي ينفي القول بالتحريف عن أكثر علماء الشيعة، لأنّ الأكثرية منهم لا تقول به.

وأمّا استشهاد الدكتور بالنوري، فاستشهاد باطل، لأنّ الشيخ النوري لا يمثّل رأي الشيعة ولا علمائهم في هذه المسألة، وإنّما هو رأي شخصى انفراد به على فرض صحته، ولكن

٢٨٠