الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 608
المشاهدات: 211227
تحميل: 3570


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211227 / تحميل: 3570
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 6

مؤلف:
العربية

الآيات

( قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) )

التّفسير

والآن لنلاحظ ما الذي كان جواب المخالفين لنبيّ الله «صالحعليه‌السلام » إزاء منطقه الحي الداعي إلى الحق.

لقد استفادوا من عامل نفسي للتأثير على النّبي «صالح» أو على الأقل للمحاولة في عدم تأثير كلامه على المستمعين له من جمهور الناس ، وبالتعبير العاميّ الدراج : أرادوا أن يضعوا البطيخ تحت إبطه ، فقالوا :( يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا

٥٨١

مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا ) وكنّا نتوجه إليك لحل مشاكلنا ونستشيرك في أمورنا ونعتقد بعقلك وذكائك ودرايتك ، ولم نشك في إشفاقك واهتمامك بنا ، لكن رجاءنا فيك ذهب ادراج الرياح ، حيث خالفت ما كان يعبد آباؤنا من الأوثان وهو منهج أسلافنا ومفخرة قومنا ، فأبديت عدم احترامك للأوثان وللكبار وسخرت من عقولنا( أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا ) والحقيقة أننا نشكّ في دعوتك للواحد الأحد( وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) .

نجد هنا أن القوم الضّالين يلتجؤون تحت غطاء الاسلاف والآباء الذين تحيط بهم هالة من القدسية لتوجيه أخطائهم وأعمالهم وأفكارهم غير الصحيحة ، وهو ذلك المنطق القديم الذي كان يتذرع به المنحرفون وما زالوا يتذرعون به في عصر الذّرة والفضاء أيضا.

لكن هذا النّبي الكبير لم ييأس من هدايتهم ولم تؤثر كلماتهم المخادعة في روحه الكبيرة فأجابهم قائلا :( يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً ) أفأسكت عن دعوتي ولا أبلغ رسالة الله ولا أواجه المنحرفين( فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ) ولكن اعلموا أن كلامكم هذا واحتجاجكم بمنهج السلف والآباء لا يزيدني إلّا إيمانا بضلالتكم وخسرانكم :( فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ) .

وبعد هذا كلّه ومن أجل البرهان على صدق دعوته ، وبيان المعاجز الإلهية التي دونها قدرة الإنسان جاءهم بالناقة التي هي آية من آيات الله وقال :( وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً ) فاتركوها وذروها تأكل في أرض الله( وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

ناقة صالح :

«النّاقة» في اللغة هي أنثى الجمل ، وهي الآية الآنفة في آيات أخرى أضيفت

٥٨٢

إلى لفظ الجلالة «الله»(1) وهذه الإضافة تدل على أنّ هذه الناقة لها خصائص معينة ، ومع الالتفات إلى ما عبّر عنها في الآية المتقدمة بأنّها «آية» وعلامة إلهية ودليل على الحقانيّة ، يتّضح أنّها لم تكن ناقة عادية ، بل كانت خارقة للعادة من جهة أو جهات متعددة!.

ولكن لم ترد في القرآن خصائص هذه الناقة بشكل مفصّل ، غاية ما في الأمر أننا نعرف بأنّها لم تكن ناقة عادية كالنوق الأخريات ، والشيء الوحيد المذكور عنها في القرآن ـ وفي موردين فحسب ـ أن صالحا أخبر قومه أن يتقاسموا ماءهم سهمين : سهم لهم وسهم للناقة ، فلهم شرب يوم منه ولها شرب يوم آخر( قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) (2) كما جاء في سورة القمر أيضا( وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ) (3) .

وفي سورة الشمس إشارة مختصرة إليها أيضا ، حيث يقول سبحانه :( فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها ) (4) .

ولكن لم يتّضح كيف كان تقسيم الماء خارقا للعادة؟

هناك احتمالان :

الأوّل : إنّ الناقة كانت تشرب ماء كثيرا بحيث تأتي على ماء «النبع» كله.

والثاني : إنّه حين كانت ترد الماء لا تجرؤ الحيوانات الأخرى على الورود إلى الماء معها.

أمّا كيف كانت هذه الناقة تستفيد من جميع الماء؟ فيوجه هذا الاحتمال بأنّ ماء

__________________

(1) مثل هذه الإضافة يقال لها في المصطلح الأدبي إضافة تشريفية. بمعنى أنّها إضافة تدل على شرف الشيء وأهميته ، وفي الآية المتقدمة يلاحظ نموذجان من هذا النوع 1 ـ ناقة الله. 2 ـ أرض الله. وقد ورد في موارد أخرى غير هذه الكلمات.

(2) الشعراء ، 155.

(3) القمر ، 28.

(4) الشمس ، 13.

٥٨٣

القرية كان قليلا كماء القرى التي ليس فيها أكثر من عين ماء واحدة ، وأهل القرية مجبورون على أن يدخروا الماء تمام اليوم في حفرة خاصّة ليجتمع الماء في العين مرّة أخرى.

ولكن في جزء آخر من سورة الشعراء يتجلّى لنا أنّ ثمود لم يعيشوا في منطقة قليلة الماء، بل كانت لهم غابات وعيون ونخيل ومزارع حيث تقول الآيات :( أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ) .(1)

وعلى كل حال فإنّ القرآن ذكر قصّة ناقة صالح بشكل مجمل غير أنّنا نقرأ في روايات كثيرة عن مصادر الشيعة وأهل السنة أيضا ، أنّ هذه الناقة خرجت من قلب الجبل ، ولها خصائص أخرى ليس هنا مجال سردها.

وعلى كل حال. فمع جميع ما أكّده نبيّهم العظيم «صالح» في شأن الناقة ، فقد صمّموا أخيرا على القضاء عليها ، لأنّ وجودها مع ما فيها من خوارق مدعاة لتيقظ الناس والتفافهم حول النّبي صالح ، لذلك فإنّ جماعة من المعاندين لصالح من قومه الذين كانوا يجدون في دعوة صالح خطرا على مصالحهم ، ولا يرغبون أن يستفيق الناس من غفلتهم فتتعرض دعائم استعمارهم للتقويض والانهيار ، فتآمروا للقضاء على الناقة وهيأوا جماعة لهذا الغرض ، وأخيرا أقدم أحدهم على مهاجمتها وضربها بالسكين فهوت إلى الأرض( فَعَقَرُوها ) .

«عقروها» مشتقة من مادة «العقر» على وزن «الظلم» ومعناه : أصل الشيء وأساسه وجذره ، و «عقرت البعير» معناه نحرته واحتززت رأسه ، لأنّ نحر البعير يستلزم زوال وجوده من الأصل ، وأحيانا تستعمل هذه الكلمة لطعن الناقة في بطنها. أو لتقطيع أطراف الناقة بدل النحر وكل ذلك في الواقع يرجع إلى معنى واحد «فتأمل»! ...».

__________________

(1) الشعراء ، الآية 146 ـ 148.

٥٨٤

العلاقة الدّينية :

الطريف أنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الذي عقر الناقة لم يكن إلّا واحدا ، لكن القرآن ينسب هذا العمل إلى جميع المخالفين من قوم صالح «ثمود» ويقول بصيغة الجمع :( فَعَقَرُوها ) وذلك لأنّ الإسلام يعدّ الرضا الباطني في أمر ما والارتباط معه ارتباطا عاطفيا بمنزلة الاشتراك فيه ، وفي الواقع فإنّ التآمر على هذا العمل لم يكن له جانب فردي ، وحتى ذلك الذي أقدم على عمله لم يكن معتمدا على قوته الشخصيّة فجميعهم كانوا مرتاحين لعمله وكانوا يسندونه ، ومن المسلّم أنّه لا يمكن أن يعدّ هذا العمل عملا فرديا. بل يعد عملا جماعيا. يقول الإمام عليعليه‌السلام : «وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا»(1) .

وهناك روايات متعددة في المضمون ذاته نقلت عن نبي الإسلام وأهل بيته الكرام ، وهي تكشف غاية الاهتمام من قبل هؤلاء السادة العظام بالعلاقة العاطفية والمناهج الفكرية المشتركة بجلاء ، ونورد هنا على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ عددا منها.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من شهد أمرا فكرهه كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كمن شهده»(2) .

ويقول الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام «لو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند اللهعزوجل شريك القاتل»(3) .

ونقل عن الإمام عليعليه‌السلام أيضا أنّه قال : «الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه

__________________

(1) نهج البلاغة ، ومن كلام له ، رقم 201.

(2) وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 409.

(3) وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 410.

٥٨٥

وعلى كل داخل في باطل إثمان إثم العمل به وإثم الرضا به»(1) .

ومن أجل أن نعرف عمق العلاقة الفكرية والعاطفية في الإسلام وسعتها بحيث لا يعرف لها حد من جهة الزمان والمكان ، فيكفي أن نذكر هذا الكلام للإمام عليعليه‌السلام من نهج البلاغة لنلفت إليه الأنظار : «حين انتصر الإمام علي في حرب الجمل على المتمردين ومثيري الفتنة وفرح أصحاب علي بهذا الإنتصار الذي يعدّ انتصارا للإسلام على الشرك والجاهلية ، قال له أحد أصحابه : «وددت لو أنّ أخي شهدنا هنا في الميدان ليرى انتصارك على عدوك».

فالتفت الإمامعليه‌السلام إليه قائلا : «أهوى أخيك معنا» فقال : «نعم» فقال الإمامعليه‌السلام : «شهدنا» ثمّ قال : «ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان»(2) .

ولا شك أنّ أولئك الذين يساهمون في منهج ما ويشتركون فيه ويتحملون كل مشاكله وأتعابه ، لهم امتياز خاص ، ولكن هذا لا يعني أن الآخرين لم يشتركوا في ذلك أبدا ، بل سواء كانوا في عصرهم أو العصور والقرون المقبلة ولهم ارتباط عاطفي وفكري بهم فهم مشتركون معهم بنحو من الأنحاء.

هذه المسألة التي قد لا نجد لها نظيرا في أي مذهب من مذاهب العالم ، قائمة على أساس من حقيقة اجتماعية هامة ، وهي أن المنسجمون فكريا وعقائديا حتى لو لم يشتركوا في منهج معيّن ، إلّا أنّهم سيدخلون قطعا في مناهج مشابهة له في محيطهم وزمانهم ، لأنّ أعمال الناس منعكسة عن أفكارهم ، ولا يمكن أن يرتبط الإنسان بمذهب معين ولا يظهر أثره في عمله.

والإسلام منذ الخطوة الأولى يهتم بإيجاد اصلاحات في روح الإنسان ونفسه لإصلاح عمله تلقائيا وعلى ضوء الرّوايات المتقدمة فإنّ أي مسلم يبلغه أنّ فلانا

__________________

(1) وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 411.

(2) نهج البلاغة ، الكلام رقم 12.

٥٨٦

عمل عملا صالحا ـ أو سيئا ـ ينبغي أن يتخذ الموقف الصحيح من ذلك العمل فورا ويجعل قلبه وروحه منسجمين مع «الصالحات» وأن ينفر من «السيئات» فهذا السعي و «الجد» الداخلي لا شك سيكون له أثر في أعماله ، وسيتعمق الترابط بين الفكر والعمل.

وفي نهاية الآية نقرأ أنّ النّبي «صالحا» بعد أن رأى تمرّد قومه وعقرهم الناقة أنذرهم( فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) فهو وعد الله الذي لا يتغير وما أنا من الكاذبين.

* * *

٥٨٧

الآيات

( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) )

التّفسير

نهاية ثمود «قوم صالح» :

في هذه الآيات يتبيّن كيف نزل العذاب على قوم صالح المعاندين بعد أن أمهلهم وقال لهم :( تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ) فتقول الآيات :( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ) لا من العذاب الجسماني والمادي فحسب ، بل( وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ) (1) .

لأنّ الله قوي وقادر على كل شيء ، وله السلطة على كل أمر ، ولا يصعب عليه أي شيء ولا قدرة فوق قدرته( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) .

وعلى هذا فإنّ نجاة جماعة من المؤمنين من بين جماعة كثيرة تبتلى بعذاب

__________________

(1) الخزي في اللغة الانكسار الذي يصيب الإنسان سواء من نفسه أو من سواه ، ويشمل كل أنواع الذل أيضا.

٥٨٨

الله ليس بالأمر المشكل بالنسبة لقدرة الله تعالى.

إنّ رحمة الله تستوجب ألّا يحترق الأبرياء بنار الأشقياء المذنبين ، وألّا يؤاخذ المؤمنون بجريرة غير المؤمنين( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ) وهكذا هلكوا وصاروا «شذر مذر» ومضت آثارهم مع الريح( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ ) عن لطف الله ورحمته.

* * *

ملاحظات

1 ـ نجد في هذه الآيات أن رحمة الله بالنسبة للمؤمنين واسعة وشاملة ، بحيث تنقلهم جميعا إلى مكان آمن ، ولا تحرق الأخضر واليابس بالعذاب.

ومن الممكن أن تحدث حوادث مؤلمة كالسيول والأوبئة والزلازل التي قد تأتي على الصغير والكبير ، وليست هذه الحوادث ترجمة لعذاب الله ، وإلّا فإنّه محال على الله في منطق عدله أن يعذب حتى واحدا بريئا بجرم ملايين المذنبين.

طبعا يمكن أن يوجد أناس ساكتون بين جماعة مذنبين فيؤخذوا بوزرهم ، لأنّهم لا يردعونهم عن الظلم والفساد ، فمصيرهم ـ إذا ـ سيكون كمصير المجرمين.

ولكنّهم إذا عملوا بواجبهم فمحال أن تنزل عليهم حادثة أو يحيق بهم العذاب «فصّلنا هذا الموضوع في الأبحاث المرتبطة بمعرفة الله ونزول البلاء والحوادث في كتب معرفة الله»(1) .

2 ـ ويظهر جيدا من الآيات المتقدمة أنّ عقاب المعاندين والطغاة لا يختصّ بالجانب المادي فحسب ، بل يشمل الجانب المعنوي ، لأنّ نتيجة أعمالهم ومصيرهم المخزي وحياتهم الملوّثة تسجل فصولها في التاريخ بما يكون عارا عليهم ، في حين يكتب التاريخ حياة المؤمنين بسطور من ذهب وصحائف من

__________________

(1) في المجلد الخامس من التّفسير الأمثل وردت توضيحات مفيدة لفهم هذا المقصود.

٥٨٩

نور.

3 ـ ما المراد من الصيحة؟

الصيحة في اللغة معناها الصوت العظيم الذي يصدر من فم الإنسان أو الحيوان عادة ولكن لا تختصّ بهذا المعنى ، بل تشمل كل صوت عظيم نقرأ في القرآن الكريم أن عدّة أقوام آثمين أخذتهم الصيحة من السماء عقابا لهم على ذنوبهم ، «ثمود» الذين نتحدث عنهم «وقوم لوط» كما نقرأ في سورة الحجر الآية (73) «قوم شعيب» كما ذكروا في سورة هود الآية (94).

ويستفاد من بعض الآيات الأخرى من القرآن أنّ قوم صالح «ثمودا» عوقبوا بالصاعقة( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) (1) ومن هنا يتبيّن أنّ المراد من الصيحة هو صوت الصاعقة الموحش!

سؤال : هل يستطيع صوت الصاعقة الموحش أن يبيد قوما أو جماعة بأسرهم؟!والجواب : نعم ، حتما! لأنّنا نعرف أن الأمواج الصوتية إذا تجاوزت حدّا معينا تستطيع أن تكسّر الزجاج ، وقد تتهدم على أثرها عمارات ، وقد تشل أعضاء البدن الداخلية.

الطائرات حين تخترق الجدار الصوتي وتكون سرعتها أكثر من سرعة أمواج الصوت يسقط بعض الأفراد فاقدو الوعي ، أو تسقط الحامل جنينها بسبب ذلك وقد يتكسر جميع الزّجاج في عمارات المنطقة التي تمرّ عليها هذه الطائرات.

وطبيعي أنّه إذا كانت شدّة الأمواج الصوتية أكثر ممّا ذكرنا ، فمن السهولة أن تحدث اختلالا قاتلا في شبكات الاعصاب الدماغ وحركات القلب وتسبب موت الإنسان! :

ومن الثابت ـ طبقا لما في آيات القرآن ـ أنّ نهاية هذا العالم تكون بصيحة

__________________

(1) فصلت ، الآية 13.

٥٩٠

عامّة أيضا( ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) (1) ، كما أنّ يوم القيامة يبدأ بصيحة موقظة أيضا( إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ) .

4 ـ «الجاثم» من مادة «جثم» ومعناه المصدري الجلوس على الركب ، كما يأتي بمعنى السقوط للوجه (ولزيادة التوضيح في هذا المجال يراجع في التّفسير الأمثل ذيل الآية 79 من سورة الأعراف).

ويستفاد طبعا من التعبير بـ «جاثمين» أنّ الصيحة من السماء كانت السبب في موتهم ، إلّا أنّ أجسادهم كانت ملقاة على الأرض ، لكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ الصاعقة أحرقتهم بنارها ، ولا منافاة بين الأمرين ، لأنّ أثر الصوت الموحش للصاعقة يتّضح فورا ، وأمّا آثار ، حرقها ـ وخاصّة لمن هم داخل البيوت ـ فيظهر بعدئذ.

5 ـ لفظ «لم يغنوا» مشتق من مادة «غني» ومعناه الإقامة في المكان ، ولا يبعد أن يكون مأخوذا من المفهوم الأصلي وهو «الغنى» ومعناه عدم الحاجة ، لأنّ الغني غير المحتاج له بيت مهيّأ ومعدّ وليس مجبورا أن ينتقل كل زمان من منزل إلى آخر ـ والتعبير بجملة( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) وارد في ثمود ، كما هو وارد في قوم شعيب ، ومفهوم هذا التعبير أنّ طومار حياتهم قد طوي حتى تظن أنّهم لم يكونوا من سكنة هذه الأرض.

* * *

نهاية المجلد السّادس

__________________

(1) سورة يس ، 49.

٥٩١

فهرس الموضوعات

تفسير الآيات : 30 ـ 33 5

شرک أهل الكتاب 5

بحوث

1 ـ من هوعزيز 6

2 ـ لم يكن المسيح أبن الله 8

3 ـ اقتباس هذه الخرافات 8

4 ـ ماهومعنى (قاتلهم الله) 9

درس تعليمي 11

ملاحظات

المستقبل للإسلام 13

بحوث

1 ـ المراد «الهدى ودين الحق» 14

2 ـ انتصار المنطق أم انتصرالقوّة 15

3 ـ القرآن وظهور المهدي 16

الروّايات الإسلامية في المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف» 18

ثّم تضيف الرسالة 19

الانتظاروآثاره البنّاءة 21

٥٩٢

الرّوايات الشّريفة 22

مفهوم الإنتظار 23

الإنتظار يعني الإستعداد الكامل 25

الحكمة الأولى بناء الشّخصية الفرّدية 26

الحكمة الثّانية ، التعاون الإجتماعي 27

الحكة الثّالثة ، المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد 28

تفسير الآيتان : 34 ـ 35 31

کنزالأموال 31

حتى يعدّ جمع الثروة كنزاً 35

أبوذر والإشتراكية 38

جزاء من يكنز 42

تفسير الآيتان : 36 ـ 37 44

وقف القتال «الإجباري» 44

بحوث

1 ـ فلسفة الأشهرالحُرم 47

2 ـ مفهوم النسيء وفلسفته في الجاهليّة 47

3 ـ وحدة الكلمة مقابل العدو 49

4 ـ كيف يُزين للناس سوء أعمالهم 49

تفسير الآيتان : 38 ـ 39 51

سبب النزول 51

التحرک نحوسوح الجهاد مرّة أخرى 52

ملاحظات

تفسير الآية : 40 56

المدد الإلهي للرّسول في أشد اللحظات 56

قصّة صاحب النّبي في الغار 58

٥٩٣

تفسير الآيتان : 41 ـ 42 60

الکُسالى الطّامعون 60

تفسير الآيات : 43 ـ 45 64

التعرّف على المنافقين 64

تفسير الآيات : 46 ـ 48 68

عدم وجودهم أفضل 68

تفسير الآية : 49 72

سبب النزول 72

المنافقون المتذرّعون 73

ملاحظتان

تفسير الآيات : 50 ـ 52 75

بحوث

1 ـ المقادير وسعي الإنسان 77

2 ـ لاوجود للهزيمة في قاموس المؤمنين 78

3 ـ صفات المنافقين 79

تفسير الآيات : 53 ـ 55 80

ملاح ظتان

تفسير الآيتان : 56 ـ 57 85

علامة أُخرى للمنافقين 85

تفسير الآيتان : 58 ـ 59 87

سبب النزول 87

الأنانيون السفهاء 88

تفسير الآية : 60 90

موارد صرف الزكاة ودقائقها 90

٥٩٤

بحوث

1 ـ الفرق بين الفقير والمسكين 93

2 ـ هل يجب تقسيم الزّكاة إلى ثمانية أجزاء متساوية 94

3 ـ متى شُرعت الزّكاة 95

4 ـ من هم المقصودون ب (المؤلفة قلوبهم) 95

5 ـ دورالزّكاة في الإسلام 96

6 ـ ما الفرق بين العطف ب«اللام أو في» 97

تفسير الآية : 61 100

سبب النزول 100

هذا حسن لاقبيح 100

تفسير الآيتان : 62 ـ 63 104

سبب النزول 104

المنافقون والتظاهربالحق 105

تفسير الآيات : 64 ـ 66 107

سبب النزول 107

مؤامرة أُخرى للمنافقين 108

تفسير الآيات : 67 ـ 70 112

علامات المنافقين 113

تکرر التأريخ والإعتبار به 115

تفسير الآيتان : 71 ـ 72 119

صفات المؤمنين الحقيقين 119

تفسير الآية : 73 124

جهاد الكفاروالمنافقين 124

تفسير الآية : 74 126

سبب النزول 126

مؤامرة خطرة 128

تفسير الآيات : 75 ـ 78 131

٥٩٥

سبب النزول 131

المنافقون وقلّة الاستيعاب 132

ملاحظات

تفسير الآيتان : 79 ـ 80 138

سبب النزول 138

خبث المنافقين 139

ملاحظات

تفسير الآيات : 81 ـ 83 145

إعاقة المنافقين مرّة أُخرى 145

ملاحظات

تفسير الآيتان : 84 ـ 85 150

أسلوب أشدّ في مواجهة المنافقين 150

وهنا يجب الإنتباه لمسألتين 152

تفسير الآيات : 86 ـ 89 155

دناءة الهمّة 155

تفسير الآية : 90 159

تفسير الآيات : 91 ـ 93 161

سبب النزول 161

العشق للجهاد ودموع الحسرة 162

ملاحظات

تفسير الآيات : 94 ـ 96 171

سبب النزول 171

لاتصغوا إلى أعذارهم وأيمانهم الكاذبة 172

٥٩٦

تفسير الأيات : 97 ـ 99 175

الأعراب القساة والمؤمنون 175

بحوث

1 ـ التّجمعات الكبيرة 179

2 ـ الأعراب من سكان المدن 180

تفسير الآية : 100 182

السّابقون إلى الإسلام 182

بحوث

1 ـ موقع السّابقين 184

2 ـ من هم التابعون 185

3 ـ من هم أوّل من أسلم 186

4 ـ هل كان الصحابة كلهم صالحين 189

تفسير الآية : 101 193

تفسير الآية : 102 196

سبب النزول 196

التّوابون 197

تفسير الآيات : 103 ـ 105 199

الزّكاة مطهر للفرد والمجتمع 199

ملاحظات

التوبة والجيران 205

ملاحظات

1 ـ مسألة عرض الأعمال 206

2 ـ هل الرّؤية هنا تعني النظر 209

تفسير الآية : 106 210

٥٩٧

سبب النزول 210

سؤال 211

تفسير الآيات : 107 ـ 110 214

سبب النزول 214

معبد وثني في صورة مسجد 217

بحوث

1 ـ درس كبير 222

2 ـ النفي لا يكفي لوحده 225

3 ـ شرطان أساسيان 226

تفسير الآيتان : 111 ـ 112 227

تجارة لا نظيرلها 227

تفسير الآيتان : 113 ـ 114 233

ضرورة قطع العلاقات مع الأعداء 233

ملاحظات

1 ـ رواية موضوعة 235

2 ـ لماذا وعد إبراهيم آزر بالإستغفار 238

3 ـ ضرورة قطع كل رابطة بالأعداء 239

تفسير الآيتان : 115 ـ 116 240

سبب النزول 240

العقاب بعد البيان 241

جواب سؤال 242

تفسير الآيتان : 117 ـ 118 244

سبب النزول 244

درس كبير 244

٥٩٨

الحصارالاجتماعي للمذنبين 247

بحوث

1 ـ المراد من توبة الله على النّبي 248

2 ـ غزوة تبوك وساعة العسرة 249

3 ـ ما هومعنى (خُلّقوا) 250

4 ـ درس كبيردائمي 251

5 ـ غزوة تبوك ونتائجها 251

تفسير الآية : 119 255

كونوا مع الصّادقين 255

هل المراد من الصّادقين هم المعصومون فقط 257

تفسير الآيتان : 120 ـ 121 260

معاناة المجاهدين لا تبقى بدون ثواب 260

تفسير الآية : 122 264

سبب النزول 264

محاربة الجهل وجهاد العدو 265

ملاحظات

تفسير الآية : 123 270

قتال الاقرب فالاقرب 270

تفسير الآيتان : 124 ـ 125 273

تأثير آيات القرآن المتباين على القلوب 273

ملاحظات

تفسير الآيتان : 126 ـ 127 277

تفسير الآيتان : 128 ـ 129 280

آخرآيات القرآن المجيد 280

٥٩٩

سورة يونس

سورة يونس عليه السلام 287

محتوى وفضيلة هذه السورة 287

تفسير الآيتان : 1 ـ 3 289

رسالة النّبي 289

تفسير الآيتان : 3 ـ 4 293

معرفة الله والمعاد 293

تفسير الآيتان : 5 ـ 6 298

جانب من آيات عظمة الله 298

ملاحظات

وهنا ملاحظات ينبغي الإنتباه لها 300

تفسير الآيات : 7 ـ 10 305

أهل الجنّة والنّار 305

ملاحظات

تفسير الآيتان : 11 ـ 12 310

الهمج الرعاع 310

الإنسان في القرآن الکريم 312

تفسير الآيتان : 13 ـ 14 315

ملاحظات

تفسير الآيات : 15 ـ 17 317

سبب النزول 317

ملاحظات

تفسير الآية : 18 322

٦٠٠