تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183269 / تحميل: 5544
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

سليمان كافرا ساحرا ماهرا. بسحره ملك ما ملك، وقدر على(١) ما قدر. فرد الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم. فقال:( وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) . ولا استعمل السّحر [، كما قال هؤلاء الكافرون.( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ](٢) الذي نسبوه إلى سليمان وإلى ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.

وكان بعد نوح ـ عليه السّلام ـ قد كثر السّحرة المموّهون(٣) . فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزّمان، يذكر ما يسحر به السحرة. وذكر ما يبطل به سحرهم، ويردّ به كيدهم. فتلقّاه النّبيّ، عن الملكين. وأدّاه إلى عباد الله، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وأمرهم(٤) أن يقفوا به على السّحرة. وان يبطلوه. ونهاهم أن يسحروا به النّاس. وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو، وعلى ما يدفع به غائلة السّمّ.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) ، يعني: أنّ ذلك النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أمر الملكين، أن يظهرا للنّاس بصورة بشرين، ويعلّماهم ما علّمهما(٥) الله من ذلك. فقال الله ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ) ذلك السّحر وإبطاله،( حَتَّى يَقُولا ) للمتعلّم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) وامتحان للبلاء(٦) ، ليطيعوا الله فيما يتعلّمون من هذا، ويبطلوا به كيد السّحرة. ولا يسحروهم. «فلا تكفر» باستعمال هذا السّحر وطلب الإضرار به ودعاء النّاس إلى أن يعتقدوا أنّك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله ـ عزّ وجلّ. فأنّ ذلك كفر. قال الله تعالى: «فيتعلّمون»، يعني: طالبي السّحر، «منهما»، يعني: ممّا كتبت الشّياطين على ملك سليمان، من النّيرنجات وما(٧) أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، «يتعلّمون من» هذين الصّنفين،( ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) . هذا من يتعلّم للإضرار(٨) بالناس. يتعلّمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والإيهام، وأنّه قد دفن في موضع كذا، وعمل كذا لتحبّب المرأة إلى

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: والمموّهون.

(٤) المصدر: فأمرهم.

(٥) الأصل ور: علّمهم.

(٦) المصدر: للعباد. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: مما.

(٨) المصدر: من يتعلّم الإضرار.

وأشار في الهامش إلى أنّه في بعض النسخ كما موجود في المتن هنا.

١٠١

الرّجل والرّجل إلى المرأة، أو(١) يؤدي إلى الفراق بينهما.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، أي: ما المتعلّمون لذلك(٢) بضارّين به من أحد، إلّا بإذن الله، يعني: بتخلية الله وعلمه. وإنّه لو شاء، لمنعهم بالجبر والقهر.

ثمّ قال:( وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ) . إذا تعلّموا ذلك السّحر، ليسحروا به، ويضرّوا، قد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه. بل ينسلخون عن دين الله بذلك. ولقد علّم هؤلاء المتعلّمون لمن اشتراه بدينه الّذي ينسلخ عنه بتعلّمه،( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ، أي: من نصيب في ثواب الجنّة.

ثمّ قال تعالى:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) . ورهنوا(٣) بالعذاب،( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا الآخرة، وتركوا نصيبهم من الجنّة. لأنّ المتعلّمين لهذا السّحر الّذين يعتقدون أنّ لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور. فقال:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) . لأنّهم يعتقدون(٤) أنّها إذا لم تكن آخرة، فلا خلاق لهم في دار بعد الدّنيا. وإن كان بعد الدّنيا، آخرة. فهم مع كفرهم بها، لا خلاق لهم فيها.

ثمّ قال:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) (٥) » إذ باعوا الآخرة بالدّنيا ورهنوا بالعذاب الدّائم أنفسهم،( لَوْ [كانُوا ]) (٦) ( يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب. ولكن لا يعلمون ذلك، لكفرهم به، فلمّا تركوا النّظر في حجج الله، حتّى يعلموا أنّهم عذّبهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحقّ.

قال يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما: إنّهما قالا: فقلنا للحسن، أبي القائم ـ عليه السّلام(٧) : فإنّ قوما عندنا، يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما(٨) الملائكة لـمّا كثر عصيان بني آدم، وأنزلهما مع ثالث لهما، إلى الدّنيا(٩) ، وإنّهما قد افتتنا بالزّهرة، وأرادا الزّنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النّفس المحرّمة، وإنّ الله ـ عزّ

__________________

(١) المصدر: و.

(٢) المصدر: بذلك. وهو الظاهر.

(٣) المصدر: رهنوها. وهو الظاهر.

(٤) المصدر: لأنّهم يعتقدون أنّ لا آخرة فهم يعتقدون.

(٥) المصدر: أنفسهم بالعذاب.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: للحسن بن عليّ.

(٨) المصدر: اختارهما الله.

(٩) المصدر: دار الدنيا.

١٠٢

وجلّ ـ يعذّبهما ببابل، وإنّ السّحرة منهما يتعلّمون السّحر، وإنّ الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الّذي هو الزّهرة.

فقال الإمام ـ عليه السّلام: معاذ الله من ذلك. إن (الملائكة)(١) معصومون محفوظون من الكفر والقبائح، بألطاف الله تعالى. قال الله تعالى فيهم(٢) : «( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ. وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) . وقال ـ عزّ وجلّ(٣) :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَمَنْ عِنْدَهُ ) ، يعني: الملائكة، «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ. وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ . وقال الله تعالى(٤) في الملائكة ـ أيضا:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ. وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) .

ثمّ قال ـ عليه السّلام: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه على(٥) الأرض. وكانوا كالأنبياء في الدنيا و(٦) كالأئمّة. فيكون من الأنبياء والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ قتل النّفس والزّنا.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: أو لست تعلم أنّ الله تعالى لم يخل الدّنيا قطّ من نبيّ(٧) أو إمام من البشر؟ أو ليس الله يقول(٨) :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ) (٩) ، يعنى: إلى الخلق،( إِلَّا رِجالاً (نُوحِي ) (١٠) ( إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) ؟ فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض، ليكونوا أئمّة وحكّاما. وإنّما(١١) أرسلوا إلى أنبياء الله.

قالا: فقلنا: فعلى هذا(١٢) ، لم يكن إبليس ـ أيضا ـ ملكا؟

فقال: لا! بل كان من الجنّ. أما تسمعان الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(١٣) :

__________________

(١) المصدر: ملائكة الله.

(٢) التحريم / ٦.

(٣) الأنبياء / ١٩.

(٤) الأنبياء / ٢٨ ـ ٢٦.

(٥) المصدر: في.

(٦) المصدر: أو.

(٧) المصدر: من بني قط.

(٨) النحل ٤٣ ويوسف / ١٠٩ والأنبياء / ٢٥ والحج / ٥٢.

(٩) المصدر: قبلك من رسول.

(١٠) المصدر: يوحي.

(١١) المصدر: إنما كانوا.

(١٢) المصدر: هذا أيضا.

(١٣) الكهف / ٥٠.

١٠٣

( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ، كانَ مِنَ الْجِنِ ) ؟ فأخبر ـ عزّ وجلّ ـ أنّه كان من الجنّ. وهو الّذي قال الله تعالى(١) :( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

قال الإمام الحسن بن عليّ ـ عليه السّلام: حدّثني أبي، عن جدّي، عن الرّضا، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ اختارنا معاشر آل محمد واختار النّبيّين واختار الملائكة المقرّبين. وما اختارهم إلّا على علم منه بهم، أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، وينقطعون به عن عصمته، وينتهون به إلى المستخفّين بعذابه(٢) ونقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روى(٣) أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ لـمّا نصّ عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالإمامة، عرض الله تعالى ولايته في السّماوات على فئام من النّاس وفئام من الملائكة، فأبوها. فمسخهم الله ضفادع.

فقال ـ عليه السّلام: معاذ الله! هؤلاء المكذّبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله. فهم كسائر أنبيائه(٤) ورسله، إلى الخلق. أفيكون منهم الكفر بالله؟

قلنا(٥) : لا قال: فكذلك الملائكة. إنّ شأن الملائكة لعظيم وإنّ خطبهم لجليل.

حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه(٦) ـ قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم. قال: سمعت المأمون يسأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ عمّا يرويه النّاس من أمر الزّهرة، وإنّها امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

وما يروونه من أمر سهيل. وإنّه كان عشّارا باليمن.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: كذبوا في قولهم إنّهما كوكبان، وإنّما كانتا دابّتين من دوابّ البحر. فغلط النّاس. وظنّوا أنّهما كوكبان. وما كان الله تعالى ليمسخ أعداءه أنوار مضيئة، ثمّ يبقيها ما بقيت السّماوات والأرض. وإنّ المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام، حتّى ماتت. وما يتناسل منها شيء. وما على وجه الأرض مسخ اليوم. وانّ التي وقع عليها اسم المسوخة(٧) مثل القرد والخنزير والدّبّ وأشباهها، إنّما هي مثل ما مسخ الله تعالى على

__________________

(١) الحجر / ٢٧.

(٢) المصدر: لعذابه.

(٣) المصدر: روي لنا.

(٤) المصدر: أنبياء الله.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: قلت.

(٦) نفس المصدر ١ / ٢٧١، ح ٢.

(٧) المصدر: المسوخيّة.

١٠٤

صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم (رسل الله). وأمّا هاروت وماروت، فكانا ملكين علّما النّاس [السحر](١) ليحترزوا به من سحر السّحرة ويبطلوا به كيدهم. وما علّما أحدا من ذلك شيئا إلّا قالا له( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) فكفر قوم باستعمالهم لـمّا أمروا بالاحتراز منه. وجعلوا يفرّقون بما يعملون(٢) بين المرء وزوجه. قال الله تعالى:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، يعني: بعلمه.

عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. في تعداد الكبائر وبيانها، من كتاب الله. وفيه(٣) : يقول الصّادق ـ عليه السّلام: والسّحر، لأنّه تعالى يقول:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: إنّ سليمان بن داود ـ عليهما السّلام ـ أمر الجنّ(٥) . فبنوا له بيتا من قوارير. فبينما هو (متّك)(٦) على عصاه ينظر إلى الشّياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة، فإذا هو برجل معه في القبّة. ففزع منه. وقال: من أنت؟

فقال: أنا الّذي لا أقبل الرّشا. ولا أهاب الملوك. أنا ملك الموت. فقبضه وهو متك(٧) على عصاه. فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه. ويد أبون(٨) له، ويعملون، حتّى بعث الله الإرضة. فأكلت منسأته. وهي العصا. فلمّا خرّ تبيّنت الإنس، أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، ما لبثوا سنة في العذاب المهين. فالجنّ تشكر الإرضة بما عملت بعصا سليمان.

قال: فلا تكاد تراها في مكان إلّا وجد عندها ماء وطين. فلمّا هلك سليمان، وضع إبليس السّحر. وكتبه في كتاب. ثمّ طواه. وكتب على ظهره: «هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم. من أراد كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا.» ثمّ دفنه تحت سريره. ثمّ استأثره لهم. فقرأه. فقال الكافرون: ما كان

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: تعلّموه.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٨٦، مقطع من ح ٣٣.

(٤) تفسير القمي ١ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٥) المصدر: الجنّ والانس.

(٦) المصدر: متكئ. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: متكئ.

(٨) المصدر: يدانون.

١٠٥

سليمان يغلبنا إلّا بهذا. وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيّه. فقال الله ـ جلّ ذكره:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ. وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) .

وما روى في كتاب الخصال(١) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: إنّ المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر ـ إلى أن قال ـ وأمّا الزهرة، فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت. فمسخها [الله](٢) كوكبا(٣) .

وعن جعفر بن محمّد(٤) ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ. فقال: هي(٥) ثلاثة عشر ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة نصرانيّة. وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل. وهي الّتي فتن بها هاروت وماروت. وكان اسمها ناهيد(٦) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٧) ، بإسناده إلى محمّد بن الحسن بن علان، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام. حديث طويل. يقول فيه: ومسخت الزّهرة. لأنّها كانت امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

بإسناده(٨) إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام. حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة. فإنها كانت امرأة تسمّى ناهيد. وهي الّتي تقول النّاس إنّه افتتن بها هاروت وماروت.

وبإسناده(٩) إلى عليّ بن جعفر، عن مغيرة، عن أبي عبد الله ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة فتنت(١٠) هاروت وماروت. فمسخها الله ـ عزّ وجلّ ـ زهرة(١١) .

وفي تفسير عليّ بن ابراهيم(١٢) ، حدّثنى أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن

__________________

(١) الخصال / ٤٩٣.

(٢) يوجد في ر والمصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤.

(٥) المصدر: هم.

(٦) المصدر: وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد.

(٧) علل الشرائع: ٤٨٥ ـ ٤٨٦، مقطع من ح ١.

(٨) نفس المصدر / ٤٨٦، ذيل ح ٢.

(٩) نفس المصدر / ٤٨٨ ـ ٤٧٧.

(١٠) المصدر: فتن بها.

(١١) متقدم على حديث تفسير على بن إبراهيم السابق.

(١٢) تفسير القمي / ٥٤ ـ ٥٨.

١٠٦

رئاب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سأله عطاء ونحن بمكة، عن هاروت وماروت. فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السّماء إلى الأرض، في كلّ يوم وليلة، يحفظون أعمال(١) أوساط أهل الأرض، من ولد آدم والجن، فيكتبون(٢) أعمالهم. [و] يعرجون بها إلى السّماء.

قال: فضجّ أهل السماء، من معاصي أهل الأرض.(٣) فتؤامروا(٤) فيما بينهم ممّا يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله ـ تبارك وتعالى ـ وجرأتهم عليه. ونزّهوا الله ممّا يقول فيه خلقه ويصفون. فقال طائفة من الملائكة: يا ربّنا! أمّا(٥) تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك وممّا يصفون فيك الكذب ويقولون الزّور ويرتكبون المعاصي؟ وقد نهيتهم عنها. ثمّ أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأحبّ الله أن يري الملائكة القدرة، ونفاد أمره في جمع خلقه، ويعرّف الملائكة ما منّ به عليهم ممّا(٦) عدله عنهم من صنع خلقه، وما طبعهم عليه من الطّاعة، وعصمهم من الذّنوب.

قال: فأوحى الله إلى الملائكة، ان انتدبوا(٧) منكم ملكين، حتّى أهبطهما إلى الأرض. ثمّ أجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلته في ولد آدم. ثمّ أختبرهما في الطّاعة لي.

قال(٨) : فندبوا لذلك هاروت وماروت. وكانا أشدّ(٩) الملائكة قولا في الغيب لولد آدم واستئثار غضب الله عليهم.

[قال :](١٠) فأوحى الله إليهما، أن «اهبطا إلى الأرض. فقد جعلت فيكما من طبائع

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: ويكتبون.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: أهل أوساط الأرض. وكذا في تفسير العياشي ١ / ٥٢ وتفسير الصافي ١ / ١٢٧.

(٤) كذا والظاهر: فتآمروا.

(٥) المصدر وتفسير العياشي: ما.

(٦) المصدر: وممّا.

(٧) المصدر: انتحبوا. تفسير العياشي: اندبوا. وقيل في هامشه: وفي بعض النسخ «انتدابوا» وهو بمعناه. واستظهره المجلسي ـ ره ـ في البحار.

(٨) ليس في المصدر ويوجد في العياشي.

(٩) المصدر والعياشي: من أشدّ.

(١٠) يوجد في المصدر وفي العياشي ـ أيضا.

١٠٧

المطعم والمشرب(١) والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلت في ولد آدم(٢) .» قال: ثمّ أوحى الله إليهما: «انظرا أن لا تشركا بي شيئا. ولا تقتلا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحق(٣) . ولا تزنيا. ولا تشربا الخمر.» قال: ثمّ كشط عن السّماوات السّبع، ليريهما قدرته. ثمّ أهبطهما إلى الأرض، في صورة البشر ولباسهم. فهبطا ناحية بابل. فرفع(٤) لهما بناء مشرف(٥) . فأقبلا نحوه. فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزيّنة عطرة مسفرة مقبلة(٦) نحوهما.

قال: فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها(٧) ، وقعت في قلوبهما موقعا شديدا، لموضع الشّهوة الّتي جعلت فيهما. فرجعا إليها، رجوع فتنة وخذلان. وراوداها عن نفسها.

فقالت لهما: إنّ لي دينا أدين به. وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما، إلى ما تريدان، إلّا أن تدخلا في ديني الّذي أدين به.

فقالا لها: وما دينك؟

قالت: لي إله من عبده وسجد له، كان علىّ(٨) السّبيل، إلى أن أجيبه، إلى كلّ ما سألني.

فقالا لها: وما إلهك؟

قالت: إلهي هذا الصّنم.

قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: «هاتان خصلتان ممّا نهينا عنه(٩) ، الشّرك والزّنا. لأنّا إن سجدنا لهذا الصّنم وعبدناه، أشركنا بالله. وإنّما نشرك بالله لنصل إلى الزّنا.

وهو ذا نحن نطلب الزّنا. فليس نخطأ إلّا بالشّرك.» فائتمرا بينهما. فغلبتهما الشّهوة الّتي جعلت فيهما.

فقالا لها: فإنّا نجيبك إلى ما سألت.

__________________

(١) المصدر: الطعام والشراب.

(٢) الفقرة الأخيرة، ليس في العياشي.

(٣) «إلّا بالحق»، ليس في المصدر.

(٤) كذا في الأصل ور والعياشي. وفي المصدر: فوقع.

(٥) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مشرق

(٦) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مقبلة مسفرة.

(٧) ر: فلمّا نظر إليهما وناطقاهما وتأمّلاهما.

(٨) المصدر: لي.

(٩) المصدر: نهانا عنهما.

١٠٨

فقالت: فدونكما. فاشربا هذا الخمر. فإنّه قربان لكما عنه(١) وبه تصلون إلى ما تريدان.

فائتمرا بينهما. فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهانا عنها ربّنا، الشرك والزّنا وشرب الخمر. وإنّما ندخل في شرب الخمر والشّرك، حتّى نصل إلى الزّنا.

فائتمرا بينهما. فقالا: ما أعظم بليتنا(٢) بك. وقد أجبناك إلى ما سألت.

قالت: فدونكما. فاشربا من هذا الخمر. واعبدا هذا الصّنم. واسجدا له.

فشربا الخمر. وعبدا الصّنم. ثمّ راوداها عن نفسها. فلمّا تهيّأت لهما، وتهيّئا لها، دخل عليهما سائل يسأل. فلمّا أن رآهما ورأياه، ذعرا منه.

فقال لهما: إنّكما لمريبان(٣) ذعران. فقد خلوتما(٤) بهذه المرأة العطرة الحسناء. إنّكما لرجلا سوء.

وخرج عنهما. فقالت لهما: لا وإلهي! ما تصلان الآن إليّ. وقد اطّلع هذا الرّجل على حالكما. وعرف مكانكما. ويخرج الآن ويخبر بخبركما. ولكن بادرا إلى هذا الرّجل.

فاقتلاه قبل أن يفضحكما ويفضحني. ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما. وأنتم مطمئنّان آمنان.

قال: فقاما إلى الرّجل. فأدركاه. فقتلاه. ثمّ رجعا إليها. فلم برياها. وبدت لهما سوآتهما. ونزع عنهما رياشهما. وأسقط في أيديهما.

قال: فأوحى الله إليهما: إنّما أهبطتكما إلى الأرض، مع خلقي ساعة من النّهار.

فعصيتماني بأربع من معاصي كلّها قد نهيتكما عنها. [وتقدّمت إليكما فيها].(٥) فلم تراقباني.

ولم تستحيا منّي. وقد كنتما أشدّ من نقم على أهل الأرض بالمعاصي. واستجرّ(٦) غضبي وأسفي عليهم. ولمّا جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إيّاكما من المعاصي، فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدّنيا أو عذاب الآخرة؟

فقال أحدهما لصاحبه: نتمتّع من شهواتنا(٧) في الدّنيا، إذ صرنا إليها إلى نصير، إلى عذاب الآخرة.

__________________

(١) المصدر: عنده.

(٢) المصدر: البلية.

(٣) المصدر: لامرآن.

(٤) المصدر: فدخلتما.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: للمعاصي. واستنجر.

(٧) المصدر: شهواتها.

١٠٩

فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنيا، له مدّة وانقطاع. وعذاب الآخرة، قائم لا انقضاء له. فلسنا نختار عذاب الآخرة الدّائم الشّديد، على عذاب الدّنيا المنقطع الفاني.

قال: فاختارا عذاب الدّنيا. وكانا يعلّمان النّاس السّحر، في أرض بابل. ثمّ لـمّا علّما النّاس السّحر، رفعا من الأرض إلى الهواء. فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء، إلى يوم القيامة.

فهو موافق لمذهب العامّة.

وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) بولاية الشّياطين،( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٢) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال السّائل له ـ عليه السّلام: فمن أين علم الشّياطين السّحر؟

قال: من حيث عرف الأطباء الطّب، بعضه تجربة وبعضه علاج.

قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟ وما يقول النّاس بأنهما يعلّمان النّاس السّحر؟

قال: إنّهما موضع ابتلاء وموقف فتنة بتسبيحهما اليوم، لو فعل الإنسان كذا وكذا، لكان كذا وكذا. ولو يعالج بكذا وكذا، لصار كذا أصناف السّحر فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما. فيقولان لهم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) . فلا تأخذوا عنها ما يضرّكم ولا ينفعكم.

قال: أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار، أو غير ذلك؟

قال: هو أعجز من ذلك. وأضعف من أن يغيّر خلق الله. إنّ من أبطل ما ركّبه الله وصوّره وغيّره، فهو شريك الله في خلقه. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا].(٣)

( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) بالرّسول وما جاء به،( وَاتَّقَوْا ) بترك المخالفة،( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (١٠٣) جهلهم، لترك التّدبّر، أو(٤) العمل

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٤٠.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٨٢، مع اختلاف قليل.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) ر: و.

١١٠

بالعلم.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) :

[في أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه الطّيّار(٢) ، عن ابن أبي عمير، عن جميل. قال: كان الطّيّار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة. وإنّما أمرت الملائكة بالسّجود لآدم.

فقال: إبليس لا اسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، وليس هو من الملائكة؟

قال: فدخلت أنا وهو، على أبي عبد الله ـ عليه السّلام: قال: فأحسن والله في المسألة.

فقال: جعلت فداك! أرأيت ما ندب الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه المؤمنين من قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أدخل في ذلك المنافقون معهم؟

قال: نعم. والضّلّال وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة. وكان إبليس ممّن أقرّ بالدّعوة الظّاهرة، معهم.

وفي روضة الكافي(٣) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج. قال سأل الطّيّار أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا عنده. فقال له: جعلت فداك! أرأيت(٤) قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) في غير مكان من مخاطبة المؤمنين؟ أيدخل في هذا المنافقون؟

قال: نعم. يدخل في هذا المنافقون والضّلّال وكل من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وقد تقدّم هذان الحديثان](٥)

( لا تَقُولُوا راعِنا. وَقُولُوا انْظُرْنا ) :

كان المسلمون يقولون لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا(٦) ، يا رسول الله!، أي: راقبنا. وتأنّ بنا حتّى نفهمه ونحفظه. وكانت لليهود كلمة(٧) يتسابّون بها عبرانيّة، كما قال الباقر ـ عليه السّلام(٨) ـ وهي راعينا. فلمّا سمعوا

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤١٢، ح ١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الكافي ٨ / ٢٧٤، ح ٤١٣. مع تلخيص في أوائل الحديث.

(٤) المصدر: رأيت.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أ: راعنا، افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون.

(٧) ر. مجمع البيان ١ / ١٧٨.

(٨) ليس في ر.

١١١

بقول(١) المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهم يعنون به تلك المسبّة، فنهي المؤمنون عنها. وأمروا بما هو في معناها. وهو انظرنا بمعنى انظر إلينا، وانتظرنا من نظره إذا انتظره.

وقرئ «أنظرنا»، من الإنظار، بمعنى الإمهال، و «راعونا» على لفظ الجمع، للتّوقير، و «راعنا» (بالتّنوين)، أي: قولا ذا رعن، نسبة إلى الرّعن. وهو الهوج(٢) ، لمشابهة قولهم راعينا.

( وَاسْمَعُوا ) ، أي: أحسنوا الاستماع لما يكلّمكم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ويلقي عليكم من المسائل بآذان(٣) واعية وأذهان حاضرة، حتّى لا تحتاجوا إلى الاستعارة وطلب المراعاة.

أو: واسمعوا، سماع(٤) قبول وطاعة. لا يكن مثل سماع اليهود، حيث قالوا: سمعنا وعصينا.

او: واسمعوا ما أمرتم به بجدّ، حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه.

( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٠٤)، يعني: للّذين تهاونوا بالرّسول، عذاب موجع مؤلم.

( ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ) :

نزلت تكذيبا لجمع من الكافرين يظهرون مودّة المؤمنين ويزعمون أنّهم يودّون لهم الخير.

والمودة: محبّة الشيء، مع تمنّيه. ولذلك يستعمل في كلّ منهما.

و «من»، للتّبيين. لأنّ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) جنس، تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون.

( أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) :

مفعول «يودّ».

و «من» الأولى، مزيدة للاستغراق، والثّانية، للابتداء.

والمراد بالخير، ما يعمّ الوحي والعلم والنّصرة.

__________________

(١) ليس في ر. وأ: يقول.

(٢) أ: الهرج.

(٣) ر: بإذن.

(٤) ر: إسماع.

١١٢

( وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) :

روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) : أنّ المراد برحمته هاهنا، النّبوّة.

وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ ـ رحمه الله ـ عمّن رواه، بإسناده عن أبيّ بن صالح، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الرّضا، عن أبيه موسى، ان أبيه جعفر ـ صلوات الله عليهم ـ في قوله تعالى( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) ، قال: المختصّون(٣) بالرّحمة، نبيّ الله ووصيّه وعترتهما. إنّ الله تعالى خلق مائة رحمة: فتسع وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد وعليّ وعترتهما. ورحمة واحدة، مبسوطة على سائر الموجودين].(٤)

( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (١٠٥) :

فيه إشعار بأنّ النّبوّة من فضله، وأنّ كلّ خير نال عباده في دينهم أو دنياهم، فإنّه من عنده، ابتداء منه، إليهم، وتفضّلا عليهم، من غير استحقاق منهم لذلك عليه. فهو عظيم الفضل ذو المنّ والطّول.

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) :

نزلت لـمّا قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر، ثمّ ينهاهم عنه. ويأمرهم بخلافه؟

والنّسخ»، في اللّغة، إزالة الصّورة عن الشيء وإثباتها في غيره، كنسخ الظّلّ للشّمس. ومنه التّناسخ. ثمّ استعمل في كلّ منهما، كقولك: نسخت الرّيح الأثر. ونسخت الكتاب.

ونسخ الآية، بيان انتهاء التّعبّد بها :

إمّا بقراءتها فقط، كآية الرّجم. فقد قيل: إنّها كانت منزلة فرفع لفظها(٥) . فقط، دون حكمها.

أو بالعكس، كقوله(٦) :( إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٧٩.

(٢) تأويل الآيات الباهرة / ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) المصدر: المختصّ.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٨٠.

(٦) الممتحنة / ١١.

١١٣

(الاية) فهذه الاية ثابتة في الخطّ، مرتفعة الحكم.

أو بهما، كما روي عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم. فإنّه كفر بكم.» فرفع وإنساؤها إذهابها، عن القلوب.

و «ما»، شرطيّة جازمة، لننسخ. منتصبة به على المفعوليّة.

( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ، أي: بما هو خير للعباد في النّفع والثّواب، أو مثلها في الثّواب.

[وقرأ ابو عمرو(١) بقلب الهمزة ألفا].(٢)

[وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب. قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر. وقلقت لذلك. فلا تغتمّ. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وصاحبك بعدك أبو محمّد ابني. وعنده ما تحتاجون إليه. يقدّم ما يشاء الله ويؤخّر ما يشاء.(٤) ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) وقد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عمر بن يزيد. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ».

فقال: كذبوا. ما هكذا هي إذا كان ينسخها. نأت بمثلها ينسخها(٦) .

قلت: هكذا قال الله؟

قال: ليس هكذا قال الله ـ تبارك وتعالى.

قلت: فكيف قال؟

قال: ليس فيها ألف ولا واو. قال:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) . يقول: ما نميت من إمام، أو ننسه ذكره، نأت بخير منه من صلبه مثله.

وفيه(٧) : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٥.

(٢) ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٣٢٨، ح ١٢.

(٤) المصدر: ما يشاء الله.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٦، ح ٧٨.

(٦) المصدر: «فعال: كذبوا ما هي إذا كان ينسى وينسخها أو يأت بمثلها لم ينسخها.» وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ١ / ٥٥، ح ٧٧.

١١٤

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) قال: النّاسخ ما حوّل. وما ينسيها، مثل الغيب الّذي لم يكن بعد، كقوله(١) : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

قال: فيفعل الله ما يشاء. وما يحوّل ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له. فرحمهم.

ومثل قوله(٢) : فتولّ عنهم فما أنت بملوم.

قال: أدركتهم رحمته].(٣)

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٦). فهو يقدر على النّسخ والإتيان، بمثل المنسوخ، وبما هو خير منه؟

( أَلَمْ تَعْلَمْ ) :

الخطاب للنّبيّ. والمراد هو وأمّته، لقوله:( أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) : يملك أموركم. ويدبّرها على حسب ما يصلحكم. وهو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ؟

( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٠٧) الفرق بين «الوليّ» و «النّصير»، أنّ «الوليّ» قد يضعف عن النصرة.

و «النّصير» قد يكون أجنبيّا عن المنصور.

( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ ) :

لمّا بيّن لهم أنّه مالك أمورهم، ومدبّرها على حسب مصالحهم، من نسخ الآيات وغيره، وقرّدهم على ذلك بقوله «ألم تعلم»، أراد أن يوصيهم بالثّقة به فيما هو أصلح لهم، ممّا يتعبّدهم به وينزل عليهم، وأن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى، من الأشياء الّتي كانت عاقبتها وبالا عليهم.

قيل(٤) : نزلت في أهل الكتاب، حين سألوا أن ينزّل [الله](٥) عليهم كتابا من السّماء. وقيل: في المشركين، لـمّا قالوا لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.

( وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ ) ومن ترك الثّقة بالآيات المنزلة وشكّ فيها واقترح غيرها.

__________________

(١) الرعد / ٣٩.

(٢) الذاريات / ٥٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٥) يوجد في المصدر.

١١٥

( فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) (١٠٨)، أي: الطّريق المستقيم حتّى وقع في الكفر، بعد الإيمان.

( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ) :

روى(١) أنّ فنحاص بن عازورا وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم؟ ولو كنتم على حقّ ما هزمتم. فارجعوا إلى ديننا. فهو خير لكم، وأفضل. ونحن أهدى منكم سبيلا.

فقال عمّار: كيف نقض العهد فيكم؟

قالوا: شديد.

قال: فإنّي عاهدت أن لا أكفر بمحمّد ما عشت.

فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا.

قال حذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا، وبالقرآن اماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا.

ثمّ أتيا رسول الله. وأخبراه. فقال: أصبتما خيرا. وأفلحتما، فنزلت.

وعن ابن عبّاس(٢) : أنّها نزلت في حيّ بن أخطب وأخيه أبي ياسر بن أخطب.

وقد دخلا على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين قدم المدينة. فلمّا خرجا قيل لحيّ: هو نبيّ.

قال: هو هو.

فقيل: فما له عندك؟

قال: العداوة إلى الموت.

وهو الّذي نقض العهد. وأثار الحرب يوم الأحزاب.

وقيل(٣) : نزلت في كعب بن الأشرف.

( حَسَداً ) : علّة ود(٤) .

( مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) :

امّا متعلّق بودّ، أي: تمنّوا ذلك من عند أنفسهم، وتشبيههم لا من قبل التّديّن والميل مع الحقّ، أو بحسدا، أي: حسدا منبعثا من أصل نفوسهم.

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٧٦.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ليس في أ.

١١٦

( مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ ) بالمعجزات والنّعوت المذكورة في التوراة.

( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) :

«العفو»: ترك عقوبة المذنب. و «الصّفح»: ترك تثريبه.

( حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) الّذي هو الإذن في قتالهم، وضرب الجزية عليهم، أو قتل قريظة، وإجلاء بني النضير.

قيل(١) : إنّ هذه الآية، منسوخة. فقال بعضهم: بقوله(٢) :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وبعضهم: بآية السّيف. وهو قوله(٣) :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ».

والمرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام، أنّه قال(٤) : لم يؤمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بقتال، ولا أذن له فيه، حتّى نزل جبرئيل بهذه الآية(٥) :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) وقلّده سيفا.

( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٩)، فيقدر على الانتقام منهم.

( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) : عطف على «فاعفوا». كأنّه أمرهم بالصّبر والالتجاء إلى الله، بالعبادة والبرّ.

( وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ) ، كصلاة، أو صدقة. وقرئ(٦) [تقدموا](٧) من أقدم،( تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ ) ، أي: ثوابه.

( إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (١١٠): لا يضيع عنده عمل عامل.

وقرئ(٨) بالياء. فيكون وعيدا. «وَقالوا» عطف على «ودّ» والضّمير لأهل الكتاب.

( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً ) : جمع هائد، كعوذ وعائذ وباذل وهو جمع للمذكّر والمؤنّث، على لفظ واحد.

والهائد: التّائب الرّاجع إلى الحقّ.

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٢) التوبة / ٢٩.

(٣) التوبة / ٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٥.

(٥) الحج / ٣٩.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع.

١١٧

وقيل(١) : مصدر. يصلح للواحد والجمع، كما يقال: رجل صوم وقوم صوم.

وقيل(٢) : أصله يهود: فحذفت الياء الزّائدة.

وعلى ما قلنا، فتوحيد الاسم المضمر وجمع الخبر، لاعتبار اللّفظ والمعنى.

( أَوْ نَصارى ) : سبق تحقيقه. والكلام على اللّفّ بين قولي الفريقين. والتّقدير: وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا. والنّصارى لن يدخل الجنّة، إلّا من كان نصارى، ثقة بأن السامع يرد إلى كلّ فريق قوله، وأمنا من الالتباس، لما علم من التّعادي بين الفريقين وتضليل كلّ واحد منهما، صاحبه.

( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) :

إشارة إلى الأمانيّ المذكورة. وهي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربّهم وأن يردّوهم كفّارا. وأن لا يدخل الجنّة غيرهم.

أو إلى ما في الآية على حذف مضاف، أي: أمثال تلك الأمنيّة المذكورة في الآية، أمانيّهم.

والجملة اعتراض.

والأمنيّة: أفعولة من التّمنّي، كالأضحوكة والأعجوبة والجمع الأضاحيك والأعاجيب.

( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) على اختصاصكم بدخول الجنّة.

والبرهان والحجّة والدّلالة والبيان، بمعنى واحد. وقد فرّق عليّ بن عيسى، بين الدّلالة والبرهان، بأن قال: «الدّلالة» قد ينبئ عن معنى فقط. لا يشهد لمعنى آخر. و «البرهان» ليس كذلك. لأنّه بيان عن معنى ينبئ عن معنى آخر. وقد نوزع في هذا الفرق. وقيل: «إنّه محض الدّعوى(٣) ».

( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (١١١) في دعواكم. فإنّ كلّ قول لا دليل عليه غير ثابت.

وفي هذه الآية، دلالة على فساد التّقليد في الأصول. الا ترى أنّه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوا ببرهان؟

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على جواز المحاجّة في الدّين.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

١١٨

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على أنّه لا حجّة في إجماع يخلو عن معصوم. وإلّا لجاز لهم أن يقولوا البرهان. إنّا أجمعنا على ما قلنا. فالمتمسّكون بالإجماع المذكور، أضلّون من محرّفي أهل الكتاب.

( بَلى ) : اثبات لما نفوه، من دخول غيرهم الجنّة.

( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) :

من(١) أخلص نفسه له، لا يشرك به غيره، أو قصده وتوجّهه له،( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) الّذي يستوجبه ثابتا،( عِنْدَ رَبِّهِ ) : لا يضيع ولا ينقص.

والجملة جواب «من»، إن كانت شرطيّة، وخبرها، إن كانت موصولة.

و «الفاء» لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. فيكون الرّدّ بقوله «بلى» وحده، أو يكون «من أسلم»، فاعلا لفعل محذوف، أي: بلى يدخلها من أسلم.

ويكون قوله «فله أجره»، كلاما معطوفا على يدخلها «من أسلم».

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١١٢) في الآخرة.

وهذا ظاهر على قول من يقول: أنّه لا يكون على أهل الجنّة خوف ولا حزن في الآخرة. وأمّا على قول من قال: بعضهم يخاف ثمّ يأمن، فمعناه أنّهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم. لأنّهم يكونون على ثقة، بأنّ ذلك لا يفوتهم.

[وفي كتاب الاحتجاج(٢) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ حديث طويل، عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه: قولوا( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) أي: نعبد واحدا. لا نقول كما قال الدّهريّة: «إنّ الأشياء لا بدو لها وهي دائمة.» ولا كما قال الثّنويّة الّذين قالوا: «إنّ النّور والظّلمة هما المدبّران.» ولا كما قال مشركوا العرب: «إنّ أوثاننا آلهة.» فلا نشرك بك شيئا. ولا ندعو من دونك إلها، يقول هؤلاء الكفّار. ولا نقول كما تقول النّصارى واليهود: «إنّ لك ولدا.» تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا.

قال: فذلك قوله.:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٥.

١١٩

وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفّار: ما قالوا؟

قال الله: يا محمّد!( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) الّتي يمنّونها بلا حجّة.( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) وحجّتكم على دعواكم،( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) كما أتى محمّد ببراهينه الّتي سمعتموها.

ثمّ قال:( بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) ، يعني: كما فعل هؤلاء الّذين آمنوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمعوا براهينه وحجّته( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله لله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) ، ثوابه( عِنْدَ رَبِّهِ ) ، يوم فصل القضاء،( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) حين يخاف الكافرون بما يشاهدونه من العقاب،( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) عند الموت. لأنّ البشارة بالجنان، تأتيهم.

وفيه(١) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: فالجدال بالّتي هي أحسن: قد قرنه العلماء بالدّين والجدال بغير الّتي هي أحسن، محرّم وحرّمه الله على شيعتنا.

وكيف يحرّم(٢) الجدال جملة وهو يقول:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .، قال الله تعالى:( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ؟» فجعل(٣) علم الصّدق والإيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالّتي هي أحسن والّتي ليست بأحسن؟

وفي كتاب الخصال(٤) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على النّاس، يوم الشورى. قال: نشدتكم بالله! هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثل ما قال لي؟: أهل ولايتك يخرجون يوم القيامة من قبورهم، على نوق بيض شراك نعالهم نور يتلألأ. قد سهلت عليهم الموارد. وفرجت عليهم(٥) الشّدائد. واعطوا الأمان.

وانقطعت عنهم الأحزان، حتّى ينطلق بهم إلى ظلّ عرش الرّحمن. فوضع(٦) بين أيديهم مائدة. يأكلون منها حتّى يفرغ من الحساب يخاف النّاس ولا يخافون ويحزن النّاس ولا يحزنون غيري.» قالوا: أللّهمّ لا!](٧)

( وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ) ، أي: أمر يصحّ ويعتدّ به. وهذه

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤.

(٢) المصدر: يحرّم الله.

(٣) المصدر: فجعل الله.

(٤) الخصال / ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٥) المصدر ور: عنهم.

(٦) المصدر: توضع.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٠

مبالغة عظيمة. لأنّ المحال والمعدوم، يقع عليهما اسم الشيء. فإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه، فقد بولغ في ترك الاعتداد به، إلى ما ليس بعده. وهذا كقولهم أقلّ من لا شيء.

( وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ ) :

قال ابن عبّاس(١) : لـمّا قدم وفد نجران من النّصارى على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أتتهم أحبار اليهود. فتنازعوا عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال رافع بن حرملة: «ما أنتم على شيء.» وجحد نبوّة عيسى. وكفر بالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران: «ليست اليهود على شيء.» وجحد نبوّة موسى. وكفر بالتّوراة. فأنزل الله هذه الآية.

( وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ ) :

الواو للحال. والكتاب للجنس، أي: قالوا ذلك، والحال أنّهم من أهل العلم والتّلاوة للكتب.

وحقّ من حمل التوراة، أو الإنجيل، أو غيرهما من كتب الله، أو آية، أن لا يكفر بالباقي. لأنّ كلّ واحد من الكتابين، مصدّق للثّاني، شاهد بصحته. وكذلك كتب الله جميعا، متواردة في تصديق بعضها بعضا.

( كَذلِكَ ) ، مثل ذلك الّذي سمعت به على ذلك المنهاج.

( قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، كعبدة الأصنام والمعطّلة، قالوا لكلّ أهل دين: «ليسوا على شيء» وهذا توبيخ عظيم لهم، حيث نظموا أنفسهم مع علمهم، في سلك من لا يعلم.

و( مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، يحتمل احتمالين: أحدهما أنّه مفعول مطلق لقال والآخر أنّه مفعوله، يعني: أنّ قولهم، مثل قولهم في الفساد، ومقولهم مثل مقولهم في الدّلالة على أنّ ما عدا دينهم، ليس بشيء.

فان قيل: لم وبّخهم؟ وقد صدقوا فإنّ كلا الدّينين بعد النّسخ ليس بشيء.

قلت: لم يصدقوا ذلك. وإنّما قصد كل فريق، إبطال دين الآخر، من أصله والكفر بنبيّه وكتابه، مع أن ما لم ينسخ منهما، حقّ واجب القبول والعمل به، مع الإيمان بالنّاسخ.

( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) : بين الفريقين ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٨.

١٢١

( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) :

هي مصدر. إلّا أنّه صار كالعلم، على وقت، بعينه. وهو الوقت الّذي يبعث الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الخلق. فيقومون من قبورهم، إلى محشرهم. تقول: قام يقوم قياما وقيامة، مثل: عاذ يعوذ عياذا وعياذة.

( فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (١١٣) بما يقسم لكلّ فريق، ما يليق به من العذاب.

وقيل(١) : بأن يكذّبهم، وأن يدخلهم النّار.

وقيل(٢) : بأن يريهم من يدخل الجنّة عيانا، ومن يدخل النّار عيانا.

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ ) :

الآية عامّة لكلّ من خرّب مسجدا، أو سعى في تعطيل مكان مرشّح للصّلاة. وإن نزلت في الرّوم، لما غزوا بيت المقدس وخرّبوه وقتلوا أهله حتّى، كانت أيّام عمر، وأظهر المسلمين عليهم، وصاروا لا يدخلونها(٣) إلّا خائفين، على ما روى عن ابن عبّاس(٤) .

وقيل(٥) : خرّب بخت نصر بيت المقدس. وأعانه عليه(٦) النّصارى.

والمرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٧) : أنّها نزلت في قريش، حين منعوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دخول مكّة والمسجد الحرام.

[وروى عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام(٨) : أنّه أراد جميع الأرض لقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا].(٩)

( أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) :

ثاني مفعولي «منع» لأنّك تقول: منعته كذا.

ويجوز أن يحذف حرف الجرّ، مع «أن.» ولك أن تنصبه مفعولا له(١٠) ، بمعنى: منعها كراهة أن يذكر.

( وَسَعى فِي خَرابِها ) بالهدم، أو التّعطيل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٧.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٨.

(٣) أ: لن يدخلونها.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٩.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) ر: على ذلك. وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) نفس المصدر ١ / ١٩٠.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في أ.

١٢٢

( أُولئِكَ ) ، أي: المانعون،( ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ) ، أي :

ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها، إلّا بخشية وخضوع، فضلا عن أن يجرءوا على تخريبها.

أو ما كان الحقّ أن يدخلوها، إلّا خائفين من المؤمنين، أن يبطشوهم، فضلا عن أن يمنعوهم منها.

أو ما كان لهم في علم الله تعالى، أو قضائه، فيكون وعدا للمؤمنين بالنّصرة واستخلاص المساجد منهم. وقد أنجز وعده.

( لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ) :

قال قتادة(١) : المراد بالخزي، أن يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون.

وقال الزّجّاج(٢) : المراد به السبّي والقتل، إن كانوا حربا، وإعطاء الجزية، إن كانوا ذمّة.

وقال أبو عليّ(٣) : المراد به، طردهم عن المساجد.

وقال السّديّ(٤) : المراد به خزيهم إذا قام المهديّ وفتح قسطنطنيّة. فحينئذ يقتلهم.

والكلّ محتمل. واللّفظ بإطلاقه يتناوله.

( وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (١١٤) بظلمهم وكفرهم.

( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) :

«اللّام»، للملك. و «المشرق» و «المغرب»، اسمان لمطلع الشّمس ومغربها.

والمراد بهما ناحيتا(٥) الأرض، أي: له الأرض، كلّها. لا يختص به مكان دون مكان(٦) . فإن منعتم أن تصلّوا في المسجد الحرام والأقصى، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا.

( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ) : ففي أي مكان فعلتم التّولية، أي: تولية وجوهكم،( فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ، أي: جهته الّتي أمر بها، أو فثمّ ذاته، أي: عالم مطّلع بما يفعل فيه.

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١٩٠.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) أ: ناحيتي.

(٦) أ: آخر.

١٢٣

( إِنَّ اللهَ واسِعٌ ) بإحاطته بالأشياء، أو برحمته،( عَلِيمٌ ) (١١٥) بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن، كلّها.

قيل(١) : إنّ اليهود أنكروا تحويل القبلة عن بيت المقدس. فنزلت الآية ردّا عليهم.

وقيل(٢) : كان للمسلمين التّوجّه حيث شاءوا، في صلاتهم. وفيه نزلت الآية. ثمّ نسخ بقوله(٣) ( فَوَلِّ وَجْهَكَ ) (إلى آخره).

وقيل(٤) : نزلت الآية في صلاة التّطوّع على الرّاحلة، تصلّيها حيثما توجّهت، إذا كنت في سفر. وأمّا الفرائض، فقوله:( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ، يعني: أنّ الفرائض لا تصلّيها إلّا إلى القبلة. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام. قالوا: وصلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إيماء على راحلته أينما توجّهت به، حيث خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكّة، وجعل الكعبة خلف ظهره.

وروى عن جابر(٥) ، قال: بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سريّة كنت فيها. فأصبتنا ظلمة. فلم نعرف القبلة. فقال طائفة منّا: «قد عرفنا القبلة، هي هاهنا، قبل الشّمال.» فصلّوا. وخطّوا خطوطا. وقال بعضنا: «القبلة هاهنا. قبل الجنوب.» فخطّوا خطوطا. فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس، أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلمّا قفلنا(٦) من سفرنا، سألنا النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك. فسكت. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[في كتاب الخصال(٧) ، في سؤال بعض اليهود عليّا ـ عليه السّلام ـ عن الواحد إلى المائة: قال له اليهوديّ. فأين(٨) وجه ربّك؟

فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام(٩) : يا بن عبّاس! ائتني بنار وحطب.

فأتيته بنار وحطب. فأضرمها. ثمّ قال: يا يهوديّ! أين يكون وجه هذه النّار؟

فقال: لا أقف لها على وجه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩١.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) البقرة / ١٤٤ و/ ١٤٩ و/ ١٥٠.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) النسخ: غفلنا.

(٧) الخصال / ٥٩٧.

(٨) المصدر: فأين يكون.

(٩) المصدر: فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ لي.

١٢٤

قال: ربيّ(١) عزّ وجلّ على(٢) هذا المثل.

( وَلِلَّهِ ) (٣) ( الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفيه(٤) ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ، في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة، مع مائة من النّصارى، بعد وفاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثمّ أرشد إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فسأله عنها، فأجابه. فكان فيما سأله، أن قال له: أخبرني عن وجه الرّبّ ـ تبارك وتعالى.

فدعا ـ عليه السّلام ـ بنار وحطب. فأضرمه. فلمّا اشتعلت قال عليّ ـ عليه السّلام: أين وجه هذه النّار؟

قال(٥) : هي وجه من جميع حدودها.

قال عليّ ـ عليه السّلام: هذه النّار مدبّرة مصنوعة، لا يعرف وجهها. وخالقها لا يشبهها.( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) . لا يخفى على ربّنا خافية.

وفي كتاب علل الشرائع(٦) : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله؟ قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سألته عن الرّجل يقرأ السّجدة وهو على ظهر دابّته.

قال: يسجد حيث توجّهت به. فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يصلّي على ناقته، وهو مستقبل المدينة. يقول الله ـ عزّ وجلّ:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٧) : وسأله معاوية بن عمّار، عن الرّجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة، يمينا أو شمالا.

فقال له: قد مضت صلاته. وما بين المشرق والمغرب قبلة. ونزلت هذا الآية في قبلة المتحيّر:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٨) : قال أبو محمّد ـ عليه السّلام: قال

__________________

(١) المصدر: فإنّ ربّي.

(٢) المصدر: عن.

(٣) المصدر: له.

(٤) نفس المصدر / ١٨٢.

(٥) المصدر: قال النصراني.

(٦) علل الشرائع / ٣٥٨ ـ ٣٥٩، ح ١.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٧٩. (٨) الاحتجاج ١ / ٤٥.

١٢٥

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقوم من اليهود: أو ليس قد ألزمكم في الشّتاء أن تحترزوا من البرد بالثّياب الغليظة، وألزمكم في الصّيف أن تحترزوا من الحرّ. فبدا له في الصّيف حين أمركم، بخلاف ما كان أمركم به في الشّتاء؟

فقالوا: لا فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: وكذلك الله تعبّدكم في وقت، لصلاح يعلمه بشيء، ثمّ بعّده في وقت آخر، لصلاح آخر، يعلمه بشيء آخر. فإذا أطعتم الله في الحالين، استحققتم ثوابه.

فأنزل الله تعالى:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ. إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ) ، يعني: إذا توجّهتم بأمره، فثمّ الوجه الّذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه(١) : قال السّائل: من هؤلاء الحجج! قال: هم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومن حلّ محلّه من أصفياء الله الّذين قال( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) الّذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله وفرض على العباد من طاعتهم، مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه.

وفيه(٢) : قال ـ عليه السّلام ـ أيضا ـ في الحجج: وهم وجه الله الّذي قال:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي كتاب المناقب، لابن شهر آشوب(٣) : أبو المضاء، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قوله تعالى:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) قال: عليّ ـ عليه السّلام].(٤)

( وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ) :

نزلت لـمّا قالت اليهود: «عزير بن الله»، والنّصارى: «المسيح بن الله»، ومشركوا العرب: «الملائكة بنات الله.» وعطفه على «قالت اليهود»، أو «منع»، أو مفهوم قوله «ومن أظلم» وقرأ ابن عامر بغير واو، والباقون بالواو(٥) .

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٣٧٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) المناقب ٣ / ٢٧٢.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٩٢.

١٢٦

[وفي كتاب علل الشرائع(١) ، بإسناده إلى سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لم يخلق الله شجرة إلّا ولها ثمرة تؤكل. فلمّا قال النّاس: «اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً »، ذهب نصف ثمرها. فلمّا اتخذوا مع الله إلها، شاك الشّجر].(٢)

( سُبْحانَهُ ) :

روى عن طلحة بن عبيد الله(٣) ، أنّه سأل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن معنى قوله «سبحانه» فقال: «تنزيها له عن كلّ سوء».

( بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

ردّ لما قالوا، أو استدلال على فساده بأنّه خالق ما في السّموات وما في الأرض الّذي من جملته الملائكة وعزير والمسيح.

( كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ) (١١٦)، مطيعون. لا يمتنعون عن مشيئته. وكلّ من كان بهذه الصّفة، لم يجانس مكوّنه الواجب لذاته. ومن حقّ الولد أن يجانس والده. فلا يكون له ولد.

وإنّما جاء بما الّذي لغير أولي العلم، تحقيرا لشأنهم.

وتنوين «كلّ»، عوض عن المضاف إليه، أي: كلّ ما فيهما، أو كلّ من جعلوه ولدا له.

وفي الآية، دلالة على أنّ من ملك ولده أو والده، انعتق عليه. لأنّه تعالى نفى الولد، بإثبات الملك. وذلك يقتضي تنافيهما. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام.(٤)

( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

يقال: بدع الشيء، فهو بديع، كقولك: برع الشيء، فهو بريع. و( بَدِيعُ السَّماواتِ ) من إضافة الصّفة المشبّهة، إلى فاعلها، أي: بديع سماواته وأرضه.

وقيل(٥) : البديع بمعنى المبدع، كما أنّ السّميع، في قول الشّاعر :

«أمن ريحانة

الدّاعي السّميع»

، بمعنى المسمع.

وهو دليل آخر على نفي الولد.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٥٧٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٩٢.

(٤) ر. وسائل الشيعة / ١٦، باب ٧ من أبواب العتق، ح ١ ـ ٩.

(٥) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٨.

١٢٧

وتقريره: أنّ الوالد، عنصر الولد المنفعلة بانفصال مادّته عنه. والله سبحانه، مبدع الأشياء كلّها. فاعله على الإطلاق. منزّه عن الانفعال. فلا يكون والدا. وهذا التّقرير يصحّ على التّقديرين. لأنّ كونه تعالى مبدعا، يلزمه كون مخلوقه بديعا وبالعكس.

والإبداع اختراع الشيء، لا عن شيء، دفعة. وهو أليق بهذا الموضع من الصّنع الّذي هو تركيب الصّورة بالعنصر والتّكوين الّذي يكون بتغيّر وفي زمان غالبا.

وقرئ بديع، مجرورا على البدل، من الضّمير في «له»، ومنصوبا، على المدح.

[وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصّيرفيّ. قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) » فقال(٢) أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه، على غير مثال كان قبله. فابتدع السّماوات والأرض(٣) ، ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون. أما تسمع لقوله تعالى(٤) ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) ؟

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة](٥) ( وَإِذا قَضى أَمْراً ) : إذا أراد إحداث أمر،( فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١١٧) :

من كان التّامّة، أي، أحدث، فيحدث. وليس المراد به حقيقة أمر وامتثال. بل حصول ما تعلّقت به إرادته، بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع، بلا توقّف.

وفيه تقرير لمعنى الإبداع. وإيماء إلى دليل آخر. وهو أنّ اتخاذ الولد ممّا يكون بأطوار. وفعله تعالى مستغن عن ذلك.

قيل(٦) : كان سبب ضلالتهم، أنّ أرباب الشّرائع المتقدّمة، كانوا يطلقون الأب على الله تعالى، باعتبار أنّه السّبب الأوّل، حين(٧) قالوا: «إنّ الأب، هو الرّبّ الأصغر.

والله سبحانه وتعالى هو الأب الأكبر.» ظنّت الجهلة منهم، أنّ المراد به معنى الولادة.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٥٦، صدر ح ٢.

(٢) المصدر: قال.

(٣) المصدر: الأرضين.

(٤) هود / ٧

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٩.

(٧) المصدر: حتى.

١٢٨

فاعتقدوا ذلك تقليدا. ولذلك كفر قائله. ومنع منه مطلقا جسما، لمادّة الفاسد.

[وفي كتاب نهج البلاغة(١) : يقول لما(٢) أراد كونه، قال(٣) : «كُنْ فَيَكُونُ » لا بصوت يفزع(٤) ولا نداء يسمع. وإنّما كلامه سبحانه، فعل منه، إنشاء(٥) . ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا. ولو كان قديما، لكان إلها ثانيا.

وفيه(٦) : يقول ولا يلفظ(٧) . ويريد ولا يضمر.

وفي كتاب الاحتجاج(٨) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ولا أجده يلفظ بشقّ فم(٩) . ولكن كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) . بمشيئة، من غير تردّد في نفس.

وفي كتاب الإهليلجة(١٠) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: فالإرادة للفعل، إحداثه،( فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا تعب وكيف.

وفي عيون الأخبار(١١) ، بإسناده إلى صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه. فإرادة الله، هي الفعل. لا غير ذلك.( يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف. لذلك(١٢) ، كما أنّه بلا كيف.

وفيه(١٣) حديث طويل، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أيضا ـ يقول فيه: و «كن» منه صنع. وما يكون به المصنوع].(١٤)

( وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ، أي: جهلة المشركين، أو المتجاهلون من أهل الكتاب.

( لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ ) كما يكلّم الملائكة، أو يوحي إلينا بأنّك رسوله. وهذا استكبار منهم.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٧٤، ضمن خطبه ١٨٦.

(٢) المصدر: لمن.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: يقرع.

(٥) المصدر: أنشاه.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٧) المصدر: يقول ولا يلفظ. ويحفظ ولا يتحفّظ.

(٨) الاحتجاج ٢ / ١٥٦.

(٩) ر: ولا احمده بلفظ. لشق فم. المصدر: ولا اخذه بلفظ شق فم.

(١٠) بحار الأنوار ٣ / ١٩٦.

(١١) عيون الأخبار ١ / ١١٩، ذيل ح ١١.(١٢) المصدر: كذلك.

(١٣) نفس المصدر ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤. (١٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٩

( أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ ) وحجّة على صدقك. وهذا جحود لأن ما أتاهم آيات استهانة.

( كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) من الأمم الماضية،( مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) :

فقالوا: «أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً » وغير ذلك.

( تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) ، أي: قلوب هؤلاء ومن قبلهم، في العمى والعناد.

وقرئ بتشديد الشّين.

( قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١١٨): اي: يطلبون اليقين، أو يوقنون. الحقائق لا يعتريهم شبهة ولا عناد.

( إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ ) ، مؤيّدا به،( بَشِيراً وَنَذِيراً ) : فلا عليك إن كابروا.

( وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ) (١١٩)، أنّهم لم يؤمنوا بعد أن بلّغت.

وقرأ نافع ويعقوب «ولا تسأل»، على لفظ النّهي، مبيّنا للفاعل. وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١)

وفيه، حينئذ، إشارة إلى تعظيم عقوبة الكفّار. كأنّها لا يقدر أن يخبر عنها، أو السّامع لا يصبر على استماع خبرها فنهاه عن السّؤال.

و «الجحيم»: المتأجّج من النّار. من جحمت النّار يجحم جحما، إذا اضطرمت.

( وَلَنْ تَرْضى ) ، وإن بالغت في إرضائهم،( عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى، حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) : كأنّهم قالوا: «لن نرضى عنك حتّى تتّبع ملّتنا»، إقناطا منهم لرسول الله، عن دخولهم في الإسلام. فحكى الله ـ عزّ وجلّ ـ كلامهم. ولذلك قال تعالى:( قُلْ ) تعليما للجواب،( إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى ) . لا ما تدعون إليه.

( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ) ، أي: أقوالهم الّتي هي أهواء وبدع،( بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) : من الوحي، أو الدّين المعلوم صحّته بالبراهين الصّحيحة ،

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١٩٦.

١٣٠

( ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٢٠) يدفع عنك عقابه.

وفي هذه الآية، دلالة على ان من علم الله تعالى منه، أنّه لا يعصي يصحّ وعيده.

لأنّه علم أنّ نبيّه ـ عليه السّلام ـ لا يتّبع أهواءهم. والمقصود منه التّنبيه على أنّ حال أمّته فيه، اغلظ من حاله. لأن منزلتهم، دون منزلته.

وقيل(١) : الخطاب للنّبيّ والمراد أمّته.

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) :

قيل(٢) : يريد مؤمني أهل الكتاب، أو مطلقهم.

[وفي أصول الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن محمّد(٤) ، عن ابن محبوب، عن أبي ولّاد. قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) .

قال: هم الأئمّة ـ عليهم السّلام. وفي شرح الآيات الباهرة(٥) : روى محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد. قال :سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) قال: هم الأئمّة ـ صلوات الله عليهم. والكتاب، القرآن المجيد. وإن لم يكونوا هم، وإلّا فمن سواهم؟](٦)

( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) ، بمراعاة اللّفظ عن التّحريف، والتدبّر في معناه، والعمل بمقتضاه.

وروى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(٧) أنّ حقّ تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنّة والنّار. يسأل في الأولى ويستعيذ من الأخرى.

والجملة خبر للموصول، على التّقدير الأوّل(٨) ، وحال مقدّرة على التّقدير الثّاني [لأهل الكتاب والتّقدير الثّالث].(٩)

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٨٠.

(٣) الكافي ١ / ٢١٥، ح ٤.

(٤) المصدر: أحمد بن محمد.

(٥) شرح الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٨) أ: الاوّل لأهل الكتاب.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٣١

( أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) : بكتابهم، دون المحرّفين.

( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ) : بالكتاب. وهم أكثر اليهود. وقيل(١) : هم جميع الكفّار.

( فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (١٢١)، حيث اشتروا الضّلالة بالهدى.

( يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) (١٢٢)( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) (١٢٣) :

مضى تفسيرها.

وقيل في سبب تكريرها ثلثة أقوال(٢) :

الأوّل: أنّ نعم الله سبحانه لـمّا كانت أصول كلّ نعمة، كرّر التّذكير بها، مبالغة في استدعائهم، إلى ما لزمهم(٣) من شكرها، ليقبلوا إلى طاعة ربّهم المظاهر عليهم.

والثّاني: أنّه لـمّا باعد بين الكلامين، حسن التّنبيه والتّذكير، إبلاغا في الحجّة، وتأكيدا للتّذكرة.

والثّالث: أنّه لـمّا ذكر التوراة وفيها الدّلالة على شأن عيسى ـ عليه السّلام ـ ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في النّبوّة، والبشارة بهما، ذكّرهم نعمته عليهم بذلك وما فضّلهم به، كما عدّد النّعم في سورة الرّحمن وكرّر قوله( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

فكلّ تقريع جاء بعد تقريع، فإنّما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى.

( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) : كلّفه بأوامر ونواه.

و «الابتلاء» في الأصل، التّكليف بالأمر الشّاقّ، من البلاء، لكنّه لـمّا استلزم الاختيار بالنّسبة إلى من يجهل العواقب، ظنّ ترادفهما.

والضّمير لإبراهيم. وحسن لتقدّمه لفظا. وإنّ تأخّر رتبة. لأنّ الشّرط أحد التقدمين(٤) .

و «الكلمات» قد يطلق على المعاني. فلذلك فسّرت بالخصال الثلاثين المحمودة المذكورة عشرة منها في قوله(٥) ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) وعشرة في قوله(٦) :( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ) (إلى

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣) أ: لزم.

(٤) ر: التقديرين.

(٥) التّوبة / ١١٢.

(٦) المؤمنون / ١٠ ـ ١.

١٣٢

آخر الآيتين) وعشرة في قوله(١) :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (إلى قوله)( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ ) وروى عشرة في سورة( سَأَلَ سائِلٌ ) (إلى قوله)( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) . فجعلت أربعين.

وبالعشر الّتي هي من سنّته: خمسة منها في الرّأس، وخمسة منها في البدن.

فأمّا الّتي في الرّأس: فأخذ الشّارب، وإعفاء اللّحى، وطمّ الشعر، والسّواك، والخلال.

وأمّا الّتي في البدن: فحلق الشّعر من البدن، والختان، وتقليم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء.

فهذه الحنفيّة الظّاهرة الّتي جاء بها إبراهيم ـ عليه السّلام. فلم تنسخ، ولا تنسخ، إلى يوم القيامة. وبمناسك الحجّ، وبالكوكب، والقمرين، وذبح الولد، والنّار، والهجرة، وبالآيات الّتي بعدها. وهي قوله( إِنِّي جاعِلُكَ ) (إلى آخره)(٢) .

وكان سعيد بن المسيّب يقول(٣) : كان إبراهيم أوّل النّاس أضاف(٤) الضّيف، وأوّل النّاس قصّ شاربه واستحدّ، وأوّل(٥) النّاس رأى الشّيب(٦) .

فلمّا رآه قال: يا ربّ! ما هذا؟

قال: هذا الوقار.

قال: يا ربّ! فزدني وقارا.

وهذا أيضا

رواه السّكونيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ولم يذكر أوّل من قصّ شاربه، واستحدّ. وزاد فيه: وأوّل من قاتل في سبيل الله، إبراهيم. وأوّل من أخرج الخمس، إبراهيم. وأوّل من اتّخذ النّعلين، إبراهيم. وأوّل من اتّخذ الرّايات، إبراهيم.

وقرئ إبراهيم ربّه على أنّه دعا ربّه بكلمات، مثل:( أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) ،( اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) ، ليرى هل يجيبه؟

وروى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ـ رحمه الله ـ في كتاب النّبوّة(٧) ، بإسناده ،

__________________

(١) الأحزاب / ٣٥.

(٢) ر. تفسير القمي ١ / ٥٩+ مجمع ١ / ٢٠٠.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٠.

(٤) أ: أصناف.

(٥) ليس في أ.

(٦) أ: الشهب.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٠٠.

١٣٣

مرفوعا إلى المفضّل بن عمر، عن الصّادق ـ عليه السّلام. قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات الّتي تلقاها آدم ـ عليه السّلام ـ من ربّه.

فتاب عليه. وهو أنّه قال: «يا ربّ! أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، إلّا تبت عليّ.» فتاب الله عليه. إنّه هو التّوّاب الرّحيم.

فقلت: يا بن رسول الله! فما يعني بقوله «فأتمّهنّ»؟

فقال: أتمّهنّ إلى القائم، اثنى عشر إماما، تسعة من ولد الحسين عليهم السّلام.

قال المفضّل: فقلت له: يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) ؟

قال: يعني بذلك الإمامة. جعلها الله في عقب الحسين ـ عليه السّلام ـ إلى يوم القيامة.

فقلت له: يا بن رسول الله! فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين، دون ولد الحسن، وهما جميعا ولدا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة؟

فقال: إنّ موسى وهارون نبيّان مرسلان أخوان، فجعل الله النّبوّة في صلب هارون، دون صلب موسى. ولم يكن لأحد أن يقول: «لم فعل الله ذلك؟» وإنّ الإمامة خلافة الله ـ عزّ وجلّ. ليس لأحد أن يقول: «لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن؟» لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ هو الحكيم في أفعاله.( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) »(١)

( فَأَتَمَّهُنَ ) : فأدّاهنّ كملا وقام بهنّ حقّ القيام.

وفي القراءة(٢) الأخيرة الضّمير المستتر لربّه، أي: أعطاه جميع ما سأل.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) ، رواه بأسانيد عن صفوان الجمّال، قال: كنّا بمكّة فجرى الحديث في قول الله( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) .

قال: أتمّهنّ بمحمّد وعليّ والأئمّة من ولد عليّ ـ صلّى الله عليهم ـ في قول الله

__________________

(١) الأنبياء / ٢٣.

(٢) أ: وفي القراءة لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن. (!)

(٣) تفسير العيّاشي ١ / ٥٧، ح ٨٨.

١٣٤

«ذرّية بعضها من بعض. والله سميع عليم»](١) ( قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) : جملة مستأنفة، إن أضمر ناصب «إذ».

والتّقدير: فما ذا قال له ربّه حين أتمّهنّ. فأجيب بأنّه قال: إنّي (إلى آخره.) أو بيان للابتلاء. فيكون الكلمات، ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت وغير ذلك. وإن كان ناصبه «قال»، فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها.

و «جاعل» من جعل المتعدّي إلى مفعولين.

و «الإمام»، اسم لمن يؤتمّ به في أقواله وأفعاله ويقوم بتدبير الإمامة وسياستها والقيام بأمورها وتأديب جنايتها وتوليد ولايتها وإقامة الحدود على مستحقّها ومحاربة من يكيدها ويعاديها. وقد يطلق على المقتدى به في أقواله وأفعاله.

( قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) :

عطف على الكاف، عطف تلقين، أي: وبعض ذرّيّتي، كما تقول: «وزيدا»، في جواب: «سأكرمك.» والذّرّيّة: نسل الرّجل. فعليّة أو فعلولة، من الذّرّ، بمعنى التّفريق والأصل ذرّيّة، على الأوّل. وعلى الثّاني، ذرورة. قلبت راؤها الثّالثة ياء، كما في تقضيّت. ثمّ أبدلت الواو والضّمّة. أو فعليّة أو فعولة من الذّرء، بمعنى الخلق. فخفّفت الهمزة.

وقرئ ذرّيّتي (بالكسر) وهي لغة. وبعض العرب، بفتح الذّال.

( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١٢٤) :

والعهد والإمامة، كما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام

(٢) ـ، أي: لا يكون الظّالم إماما للنّاس. واستدلّ أصحابنا بهذه الآية، على أنّ الإمام لا يكون إلّا معصوما عن القبائح. لأنّ الله سبحانه نفى أن ينال عهده الّذي هو الإمامة، ظالم. ومن ليس بمعصوم، فقد يكون ظالما. إمّا لنفسه، أو لغيره.

لا يقال: إنّما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمّى ظالما، فيصحّ أن يناله، لأنّا نقول: إنّ الظّالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما. وقد حكم عليه بأنّه لا ينالها. والآية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت. فيجب أن تكون محمولة على الأوقات، كلّها. فلا ينالها الظّالم، وإن تاب فيما بعد.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٠٢.

١٣٥

[وفي عيون الأخبار(١) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: إنّ الإمامة خصّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بها إبراهيم الخليل ـ صلوات الله عليه وآله ـ بعد النّبوّة والخلّة، مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها(٢) وذكره. فقال ـ عزّ وجلّ:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

فقال الخليل ـ عليه السّلام ـ مسرورا(٣) بها:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟» قال الله ـ عزّ وجلّ:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

فأبطلت هذه الآية، إمامة كلّ ظالم، إلى يوم القيامة. وصارت في الصّفوة.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن هشام بن سالم، ودرست بن أبي منصور عنه. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وقد كان إبراهيم ـ عليه السّلام ـ نبيّا، وليس بإمام، حتّى قال الله:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً. قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟» فقال الله:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، من عبد صنما أو وثنا، لا يكون إماما.

محمّد ابن الحسن(٥) ، عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا، وإنّ الله اتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ الله اتّخذه رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. وإنّ الله اتّخذه خليلا، قبل أن يجعله إماما. فلمّا جمع له الأشياء، قال:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .» قال: لا يكون السّفيه، إمام التّقي.

عليّ بن محمّد(٦) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السّفاتج، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: إنّ الله اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا. واتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. واتّخذه

__________________

(١) عيون الأخبار ١ / ٢١٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: سرورا.

(٤) الكافي ١ / ١٧٥.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

١٣٦

رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. واتّخذه خليلا، قبل أن يتّخذه إماما. فلمّا جمع له هذه الأشياء وقبض يده، «قال» له: يا إبراهيم!( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .» فمن عظمها في عين إبراهيم «قال»: يا ربّ!( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه: قد حظر على من ماسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه، بقوله لإبراهيم( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، أي: المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلما بقوله(٢) :

( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .» فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد الله تبارك اسمه بالإمامة، لا ينال عبدة الأصنام، قال(٣) :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ )

وفي مجمع البيان(٤) :( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال مجاهد: العهد الإمامة. وهو المرويّ عن الباقر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) ، رواه بأسانيد عن صفوان الجّمال. قال: كنّا بمكّة، فجرى الحديث في قول الله [( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ ) .» قال: أتمهنّ بمحمّد وعليّ والأئمة من ولد عليّ ـ صلّى الله عليهم ـ في قول الله( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .»](٦) .

ثمّ قال:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

قال:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟

( قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .» قال: يا ربّ! ويكون من ذرّيّتي ظالم؟

قال: نعم! فلان وفلان وفلان ومن اتّبعهم.

قال: يا ربّ! فعجّل لمحمّد وعليّ ما وعدتني فيهما. وعجّل نصرك لهما.

[وإليه أشار](٧) بقوله(٨) :( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وَلَقَدِ

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ١ / ١٢١، ح ٣٤٤، نقلا عن الاحتجاج.

(٢) لقمان / ١٣.

(٣) إبراهيم / ٣٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٢.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) البقرة / ١٣٠.

١٣٧

اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) .» فالمّلة، (الإمام)(١) . فلمّا أسكن ذرّيّته بمكّة قال(٢) :( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) إلى (قوله)( مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ ) (٣) .» فاستثنى «من آمن» خوفا بقوله(٤) «لا»، كما قال له في الدّعوة الأولى:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )

وفيه(٥) : عن حريز، عمّن ذكره، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، أى: لا يكون إماما ظالما.

وفيه(٦) : عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) قال: فقال لو علم الله أنّ اسما أفضل (منه)، لسمّانا به.

وفي شرح الآيات الباهرة(٧) : وجاء في التّأويل ما رواه الفقيه ابن المغازليّ، بإسناده عن رجاله، عن عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أنا دعوة أبي إبراهيم.

قال: قلت كيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال: إنّ الله أوحى إلى إبراهيم( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .» فاستخفّ به الفرح.

فقال: يا ربّ!( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) أئمّة مثلي؟

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه: يا إبراهيم! إنّي لا أعطيك عهدا لا أفي لك به.

قال: يا ربّ! وما العهد الّذي لا تفي به؟

قال: لا أعطيك لظالم من ذرّيّتك عهدا.

فقال إبراهيم عندها:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) .» ثمّ قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: فانتهت الدّعوة إليّ وإلى عليّ. لم يسجد أحدنا لصنم. فاتّخذني نبيّا. واتّخذ عليّا، وصيّا. وفي معنى هذه الدّعوة قوله تعالى، حكاية

__________________

(١) المصدر: الامامة. وهو الظاهر.

(٢) إبراهيم / ٣٧.

(٣) البقرة / ١٢٦.

(٤) المصدر: أن يقول به. وهو الظاهر.

(٥) نفس المصدر ١ / ٥٨، ح ٨٩.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٩٠.

(٧) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٦.

١٣٨

عن قول إبراهيم ـ عليه السّلام ـ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .»](١)

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ ) ، أي: الكعبة، غلب عليها، كالنّجم على الثّريّا.

( مَثابَةً لِلنَّاسِ ) ، أي: مرجعا يثوب إليه أعيان الزّوّار وأمثالهم. أو موضع ثواب يثابون بحجته واعتماره. أو موضع لا ينصرف منه أحد إلّا وينبغي أن يكون على قصد الرّجوع إليه. وقد ورد في الخبر أنّ من رجع من مكّة وهو ينوى الحجّ، من قابل زيد في عمره. ومن خرج من مكّة وهو لا ينوي العود إليها، فقد قرب أجله(٢) .

( وَأَمْناً ) ، أي: موضع أمن. والحمل للمبالغة. وذلك لأنّه لا يتعرّض لأهله. أو يأمن حاجّه من عذاب الآخرة. لأنّ الحجّ يجبّ ما قبله. أو لا يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه.

والحمل على العموم أولى.

[وفي تهذيب الأحكام(٣) : محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: فإذا دخلت المسجد، فارفع يديك، واستقبل البيت، وقل أللّهمّ (إلى قوله) أللّهمّ إنّي أشهدك أنّ هذا بيتك الحرام الّذي جعلته مثابة للنّاس وأمنا مباركا وهدى للعالمين].(٤)

( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) : على إرادة القول، أو عطف على المقدّر العامل في «إذا» واعتراض معطوف على مضمر تقديره «توبوا اليه واتخذوا» و «مقام إبراهيم»: الحجر الّذي فيها اثر قدميه.

والمراد باتّخاذه مصلّى، الصّلاة فيه، بعد الصّلاة، كما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) ـ أنّه سئل عن الرّجل يطوف بالبيت طواف الفريضة ونسي أن يصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم.

فقال: يصلّيهما. ولو بعد أيّام. إنّ الله تعالى قال: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) ر. من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٤١، ح ٦١٤+ مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ / ١٠٠، ضمن ح ٣٢٧.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٣+ وسائل الشيعة ٩ / ٤٨٥، ح ١٩.

١٣٩

وروى عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) ـ أنّه قال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم، وحجر بني إسرائيل، والحجر الأسود، استودعه الله إبراهيم ـ عليه السّلام ـ حجرا أبيض. وكان أشدّ بياضا من القراطيس. فاسودّ من خطايا بني آدم.

[وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ.

قال: قال محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام: يا جابر! ما أعظم فرية أهل الشّام، على الله ـ عزّ وجلّ؟ يزعمون أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حيث صعد إلى السّماء، وضع قدمه على صخرة بيت المقدس. ولقد وضع عبد من عباد الله، قدمه على صخرة(٣) . فأمرنا الله تعالى أن نتّخذه مصلّى.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضل، عن أبي الصّباح الكنانيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي أن يصلّي الرّكعتين عند مقام إبراهيم ـ صلّى الله عليه ـ في طواف الحجّ والعمرة.

فقال: إن كان بالبلد، صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) .» وإن كان قد ارتحل، فلا آمره أن يرجع.

وفي تهذيب الأحكام(٥) : روى موسى بن القاسم، عن محمّد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله الأبزاريّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي فصلّى ركعتي طّواف الفريضة في الحجر.

قال: يعيدهما خلف المقام. لأنّ الله تعالى يقول:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) ، يعني بذلك: ركعتي طواف الفريضة.

موسى بن القسم(٦) ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي بصير.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٥٩، ح ٩٣+ مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٢) التوحيد / ١٧٩، صدر ح ١٣.

(٣) المصدر: حجرة.

(٤) الكافي ٤ / ٤٢٥، ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ / ١٣٨، ح ٤٥٤.

(٦) نفس المصدر ٥ / ١٤٠، ح ٤٦١، وفيه: موسى بن القاسم.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493