مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح0%

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 354

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علاء الدين السيد امير محمد القزويني
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 354
المشاهدات: 53023
تحميل: 2884

توضيحات:

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53023 / تحميل: 2884
الحجم الحجم الحجم
مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من الجبال الرواسي...»(1) . وجاء فيه أيضاً: قال أبو جعفر (ع): «إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله...»(2) .

أقول : هذا ما جاء عن ثقة الإسلام الكليني من أقوال وروايات تحث المسلمين على عرض الرواية على كتاب الله، ولا شك أنّ المخاطبين هم علماء الشيعة، فلو كان للشيعة قرآن غير هذا القرآن، كما يزعم البعض، أو كان القرآن قد وقع فيه التحريف، فكيف يصحّ عرض الرواية عليه، لاحتمال أن تكون الآية التي تعرض عليها الرواية، قد وقع فيها التحريف. ثم إنّ قول الإمام (ع): فاسألوني من كتاب الله، وكتاب الله في ذلك الوقت هو الكتاب الذي بأيدينا من غير زيادة ولا نقيصة، فوجوب السؤال من كتاب الله يلزمه عدم التحريف، وإلّا كان السؤال من غير كتاب الله، لاحتمال وقوع التحريف في الآي. وفي ذلك يقول الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء:

«ويرد على هذا كله إشكال: وهو أنّه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً فتنتفي فائدته، وفائدة الأمر باتّباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك، وأيضاً قال الله عز وجل: «و إنّه لكتاب

_____________________

(1) نفس المصدر: ص7-8.

(2) نفس المصدر: ص60.

٣٢١

عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». وقال: «إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون». فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير...»(1) .

يقول الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: «أمّا الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان فروى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة «أهل السنّة» إنّ في القرآن نقصاً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى...»(2) .

يقول الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي: «الصحيح إنّ القرآن محفوظ عن ذلك - أي التحريف - زيادة كان أو نقصاناً. ويدل عليه قوله تعالى: وإنّا له لحافظون»(3) .

ويقول الشيخ جعفر النجفي في مقدمة كتابه كشف الغطاء: لا ريب أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر»(4) .

وجاء عن الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء: «... و أنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام وأنّه لا

_____________________

(1) الكاشاني: المحجة البيضاء-ح2-ص263.

(2) الطبرسي: مجمع البيان-ح1-ص15.

(3) السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة-ص162.

(4) نفس المصدر: ص163.

٣٢٢

نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ، بنصّ الكتاب العظيم: « إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون»(1) .

وقد بيّن الشيخ محمد رضا المظفر عقيدة الشيعة في القرآن بقوله: « يعتقد الشيعة بأنّ «القرآن» هو الحي الإلهي المنزّل من الله تعالى على لسان نبيّه الأكرم فيه تبيان كل شيء، وهو معجزته الخالدة... لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزّل على النبي، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى، فإنّه كلام الله الذي «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»(2) .

هذه صورة لما يعتقده الشيعة في كتاب الله، حيث أجمعوا على القول بعدم وقوع التحريف فيه، ومن هنا يظهر فساد ما ذهب إليه الدكتور الموسوي، وموسى جار الله في كتابه الوشيعة، وإحسان ظهير، وغير هؤلاء، من أن القول بتحريف القرآن من معتقدات الشيعة.

_____________________

(1) محمد الحسين آل كاشف الغطاء: أصل الشيعة- ص63-64.

(2) محمد رضا المظفر: عقائد الإمامية- ص41-42.

٣٢٣

٣٢٤

الجمع بين الصلاتين

يقول الدكتور الموسوي في صفحة «138»:

«تنفرد الشيعة الإمامية بالجمع بين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء في الحضر.

وموقفي من هذا الخلاف الفقهي يختلف تماماً عن غيره من المسائل الفقهية، إلّا أنّ هذه الظاهرة التي تنفرد بها الشيعة قد تضر بالوحدة الإسلامية الكبرى، ولا سيما أنّ الأكثرية من فقهاء الشيعة يفتون باستحباب إتيان الصلوات في أوقاتها المحددة، ولكن من الناحية العملية يذهبون إلى الجمع وقد جرت العادة في مساجد الشيعة على هذا النحو».

ويقول أيضاً: «و الصلوات الخمس فرضت لأوقات محددة وسميت بها، فوقت العصر يختلف عن الظهر والعشاء من الناحية الزمانية يختلف عن المغرب، ولا شك أنّ هناك حكمة بالغة إلهية في فرض الصلوات في هذه الأوقات الخمسة وجعلها عمود الدين ومن أهم الشعائر الإسلامية»... «و كان الرسول (ص)

٣٢٥

يصلّي في مسجده بالمدينة في الأوقات الخمسة وهكذا الخلفاء بعده بما فيهم الإمام علي، وهكذا كانت سيرة أئمة الشيعة، وإذا جمع الرسول (ص) بين الصلاتين مرّة أو مرتين في غير سفر فقد كان في السفر أو للترخيص، أمّا عمله (ص) فكان هو الالتزام بالأوقات الخمسة».

أقول : كان المفروض من الدكتور أن لا يتناول هذه المسألة في تصحيحه، وأن يعتبرها من المسائل التي انفرد بها الشيعة دون سائر الفرق الإسلامية، مع أنّ المسألة خلافية، وهذا أمر قد قامت الأدلة عندهم من الكتاب والسنّة على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة، وليست خمسة كما يدّعيه الدكتور، وذلك بنصّ القرآن الكريم، مع جواز التفريق، وأنّه أفضل، وهذا لا يعني أنّ أوقات الصلوات خمسة، إذن فلا مجال له للنقد على علماء الشيعة إلّا بعد إقامة البرهان على خطئهم حتى يكون نقده صحيحاً، وإلّا فليس له أن ينقد أحداً لمجرد مخالفته في الرأي من دون دليل، وهذه هي عادة الدكتور الموسوي. ولما كانت المسألة اجتهادية، فليس له ولا من حقّه أن يقول: إنّ اجتهادك مخالف لاجتهادي، وعلى هذا فاجتهادك خطأ واجتهادي هو الصحيح، وهذا ليس من دأب العلماء ولا من أخلاقهم، وبالأخص إذا كان الدليل القطعي خلاف ما يدّعيه، ومن ذلك ما يقوله: «و موقفي من هذا الخلاف الفقهي» فإذا كانت المسألة خلافية، فلماذا إذن كل هذا التشنيع على الشيعة في تصحيحك المزعوم، وهم لم يأتوا بما يخالف الكتاب والسنّة، فتوحيد الأمّة الإسلامية، التي تدعوا إليها، لا يكون على حساب

٣٢٦

مخالفة الشريعة، وإنّما يكون باتّباع المتفق عليه دون سواه.

وأما قوله: «و لا شك أنّ هناك حكمة بالغة إلهية في فرض الصلوات في هذه الأوقات الخمسة...»، بالإضافة إلى افترائه على الله سبحانه، فهو قول يحتاج إلى سند أو دليل يعضده من الكتاب أو السنّة، لا أن يطلق القول من دون دليل، وهذا هو شأنه في كتابه «الشيعة والتصحيح»، مع أنّ الحكمة الإلهية في الجمع بين الصلاتين أوضح من أن تحتاج إلى مزيد بيان، لقوله (ص): لئلا أشق على أمّتي كما سوف يأتي.

«أوقات الصلاة في القرآن ثلاثة»

وحسبك دليلاً على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة ما جاء في قوله تعالى:( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ... ) (1) . فقوله تعالى: لدلوك الشمس، أي زوالها، ويستمر هذا الوقت الخاص بصلاة الظهر والعصر إلى غسق الليل، أي ظلمة الليل، وبهذا يدخل وقت صلاة المغرب والعشاء، إلى قرآن الفجر، أي وقت صلاة الصبح. وهذه الآية نصّ على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة وليس فيها ما يدلّ على أنّ أوقات الصلاة خمسة كما يدّعيه الدكتور الموسوي.

وأمّا الآية الثانية فهي قوله تعالى:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ

_____________________

(1) سورة الإسراء: الآية 78.

٣٢٧

النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (1) . فقوله تعالى: طرفي النهار، يعني صلاة الصبح، وهي الطرف الأول، وأمّا الطرف الثاني، فهو مختص بالظهر والعصر من دون تفريق، وأمّا قوله تعالى: وزلفاً من الليل، يعني صلاة المغرب والعشاء من غير تفريق. وعلى هذا فالأوقات للصلاة اليومية المنصوص عليها في القرآن ثلاثة فقط، ولهذه النصوص جمع الشيعة بين الصلاتين.

ويؤيد ذلك ما جاء في تفسير الآيتين عن علماء أهل السنّة وحفّاظهم:

يقول الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: «أقم الصلاة لدلوك الشمس». «و اعلم أنّه يتفرع على هذين القولين بحث شريف، فإن فسّرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب، وعلى هذا يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات، وقت الزوال، وقت أول المغرب، ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين، وأن يكون أول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء مطلقاً»(2) .

ويقول القرطبي في تفسير قوله تعالى: «و أقم الصلاة طرفي

_____________________

(1) سورة هود: الآية114.

(2) الفخر الرازي: التفسير الكبير-ح21-ص27.

٣٢٨

النهار...». «لم يختلف أحد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة... قوله تعالى: «طرفي النهار»، قال مجاهد: «الطرف الأول صلاة الصبح، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر، واختاره ابن عطية... والزلف المغرب والعشاء...»(1) .

وفي تفسير ابن كثير عن مجاهد في قوله تعالى: «و أقم الصلاة طرفي النهار...» قال: هي الصبح في أول النهار، والظهر والعصر مرة أخرى... وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه: وزلفا من الليل، يعني المغرب والعشاء، قال رسول الله (ص): هما زلفا الليل، المغرب والعشاء، وكذا قال مجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والضحّاك إنّها صلاة المغرب والعشاء»(2) .

وفي المنتخب في تفسير قوله تعالى: «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل...». «أقم الصلاة المفروضة من أول زوال الشمس من وسط السماء نحو الغرب، إلى ظلمة الليل، وهذه صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وأقم صلاة الفجر التي تشهدها الملائكة»(3) .

_____________________

(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن-ح9-ص109.

(2) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم-ح2-ص461-462، دار المعرفة-بيروت-1969.

(3) المنتخب في تفسير القرآن: ص421-ط11-القاهرة-1985.

٣٢٩

يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: «و أقم الصلاة طرفي النهار...»، «و الآية هنا تذكر طرفي النهار، وهما أوله وآخره، وزلفا من الليل أي قريباً من الليل، وهذه تشمل أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها»(1) .

ويقول في تفسير قوله تعالى: «أقم الصلاة لدلوك الشمس...». «و قد فسّر بعضهم دلوك الشمس بزوالها عن كبد السماء، والغسق بأول الليل، وفسّر قرآن الفجر بصلاة الفجر، وأخذ من هذا أوقات الصلاة المكتوبة، وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء-من دلوك الشمس إلى غسق-ثم الفجر». ويقول أيضاً: «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل...» أقم الصلاة ما بين ميل الشمس للغروب وإقبال الليل وظلامه»(2) .

ويميل سيد قطب إلى أنّ هذه الآية مختصّة بالرسول (ص)، وهذا مخالف لما أجمع عليه المسلمون من أنّ الآية، وإن كان الأمر فيها متوجهاً إلى النبي (ص)، قد وردت في بيان أوقات الصلاة، ولم يختلف في ذلك أحد كما يقول القرطبي، وفي القرآن كثير من الآيات يكون الخطاب فيها متوجهاً إلى النبي (ص)، مع سريان الحكم إلى جميع المسلمين، مثل قوله تعالى: «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين...» وقوله تعالى: «يا أيها النبي قل

_____________________

(1) سيد قطب: في ظلال القرآن-ح4-ص1932-دار الشروق-بيروت-ط7-1978.

(2) نفس المصدر: ص2246.

٣٣٠

لأزواجك...» إلى غيرها من الآيات الدّالة على أنّ الحكم يسري إلى غير المخاطب بالأمر. وإلّا كان اللازم على النبي (ص) أن يقاتل الكفّار بنفسه، وهو باطل بالضرورة، فيتعيّن أن الآية وردت في بيان أوقات الصلاة المفروضة، وهي ثلاثة.

«جواز الجمع بين الصلاتين في غير سفر ولا مطر»

وأمّا جواز الجمع بين الصلاتين في غير سفر ولا مطر، فهذا شيء قد أجمع عليه الفريقان من الشيعة وأهل السنّة، وأنّ النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في غير سفر ولا مطر، وهذا ما روته الصحاح والمسانيد وعلى رأسهم صحيح البخاري ومسلم.

أمّا الإمام مسلم فقد أخرج في صحيحه في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك، قال: أراد ألّا يحرج أمّته»(1) .

وفي الباب نفسه عن جابر عن زيد عن ابن عباس قال: «إنّ رسول الله (ص) صلى بالمدينة سبعاًو ثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء»(2) . و أخرج أيضاً أنّ رجلاً قال لابن عباس: «الصلاة

_____________________

(1) صحيح مسلم: ح2-ص151.

(2) نفس المصدر:ص152.

٣٣١

فسكت ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: لا أم لك، أتعلمنا الصلاة، كنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص)»(1) .

وأخرج البخاري في صحيحه في باب تأخير الظهر إلى العصر من كتاب مواقيت الصلاة عن ابن عباس، «أنّ النبي (ص) صلّى بالمدينة سبعا وثمانيا، الظهر والعصر والمغرب والعشاء»(2) . وفي باب وقت المغرب عن عمر بن دينار قال: «سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال: «صلّى النبي (ص) سبعاً جميعاً وثمانيا جميعاً»(3) .

وفي آخر صلاة العصر عن أبي أمامة أنّه قال: «صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر، فقلت: يا عم ما هذه الصلاة التي صلّيت، قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله (ص) التي كنّا نصلّي معه(4) .

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل عن عكرمة عن ابن عباس قال: «صلّى رسول الله (ص) في المدينة مقيماً غير مسافر سبعا

_____________________

(1)أنظر السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة-ص19. وأيضاً صحيح مسلم:ح2-ص152.

(2) صحيح البخاري:ح1-ص71.

(3) نفس المصدر:ص73. وانظر ص139.

(4) نفس المصدر:ص72.

٣٣٢

وثمانيا»(1) . وفي رواية شعبة عن قتادة قال: سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال: «جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: وما أراد لغير ذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمّته»(2) .

وفي رواية قيس قال: حدّثني صالح مولى التوأمة عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير مطر ولا سفر، قالوا يا ابن عباس ما أراد بذلك، قال: التوسع على أمّته»(3) . وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: «صلّيت مع النبي (ص) ثمانيا جميعاً وسبعا جميعاً قلت لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمّته»(4) .

قال النووي في شرحه لهذه الأحاديث من صحيح مسلم ص246 من جزئه الأول ما لفظه: «و ذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر». فالشيعة إنّما جمعت بين الصلاتين لأجل هذه الأحاديث المسجلة في أصحّ الكتب عند أهل السنّة بعد القرآن(5) . ولهذا يظهر فساد قول الدكتور في صفحة «138»:

«و نحن في العملية التصحيحية نهتم بجمع الشمل من الناحية النظرية والعملية على السواء... وهذا لا يتم إلّا بالعودة إلى عصر

_____________________

(1) الإمام أحمد: المسند-ح1-ص221.

(2) نفس المصدر:ص223.

(3) نفس المصدر:ص346.

(4) نفس المصدر: ص349.

(5) أنظر القزويني: الشيعة في عقائدهم وأحكامهم-ص121-122.

٣٣٣

الرسالة والتمسّك بسنّة رسول الله (ص) على الطريقة التي كان (ص) يؤدّيها...».

أقول : أمّا الناحية النظرية التي يهتم بها الدكتور في تصحيحه، فهي مخالفة لكتاب الله، فقد نصّ القرآن - كما مرّ - على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة، الدكتور يريد أن يجعلها خمسة مخالفاً بذلك النصّ القرآني، بالإضافة إلى مخالفته الصريحة لما جاء عن علما أهل السنّة ومفسّريهم من تفسير الآيتين المتقدمتين في ذلك.

وأمّا الناحية العملية التي يدعو إليها في رسالته التصحيحية، فهي مخالفة أيضاً لسيرة رسول الله (ص) وعمله، وقد دلّت الروايات الصحيحة على أنّ النبي (ص) كان يجمع بين الصلاتين في مسجد المدينة، وهذه هي صلاته (ص) كما يقول أنس بن مالك، فالدكتور الموسوي يريد من الشيعة أن يخالفوا كتاب الله وسنّة نبيّه (ص) من الناحيتين النظرية والعملية، كما خالفهما هو.

هذا ونقول للدكتور: وأنت حفيد الإمام الأكبر، أليس جدّك الإمام الأكبر كان يجمع بين الصلاتين؟ وأنت تدّعي في تصحيحك، أنّه أحد المصلحين الذين يحاولون التصحيح، وجمع كلمة المسلمين، وقد تفرّد قدّس سرّه، بالمرجعية الشيعية طيلة ثلاثين سنة وهو يجمع بين الصلاتين. فإن قلت بذلك، فقد حكمت على جدّك الإمام الأكبر، بأنّه يدعو إلى الفرقة بين المسلمين، ويبطل قولك، أنّه من المصلحين، وإن قلت: إنّه لم يجمع بين الصلاتين، فهو افتراء عليه، فبماذا يجيب الحاكم العادل؟ وأين يضع الدكتور الموسوي من كفتي الميزان؟

٣٣٤

الرجعة

ومن الأمور التي شنع بها الدكتور الموسوي على الشيعة، إيمانهم بالرجعة، بمعنى أنّ الله يحيي الموتى ويرجعهم في هذه الحياة الدنيا، والرجعة من الأمور النقلية، وإن دلّ العقل على إمكانها، فإن صحّ النقل بها لزم اعتقادها وإلّا فلا، ولا يستحق كل هذا التهويل والتشنيع والاستنكار ما دامت المسألة لا تضر بالتوحيد ولا بالنبوّة، بل الإيمان بها إيمان بقدرة الله سبحانه، ولكن الحقد أراه الباطل حقاً، والضلال إيماناً،( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿78﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (1) . فالشيعة تؤمن بأنّ الله سبحانه قادر على كل شيء، فكما أوجد الإنسان من العدم، فهو قادر على إعادته مرّة أخرى، بل وثالثة وهكذا، ولأجل هذا كثر التشنيع على الشيعة من خصومهم، ومنهم الدكتور الموسوي، وهو ظلم فاحش، فإن كان هذا التشنيع من حيث أنّ الرجعة محال أو مستبعدة، فهو كمنكري البعث في تشنيعهم على النبي (ص) في قولهم: «أإذا كنّا تراباً

_____________________

(1) سورة يس: الآية 79.

٣٣٥

وعظاماً أإنّا لمخرجون...». فردّ الله عليهم: «أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد».

ولنرجع إلى ما يقوله الدكتور الموسوي في صفحة «140» تحت العنوان التالي:

الرجعة

«وعند ما تمتزج الأسطورة بالعقيدة والأوهام بالحقائق تظهر البدع التي تضحك وتبكي في آن واحد».

أقول : ماذا يعني الدكتور بالأسطورة؟ فإن كان يعني بها الإيمان بقدرة الله على إرجاع بعض الموتى، فقد خالف النصوص الصريحة، والآيات القاطعة على إرجاع بعض الموتى إلى الحياة الدنيا. وإن كان يعني أنّ الله ليس بقادر على إحيائهم وإعادتهم إلى الحياة، فقد نفى قدرة الله سبحانه، فقوله: «و عند ما تمتزج الأسطورة بالعقيدة والأوهام بالحقائق»، فهو سوء في التعبير، وقلّة في الفهم، وخروج عن الحق، وإلّا فأي أوهام امتزجت بالحقائق، إحياء الله سبحانه الموتى، وقد نصّ القرآن على إحيائهم بعد إماتتهم وإعادتهم إلى الدنيا، وبهذا يكون قد خالف تلك النصوص القرآنية من حيث يشعر أو لا يشعر. فالإيمان بقدرة الله من الأوهام التي امتزجت بالحقائق عند الدكتور الموسوي فأظهرت البدع التي قال بها الشيعة. وهي بدعة الرجعة.

وأمّا قوله في صفحة «141»: «هناك موضوعان يحتلان موقعاً صغيراً في عقيدة الشيعة الإمامية ولا أثر لهما في الحياة الشيعية

٣٣٦

الاجتماعية والفكرية، اللهم إلّا أنّهما يثيران الجدل والبحث حول المذهب... إنّهما الرجعة والبداء، وقد كنّا نود أن نغفل هذين البحثين في كتاب التصحيح...».

أقول : لما لم يكن بيد الدكتور دليل واحد يركن إليه في تشويه عقيدة الشيعة سوى المفتريات والأباطيل التي لا تستند إلى شرع أو عقل، عاد مرة أخرى ليبيّن الفجوات التي يمكن له الدخول منها وإن كانت مخالفة لكل القيم الإنسانية والأمانة العلمية. فإذا كانت الرجعة تحتل موقعاً صغيراً في عقيدة الشيعة، وليس لها أثر في الحياة الشيعية ولا الفكرية، فلماذا إذن كل هذا التحامل الذي لا يستند إلى دليل أو برهان، سوى الحقد والعدوان على الشيعة؟

وأمّا ادّعاؤه بأنّ الرجعة تعني في المذهب الشيعي أنّ أئمة الشيعة مبتدئاً بالإمام علي (ع) ومنتهياً بالحسن العسكري الذي هو الإمام الحادي عشر عند الشيعة الإمامية سيرجعون إلى هذه الدنيا ليحكموا المجتمع الذي أرسى قواعده بالعدل والقسط الإمام المهدي...». فعلى فرض صحته، فإنّه خاضع للنصوص الشرعية، فالمسألة لا تعدو كونها خلافية بين علماء الشيعة، فإن دلّ الدليل القطعي على صحّتها أخذ بها، وإلّا فهي كغيرها من الأمور التي لم يقم الدليل القطعي على صحّتها، وهذا لا يوجب كل هذه المفتريات على علماء الشيعة، وبالأخصّ أنّها لا تؤثر في الحياة الفكرية ولا الاجتماعية كما يقول.

٣٣٧

القرآن صريح في ثبوت الرجعة في الدنيا:

وأمّا النصوص الشرعية التي جاءت في كتاب الله على ثبوت الرجعة في الدنيا، وأنكرها الدكتور فكثيرة، آمن بها الشيعة، واعتبروها من النصوص الدّالة على قدرة الله سبحانه. كما أنّ بعض علماء أهل السنّة آمنوا بالرجعة نزولاً عند تلك النصوص.

هذا وقد ذكر ابن خزيمة أحد شيوخ أهل السنّة باباً في ذكر الدليل على أنّ قوله عزّ وجل: «و هو الذي يحييكم ثم يميتكم ثم يحييكم...». قال ابن خزيمة:

«قال الله عزّ وجل: «أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه». فقد أحيا الله هذا العبد مرتين قبل البعث ويوم القيامة، فهذه الآية تصرّح أنّ الله تعالى عزّ وجل قد أحيا هذا العبد مرتين، إذ قد أحياه المرة الثانية بعد مكثه ميتاً مائة سنة: وسيحييه يوم القيامة فيبعثه. وقال جلّ وعلا: «ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم».

يقول ابن خزيمة: «و قد كنت بيّنت في كتابي الأول معاني القرآن أنّ هذا الأمر أمر تكوين، أماتهم الله بقوله: «موتوا» لأنّ سياق الآية دال على أنّهم ماتوا، والإحياء إنّما كان بعد الإماتة، لأنّ قوله عز وجل: «ثم أحياهم»، دال على أنّهم قد كانوا ماتوا فأحياهم الله بعد الموت فهذه الجماعة قد أحياهم مرتين قبل البعث وسيبعثهم الله يوم القيامة أحياء. فالكتاب دال على أنّ الله يحيي

٣٣٨

هذه الجماعة.... قبل وقت البعث فكيف وقد ثبت في كتاب الله وسنن نبيّه (ص) خلاف دعواهم...»(1) .

ومن الآيات الصريحة على ثبوت الرجعة قوله تعالى:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ) (2) . يقول القزويني: «و مفهوم الآية واضح وهو يريد الحشر من كل أمّة فوجاً ولا يريد حشر القيامة، وإلّا كان اختصاص الحشر بفوج من كل أمة لغواً باطلاً، وهو محال على الله تعالى أن يريده، فلا يجوز حمل كلامه عليه، لذا تراه - سبحانه - لما أراد حشر القيامة عبر بما يفيده فقال تعالى في سورة الكهف آية 47: «و حشرناهم فلم نغادر منهم أحداً» فعلمنا من ذي وتلك أنّ الآية الأولى تريد الرجعة وتختص بها، والثانية تريد حشر القيامة»(3) .

ومن الأدلة على ثبوت الرجعة أيضاً قوله تعالى:( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) (4) فهذه الآية تفيد أنّ الله سبحانه أماتهم في هذه الدنيا ثم أحياهم وأرجعهم إلى الدنيا ثم أماتهم ثم أحياهم في القيامة كما يقتضيه اعترافهم ومحاولة خروجهم من النار، فالآية صريحة في أنّ لهم حياتين وموتتين، الأولى التي ذاقوها بعد حياتهم الأولى، والموتة

_____________________

(1) ابن خزيمة: كتاب التوحيد-ص374.

(2) سورة النمل: الآية83.

(3) السيد أمير محمد القزويني: الشيعة في عقائدهم وأحكامهم-ص344-345.

(4) سورة غافر: الآية11.

٣٣٩

الثانية التي ذاقوها بعد رجوعهم إلى الدنيا في الرجعة، والحياة الثانية التي عادوا إليها هي في القيامة لأنّ الموت لا يطلق حقيقة إلّا على ذي حياة، ولا يمتنع على قدرة الله تعالى أن يعيد جماعة ممّن محضوا الإيمان محضاً، وجماعة أخرى محضوا الكفر محضاً ويقتص من الأخير في هذه الدنيا بعد رحيلهم عنها(1) .

ومن الآيات قوله تعالى: «أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه». وقوله تعالى: «ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم».

و منها قوله تعالى:( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) (2) . وتعني هذه الآية أنّ الذين عذّبهم الله في هذه الدنيا على كفرهم لا يرجعون إليها لاستيفائهم العذاب فيها، وإنّما يرجعون في القيامة ليذوقوا العذاب في نارها، فيختص الرجوع إليها بغيرهم من الكافرين والظالمين المفسدين في الأرض الذين لم يذوقوا ألم القصاص فيها، ولا يصحّ أن تريد الآية أنهم لا يرجعون في القيامة لوضوح بطلانه(3) .

وقد أجاب السيد الحميري سواراً القاضي بحضرة الخليفة المنصور فيما رواه الشيخ المفيد حين قال سوار: يا أمير المؤمنين إنّه

_____________________

(1) نفس المصدر:ص345.

(2) سورة الأنبياء: الآية95.

(3) نفس المصدر: ص345.

٣٤٠