الكافي الجزء ١٥

الكافي4%

الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 909

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 909 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 82396 / تحميل: 4840
الحجم الحجم الحجم
الكافي

الكافي الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بن رئاب ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصبر رأس الإيمان

_________________________________________

وإن كان في نائبه مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا ويضاده الإذاعة ، وقد سمي الله تعالى كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله : «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ »(١) «وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ »(٢) «وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ »(٣) وسمي الصوم صبرا لكونه كالنوع له.

وقوله : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا »(٤) أي احبسوا أنفسكم علي العبادة وجاهدوا أهواءكم ، وقوله عز وجل : «اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ »(٥) أي تحمل الصبر بجهدك ، وقوله : «أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا »(٦) أي بما تحملوه من الصبر في الوصول إلى مرضات الله.

قوله : رأس الإيمان ، هو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس ، ووجه الشبه ما سيأتي في الخبر الآتي ووجهه أن الإنسان ما دام في تلك النشأة هو مورد للمصائب والآفات ومحل للحوادث والنوائب والعاهات ، ومبتلى بتحمل الأذى من بني نوعه في المعاملات ومكلف بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات ، وكل ذلك ثقيل على النفس لا تشتهيها بطبعها ، فلا بد من أن تكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقتدر على حبس النفس علي هذه الأمور الشاقة ، ورعاية ما يوافق الشرع والعقل فيها ، وترك الجزع والانتقام وسائر ما ينافي الآداب المستحسنة المرضية عقلا وشرعا ، وهي المسماة بالصبر ، ومن البين أن الإيمان الكامل بل نفس التصديق أيضا يبقى ببقائه ، ويفنى بفنائه ، فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٧.

(٢) سورة الحجّ : ٣٥.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٥.

(٤) سورة آل عمران : ٢٠٠.

(٥) سورة مريم : ٦٥.

(٦) سورة الفرقان : ٧٥.

١٢١

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن العلاء بن فضيل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا حفص إن من صبر صبر قليلا وإن من جزع جزع قليلا ثم قال عليك بالصبر في جميع أمورك فإن الله عز وجل بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره بالصبر والرفق فقال «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ »(١) وقال تبارك وتعالى «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ السَّيِّئَةَ ]

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : ضعيف.

« صبر قليلا » نصب قليلا إما على المصدرية أو الظرفية أي صبر صبرا قليلا أو زمانا قليلا ، وهو زمان العمر أو زمان البلية« في جميع أمورك » فإن كل ما يصدر عنه من الفعل والترك والعقد وكل ما يرد عليه من المصائب والنوائب من قبله تعالى ، أو من قبل غيره يحتاج إلى الصبر إذ لا يمكنه تحمل ذلك بدون جهاده مع النفس والشيطان وحبس النفس عليه.

«وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » أي من الخرافات والشتم والإيذاء «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً » بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافيهم وتكل أمرهم إلى الله كما قال : «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » أي دعني وإياهم وكل إلى أمرهم فإني أجازيهم في الدنيا والآخرة «أُولِي النَّعْمَةِ » النعمة بالفتح لين الملمس أي المتنعمين ذوي الثروة في الدنيا ، وهم صناديد قريش وغيرهم.

«ادْفَعْ » أول الآية هكذا : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ » أي في الجزاء وحسن العاقبة « ولا » الثانية مزيدة لتأكيد النفي «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ » كذا

__________________

(١) سورة المزّمّل : ١٠.

١٢٢

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ »(١) فصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل الله عز وجل عليه : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ

_________________________________________

في أكثر نسخ الكتاب وتفسير علي بن إبراهيم ، والسيئة غير مذكورة في المصاحف وكأنهعليه‌السلام زادها تفسيرا وليست في بعض النسخ وهو أظهر ، وقيل : المعنى ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة ، على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، إنما أخرج مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال كيف أصنع؟ للمبالغة ، ولذلك وضع أحسن موضع الحسنة ، كذا ذكره البيضاوي ، وقيل : اسم التفضيل مجرد عن معناه ، أو أصل الفعل معتبر في المفضل عليه على سبيل الفرض ، أو المعنى ادفع السيئة بالحسنة التي هي أحسن من العفو أو المكافاة ، وتلك الحسنة هي الإحسان في مقابل الإساءة ، ومعنى التفضيل حينئذ بحاله لأن كلا من العفو أو المكافاة أيضا حسنة إلا أن الإحسان أحسن منهما وهذا قريب مما ذكره الزمخشري من أن لا غير مزيدة ، والمعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته.

«فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق «وَما يُلَقَّاها » أي ما يلقي هذه السجية وهي مقابلة الإساءة بالإحسان «إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا » فإنها تحبس النفس عن الانتقام «وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » من الخير وكمال النفس ، وقيل : الحظ العظيم الجنة ، يقال :

لقاه الشيء أي ألقاه إليه« حتى نالوه بالعظائم » يعني نسبوه إلى الكذب والجنون والسحر وغير ذلك ، وافتروا عليه.

«أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ » كناية عن الغم «بِما يَقُولُونَ » من الشرك أو الطعن فيك

__________________

(١) سورة فصّلت : ٣٥.

١٢٣

رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ »(١) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله عز وجل «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ

_________________________________________

وفي القرآن والاستهزاء بك وبه «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » أي فنزه ربك عما يقولون مما لا يليق به متلبسا بحمده في توفيقك له أو فافزع إلى الله فيما نابك من الغم بالتسبيح والتحميد فإنهما يكشفان الغم عنك «وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ » للشكر في توفيقك أو رفع غمك أو كن من المصلين فإن في الصلاة قطع العلائق عن الغير «إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ » الضمير للشأن أي ما يقولون إنك شاعر أو مجنون وأشباه ذلك.

«فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » قال الطبرسي (ره) : اختلف في معناه على وجوه : أحدها أن معناه لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا وهو قول أكثر المفسرين ويؤيده ما روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل فقيل له في ذلك؟ فقال : والله إني لأعلم أنه صادق ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف؟ فأنزل الله هذه الآية.

وثانيها : أن المعنى لا يكذبونك بحجة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان ، ويدل عليه ما روي عن عليعليه‌السلام أنه كان يقرأ : لا يكذبونك ، ويقول : إن المراد بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك.

وثالثها : أن المراد لا يصادفونك كاذبا ، تقول العرب : قاتلناكم فما أجبناكم أي ما أصبناكم جبناء ، ولا يختص هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف لأن أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه.

ورابعها : أن المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به لأنك كنت عندهم أمينا صادقا ، وإنما يدفعون ما أتيت به ويقصدون التكذيب بآيات الله ، ويقوي هذا الوجه قوله : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ، وقوله : وكذب به قومك وهو

__________________

(١) سورة الحجر : ٩٧.

١٢٤

يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا »(١) فألزم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه الصبر فتعدوا فذكر الله تبارك وتعالى وكذبوه فقال قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي فأنزل الله عز وجل : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ

_________________________________________

الحق ، ولم يقل : وكذبك قومك ، وما روي أن أبا جهل قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما نتهمك ولا نكذبك ولكننا نتهم الذي جئت به ونكذبه.

وخامسها : أن المراد أنهم لا يكذبونك بل يكذبونني فإن تكذيبك راجع إلى ولست مختصا به لأنك رسول فمن رد عليك فقد رد على ، وذلك تسلية منه تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ » أي بالقرآن والمعجزات «يَجْحَدُونَ » بغير حجة سفها وجهلا وعنادا ، ودخلت الباء لتضمين معنى التكذيب وقال أبو علي : الباء تتعلق بالظالمين ، ثم زاد في تسلية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا » أي صبروا على ما نالهم منهم من التكذيب والأذى في أداء الرسالة «حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا » إياهم على المكذبين ، وهذا أمر منه تعالى لنبيه بالصبر على أذى كفار قومه إلى أن يأتيه النصر كما صبرت الأنبياء ، وبعده «وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ » أي لا يقدر أحد على تكذيب خبر الله على الحقيقة ولا على إخلاف وعده «وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ » أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ونصرناهم على قومهم.

قوله عليه‌السلام : فذكروا الله ، أي نسبوا إليه ما لا يليق بجنابة «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ » قيل : هذا إشارة إلى حسن التأني وترك التعجيل في الأمور ، وتمهيد للأمر بالصبر ، وأقول : يحتمل أن يكون توطئة للصبر على وجه آخر ، وهو بيان عظم قدرته وأنه قادر على الانتقام منهم «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ » أي من تعب وإعياء ، وهو رد لما

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣٣.

١٢٥

فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ »(١) فصبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع أحواله ثم بشر في عترته

_________________________________________

زعمت اليهود من أنه تعالى بدء خلق العالم يوم الأحد ، وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش «فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » أي ما يقول المشركون من إنكارهم البعث ، فإن من قدر على خلق العالم بلا إعياء قدر على بعثهم والانتقام منهم أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه.

قوله عليه‌السلام : ثم بشر ، على بناء المجهول وقبل الآية في سورة التنزيل هكذا ، «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً » وفي أكثر نسخ الكتاب وجعلناهم وكأنه تصحيف ، وفي بعضها : جعلنا منهم ، كما في المصاحف.

ثم إنه يرد عليه أن الظاهر من سياق الآية رجوع ضمير منهم إلى بني إسرائيل فكيف تكون بشارة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته وكيف وصفوا بالصبر؟

والجواب ما عرفت أن ذكر القصص في القرآن لإنذار هذه الأمة وتبشيرهم ، مع أنه قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه يقع في هذه الأمة ما وقع في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، فذكر قصة موسى وإيتائه الكتاب وجعل الأئمة من بني إسرائيل أي هارون وأولاده ، ذكر نظير لبعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإيتائه القرآن وجعل الأئمة من أخيه وابن عمه وأولاده كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقد يقال : إن قوله : «فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ » المراد به لا تكن في تعجب من سقوط الكتاب بعدك وعدم عمل الأمة به فإنا نجعل بعدك أمة يهدون بالكتاب كما جعلنا في بني إسرائيل أئمة يهدون بالتوراة.

والمفسرون ذكروا فيه وجوها : الأول أن المعنى لا تكن في شك من لقائك موسى ليلة الأسرى ، الثاني : من لقاء موسى الكتاب ، الثالث : من لقائك الكتاب ،

__________________

(١) سورة ق : ٣٨.

١٢٦

بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال جل ثناؤه «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ »(١) فعند ذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد فشكر الله عز وجل ذلك له فأنزل الله عز وجل : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا

_________________________________________

الرابع : من لقائك الأذى كما لقي موسى الأذى.

« وجعلناه » أي موسى أو المنزل عليه «يَهْدُونَ » أي الناس إلى ما فيه من الحكم والأحكام «بِأَمْرِنا » إياهم أو بتوفيقنا لهم «لَمَّا صَبَرُوا » أي لصبرهم على الطاعة أو على أذى القوم أو عن الدنيا وملاذها كما قيل «وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ » لا يشكون في شيء منها ، ويعرفونها حق المعرفة.

« فشكر الله ذلك له » إشارة إلى الصبر على جميع الأحوال وذلك القول الدال على الرضا بالصبر ، وشكر الله تعالى لعباده عبارة عن قبول العمل ومقابلته بالإحسان والجزاء في الدنيا والآخرة «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ » صدر الآية : «وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ » يعني بني إسرائيل في ظهر الآية فإن القبط كانوا يستضعفونهم فأورثهم الله بأن مكنهم وحكم لهم بالتصرف ، وأباح لهم بعد إهلاك فرعون وقومه «مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا » أي أرض الشام شرقها وغربها ، أو أرض الشام ومصر ، وقيل : كل الأرض لأن داود وسليمان كانا منهم وملكا الأرض التي باركنا فيها بإخراج الزرع والثمار وضروب المنافع «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ » قال الطبرسي (ره) : معناه صح كلام ربك بإنجاز الوعد بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض ، وإنما كان الإنجاز تماما للكلام لتمام النعمة به ، وقيل : إن كلمة الحسنى قوله سبحانه : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ » إلى قوله : «يَحْذَرُونَ » وقال : الحسنى ، وإن كانت كلمات الله كلها حسنة لأنها وعد بما يحبون ، وقال الحسن : أراد وعد الله لهم بالجنة «بِما صَبَرُوا » على أذى فرعون وقومه «وَدَمَّرْنا ما

__________________

(١) سورة السجدة : ٢٤.

١٢٧

يَعْرِشُونَ »(١) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه بشرى وانتقام فأباح الله عز وجل له قتال المشركين فأنزل [ الله ] «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ »(٢) «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ »(٣) فقتلهم الله على يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________

كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ » أي أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية والقصور والديار «وَما كانُوا يَعْرِشُونَ » من الأشجار والأعناب والثمار ، وقيل : يعرشون يسقفون من القصور والبيوت«فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشرى» أي لي ولا صحابي«وانتقام» من أعدائي ووجه البشارة ما مر أن ذكر هذه القصة تسلية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أنصرك على أعدائك وأهلكهم وأنصر الأئمة من أهل بيتك على الفراعنة الذين غلبوا عليهم وظلموهم في زمن القائمعليه‌السلام وأملكهم جميع الأرض ، فظهر الآية لموسى وبني إسرائيل ، وبطنها لمحمد وآل محمد صلى الله وعليه وآله وسلم.

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ » الآية هكذا : «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » قيل : أي من حل وحرم «وَخُذُوهُمْ » أي وأسروهم والأخيذ الأسير «وَاحْصُرُوهُمْ » أي واحبسوهم أو حيلوا بينهم وبين المسجد الحرام «وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ » أي كل ممر لئلا ينتشروا في البلاد ، وانتصابه على الظرف ، وقال تعالى في سورة البقرة : «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ » يقال ثقفه أي صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه.

« فقتلهم الله » أي في غزوة بدر وغيرها « وعجل له الثواب ثواب صبره » وفي بعض النسخ وجعل له ثواب صبره والأول أظهر وموافق للتفسير ، والحاصل أن هذه النصرة

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٣٦.

(٢) سورة التوبة : ٦.

(٣) سورة البقرة : ١٩١.

١٢٨

وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر الله له عينه في أعدائه مع ما يدخر له في الآخرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي محمد عبد الله السراج رفعه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الحر حر على جميع أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب

_________________________________________

وقتل الأعداء كان ثوابا عاجلا على صبره منضما مع ما ادخر له في الآخرة من مزيد الزلفى والكرامة« واحتسب » أي كان غرضه القربة إلى الله ليكون محسوبا من أعماله الصالحة« حتى يقر الله عينه » أي يسره في أعدائه بنصره عليهم مع ما يدخر له في الآخرة من الأجر الجميل والثواب الجزيل.

الحديث الرابع : مجهول مرفوع.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح وقد مر بعينه بسند آخر.

الحديث السادس : صحيح.

والحر ضد العبد والمراد هنا من نجا في الدنيا من رق الشهوات النفسانية وأعتق في الآخرة من أغلال العقوبات الربانية فهو كالأحرار عزيز غني في جميع الأحوال.

قال الراغب : الحر خلاف العبد والحرية ضربان : الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو «الْحُرُّ بِالْحُرِّ » والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص

١٢٩

لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يضرر حريته أن استعبد وقهر وأسر ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد إذ كان له مالكا

_________________________________________

والشره على المقتنيات الدنيوية ، وإلى العبودية التي تضاد ذلك ، أشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، وقول الشاعر : « ورق ذوي الأطماع رق مخلد » ، وقيل : عبد الشهوة أذل من عبد الرق ، انتهى.

وفي القاموس : الحر بالضم خلاف العبد ، وخيار كل شيء والفرس العتيق ، ومن الطين والرمل الطيب.

« إن نابته نائبة صبر لها » أي إن عرض له حادثة أو نازلة أو مصيبة صبر عليها أو حمل عليه مال يؤخذ منه أداه ولا يذل نفسه بالبخل فيه ، قال في النهاية : في حديث خيبر قسمها نصفين نصفا لنوائبه ونصفا بين المسلمين ، النوائب جمع النائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث ، وقد نابه ينوبه نوبا ومنه الحديث : احتاطوا لأهل الأموال في النائبة والواطية أي الأضياف الذين ينوبونهم.

« وإن تداكت عليه المصائب » أي اجتمعت وازدحمت ، قال في النهاية : وفي حديث عليعليه‌السلام : ثم تداككتم على تداكك الإبل الهيم على حياضها ، أي ازدحمتم وأصل الدك الكسر ، انتهى.

« لم تكسره » أي لم تعجزه عن الصبر ولم تحمله على الجزع وترك الرضا بقضاء الله تعالى« وإن أسر » إن وصلية« واستبدل باليسر عسرا » عطف على أسر ، وفي بعض النسخ واستبدل بالعسر يسرا فهو عطف على قوله لم تكسره فتكون غاية للصبر« إن استبعد » على بناء المجهول فاعل لم يضرر ، والمراد بحريته عزه ورفعته وصبره على تلك المصائب ورضاه بقضاء الله واختياره طاعة الله وعدم تذلله للمخوقين« وما ناله » أي من ظلم الإخوان وسائر الأحزان« أن من الله » أي في أن من الله أو هو بدل اشتمال

١٣٠

...........................................................................

_________________________________________

للضمير في لم تضرره أو بتقدير إلى فالظرف متعلق بلم تضرر في الموضعين على سبيل التنازع.

وأقول : يحتمل أن يكون ما ناله عطفا على الضمير في لم يضرره ، وأن من الله بيانا لما بتقدير من أو بدلا منه ، فيحتمل أن يكون فاعل نال يوسفعليه‌السلام وقيل : اللام فيه مقدر أي لأن من الله فيكون تعليلا لقوله : لم تضرر في الموضعين أو ما ناله مبتدأ وأن من الله خبره ، والجملة معطوفة على لم تضرره أو يكون الواو بمعنى مع ، أي لم تضرره ذلك مع ما ناله وأن من بيان لما.

والعاتي من العتو بمعنى التجبر والتكبر والتجاوز عن الحد ، والجبار بائعه في مصر أو العزيز فالمراد بصيرورته عبدا له أنه صار مطيعا له ، مع أنه قد روى الثعلبي وغيره أن ملك مصر كان ريان بن الوليد والعزيز الذي اشترى يوسفعليه‌السلام كان وزيره وكان اسمه قطفير فلما عبر يوسف رؤيا الملك عزل قطفير عما كان عليه وفوض إلى يوسف أمر مصر وألبسه التاج وأجلسه على سرير الملك وأعطاه خاتمه وهلك قطفير في تلك الليالي فزوج الملك يوسف زليخا امرأة قطفير ، وكان اسمها راعيل فولدت له ابنين أفراثيم وميشا فلما دخلت السنة الأولى من سني الجدب هلك فيها كل شيء أعدوه في السنين المخصبة فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه ، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع وباعهم السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أمة في يد أحد ، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم تبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له ، ثم استأذن الملك وأعتقهم كلهم

١٣١

فأرسله ورحم به أمة وكذلك الصبر يعقب خيرا فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر توجروا.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الجنة محفوفة بالمكاره

_________________________________________

ورد أموالهم إليهم ، فظهر أن الله ملكه جميع أهل مصر وأموالهم عوضا عن مملوكيته صلوات الله عليه لهم ، فهذه ثمرة الصبر والطاعة.

والمراد بإرساله إرساله إلى الخلق بالنبوة وبرحم الأمة به نجاتهم عن العقوبة الأبدية بإيمانهم به أو عن القحط والجوع أو الأعم.

« وكذلك الصبر يعقب خيرا » يعقب على بناء الأفعال قال الراغب : أعقبه كذا أورثه ذلك قال تعالى : «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ »(١) وفلان لم يعقب أي لم يترك ولدا ، انتهى.

أي كما أن صبر يوسفعليه‌السلام أعقب خيرا عظيما له كذلك صبر كل أحد يعقب خيرا له ، ومن ثم قيل : اصبر تظفر ، وقيل :

إني رأيت للأيام تجربة

للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد في أمر يطالبه

فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

الحديث السابع : مجهول.

ومضمونه متفق عليه بين الخاصة والعامة ، فقد روى مسلم عن أنس قال : قال رسول اللهعليه‌السلام : حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ، وهذا من بديع كلامه ، وقال الراوندي في ضوء الشهاب يقال :حف القوم حول زيد إذا أطافوا به ، واستداروا وحففته بشيء أي أدرته عليه ، يقال : حففت الهودج بالثياب ، ويقال : إنه مشتق من حفا في الشيء أي جانبيه ، يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المكاره مطيفة محدقة بالجنة

__________________

(١) سورة التوبة : ٧٧.

١٣٢

والصبر فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ـ فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن مرحوم ، عن أبي سيار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه

_________________________________________

وهي الطاعات ، والشهوات محدقة مستديرة بالنار وهي المعاصي وهذا مثل يعني أنك لا يمكنك نيل الجنة إلا باحتمال مشاق ومكاره وهي فعل الطاعات والامتناع عن المقبحات ولا التفصي عن النار إلا بترك الشهوات وهي المعاصي التي تتعلق الشهوة بها فكان الجنة محفوفة بمكاره تحتاج أن تقطعها بتكلفها والنار محفوفة بملاذ وشهوات تحتاج أن تتركها.

وروي أن الله تعالى لما خلق الجنة قال لجبرئيلعليه‌السلام : انظر إليها فلما نظر إليها قال : يا رب لا يتركها أحد إلا دخلها فلما حفها بالمكاره قال : انظر إليها فلما نظر إليها قال : يا رب أخشى أن لا يدخلها أحد ولما خلق النار قال له : انظر إليها فلما نظر إليها قال : يا رب لا يدخلها أحد فلما حفها بالشهوات قال : انظر إليها فلما نظر إليها قال يا رب أخشى أن يدخلها كل أحد.

وفائدة الحديث إعلام أن الأعمال المفضية إلى الجنة مكروهة قرنا الله بها الكراهة وبالعكس منها الأعمال الموصلة إلى النار قرن بها الشهوة ليجاهد الإنسان نفسه فيحتمل تلك ويجتنب هذه.

الحديث الثامن : كالسابق.

والبر يطلق على مطلق أعمال الخير وعلى مطلق الإحسان إلى الغير وعلى الإحسان إلى الوالدين أو إليهما وإلى ذوي الأرحام ، والمراد هنا أحد المعاني سوى المعنى الأول ، قال الراغب : البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير وينسب ذلك إلى الله تارة نحو «إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » و

١٣٣

والزكاة عن يساره والبر مطل عليه ويتنحى الصبر ناحية فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر دونكم صاحبكم فإن عجزتم عنه فأنا دونه.

٩ ـ علي ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال دخل أمير المؤمنين صلوات الله عليه المسجد فإذا هو برجل على باب المسجد كئيب حزين فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام ما لك قال يا أمير المؤمنين أصبت بأبي [ وأمي ] وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام عليك بتقوى الله والصبر تقدم عليه غدا والصبر في الأمور بمنزلة الرأس

_________________________________________

إلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه أي توسع في طاعته فمن الله تعالى الثواب ومن العبد الطاعة ، وبر الوالدين التوسع في الإحسان إليهما وضده العقوق« مطل » بالطاء المهملة من قولهم اطل عليهم أي أشرف ، وفي بعض النسخ بالمعجمة وهو قريب المعنى من الأول لكن التعدية بعلى بالأول أنسب« دونكم » اسم فعل بمعنى خذوا ، ويدل ظاهرا على تجسم الأعمال والأخلاق في الآخرة ومن أنكره يأوله وأمثاله بأن الله تعالى يخلق صورا مناسبة للأعمال يريه إياها لتفريحه أو تحزينه ، أو الكلام مبني على الاستعارة التمثيلية وتنحي الصبر وتمكنه في إعانته يناسب ذاته فتفطن.

الحديث التاسع : كالسابق أيضا.

« أصبت » على بناء المجهول« بأبي وأخي » أي ماتا« وأخشى أن أكون قد وجلت » الوجل : استشعار الخوف وكان المعنى أخشى أن يكون حزني بلغ حدا مذموما شرعا فعبر عنه بالوجل أو أخشى أن تنشق مرارتي من شدة الألم أو أخشى الوجل الذي يوجب الجنون« عليك » اسم فعل بمعنى الزم والباء للتقوية« بتقوى الله » أي في الشكاية والجزع وغيرهما مما يوجب نقص الإيمان ، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ »(١) .

« تقدم » على بناء المعلوم من باب علم بالجزم جزاء للأمر في « عليك » أو

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٦.

١٣٤

من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قال لي ما حبسك عن الحج قال قلت جعلت فداك وقع علي دين كثير وذهب مالي وديني الذي قد لزمني هو أعظم من ذهاب مالي فلو لا أن رجلا من أصحابنا أخرجني ما قدرت أن أخرج فقال لي إن تصبر تغتبط وإلا تصبر ينفذ الله مقاديره راضيا كنت أم كارها.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن

_________________________________________

بالرفع استئنافا بيانيا وضمير« عليه » راجع إلى الصبر بتقدير مضاف أي جزاءه ، أو إلى الله أي ثوابه ، وقيل : إلى كل من الأب والأخ ، فإن فوته جزءا خير للعلة أو إلى الأب لأنه الأصل والكل بعيد.

« غدا » أي في القيامة أو عند الموت أو سريعا.

الحديث العاشر : موثق.

والاغتباط مطاوع غبطه ، تقول : غبطه أغبطه غبطا وغبطه فاغتبط هو كمنعته فامتنع ، والغبطة إن تتمنى حال المغبوط لكونها في غاية الحسن من غير أن تريد زوالها عنه ، وهذا هو الفرق بينها وبين الحسد ، وفي القاموس : الغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة وقد اغتبط ، وقال : الاغتباط : التبهج بالحال الحسنة ، انتهى.

والاغتباط أما في الآخرة بجزيل الأجر وحسن الجزاء ، وفي الدنيا أيضا بتبديل الضراء بالسراء ، فإن الصبر مفتاح الفرج ، وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أضيق ما يكون الحرج أقرب ما يكون الفرج ، مع أن الكاره تزداد مصيبته فإن فوات الأجر مصيبة أخرى ، والكراهة الموجبة لحزن القلب مصيبة عظيمة ، ومن ثم قيل : المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ، بل له أربع مصيبات الثلاثة المذكورة وشماتة الأعداء ، ومن ثم قيل : الصبر عند المصيبة مصيبة على الشامت.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

١٣٥

الأصبغ قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عز وجل عليك والذكر ذكران ذكر الله عز وجل عند المصيبة وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك فيكون حاجزا.

١٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن العباس بن عامر ، عن العرزمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر ولا الغنى إلا بالغصب والبخل ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى ـ فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر

_________________________________________

« صبر » خبر مبتدإ محذوف أي أحدهما صبر ، وحسن أيضا خبر مبتدإ محذوف ، أي هو حسن ، ويحتمل أن يكون صبر مبتدأ وحسن خبره ، فتكون الجملة استئنافا بيانيا ، وقوله : ذكر الله خبر مبتدإ محذوف ليس إلا« فيكون » أي الذكر والفاء بيانية« حاجزا » أي مانعا عن فعل الحرام.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« لا ينال الملك فيه » أي السلطنة« إلا بالقتل » لعدم إطاعتهم أما الحق فيتسلط عليهم الملوك الجورة فيقتلونهم ويتجبرون عليهم ، وذلك من فساد الزمان وإلا لم يتسلط عليهم هؤلاء« ولا الغناء إلا بالغصب والبخل » وذلك من فساد الزمان وأهله لأنهم لسوء عقائدهم يظنون أن الغناء إنما يحصل بغصب أموال الناس والبخل في حقوق الله والخلق ، مع أنه لا يتوقف على ذلك ، بل الأمانة وأداء الحقوق ادعى إلى الغناء لأنه بيد الله ، ولأنه لفسق أهل الزمان منع الله عنهم البركات ، فلا يحصل الغناء إلا بهما« ولا المحبة » أي جلب محبة الناس« إلا باستخراج الدين » أي طلب خروج الدين من القلب أي بطلب خروجهم من الدين ،« واتباع الهوى » أي الأهواء النفسانية أو أهوائهم الباطلة ، وذلك لأن أهل تلك الأزمنة لفسادهم لا

١٣٦

على الغنى وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق بي.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام لما حضرت أبي علي بن الحسينعليه‌السلام الوفاة ضمني إلى صدره وقال يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بني اصبر على الحق وإن كان مرا

_________________________________________

يحبون أهل الدين والعبادة ، فمن طلب مودتهم لا بد من خروجه من الدين ومتابعتهم في الفسوق.

« وصبر على البغضة » أي بغضة الناس له لعدم اتباعه أهواءهم ، وصبر على الذل كأنه ناظر إلى نيل الملك ، فالنشر ليس على ترتيب اللف فالمراد بالعز هنا الملك والاستيلاء ، أو المراد بالملك هناك مطلق العز والرفعة ، ويحتمل أن تكون الفقرتان الأخيرتان ناظرتين إلى الفقرة الأخيرة ولم يتعرض للأولى لكون الملك عزيز المنال لا يتيسر لكل أحد ، والأول أظهر.

وفي جامع الأخبار الرواية هكذا : وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه سيكون زمان لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والجور ، ولا يستقيم لهم الغناء إلا بالبخل ولا يستقيم لهم الصحبة في الناس إلا باتباع أهوائهم والاستخراج من الدين ، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغناء ، وصبر على الذل وهو يقدر على العز وصبر على بغضة الناس وهو يقدر على المحبة أعطاه الله ثواب خمسين صديقا.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

« اصبر على الحق » أي على فعل الحق ، من ارتكاب الطاعات وترك المنهيات« وإن كان مرا » ثقيلا على الطبع لكونه مخالفا للمشتهيات النفسانية غالبا أو على

١٣٧

١٤ ـ عنه ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن رفعه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الصبر صبران صبر على البلاء حسن جميل وأفضل الصبرين الورع عن المحارم.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال أخبرني يحيى بن سليم الطائفي قال أخبرني عمرو بن شمر اليماني يرفع الحديث إلى عليعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش.

_________________________________________

قول الحق وإن كان مرا على الناس ، فالصبر على ما يترتب على هذا القول من بغض الناس وأذيتهم ، أو على سماع الحق الذي إليك وإن كان مرا عليك مكروها لك. كمن واجهك بعيب من عيوبك فتصدقه فتقبله أو اطلعك على خطإ في الاجتهاد أو الرأي فتقبله ويمكن التعميم ليشمل الجميع.

الحديث الرابع عشر : مرفوع ، وضمير عنه راجع إلى أحمد فتنسحب عليه العدةالحديث الخامس عشر : ضعيف.

« حتى يردها » أي المصيبة وشدتها« بحسن عزائها » أي بحسن الصبر اللائق لتلك المصيبة« ثلاثمائة درجة » أي من درجات الجنة أو درجات الكمال فالتشبيه من تشبيه المعقول بالمحسوس ، وفي الصحاح : التخم منتهى كل قرية أو أرض ، والجمع تخوم كفلس وفلوس ، انتهى.

ويدل على أن ارتفاع الجنة أكثر من تخوم الأرض إلى العرش ، ولا ينافي ذلك كون عرضها كعرض السماء والأرض ، مع أنه قد قيل في الآية وجوه مع بعضها رفع التنافي أظهر.

١٣٨

١٦ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب قال أمرني أبو عبد اللهعليه‌السلام أن آتي المفضل وأعزيه بإسماعيل وقال أقرئ المفضل السلام وقل له إنا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا إنا أردنا أمرا وأراد الله عز وجل أمرا فسلمنا لأمر الله عز وجل.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد.

١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمار

_________________________________________

الحديث السادس عشر : موثق كالصحيح.

والظاهر أنه المفضل بن عمر ويدل على مدح عظيم له ، وأنه كان من خواص أصحابه وأحبائه ، وإسماعيل ولده الأكبر الذي كان يظن الناس أنه الإمام بعدهعليه‌السلام ، فلما مات في حياته علم أنه لم يكن إماما ، وهذا هو المرادبقوله عليه‌السلام :

أردنا أمرا ، أي إمامته بظاهر الحال أو بشهوة الطبع ، أو المراد إرادة الشيعة كالمفضل وأضرابه ، وأدخلعليه‌السلام نفسه تغليبا ومماشاة ، ويدل على لزوم الرضا بقضاء الله والتسليم له ، وقيل : المعنى أردنا طول عمر إسماعيل وأراد الله موته ، وأغرب من ذلك أنه قال : عزى المفضل بابن له مات في ذلك الوقت بذكر فوت إسماعيل.

الحديث السابع عشر : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : مثل أجر ألف شهيد ، فإن قيل : كيف يستقيم هذا مع أن الشهيد أيضا من الصابرين حيث صبر حتى استشهد؟ قلت : يحتمل أن يكون المراد بهم شهداء سائر الأمم أو المعنى مثل ما يستحق ألف شهيد وإن كان ثوابهم التفضلي أضعاف ذلك ، وقيل : المراد بهم الشهداء الذين لم تكن لهم نية خالصة فلم يستحقوا ثوابا عظيما والأوسط كأنه أظهر.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

١٣٩

بن مروان ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة.

١٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبان بن أبي مسافر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا » قال اصبروا على المصائب.

وفي رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال صابروا على المصائب.

٢٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن محمد بن أبي جميلة ، عن جده أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال لو لا أن الصبر خلق قبل البلاء لتفطر المؤمن كما تتفطر البيضة على الصفا.

_________________________________________

والوبال الشدة والثقل والعذاب ، أي صارت النعمة مع عدم الشكر نكالا وعذابا عليهم في الدنيا والآخرة ، وصار البلاء على الصابر نعمة في الدنيا والآخرة.

الحديث التاسع عشر : مجهول وآخره مرسل.

وكأنه تتمة الخبر الثاني المتقدم في باب أداء الفرائض وقد مر تفسير الآية ولا تنافي بينها فإن للآيات معاني شتى ظهرا وبطنا.

الحديث العشرون : ضعيف.

والتفطر التشقق من الفطر وهو الشق ، والصفا جمع الصفاة وهي الحجر الصلد الضخم لا تنبت ، وفيه إيماء إلى أن الصبر من لوازم الإيمان ومن لم يصبر عند البلاء لا يستحق اسم الإيمان كما مر أنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ويشعر بكثرة ورود البلاء على المؤمن.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

قال : «أجل ، ليس يعرى منه أحد» قال : «فإذا كان ذلك(١) ، فاذكروا(٢) اللهعزوجل ، واحذروا النكت ؛ فإنه إذا أراد بعبد خيرا نكت(٣) إيمانا ، وإذا أراد به غير ذلك نكت(٤) غير ذلك».

قال(٥) : قلت(٦) : ما(٧) غير ذلك جعلت فداك؟ ما هو؟

قال : «إذا أراد كفرا نكت كفرا(٨) ».(٩)

١٥٠٠٤ / ١٨٩. عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي المغراء ، عن زيد الشحام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال ، قال :

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إني لا أكاد ألقاك إلا في السنين(١٠) ، فأوصني بشيء آخذ به(١١) .

قال : «أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والورع والاجتهاد ، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لاورع(١٢) معه ، وإياك أن تطمح(١٣) نفسك(١٤) إلى من فوقك ، وكفى

__________________

(١) في «د» : «كذلك».

(٢) في «ع ، ن» : «فاذكر».

(٣) في «بح» : + «به».

(٤) في الوافي : «فنكت».

(٥) في «بن» : ـ «قال».

(٦) في «د ، م» : + «له».

(٧) في «بح ، جت» وشرح المازندراني والوافي : «وما».

(٨) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : نكت كفرا ، أي إذا استحق بسوء أعماله منع لطفه تعالى ، استولى عليه الشيطان ، فينكت في قلبه ما يشاء. وإسناد النكت إليه تعالى إسناد إلى السبب مجازا ؛ لأن منع لطفه تعالى صار سببا لذلك».

(٩) الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٤٦ ، ح ١٨٨٩ ؛ الوسائل ، ج ٧ ، ص ١٦٦ ، ح ٩٠٢٣ ، إلى قوله : «إذا أراد به غير ذلك نكت ذلك» ؛ البحار ، ج ٧٠ ، ص ٥٩ ، ح ٣٨.

(١٠) في «د ، بح» وحاشية «ن» : «السنتين».

(١١) في «ع ، ل ، بح ، بن ، جد» وحاشية «د ، م» : «احدثه» بدل «آخذ به». وفي «بف» : «آخذه» بدلها.

(١٢) في «ع» : «ولا ورع».

(١٣) في «د ، بف» وشرح المازندراني : «وأن تطمح». ويقال : طمح بصره إلى الشيء ، أي امتد ، وعلاء وارتفع إليه. وأطمح فلان بصره ، أي رفعه. وقال العلامة المازندراني : «هذا حال الناظر إلى متاع الدنيا ، وأما الناظر إلى الطاعة والعلم والزهد ينبغي أن يكون الأمر بالعكس». راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٨٨ ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ١٣٨ (طمح).

(١٤) في الكافي ، ح ١٦٢٨ : «بصرك».

٤٠١

بما(١) قال الله ـعزوجل ـ لرسوله(٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ) (٣) وقال الله ـعزوجل ـ لرسوله(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (٥) فإن خفت شيئا من ذلك(٦) فاذكر عيش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنما كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، وو قوده(٧) السعف(٨) إذا وجده ، وإذا أصبت بمصيبة(٩) فاذكر مصابك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن الخلق لم يصابوا بمثله قط».(١٠)

١٥٠٠٥ / ١٩٠. عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن السري ، عن أبي مريم :

__________________

(١) في «بف» : «ما».

(٢) في «ن ، بح ، بف» والزهد : «لرسول الله» بدل «لرسوله».

(٣) التوبة (٩) : ٥٥.

(٤) في «ن» : «لرسول الله».

(٥) طه (٢٠) : ١٣١.

(٦) في الكافي ، ح ١٦٢٨ : «دخلك من ذلك شيء» بدل «خفت شيئا من ذلك».

(٧) الوقود : الحطب ، وما توقد به النار ، وكل ما اوقدت به فهو وقود. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٥٣ ؛ لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٤٦٦ (وقد).

(٨) السعف ، محركة : جريد النخل أو ورقه ، وأكثر ما يقال إذا يبست ، وإذا كانت رطبة فشطبة. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٠٩٢ (سعف).

(٩) في الزهد : + «في نفسك أو مالك أو ولدك».

(١٠) الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الورع ، ح ١٦٢٨ ، إلى قوله : «لا ينفع اجتهاد لا ورع معه» ؛ الزهد ، ص ١٢ ، ح ٢٤ ، وفهيما بسند آخر عن أبي المغراء. الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب القناعة ، ح ١٩٢٠ ، بسنده عن زيد الشحام ، عن عمرو بن هلال ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، من قوله : «إياك أن تطمح نفسك» إلى قوله : «وقوده السعف إذا وجده». وفيه ، باب الورع ، ح ١٦٣٨ ، بسنده عن عمرو بن سعيد بن هلال ، إلى قوله : «اجتهاد لا ورع فيه» مع اختلاف يسير. وفي الأمالي للطوسي ، ص ٦٨١ ، المجلس ٣٨ ، ح ١ ؛ والأمالي للمفيد ، ص ١٩٤ ، المجلس ٢٣ ، ح ٢٥ ، بسندهما عن عمرو بن سعيد بن هلال ، مع اختلاف يسير. الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الورع ، ح ١٦٣١ ، بسند آخر ، وتمام الرواية فيه : «لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه». الكافي ، كتاب الجنائز ، باب التعزي ، ح ٤٦٤٩ ، بسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام ، من قوله : «وإذا أصبت بمصيبة» مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٢٦٧ ، ح ٢٥٤١٠.

٤٠٢

عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «سمعت جابر بن عبد الله يقول : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا(٢) وهو على ناقته ، وذلك حين رجع من حجة الوداع ، فوقف(٣) علينا ، فسلم ، فرددنا(٤) عليه‌السلام ، ثم قال : ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب ، وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب ، وحتى كأن لم يسمعوا ويروا(٥) من خبر الأموات قبلهم ، سبيلهم سبيل قوم سفر(٦) عما قليل إليهم راجعون ، بيوتهم(٧) أجداثهم(٨) ، ويأكلون تراثهم ، فيظنون(٩) أنهم مخلدون بعدهم ؛ هيهات هيهات(١٠) ،

__________________

(١) في المرآة : «قد ذكر السيد في نهج البلاغة بعض فقرات هذا الخبر ونسبها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قالها حين تبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، ثم قال : ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ورواها علي بن إبراهيم عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ». وراجع : نهج البلاغة ، ص ٤٩٠ ، ذيل الحكمة ١٢٣ ؛ تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٧٠ ذيل الآية ٣٥ من سورة الأنبياء (٢١).

(٢) «النادي» : مجتمع القوم ومجلسهم ومتحدثهم ماداموا مجتمعين ، فإذا تفرقوا فليس بناد ، وأهل المجلس ، فيقع على المجلس وأهله. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٥٠٥ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ٣٦ (ندا).

(٣) في «جت» : «وقف».

(٤) في البحار : «ورددنا».

(٥) في «جت» : «ولم يروا» بدل «ويروا».

(٦) في المرآة : «السفر : جمع السافر ، فيحتمل إرجاع الضمير في قوله : «سبيلهم» إلى الأحياء ، وفي قوله : «اليهم» إلى الأموات ، أي هؤلاء الأحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين والشهور حتى يلحقوا بهؤلاء الأموات. ويحتمل العكس في إرجاع الضميرين ، فالمراد أن سبيل هؤلاء الأموات عند هؤلاء الأحياء لعدم اتعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم. ويؤيده ما في النهج والتفسير : وكان الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون». راجع : المصباح المنير ، ص ٢٧٨ (سفر).

(٧) في الوافي : «يبوؤنهم».

(٨) في «ع» : «أحداثهم». والأجداث : جمع الجدث ، وهو القبر. النهاية ، ج ١ ، ص ٢٤٣ (جدث).

وفي المرآة : «أي يرون أن بيوت هؤلاء الأموات أجداثهم ومع ذلك يأكلون تراثهم ، أو يرون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقي في أيديهم ومع ذلك لايتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم. والظاهر أنه وقع في نسخ الكتاب تصحيف ، والأظهر ما في النهج : نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم ، وفي التفسير : تنزلهم أجداثهم».

(٩) في «د ، بح» والبحار : «يظنون». وفي الوافي : «أفيظنون».

(١٠) في «ن» : ـ «هيهات».

٤٠٣

أما(١) يتعظ آخرهم بأولهم ، لقد جهلوا ونسوا كل واعظ(٢) في كتاب الله ، وأمنوا شر(٣) كل عاقبة سوء ، ولم يخافوا نزول فادحة(٤) ، وبوائق(٥) حادثة.

طوبى لمن شغله خوف الله ـعزوجل ـ عن خوف الناس.

طوبى لمن منعه عيبه(٦) عن عيوب المؤمنين من إخوانه.

طوبى لمن تواضع لله عز ذكره ، وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي(٧) ، ورفض زهرة الدنيا(٨) من غير تحول عن سنتي(٩) ، واتبع الأخيار من عترتي من بعدي ، وجانب أهل الخيلاء(١٠) والتفاخر والرغبة في الدنيا ، المبتدعين خلاف سنتي(١١) ، العاملين بغير(١٢) سيرتي(١٣) .

طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية ، فأنفقه في غير معصية ، وعاد(١٤) به على أهل المسكنة(١٥) .

__________________

(١) في «ع ، ل ، م ، بح ، بف ، جت ، جد» : «ما» بدون همزة الاستفهام.

(٢) في البحار : «وعظ».

(٣) في «ع» : ـ «شر».

(٤) الفادحة : النازلة ، يقال : وجده فادحا ، أي مثقلا صعبا. القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٣٥١ (فدح).

(٥) في «م» : «ولا بوائق». والبوائق : جمع البائقة ، وهي الداهية ، والشر الشديد. والداهية : الأمر المنكر العظيم. راجع : المصباح المنير ، ص ٦٦ (بوق) ؛ لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٢٧٥ (دها).

(٦) في «د ، بح ، جت» وحاشية «ن» : «عيب نفسه».

(٧) في «د ، ل ، ن ، بح ، بن» وحاشية «جت» : «سيري».

(٨) زهرة الدنيا : بهجتها ونضارتها وحسنها. القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٥٦٨ (زهر).

(٩) في «د ، ع ، ل ، بح ، بن» : «نفسي».

(١٠) الخيلاء ، والخيلاء ، بالضم والكسر : الكبر والعجب. النهاية ، ج ١ ، ص ٩٣.

(١١) في حاشية «د» : «سيرتي».

(١٢) في «ن» : «لغير».

(١٣) في «د ، ع ، م ، بح ، بن ، جت» وحاشية «جت» وشرح المازندراني : «سنتي».

(١٤) «عادبه» ، أي أفضل به ، أي أحسن وأعطى ؛ من العائدة ، وهي المنفعة ، والصلة ، والمعروف ، والعطف. راجع : المصباح المنير ، ص ٤٣٦ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٤٤٠ (عود).

(١٥) قال ابن الأثير : «قد تكرر في الحديث ذكر المسكين والمساكين والمسكنة والتمسكن ، وكلها يدور معناها

٤٠٤

طوبى لمن حسن مع الناس خلقه ، وبذل لهم معونته ، وعدل عنهم شره.

طوبى لمن أنفق القصد(١) ، وبذل الفضل ، وأمسك قوله(٢) عن الفضول وقبيح الفعل».(٣)

١٥٠٠٦ / ١٩١. الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد رفعه ، عن بعض الحكماء(٤) ، قال(٥) :

«إن أحق الناس أن يتمنى الغنى للناس أهل البخل ؛ لأن الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم ، وإن أحق الناس أن يتمنى صلاح الناس أهل العيوب ؛ لأن الناس إذا صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم(٦) ، وإن أحق الناس أن يتمنى حلم(٧) الناس أهل السفه(٨) الذين يحتاجون أن يعفى(٩) عن سفههم ، فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس ، وأصبح أهل العيوب يتمنون فسقهم(١٠) ، وأصبح أهل

__________________

على الخضوع والذلة ، وقلة المال ، والحال السيئة. واستكان : إذا خضع. والمسكنة : فقر النفس». النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٨٥ (سكن).

(١) في «ع» : «من الفضل» بدل «القصد». وفي «ل ، م ، ن ، بن ، جت» وحاشية «بح ، جد» : «الفضل». والقصد : الاعتدال وعدم الميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط ، والمراد هو التوسط بين الإسراف والتبذير ، والوسط من غير إسراف وتقتير. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ٦٧ (قصد).

(٢) في «بن» : «مقوله».

(٣) تحف العقول ، ص ٢٩ ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من قوله : «مالي أرى حب الدنيا» مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ١٥٣ ، ح ٢٥٣٨٣ ؛ وفيه ، ج ١٥ ، ص ٢٨٩ ، ح ٢٠٥٣٩ ، ملخصا ؛ البحار ، ج ٧٧ ، ص ١٣٣ ، ح ٤٢.

(٤) في المرآة : «قوله : عن بعض الحكماء ، أي الأئمةعليهم‌السلام ؛ إذ قد روى الصدوق [الخبر] في الأمالي بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مع أنه ليس من دأبهم الرواية عن غير المعصوم».

(٥) في «ن» : + «قال».

(٦) في الخصال : «عيوب الناس» بدل «عيوبهم».

(٧) الحلم : العقل ، والأناة والتثبت في الامور. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٩٠٣ (حلم).

(٨) السفه : ضد الحلم ، والأصل فيه : الخفة والطيش ـ أي خفة العقل ـ والاضطراب في الرأي ، يقال سفه فلان رأيه ، إذا كان مضطربا لا استقامة له. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٣٤ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٧٦ (سفه).

(٩) في «ن» : «أن يعفوا».

(١٠) في الفقيه والأمالي للصدوق والخصال والأمالي للطوسي : «معايب الناس» بدل «فسقهم».

٤٠٥

الذنوب(١) يتمنون سفههم(٢) ، وفي الفقر الحاجة إلى البخيل(٣) ، وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب ، وفي السفه المكافأة بالذنوب».(٤)

١٥٠٠٧ / ١٩٢. عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، قال :

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا حسن ، إذا نزلت بك نازلة ، فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ، ولكن اذكرها لبعض إخوانك ؛ فإنك لن تعدم(٥) خصلة من أربع خصال(٦) : إما كفاية بمال(٧) ، وإما(٨) معونة بجاه(٩) ، أو دعوة فتستجاب(١٠) ، أو(١١) مشورة برأي».(١٢)

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام

١٥٠٠٨ / ١٩٣. علي بن الحسين المؤدب وغيره ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن

__________________

(١) في الفقيه والأمالي للصدوق والخصال والأمالي للطوسي : «السفه».

(٢) في الفقيه والأمالي للصدوق والخصال والأمالي للطوسي : «سفه الناس» بدل «سفههم».

(٣) في «ع ، جت ، جد» والأمالي للطوسي : «البخل».

(٤) الفقيه ، ج ٤ ، ص ٤٠١ ، ح ٥٨٦٢ ؛ الأمالي للصدوق ، ص ٣٨٧ ، المجلس ٦١ ، ح ٨ ؛ الخصال ، ص ١٥٢ ، باب الثلاثة ، ح ١٨٨ ؛ الأمالي للطوسي ، ص ٤٣٠ ، المجلس ١٥ ، ح ١٨ ، وفي كل المصادر بسند آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٥ ، ص ٩٩٦ ، ح ٣٤٥٩.

(٥) في «ع ، بح» : «لن تقدم».

(٦) في «د ، بح ، جت» والوسائل : «خصال أربع».

(٧) في «بن» وتحف العقول وشرح المازندراني : ـ «بمال».

(٨) في «د ، م ، بح ، بن ، جت ، جد» : «أو» بدل «وإما».

(٩) في «بف» : «نجاة».

(١٠) في «د ، ع ، ن ، بح ، بف ، جت» والوسائل وشرح المازندراني : «تستجاب». وفي تحف العقول : «مستجابة».

(١١) في حاشية «جت» : «وإما» بدل «أو».

(١٢) تحف العقول ، ص ٣٧٩ ، عن الحسن بن راشد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام الوافي ، ج ٥ ، ص ٧٠٧ ، ح ٢٩١٨ ؛ الوسائل ، ج ٢ ، ص ٤١١ ، ح ٢٥٠٢.

٤٠٦

إسماعيل بن مهران ، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني(١) ، عن جابر :

عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : الحمد لله الخافض(٢) الرافع ، الضار النافع ، الجواد الواسع ، الجليل ثناؤه ، الصادقة أسماؤه ، المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب(٣) ، الذي جعل الموت(٤) بين خلقه عدلا ، وأنعم بالحياة عليهم فضلا ، فأحيا وأمات ، وقدر الأقوات ، أحكمها بعلمه تقديرا ، فأتقنها(٥) بحكمته(٦) تدبيرا(٧) ، إنه كان خبيرا بصيرا ، هو الدائم بلا فناء ، والباقي إلى غير منتهى ، يعلم ما في الأرض وما في السماء وما بينهما وما تحت الثرى.

أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده به(٨) الملائكة والنبيون ، حمدا لا يحصى له عدد ، ولا يتقدمه أمد(٩) ، ولا يأتي بمثله أحد ، أومن(١٠) به ، وأتوكل عليه ، وأستهديه وأستكفيه ، وأستقضيه(١١) بخير وأسترضيه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ،صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) في «بف» وحاشية «جت» : «عبد الله بن الحارث الهمداني». والرجل مجهول لم نعرفه.

(٢) قال ابن الأثير : «في أسماء الله تعالى : الخافض ، وهو الذي يخفض الجبارين والفراعنة ، أي يضعهم ويهينهم ، ويخفض كل شيء يريد خفضه ، والخفض : ضد الرفع». النهاية ، ج ٢ ، ص ٥٣ (خفض).

(٣) في حاشية «جت» والوافي : «بالقلوب» بدل «على القلوب».

(٤) في حاشية «م» : + «بينه و».

(٥) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت. وفي المطبوع والوافي : «وأتقنها».

(٦) في «ع ، ل ، بح ، بف ، بن ، جت ، جد» وحاشية «د» : «بحكمه».

(٧) في «د ، ع ، ل ، م ، بح ، جت» : «تقديرا».

(٨) في شرح المازندراني : ـ «به».

(٩) في «د ، ع ، ل ، م ، بح ، بن ، جت ، جد» وحاشية «بف» وشرح المازندراني والمرآة : «أحد». وفي «بف» وحاشية «جت» : «أبد».

وفي المرآة : «ولا يتقدمه أحد ، أي بالتقدم المعنوي بأن يحمد أفضل منه ، أو بالتقدم الزماني بأن يكون حمده أحد قبل ذلك».

(١٠) في «د ، ع ، ن ، بف ، جت» : «واومن».

(١١) في «بف» وحاشية «ن» والمرآة : «أستقصيه».

٤٠٧

أيها الناس ، إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار ، إنما أنتم فيها كركب عرسوا(١) فأناخوا(٢) ، ثم استقلوا(٣) فغدوا(٤) وراحوا(٥) ، دخلوا(٦) خفافا(٧) ، وراحوا خفافا(٨) ، لم يجدوا عن مضي(٩) نزوعا(١٠) ، ولا إلى ما تركوا رجوعا ، جد بهم فجدوا(١١) ، وركنوا إلى الدنيا فما

__________________

(١) التعريس : نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. النهاية ، ج ٣ ، ص ٢٠٦ (عرس).

(٢) «فأناخوا» أي لزموا وأقاموا ؛ من النوخة ، وهي الإقامة. ويقال : أناخ الإبل فاستناخت ، أي أبركها فبركت ، وهو أن تلصق صدرها بالأرض ، يقال : برك البعير ، أي ألقى بركه بالأرض ، وهو صدره. راجع : لسان العرب ، ج ١ ، ص ٣٩٦ (برك) ، وج ٣ ، ص ٦٥ ؛ تاج العروس ، ج ٤ ، ص ٣٢٢ (نوخ).

(٣) يقال : استقل القوم ، أي مضوا وذهبوا وارتحلوا ، واستقل الشيء ، أي حمله ورفعه. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٠٤ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٣٨٦ (قلل).

(٤) في «ع» : «وغدوا».

(٥) «فغدوا» من الغدو ، وهو سير أول النهار ، نقيض الرواح ؛ قاله ابن الأثير. وقال الفيومي : «راح يروح رواحا ، وتروح مثله يكون بمعنى الغدو وبمعنى الرجوع ، وقد طابق بينهما في قوله تعالى :( غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ ) [سبأ (٣٤) : ١٢] ، أي ذهابها ورجوعها. وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلافي آخر النهار ، وليس كذلك ، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار ، قاله الأزهري وغيره». راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٤٦ (غدا) ؛ المصباح المنير ، ص ٢٤٢ (روح).

(٦) في «ن ، جت ، جد» : «ودخلوا». وفي حاشية «جت» : «وخلوا».

(٧) في «ع ، بف» : «جفافا». وفي شرح المازندراني : «الخفاف : ضد الثقال ، وضمير الجمع للركب ، أي دخلوا في الدنيا خفافا من متاعها ، وراحوا منها إلى الآخرة خفافا منه». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : دخلوا خفافا ، هو جمع خفيف ، أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا بلا زاد ولا مال ، وراحوا عند الموت كذلك. ويحتمل أن يكون كناية عن الإسراع».

(٨) في «ع ، بف» : «جفافا».

(٩) في «جد» : «ما مضى» بدل «عن مضي».

(١٠) «لم يجدوا عن مضي نزوعا» أي لم يقدروا على الكف والإباء عن المضي ، يقال : نزع عن الشيء نزوعا ، أي كف ، وأقلع عنه ، وانتهى عنه ، وأباه. راجع : المصباح المنير ، ص ٦٠٠ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٠٢٥ (نزع).

(١١) الجد ، بالكسر : الاجتهاد في الأمر ، وضد الهزل ، والعجلة. قال العلامة المازندراني : «الجد : بالكسر : الاجتهاد في الأمر ، والهزل ، وفعله من بابي ضرب وقتل ، أي جد المضي والذهاب من الدنيا بهم فجدوا فيهما اضطرارا». وقال العلامة المجلسي : «قولهعليه‌السلام : جدبهم فجدوا ، أي حثوهم على الإسراع في السير ، فأسرعوا. وفيه استعارة تمثيلية ، شبه سرعة زوال القوى وتسبب أسباب الموت وكثرة ما يوجب الزوال من الأسباب

٤٠٨

استعدوا ، حتى إذا أخذ بكظمهم(١) وخلصوا(٢) إلى دار قوم جفت(٣) أقلامهم(٤) لم يبق(٥) من أكثرهم(٦) خبر ولا أثر ، قل في الدنيا لبثهم ، وعجل إلى الآخرة بعثهم ، فأصبحتم حلولا(٧) في ديارهم ، ظاعنين(٨) على آثارهم ، والمطايا(٩) بكم تسير سيرا ، ما فيه أين(١٠) ولا تفتير(١١) ، نهاركم بأنفسكم دؤوب(١٢) ، وليلكم بأرواحكم ذهوب ، فأصبحتم تحكون من حالهم حالا ، وتحتذون(١٣) من مسلكهم(١٤) مثالا ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، فإنما

__________________

الخارجة والداخلة برجال يحثون المراكب والأجساد بتلك المراكب ، والعمر بالمسافة التي يقطعها المسافر ، والأجل بالمنزل الذي يحل فيه». راجع : المصباح المنير ، ص ٩٢ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٣٩٩ (جدد).

(١) الكظم ، بالتحريك : مخرج النفس من الحلق ، أو الحلق ، أو الضم. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ١٧٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٢٠ (كظم).

(٢) «خلصوا» أي وصلوا ، يقال : خلص فلان إلى فلان ، أي وصل إليه. راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٦١ (خلص).

(٣) في «ع» : «خفت».

(٤) في شرح المازندراني : «يحتمل أن يكون جفاف أقلامهم كناية عن جريان ما كتب في اللوح المحفوظ من مقادير أحوالهم الخيرية والشرية عليهم تمثيلا للفراغ منها بفراغ الكاتب من كتابته ويبس قلمه». وقيل غير ذلك. راجع : الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٨١ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٤٩.

(٥) في «بف» : «ولم يبق».

(٦) في «بح» : «لأكثرهم».

(٧) الحلول : جمع الحال ، من حل المكان وبه ، أي نزل به. راجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٣٠٤ (حلل).

(٨) «ظاعنين» أي سائرين ومرتحلين. راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ١٥٧ ؛ المصباح المنير ، ص ٣٨٥ (ظعن).

(٩) المطايا : جمع المطية ، وهي الناقة التي يركب مطاها ، أي ظهرها ، أو هي دابة تمطو في سيرها ، أي تجد وتسرع. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٤٠ (مطا) ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٧٤٩ (مطو).

(١٠) في الوافي عن بعض النسخ : «أني». والأين : الإعياء والتعب. الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢٠٧٦ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٨٧ (أين).

(١١) في «بف» والوافي : «ولا تقصير». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : ولا تفتير ، أي ليست تلك الحركة موجبة لفتور تلك المطايا فتسكن عن السير زمانا. قال الفيروزآبادي : فتر يفتر ويفتر فتورا وفتارا : سكن بعد حدة ، ولان بعد شدة ، وفتره تفتيرا». وراجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٦٣٣ (فتر).

(١٢) في المرآة : «قال الفيروزآبادي : يقال : فلان دؤب في العمل ، إذا جد وتعب ، أي نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب أنفسكم ليذهبها. ويحتمل أن يكون الباء للتعدية ، أي نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم ، وذلك سبب لفناء أجسادكم». وراجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٥٩ (دأب).

(١٣) في «جد» وحاشية «د» : «وتحتدون». والاحتذاء : الاقتداء. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٧١ (حذو).

(١٤) في «ع ، ن ، بف» وحاشية «د ، م ، جت» وشرح المازندراني والوافي : «سلكهم».

٤٠٩

أنتم فيها سفر حلول(١) ، الموت بكم نزول(٢) ، تنتضل(٣) فيكم مناياه(٤) ، وتمضي بأخباركم مطاياه إلى دار الثواب والعقاب ، والجزاء والحساب.

فرحم الله امرأ راقب ربه(٥) ، وتنكب(٦) ذنبه ، وكابر(٧) هواه ، وكذب مناه ، امرأ زم(٨) نفسه من التقوى(٩) بزمام ، وألجمها من خشية ربها بلجام ، فقادها إلى الطاعة بزمامها ، وقدعها(١٠) عن المعصية بلجامها ، رافعا إلى المعاد طرفه ، متوقعا في كل أوان

__________________

(١) السفر : جمع سافر ، والحلول : جمع حال ، قال العلامة المجلسي : «قولهعليه‌السلام : سفر حلول ، هما جمعان ، أي مسافرون حللتم بالدنيا». راجع : المصباح المنير ، ص ٢٧٨ (سفر) ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٣٠٤ (حلل).

(٢) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : نزول ، بفتح النون ، أي نازل».

(٣) في «د ، ع» : «ينتصل». وفي «ل ، م ، جد» : «ينتضل». والانتضال : رمي السهام للسبق ، يقال : انتضل القوم وتناضلوا ، أي رموا للسبق. راجع : النهاية ، ج ٥ ، ص ٧٢ (نضل).

(٤) المنايا : جمع المنية ، وهي الموت ، من المني بمعنى التقدير ؛ لأنها مقدرة بوقت مخصوص. وقال العلامة المازندراني : «ضمير مناياه راجع إلى الموت ، والمراد بالمنايا أسبابه ، وإرجاعه إلى الدنيا باعتبار الدهر بعيد». وقال العلامة المجلسي : «الانتضال : رمي السهام للسبق. والمنايا : جمع المنية ، وهو الموت. ولعل الضمير راجع إلى الدنيا بتأويل الدهر ، أو بتشبيهها بالرجل الرامي ، أي ترمي إليكم المنايا في الدنيا سهامها فتهلككم ، والسهام : الأمراض والبلايا الموجبة للموت. ويحتمل أن يكون فاعل «تتنصل» الضمير الراجع إلى الدنيا ، ويكون المرمي المنايا ، والأول أظهر. ويمكن إرجاع ضمير «مناياه» إلى الموت بأن يكون المراد بالمنايا البلايا التي هي أسباب الموت ، اطلق عليه مجازا تسمية للسبب باسم المسبب». وقيل غير ذلك. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٦٨ ؛ لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٢٩٢ (مني) ؛ شرح المازندراني ، ج ١٢ ، ص ٢٠٠ ؛ الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٨١ ـ ٨٢ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٥٠.

(٥) في شرح المازندراني : «راقب ربه ، أي حافظ ربه ، كأنه يراه فيخلي الظاهر والباطن عن الرذائل ، ويحليهما بالفضائل ، وينظر إلى جميع حركاته وسكناته ولحظاته ، فإن كانت إلهية بادر إليها ، وإن كانت شيطانية تعجل إلى دفعها». وقيل غير ذلك. راجع : مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٥٠.

(٦) في تحف العقول : «وتوكف». والتنكب عن الشيء : هو الميل والعدول عنه ، وتنكبه : تجنبه. الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٢٨ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ١١٢ (نكب).

(٧) في حاشية «بح ، جت» : «وكابد». وفي حاشية «ن» : «وكابل». والمكابرة : المغالبة والمعاندة. المصباح المنير ، ص ٥٢٤ (كبر).

(٨) في «ع ، م ، ن ، بح ، بن ، جت ، جد» والبحار : «أزم».

(٩) في «ل» : ـ «من التقوى».

(١٠) في «د» : «وقرعها». والقدع : الكف والمنع ، يقال : قدعه عن الشيء ، أي كفه عنه ، وقدع الفرس ، أي كبحه ،

٤١٠

حتفه(١) ، دائم الفكر ، طويل السهر(٢) ، عزوفا(٣) عن الدنيا سأما(٤) ، كدوحا(٥) لآخرته متحافظا ، امرأ جعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عدة وفاته ، ودواء أجوائه(٦) ، فاعتبر وقاس وترك(٧) الدنيا والناس ، يتعلم للتفقه والسداد(٨) ، وقد وقر(٩) قلبه(١٠) ذكر المعاد(١١) ، وطوى مهاده(١٢) ، وهجر وساده(١٣) ،

__________________

أي جذبه إليه باللجام وضرب فاه به كي يقف ولا يجري. راجع : لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٦٦ (كبح) ، وج ٨ ، ص ٢٦٠ (قدع).

(١) الحتف : الموت والهلاك. راجع : النهاية ، ج ١ ، ص ٣٣٧ (حتف).

(٢) السهر ، عدم النوم في الليل كله ، أو في بعضه ، يقال : سهر الليل كله ، أو بعضه ، إذا لم ينم. المصباح المنير ، ص ٢٩٣ (سهر).

(٣) «عزوفا» أي منصرفا وزاهدا وملوما ؛ من العزوف ، وهو الزهد في الشيء والانصراف عنه والملال منه. راجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١١٥ (عزف).

(٤) السأم : الملل والضجر. النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٢٨ (سأم).

(٥) الكدح : السعي والحرص ، والعمل. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ١٥٥ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٣٥٧ (كدح).

(٦) في التحف : «داء جواه». والأجواء : جمع الجوى ، وهو الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. وهو أيضا المرض وداء الجوف إذا تطاول. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٠٦ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٣١٨ (جوا).

(٧) في تحف العقول : «فوتر».

(٨) قال الجوهري : «السداد هو الصواب والقصد من القول والفعل». وقال ابن الأثير : «هو القصد في الأمر والعدل فيه». الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٨٥ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٥٢ (سدد).

(٩) في «د ، ع» : «وفر».

(١٠) في «بن» : «سمعه».

(١١) التوقير : التعظيم والتبجيل ، والترزين ، والتسكين. قال العلامة المازندراني : «التوقيرهنا بمعنى التعظيم والتبجيل ، أو بمعنى الترزين والتسكين ، و «قلبه» على الأول فاعل ، و «ذكر المعاد» مفعول ، وعلى الثاني بالعكس». وقال العلامة المجلسي : «قولهعليه‌السلام : وقد وقر قلبه ذكر المعاد ، أي حمل على قلبه ذكر المعاد فأكثر ، من قولهم : أوقر على الدابة ، أي حمل عليه حملا ثقيلا. ويحتمل بعيدا أن يكون من الوقار ويكون «ذكر المعاد» فاعلا للتوقير ، أي جعل ذكر المعاد قلبه ذا وقار لايتبع الشهوات والأهواء». راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٨٤٨ ؛ المصباح المنير ، ص ٦٦٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٦٨٣ (وقر).

(١٢) المهاد : الفراش. الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٤١ (مهد).

(١٣) الوساد : المخدة ، وهو ما يوضع الخد عليه ، والمتكأ ، وهو الذي يوضع تحت الرأس. راجع : النهاية ، ج ٥ ، ص ١٨٢ ؛ لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٤٥٩ (وسد).

٤١١

منتصب(١) على أطرافه(٢) ، داخل(٣) في أعطافه(٤) ، خاشعا للهعزوجل ، يراوح(٥) بين الوجه والكفين ، خشوع في السر لربه ، لدمعه صبيب(٦) ، ولقلبه وجيب(٧) ، شديدة أسباله(٨) ، ترتعد(٩) من خوف الله ـعزوجل ـ أوصاله(١٠) ، قد(١١) عظمت فيما عند الله رغبته ، واشتدت منه رهبته(١٢) ، راضيا بالكفاف من

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني. وفي المطبوع والوافي : «منتصبا».

(٢) أطراف البدن : اليدان والرجلان والرأس. قال العلامة المازندراني : «منتصب على أطرافه ، أي على قدميه ، أو على جميع جوارحه باستعمال كل منها في ما طلب منه». راجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١٠٨ (طرف).

(٣) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت. وفي «جد» : «دخل». وفي المطبوع والوافي : «داخلا».

(٤) عطفا الرجل : جانباه عن يمين وشمال ، وشقاه من لدن رأسه إلى وركيه ، وكذلك عطفا كل شيء : جانباه ، والجمع : أعطاف وعطاف وعطوف. والعطاف : الرداء ، والإزار ، سمي عطافا لوقوعه على عطفي الرجل ، وهما ناحيتا عنقه ، والجمع : عطف وأعطفة. قال العلامة المازندراني : «وهو إشارة إلى أن غلبة النوم المحرك له إلى جوانبه لا تمنعه من القيام بوظائف الطاعات. ويمكن أن يراد بها الازر والأردية». راجع : لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٣٥١ (عطف).

(٥) المراوحة بين الوجه والكفين : أن يضع وجهه تارة على التراب وجبهته عليه للسجود ، ويرفع كفيه تارة في الدعاء إلى السماء ، أو يرفع وجهه إلى السماء تارة وكفيه إليها اخرى ، ففي إعمال كل منهما راحة للاخرى. راجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٣٣٥ (روح) ؛ شرح المازندراني ، ج ١٢ ، ص ٢٠٢ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٥٢.

(٦) الصبيب : مصدر صب الماء يصب ، من باب ضرب ، أي انسكب ، والصبيب أيضا : الماء المصبوب. راجع : المصباح المنير ، ص ٣٣١ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٨٧ (صبب).

(٧) الوجيب : مصدر ، يقال : وجب القلب وجيبا ، أي رجف واضطرب. راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٣٢ ؛ المصباح المنير ، ص ٦٤٨ (وجب).

(٨) الأسبال ، بفتح الهمزة : جمع السبل بالتحريك ، مثل بطل وأبطال ، وبكسرها : مصدر ، يقال : أسبل المطروالدمع ، إذا هطلا ، أي تتابعا وسالا. والاسم : السبل بالتحريك. قرأه العلامة الفيض في الوافي على صيغة المصدر ، واحتمل العلامة المجلسي الفتح والكسر ـ كما هو الظاهر من كلام العلامة المازندراني ـ ثم قال : «وتأنيث الخبر يؤيد الأول». راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٤٠ (سبل).

(٩) في شرح المازندراني : «يرتعد».

(١٠) الأوصال : المفاصل ، أو مجتمع العظام. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٤١٠ (وصل).

(١١) في شرح المازندراني : «وقد».

(١٢) الرهبة : الخوف والفزع. النهاية ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ (رهب).

٤١٢

أمره(١) ، يظهر دون ما يكتم ، ويكتفي بأقل مما يعلم ، أولئك ودائع الله في بلاده ، المدفوع(٢) بهم عن عباده ، لو أقسم أحدهم على الله(٣) ـ جل ذكره ـ لأبره(٤) ، أو دعا على أحد نصره الله ، يسمع إذا ناجاه ، ويستجيب له(٥) إذا دعاه ، جعل الله العاقبة للتقوى ، والجنة لأهلها مأوى ، دعاؤهم فيها أحسن الدعاء ، سبحانك اللهم ، دعاهم المولى(٦) على(٧) ما آتاهم ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين».(٨)

خطبة(٩) لأمير المؤمنينعليه‌السلام

١٥٠٠٩ / ١٩٤. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب(١٠) ، عن محمد بن النعمان أو غيره :

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمعة :

«الحمد لله أهل الحمد ووليه ، ومنتهى الحمد ومحله ، البديء(١١)

__________________

(١) في «ن ، جت» وشرح المازندراني : + «وأحسن طول عمره». وفي الوافي : + «إن أحسن طول عمره».

(٢) في «بن ، جت» : «والمدفوع».

(٣) القسم على الله تعالى : أن يقول : بحقك يا رب أفعل كذا ، وإنما عدي ب «على» لأنه ضمن معنى التحكم أو الايجاب. راجع : المغرب ، ص ٢٩٤ (قسم).

(٤) «لأبره» أي أمضا قسمه على الصدق تعظيما له واستجابة لسؤاله وقضاء لحاجته. راجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٤٩٨ (برر).

(٥) في «ع ، بح» : ـ «له».

(٦) في المرآة : «مولاهم».

(٧) في «بن ، جد» وحاشية «د ، م ، جت» : «إلى».

(٨) تحف العقول ، ص ٢٠٨ ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من قوله : «فرحم الله امرأ راقب ربه وتنكب ذنبه» مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٧٩ ، ح ٢٥٣٧٤ ؛ البحار ، ج ٧٧ ، ص ٣٤٩ ، ح ٣٠.

(٩) في «بف» : + «اخرى».

(١٠) هكذا في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بح ، بن ، جت ، جد». وفي «بف» والمطبوع : «الحسن بن محبوب».

(١١) في شرح المازندراني : «البديء : فعيل بمعنى فاعل ، من بدأ الخلق ، أي فطرهم وأنشأهم». وفي مرآة العقول : «قولهعليه‌السلام : البديء ، أي الأول ، كما ذكره الجوهري. ويحتمل أن يكون فعيلا بمعنى مفعل ، كالبديع ، أي مبدع الأشياء ومنشئها». وراجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٥ (بدأ).

٤١٣

البديع(١) ، الأجل الأعظم ، الأعز الأكرم ، المتوحد بالكبرياء ، والمتفرد(٢) بالآلاء ، القاهر بعزه ، والمتسلط(٣) بقهره ، الممتنع بقوته ، المهيمن(٤) بقدرته ، والمتعالي فوق كل شيء بجبروته ، المحمود بامتنانه(٥) وبإحسانه(٦) ، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده ، الموسع برزقه(٧) ، المسبغ بنعمته(٨) .

نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه(٩) ، حمدا يزن عظمة جلاله ، ويملأ قدر آلائه وكبريائه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، الذي كان في أوليته متقادما ، وفي ديموميته(١٠) متسيطرا(١١) ، خضع الخلائق لوحدانيته(١٢) وربوبيته وقديم(١٣) أزليته ،

__________________

(١) «البديع» : هو الخالق المخترع لا عن مثال سابق ، فعيل بمعنى مفعل ، يقال : أبدع فهو مبدع.

(٢) في شرح المازندراني : «المتفرد إما بالتاء المثناة الفوقانية ، أو بالنون. والأول أولى ؛ لأنه الأنسب بالمتوحد مع ما فيه من المبالغة في الانفراد».

(٣) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع : «والمسلط».

(٤) قال ابن الأثير : «في أسماء الله تعالى : المهيمن : هو الرقيب. وقيل : الشاهد. وقيل : المؤتمن. وقيل : القائم بامور الخلق». النهاية ، ج ٥ ، ص ٢٧٥ (هيمن).

(٥) الامتنان : الإنعام ، والاسم : المنة بالكسر. المصباح المنير ، ص ٥٨١ (منن).

(٦) في حاشية «جت» : «وإحسانه».

(٧) في شرح المازندراني : «وسع الله على عباده رزقه ، يوسع وسعا من باب نفع ، وأوسعه إيساعا ، ووسعه توسيعا ، إذا بسطه وكثره ، والباء للمبالغة في التعدية». وراجع : المصباح المنير ، ص ٦٦٠ (وسع).

(٨) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : «بنعمه». والإسباغ : الإتمام والإكمال ، وقال العلامة المجلسي : «لعل الباء زائدة ، أو المراد : المسبغ حجته بنعمته». راجع : المصباح المنير ، ص ٢٦٤ (سبغ).

(٩) في شرح المازندراني : «وتظاهر نعمائه ، أي مجيء بعضها ظهر بعض وعقبه على وجه التعاون وتقوية كل واحدة للاخرى». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : وتظاهر نعمائه ، أي تتابعها».

(١٠) في «ع» : «ديمومته».

(١١) في الوافي : «متسطرا». والمتسيطر : المسلط ، والرقيب الحافظ. راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٦٥ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٥٧٣ (سطر).

(١٢) في «بف» وشرح المازندراني والوافي : «بوحدانيته».

(١٣) في حاشية «بف» : «في قديم» بدل «وقديم».

٤١٤

ودانوا(١) لدوام أبديته.

وأشهد أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، اختاره بعلمه ، واصطفاه لوحيه ، وائتمنه على سره ، وارتضاه(٢) لخلقه ، وانتدبه(٣) لعظيم أمره ، ولضياء معالم دينه ، ومناهج سبيله(٤) ، ومفتاح وحيه(٥) ، وسببا لباب رحمته ، ابتعثه على حين فترة(٦) من الرسل ، وهدأة(٧) من العلم ، واختلاف من الملل ، وضلال عن الحق ، وجهالة بالرب ، وكفر بالبعث والوعد ، أرسله إلى الناس أجمعين ، رحمة للعالمين ، بكتاب كريم قد فضله وفصله(٨) وبينه وأوضحه وأعزه ، وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن(٩) خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.

ضرب للناس فيه الأمثال ، وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون ، أحل فيه

__________________

(١) في مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٥٦ : «قولهعليه‌السلام : دانوا ، أي أقروا وأذعنوا بدوام أبديته ، أو أطاعوا وخضعوا وذلوا له ؛ لكونه دائم الأبدية ولا مناص لهم عن حكمه. يقال : دان ، أي ذل وخضع ، وعبد وأطاع ، وأقر واعتقد. والكل مناسب ، كما عرفت». وراجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٧٥ (دين).

(٢) الارتضاء : الاختيار ، يقال : رضيت الشيء وبه ، وارتضيته ، أي اخترته. المصباح المنير ، ص ٢٢٩ (رضي).

(٣) في شرح المازندراني : «الظاهر أن اللام بمعنى «إلى» ، تقول : ندبته إلى الأمر ندبا ، من باب قتل ، وانتدبته إليه ، إذا دعوته فانتدب ، يستعمل لازما ومتعديا». وراجع : المصباح المنير ، ص ٥٩٧ (ندب).

(٤) في شرح المازندراني : «ومناهج سبيله ، الإضافة بيانية ، والمناهج : جمع منهج ، وهو طريقته الواضحة المؤدية للسالكين بأيسر سعي إلى رضوانه». وراجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٤٦ (نهج).

(٥) في شرح المازندراني : «ومفتاح وحيه ، لعل التركيب من قبيل لجين الماء ، أي دعاه إلى وحيه الذي كالمفتاح في فتح أبواب العلوم الربانية والأسرار الإلهية».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ومفتاح وحيه ، يمكن تقدير فعل ، أي جعله مثلا ، ويحتمل عطفه على قوله : لخلقه ، ولعله سقط منه شيء».

(٦) الفترة : ما بين الرسولين من رسل الله تعالى من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة ؛ من الفتور ، وهو الضعف والانكسار. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٧٧ ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ٤٠٨ (فتر).

(٧) الهدأة والهدوء : السكون عن الحركات. النهاية ، ج ٥ ، ص ٢٤٩ (هدأ).

(٨) في البحار : «فصله وفضله».

(٩) في «ع ، ل ، بف» والوافي : «ولا من».

٤١٥

الحلال ، وحرم فيه الحرام ، وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا(١) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، ويكون بلاغا(٢) لقوم عابدين ، فبلغ رسالته ، وجاهد في سبيله ، وعبده حتى أتاه اليقين(٣) ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما كثيرا.

أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ بدأ(٤) الأمور بعلمه ، وإليه يصير غدا ميعادها(٥) ، وبيده فناؤها وفناؤكم ، وتصرم(٦) أيامكم ، وفناء آجالكم ، وانقطاع مدتكم ، فكأن قد زالت عن قليل(٧) عنا وعنكم ، كما زالت عمن كان قبلكم ، فاجعلوا(٨) عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ، فإنها دار عمل ، والآخرة دار القرار والجزاء ، فتجافوا عنها(٩) ، فإن المغتر من اغتر بها(١٠) ،

__________________

(١) في «د ، ل ، م ، ن ، بح ، بن ، جت ، جد» : «أو نذرا».

وفي مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٥٧ : «قوله عليه‌السلام : عذرا ونذرا ، هما مصدران ل «عذر» : إذا محى الإساءة. و «أنذر» : إذا خوف ، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ، ونذير بمعنى الإنذار ، أو بمعنى العاذر والمنذر. ونصبهما على الأولين بالعلية ، أي عذرا للمحقين ، ونذرا للمبطلين ، وعلى الثالث بالحالية. ويمكن قراءتهما بضم الذالين وسكونهما ، كما قرئ بهما في الآية». وراجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ١٩٧ ؛ لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ (عذر) ؛ وج ٥ ، ص ٢٠١ (نذر).

(٢) «بلاغا» أي كفاية ، أو هو مصدر بمعنى الوصول إلى المقصود ، والحمل للمبالغة في السببية ، أي ليكون سبب بلوغ ووصول إلى البغية. راجع : شرح المازندراني ، ج ١٢ ، ص ٢٠٩ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٥٨.

(٣) المراد من اليقين هو الموت ؛ فإنه متيقن لحوقه لكل حي مخلوق.

(٤) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والمرآة. وفي المطبوع والوافي : ـ «بدأ».

(٥) في «ع ، ن ، بف ، بن ، جت ، جد» وشرح المازندراني والوافي : «معادها». وفي «بح» : «معادلها».

(٦) الصرم : القطع ، والتصرم : التقطع. الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٩٦٥ (صرم).

(٧) في المرآة : «كلمة «عن» بمعنى بعد ، أي بعد زمان قليل».

(٨) في «د» : «واجعلوا».

(٩) «فتجافوا عنها» أي اتركوها وابعدوا عنها ؛ من الجفاء ، وهو البعد عن الشيء ، وترك الصلة والبر. راجع : النهاية ، ج ١ ، ص ٢٨٠ (جفا).

(١٠) في شرح المازندراني : «فإن المغتر من اغتربها. الظاهر أن الأول من الغرة بالكسر ، وهي الغفلة ، والثاني من الغرور ، وهو الخدعة ، أي الغافل عن الله وعن أمر الآخرة من انخدع بالدنيا وزهراتها».

٤١٦

لن تعدو(١) الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها ، المحبين لها ، المطمئنين إليها ، المفتونين بها أن تكون كما قال اللهعزوجل :( كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ ) (٢) الآية ، مع أنه لم يصب امرؤ منكم في هذه الدنيا حبرة(٣) إلا أورثته عبرة(٤) ، ولا يصبح فيها في جناح آمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة(٥) ، أو تغير نعمة ، أو زوال عافية(٦) ، مع أن الموت من وراء ذلك ، وهول(٧) المطلع(٨) والوقوف بين يدي الحكم العدل ، تجزى(٩) كل نفس بما عملت( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (١٠) .

فاتقوا الله عز ذكره ، وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل ما

__________________

(١) «لن تعدو» أي لن تتجاوز ، أو لن تجاوز ، يقال : عدا عليه يعدو ، أي تجاوز الحد ، وعداه يعدوه ، أي جاوزه. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٢١ ؛ المصباح المنير ، ص ٣٩٧ (عدا).

(٢) يونس (١٠) : ٢٤.

(٣) في «د ، بف» : «حيرة». وفي «م ، جت ، جد» : «خبرة». والحبرة ، بالفتح : النعمة وسعة العيش ، وكذلك الحبور. النهاية ، ج ١ ، ص ٣٢٧ (حبر).

(٤) في «بف» : «غيره». وفي حاشية «جت» : «غيرة». والعبرة ، بالفتح : الدمعة قبل أن تفيض ، أو تردد البكاء في الصدر ، أو الحزن بلا بكاء ، والجمع : عبرات وعبر. القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٦٠٩ (عبر).

(٥) قال الجوهري : «الجوح : الاستئصال ، حجت الشيء أجوحه ، ومنه الجائحة ، وهي الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة». وقال ابن الأثير : «الاجتياح من الجائحة ، وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها ، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة ، والجمع : جوائح». الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٦٠ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٣١٢ (جوح).

(٦) في البحار : + «مافيه».

(٧) الهول : الخوف والأمر الشديد. الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٥٥ (هول).

(٨) قال الجوهري : «المطلع : المأتى ، يقال : أين مطلع هذا الأمر ، أي مأتاه ، وهو موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار ، وفي الحديث : من هول المطلع ، شبه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك». وقال ابن الأثير : «يريد به الموقف يوم القيامة ، أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت ، فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال». الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٢٥٤ ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ١٣٢ (طلع).

(٩) في «جد» : «يجزى». وفي «م» بالتاء والياء معا.

(١٠) النجم (٥٣) : ٣١.

٤١٧

فيه الرضا ، فإنه قريب مجيب ، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه(١) ، ويجتنب سخطه.

ثم إن(٢) أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله جل وعز ، قال اللهعزوجل (٣) :( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٤) .

أَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٥) ،( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٦) .

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك(٧) على محمد وآل محمد(٨) ، وتحنن(٩) على محمد وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة.

اللهم اجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة ، وأقربهم منك مقعدا ، وأوجههم عندك يوم القيامة جاها(١٠) ، وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا.

__________________

(١) في «بن» : «بمحابته».

(٢) في «ع» : ـ «إن».

(٣) في البحار : ـ «قال اللهعزوجل ».

(٤) الأعراف (٧) : ٢٠٤.

(٥) العصر (١٠٣) : ١ ـ ٣.

(٦) الأحزاب (٣٣) : ٥٦.

(٧) في شرح المازندراني : «بارك ، إما من بروك البعير ، إذا استناخ ولزم مكانا واحدا لايخرج منه ، أو من البركة بمعنى النماء والزيادة. والمعنى على الأول : أدم عليهم الكرامة والتشريف ، وعلى الثاني : زدهم تشريفا بعد تشريف ، وكرامة بعد كرامة». وراجع : النهاية ، ج ١ ، ص ١٢٠ (برك).

(٨) في «بف» : + «وترحم على محمد وآل محمد».

(٩) التحنن : الترحم والتعطف. الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢١٠٤ (حنن).

(١٠) قال الفيومي : «الجاه : مقلوب من الوجه». وقال الفيروزآبادي : «الجاه والجاهة : القدر والمنزلة». المصباح المنير ، ص ٦٤٩ (وجه) ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٣٥ (جوه).

٤١٨

اللهم أعط محمدا أشرف المقام ، وحباء(١) السلام ، وشفاعة الإسلام.

اللهم وألحقنا به غير خزايا(٢) ولا ناكبين(٣) ولا نادمين ولا مبدلين(٤) إله الحق آمين.

ثم جلس قليلا ، ثم قام ، فقال :

الحمد لله أحق من خشي وحمد ، وأفضل من اتقي وعبد ، وأولى من عظم ومجد(٥) ، نحمده لعظيم غنائه(٦) ، وجزيل عطائه ، وتظاهر نعمائه ، وحسن بلائه(٧) ، ونؤمن بهداه الذي لايخبو(٨) ضياؤه ، ولا يتمهد(٩) سناؤه(١٠) ، ولا يوهن(١١) عراه(١٢) ، ونعوذ بالله

__________________

(١) الحباء : العطاء ، والعطية. الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٠٨ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٣٣٦ (حبا).

(٢) «خزايا» : جمع خزيان ، وهو المستحيي. والمعنى : غير مستحيين منه بالمخزية ـ وهي الخصلة الذميمة ـ من الأفعال والأخلاق. راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٠ (خزا).

(٣) في «ع ، بح ، بف» وحاشية «د» وشرح المازندراني والوافي والمرآة : «ناكثين». و «ولا ناكبين» أي لا عادلين عن طريق الحق ، يقال : نكب عن الطريق ينكب نكوبا ، أي عدل ومال. راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٢٨ ؛ المصباح المنير ، ص ٦٢٤ (نكب).

(٤) في «د ، ن ، بن ، جت» : «متبدلين».

(٥) في «بن» : ـ «عبد ، وأولى من عظم ومجد».

(٦) الغناء ، بالفتح والمد : النفع. الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٤٩ (غنا).

(٧) في شرح المازندراني : «البلاء : المحنة ، والعطية ، والنعمة. والبلاء الحسن : العطاء الجميل. ولو اريد به المحنة فالمراد به البلاء الموجب لتذكر أمر الآخرة والرجوع إليه سبحانه ، وأما الموجب لفساد الدين فقد وقعت الاستعاذة منه». وراجع : النهاية ، ج ١ ، ص ١٥٥ (بلا) ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٦٠ (بلي).

(٨) يقال : خبت النارو الحرب والحدة خبوا وخبوا : سكنت وطفئت. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٧٨ (خبو).

(٩) في الوافي والمرآة : «ولا يهمد». وفي شرح المازندراني : «ولا يتهمد».

(١٠) في مرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٦١ : «قولهعليه‌السلام : ولا يهمد سناؤه ، وفي بعض النسخ : لا يتمهد ، والتمهد : الانبساط ، والهمود : طفؤ النار. والسنا مقصورا : ضوء البرق ، وممدودا : الرفعة. فعلى نسخة «يهمد» ينبغي أن يكون مقصورا ، وعلى الاخرى أن يكون ممدودا ، والاولى أوفق بلاحقتها ، كما أن الثانية أوفق بسابقتها لفظا». وفي اللغة : التمهد : التمكن ، وامتهاد السنام : انبساطه وارتفاعه. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٤١ (مهد) ؛ وج ٦ ، ص ٢٣٨٣ (سنا).

(١١) في «ل ، بح ، بن» : «ولا توهن». وفي «د» بالتاء والياء معا.

(١٢) في «بف» : «عراوه». وفي الوافي : «عراؤه».

٤١٩

من سوء كل الريب(١) ، وظلم الفتن ، ونستغفره(٢) من مكاسب الذنوب ، ونستعصمه من(٣) مساوي الأعمال ، ومكاره الآمال ، والهجوم(٤) في الأهوال(٥) ، ومشاركة أهل الريب ، والرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق.

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك(٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله .

اللهم تقبل حسناتهم ، وتجاوز عن سيئاتهم ، وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة(٧) والرضوان ، واغفر للأحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسولك(٨) ، وتمسكوا بدينك ، وعملوا بفرائضك ، واقتدوا بنبيك ، وسنوا سنتك(٩) ، وأحلوا حلالك ، وحرموا حرامك ، وخافوا عقابك ، ورجوا ثوابك ، ووالوا أولياءك ، وعادوا أعداءك.

اللهم اقبل حسناتهم ، وتجاوز عن سيئاتهم ، وأدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين ، إله الحق آمين».(١٠)

١٥٠١٠ / ١٩٥. الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي

__________________

(١) في «بح» : «الذنب». وفي الوافي : «في بعض النسخ : شواكل الريب ، بدل : سوء كل الريب ، ولعل المرادبشواكله متشابهاته».

(٢) في «ع ، بف» وحاشية «د» : «واستغفره».

(٣) في شرح المازندراني : «عن».

(٤) «الهجوم» : الإتيان بغتة ، والدخول من غير استيذان. المغرب ، ص ٥٠٠ (هجم).

(٥) «الأهوال» : جمع الهول ، وهو الخوف والأمر الشديد. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٥٥ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ٨٣ (هول).

(٦) في «م» : + «محمد».

(٧) في «د ، ل ، بح ، بن ، جت» والبحار : «المغفرة والرحمة».

(٨) في «د ، بح ، جت» : «رسلك».

(٩) في شرح المازندراني : «وسنوا سنتك ، أي ساروها ، أو أحسنوا القيام عليها ، والسنة : الطريقة والسيرة». وراجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٤٠٩ (سنن).

(١٠) الوافي ، ج ٨ ، ص ١١٥١ ، ح ٧٩٣٣ ؛ البحار ، ج ٧٧ ، ص ٣٥٢ ، ح ٣١.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909