تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183349 / تحميل: 5548
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

سليمان كافرا ساحرا ماهرا. بسحره ملك ما ملك، وقدر على(١) ما قدر. فرد الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم. فقال:( وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) . ولا استعمل السّحر [، كما قال هؤلاء الكافرون.( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ](٢) الذي نسبوه إلى سليمان وإلى ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.

وكان بعد نوح ـ عليه السّلام ـ قد كثر السّحرة المموّهون(٣) . فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزّمان، يذكر ما يسحر به السحرة. وذكر ما يبطل به سحرهم، ويردّ به كيدهم. فتلقّاه النّبيّ، عن الملكين. وأدّاه إلى عباد الله، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وأمرهم(٤) أن يقفوا به على السّحرة. وان يبطلوه. ونهاهم أن يسحروا به النّاس. وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو، وعلى ما يدفع به غائلة السّمّ.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) ، يعني: أنّ ذلك النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أمر الملكين، أن يظهرا للنّاس بصورة بشرين، ويعلّماهم ما علّمهما(٥) الله من ذلك. فقال الله ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ) ذلك السّحر وإبطاله،( حَتَّى يَقُولا ) للمتعلّم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) وامتحان للبلاء(٦) ، ليطيعوا الله فيما يتعلّمون من هذا، ويبطلوا به كيد السّحرة. ولا يسحروهم. «فلا تكفر» باستعمال هذا السّحر وطلب الإضرار به ودعاء النّاس إلى أن يعتقدوا أنّك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله ـ عزّ وجلّ. فأنّ ذلك كفر. قال الله تعالى: «فيتعلّمون»، يعني: طالبي السّحر، «منهما»، يعني: ممّا كتبت الشّياطين على ملك سليمان، من النّيرنجات وما(٧) أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، «يتعلّمون من» هذين الصّنفين،( ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) . هذا من يتعلّم للإضرار(٨) بالناس. يتعلّمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والإيهام، وأنّه قد دفن في موضع كذا، وعمل كذا لتحبّب المرأة إلى

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: والمموّهون.

(٤) المصدر: فأمرهم.

(٥) الأصل ور: علّمهم.

(٦) المصدر: للعباد. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: مما.

(٨) المصدر: من يتعلّم الإضرار.

وأشار في الهامش إلى أنّه في بعض النسخ كما موجود في المتن هنا.

١٠١

الرّجل والرّجل إلى المرأة، أو(١) يؤدي إلى الفراق بينهما.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، أي: ما المتعلّمون لذلك(٢) بضارّين به من أحد، إلّا بإذن الله، يعني: بتخلية الله وعلمه. وإنّه لو شاء، لمنعهم بالجبر والقهر.

ثمّ قال:( وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ) . إذا تعلّموا ذلك السّحر، ليسحروا به، ويضرّوا، قد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه. بل ينسلخون عن دين الله بذلك. ولقد علّم هؤلاء المتعلّمون لمن اشتراه بدينه الّذي ينسلخ عنه بتعلّمه،( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ، أي: من نصيب في ثواب الجنّة.

ثمّ قال تعالى:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) . ورهنوا(٣) بالعذاب،( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا الآخرة، وتركوا نصيبهم من الجنّة. لأنّ المتعلّمين لهذا السّحر الّذين يعتقدون أنّ لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور. فقال:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) . لأنّهم يعتقدون(٤) أنّها إذا لم تكن آخرة، فلا خلاق لهم في دار بعد الدّنيا. وإن كان بعد الدّنيا، آخرة. فهم مع كفرهم بها، لا خلاق لهم فيها.

ثمّ قال:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) (٥) » إذ باعوا الآخرة بالدّنيا ورهنوا بالعذاب الدّائم أنفسهم،( لَوْ [كانُوا ]) (٦) ( يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب. ولكن لا يعلمون ذلك، لكفرهم به، فلمّا تركوا النّظر في حجج الله، حتّى يعلموا أنّهم عذّبهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحقّ.

قال يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما: إنّهما قالا: فقلنا للحسن، أبي القائم ـ عليه السّلام(٧) : فإنّ قوما عندنا، يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما(٨) الملائكة لـمّا كثر عصيان بني آدم، وأنزلهما مع ثالث لهما، إلى الدّنيا(٩) ، وإنّهما قد افتتنا بالزّهرة، وأرادا الزّنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النّفس المحرّمة، وإنّ الله ـ عزّ

__________________

(١) المصدر: و.

(٢) المصدر: بذلك. وهو الظاهر.

(٣) المصدر: رهنوها. وهو الظاهر.

(٤) المصدر: لأنّهم يعتقدون أنّ لا آخرة فهم يعتقدون.

(٥) المصدر: أنفسهم بالعذاب.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: للحسن بن عليّ.

(٨) المصدر: اختارهما الله.

(٩) المصدر: دار الدنيا.

١٠٢

وجلّ ـ يعذّبهما ببابل، وإنّ السّحرة منهما يتعلّمون السّحر، وإنّ الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الّذي هو الزّهرة.

فقال الإمام ـ عليه السّلام: معاذ الله من ذلك. إن (الملائكة)(١) معصومون محفوظون من الكفر والقبائح، بألطاف الله تعالى. قال الله تعالى فيهم(٢) : «( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ. وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) . وقال ـ عزّ وجلّ(٣) :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَمَنْ عِنْدَهُ ) ، يعني: الملائكة، «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ. وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ . وقال الله تعالى(٤) في الملائكة ـ أيضا:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ. وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) .

ثمّ قال ـ عليه السّلام: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه على(٥) الأرض. وكانوا كالأنبياء في الدنيا و(٦) كالأئمّة. فيكون من الأنبياء والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ قتل النّفس والزّنا.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: أو لست تعلم أنّ الله تعالى لم يخل الدّنيا قطّ من نبيّ(٧) أو إمام من البشر؟ أو ليس الله يقول(٨) :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ) (٩) ، يعنى: إلى الخلق،( إِلَّا رِجالاً (نُوحِي ) (١٠) ( إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) ؟ فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض، ليكونوا أئمّة وحكّاما. وإنّما(١١) أرسلوا إلى أنبياء الله.

قالا: فقلنا: فعلى هذا(١٢) ، لم يكن إبليس ـ أيضا ـ ملكا؟

فقال: لا! بل كان من الجنّ. أما تسمعان الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(١٣) :

__________________

(١) المصدر: ملائكة الله.

(٢) التحريم / ٦.

(٣) الأنبياء / ١٩.

(٤) الأنبياء / ٢٨ ـ ٢٦.

(٥) المصدر: في.

(٦) المصدر: أو.

(٧) المصدر: من بني قط.

(٨) النحل ٤٣ ويوسف / ١٠٩ والأنبياء / ٢٥ والحج / ٥٢.

(٩) المصدر: قبلك من رسول.

(١٠) المصدر: يوحي.

(١١) المصدر: إنما كانوا.

(١٢) المصدر: هذا أيضا.

(١٣) الكهف / ٥٠.

١٠٣

( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ، كانَ مِنَ الْجِنِ ) ؟ فأخبر ـ عزّ وجلّ ـ أنّه كان من الجنّ. وهو الّذي قال الله تعالى(١) :( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

قال الإمام الحسن بن عليّ ـ عليه السّلام: حدّثني أبي، عن جدّي، عن الرّضا، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ اختارنا معاشر آل محمد واختار النّبيّين واختار الملائكة المقرّبين. وما اختارهم إلّا على علم منه بهم، أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، وينقطعون به عن عصمته، وينتهون به إلى المستخفّين بعذابه(٢) ونقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روى(٣) أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ لـمّا نصّ عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالإمامة، عرض الله تعالى ولايته في السّماوات على فئام من النّاس وفئام من الملائكة، فأبوها. فمسخهم الله ضفادع.

فقال ـ عليه السّلام: معاذ الله! هؤلاء المكذّبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله. فهم كسائر أنبيائه(٤) ورسله، إلى الخلق. أفيكون منهم الكفر بالله؟

قلنا(٥) : لا قال: فكذلك الملائكة. إنّ شأن الملائكة لعظيم وإنّ خطبهم لجليل.

حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه(٦) ـ قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم. قال: سمعت المأمون يسأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ عمّا يرويه النّاس من أمر الزّهرة، وإنّها امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

وما يروونه من أمر سهيل. وإنّه كان عشّارا باليمن.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: كذبوا في قولهم إنّهما كوكبان، وإنّما كانتا دابّتين من دوابّ البحر. فغلط النّاس. وظنّوا أنّهما كوكبان. وما كان الله تعالى ليمسخ أعداءه أنوار مضيئة، ثمّ يبقيها ما بقيت السّماوات والأرض. وإنّ المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام، حتّى ماتت. وما يتناسل منها شيء. وما على وجه الأرض مسخ اليوم. وانّ التي وقع عليها اسم المسوخة(٧) مثل القرد والخنزير والدّبّ وأشباهها، إنّما هي مثل ما مسخ الله تعالى على

__________________

(١) الحجر / ٢٧.

(٢) المصدر: لعذابه.

(٣) المصدر: روي لنا.

(٤) المصدر: أنبياء الله.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: قلت.

(٦) نفس المصدر ١ / ٢٧١، ح ٢.

(٧) المصدر: المسوخيّة.

١٠٤

صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم (رسل الله). وأمّا هاروت وماروت، فكانا ملكين علّما النّاس [السحر](١) ليحترزوا به من سحر السّحرة ويبطلوا به كيدهم. وما علّما أحدا من ذلك شيئا إلّا قالا له( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) فكفر قوم باستعمالهم لـمّا أمروا بالاحتراز منه. وجعلوا يفرّقون بما يعملون(٢) بين المرء وزوجه. قال الله تعالى:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، يعني: بعلمه.

عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. في تعداد الكبائر وبيانها، من كتاب الله. وفيه(٣) : يقول الصّادق ـ عليه السّلام: والسّحر، لأنّه تعالى يقول:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: إنّ سليمان بن داود ـ عليهما السّلام ـ أمر الجنّ(٥) . فبنوا له بيتا من قوارير. فبينما هو (متّك)(٦) على عصاه ينظر إلى الشّياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة، فإذا هو برجل معه في القبّة. ففزع منه. وقال: من أنت؟

فقال: أنا الّذي لا أقبل الرّشا. ولا أهاب الملوك. أنا ملك الموت. فقبضه وهو متك(٧) على عصاه. فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه. ويد أبون(٨) له، ويعملون، حتّى بعث الله الإرضة. فأكلت منسأته. وهي العصا. فلمّا خرّ تبيّنت الإنس، أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، ما لبثوا سنة في العذاب المهين. فالجنّ تشكر الإرضة بما عملت بعصا سليمان.

قال: فلا تكاد تراها في مكان إلّا وجد عندها ماء وطين. فلمّا هلك سليمان، وضع إبليس السّحر. وكتبه في كتاب. ثمّ طواه. وكتب على ظهره: «هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم. من أراد كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا.» ثمّ دفنه تحت سريره. ثمّ استأثره لهم. فقرأه. فقال الكافرون: ما كان

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: تعلّموه.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٨٦، مقطع من ح ٣٣.

(٤) تفسير القمي ١ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٥) المصدر: الجنّ والانس.

(٦) المصدر: متكئ. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: متكئ.

(٨) المصدر: يدانون.

١٠٥

سليمان يغلبنا إلّا بهذا. وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيّه. فقال الله ـ جلّ ذكره:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ. وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) .

وما روى في كتاب الخصال(١) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: إنّ المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر ـ إلى أن قال ـ وأمّا الزهرة، فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت. فمسخها [الله](٢) كوكبا(٣) .

وعن جعفر بن محمّد(٤) ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ. فقال: هي(٥) ثلاثة عشر ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة نصرانيّة. وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل. وهي الّتي فتن بها هاروت وماروت. وكان اسمها ناهيد(٦) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٧) ، بإسناده إلى محمّد بن الحسن بن علان، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام. حديث طويل. يقول فيه: ومسخت الزّهرة. لأنّها كانت امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

بإسناده(٨) إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام. حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة. فإنها كانت امرأة تسمّى ناهيد. وهي الّتي تقول النّاس إنّه افتتن بها هاروت وماروت.

وبإسناده(٩) إلى عليّ بن جعفر، عن مغيرة، عن أبي عبد الله ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة فتنت(١٠) هاروت وماروت. فمسخها الله ـ عزّ وجلّ ـ زهرة(١١) .

وفي تفسير عليّ بن ابراهيم(١٢) ، حدّثنى أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن

__________________

(١) الخصال / ٤٩٣.

(٢) يوجد في ر والمصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤.

(٥) المصدر: هم.

(٦) المصدر: وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد.

(٧) علل الشرائع: ٤٨٥ ـ ٤٨٦، مقطع من ح ١.

(٨) نفس المصدر / ٤٨٦، ذيل ح ٢.

(٩) نفس المصدر / ٤٨٨ ـ ٤٧٧.

(١٠) المصدر: فتن بها.

(١١) متقدم على حديث تفسير على بن إبراهيم السابق.

(١٢) تفسير القمي / ٥٤ ـ ٥٨.

١٠٦

رئاب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سأله عطاء ونحن بمكة، عن هاروت وماروت. فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السّماء إلى الأرض، في كلّ يوم وليلة، يحفظون أعمال(١) أوساط أهل الأرض، من ولد آدم والجن، فيكتبون(٢) أعمالهم. [و] يعرجون بها إلى السّماء.

قال: فضجّ أهل السماء، من معاصي أهل الأرض.(٣) فتؤامروا(٤) فيما بينهم ممّا يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله ـ تبارك وتعالى ـ وجرأتهم عليه. ونزّهوا الله ممّا يقول فيه خلقه ويصفون. فقال طائفة من الملائكة: يا ربّنا! أمّا(٥) تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك وممّا يصفون فيك الكذب ويقولون الزّور ويرتكبون المعاصي؟ وقد نهيتهم عنها. ثمّ أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأحبّ الله أن يري الملائكة القدرة، ونفاد أمره في جمع خلقه، ويعرّف الملائكة ما منّ به عليهم ممّا(٦) عدله عنهم من صنع خلقه، وما طبعهم عليه من الطّاعة، وعصمهم من الذّنوب.

قال: فأوحى الله إلى الملائكة، ان انتدبوا(٧) منكم ملكين، حتّى أهبطهما إلى الأرض. ثمّ أجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلته في ولد آدم. ثمّ أختبرهما في الطّاعة لي.

قال(٨) : فندبوا لذلك هاروت وماروت. وكانا أشدّ(٩) الملائكة قولا في الغيب لولد آدم واستئثار غضب الله عليهم.

[قال :](١٠) فأوحى الله إليهما، أن «اهبطا إلى الأرض. فقد جعلت فيكما من طبائع

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: ويكتبون.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: أهل أوساط الأرض. وكذا في تفسير العياشي ١ / ٥٢ وتفسير الصافي ١ / ١٢٧.

(٤) كذا والظاهر: فتآمروا.

(٥) المصدر وتفسير العياشي: ما.

(٦) المصدر: وممّا.

(٧) المصدر: انتحبوا. تفسير العياشي: اندبوا. وقيل في هامشه: وفي بعض النسخ «انتدابوا» وهو بمعناه. واستظهره المجلسي ـ ره ـ في البحار.

(٨) ليس في المصدر ويوجد في العياشي.

(٩) المصدر والعياشي: من أشدّ.

(١٠) يوجد في المصدر وفي العياشي ـ أيضا.

١٠٧

المطعم والمشرب(١) والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلت في ولد آدم(٢) .» قال: ثمّ أوحى الله إليهما: «انظرا أن لا تشركا بي شيئا. ولا تقتلا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحق(٣) . ولا تزنيا. ولا تشربا الخمر.» قال: ثمّ كشط عن السّماوات السّبع، ليريهما قدرته. ثمّ أهبطهما إلى الأرض، في صورة البشر ولباسهم. فهبطا ناحية بابل. فرفع(٤) لهما بناء مشرف(٥) . فأقبلا نحوه. فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزيّنة عطرة مسفرة مقبلة(٦) نحوهما.

قال: فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها(٧) ، وقعت في قلوبهما موقعا شديدا، لموضع الشّهوة الّتي جعلت فيهما. فرجعا إليها، رجوع فتنة وخذلان. وراوداها عن نفسها.

فقالت لهما: إنّ لي دينا أدين به. وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما، إلى ما تريدان، إلّا أن تدخلا في ديني الّذي أدين به.

فقالا لها: وما دينك؟

قالت: لي إله من عبده وسجد له، كان علىّ(٨) السّبيل، إلى أن أجيبه، إلى كلّ ما سألني.

فقالا لها: وما إلهك؟

قالت: إلهي هذا الصّنم.

قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: «هاتان خصلتان ممّا نهينا عنه(٩) ، الشّرك والزّنا. لأنّا إن سجدنا لهذا الصّنم وعبدناه، أشركنا بالله. وإنّما نشرك بالله لنصل إلى الزّنا.

وهو ذا نحن نطلب الزّنا. فليس نخطأ إلّا بالشّرك.» فائتمرا بينهما. فغلبتهما الشّهوة الّتي جعلت فيهما.

فقالا لها: فإنّا نجيبك إلى ما سألت.

__________________

(١) المصدر: الطعام والشراب.

(٢) الفقرة الأخيرة، ليس في العياشي.

(٣) «إلّا بالحق»، ليس في المصدر.

(٤) كذا في الأصل ور والعياشي. وفي المصدر: فوقع.

(٥) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مشرق

(٦) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مقبلة مسفرة.

(٧) ر: فلمّا نظر إليهما وناطقاهما وتأمّلاهما.

(٨) المصدر: لي.

(٩) المصدر: نهانا عنهما.

١٠٨

فقالت: فدونكما. فاشربا هذا الخمر. فإنّه قربان لكما عنه(١) وبه تصلون إلى ما تريدان.

فائتمرا بينهما. فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهانا عنها ربّنا، الشرك والزّنا وشرب الخمر. وإنّما ندخل في شرب الخمر والشّرك، حتّى نصل إلى الزّنا.

فائتمرا بينهما. فقالا: ما أعظم بليتنا(٢) بك. وقد أجبناك إلى ما سألت.

قالت: فدونكما. فاشربا من هذا الخمر. واعبدا هذا الصّنم. واسجدا له.

فشربا الخمر. وعبدا الصّنم. ثمّ راوداها عن نفسها. فلمّا تهيّأت لهما، وتهيّئا لها، دخل عليهما سائل يسأل. فلمّا أن رآهما ورأياه، ذعرا منه.

فقال لهما: إنّكما لمريبان(٣) ذعران. فقد خلوتما(٤) بهذه المرأة العطرة الحسناء. إنّكما لرجلا سوء.

وخرج عنهما. فقالت لهما: لا وإلهي! ما تصلان الآن إليّ. وقد اطّلع هذا الرّجل على حالكما. وعرف مكانكما. ويخرج الآن ويخبر بخبركما. ولكن بادرا إلى هذا الرّجل.

فاقتلاه قبل أن يفضحكما ويفضحني. ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما. وأنتم مطمئنّان آمنان.

قال: فقاما إلى الرّجل. فأدركاه. فقتلاه. ثمّ رجعا إليها. فلم برياها. وبدت لهما سوآتهما. ونزع عنهما رياشهما. وأسقط في أيديهما.

قال: فأوحى الله إليهما: إنّما أهبطتكما إلى الأرض، مع خلقي ساعة من النّهار.

فعصيتماني بأربع من معاصي كلّها قد نهيتكما عنها. [وتقدّمت إليكما فيها].(٥) فلم تراقباني.

ولم تستحيا منّي. وقد كنتما أشدّ من نقم على أهل الأرض بالمعاصي. واستجرّ(٦) غضبي وأسفي عليهم. ولمّا جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إيّاكما من المعاصي، فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدّنيا أو عذاب الآخرة؟

فقال أحدهما لصاحبه: نتمتّع من شهواتنا(٧) في الدّنيا، إذ صرنا إليها إلى نصير، إلى عذاب الآخرة.

__________________

(١) المصدر: عنده.

(٢) المصدر: البلية.

(٣) المصدر: لامرآن.

(٤) المصدر: فدخلتما.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: للمعاصي. واستنجر.

(٧) المصدر: شهواتها.

١٠٩

فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنيا، له مدّة وانقطاع. وعذاب الآخرة، قائم لا انقضاء له. فلسنا نختار عذاب الآخرة الدّائم الشّديد، على عذاب الدّنيا المنقطع الفاني.

قال: فاختارا عذاب الدّنيا. وكانا يعلّمان النّاس السّحر، في أرض بابل. ثمّ لـمّا علّما النّاس السّحر، رفعا من الأرض إلى الهواء. فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء، إلى يوم القيامة.

فهو موافق لمذهب العامّة.

وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) بولاية الشّياطين،( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٢) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال السّائل له ـ عليه السّلام: فمن أين علم الشّياطين السّحر؟

قال: من حيث عرف الأطباء الطّب، بعضه تجربة وبعضه علاج.

قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟ وما يقول النّاس بأنهما يعلّمان النّاس السّحر؟

قال: إنّهما موضع ابتلاء وموقف فتنة بتسبيحهما اليوم، لو فعل الإنسان كذا وكذا، لكان كذا وكذا. ولو يعالج بكذا وكذا، لصار كذا أصناف السّحر فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما. فيقولان لهم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) . فلا تأخذوا عنها ما يضرّكم ولا ينفعكم.

قال: أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار، أو غير ذلك؟

قال: هو أعجز من ذلك. وأضعف من أن يغيّر خلق الله. إنّ من أبطل ما ركّبه الله وصوّره وغيّره، فهو شريك الله في خلقه. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا].(٣)

( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) بالرّسول وما جاء به،( وَاتَّقَوْا ) بترك المخالفة،( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (١٠٣) جهلهم، لترك التّدبّر، أو(٤) العمل

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٤٠.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٨٢، مع اختلاف قليل.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) ر: و.

١١٠

بالعلم.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) :

[في أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه الطّيّار(٢) ، عن ابن أبي عمير، عن جميل. قال: كان الطّيّار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة. وإنّما أمرت الملائكة بالسّجود لآدم.

فقال: إبليس لا اسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، وليس هو من الملائكة؟

قال: فدخلت أنا وهو، على أبي عبد الله ـ عليه السّلام: قال: فأحسن والله في المسألة.

فقال: جعلت فداك! أرأيت ما ندب الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه المؤمنين من قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أدخل في ذلك المنافقون معهم؟

قال: نعم. والضّلّال وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة. وكان إبليس ممّن أقرّ بالدّعوة الظّاهرة، معهم.

وفي روضة الكافي(٣) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج. قال سأل الطّيّار أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا عنده. فقال له: جعلت فداك! أرأيت(٤) قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) في غير مكان من مخاطبة المؤمنين؟ أيدخل في هذا المنافقون؟

قال: نعم. يدخل في هذا المنافقون والضّلّال وكل من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وقد تقدّم هذان الحديثان](٥)

( لا تَقُولُوا راعِنا. وَقُولُوا انْظُرْنا ) :

كان المسلمون يقولون لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا(٦) ، يا رسول الله!، أي: راقبنا. وتأنّ بنا حتّى نفهمه ونحفظه. وكانت لليهود كلمة(٧) يتسابّون بها عبرانيّة، كما قال الباقر ـ عليه السّلام(٨) ـ وهي راعينا. فلمّا سمعوا

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤١٢، ح ١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الكافي ٨ / ٢٧٤، ح ٤١٣. مع تلخيص في أوائل الحديث.

(٤) المصدر: رأيت.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أ: راعنا، افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون.

(٧) ر. مجمع البيان ١ / ١٧٨.

(٨) ليس في ر.

١١١

بقول(١) المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهم يعنون به تلك المسبّة، فنهي المؤمنون عنها. وأمروا بما هو في معناها. وهو انظرنا بمعنى انظر إلينا، وانتظرنا من نظره إذا انتظره.

وقرئ «أنظرنا»، من الإنظار، بمعنى الإمهال، و «راعونا» على لفظ الجمع، للتّوقير، و «راعنا» (بالتّنوين)، أي: قولا ذا رعن، نسبة إلى الرّعن. وهو الهوج(٢) ، لمشابهة قولهم راعينا.

( وَاسْمَعُوا ) ، أي: أحسنوا الاستماع لما يكلّمكم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ويلقي عليكم من المسائل بآذان(٣) واعية وأذهان حاضرة، حتّى لا تحتاجوا إلى الاستعارة وطلب المراعاة.

أو: واسمعوا، سماع(٤) قبول وطاعة. لا يكن مثل سماع اليهود، حيث قالوا: سمعنا وعصينا.

او: واسمعوا ما أمرتم به بجدّ، حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه.

( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٠٤)، يعني: للّذين تهاونوا بالرّسول، عذاب موجع مؤلم.

( ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ) :

نزلت تكذيبا لجمع من الكافرين يظهرون مودّة المؤمنين ويزعمون أنّهم يودّون لهم الخير.

والمودة: محبّة الشيء، مع تمنّيه. ولذلك يستعمل في كلّ منهما.

و «من»، للتّبيين. لأنّ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) جنس، تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون.

( أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) :

مفعول «يودّ».

و «من» الأولى، مزيدة للاستغراق، والثّانية، للابتداء.

والمراد بالخير، ما يعمّ الوحي والعلم والنّصرة.

__________________

(١) ليس في ر. وأ: يقول.

(٢) أ: الهرج.

(٣) ر: بإذن.

(٤) ر: إسماع.

١١٢

( وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) :

روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) : أنّ المراد برحمته هاهنا، النّبوّة.

وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ ـ رحمه الله ـ عمّن رواه، بإسناده عن أبيّ بن صالح، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الرّضا، عن أبيه موسى، ان أبيه جعفر ـ صلوات الله عليهم ـ في قوله تعالى( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) ، قال: المختصّون(٣) بالرّحمة، نبيّ الله ووصيّه وعترتهما. إنّ الله تعالى خلق مائة رحمة: فتسع وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد وعليّ وعترتهما. ورحمة واحدة، مبسوطة على سائر الموجودين].(٤)

( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (١٠٥) :

فيه إشعار بأنّ النّبوّة من فضله، وأنّ كلّ خير نال عباده في دينهم أو دنياهم، فإنّه من عنده، ابتداء منه، إليهم، وتفضّلا عليهم، من غير استحقاق منهم لذلك عليه. فهو عظيم الفضل ذو المنّ والطّول.

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) :

نزلت لـمّا قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر، ثمّ ينهاهم عنه. ويأمرهم بخلافه؟

والنّسخ»، في اللّغة، إزالة الصّورة عن الشيء وإثباتها في غيره، كنسخ الظّلّ للشّمس. ومنه التّناسخ. ثمّ استعمل في كلّ منهما، كقولك: نسخت الرّيح الأثر. ونسخت الكتاب.

ونسخ الآية، بيان انتهاء التّعبّد بها :

إمّا بقراءتها فقط، كآية الرّجم. فقد قيل: إنّها كانت منزلة فرفع لفظها(٥) . فقط، دون حكمها.

أو بالعكس، كقوله(٦) :( إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٧٩.

(٢) تأويل الآيات الباهرة / ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) المصدر: المختصّ.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٨٠.

(٦) الممتحنة / ١١.

١١٣

(الاية) فهذه الاية ثابتة في الخطّ، مرتفعة الحكم.

أو بهما، كما روي عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم. فإنّه كفر بكم.» فرفع وإنساؤها إذهابها، عن القلوب.

و «ما»، شرطيّة جازمة، لننسخ. منتصبة به على المفعوليّة.

( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ، أي: بما هو خير للعباد في النّفع والثّواب، أو مثلها في الثّواب.

[وقرأ ابو عمرو(١) بقلب الهمزة ألفا].(٢)

[وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب. قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر. وقلقت لذلك. فلا تغتمّ. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وصاحبك بعدك أبو محمّد ابني. وعنده ما تحتاجون إليه. يقدّم ما يشاء الله ويؤخّر ما يشاء.(٤) ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) وقد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عمر بن يزيد. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ».

فقال: كذبوا. ما هكذا هي إذا كان ينسخها. نأت بمثلها ينسخها(٦) .

قلت: هكذا قال الله؟

قال: ليس هكذا قال الله ـ تبارك وتعالى.

قلت: فكيف قال؟

قال: ليس فيها ألف ولا واو. قال:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) . يقول: ما نميت من إمام، أو ننسه ذكره، نأت بخير منه من صلبه مثله.

وفيه(٧) : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٥.

(٢) ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٣٢٨، ح ١٢.

(٤) المصدر: ما يشاء الله.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٦، ح ٧٨.

(٦) المصدر: «فعال: كذبوا ما هي إذا كان ينسى وينسخها أو يأت بمثلها لم ينسخها.» وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ١ / ٥٥، ح ٧٧.

١١٤

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) قال: النّاسخ ما حوّل. وما ينسيها، مثل الغيب الّذي لم يكن بعد، كقوله(١) : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

قال: فيفعل الله ما يشاء. وما يحوّل ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له. فرحمهم.

ومثل قوله(٢) : فتولّ عنهم فما أنت بملوم.

قال: أدركتهم رحمته].(٣)

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٦). فهو يقدر على النّسخ والإتيان، بمثل المنسوخ، وبما هو خير منه؟

( أَلَمْ تَعْلَمْ ) :

الخطاب للنّبيّ. والمراد هو وأمّته، لقوله:( أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) : يملك أموركم. ويدبّرها على حسب ما يصلحكم. وهو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ؟

( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٠٧) الفرق بين «الوليّ» و «النّصير»، أنّ «الوليّ» قد يضعف عن النصرة.

و «النّصير» قد يكون أجنبيّا عن المنصور.

( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ ) :

لمّا بيّن لهم أنّه مالك أمورهم، ومدبّرها على حسب مصالحهم، من نسخ الآيات وغيره، وقرّدهم على ذلك بقوله «ألم تعلم»، أراد أن يوصيهم بالثّقة به فيما هو أصلح لهم، ممّا يتعبّدهم به وينزل عليهم، وأن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى، من الأشياء الّتي كانت عاقبتها وبالا عليهم.

قيل(٤) : نزلت في أهل الكتاب، حين سألوا أن ينزّل [الله](٥) عليهم كتابا من السّماء. وقيل: في المشركين، لـمّا قالوا لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.

( وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ ) ومن ترك الثّقة بالآيات المنزلة وشكّ فيها واقترح غيرها.

__________________

(١) الرعد / ٣٩.

(٢) الذاريات / ٥٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٥) يوجد في المصدر.

١١٥

( فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) (١٠٨)، أي: الطّريق المستقيم حتّى وقع في الكفر، بعد الإيمان.

( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ) :

روى(١) أنّ فنحاص بن عازورا وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم؟ ولو كنتم على حقّ ما هزمتم. فارجعوا إلى ديننا. فهو خير لكم، وأفضل. ونحن أهدى منكم سبيلا.

فقال عمّار: كيف نقض العهد فيكم؟

قالوا: شديد.

قال: فإنّي عاهدت أن لا أكفر بمحمّد ما عشت.

فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا.

قال حذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا، وبالقرآن اماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا.

ثمّ أتيا رسول الله. وأخبراه. فقال: أصبتما خيرا. وأفلحتما، فنزلت.

وعن ابن عبّاس(٢) : أنّها نزلت في حيّ بن أخطب وأخيه أبي ياسر بن أخطب.

وقد دخلا على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين قدم المدينة. فلمّا خرجا قيل لحيّ: هو نبيّ.

قال: هو هو.

فقيل: فما له عندك؟

قال: العداوة إلى الموت.

وهو الّذي نقض العهد. وأثار الحرب يوم الأحزاب.

وقيل(٣) : نزلت في كعب بن الأشرف.

( حَسَداً ) : علّة ود(٤) .

( مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) :

امّا متعلّق بودّ، أي: تمنّوا ذلك من عند أنفسهم، وتشبيههم لا من قبل التّديّن والميل مع الحقّ، أو بحسدا، أي: حسدا منبعثا من أصل نفوسهم.

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٧٦.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ليس في أ.

١١٦

( مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ ) بالمعجزات والنّعوت المذكورة في التوراة.

( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) :

«العفو»: ترك عقوبة المذنب. و «الصّفح»: ترك تثريبه.

( حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) الّذي هو الإذن في قتالهم، وضرب الجزية عليهم، أو قتل قريظة، وإجلاء بني النضير.

قيل(١) : إنّ هذه الآية، منسوخة. فقال بعضهم: بقوله(٢) :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وبعضهم: بآية السّيف. وهو قوله(٣) :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ».

والمرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام، أنّه قال(٤) : لم يؤمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بقتال، ولا أذن له فيه، حتّى نزل جبرئيل بهذه الآية(٥) :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) وقلّده سيفا.

( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٩)، فيقدر على الانتقام منهم.

( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) : عطف على «فاعفوا». كأنّه أمرهم بالصّبر والالتجاء إلى الله، بالعبادة والبرّ.

( وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ) ، كصلاة، أو صدقة. وقرئ(٦) [تقدموا](٧) من أقدم،( تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ ) ، أي: ثوابه.

( إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (١١٠): لا يضيع عنده عمل عامل.

وقرئ(٨) بالياء. فيكون وعيدا. «وَقالوا» عطف على «ودّ» والضّمير لأهل الكتاب.

( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً ) : جمع هائد، كعوذ وعائذ وباذل وهو جمع للمذكّر والمؤنّث، على لفظ واحد.

والهائد: التّائب الرّاجع إلى الحقّ.

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٢) التوبة / ٢٩.

(٣) التوبة / ٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٥.

(٥) الحج / ٣٩.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع.

١١٧

وقيل(١) : مصدر. يصلح للواحد والجمع، كما يقال: رجل صوم وقوم صوم.

وقيل(٢) : أصله يهود: فحذفت الياء الزّائدة.

وعلى ما قلنا، فتوحيد الاسم المضمر وجمع الخبر، لاعتبار اللّفظ والمعنى.

( أَوْ نَصارى ) : سبق تحقيقه. والكلام على اللّفّ بين قولي الفريقين. والتّقدير: وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا. والنّصارى لن يدخل الجنّة، إلّا من كان نصارى، ثقة بأن السامع يرد إلى كلّ فريق قوله، وأمنا من الالتباس، لما علم من التّعادي بين الفريقين وتضليل كلّ واحد منهما، صاحبه.

( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) :

إشارة إلى الأمانيّ المذكورة. وهي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربّهم وأن يردّوهم كفّارا. وأن لا يدخل الجنّة غيرهم.

أو إلى ما في الآية على حذف مضاف، أي: أمثال تلك الأمنيّة المذكورة في الآية، أمانيّهم.

والجملة اعتراض.

والأمنيّة: أفعولة من التّمنّي، كالأضحوكة والأعجوبة والجمع الأضاحيك والأعاجيب.

( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) على اختصاصكم بدخول الجنّة.

والبرهان والحجّة والدّلالة والبيان، بمعنى واحد. وقد فرّق عليّ بن عيسى، بين الدّلالة والبرهان، بأن قال: «الدّلالة» قد ينبئ عن معنى فقط. لا يشهد لمعنى آخر. و «البرهان» ليس كذلك. لأنّه بيان عن معنى ينبئ عن معنى آخر. وقد نوزع في هذا الفرق. وقيل: «إنّه محض الدّعوى(٣) ».

( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (١١١) في دعواكم. فإنّ كلّ قول لا دليل عليه غير ثابت.

وفي هذه الآية، دلالة على فساد التّقليد في الأصول. الا ترى أنّه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوا ببرهان؟

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على جواز المحاجّة في الدّين.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

١١٨

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على أنّه لا حجّة في إجماع يخلو عن معصوم. وإلّا لجاز لهم أن يقولوا البرهان. إنّا أجمعنا على ما قلنا. فالمتمسّكون بالإجماع المذكور، أضلّون من محرّفي أهل الكتاب.

( بَلى ) : اثبات لما نفوه، من دخول غيرهم الجنّة.

( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) :

من(١) أخلص نفسه له، لا يشرك به غيره، أو قصده وتوجّهه له،( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) الّذي يستوجبه ثابتا،( عِنْدَ رَبِّهِ ) : لا يضيع ولا ينقص.

والجملة جواب «من»، إن كانت شرطيّة، وخبرها، إن كانت موصولة.

و «الفاء» لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. فيكون الرّدّ بقوله «بلى» وحده، أو يكون «من أسلم»، فاعلا لفعل محذوف، أي: بلى يدخلها من أسلم.

ويكون قوله «فله أجره»، كلاما معطوفا على يدخلها «من أسلم».

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١١٢) في الآخرة.

وهذا ظاهر على قول من يقول: أنّه لا يكون على أهل الجنّة خوف ولا حزن في الآخرة. وأمّا على قول من قال: بعضهم يخاف ثمّ يأمن، فمعناه أنّهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم. لأنّهم يكونون على ثقة، بأنّ ذلك لا يفوتهم.

[وفي كتاب الاحتجاج(٢) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ حديث طويل، عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه: قولوا( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) أي: نعبد واحدا. لا نقول كما قال الدّهريّة: «إنّ الأشياء لا بدو لها وهي دائمة.» ولا كما قال الثّنويّة الّذين قالوا: «إنّ النّور والظّلمة هما المدبّران.» ولا كما قال مشركوا العرب: «إنّ أوثاننا آلهة.» فلا نشرك بك شيئا. ولا ندعو من دونك إلها، يقول هؤلاء الكفّار. ولا نقول كما تقول النّصارى واليهود: «إنّ لك ولدا.» تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا.

قال: فذلك قوله.:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٥.

١١٩

وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفّار: ما قالوا؟

قال الله: يا محمّد!( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) الّتي يمنّونها بلا حجّة.( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) وحجّتكم على دعواكم،( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) كما أتى محمّد ببراهينه الّتي سمعتموها.

ثمّ قال:( بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) ، يعني: كما فعل هؤلاء الّذين آمنوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمعوا براهينه وحجّته( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله لله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) ، ثوابه( عِنْدَ رَبِّهِ ) ، يوم فصل القضاء،( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) حين يخاف الكافرون بما يشاهدونه من العقاب،( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) عند الموت. لأنّ البشارة بالجنان، تأتيهم.

وفيه(١) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: فالجدال بالّتي هي أحسن: قد قرنه العلماء بالدّين والجدال بغير الّتي هي أحسن، محرّم وحرّمه الله على شيعتنا.

وكيف يحرّم(٢) الجدال جملة وهو يقول:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .، قال الله تعالى:( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ؟» فجعل(٣) علم الصّدق والإيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالّتي هي أحسن والّتي ليست بأحسن؟

وفي كتاب الخصال(٤) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على النّاس، يوم الشورى. قال: نشدتكم بالله! هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثل ما قال لي؟: أهل ولايتك يخرجون يوم القيامة من قبورهم، على نوق بيض شراك نعالهم نور يتلألأ. قد سهلت عليهم الموارد. وفرجت عليهم(٥) الشّدائد. واعطوا الأمان.

وانقطعت عنهم الأحزان، حتّى ينطلق بهم إلى ظلّ عرش الرّحمن. فوضع(٦) بين أيديهم مائدة. يأكلون منها حتّى يفرغ من الحساب يخاف النّاس ولا يخافون ويحزن النّاس ولا يحزنون غيري.» قالوا: أللّهمّ لا!](٧)

( وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ) ، أي: أمر يصحّ ويعتدّ به. وهذه

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤.

(٢) المصدر: يحرّم الله.

(٣) المصدر: فجعل الله.

(٤) الخصال / ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٥) المصدر ور: عنهم.

(٦) المصدر: توضع.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

منور قلوب أهل الدين

ومذهب وسوسة اللعين

فكله كيما أن تصح بعده

بشحمه فهو دباغ المعده

لا يشرك الإنسان في الرمان

لحبة فيه من الجنان

وتؤكل الأعناب مثنى مثنى

وورد الأفراد فيه أهنى

والرازقي منه صنف يحمد

ويذهب الغموم منه الأسود

والتين مما جاء فيه أنه

أشبه شيء بنبات الجنة

ينفي البواسير وكل الداء

ومعه لم تحتج إلى دواء

وفي السفرجل الحديث قد ورد

تأكله الحبلى فيحسن الولد

وقد أتانا عن ولاة الامر

وعن أبيهم حبهم للتمر

فأصبحت شيعتهم كذلك

تحبه في سائر الممالك

وجاء في الحديث أن البرني

يشبع من يأكله ويهني

وأنه يذهب للعياء

وهو دواء سالم من داء

وجاء عنهم في حديث قد ورد

كثرة أكل البيض تكثر الولد

وينفع التفاح في الرعاف

مبرد حرارة الأجواف

وفيه نفع للسقام العارض

ويورث النسيان أكل الحامض

- فصل في اللحوم ـ

قد ورد المدح للحم الضان

لكن أتى النهي عن الإدمان

وهو يزيد في السماع والبصر

لأكله بالبيض في الباه أثر

أطيبه لحم الذراع والقبج

والفرخ أن ينهض أو كان درج

شكا نبي قلة الجماع

والضعف عند الملك المطاع

٢٠١

أمره بالأكل للهريسة

وفيه ايضاً خلة نفيسة

تنشيطها الأنسان للعبادة

شهراً عليه عشرة زيادة

والسمك اتركه لما قد وردا

من ان اكله يذيب الجسدا

ما بات في جوف امرئ الا اضطرب

عليه عرق فالج فيجتنب

لكن من يأكل تمراً او عسل

عليه عند ذلك الفالج زل

والنهك للعظام مكروه فلا

تفعله فالناهك عظماً يبتلى

تأخذ منه الجن فوق ما اخذ

فهو طعام الجن(1) حين ينتبذ

- الادام والبقول ـ

نعم الادام الخل ما فيه ضرر

وكل بيت حل فيه ما افتقر

يزيد في العقل، ودود البطن

يهلكه، محدد للذهن

وينبت اللحم الشراب للبن

كذا يشد العضد الذي وهن

والقرع وهو ما يسمى بالدبا

قد كان يعجب النبي المجتبى

فانه قد جاء في المنقول

يزيد في الدماغ والعقول

وجاء عمن كلما قالوه حق

أن طبيخ الماش يذهب البهق

وعن أمير المؤمنين في العدس

بين وصفاكاد فيه أن يحس

في سرعة الدمعة في البكاء

ورقة في القلب والأحشاء

مما يزيد في الجماع البصل

وفيه نفع غير هذا نقلوا

__________________

1 - ربما يراد بها القطط والكلاب التي تنتظر فضلة المائدة.

٢٠٢

من دفعه الحمى وشده العصب

والطرد للوبا وإذهاب النصب

ويذهب البلغم، والزوجين

يزيد حضوتيهما في البين

ومن يكن في جمعة أو قد دخل

في مسجد فليجتنب أكل البصل

كذاك أكل الثوم والكراث

دعه ونحو هذه الثلاث

وجاء في رواية أن الجزر

يزيد في الباه مقيما للذكر

مسخن للكليتين ينجي

من البواسير ومن قولنج

والأكل للكرفس ممدوح بنص

ينفي الجذام والجنون البرص

طعام الياس نبي الله مع

وصي موسى يوشع من اليسع

وجاء في الكراث فيما قد ورد

قطع البواسير وللريح طرد

يؤكل للطحال في أيام

ثلاثة والأمن من جذام

والسلق جاء فيه نعم البقلة

وفيه نفع قد أردنا نقلة

تأثيره التغليظ للعظام

والدفع للجذام والبرسام

في شاطئ الفردوس منه وجدا

فيه شفاء نافع لكل دا

والأكل للخس مصف للدم

ويذهب الجذام أكل الشلجم

والأكل من سواقط الخوان

يغدو مهور الخرد الحسان

فيه شفاء كل داء قد ورد

مع صحة العيش وصحة الولد

إلا إذا ما كان في الصحراء

فأبقه فالفضل في الابقاء

وهو دواء للذي له أكل

من مرض وللعموم يحتمل

- التخليل ـ

وجاء في تخلل الأسنان

نهي عن الريحان والرمان

٢٠٣

والخوص والآس وعود القصب

ولا تدعه فهو شرعاً مستحب

ما أخرج اللسان فابتلعه

وبالخلال أقذف ولا تدعه

تربة الحسين (ع)

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحمام أشرفا

لها دعاءان فيدعو الداعي

في وقتي الأخذ والابتلاع

حد لها الشارع حداً خصصه

تحريم ما قد زاد فوق الحمصه

القول في الماء وآدابه

سيد كل المائعات الماء

ما عنه في جميعها غناء

أما ترى الوحي إلى النبي

منه جعلنا كل شيء حي

ويكره الاكثار منه للنص

وعبه - أي شربه - بلا مص

يروى به التوريث للكباد

بالضم أعني وجع الأكباد

ومن ينحيه ويشتهيه

ويحمد الله ثلاثاً فيه

ثلاث مرات فيروى أنه

يوجب للمرء دخول الجنه

وفي ابتداء هذه المرات

جميعها بسمل لنص آت

وان شربت الماء فاشرب بنفس

ان كان ساقي الماء حراً يلتمس

أو كان عبداً ثلث الأنفاسا

كذاك ان أنت أخذت الكاسا

والماء أن تفرغ من الشراب له

صل على الحسين والعن قاتله

تؤجر بالآف عدادها مئة

من عتق مملوك وحط سيئة

ودرج وحسنات ترفع

فهي اذن مئات الف أربع

وليجتنب موضع كسر الآنية

وموضع العروة للكراهية

تشربه في الليل قاعداً لما

رووه واشرب في النهار قائماً

٢٠٤

والفضل للفرات ( ميزابان )

فيه من الجنة يجريان

حنك به الطفل ففي الرواية

يحبب المولود للولاية

ونيل مصر ليس بالمحبوب

فانه المميت للقلوب

والغسل للرأس بطين النيل

والأكل في فخاره المعمول

يذهب كل منهما بالغيرة

ويورث الدياثة المشهورة

في ماء زمزم حديث وردا

أمن من الخوف شفاء كل دا

ويندب الشرب لسؤر المؤمن

وان ادير يبتدا بالأيمن

لا تعرضن شربه على أحد

لكن متى يعرض عليك لا يرد

في زاد السفر وآدابه

من شرف الانسان في الأسفار

تطييبه الزاد مع الاكثار

وليحسن الانسان في حال السفر

أخلاقه زيادة على الحضر

وليدع عند الوضع للخوان

من كان حاضراً من الاخوان

وليكثر المزح مع الصحب إذا

لم يسخط الله ولم يجلب أذى

من جاء بلدة فذا ضيف على

إخوانه فيها إلى أن يرحلا

يبر ليلتين ثم يأكل

من أكل أهل البيت في المستقبل

والضيف يأتي معه برزقه

فلا يقصر أحد في حقه

يلقاه بالبشر وبالطلاقه

ويحسن القرى بما أطاقه

يدنى اليه كل شيء يجده

ولا يرم ما لا تناله يده

وليكن الضيف بذاك راضي

ولا يكلفه بالاستقراض

وأكرم الضيف ولا تستخدم

وما اشتهاه من طعم قدم

وبالذي عندك للأخ اكتف

لكن إذا دعوته تكلف

٢٠٥

فان تنوقت له فلا يضر

فخيره ما طاب منه وكثر

ويندب الأكل مع الضيف ولا

يرفع قبله يداً لو أكلا

وان يعين ضيفه إذ ينزل

ولا يعينه إذا ما يرحل

وينبغي تشييعه للباب

وفي الركوب الأخذ للركاب

وصاحب الطعام يغسل اليدا

بعد الضيوف عكس غسل الا تبدا

ثم بمن على يمين الباب

كما هو المشهور في الأصحاب

أو أفضل القوم رفيع الشأن

كما قد استحبه ( الكاشاني )

يجمع ماء الكل طشت واحد

لأجل جمع الشمل فهو الوارد

هذا وصلى الله ذو الجلال

على النبي المصطفى والآل

ومن شعره يرثي الامام الحسن السبطعليه‌السلام

ما كان أعظم لوعة الزهراء

فيما به فجعت من الارزاء

كم جرعت بعد النبي بولدها

غصصاً لما نالوا من الأعداء

ما بين مقتول بأسياف العدا

دامي الوريد مرضض الأعضاء

ظمآن ما بل الغليل وشارب

سماً يقطع منه في الأمعاء

بأبي الذي أمسى يكابد علة

ما أن يعالج داءها بدواء

ما ان ذكرت مصابه إلا جرت

عيني وشب النار في أحشائي

ولأن بكت عيني ببيض مدامع

فيحق أن تبكي بحمر دماء

لم أنسه في النعش محمولاً وقد

بدت الشماتة من بني الطلقاء

وأتوابه كيما يجدد عهده

بأبيه أحمد أشرف الآباء

ولرب قائلة الا نحو ابنكم

لا تدخلوا بيتي بغير رضائي

شكوا بأسهم حقدهم أكفانه

وأبوه أن يدنى أشد إباء

٢٠٦

أو كان يرضى المصطفى أن ابنه

يقصى وأن يدنى البعيد النائي

لهفي على الحسن الزكي المجتبى

سبط النبي سلالة النجباء

قاسى شدائد لا أراها دون ما

قاسى أخوه سيد الشهداء

ما بين أعداء يرون قتاله

وبشيعة ليسوا بأهل وفاء

خذلوه وقت الاحتياج اليهم

وقد التقى الفئتان في الهيجاء

صاروا عليه بعد ما كانوا له

ولقوه بعد الرد بالبغضاء

حتى أصيب بخنجر في فخذه

وجراحة بلغت إلى الأحشاء

فشكا لعائشة بضمن الوكة

أحواله فبكت أشد بكاء

حال تكدر قلب عائشة فما

حال الشفيقة أمه الزهراء

لا نجدة يلقى العدو بها ولا

منجى يقيه من أذى الأعداء

ضاقت بها رحب البلاد فاصبحوا

نائين في الدنيا بغير غناء

يتباعدون عن القريب كأنهم

لم يعرفوه خيفة الرقباء

أوصى النبي بودهم فكأنه

أوصى لهم باهانة وجفاء

تبعت أمية في القلا رؤساءها

فالويل للأتباع الرؤساء

جعلوا النبي خصيمهم تعساً لمن

جعل النبي له من الخصماء

فتكوا بسادتهم وهم أبناؤها

لم ترع فيهم حرمة الآباء

فمتى تعود لآل أحمد دولة

تشفى القلوب بها من الأدواء

بظهور مهدي يقر عيوننا

بظهور تلك الطلعة الغراء

صلى الإله عليهم ما اشرقت

شمس النهار واعقبت بمساء

وقال يمدح الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ويهنئه بداره الكبيرة عام 1225 في عهد أبيه. منها

٢٠٧

يا أيها الساعي لكل حميدة

تلك المكارم جئتها من بابها

ما وفق الله امرءاً لفضيلة

إلا وكنت الأصل في أسبابها

بوركت في العلياء يا من بوركت

هي فيه فافتخرت على أترابها

فلبستها تحت الثياب تواضعاً

وتفاخراً لبستك فوق ثيابها

ولكم أناس غير اكفاء لها

خطبت فردتها على أعقابها

فرأوه مهراً غالياً فتأخروا

والعيب كان بخاطبيها لا بها

وأتته خاطبة اليه بنفسها

من بعد ما امتنعت على خطابها

موسى بن جعفر الذي لجنابه

صلحت كما هو صالح لجنابها

ومنها يقول:

دار يفوح اريجها فيشمه الـ

ـنائي ويغمر من يمر ببابها

يلج الملوك الرعب إذ يلجونها

فتحلها والرعب ملء اهابها

حتى ترى من أهلها لو سلمت

حسن ابتسام عند رد جوابها

دار العبادة لم يطق متعبد

ترجيح محراب على محرابها

هم أهل مكتها التي إن يسألوا

عنها فهم أدرى الورى بشعابها

خطباء أعواد أئمة جمعة

أمرا كلام يوم فصل خطابها

وبراعة فعلت باسماع الألى

يصفون فعل الخمر في البابها

ان أوجزت يعجبك حسن وجيزها

أو أسهبت فالفضل في اسهابها

ومنها يقول:

يا ابن الذي يقضي الحقوق جلالة

لله لاطمعا بنيل ثوابها

طلبوا الثواب بها ومطلبه الرضا

شتان بين طلابه وطلابها

٢٠٨

ألقيت نفسك في الحفاظ من العدا

وقصدت وجه الله في اتعابها

علمت أرباب الجهات طرايقاً

للدفع عن اعراضها ورقابها

لولاك ما اعتدوا ولم يك عندهم

لاولئك الاعداء غير سبابها

رابطت اعداءاً ملأت قلوبهم

رهباً جزيت الخير عن إرهابها

وقصيدة زانت بصدق ثنائها

وجزالة الألفاظ باستعذابها

جاءتك تعرب عن صفاء ودادها

ولديك ما يغنيك عن إعرابها

جاءت مهنية بدار سعادة

تتزاحم التيجان في ابوابها

بلغت بأقصى المجد تاريخاً ( الا

دار مباركة على اربابها )

٢٠٩

مسلم بن عقيل الجصاني

لو ان للدهر في حالاته ورعا

حمى حقيقة نجل المصطفى ورعى

درى الردى من بسهم النائبات رمى

فاصبح الدين في مرماه متصدعا

رمى إمام تقى تهدى الانام به

نور النبوة من لألائه لمعا

رمى فتى كان موصولا برحمته

الاسلام والدين منه البر منتجعا

رمى حسيناً اخا الاحسان خير فتى

قد كان في الناس للمعروف مصطنعاً

لئن يعض بنان الحزن من اسف

ندمت ام لافان الأمر قد وقعا

ايبست من دوحة العلياء غصن علا

قد كان من شجر الأيمان مفترعاً

لهفى لمستشهد في الطف مات وما

غليله بل من ماء وما نقعا

٢١٠

الشيخ مسلم الجصاني

المتوفي 1235 هجري

هو الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني الأصل، النجفي المسكن، عالم أديب وشاعر لبيب.

ولد في جصان وهاجر إلى النجف كما يظهر من آثاره في دور الشباب واتصل بالسيد محمد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر الجناجي فنال المكان اللائق به عندهما وشارك في معركة الخميس مشاركة فعلية، وقد مر ذكره غير مرة في مختلف تراجم أصدقائه أمثال النحوي والزيني والجامعي والفحام واصحابهم من ابطال المعركة.

ذكره صاحب الحصون في ج 9 ص 319 فقال: كان فاضلاً اديباً شاعراً بارعاً تقياً نقياً معاصراً لبحر العلوم والشيخ جعفر وله مطارحات مع ادباء عصره وقد رثى السيد صادق الفحام وعثرت له على مرثية للسيد سليمان الحلي ومطارحات مع الشيخ علي بن محمد بن زين الدين التميمي الكاظمي وغيره كما له مراثي كثيرة للامام الحسين (ع) توفي في حدود 1235 في النجف ودفن بها: ومن شعره مخمساً والأصل للصاحب بن عباد في مدح الامام اميرالمؤمنين (ع):

ألم تر ان الشهب دون حصى الغري

فعجها الى وادي الغري المطهر

سألتك بالحي المميت المصور

إذا مت فادفني مجاور حيدر

ابا شبر اعني به وشبر

إمام لأهل الجود اعلى مناره

يزيد ندى لا يصطلي الحب ناره

٢١١

ولما استجار الدين يوماً اجاره

فتى لا يذوق النار من كان جاره

ولا يختشي من منكر ونكير

فيا مخمداً حر الوطيس إذا حمى

ومفترساً بالكرليثاً وضيغماً

اتسلم عبداً للولاء قد انتمى

وعار على حامي الحمى وهو بالحمى

إذا ضل في البيدا عقال بعير

وترجم له السيد الامين في الأعيان فقال: الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني ابن يحيى بن عبد ان بن سليمان الوائلي الكناني. توفي سنة 1230.

٢١٢

الحاج هاشم الكعبي

لو كان في الربع المحيل

برء العليل من الغليل

ربع الشباب ومنزل

الأحباب والظل الظليل

لعب الشمال به كما

لعبت شمول بالعقول

طلل يضيف النازلين

شجاؤه قبل النزول

مستأنساً بالوحش بعد

أوانس الحي الحلول

مستبدلا ربما بريم

آخذ غيلا بغيل

لا يقتضي عذرا ولا

يرتاع من عذل العذول

ومريعة باللوم تلحوني

وما تدري ذهولي

خلي أميمة عن ملامك

ما المعزي كالثكول

ما الراقد الوسنان مثل

معذب القلب العليل

سهران من ألم وهذا

نائم الليل الطويل

ذوقي أميمة ما أذوق

وبعده ما شئت قولي

أو من علمت الماجدين

غداة جدوا بالرحيل

آل الرسول ونعم أكفاء

العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم

وأصولهم خير الأصول

ومهابط الأملاك تترى

بالبكور وبالأصيل

٢١٣

ذللا على الأبواب لا

يعدون إذنا للدخول

أبداً بسر الوحي

تهتف بالصعود وبالنزول

عرف الذبيح بهم وما

عرفت قريش بالفضول

من مالك خير البطون

وصنوه خير القبيل

من هاشم البطحاء لا

سلفي نمير أو سلول

من راكبي ظهر البراق

وممتطي قب الخيول

من خارقي السبع الطباق

ومخرسي العشر العقول

من آل أحمد رحمه

الأدنى ومغرسه الأصيل

ركبوا إلى العز المنون

وجانبوا عيش الذليل

وردوا الوغى فقضوا وليس

تعاب شمس بالأفول

هيهات ما الصبر الجميل

هناك بالصبر الجميل

او ما سمعت ابن الببتولة

لو دريت ابن البتول

إذ قادها شعث

الننواصي عاقدات للذيول

طلق الأعنة عاطفات

بالرسيم على الذميل

يطوي بها متن الوعور

معارضا طي السهول

متنكب الورد الذميم

مجانب المرعى الوبيل

طلاب مجد بالحسام

العضب والرمح الطويل

متطلباً أقصى المطالب

خاطب الخطب الجليل

يحدو مأثر قاصراً

عن منتهاها كل طول

شرف تورث عن وصي

أو أخي وحي رسول

ضلت أمية ما تريد

غداة مقترع النصول

رامت تسوق المصعب الهدار

مستاق الذلول

٢١٤

ويروح طوع يمينها

قود الجنيب أبو الشبول

وغوى بها جهل بها

وألغي من خلق الجهول

لف الرجال بمثلها

وثنى الخيول على الخيول

وأباحها عضب الشبا

لا بالكهام ولا ألكليل

خلط البراعة بالشجاعة

فالصليل عن الدليل

للسانه وسنانه

صدقان من طعن وقيل

قل الصحابة غتير أن

قليلهم غير القليل

من كل أبيض واضح الحسبين

معدوم المثيل

من معشر ضربوا الخبا

في مفرق المجد الأثيل

وعصابة عقدت عصابة

عزهم كف الجليل

كبني علي والحسين

وجعفر وبني عقيل

وحبيب الليث الهزبر

ومسلم الأسد المديل

آحاد قوم يحطمون

الجمع في اليوم المهول

ومعارضي أسل الرماح

بعارض الخد الأسيل

يمشون في ظلل القنا

ميل المعاطف غير ميل

وردوا على الظماء الردى

ورد الزلال السلسبيل

وثووا على الرمضاء من

كاب ومنعفر جديل

وسطا العفرنى حين أفرد

شيمة الليث الصؤول

ذات الفقار بكفه

وبكتفه ذات الفضول

وابو المنية سيفه

وكذا السحاب أبو السيول

غرثان أورث حده

ضرب الطلى فرط النحول

صاح نحيل المضربين

فديت للصاحي النحيل

٢١٥

غيران ينتقد الكمي

فليس يقنع بالبديل

يا ابن الذين توارثوا

العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم

في كل جيل كل جيل

والطاعني ثغر العدى

والمانعي ضيم النزيل

إن تمس منكسر اللوى

ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا

من كل عيب في القتيل

جم المناقب لم تكن

تعطي العدى كف الذليل

كلا ولا أقررت إقرار

العبيد على الخمول

يهدى لك الذكر الجميل

على الزمان المستطيل

ما كنت إلا السيف أبلته

الضرائب بالفلول

والليث أقلع بعد ما

دق الرعيل على الرعيل

والطود قد جاز العلو

فلم يكن غير النزول

والطرف كفكف بعدما

غلب الجياد على الوصول

والشمس غابت بعدما

هدت الأنام إلى السبيل

والماجد الكشاف

للكربات في الخطب الثقيل

حاوي الثناء المستطاب

وكاسب الحمد الجزيل

بابي وأمي أنتم

من بعدكم للمستنيل

لادر بعدكم الغمام

ولا سقى ربع المحيل

من للهدى من للندى

من للمسائل والسؤول

رجعت بها آمالها

عن لا نوال ولا منيل

فغدت وعبرتها تسح

وقلبها حلف الغليل

ثكلى لها الويل الطويل

شجى وإفراط العويل

٢١٦

يا طف طاف على مقامك

كل هتان هطول

وأناخ فيك من السحاب

الغر مثقلة الحمول

وحباك من مر النسيم

بكل خفاق عليل

أرج يضوع كأنه

قد بل بالمسك البليل

حتى ترى خضر

المرابع والمراتع والفصول

كاسي الروابي والبطاح

مطارفا هدل الذيول

قسما بتربة ساكنيك

وما بضمنك من قتيل

أنا ذلك الظامي وصاحب

ذلك الدمع الهطول

لا بعد ينسيني ولا

قرب يبرد لي غليلي

يا خير من لاذ القربض

بظل فخرهم الظليل

وأجل مسؤول أتاه

فنال عاف خير سول

لكم المساعي الغر

والعلياء لامعة الحجول

والمكرمات وما أشاد

الدهر من ذكر جميل

وجميع ما قال الأنام

وما تسامى من مقول

والمدح في أم الكتاب

وما أتى عن جبرئيل

وثناي أقصر قاصر

وأقل شيء من قليل

والعجز ذنبي لا عدو

لي عن أخ البر الوصول

وأنا المقصر كيف كنت

فهل لعذر من قبول

وأرى الكمال بكم فمدح

الفاضلين من الفضول

صلى الإله عليكم

ما جد ركب في رحيل

٢١٧

الحاج هاشم الكعبي

الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي الدورقى. ولد ونشأ في ( الدورق ) مسكن عشائر كعب بن الأهواز ثم سكن كربلاء والنجف، توفى سنة 1231.

والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب العربية التي تسكن الأهواز ونواحيها، من فحول الشعراء وفي طليعتهم ونظم في رثاء أهل البيتعليهم‌السلام فأكثر وأبدع وأجاد، واحتج وبرهن وأحسن وأتقن، وكل شعره من الطبقة الممتازة.

تحفظ الخطباء شعره وترويه في مجالس العزاء وتشنف به الأسماع. له ديوان أكثره في الأئمةعليهم‌السلام . ومن شعره المقصورة وكأنه عارض بها مقصورة ابن دريد التي تنيف على مائتين وخمسين بيتاً يذكر في أولها حكماً وأمثالا وفي وسطها حماسة وفي آخرها مديح أهل البيتعليهم‌السلام واحداً بعد واحد أولها:

يا بارقا لاح على أعلى الحمى

أأنت أم أنفاس محروق الحشا

قال الشيخ أغا بزرك الطهراني: الحاج هاشم بن حردان بن اسماعيل الكعبي الدورقي من العلماء الفضلاء والشعراء والمشاهير، هاجر من الدورق إلى كربلاء فحضر على علمائها عدة سنين وصار من أهل والفضل والعلم البارزين وبرع في الشعر وفنون الأدب حتى عد في مصاف شيوخه والمشاهير من أعلامه وله ديوان كبير ومعظم شعره في رثاء أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا سيما مراثي سيد الشهداءعليه‌السلام وشعره رقيق منسجم، ولم أقف على مشايخه

٢١٨

ويحتمل أن يكون من تلاميذ الشيخ حسين العصفوري. رأيت بخطه ( هداية الأبرار ) للشيخ حسين بن شهاب الدين الأخباري كتبه لنفسه ودعا لها بالتوفيق وتاريخ فراغه منه سنة 1207 توفى سنة 1231. انتهى عن ( الكرام البررة ).

لقد مضى على وفاة الشاعر الكبير أكثر من مائة وستين عاماً وشعره يعاد ويكرر في محافل سيدالشهداء ويحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني وهو مقبول مستملح بل نجد الكثير يطلب تلاوته وتكراره وكأن عليه مسحة قبول وهذا ديوانه الذي يضم بين دفتيه عشرين قصيدة حسينية أو أكثر لقد طبع وأعيدت طبعاته والطلب يتزايد عليه، فهذه رائعته التي عدد فيها مواقف الإمام أمير المؤمنين البطولية تهتز لها القلوب وتدفع بالجبناء ليكونوا شجعاناً وتنهض بهممهم ليصبحوا فرساناً وهي تزيد على 150 بيتاً ففي مطلعها يقول:

أرأيت يوم تحملتك القودا

من كان منا المثقل المجهودا

إلى أن يصف مفاداة الإمامعليه‌السلام للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومبيته على فراشه ليلة الهجرة فيقول:

ومواقف لك دون أحمد جاوزت

بمقامك التعريف والتحديدا

فعلى الفراش مبيت ليلك والعدى

تهدي إليك بوارقا ورعودا

فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما

يهدي القراع لسمعك التغريدا

فكفيت ليلته وقمت مفادياً

بالنفس لا فشلا ولا رعديدا

واستصبحوا فرأوا دوين مرادهم

جبلاً أشم وفارساً صنديداً

رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى

أو مادروا كنز الهدى مرصودا

٢١٩

وقال:

وغداة بدر وهي أم وقائع

كبرت وما زالت لهن ولودا

فالتاح عتبة ثاوياً بيمين من

يمناه أردت شيبة ووليدا

فشددت كالليث الهزبر فلم تدع

ركناً لجيش ضلالة مشدوداً

ولخيبر خبر يصم حديثه

سمع العدى ويفجر الجملودا

يوم به كنت الفتى الفتاك

والكرار والمحبو والصنديدا

من بعد ما ولى الجبان

براية الإيمان تلتحف الهوان برودا

ورأتك فابتشرت بقربك بهجة

فعل الودود يعاين المدودا

فغدوت ترقل والقلوب خوافق

والنصر يرمي نحوك الأقليدا

وتبعتها فحللت عقدة تاجها

بيد سمت ورتاجها الموصودا

وجعلته جسراً فقصر فاغتدت

طولى يمينك جسرها الممدودا

وأبحت حصنهم المشيد ولم يكن

حصن لهم من بعد ذاك مشيدا

وفي آخرها يتخلص لبطولة الإمام الحسين يوم كربلاء إلى أن يقول:

لله مطروح حوت منه الثرى

نفس العلى والسؤدد المفقودا

ومجرح ما غيرت منه القنا

حسناً ولا أخلقن منه جديدا

قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى

مذ ألبسته يد الدماء لبودا

يا بن النبي الية من مدنف

بعلاك لا كذباً ولا تفنيدا

ما زال سهدي مثل حزني ثابتاً

والغمض مثل الصبر عنك طريدا

تأبى الجمود دموع عينى مثلما

يأبى حريق القلب فيك خمودا

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493