أحكام القرآن الجزء ٣

أحكام القرآن0%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 388

أحكام القرآن

مؤلف: أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص
تصنيف:

الصفحات: 388
المشاهدات: 65529
تحميل: 3270


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65529 / تحميل: 3270
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء 3

مؤلف:
العربية

على غيره فقوله الأذنان من الرأس حقيقته إنهما بعض الرأس فواجب إذا كان كذلك أن تمسحا معه بماء واحد كما يمسح سائر أبعاض الرأس وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال إذا مسح المتوضئ برأسه خرجت خطاياه من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه وإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من تحت أشفار عينيه فأضاف الأذنين إلى الرأس كما جعل العينين من الوجه * فإن قيل روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال عشر من الفطرة خمس في الرأس فذكر منها المضمضة والاستنشاق ولم يدل ذلك على دخولهما في حكم الرأس كذلك قوله الأذنان من الرأس قيل له لم يقل الفم والأنف من الرأس وإنما قال خمس في الرأس فوصف ما يفعل من الخمس في الرأس ونحن نقول إن هذه الجملة هو الرأس ونقول العينان في الرأس وكذلك الفم والأنف قال الله تعالى( لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ) والمراد هذه الجملة على أن ما ذكرته هو لنا لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سمى ما تشتمل عليه هذه الجملة رأسا فوجب أن تكون الأذنان من الرأس لاشتمال هذه الجملة عليهما وأن لا يخرج شيء منها إلا بدلالة ولما قال تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) وكان معلوما أنه لم يرد به الوجه وإن كان في الرأس وإنما أراد ما علا منه مما فوق الأذنين ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم الأذنان من الرأس كان ذلك إخبارا منه بأنهما من الرأس الممسوح فإن قيل روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ لهما ماء جديدا وروت الربيع بنت معوذ أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح برأسه وصدغيه ثم مسح أذنيه وهذا يقتضى تجديد الماء لهما قيل له أما قولك أنه أخذ لهما ماء جديدا فلا نعلمه روى من جهة يعتمد عليها ولو صح لم يدل على قولك لأنهما إذا كانتا من الرأس فالماء الجديد الذي أخذ لهما هو الذي أخذه لجميع الرأس ولا فرق بين قول القائل أخذ للأذنين ماء جديدا وبين قوله أخذ للرأس ماء جديدا إذا كانتا من الرأس والماء المأخوذ للرأس هو للأذنيين وقول الربيع بنت معوذ مسح برأسه ثم مسح أذنيه لا دلالة فيه على تجديد الماء للأذنيين لأن ذكر المسح لا يقتضى تجديد الماء لهما لأن اسم المسح يقع على هذا الفعل مع عدم الماء وهو مثل ما روى أنه مسح رأسه مرتين بماء واحد أقبل بهما وأدبر وقد علمنا أنه أقبل بهما وأدبر ولم يوجد ذلك تجديد الماء كذلك الأذنان إذ غير ممكن مسح الرأس مع الأذنين في وقت واحد كما لا يمكن مسح مقدم الرأس ومؤخره في حال واحدة فلا دلالة في ذكر مسح الأذنين بعد مسح الرأس على تجديد الماء لهما دون الرأس فإن

٣٦١

احتجوا بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول في سجوده سجد وجهى للذي خلقه وشق سمعه وبصره فجعل السمع من الوجه قيل له لم يرد بالوجه في هذا الموضع العضو المسمى بذلك وإنما أراد به أن جملة الإنسان هو الساجد لله لا الوجه وهو كقوله تعالى( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) يعنى به ذاته وأيضا فإنه ذكر السمع وليس الأذنان هما السمع فلا دلالة فيه على حكم الأذنين وقد قال الشاعر :

إلى هامة قد وقر الضرب سمعها

وليست كأخرى سمعها لم يوقر

فأضاف السمع إلى الهامة ويدل على أنهما تمسحان مع الرأس على وجه التبع أنه ليس في الأصول مسح مسنون إلا على وجه التبع للمفروض منه ألا ترى أن من سنة المسح على الخفين أن يمسح من أطراف الأصابع إلى أصل الساق والمفروض منه بعضه أما على قولنا فمقدار ثلاثة أصابع وعلى قول المخالف مقدار ما يسمى مسحا وقد روى في حديث عبد خير عن على أنه مسح وأسه مقدمه ومؤخره ثم قال هذا وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عبد الله بن زيد المازني والمقدام بن معدى كرب أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ومعلوم أن القفا ليس بموضع مفروض المسح لأن مسح ما تحت الأذنين لا يجزى من المفروض وإنما مسح ذلك الموضع على جهة التبع للمفروض فإن قيل لما لم تكن الأذنان موضع فرض المسح اشبهتا داخل الفم والأنف فيجدد لهما ماء جديدا كالمضمضة والاستنشاق فيكون سنة على حيالها قيل له هذا غلط لأن القفا ليس بموضع لفرض المسح والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد مسحه مع الرأس على وجه التبع فكذلك الأذنان وأما المضمضة والاستنشاق فكانا سنة على حيالهما من قبل أن داخل الفم والأنف ليسا من الوجه بحال فلم يكونا تابعين له فأخذ لهما ماء جديدا والأذنان والقفا جميعا من الرأس وإن لم يكونا موضع الفرض فصارا تابعين له فإن قيل لو كانت الأذنان من الرأس لحل بحلقهما من الإحرام ولكان حلقهما مسنونا مع الرأس إذا أراد الإحلال من إحرامه قيل له لم يسن حلقهما ولا حل بحلقهما لأن في العادة أن لا شعر عليهما وإنما الحلق مسنون في الرأس في الموضع الذي يكون عليه الشعر في العادة فلما كان وجود الشعر على الأذنين شاذا نادرا أسقط حكمهما في الحلق ولم يسقط في المسح وأيضا

٣٦٢

فإنا قلنا إن الأذنين تابعتان للرأس على ما بينا لا على أنهما الأصل ألا ترى أنا لا نجيز المسح عليهما دون الرأس فكيف يلزمنا أن نجعلهما أصلا في الحلق وأما قول الحسن ابن صالح في غسل باطن الأذنين ومسح ظاهرهما فلا وجه له لأنه لو كان باطنهما مغسولا لكانتا من الوجه فكان يجب غسلهما ولما وافقنا على أن ظاهرهما ممسوح مع الرأس دل ذلك على أنهما من الرأس ولأنا لم نجد عضوا بعضه من الرأس وبعضه من الوجه وقال أصحابنا لو مسح ما تحت أذنيه من الرأس لم يجزه من الفرض لأن ذلك من القفا وليس هو من مواضع فرض المسح فلا يجزيه ألا ترى أنه لو كان شعره قد بلغ منكبه فمسح ذلك الموضع من شعره لم يجزه عن مسح رأسه* واختلف الفقهاء في تفريق الوضوء فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والأوزاعى والشافعى هو جائز وقال ابن أبى ليلى ومالك والليث إن تطاول أو تشاغل بعمل غيره ابتدأ الوضوء من أوله والدليل على صحة ما قلناه قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) الآية فإذا أتى بالغسل على أى وجه فعله فقد قضى عهدة الآية ولو شرطنا فيه وترك الفريق الموالاة كان فيه إثبات زيادة في النص والزيادة في النص توجب نسخه ويدل عليه أيضا قوله تعالى( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) والحرج الضيق فأخبر تعالى أن المقصد حصول الطهارة ونفى الحرج وفي قول مخالفينا إثبات الحرج مع وقوع الطهارة المذكورة في الآية ويدل عليه قوله تعالى( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) الآية فأخبر بوقوع التطهير بالماء من غير شرط الموالاة فحيثما وجد كان مطهرا بحكم الظاهر ويدل عليه قوله تعالى( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) ومعناه مطهرا فحيثما وجد فواجب أن يكون هذا حكمه ولو منعنا الطهارة مع وجود الغسل لأجل التفريق كنا قد سلبناه الصفة التي وصفه الله تعالى بها من كونه طهورا ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا على بن محمد بن أبى الشوارب قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا محمد بن عبيد الله عن الحسين بن سعد عن أبيه عن على قال جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله إنى اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر فلما أصبحت رأيت بذراعى قدر موضع الظفر لم يصبه الماء فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو مسحت عليه بيدك أجزك فأجاز له أن يمسح عليه بعد تراخى الوقت ولم يأمره

٣٦٣

باستئناف الطهارة وروى عبد الله بن عمر وغيره أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى قوما وأعقابهم تلوح فقال ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء ويدل عليه حديث رفاعة بن رافع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا تتم صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه والتفريق لا يخرجه من أن يكون وضعه مواضعه لأن مواضعه هذه الأعضاء المذكورة في القرآن ولم يشرط فيه الموالاة وترك التفريق* ويدل عليه من وجه آخر قوله في لفظ آخر حتى يسبغ الوضوء فيغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ويغسل رجليه ولم يذكر فيه التتابع فهو على الأمرين من تفريق أو موالاة فإن قيل لما كان قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) أمرا يقتضى الفور وجب أن يكون مفعولا على الفور فإذا لم يفعل استقبل إذ لم يفعل المأمور به قيل له الأمر على الفور لا يمنع صحة فعله على المهلة ألا ترى أن تارك الوضوء رأسا لا تفسد طهارته إذا فعله بعد ذلك على التراخي وكذلك سائر الأوامر التي ليست موقتة فإن تركها في وقت الأمر بها لا يفسدها إذا فعلها ولا يمنع صحتها وعلى أن هذا المعنى لأن يكون دليلا على صحة قولنا أولى وذلك لأن غسل العضو المفعول على الفور قد صح عندنا جميعا وتركه لغسل باقى الأعضاء ينبغي أن لا يغير حكم الأول ولا تلزمه إعادته لأن في إيجاب إعادته إبطاله عن الفور وإيجاب فعله على التراخي فواجب أن يكون مقرا على حكمه في صحة فعله بديا على الفور واحتج أيضا القائلون بذلك بحديث ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به قالوا ومعلوم أن فعله كان على وجه المتابعة قيل له هذا دعوى ومن أين لك أنه فعله متتابعا وجائز أن يكون غسل وجهه في وقت ثم غسل يديه بعد ساعات وكذلك سائر أعضائه ليفيد الحاضرين حكم جواز فعله متفرقا وعلى أنه لو تابع لم يدل قوله ذلك على وجوب التتابع لأن قوله هذا وضوء إنما إشارة إلى الغسل لا إلى الزمان فإن قيل لما كان بعضه منوطا ببعض حتى لا يصح لبعضه حكم إلا بجميعه أشبه أفعال الصلاة قيل له هذا منتقض بالحج لأن بعضه منوط ببعض ألا ترى أنه لو لم يقف بعرفة بطل إحرامه وطوافه الذي قدمه ولم يجب من أجل ذلك متابعة أفعاله وأيضا فإنه قد ثبت لغسل بعض الأعضاء حكم دون بعض ألا ترى أنه لو كان بذراعه عذر لسقط فرض طهارته عنه وليس كذلك الصلاة لأن أفعالها كلها منوطة بعضها ببعض فإما أن يسقط جميعها أو يثبت جميعها على

٣٦٤

الحال التي يمكن فعلها فمن حيث جاز سقوط بعض أعضاء الطهارة وبقي البعض أشبه الصلاة والزكاة وسائر العبادات إذا اجتمع وجوبها عليه فيجوز تفريقها عليه وأيضا فإن الصلاة إنما لزم فيها الموالاة من غير فصل لأنه يدخل فيها بتحريمة ولا يصح بناء أفعالها إلا على التحريمة التي دخل بها في الصلاة فمتى أبطل التحريمة بكلام أو فعل لم يصح له بناء باقى أفعالها بغير تحريمة والطهارة لا تحتاج إلى تحريمة ألا ترى أنه يصح في أضعافها الكلام وسائر الأفعال ولا يبطلها ذلك وإنما شرط فيه من قال ذلك عدم جفاف العضو قبل إتمام الطهارة وجفاف العضو لا تأثير له في حكم رفع الطهارة ألا ترى أن جفاف جميع الأعضاء لا يؤثر في رفعها كذلك جفاف بعضها وأيضا فلو كان هذا تشبيها صحيحا وقياسا مستقيما لما صح في هذا الموضع إذ غير جائز الزيادة في النص بالقياس فلا مدخل للقياس هاهنا وأيضا فإنه لا خلاف أنه لو كان في الشمس ووالى بين الوضوء إلا أنه كان يجف العضو منه قبل أن يغسل الآخر إنه لا يوجب ذلك بطلان الطهارة كذلك إذا جف بتركه إلى أن يغسل الآخر.

(فصل) وقوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية يدل على أن التسمية على الوضوء ليست بفرض لأنه أباح الصلاة بغسل هذه الأعضاء من غير شرط التسمية وهو قول أصحابنا وسائر فقهاء الأمصار وحكى عن بعض أصحاب الحديث أنه رآها فرضا في الوضوء فإن تركها عامدا لم يجزه وإن تركها ناسيا أجزأه ويدل على جوازه قوله تعالى( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) فعلق صحة الطهارة بالفعل من غير ذكر التسمية شرطا فيه فمن شرطها فهو زائد في حكم هذه الآيات ما ليس منها وناف لما أباحته من جواز الصلاة بوجود الغسل ويدل عليه من جهة السنة حديث ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ولم يذكر فيه التسمية وقد علم الأعرابى الطهارة في الصلاة في حديث رفاعة بن رافع وقال لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء فيغسل وجهه ويديه إلى آخره ولم يذكر التسمية وحديث على وعثمان وعبد الله بن زيد وغيرهم في صفة وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يذكر أحد منهم التسمية فرضا فيه وقالوا هذا وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلو كانت التسمية فرضا فيه لذكروها ولورد النقل به متواترا في وزن ورود النقل في سائر الأعضاء المفروض طهارتها لعموم الحاجة إليه فإن احتجوا

٣٦٥

بحديث أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا ضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه قيل له لا تجوز الزيادة في نص القرآن إلا بمثل ما يجوز به النسخ فهذا سؤال ساقط من وجهين أحدهما ما ذكرنا والآخر أن أخبار الآحاد غير مقبولة فيما عمت البلوى به وإن صح احتمل أنه يريد به نفى الكمال لا نفى الأصل كقوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ومن سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ونحو ذلك فإن قيل لما كان الحدث يبطله صار كالصلاة في الحاجة إلى ذكر اسم الله تعالى في ابتدائه قيل له قولك إن الحدث يبطل الصلاة غلط عندنا لأنه جائز بقاء الصلاة مع الحدث إذا سبقه ويتوضأ ويبنى وأيضا فليست العلة في حاجة الصلاة إلى الذكر أن الحدث يبطلها وإنما المعنى أن القراءة مفروضة فيها وأيضا نقيسه على غسل النجاسة بمعنى أنه طهارة وأيضا فقد وافقونا على أن تركها ناسيا لا يمنع صحة الطهارة فبطل بذلك قولهم من وجهين أحدهما أن الصلاة يستوي في بطلانها ترك ذكر التحريمة ناسيا أو عامدا والثاني أنها لو كانت فرضا لما أسقطها النسيان إذ كانت شرطا في صحة الطهارة كسائر شرائطها المذكورة.

(فصل) قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية يدل على أن الاستنجاء ليس بفرض وأن الصلاة جائزة مع تركه إذا لم يتعد الموضع وقد اختلف الفقهاء في ذلك فأجاز أصحابنا صلاته وإن كان مسيئا في تركه وقال الشافعى لا يجزيه إذا تركه رأسا وظاهر الآية يدل على صحة القول الأول وروى في التفسير أن معناه إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون وقال في نسق الآية( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) فحوت هذه الآية الدلالة من وجهين على ما قلنا أحدهما إيجابه على المحدث غسل هذه الأعضاء وإباحة الصلاة وموجب الاستنجاء فرضا مانع ما أباحته الآية وذلك يوجب النسخ وغير جائز نسخ الآية إلا بما يوجب العلم من النقل المتواتر وذلك غير معلوم في إيجاب الاستنجاء ومع ذلك فإنهم متفقون على أن هذه الآية غير منسوخة وأنها ثابتة الحكم وفي اتفاقهم على ذلك ما يبطل قول موجبى الاستنجاء فرضا والوجه الآخر من دلالة الآية قوله تعالى( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) إلى آخرها فأوجب التيمم على من جاء من الغائط وذلك كناية عن قضاء الحاجة فأباح صلاته بالتيمم من غير استنجاء فدل ذلك على أنه غير فرض ويدل عليه من جهة السنة حديث على بن يحيى بن خلاد عن

٣٦٦

أبيه عن عمه رفاعة بن رافع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا تتم صلاة أحدكم حتى يغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ويغسل رجليه فأباح صلاته بعد غسل هذه الأعضاء مع ترك الاستنجاء * ويدل عليه أيضا حديث الحصين الحراني عن أبى سعيد عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج فنفى الحرج عن ترك الاستجمار فدل على أنه ليس بفرض* فإن قيل إنما نفى الحرج عن تاركه إلى الماء قيل له هذا خطأ من وجهين أحدهما أنه أجاز تركه من غير استعمال الماء ومن ادعى تركه إلى الاستنجاء بالماء فإنما خصه بغير دلالة والثاني أنه تسقط فائدته لأنه معلوم أن الاستنجاء بالماء أفضل من الاستجمار بالأحجار فغير جائز أن ينفى الحرج عن فاعل الأفضل هذا ممتنع مستحيل لا يقوله النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ كان وضعا للكلام في غير موضعه* فإن قيل في حديث سلمان نهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نجتزى بدون ثلاثة أحجار وروت عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فليستنج بثلاثة أحجار وأمره على الوجوب فيحمل قوله فلا حرج على ما لا يسقط إيجاب الأمر وهو أن يكون إنما نفى الحرج عمن لم يستجمر وترا ويفعله شفعا لا بأن يتركه أصلا أو على أن يتركه إلى الماء ليسلم لنا مقتضى الأمر من الإيجاب قيل له بل نجمع بينهما ونستعملهما ولا نسقط أحدهما بالآخر فنجعل أمره بالاستنجاء ونهيه عن تركه على الندب ونستعمل معه قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن لا فلا حرج في نفى الإيجاب ولو استعمل على ما ذكرت كان فيه إسقاط أحدهما أصلا لا سيما إذا كان خبرنا موافقا لما تضمنته نص الآية من دلالتها على جواز الصلاة مع تركه ويدل على أنه غير فرض وعلى جواز الصلاة مع تركه اتفاق الجميع على جواز صلاة المستنجي بالأحجار مع وجود الماء وعدم الضرورة في العدول عنه إلى الأحجار ولو كان الاستنجاء فرضا لكان الواجب أن يكون بالماء دون الأحجار كسائر البدن إذا أصابته نجاسة كثيرة لا تجوز الصلاة بإزالتها بالأحجار دون غسلها بالماء إذا كان موجودا وفي ذلك دليل على أن هذا القدر من النجاسة معفو عنه فإن قيل أنت تجيز فرك المنى من الثوب إذا كان يابسا ولم يدل ذلك على جواز الصلاة مع تركه إذا كان كثيرا فكذلك موضع الاستنجاء مخصوص بجواز الصلاة مع إزالته بالأحجار قيل له إنما أجزنا ذلك في المنى وإن كان نجسا لخفة حكمه في نفسه ألا ترى أنه لا يختلف حكمه في أى موضع أصابه من ثوبه في

٣٦٧

جواز فركه فأما بدن الإنسان فلا يختلف حكم شيء منه في عدم جواز إزالة النجاسة عنه بغير ما يزيله من الماء وسائر المائعات وكذلك حكم النجاسة التي على موضع الاستنجاء لا يختلف في تغليظ حكمها فواجب أن لا يختلف حكمها في ذلك الموضع وفي سائر البدن وكذلك إن سألونا عن حكم النجاسة التي لها جرم قائم في الخف إنه يطهر بالدلك بعد الجفاف ولو أصابت البدن لم يزلها إلا الغسل فيقال لها إنما اختلفنا لاختلاف حال جرم الخف وبدن الإنسان في كون جرم الخف مستخصفا غير ناشف لما يحصل فيه من الرطوبة إلى نفسه وجرم النجاسة سخيف متخلخل ينشف الرطوبة الحاصلة في الخف إلى نفسها فإذا حكت لم يبق منها إلا اليسير الذي لا حكم له فصار اختلاف أحكامها في الحك والفرك والغسل متعلقا إما بنفس النجاسة لخفتها وإما بما تحله النجاسة في إمكان إزالتها عنه بغير الماء كما نقول في السيف إذا أصابه دم فمسحه أنه يجزى لأن جرم السيف لا يقبل النجاسة فينشفها إلى نفسه فإذا أزيل ما على ظاهره لم يبق هناك إلا ما لا حكم له.

(فصل) ويستدل بقوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية على بطلان قول القائلين بإيجاب الترتيب في الوضوء وعلى أنه جائز تقديم بعضها على بعض على ما يرى المتوضئ وهو قول أصحابنا ومالك والثوري والليث والأوزاعى وقال الشافعى لا يجزيه غسل الذراعين قبل الوجه ولا غسل الرجلين قبل الذراعين وهذا القول مما خرج به الشافعى عن إجماع السلف والفقهاء وذلك لأنه روى عن على وعبد الله وأبى هريرة ما أبالى بأى أعضائى بدأت إذا أتممت وضوئي ولا يروى عن أحد من السلف والخلف فيما نعلم مثل قول الشافعى وقوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية يدل من ثلاثة أوجه على سقوط فرض الترتيب أحدها مقتضى ظاهرها جواز الصلاة بحصول الغسل من غير شرط الترتيب إذ كانت الواو هاهنا عند أهل اللغة لا توجب الترتيب قاله المبرد وثعلب جميعا وقالوا إن قول القائل رأيت زيدا وعمرا بمنزلة قوله رأيت الزيدين ورأيتهما وكذلك هو في عادة أهل اللفظ ألا ترى أن من سمع قائلا يقول رأيت زيدا وعمرا لم يعتقد في خبره أنه رأى زيدا قبل عمرو بل يجوز أن يكون رآهما معا وجائز أن يكون رأى عمرا قبل زيد فثبت بذلك أن الواو لا توجب الترتيب وقد أجمعوا جميعا أيضا في رجل لو قال إذا دخلت الدار فأمر أتى طالق وعبدى حر وعلى صدقة أنه إذا دخل الدار لزمه

٣٦٨

ذلك كله في وقت واحد لا يلزمه أحدها قبل الآخر كذلك وهذا يدل عليه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشئت ولكن قولوا ما شاء الله ثم شئت فلو كانت الواو توجب الترتيب لجرت مجرى ثم ولما فرق النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما وإذا ثبت أنه ليس في الآية إيجاب الترتيب فموجبه في الطهارة مخالف لها وزائد فيها ما ليس منها وذلك يوجب نسخ الآية عندنا لحظره ما أباحته وهم يختلفوا أنه ليس في هذه الآية نسخ فثبت جواز فعله غير مرتب والوجه الثاني من دلالة الآية قوله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الرجل مغسول معطوفة في المعنى على الأيدى وأن تقديرها فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤسكم فثبت بذلك أن ترتيب اللفظ على هذا النظام غير مراد به ترتيب المعنى والوجه الثالث قوله في نسقها( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) وهذا الفصل يدل من وجهين على سقوط الترتيب أحدهما نفيه الحرج وهو الضيق فيما تعبدنا به من الطهارة وفي إيجاب الترتيب إثبات للحرج ونفى التوسعة والثاني قوله( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) فأخبر أن مراده حصول الطهارة بغسل هذه الأعضاء ووجود ذلك مع عدم الترتيب كهو مع وجوده إذ كان مراد الله تعالى الغسل* فإن قيل على الفصل الأول نحن نسلم لك أن الواو لا توجب الترتيب ولكن الآية قد اقتضت إيجابه من حيث كانت الفاء للتعقيب ولا خلاف بين أهل اللغة فيه فلما قال تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) لزم بحكم اللفظ أن يكون الذي يلي حال القيام إليها غسل الوجه لأنه معطوف عليه بالفاء فلزم به تقديم غسله على سائر الأعضاء وإذا لزم الترتيب في غسل الوجه لزم في سائر الأعضاء لأن أحدا لم يفرق بينهما* قيل له هذا غير واجب من وجهين أحدهما أن قوله( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) متفق على أنه ليس المراد به حقيقة اللفظ لأن الحقيقة تقتضي إيجاب الوضوء بعد القيام إلى الصلاة لأنه جعله شرطا فيه فأطلق ذكر القيام وأراد به غيره ففيه ضمير على ما بينا فيما تقدم وما كان هذا سبيله فغير جائز استعماله إلا بقيام الدلالة عليه إذ كان مجازا فإذا لا يصح إيجاب غسل الوجه مرتبا على المذكور في الآية لأجل إدخال الفاء عليه إذ كان المعنى الذي ترتب عليه الغسل موقوفا على الدلالة فهذا وجه يسقط به سؤال هذا السائل والوجه الآخر أن نسلم لهم جواز اعتبار هذا اللفظ فيما يقتضيه من الترتيب فنقول لهم

«24 ـ أحكام لث»

٣٦٩

إذا ثبت أن الواو لا توجب الترتيب صار تقدير الآية إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء فيصير الجميع مرتبا على القيام وليس يختص به الوجه دون سائرها إذ كانت الواو للجمع فيصير كأنه عطف الأعضاء كلها مجموعة بالفاء على حال القيام فلا دلالة فيه على الترتيب بل تقتضي إسقاط الترتيب* ويدل على سقوط الترتيب قوله تعالى( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) ومعناه مطهرا فحيثما وجد ينبغي أن يكون مطهرا مستوفيا لهذه الصفة التي وصفه الله بها وموجب الترتيب قد سلبه هذه الصفة إلا مع وجود معنى آخر غيره وهذا غير جائز* ويدل عليه من جهة السنة حديث رفاعة بن رافع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قصة الأعرابى حين علمه الصلاة وقال له إنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ويحمد الله وذكر الحديث فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه إذا وضع الوضوء مواضعه أجزأه ومواضع الوضوء الأعضاء المذكورة في الآية فأجاز الصلاة بغسلها من غير ذكر الترتيب فدل على أن غسل هذه الأعضاء يوجب كمال طهارته لوضعه الوضوء مواضعه* فإن قيل إذا لم يرتب فلم يضع الوضوء مواضعه* قيل له هذا غلط لأن مواضع الوضوء معلومة مذكورة في الكتاب فعلى أى وجه حصل الغسل فقد وضع الوضوء مواضعه فيجزيه بحكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بإكمال طهارته إذا فعل ذلك ويدل عليه من جهة النظر اتفاق الجميع على جواز طهارته لو بدأ من المرفق إلى الزند وقال تعالى( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فلما لم يجب الترتيب فيما هو مرتب في مقتضى حقيقة اللفظ فما لم يقتض اللفظ ترتيبه أحرى أن يجوز وهذه دلالة ظاهرة لا يحتاج معها إلى ذكر علة يجمعها لأنه قد ثبت بما وصفنا أن المقصد فيه ليس الترتيب إذ لو كان كذلك لكان ما اقتضى اللفظ ترتيبه أولى أن يكون مرتبا وأيضا يجوز أن يقاس عليها بأنهما جميعا من أعضاء الطهارة فلما سقط الترتيب في أحدهما وجب سقوطه في الآخر وأيضا لما لم يجب الترتيب بين الصلاة والزكاة إذ كل واحدة منهما يجوز سقوطها مع ثبوت فرض الأخرى كان كذلك الترتيب في الوضوء لجواز سقوط فرض غسل الرجلين لعلة بهما مع لزوم فرض غسل الوجه وأيضا لما لم يستحل جمع هذه الأعضاء في الغسل وجب أن لا يجب فيها الترتيب كالصلاة والزكاة وقد روى عن عثمان أنه توضأ فغسل وجهه ثم يديه ثم غسل رجليه ثم مسح ثم قال هكذا رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ * فإن احتجوا بما روى

٣٧٠

أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به * قيل له ليس في هذا الخبر ذكر الترتيب وإنما هو حديث زيد العمى عن معاوية بن قرة عن ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرة مرة ثم قال هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ثم توضأ مرتين مرتين وذكر الحديث فلم يذكر فيه أنه فعله مرتبا وليس يمتنع أن يكون قد بدأ بالذراعين قبل الوجه أو يمسح الرأس قبله ومن ادعى أنه فعله مرتبا لم يمكنه إثباته إلا برواية* فإن قيل كيف يجوز أن يتأول عليه ترك الترتيب مع قولك إن المستحب* فعله مرتبا* قيل له جائز أن يترك المستحب إلى غيره مما هو مباح ومع ذلك فيجوز أن يكون فعله غير مرتب على وجه التعليم كما أنه أخر المغرب في حال على وجه التعليم والمستحب تقديمها في سائر الأوقات* فإن قيل فإن لم يكن فعله مرتبا فواجب أن يكون فعله غير* مرتب واجبا لقوله هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به* قيل له لو قبلنا ذلك وقلنا مع ذلك إن اللفظ يقتضى وجوب فعله على ما أشار به إليه من عدم ترتيب الفعل لكنا أجزناه مرتبا بدلالة تسقط سؤالك ولكنا نقول إن قوله هذا وضوء إنما هو إشارة إلى الغسل دون الترتيب فلذلك لم يكن للترتيب فيه مدخل* فإن احتجوا بما روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد الصفا وقال نبدأ بما بدأ الله به وذلك عموم في ترتيب الحكم به واللفظ جميعا قيل له هذا يدل على أن الواو لا توجب الترتيب لأنها لو كانت توجبه لما احتاج إلا تعريفه الحاضرين وهم أهل اللسان ولا دلالة فيه مع ذلك على وجوب الترتيب في الصفا والمروة فكيف به في غيره لأن أكثر ما فيه أنه إخبار عما يريد فعله من التبدئة بالصفا وإخباره عما يريد فعله لا يقتضى وجوبا كما أن فعله لا يقتضى الإيجاب وعلى أنه لو اقتضى الإيجاب لكان حكمه مقصورا على ما أخبر به وفعله دون غيره* فإن قيل قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نبدأ بما بدأ الله به إخبار بأن ما بدأ الله به في اللفظ فهو مبدوء به في المعنى لو لا ذلك لم يقل نبدأ بما بدأ الله به إنما أراد البدأة به في الفعل فتضمن ذلك إخبارا بأن الله قد بدأ به في الحكم من حيث بدأ به في اللفظ قيل له ليس هذا كما ظننت من قبل إنه يجوز أن يقول نبدأ بالفعل فيما بدأ الله به في اللفظ فيكون كلاما صحيحا مفيدا وأيضا لا يمتنع عندنا أن يريد بترتيب اللفظ ترتيب الفعل إلا أنه لا يجوز إيجابه إلا بدلالة ألا ترى أن ثم حقيقتها التراخي وقد ترد وتكون في معنى الواو كقوله تعالى( ثُمَّ كانَ

٣٧١

مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ومعناه وكان من الذين آمنوا وقوله تعالى( ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ ) ومعناه والله شهيد وكما تجيء أو بمعنى الواو كقوله تعالى( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما ) ومعناه إن يكن غنيا وفقيرا فكذلك لا يمتنع أن يريد بالواو الترتيب فتكون مجازا ولا يجوز حملها عليه إلا بدلالة* فإن قيل سئل ابن عباس وقيل له كيف تأمر بالعمرة قبل الحج والله سبحانه يقول( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) فقال كيف تقرءون الدين قبل الوصية أو الوصية قبل الدين قالوا الوصية قال فبأيهما تبدؤن قالوا بالدين قال فهو ذاك فلو لا أن في لسانهم الترتيب في الفعل على حسب وجوده في اللفظ لما سألوه عن ذلك قيل له كيف يحتج بقول هذا السائل وهو قد جهل ما فيه الترتيب بلا خلاف بين أهل اللغة فيه وهو قوله( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ ) وهذا اللفظ لا محالة يوجب ترتيب فعل الحج على العمرة وتقديمها عليه فمن جهل هذا لم ينكر منه الجهل بحكم اللفظ في قوله تعالى( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) وما يدرى هذا القائل أن هذا السائل كان من أهل اللغة وعسى أن يكون ممن أسلم من العجم ولم يكن من أهل المعرفة باللسان وأيهما أولى قول ابن عباس في أن ترتيب اللفظ لا يوجب ترتيب الفعل أو قول هذا السائل فلو لم يكن في إسقاط قول القائلين بالترتيب إلا قول ابن عباس لكان كافيا مغنيا* فإن قيل قد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال ابدءوا بما بدأ الله به وقال تعالى( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) فقوله ابدءوا بما بدأ الله به أمر يقتضى التبدئة بما بدأ الله به في اللفظ والحكم وقوله عز وجل( فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) لزوم في عموم اتباعه مرتبا إذا ورد اللفظ كذلك قيل له وأما قوله ابدءوا بما بدأ الله به فإنما ورد في شأن الصفا والمروة فذكر بعضهم القصة على وجهها وحفظ بعضهم ذكر السبب واقتصر على قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابدءوا بما بدأ الله به وغير جائز لنا أن نجعلهما حديثين ونثبت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم القول في حالين إلا بدلالة توجب ذلك وأيضا فنحن نبدأ بما بدأ الله به وإنما الكلام بيننا وبين مخالفينا في مراد الله من التبدئة بالفعل إذا بدأ به في اللفظ فالواجب أن نثبت أن الله قد أراد ترتيب الحكم حتى نبدأ به وكذلك الجواب في قوله( فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) لأن اتباع قرآنه أن نبدأ به على ترتيبه ونظامه وواجب أن نبدأ بحكم القرآن على حسب مراده من ترتيب أو جمع وغيره وأنت متى أوجبت الترتيب فيما لا يقتضى المراد ترتيبه فلم تتبع قرآنه وترتيب

٣٧٢

اللفظ لا يوجب ترتيب الفعل* فإن قيل إذا كان القرآن اسما للتأليف والحكم جميعا فواجب علينا اتباعه في الأمرين قيل له القرآن اسم للمتلو حكما كان أو خبرا فعلينا اتباعه في تلاوته فأما مراد ترتيب الفعل على ترتيب اللفظ فإن المرجع فيه إلى مقتضى اللغة وليس في اللغة إيجاب ترتيب الفعل على ترتيب اللفظ في المأمور به ألا ترى أن كثيرا من القرآن قد نزل بأحكام ثم نزلت بعده أحكام أخر ولم يوجب تقديم تلاوته تقديم فعله على ما نزل بعده وقد علمنا أنه غير جائز تعبير نظم القرآن والسور والآي عما هي عليه وليس يجب ذلك ترتيب الأحكام المذكورة فيها حسب ترتيب التلاوة فبان بذلك سقوط هذا السؤال* فإن قيل قد أثبت الترتيب بالواو في قول الرجل لامرأته أنت طالق وطالق وطالق قبل الدخول بها فأثبتها بالأولى ولم توقع الثانية والثالثة فجعلت الواو مرتبة بحكم اللفظ فكذلك قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) يلزمك إيجاب الترتيب في غسل هذه الأعضاء حسب ما في نظام التلاوة من الترتيب قيل له لم نوقع الأولى قبل الثانية في مسألة الطلاق لما ذكرت من كون الواو مقتضية للترتيب وإنما أوقعنا الأولى قبل الثانية لأنه أوقعها غير معلقة بشرط ولا مضافة إلى وقت وحكم الطلاق إذا حصل هكذا أن يقع غير منتظر به حال أخرى فلما وقعت الأولى لأنه قد بدأ بها في اللفظ ثم أوقع الثانية صادفتها الثانية وليست هي بزوجة فلم تلحقها وأما قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فلم يقع به غسل الوجه قبل اليد ولا اليد قبل المسح لأن غسل بعض هذه الأعضاء لا يغنى ولا يتعلق به حكم إلا بغسل الجميع فصار غسل الجميع موجبا معا بحكم اللفظ فلم يقتض اللفظ الترتيب ألا ترى أنه لو علق الطلاق الأول والثاني والثالث بشرط فقال أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار لم يقع منه شيء إلا بالدخول لأنه شرط في كل واحدة ما شرطه في الأخرى من الدخول كما شرط في غسل كل واحد من الأعضاء غسل الأعضاء الأخر ولا يختلف أهل العلم في رجل قال لامرأته إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق فدخلت الثانية ثم الأولى أنها تطلق ولم يكن قوله هذه وهذه موجبا لتقديم الأولى في الشرط الذي علق به وقوع الطلاق فإن قيل روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه وثم تقتضي الترتيب بلا خلاف قيل له لا يخلو

٣٧٣

قائل ذلك من أن يكون متكذبا أو جاهلا وأكثر ظني أن قائله فيه متكذب وقد تعمد ذلك لأن هذا إنما هو حديث على بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع وقد روى من طرق كثيرة وليس في شيء منها ما ذكر من الترتيب وعطف الأعضاء بعضها على بعض بثم وإنما أكثر ما فيه يغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين وقال في بعضها حتى يضع الطهور مواضعه وذلك يقتضى جواز ترك الترتيب وأما عطفه بثم فما رواه أحد ولا ذكره بإسناد ضعيف ولا قوى وعلى أنه لو روى ذلك في الحديث لم يجز الاعتراض به على القرآن في إثبات الزيادة فيه وإيجاب نسخه فإذ قد ثبت أنه ليس في القرآن إيجاب الترتيب فغير جائز إثباته بخبر الواحد لما وصفنا.

باب الغسل من الجنابة

قال الله تعالى( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) قال أبو بكر الجنابة اسم شرعي يفيد لزوم اجتناب الصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف ودخول المسجد إلا بعد الاغتسال فمن كان مأمور باجتناب ما ذكرنا من الأمور موقوف الحكم على الاغتسال فهو جنب وذلك إنما يكون بالإنزال على وجه الدفق والشهوة أو الإيلاج في أحد السبيلين من الإنسان ويستوي فيه الفاعل والمفعول به وينفصل حكم الجنابة من حكم الحيض والنفاس وإن كان الحيض والنفاس يحظران ما تحظره الجنابة مما قدمنا بأن الحيض والنفاس يحظران الوطء أيضا ووجود الغسل لا يطهرهما أيضا مادامت حائضا أو نفساء والغسل يطهر الجنب ولا تحظر عليه الجنابة الوطء وإنما سمى جنبا لما لزم من اجتناب ما وصفنا إلى أن يغتسل فيطهره الغسل والجنب اسم يطلق على الواحد وعلى الجماعة وذلك لأنه مصدر كما قالوا رجل عدل وقوم عدل ورجل زور وقوم زور من الزيارة وتقول منه أجنب الرجل وتجنب واجتنب والمصدر الجنابة والاجتناب فالجنابة المذكورة في هذا الموضع هي البعد والاجتناب لما وصفنا وقال الله تعالى( وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ ) يعنى البعيد منه نسبا فصارت الجنابة في الشرع اسما للزوم اجتناب ما وصفنا من الأمور وأصله التباعد عن الشيء وهو مثل الصوم قد صار اسما في الشرع للإمساك عن أشياء معلومة وقد كان أصله في اللغة الإمساك فقط واختص في الشرع بما قد علم وقوعه عليه ونظائره من الأسماء الشرعية المنقولة من اللغة إليها فكان المعقول بها ما استقرت عليه أحكامها

٣٧٤

في الشرع فأوجب الله تعالى على من حصلت له هذه السمة الطهارة بقوله( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) وقوله في آية أخرى( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) وقال( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) روى أنهم أصابتهم جنابة فأنزل الله مطرا فأزالوا به أثر الاحتلام والمفروض من غسل الجنابة إيصال الماء بالغسل إلى كل موضع يلحقه حكم التطهير من بدنه لعموم قوله( فَاطَّهَّرُوا ) وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسنون الغسل فيما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا على بن محمد بن عبد الملك قال حدثنا محمد بن مسدد قال حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب قال حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة قالت وضعت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غسلا(1) يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثا ثم صب على فرجه بشماله ثم ضرب بيده الأرض فغسلها ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ثم صب على رأسه وجسده ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده وكذلك الغسل من الجنابة عند أصحابنا والوضوء ليس بفرض في الجنابة لقوله تعالى( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) وإذا اغتسل فقد تطهر وقضى عهدة الآية وقال تعالى( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ـ إلى قوله ـوَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) فأباح الصلاة بالاغتسال من غير وضوء فمن شرط في صحته مع وجود الغسل وضوءا فقد زاد في الآية ما ليس فيها وذلك غير جائز لما بينا فيما سلف فإن قيل قال الله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية وذلك عموم في سائر من قام إليها قيل له فالجنب حين غسل سائر جسده فهو غاسل لهذه الأعضاء فقد قضى عهدة الآية لأنه متوضئ مغتسل فهو إن لم يفرد الوضوء قبل الاغتسال فقد أتى بالغسل على وضوء لأنه أعم منه فإن قيل توضأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الغسل قيل له هذا يدل على أنه مستحب مندوب إليه لأن ظاهر فعله لا يقتضى الإيجاب واختلف الفقهاء في وجوب المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والليث والثوري هما فرض فيه وقال مالك والشافعى ليس بفرض فيه وقوله تعالى( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) عموم في إيجاب تطهير سائر ما يلحقه حكم التطهير من البدن

__________________

(1) قوله غسلا بالضم هو الماء الذي يتطهر به وبالكسر ما يغسل به الرأس من سدر ونحوه.

٣٧٥

فلا يجوز ترك شيء منه* فإن قيل من اغتسل ولم يتمضمض ولم يستنشق يسمى متطهرا* فقد فعل ما أوجبته الآية* قيل له إنما يكون مطهرا لبعض جسده وعموم الآية يقتضى تطهير الجميع فلا يكون بتطهير البعض فاعلا لموجب عموم اللفظ ألا ترى أن قوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) عموم في سائرهم وإن كان الاسم قد يتناول ثلاثة منهم كذلك ما وصفنا ولما لم يجز لأحد أن يقتصر من حكم آية قتال المشركين على ثلاثة منهم لأن الاسم يتناولهم إذ كان العموم شاملا للجميع فكذلك قوله تعالى( فَاطَّهَّرُوا ) عموم في سائر البدن فلا يجوز الاقتصار على بعضه* فإن قيل قوله( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) * يقتضى جوازه مع تركها لوقوع اسم المغتسل عليه* قيل له إذا كان قوله( فَاطَّهَّرُوا ) يقتضى تطهير داخل الفم والأنف فالواجب علينا استعمال الآيتين على أعمهما حكما وأكثرهما فائدة وغير جائز الاقتصار بهما على أخصهما حكما إذ فيه تخصيص بغير دلالة ألا ترى أن من تمضمض واستنشق يسمى مغتسلا أيضا فليس في ذكره الاغتسال نفى لمقتضى قوله عز وجل( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) هذا يدل عليه من جهة السنة حديث الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة * وروى حماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب عن زاذان عن على أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل بها كذا وكذا من النار قال على فمن ثم عاديت شعري * وحدثنا عبد الباقي ابن قانع قال حدثنا أحمد بن النضر بن بحر وأحمد وأحمد بن عبد الله بن سابور والعمرى قالوا حدثنا بركة بن محمد الحلبي قال حدثنا يوسف بن أسلط عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثة فريضة وأما قوله تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة ففيه الدلالة من وجهين على ما ذكرنا أحدهما أن الأنف فيه شعرة وبشرة والفم فيه بشرة فاقتضى الخبر وجوب غسلها وحديث على أيضا يوجب غسل داخل الأنف لأن فيه شعرا فإن قيل إن العين قد يكون فيها شعر قيل له هو شاذ نادر والأحكام إنما تتعلق بالأعم الأكثر ولا حكم للشاذ النادر فيها وعلى أنا خصصناه بالإجماع ومع ذلك فإن الكلام في وجه دلالة التخصيص خروج عن المسألة والعموم سالم لنا فيما لم تقم دلالة خصوصه فإن قيل إن

٣٧٦

ابن عمر كان يدخل الماء عينيه في الجنابة قيل له لم يكن يفعله على وجه الوجوب وقد كان مصعبا على نفسه في أمر الطهارة يفعل فيها ما لا يراه واجبا قد كان يتوضأ لكل صلاة ويفعل أشياء على وجه الاحتياط لا على وجه الوجوب وحديث يوسف بن أسباط الذي ذكرنا فيه نص على إيجابها فرضا فإن قيل ذكر فيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل الثلاث فرضا وأنت لا تقول به قيل ظاهره يقتضى كون الثلاث فرضا وقد قامت الدلالة على سقوط فرض الاثنين وبقي حكم اللفظ فيما وراءه ويدل عليه من جهة النظر أن المفروض في غسل الجنابة غسل الظاهر والباطن مما يلحقه حكم التطهير بدلالة أن عليه إبلاغ الماء أصول الشعر لأنها يلحقها حكم التطهير لو أصابتها نجاسة فكذلك يلزمه تطهير داخل الفم والأنف لهذه العلة فإن قيل فيجب على غسل داخل العينين لهذه العلة قيل له لو أصاب داخل عينيه نجاسة لم يلزمه تطهيرها هكذا كان يقول أبو الحسن وأيضا فليس في داخل العينين بشرة وإنما يلزم في الجنابة تطهير البشرة فإن قيل لما كان داخل العينين باطنا ولم يلزم تطهيره وجب أن يكون كذلك حكم داخل الأنف والفم قيل له وكيف صار داخل العينين باطنا فإن أردت به أنه ينطبق عليهما الجفن فذلك موجود في الإبطين لأنهما ينطبق عليهما العضد ولا خلاف في لزوم تطهيرهما في الجنابة ولا يلزمنا إيجاب المضمضة والاستنشاق في الوضوء لأجل إيجابنا لهما في الجنابة وذلك لأن الآية في إيجاب الوضوء إنما اقتضت غسل الوجه والوجه هو ما واجهك فلم يتناول داخل الأنف والفم والآية في غسل الجنابة قد أوجبت تطهير سائر البدن من غير خصوص فاستعملنا الآيتين على ما وردتا والفرق أيضا بينهما من جهة النظر أن الواجب في الوضوء غسل الظاهر دون الباطن بدلالة أنه لا يلزمنا فيه إبلاغ الماء أصول الشعر فلذلك لم يلزم تطهير الفم وداخل الأنف وفي الجنابة عليه غسل الباطن من البشرة بدلالة أن عليه إبلاغ الماء أصول الشعر وبهذا نجيب عن قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر من الفطرة خمس في الرأس وخمس في البدن فذكر في الرأس المضمضة والاستنشاق فنحمله على أنه مسنون في الطهارة الصغرى ونفرق بينه وبين الجنابة بما ذكرنا والله أعلم.

(تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله باب التيمم)

٣٧٧
٣٧٨

فهرست

أحكام القران

لحجّة الإسلام الإمام أبى بكر أحمد بن على الرازى الجصّاص

الجزء الثالث

٣٧٩

صفحة

صفحة

2

باب الفرائض.

86

باب المهور.

13

ميراث أولاد الابن

94

باب المتعة.

16

الكلاة.

106

باب الزيادة فى المهور.

22

العول.

109

تكاح الإ ماء.

24

المشركة.

116

نكاح الأمة الكتابية.

26

اختلاف السلف فى الميراث الأخت مع البنت.

119

نكاح الأمة بغير اذن مولاها.

28

الرجل يموت وعلية دين ويوصى بوصية.

123

حد الأمة والعبد.

29

الوصية الجائزة.

127

باب التجارات وخيار البيع.

32

الصية للوارث.

132

خيار المتبايعين.

33

الوصيةبجميل المال أذالم يكن وارث.

141

النهى عن التمنى

35

الضرار فى الوصية.

143

باب العصبة.

36

من يحرم الميراث مع وجود النسب.

145

باب الولاء الموالاة.

٣٨٠