تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182430 / تحميل: 5494
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

ملاحظة

هذا الكتاب

نشر الكترونياً وأخرج فنِيّاً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلميّة في الشبكة

٢

٣
٤

الفهرس

الفهرس ٥

بسم الله الرحمن الرحيم ١٣

سورة البقرة ١٥

من الآية ٥٩ إلى آخر السورة ١٥

( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ ) ١٧

قال: كنت أفديك ٧٦

( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) : ١٠٠

( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) : ١٢٠

فقال: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ١٦٠

( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ) : علما جبلين بمكّة ٢٠١

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) : ٢٥١

( فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) : ٣٠٣

( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ ) : ٣٥٠

( إِلَّا بِما شاءَ ) ، أي: بما يوحى إليهم ٤١٣

( وَقالُوا سَمِعْنا ) قولك ٤٧٦

٥

٦

٧

٨

٩

١٠

١١

١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

ألحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين، ولاسيّما بقيّة الله في الأرضين، واللّعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

النسخ التي أستفدنا منها في الربع الأوّل من التفسير

١ ـ نسخة موجودة في جامعة طهران، برقم ١٤، ورمزها (أ).

٢ ـ نسخة إلى آخر سورة المائدة، كتبت في حياة المؤلّف، بل في نفس سنة تأليف الكتاب.

وكانت هذه النسخة ضمن مخطوطات الأستاذ الشانه‌چي، ثمّ نقلت إلى مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة في مشهد الإمام الرضا ـ عليه السّلام ـ وهي الأصل.

٣ ـ نسخة أخرى إلى نهاية سورة المائدة أيضا، نسخت هي الأخرى في نفس سنة التأليف. محفوظة في المكتبة المركزية بجامعة طهران، برقم ٧٣٥٣، ورمزها (ر).

ولا بد من توضيح مسألة: وهي أنّ متن النسخة ٢ (الأصل)، هو نفسه في النسخة ١ (أ)، مع شيء من الاختلاف في العبارات والمواضع التي حذفت وأبدلت بغيرها في الحاشية.

وقد كانت هذه الحواشي تذيل بعبارات مثل: منه، منه سلّمه الله، منه دام ظلّه العالي، منه أدام الله بقائه، أو صح.

ويلاحظ في الحاشية كلمات: «بلغ» و «بلغ قبالا».

وفي الواقع، فإن النسخة (٣)، هي عين النسخة (٢) التي توجد التصحيحات

١٣

والحواشي في متنها.

أمّا الإختلاف الموجود بين النسخة الأولى (أ)، والنسختين الأخريين، فهو يوضح أن نسخة التأليف الأوّل هي نفسها، ولكن، وبعد إنهاء الربع الأوّل من التفسير، أدعاء المفسّر النظر فيها وأدخل عليها بعض التصحيحات وأكملها.

كان ذلك بعدما تداولت الأيدي النسخة غير المصحّحة واستنسختها، حيث بقيت على تلك الحال.

وعلى هذا الأساس، جعلت النسخة ٢، التي تمَّ تصحيحها من قبل المفسِّر، أصلا.

وخلال التحقيق في سائر النسخ الموجودة، التي تحتوي على الربع الأوّل، لوحظ أنّ النسخة المرقّمة (٢٣٤٨) الموجودة في مكتبة آية الله المرعشي ـ دام ظلّه ـ، مطابقة لنسخة جامعة طهران برقم (١٤). وجميع النسخ ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار المتن والحاشية ـ مطابقة للنسخة الأصل.

ولا بدّ من القول: إنّنا قد اعتمدنا في حلّ غوامض النسخة الأصل، على نسخة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم (١٢٠٧٣).

حسين الدّرگاهي

١٤

سورة البقرة

من الآية ٥٩ الى آخر السورة

١٥

( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ )

أجمع(١) المفسِّرون على أنّ المراد بالقرية هاهنا، بيت المقدس. ويؤيّده قوله في موضع آخر: أدخلوا الأرض المقدّسة.

وقال ابن زيد: إنّها أريحا، قرية قريب بيت المقدس. وكان فيها بقايا من قوم عاد: وهم العمالقة. ورأسهم عوج بن عنق.(٢) أمروا به بعد التّيه.

( فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً ) واسعا بما شئتم، من أنواع طعام القرية.

وقيل(٣) : إنّ هذه إباحة لهم منه، لغنائمها وتملّك أموالها، إتماما للنّعمة عليهم.

ونصبه على المصدر، أو على الحال من الواو.

( وَادْخُلُوا الْبابَ ) ؛ أي: باب القرية الّتي أمروا بدخولها.

وقيل(٤) : باب القبّة الّتي كانوا يصلّون إليها.

وقيل(٥) : باب حطّة، من بيت المقدس. وهو الباب الثّامن.

ورجّح البيضاويّ(٦) الاحتمالين الأوّلين، بأنّهم لم يدخلوا بيت المقدس، في حياة موسى عليه السّلام.

وفيه(٧) : إنّهم أمروا بدخول الباب، بعد خروجهم من التّيه.

__________________

(١) أ: جمع

(٢) ر. مجمع البيان ١ / ١١٨.

(٣) نفس المصدر ١ / ١١٩.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٨

(٥) مجمع البيان ١ / ١١٩.

(٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٨.

١٦

وقد توفّي موسى وهرون فيها، على ما مرّ سابقا.(١)

( سُجَّداً ) ، أي: مخبتين. أو ساجدين لله، شكرا على إخراجهم من التّيه.

( وَقُولُوا حِطَّةٌ ) ، أي: مسألتنا. أو أمرت حطّة. وهي فعلة من الحطّ(٢) ، كالجلسة.

وقرئ بالنّصب، على الأصل، بمعنى: حطّ عنّا(٣) ذنوبنا، حطّة.

قال البيضاويّ(٤) : أو على أنّه مفعول «قولوا»، أي: قولوا هذه الكلمة.

وفيه(٥) : أنّه لا يكون مفعول القول، إلّا جملة مفيدة، أو مفردا يفيد معناها(٦) . كقلت شعرا. فالصّواب أن يقال حينئذ: معناه «قولوا أمرا حاطّا لذنوبكم.» وقيل(٧) : معناه: أمرنا حطّة، أي: أن نحطّ في هذه القرية. ونقيم بها.

وفي عيون الأخبار(٨) ، بإسناده إلى الحسن بن خالد، عن الرّضا، عليّ بن موسى ـ عليهما السّلام ـ عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لكلّ أمّة صدّيق وفاروق وصدّيق هذه الأمّة وفاروقها، عليّ بن أبي طالب. إنّ عليّا(٩) سفينة نجاتها وباب حطّتها.

وفي كتاب الخصال(١٠) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها، قال عليّ ـ عليه السّلام: وأمّا العشرون: فإنّي سمعت رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول [لي](١١) : مثلُك في أمّتي، مثل باب حطّة في بني إسرائيل. فمن دخل [في](١٢) ولايتك، فقد دخل الباب، كما أمره الله ـ عزّ وجلّ.

وفيه(١٣) ، يقول أمير المؤمنين في حديث طويل ونحن باب حطّة.

وفي كتاب التّوحيد(١٤) ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في خطبة: أنا باب حطّة.

__________________

(١) يأتي عن تفسير القمي، في تفسير سورة المائدة ـ إن شاء الله.

(٢) العبارة الأخيرة، ليس في أ. (٣) أ: منّا

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٨. (٦) يوجد في أ.

(٧) نفس المصدر. (٨) عيون أخبار الرضا ـ ٢ / ١٢، صدر ح ٣٠.

(٩) المصدر: إنّه. (١٠) الخصال / ٥٧٤.

(١١) يوجد في المصدر. (١٢) يوجد في المصدر.

(١٣) نفس المصدر. (١٤) التوحيد ١٦٤ ـ ١٦٥، ضمن ح ٢.

١٧

وفي روضة الكافي(١) ، خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهي خطبة الوسيلة، قال فيها ـ عليه السّلام: ألا وإنّي فيكم، أيّها النّاس! كهارون في آل فرعون وكباب حطّة في بني إسرائيل].(٢)

[وفي مجمع البيان](٣) : وروي عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: نحن باب حطّتكم.

( نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ ) بسجودكم ودعائكم.

وقرئ بالياء(٤) . وابن عامر بالتّاء، على البناء للمفعول.

و «خطايا» أصله خطائي، كخطائع.

فعند سيبويه أبدلت الياء الزّائدة، همزة، لوقوعها بعد الألف. واجتمعت همزتان، فأبدلت الثّانية ياء. ثمّ قلبت ألفا وصارت الهمزة بين ألفين، فأبدلت ياء.

وعند الخليل، قدّمت الهمزة على الياء، ثمّ فعل بهما ما ذكر.

( وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) (٥٨) ثوابا.

جعل الامتثال توبة(٥) للمسيء وإحسانا. وأخرجه عن صورة الجواب، إشعارا بأنّ الزّيادة، تفضّل منه تعالى، كما قال تعالى(٦) :( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) .

[وفي شرح الآيات الباهرة(٧) : قال الإمام ـ عليه السّلام: قال الله تعالى: واذكروا، يا بني إسرائيل!( إِذْ قُلْنَا ) لأسلافكم( ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ ) وهي أريحا، من بلاد الشّام.

وذلك حين خرجوا من التّيه.( فَكُلُوا مِنْها ) ، أي: من القرية،( حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً ) واسعا، بلا تعب.( وَادْخُلُوا الْبابَ ) ـ باب القرية ـ( سُجَّداً ) . مثّل الله تعالى على الباب، مثال محمّد وعليّ. وأمرهم أن يسجدوا لله، تعظيما لذلك المثال. ويجدّدوا على أنفسهم، بيعتهما وذكر موالاتهما. ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم، لهما.( وَقُولُوا حِطَّةٌ ) ، أي: قولوا إنّ سجودنا لله، تعظيما لشأن محمّد وعليّ. واعتقادنا بولايتهما، حطّة لذنوبنا ومحو لسيّئاتنا. قال الله ـ عزّ وجلّ:( نَغْفِرْ لَكُمْ ) بهذا الفعل( خَطاياكُمْ ) السّالفة ونزيل عنكم

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٠.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ. والحديث في مجمع البيان ١ / ١١٩.

(٤) قيل في أنوار التنزيل ١ / ٥٨: وقرأ نافع بالياء.

(٥) أ: توجّه.

(٦) فاطر / ٣٠.

(٧) شرح الآيات الباهرة / ٢٠.

١٨

آثامكم الماضية.( وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) من كان فيكم لم (يقارف(١) ) الذّنوب الّتي قارفها(٢) من خالف الولاية و (ثبت)(٣) على ما أعطى الله من نفسه، من عهد الولاية. فإنّا نزيد(٤) بهذا الفعل، زيادة(٥) درجات ومثوبات. [و](٦) ذلك قوله تعالى( وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) ](٧)

( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) ، أي: فخالف الّذين عصوا. ففعلوا غير ما أمروا أن يفعلوه. وقالوا غير ما أمروا أن يقولوه. واختلف في ذلك الغير: فقيل: إنّهم قالوا بالسّريانيّة: هطا سمقاثا(٨) . ومعناه حنطة حمراء فيها شعيرة وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الأمر(٩) وقيل: إنّهم قالوا حنطة، تجاهلا واستهزاء. وكانوا قد أمروا أن يدخلوا الباب، سجّدا. وطؤطئ لهم الباب ليدخلوه كذلك. فدخلوه زاحفين على أستاههم. فخالفوا في الدّخول، أيضا.

( فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) :

كرّره مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعارا بأنّ الإنزال عليهم، لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه، أو على أنفسهم، بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها.

( رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) (٥٩): عذابا مقدّرا من السّماء، بسبب فسقهم.

و «الرّجز» في الأصل، ما يعاف عنه. وكذلك الرّجس. وقرئ بالضّمّ وهو لغة فيه. والمراد به الطّاعون. روى أنّه مات به في ساعة أربعة وعشرون ألفا من كبرائهم وشيوخهم. وبقي الأبناء. فانتقل عنهم العلم والعبادة. كأنّه يشير إلى أنّهم عوقبوا بإخراج

__________________

(١) المصدر: يفارق.

(٢) المصدر: فارقها.

(٣) المصدر: تثبّت.

(٤) المصدر: نزدهم.

(٥) المصدر: بزيادة.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) ر: إنّهم قالوا بالسريانيّة: هطا صمقاثا.

أ: إنّهم قالوا بالسريانيّة: هطا سمقاثا. وقال بعضهم: حطا سمقاثا.

مجمع البيان ١ / ١١٩: إنّهم قالوا بالسريانيّة: هاطاسماقاتا. وقال بعضهم حطا سماقاتا.

(٩) أ: الأمور.

١٩

الأفاضل من بينهم(١) .

قال النّبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ في الطّاعون(٢) : إنّه رجز. عذّب به بعض الأمم الّذين قبلكم.

[وفي أصول الكافي(٣) : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله، عن محمّد بن الفضيل(٤) ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: نزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بهذه الآية على محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ هكذا: فبدّل الّذين ظلموا آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ حقّهم، قولا غير الّذي قيل لهم، فأنزلنا على الّذين ظلموا آل محمّد حقّهم، رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.

وفي شرح الآيات الباهرة(٥) : قال الإمام ـ عليه السّلام: إنّهم لم يسجدوا كما أمروا.

ولا قالوا بما أمروا. ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم(٦) . وبدّلوا(٧) حطّة. فقالوا: حنطة حمراء ينقّونها(٨) أحبّ إلينا من هذا الفعل.

فأنزل الله على الّذين [ظلموا و](٩) بدّلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية(١٠) محمّد وعليّ وآلهما الطّيبين الرّجز. قال الله تعالى:( فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ، أو غيّروا وبدّلوا( ، رِجْزاً مِنَ السَّماءِ، بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) ، أي: يخرجون عن أمر الله وطاعته.

قال: والرّجز الّذى أصابهم، أنّه مات منهم في بعض يوم مائة وعشرون ألفا. وهم من علم الله تعالى منهم أنّهم لا يؤمنون ولا يتوبون. ولم ينزل الرّجز على من علم الله أنّه يتوب أو يخرج من صلبه ذرّية طيّبة توحّد الله وتؤمن بمحمّد وتعرف موالاة عليّ وصيّه وأخيه].(١١)

( وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ) لـمّا عطشوا في التّيه.

( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) :

اللّام فيه، للعهد، على ما روى أنّه كان حجرا طوريّا مربّعا حمله(١٢) معه.

وكان

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ٥٨، مجمع البيان ١ / ١٢٠

(٢) تفسير الطبري ١ / ٢٤٢.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٣، ح ٥٨.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: الفضل.

(٥) شرح الآيات الباهرة / ٢٠.

(٦) المصدر: مستقبلوها بسيئاتهم.

(٧) كذا في المصدر وفي الأصل ور: قالوا. (٨) المصدر: ينفقونها.

(٩) ليس في المصدر. (١٠) المصدر: بولاية.

(١١) ما بين المعقوفتين، ليس في أ. (١٢) أ: معمله.

٢٠

ينبع(١) من كلّ وجه ثلاث أعين. تسيل كلّ عين في جدول إلى سبط. وكانوا ستّمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلا.

أو حجرا أهبطه آدم من الجنّة. فتوارثوه حتّى وقع إلى شعيب. فدفعه إليه مع العصا.

أو الحجر الّذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل إذ رموه بالأدرة. ففرّ(٢) به. فقال له جبرئيل: يقول الله تعالى: ارفع هذا(٣) الحجر. فإن لي فيه قدرة ولك معجزة. فحمله في مخلاته.

وقيل: كانت حجرة فيها اثنتا عشرة حفرة وكان الحجرة من الكران وهي حجارة رخوة كأنّها مدرة. وكان يخرج من كل حفرة عين ماء عذب فرات، فيأخذونه. فإذا فرغوا وأراد موسى حمله، ضربه بعصاه، فيذهب الماء.

أو للجنس، أي: اضرب الشيء الّذي يقال له الحجر.

قال الحسن: وهذا أظهر في الحجّة. وأبين في القدرة.

روى أنّهم قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة. فحمل حجرا في مخلاته. فحيثما نزلوا، ألقاه. وكان يضربه بعصاه، فينفجر. ويضربه بها، فييبس.

فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشا.

فأوحى الله إليه: لا تقرع الحجارة. وكلّمها تعطك. لعلّهم يعتبرون.

وروي أنّه كان ذراعا في ذراع.

وروى أنّه كان على شكل رأس الإنسان. والعصا كانت عشرة أذرع على طول موسى، من آس الجنّة. وله شعبتان تتّقدان في الظّلمة(٤) .

[وفي مجمع البيان:(٥) وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود].(٦)

( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) :

__________________

(١) أ: يتبع.

(٢) أ: ففسر.

(٣) أ: إليّ هذا.

(٤) توجد الفقرات الماضية في الكشاف ١ / ١٤٤، مجمع البيان ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ وأنوار التنزيل ١ / ٥٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢١

«الانفجار»: الانشقاق. والانبجاس أضيق منه. فيكون أوّلا انبجاس، ثمّ يصير انفجارا. أو الانبجاس عند الحاجة إليه. والانفجار عند الاحتياج إليه. أو الانبجاس عند الحمل. والانفجار عند الوضع. فلا منافاة بينه وبين ما ذكر في سورة الأعراف(١) : «فانبجست».

والجملة جواب شرط محذوف. تقديره: فإن ضربت، فقد انفجرت. أو معطوفة على محذوفة. تقديره: فضرب، فانفجرت، كما مرّ في قوله( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) وقرئ عشرة (بكسر الشّين وفتحها). وهما لغتان.

( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ ) : كلّ سبط،( مَشْرَبَهُمْ ) : عينهم الّتي يشربون منها.

( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) ، على تقدير القول، أي: وقلنا لهم.

( مِنْ رِزْقِ اللهِ ) : يريد به ما رزقهم الله، من المنّ والسّلوى وماء العيون. وقيل: الماء وحده. لأنّه شرب. ويؤكل ما ينبت به(٢) .

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ (ره):(٣) روى موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام. قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في أثناء كلام طويل: فإنّ موسى ـ عليه السّلام ـ قد أعطي الحجر: فانبجست منه أثنتا عشرة عينا.

قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ: لقد كان كذلك. ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا نزل الحديبية وحاصره أهل مكّة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك. وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظّمأ وأصابهم ذلك حتّى التفّت خواصر الخيل. فذكروا ذلك له ـ عليه السّلام.

فدعا بركوة يمانيّة. ثمّ نصب يده المباركة فيها. فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء. فصدرنا وصدرت الخيل رواء. وملأنا كلّ مزادة وسقاء. ولقد كنّا معه بالحديبية. وإذا ثمّ قليب جافّة. فأخرج ـ صلّى الله عليه وآله ـ سهما من كنانته. فناوله البراء بن عازب. فقال له: اذهب بهذا السّهم إلى تلك القليب الجافّة. فاغرسه فيها. ففعل ذلك. فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، من تحت السّهم. ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوّته ،

__________________

(١) الأعراف / ١٦٠

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٥.

٢٢

كحجر موسى، حيث دعا بالميضاة. فنصب يده فيها. ففاضت بالماء. وارتفع حتّى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل. وشربوا حاجتهم. وسقوا دوابّهم. وحملوا ما أرادوا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى أبي الجارود، زياد بن المنذر. قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إذا خرج القائم من مكّة، ينادي مناديه: ألا لا يحمل أحد(٢) طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران. وهو وقر بعير. فلا ينزل(٣) منزلا إلا انفجرت منه عيون. فمن كان جائعا، شبع، ومن كان ظمآنا، روي، ورويت دوابّهم، حتّى ينزلوا النّجف، من ظهر الكوفة.

وفي الخرائج والجرائح(٤) ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ مثله. وزاد في آخره: فإذا نزلوا ظاهره انبعث منه الماء واللّبن، دائما. فمن كان جائعا، شبع. ومن كان ظمآنا، روي.

وفي أصول الكافي(٥) ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ وذكر مثل ما في كمال الدّين وتمام النّعمة، إلّا قوله ورويت دوابّهم (الخ)](٦)

( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (٦٠): لا تعتدوا حال إفسادكم.

وإنّما قيّده وإن كان العثيّ لا يكون إلّا فسادا. لأنّه يجوز أن يكون فعل ظاهره الفساد، وباطنه المصلحة، كقتل الخضر الغلام وخرقه السّفينة. فبيّن أنّ فعلهم، هو الفساد، ظاهرا وباطنا. ويقرب منه العبث. غير أنّه يغلب فيما يدرك حسّا.(٧) وجعل بعضهم الحال، مؤكّدة.

فإن قيل كيف يجتمع ذلك الماء الكثير في ذلك الحجر الصّغير؟

أجيب بأنّ ذلك من آيات الله الباهرة والأعاجيب الظّاهرة الدّالّة على أنّه من فعل الله. فإنّه لـمّا أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشّعر وينفر الخلّ ويجذب الحديد ،

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة / ٦٧٠ ـ ٦٧١، ح ١٧.

(٢) المصدر: أحدكم.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: ولا ينزل.

(٤) تفسير نور الثقلين ١ / ٨٤، نقلا عن الخرائج والجرائح، مع اختلاف بسيط.

(٥) الكافي ١ / ٢٣١، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أ: حيّا.

٢٣

لم يمتنع أن يخلق في حجر، أو أحدث في كلّ حجر، قوّة بجذب الماء، من تحت الأرض، أو يجذب الهواء من الجوانب ويصير الماء بقوة التّبريد ونحو ذلك.

ولي هناك فائدة يجب أن ينبه عليها. فأقول: الممتنع إمّا ممتنع بأيّ اعتبار أخذ، أو باعتبار طبيعته، وحقيقته، مع قطع النّظر عن غيره، أو باعتبار العادات والرّسوم. فالأوّل، كشريك البارئ. والثّاني، ككون الكبير في الصّغير. والثّالث، ككون الحنطة خلّا.

والممتنع بالقياس إليه تعالى، هو الأوّل دون الثّانيين. فتأمّل! فإنّه يحتاج إلى لطف تأمّل.

[وفي شرح الآيات الباهرة:(١) قال الإمام ـ عليه السّلام: واذكروا، يا بني إسرائيل!( إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ) ، طلب لهم السّقيا، لـمّا لحقهم العطش في التّيه، وضجّوا بالنّداء إلى موسى، وقالوا هلكنا بالعطش، فقال موسى: «إلهي بحقّ محمّد سيّد الأنبياء وبحقّ عليّ سيّد الأوصياء وبحقّ فاطمة سيّدة النّساء وبحقّ الحسن سيّد الأولياء وبحقّ الحسين سيّد الشّهداء وبحقّ عترتهم وخلفائهم الأزكياء لـمّا سقيت عبادك هؤلاء الماء. اعتبار فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى:( اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) .

فضربه بها.( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ ) ، أي: كلّ قبيلة، من بني أب، من أولاد يعقوب( مَشْرَبَهُمْ ) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.

[قال الله تعالى :](٢) ( كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ ) الّذى اتاكموه!( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ، أي: ولا تعثوا(٣) وأنتم مفسدون عاصون.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أقام على موالاتنا أهل البيت، سقاه الله من محبّته، كأسا لا يبغون به بدلا ولا يريدون سواه كافيا ولا كالئا ولا ناصرا. ومن وطّن نفسه على احتمال المكاره في موالاتنا، جعله الله يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كلّ من تضمّنته تلك العرصات أبصارهم عمّا يشاهدون من درجاته(٤) وإن كلّ واحد منهم ليحيط بما له من درجاته كإحاطته في الدّنيا يتلقاه(٥) بين يديه.

ثمّ يقول له: وطّنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمّد وآله الطّيّبين، قد جعل الله إليك ومكّنك في تخليص كلّ من يجب تخليصه من أهل الشّدائد في هذه العرصات. فيمدّ

__________________

(١) شرح الآيات الباهرة / ٢١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: تسعوا.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: درجاتهم.

(٥) المصدر: تتلقّاه.

٢٤

بصره فيحيط به. ثمّ ينتقد(١) من أحسن إليه أو برّه في الدّنيا، بقول أو فعل أو ردّ غيبة أو حسن محضر أو إرفاق(٢) ، فينتقده(٣) من بينهم، كما ينتقد الدّرهم الصّحيح من المكسور. يقال له: اجعل هؤلاء في الجنّة، حيث شئت. فينزلهم جنان ربّنا.

ثمّ يقال له: وقد جعلنا لك ومكّنّاك في إلقاء من تريد في نار جهنم. فيراهم.

فيحيط بهم. فينتقده(٤) من بينهم، كما ينتقد الدّينار من القراضة. ثمّ يصيّره في النّار. [ثمّ يقال له: صيّرهم من النّار، حيث تشاء. فيصيّرهم إلى حيث يشاء من مضايق النّار].(٥) فقال الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله: إذا كان أسلافكم إنّما دعوا إلى موالاة محمّد وآله الطّيّبين، فأنتم يا من شاهدتموه، فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الأفضل، إلى مولاة محمّد وآله. ألا فتقرّبوا إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بالتّقرّب إلينا. ولا تتقرّبوا من سخطه، تباعدوا(٦) من رحمته بالازورار(٧) عنّا](٨) ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ) : يريد به ما رزقوا في التّيه، من المنّ والسّلوى وبوحدته أنّه لا يتبدّل، كقولهم: طعام مائدة الأمير واحد. يريدون أنّه لا يتغيّر ألوانه. ولذلك أجموا، أو ضرب واحد. لأنّهما معا طعام أهل التّلذّذ. وهم كانوا فلاحة. فنزعوا إلى عكرهم. واشتهوا إلى ما ألفوه.(٩) وقيل(١٠) : إنّه كان ينزل عليهم [المنّ وحده. فملّوه. فقالوا ذلك. فأنزل عليهم](١١) السّلوى، من بعد ذلك.

( فَادْعُ لَنا رَبَّكَ ) : سله، لأجلنا، بدعائك إيّاه.

( يُخْرِجْ لَنا ) : يظهر لنا.

وجزمه، بأنّه جواب الأمر المذكور.

( مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ) : من إسناد الفعل إلى القابل. و «من» للتّبعيض. والعائد

__________________

(١) المصدر: فينقذ.

(٢) المصدر: إنفاق.

(٣) المصدر: فينقده.

(٤) المصدر: فينقده.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وتتباعدوا.

(٧) الأصل ور: بالازوراء.

(٨) ما بين القوسين ليس في أ.

(٩) أ: القوه.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٢٤.

(١١) ليس في أ.

٢٥

إلى الموصول، محذوف.

( مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها ) :

بيان وقع موقع الحال. وقيل: بدل بإعادة الجار. والبقل ممّا أنبتته الأرض من الخضر. والمراد به أطائبه الّتي تؤكل. والفوم، الحنطة. ويقال للخبز. ومنه فوموا لنا، أي :

اخبزوا. وقيل: الثّوم. ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود: وثومها. وقرئ قثّائها. (بالضّمّ) وهو لغة فيه(١) .

واختلف في أنّ سؤالهم هذا، هل كان معصية؟

فقيل: لا لأنّ الأوّل كان مباحا. فسألوا مباحا آخر.

وقيل: بل كان معصية. لأنّهم لم يرضوا بما اختاره الله لهم. وبذلك ذمّهم على ذلك. وهو أوجه.(٢) ( قالَ ) ، أي: الله أو موسى.

( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى ) : أقرب منزلة.

وأصل الدّنوّ، القرب في المكان. فاستعير للحسنة، كالعبد في الشّرف والرّفعة.

فقيل: بعيد المحل، بعيد الهمّة.

وقرئ أدناء، من الدّناءة.

وحكى الأزهريّ،(٣) عن أبي زيد: الدنيّ (بغير همزة الخسيس).

( بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) :

يريد به المنّ والسّلوى. فإنّه خير في اللّذة والنّفع وعدم الحاجة إلى السّعي.

( اهْبِطُوا ) :

وقرئ بالضّمّ، أي: انحدروا من التّيه. يقال: هبط الوادي، إذا نزل به. وهبط منه، إذا خرج منه.

( مِصْراً ) :

أراد به مصرا من الأمصار. وهو البلد العظيم. وأصله القطع، لانقطاعه بالعمارة عمّا سواه. وقيل(٤) : أصله الحدّ بين الشّيئين.

__________________

(١) يوجد الفقرات الماضية، في أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٢) ر. مجمع البيان ١ / ١٢٤.

(٣) ر. مجمع البيان ١ / ١٢٢.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

٢٦

قال الشّاعر(١) :

وجاعل الشّمس مصرا لا خفاء به

بين النّهار وبين اللّيل قد فصلا

أو العلم. وصرفه لسكون وسطه، أو على تأويل البلد. ويؤيّده أنّه غير منوّن في مصحف ابن مسعود. وقيل: أصله مصرائيم.(٢) فعرب.(٣) فصرفه للتّصرّف في العجميّة، بالتّعريب(٤) .

( فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) :

جعلت الذّلّة والمسكنة محيطتين بهم مشتملتين(٥) عليهم. فهم كما يكون في القبّة من ضربت عليه أو الصقتا(٦) بهم، حتّى لزمتاهم ضربة لازب، كما تضرب الطّين على الحائط، فيلزمه مجازاة فهم على كفران النّعمة، فاليهود أذلّاء أهل مسكنة: إمّا على الحقيقة، وإمّا لتصاغرهم وتفاقرهم مخافة أن تضاعف عليهم الجزية.

والمراد بالذّلّة، الهوان بأخذ الجزية، وبالمسكنة، كونهم بزيّ الفقراء. فترى المثريّ منهم يتمسكن مخافة أن تضاعف عليهم الجزية. أو المراد بالذّلّة، ما يشمل المعنيين، وبالمسكنة فقر القلب. لأنّه لا يوجد يهوديّ غنيّ النّفس. وقال النّبيّ(٧) ـ صلّى الله عليه وآله: الغنى، غنى النّفس.

( وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) :

رجعوا به من باء إذا رجع. أو صاروا أحقّاء بغضبه، من باء فلان بفلان، إذ كان حقيقا بأن يقتل به.

وأصل البوء، المساواة.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى ما سبق، من ضرب الذّلّة والمسكنة والبوء بالغضب، كائن لهم.

( بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ) بسبب كفرهم بالمعجزات، أو بالكتب المنزلة وآية الرّجم والّتي فيها نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الكتب وقتلهم الأنبياء، كزكريّا ويحيى وغيرهما ـ عليهم السّلام ـ بغير حقّ عندهم، إذ

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٢٢. والشاعر، عدي بن زيد، على ما ذكر في المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: مصرائم.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٤) أ: بالتعريف.

(٥) أ: مشتملة.

(٦) أ: التصقتا.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٢٤.

٢٧

لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم. وإنّما حملهم على ذلك اتّباع الهوى. وهذا أشنع من أن يقتلوه بشيء يعتقدونه(١) جرما حقّا باعتقادهم الفاسد.

( ذلِكَ ) ، أي: الكفر بالآيات وقتل الأنبياء، صدر عنهم.

( بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) (٦١) بسبب عصيانهم وتماديهم فيه.

فإنّ التّمادي في ضعاف الذنوب، يؤدّي إلى شدادها، كما أنّ المواظبة على صغار الطّاعات، يؤدّي إلى تحرّي كبارها.

قال صاحب الكشّاف(٢) : كرّر الإشارة، للدّلالة على أنّ ما لحقهم، كما هو بسبب الكفر والقتل، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله.

وفيه نظر(٣) . لأنّه لو كان التّكرير لذلك، لكفى فيه أن يقول وبما عصوا. وقال: وعلى تقدير أن يكون ذلك إشارة إلى الكفر والقتل، يجوز أن تكون «الباء» بمعنى مع، أي: ذلك الكفر والقتل، مع ما عصوا. والأحسن ما قرّرناه، لرعاية اتّساق الكلام.

وإنّما جوّزت الإشارة بالمفرد إلى شيئين، على تأويل ما ذكر، أو ما تقدّم، للاختصار. ونظيره في الضّمير قول رؤبة :

فيه خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق

فإن قيل كيف يجوز التّخلية بين الكفّار وقتل الأنبياء؟ أجيب بأنّه إنّما جاز ذلك، لينال أنبياء الله سبحانه من رفع المنازل والدّرجات، ما لا ينالونه بغير القتل. قال الشّيخ الطّبرسيّ(٤) : وليس ذلك بخذلان لهم، كما أنّ التّخلية بين المؤمنين والأولياء والمطيعين وبين قاتليهم، ليست بخذلان لهم. (هذا كلامه.) والأجود التّفصيل، بأنّه ليس بخذلان، بمعنى إنزال العذاب وسوء عاقبة الدّار وغير ذلك مما ينبئ عن خذلان الآخرة وحرمان المثوبة. والمرويّ عن الحسن أنّ من(٥) قتل من الأنبياء، قد قتل بغير قتال. وأنّ الله لم يأمر نبيّا بالقتال، فقتل فيه.

والمذكور في مجمع البيان(٦) . «أنّ الصّحيح، أنّ النّبيّ إن كان لم يؤدّ الشّرع الّذي أمر بتأديته، لم يجز أن يمكّن الله سبحانه من قتله. لأنّه لو مكّن من ذلك، لأدّى إلى أن يكون

__________________

(١) أ: يعتقدوه.

(٢) الكشاف ١ / ١٤٦.

(٣) أ: نظرا.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٢٥.

(٥) كذا في أ. وفي الأصل ور: ما

(٦) مجمع البيان ١ / ١٢٥.

٢٨

المكلّفون غير مزاحي العلّة في التّكليف وفيما لهم من الألطاف والمصالح. فأمّا إذا أدّى الشّرع، فحينئذ يجوز أن يخلّي الله بينه وبين قاتليه. ولم يجب عليه المنع من قتله» والملازمة(١) الّتي ادّعاها، منع بأنّه يجوز أن يكون إزاحة العلل بإرسال النّبيّ وإظهار المعجزة على يده وقتله بسوء صنيعهم بعد ثبوت نبوّته وإعجازه ناشئ من تهاونهم في نصره وتآزرهم على دفعه. فهم مفوّتون تبليغه بسوء فعلهم. فهم غير معذورين بعدم تبليغه.

[وفي أصول الكافي(٢) : يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وتلا هذه الآية( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) قال: والله ما قتلوهم بأيديهم.

ولا ضربوهم بأسيافهم. ولكنّهم سمعوا أحاديثهم، فأذاعوها. فأخذوا عليها. فقتلوا. فصار قتلا واعتداء ومعصية].(٣)

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بألسنتهم. يريد به المتديّنين بدين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ المخلصين منهم والمنافقين.

وقال صاحب الكشّاف(٤) : «يريد المنافقين»، لانخراطهم في سلك الكفرة.

والأوّل أولى، لعموم الفائدة.

( وَالَّذِينَ هادُوا ) :

تهوّدوا. يقال: هاد وتهوّد، إذا دخل في اليهوديّة. و «يهود» إمّا عربيّ من هاد، إذا تاب سمّوا بذلك، لـمّا تابوا من عبادة العجل، أو من هاد إذا مال، لأنّهم مالوا عن الإسلام وعن دين موسى، أو من هاد إذا تحرّك، لأنّهم كانوا يتحرّكون عند قراءة التوراة، وإمّا معرّب يهوذا. وكأنّهم سمّوا باسم أكبر أولاد يعقوب ـ عليه السّلام.

واليهود اسم جمع، واحده يهوديّ، كالزّنجيّ والزّنج والرّوميّ والرّوم.

( وَالنَّصارى ) :

قال سيبويه(٥) : جمع نصران كالنّدامى.

وقيل(٦) : جمع نصريّ، مثل مهريّ ومهارى.

__________________

(١) أ: وعلى الملازمة.

(٢) الكافي ١ / ٣٧١، ح ٦.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) الكشاف ١ / ١٤٦.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٢٦، بتصرف في النقل.

(٦) تفسير البحر المحيط ١ / ٢٣٩.

٢٩

و «الياء» في نصرانيّ للمبالغة، كما في أحمريّ. سمّوا بذلك لأنّهم(١) نصروا المسيح، أو لأنّهم(٢) كانوا معه في قرية يقال لها نصران أو ناصرة.

وعلى تقدير أن يكون اسم القرية نصران، يحتمل أن يكون الياء للنّسبة.

[وفي عيون الأخبار(٣) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره قال: فقلت له: فلم سمّي النّصارى، نصارى؟

قال: لأنّهم من قرية اسمها النّاصرة(٤) ، من بلاد الشّام. نزلتها مريم وعيسى ـ عليهما السّلام ـ بعد رجوعهما من(٥) مصر.

وفي كتاب ثواب(٦) الأعمال(٧) ، بإسناده إلى حنان بن سدير. قال: حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة، لسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه ـ إلى قوله ـ ورجلان(٨) من بني إسرائيل. هوّدا قومهما. ونصّراهما.

وبإسناده إلى إسحاق بن عمّار الصّيرفيّ(٩) ، عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال «إنّ في النّار لواديا يقال له سقر. وإنّ في ذلك الوادي لجبلا. وإنّ في ذلك الجبل، لشعبا. وإنّ في ذلك الشّعب، لقليبا. وإنّ في ذلك القليب، لحيّة. وذكر شدّة ما في الوادي وما بعده من العذاب. وإنّ في جوف تلك الحيّة سبع(١٠) صناديق. فيها خمسة من الأمم السّالفة. واثنان من هذه الأمّة»، قلت، جعلت فداك! ومن الخمسة؟ ومن الاثنان؟

قال: أمّا الخمسة: فقابيل الّذي قتل هابيل ـ إلى قوله ـ ويهودا(١١) الّذي هوّد اليهود.

وبولس الّذي نصّر النّصارى].(١٢)

( وَالصَّابِئِينَ ) :

__________________

(١ و ٢) ليس في أ.

(٣) عيون الأخبار ٢ / ٧٩، ذيل ح ١٠.

(٤) المصدر: ناصرة.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: عن.

(٦) الأصل ور: عقايد. وهو خطأ.

(٧) ثواب الأعمال / ٢٥٥، ضمن ح ١.

(٨) المصدر: اثنان.

(٩) نفس المصدر / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

(١٠) المصدر: لسبع.

(١١) كذا في المصدر وفي الأصل ور: يهود.

(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٠

قيل: قوم بين النّصارى والمجوس. لا دين لهم.

وقيل(١) : أصل دينهم، دين نوح.

وقيل(٢) : هم عبدة الملائكة.

وقيل(٣) : عبدة الكواكب من صبأ، إذا خرج. وقرأ نافع، بالياء ـ وحدها. إمّا لأنّه خفّف الهمزة. أو لأنّه من صبا، إذا مال. لأنّهم مالوا من سائر الأديان، إلى دينهم، أو من الحقّ إلى الباطل.(٤) قال الشّيخ الطّبرسيّ(٥) : والفقهاء، بأجمعهم، يجيزون أخذ الجزية [منهم].(٦) وعندنا لا يجوز ذلك. [لأنّهم ليسوا بأهل كتاب](٧)

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : قوله( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ ) قال: الصّابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمين. وهم يعبدون الكواكب والنّجوم].(٩)

( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً ) :

من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ، مصدّقا بقلبه بالمبدأ والمعاد، عاملا بمقتضى شرعه. ومن تجدّد منه الإيمان وأخلصه.

( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) الّذي وعدهم، على إيمانهم وعملهم.

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٦٢) حين يخاف الكفّار من العقاب ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثّواب.

و «من»، مبتدأ، خبره «فلهم أجرهم.» والجملة خبر «إنّ»، أو بدل من اسم «إنّ» وخبرها «فلهم أجرهم.» و «الفاء» لتضمّن المسند إليه، معنى الشّرط. وقد منع سيبويه دخولها في خبر «إنّ»، من حيث أنّها لا تدخل الشّرطيّة. وردّ بقوله تعالى(١٠) :( إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) .

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ ) :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل / ٦٠.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٢٦.

(٦) يوجد في أور.

(٧) يوجد في أ، فقط.

(٨) تفسير القمي ١ / ٤٨.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) الجمعة / ٨.

٣١

مفعال من الوثيقة. وهو ما يوثق به من يمين أو عهد أو غير ذلك. يريد به العهد، باتّباع موسى والعمل بالتّوراة.

( وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) : حتّى قبلتم الميثاق.

و «الطّور» في اللّغة، الجبل.

قال العجّاج(١) :

داني جناحيه من الطّور فمرّ

تقضّي البازي إذا البازي كسر

وقيل(٢) : إنّه اسم جبل بعينه. ناجى الله عليه موسى ـ عليه السّلام.

روي(٣) أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ لـمّا جاءهم بالتّوراة، فرأوا ما فيها من التّكاليف الشّاقّة، كبرت عليهم وأبوا قبولها. فأمر جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بقلع(٤) الطّور. فظلّله فوقهم، حتّى قبلوا.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: لـمّا أنزل الله التّورية على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى ـ عليه السّلام ـ إن لم تقبلوه وقع عليكم الجبل. فقبلوه. وطأطئوا رؤوسهم](٦)

( خُذُوا ) على إرادة القول،( ما آتَيْناكُمْ ) من الكتاب،( بِقُوَّةٍ ) : بجدّ وعزيمة.

روى العيّاشيّ(٧) ، أنّه سئل عن(٨) الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ) ، أبقوّة بالأبدان؟ أم بقوّة بالقلوب؟

فقال: بهما، جميعا.

( وَاذْكُرُوا ما فِيهِ ) :

قيل(٩) : معناه ادرسوه ولا تنسوه. أو تفكّروا فيه، فإنّه ذكر بالقلب(١٠) . أو اعملوا به.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٢٧.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تفسير القمي ١ / ٤٩ الكشاف ١ / ١٤٧، مجمع البيان ١ / ١٢٨، أنوار التنزيل ١ / ٦١.

(٤) أ: بقطع.

(٥) تفسير القمي ١ / ٤٨.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٤٥، ح ٥٢.

(٨) كذا في المصدر وفي النسخ. ولعلها زائدة.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٦١.

(١٠) كذا في المصدر وفي النسخ. والظاهر: للقلب.

٣٢

والمرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(١) أنّ معناه: اذكروا ما في تركه من العقوبة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٦٣) :

متعلّق «بخذوا»، أي: لكي تتّقوا، أو «باذكروا»، أي: رجاء منكم أن تكونوا متّقين، أو «بقلنا المقدّر»، أي: قلنا خذوا. واذكروا إرادة أن تتّقوا.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : قال الإمام ـ عليه السّلام: قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لهم: واذكروا( إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ ) وعهودكم، أن تعملوا بما في التّوراة وما في الفرقان الّذى أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمّد وعليّ والطّيّبين من آلهما، أنّهم أفضل الخلق والقوّامون بالحقّ، وأخذنا ميثاقكم لهم أن تقرّوا به وأن تؤدّوه إلى أخلافكم وتأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم، ليؤمننّ بمحمّد نبيّ الله ويسلمون له ما يأمرهم به في عليّ وليّ الله عن الله وما يخبرهم به من أحوال خلفائه بعده القوّامون بحقّ الله، فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه، «فرفعنا فوقكم الطور» الجبل. أمرنا جبرئيل أن يقطع منه قطعة، على قدر معسكر أسلافكم. فجاء بها، فرفعها(٣) فوق رؤوسهم.

فقال موسى ـ عليه السّلام ـ لهم: إمّا أن تأخذوا بما أمرتم به فيه وإلا ألقى عليكم هذا الجبل؟

فالجئوا إلى قبوله كارهين، إلّا من عصمه الله من العباد. فإنّه قبله طائعا مختارا.

ثمّ لـمّا قبلوه سجدوا لله عفروا. وكثير منهم عفّر خدّيه لا إرادة الخضوع لله ولكن نظرا إلى الجبل، هل يقع أم لا؟ وآخرون سجدوا طائعين مختارين.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: احمدوا الله معاشر شيعتنا على توفيقه إيّاكم. فإنّكم تعفّرون في سجودكم، لا كما عفّره كفرة بني إسرائيل، ولكن كما عفّره خيارهم. وقال ـ عزّ وجلّ:( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ ) ، أي: ما آتيناكم (من) هذه الأوامر والنّواهي، من هذا الأمر الجليل، من ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين( بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ ) (٤) ممّا آتيناكم. واذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٤٥، ح ٥٣، مجمع البيان ١ / ١٢٨.

(٢) شرح الآيات الباهرة / ٢٢.

(٣) المصدر: فرفعنا.

(٤) كذا في المصدر وفي هامش الأصل. وفي الأصل ور: فيما.

٣٣

إبائكم،( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) المخالفة الموجبة للعقاب(١) ، فتستحقّوا بذلك جزيل الثّواب](٢) ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) : أعرضتم عن الوفاء بالميثاق، بعد أخذه.

( فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ ) بالتّوبة، بعد نكثكم الميثاق الّذي وواثقتموه،( وَرَحْمَتُهُ ) بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ يدعوكم إلى الحقّ ويهديكم إليه،( لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٦٤) المغبونين بالانهماك في المعاصي، أو بالخبط والضّلال في فترة من الرّسل، أو بهما و «ولو» في الأصل، لامتناع الشيء، لامتناع غيره.

فإذا أدخل على لا أفاد إثباتا وهو امتناع الشيء لثبوت غيره. والاسم الواقع بعده عند سيبويه، مبتدأ، خبره واجب الحذف، لدلالة الكلام عليه وسدّ الجواب مسدّه، وعند الكوفيّين، فاعل فعل محذوف.

( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ) لـمّا اصطادوا السّموك فيه.

و «السّبت» مصدر. سبتت اليهود، إذا عظّمت يوم السّبت. وأصله: القطع. أمروا بأن يجرّدوه للعبادة فاعتدى ناس منهم في زمن داود. واشتغلوا بالصّيد.

( فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (٦٥): مبعدين عن كلّ خير.

والخساء، هو الصّغار والطّرد.

وقرئ قردة. (بفتح القاف وكسر الرّاء) وخاسين (بغير همزة).

[وفي أصول الكافي:(٣) عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يقول فيه ـ عليه السّلام: وكان من السّبيل والسّنّة الّتي أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بها موسى ـ عليه السّلام ـ أن جعل عليهم السّبت فكان من أعظم السّبت. ولم يستحلّ أن يفعل فيه(٤) . ذلك من خشية الله. أدخله [الله](٥) الجنّة. ومن استخفّ بحقّه واستحلّ ما حرّم الله عليه، من العمل الّذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله ـ عزّ وجلّ ـ النّار. وذلك حيث استحلّوا الحيتان، واحتبسوها، وأكلوها يوم السّبت، غضب الله عليهم، من غير أن يكونوا أشركوا بالرّحمن، ولا شكّوا في شيء ممّا جاء به موسى

__________________

(١) المصدر: العقاب.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الكافي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩، مقطع من ح ١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) يوجد في المصدر.

٣٤

ـ عليه السّلام. قال الله ـ عزّ وجلّ:( لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ. فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: سيكون قوم يعيشون على لهو وشرب الخمر والغناء. فبينما هم كذلك، إذ مسخوا من ليلتهم وأصبحوا قردة وخنازير. وهو قوله: واحذروا أن تعتدوا، كما اعتدى أصحاب السّبت، فقد كان أملى لهم، حتّى أشروا. وقالوا: إنّ السّبت لنا حلال. وإنّما كان حرّم على أوّلينا. وكانوا يعاقبون على استحلالهم السّبت. فأمّا نحن فليس علينا حرام. وما زلنا بخير منذ استحللناه.

وقد كثرت أموالنا. وصحّت أجسامنا. ثمّ أخذهم الله ليلا وهم غافلون. فهو قوله :واحذروا أن يحلّ بكم مثل ما حلّ بمن تعدّى وعصى.

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر صنفا ـ إلى أن قال ـ فأمّا القردة، فكانوا قوما [من بني إسرائيل كانوا](٣) ينزلون على شاطى البحر اعتدوا في السّبت. فصادوا الحيتان. فمسخهم الله قردة.

وفيه(٤) أيضا ـ عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ.

فقال: هم ثلاثة عشر: الفيل ـ إلى أن قال ـ وأمّا القردة، فقوم اعتدوا في السّبت.

وفيه(٥) ـ أيضا ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل في بيان الأيّام.

وفي آخره قال بعض مواليه: قلت: فالسّبت؟

قال: سبتت الملائكة لربّها(٦) يوم السّبت فوحّدته(٧) لم يزل واحدا أحدا(٨) .

وفي عيون الأخبار(٩) ، عن محمّد بن سنان، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث

__________________

(١) تفسير القمي.

(٢) الخصال / ٤٩٣، مقطع من ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤، مقطع من ح ٢.

(٥) نفس المصدر / ٣٨٤، ذيل ح ٦١.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بربّها.

(٧) المصدر: فوجدته.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) عيون الأخبار ٢ / ٩٤.

٣٥

طويل، يقول فيه: وكذلك حرّم القرد. لأنّه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته. وجعل فيه شبه(١) من الإنسان، ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.(٢)

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة. فتركوا يوم الجمعة. وأمسكوا يوم السّبت. فحرّم عليهم الصّيد يوم السّبت.

وبإسناده(٤) إلى عبد الله بن يزيد بن سلام، أنّه قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد سأله عن الأيّام الأسبوع: فالسّبت؟

قال: يوم مسبوت. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ في القرآن:(٥) ( الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فمن الأحد إلى [يوم](٦) الجمعة، ستّة أيّام. والسّبت معطّل.

قال: صدقت يا محمّد.(٧) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة](٨)

( فَجَعَلْناها ) ، أي: المسخة والعقوبة.

وعن الباقر ـ عليه السّلام(٩) : فجعلنا الأمّة.

[وفي مجمع البيان(١٠) : «فجعلناها»: الضّمير يعود إلى الأمّة الّتي مسخت. وهم أهل أيلة، قرية على شاطئ البحر. وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام].(١١)

( نَكالاً ) : عبرة، تنكل المعتبر بها، أي: تمنعه. ومنه النّكل، للقيد.

( لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها ) :

لما قبلها من الأمم وما بعدها، إذ ذكرت حالهم، في زبر الأوّلين، واشتهرت قصّتهم في الآخرين، أو لمعاصريهم ومن بعدهم، أو لما يحضرها من القرى وما تباعد عنها، أو لأهل

__________________

(١) المصدر: شبها.

(٢) المصدر: عليهم.

(٣) علل الشرائع / ٦٩، ح ١.

(٤) نفس المصدر / ٤٧١.

(٥) ق / ٣٨.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: يا رسول الله.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) مجمع البيان ١ / ١٣٠.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٦

ملك القرية وما حواليها، أو لأجل ما تقدّم عليها من ذنوبهم وما تأخّر منها.

( وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٦٦) من قومهم، أو لكلّ من سمعها.

( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) : سمّيت بقرة، لبقرها الأرض. والهاء ليست للتّأنيث. وإنّما هي لتدلّ على الوحدة، كالبطّة والدّجاجة والإوزّة والحمامة.

وأوّل هذه القصّة، قوله تعالى(١) :( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ ) . وإنّما فكّت عنه وقدّمت عليه، لاستقلاله بنوع آخر من مساوئهم. وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السّؤال وترك المسارعة في الامتثال.

وقصّته على

ما رواه العيّاشيّ،(٢) مرفوعا إلى الرّضا ـ عليه السّلام: أنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له. ثمّ أخذه فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل.

ثمّ جاء يطلب بدمه. فقال(٣) لموسى ـ عليه السّلام: إنّ سبط آل فلان قتل.(٤) فأخبرنا من قتله.

قال: آتوني ببقرة.

والمرويّ عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ(٥) في سبب قتله: أنّه قتله ليتزوّج بنته. وقد خطبها. فلم ينعم له. وقد خطبها غيره من خيار بني إسرائيل. فأنعم له فحسده ابن عمّه الّذي لم ينعم له. فعقد له قتله. ثمّ حمله إلى موسى ـ إلى آخر الحديث.

والمذكور في الكشّاف(٦) وغيره(٧) ، أنّه كان فيهم شيخ موسر. فقتل ابنه بنو أخيه، طمعا في ميراثه. وطرحوه على باب المدينة. ثمّ جاؤوا بدمه. فأمرهم أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها، ليحيى فيخبّرهم بقاتله.

( قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) : مكان هزء، أو أهله، أو مهزوء بنا، أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء، استبعادا لما قاله، أو استخفافا به.

وقرئ هزء (بضمّتين وبسكون الزاء، بالهمزة في الصّورتين وبضمّتين والواو.)

__________________

(١) البقرة / ٧٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧.

(٣) المصدر: فقالوا.

(٤) المصدر: قتل فلانا.

(٥) تفسير القمي ١ / ٤٩.

(٦) الكشاف ١ / ١٤٨.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٣٤.

٣٧

( قالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) . (٦٧) :

لأنّ الهزء في مقام الإرشاد، جهل وسفه.

والعياذ واللّياذ، من واد واحد.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) :

لمّا رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته، فسألوا عنها بما المطلوبة بها الحقيقة. وإلّا، فالمقصود، بيان الحال والصّفة.

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) : لا مسنّة ولا فتيّة.

يقال فرضت البقرة فروضا، من الفرض وهو القطع، كأنّها فرضت سنّها.

وتركيب البكر للأوّليّة. ومنه البكرة والباكورة.

( عَوانٌ ) : نصف.

قال الطّرمّاح :

طوال مثل أعناق الهوادي

نواعم بين أبكار وعون

( بَيْنَ ذلِكَ ) ، أي: ما ذكر من الفارض والبكر. ولذلك أضيف إليه البين. فإنّه لا يضاف إلّا إلى متعدّد.

وفي رواية العيّاشيّ،(١) مرفوعا إلى الرّضا ـ عليه السّلام: أنّهم لو ذبحوا أي بقرة أرادوا، لأجزأتهم. ولكن شدّدوا على أنفسهم، فشدّد الله عليهم.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة. فلا يلزمه تأخير البيان، عن وقت الحاجة.

قيل(٢) : ويلزمه النّسخ، قبل الفعل. فإنّ التّخصيص، أو التّقييد، إبطال للتّخيير الثّابت بالنّصّ. وفيه نظر. لأنّ كون التّخيير فيه، حكما شرعيّا ممنوع، إذ الأمر بالمطلق لا يدلّ إلّا على إيجاب ماهيّته من حيث هي بلا شرط. لكن لـمّا لم تتحقّق الماهيّة من حيث هي، إلا في ضمن فرد معيّن، جاء التّخيير، عقلا من غير دلالة النّصّ عليه.

( فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ) (٦٨) أي: ما تؤمرونه، يعني: ما تؤمرون به. فحذف الجار.

وأوصل الفعل. ثمّ حذف العائد المنصوب من قوله :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نسب

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

٣٨

أو أمركم بمعنى: مأموركم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟ قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) :

الفقوع، أشدّ ما يكون من الصّفرة وأنصعه. يقال في التّأكيد: أصفر فاقع ووارس، كما يقال: أسود حالك وحانك.(١) وفي إسناده إلى اللّون وهو صفة صفراء لملابسته بها، فضل تأكيد. كأنّه قيل: صفراء شديدة الصّفرة صفرتها. فانتزع من الصّفرة، صفرة وأسند الفقوع إليها. فهو من قبيل جدّ جدّه وجنونك مجنون.

وعن الحسن(٢) : سوداء شديدة السّواد. وبه فسّر قوله تعالى(٣) :( جِمالَتٌ صُفْرٌ ) .

وقال الأعشى(٤) :

تلك خيلي منه وتلك ركابي

هنّ صفر أولادها كالزّبيب

ولعلّه عبّر بالصّفرة عن السّواد، لأنّها من مقدّماته، أو لأنّ سواد الإبل يعلوه صفرة.

وفيه أنّ الصّفرة بهذا المعنى، لا يؤكّد بالفقوع. وأنّ الإبل وإن وصفت به، فلا يوصف به البقر.

( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) (٦٩)، أي: يوقعهم في السّرور (بالفتح) وهو لذّة في القلب، عند حصول نفع، أو توقعه من السّرّ (بالضّمّ) كأنّه يحصل لهم من رؤيتها نفع، أو توقعه.

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) ـ أنّه قال: من لبس نعلا صفراء، لم يزل مسرورا حتّى يبليهما، كما قال الله تعالى( صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ )

وعن أمير المؤمنين(٦) ـ عليه السّلام: أنّ من لبس نعلا صفراء، قلّ همّه لقوله تعالى( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) .

( قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) ؟ :

كرّر السّؤال الأول، لزيادة الاستكشاف. وقوله:( إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ) : اعتذار عنه، أي: إنّ البقر الموصوف بالتّعوين وفقوع الصّفرة، كثير. فاشتبه علينا.

__________________

(١) أ: حافك. ر: حائك. (٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٣) المرسلات / ٣٣. (٤) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٥) الكافي ٦ / ٤٦٦، ح ٥ ـ ٦ مجمع البيان ١ / ١٣٥.

(٦) الكشاف ١ / ١٥٠.

٣٩

وقرئ الباقر. وهو اسم لجماعة البقرة، والأباقر والبواقر(١) .

و «يتشابه» (بالياء والتّاء)، و «يشابه» (بالياء والتّاء) وتشديد الشّين، بإدغام تاء التّفاعل فيها.

و «تشابهت» (مخفّفا ومشدّدا) إمّا بزيادة الألف في باب التّفعيل، أو بإلحاق التّاء السّاكنة بالمضارع، إلحاقا له بالماضي.

و «تشبه» بحذف إحدى التّائين، من مضارع تفعل. و «يشبه» بالتّذكير، ومتشابه ومتشابهة ومشتبه ومتشبّه ومشتبهة.

( وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) (٧٠) إلى المراد ذبحها، أو إلى القاتل.

روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٢) أنّه قال: وأيم الله! لو لم يستثنوا، ما بيّنت لهم آخر الأبد.

واحتجّ به الأشاعرة، على أنّ الحوادث، بإرادة الله تعالى. وأن الأمر قد ينفكّ عن الإرادة. وإلّا لم يكن للشّرط بعد الامر معنى! والكراميّة والمعتزلة على حدوث الإرادة.(٣) ويردّ عليهم: أنّ هذا إنّما يمكن الاستدلال به، إذا كان من كلامه تعالى، لا على سبيل الحكاية. وليس كذلك. فإنّه حكاية لما يقولونه. ويحتمل أن لا يكون حقّا في نفس الأمر. وإذا قام ذلك الاحتمال، لم يمكن الاستدلال. ولو سلم، فيردّ على الأشاعرة، وجوه من النّظر :

الأوّل: أنّ الآية يحتمل أن يكون المراد بها أنّه إن شاء الله هدايتنا. لكنّا مهتدين على سبيل الجزم. ولو لم يشأ، يحتمل الاهتداء وعدمه.

[الثّاني: أنّه إنّما يتمّ لو كان الإرادة والمشيئة بمعنى واحد. وهو ممنوع. فلو دلّت الآية على أنّ الحوادث بمشيّة الله، فلم تدلّ على أنّها بإرادته].(٤) الثّالث:(٥) أنّ قولهم: دلّت الآية على أنّ الأمر قد ينفك عن الإرادة، ممنوع.

والملازمة الّتي ادّعوها في بيانه، ممنوعة. لأنّ معنى الشّرط بعد الأمر، أنّه تعالى لو شاء هدايتهم، لهداهم، أي: لو لم يشأ، لم يهدهم. وذلك لا ينافي أنّه شاء أمرهم، فأمرهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٢) الكشاف ١ / ١٥١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أ: الثاني.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493