تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152648
تحميل: 2976


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152648 / تحميل: 2976
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة، خلف المقام. وقد قال الله تعالى:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) حتى ارتحل.

فقال: وإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه. ولا آمره أن يرجع. ولكن يصلّي حيث ما(١) يذكر.

موسى بن القاسم(٢) ، عن صفوان بن يحيى، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة، إلّا خلف المقام، لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) .» فإن صلّيتهما في غيره، فعليك إعادة الصّلاة].(٣)

وروى في سبب النّزول، عن ابن عبّاس(٤) وعليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أيضا: أنّه لـمّا أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر، فوضعهما بمكّة، وأتت على ذلك مدّة، ونزلها الجرهميّون، وتزوّج إسماعيل امرأة منهم، وماتت هاجر، فاستأذن إبراهيم سارة أن يزور إسماعيل. فأذنت له. وشرطت عليه أن لا ينزل. فقدم إبراهيم ـ عليه السّلام ـ إذ قد ماتت هاجر. فذهب إلى بيت إسماعيل.

فقال لامرأته. أين صاحبك؟ قالت: ليس هاهنا. ذهب يتصيّد.

وكان إسماعيل يخرج من الحرم. فيصيد. ثمّ يرجع.

فقال إبراهيم: هل عندك ضيافة؟

قالت: ليس عندي شيء. وما عندي أحد.

فقال لها إبراهيم ـ عليه السّلام: إذ جاء زوجك، فاقرئيه السّلام، وقولي له فليغيّر عتبة بابه.

وذهب إبراهيم ـ عليه السّلام. فجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه. فقال لامرأته :

هل جاءك أحد؟

قالت: جاءني شيخ، صفته كذا وكذا. (كالمستخفّة بشأنه).

قال: فما قال لك؟

قالت: قال لي اقرئي زوجك السّلام وقولي له فليغيّر(٥) عتبة بابه.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) نفس المصدر ٥ / ١٣٧، ح ٤٥١.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٥) ر: وقولوا فليغيّرنّ.

١٤١

فطلّقها. وتزوّج أخرى. فلبث إبراهيم ما شاء أن يلبث. ثمّ استأذن أن يزور إسماعيل. فأذنت له واشترطت عليه أن لا ينزل. فجاء ابراهيم حتّى انتهى إلى باب إسماعيل.

فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يتصيّد. وهو يجيء الآن إن شاء الله.

فانزل يرحمك الله.

قال لها: هل عندك ضيافة؟

قالت: نعم.

فجاءت باللّبن واللّحم. فدعا لهما(١) بالبركة. فلو جاءت يومئذ بخبز أو برّ أو شعير أو تمر لكان أكثر أرض الله برّا وشعيرا وتمرا(٢) .

فقالت: انزل حتّى أغسل رأسك.

فلم ينزل. فجاءت بالمقام. فوضعته على شقّه الأيمن. فوضع قدمه عليه فبقى أثر قدمه عليه. فغسلت شقّ رأسه الأيمن. ثمّ حولت المقام إلى شقّه الأيسر. فغسلت شقّ رأسه الأيسر. فبقى أثر قدمه عليه.

فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئيه السّلام. وقولي له: قد استقامت عتبة بابك.

فلمّا جاء إسماعيل وجد ريح أبيه. فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟

قالت: نعم. شيخ أحسن النّاس وأطيبهم ريحا. فقال لي كذا وكذا. وقلت له كذا. وغسلت رأسه. وهذا موضع قدميه على المقام.

فقال لها إسماعيل ذاك إبراهيم.

وفي رواية أخرى، عنه ـ عليه السّلام(٣) ـ أنّ إبراهيم استأذن سارة أن يزور إسماعيل. فأذنت له على أن لا يلبث عنها، وأن لا ينزل من حماره.

فقيل له، فكيف كان ذلك! فقال: إنّ الأرض طويت له.

وروى عبد الله بن عمر(٤) ، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: الرّكن

__________________

(١) أ: لهم.

(٢) ر: كان أكثر أرض الله برّا او شعيرا او تمرا.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤+ بحار الأنوار ١٢ / ١١١، ح ٣٨، نقلا عن قصص الأنبياء.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٤.

١٤٢

والمقام، ياقوتتان من ياقوت الجنّة. طمس الله نورهما. ولو لا أنّ نورهما طمس، لأضاء ما بين المشرق والمغرب.

واستدلّ أصحابنا بهذه الآية، على أنّ صلاة الطّواف فريضة، مثل الطّواف، بأنّ الله تعالى أمر بذلك. وظاهر الأمر، يقتضي الوجوب. ولا صلاة واجبة عند مقام إبراهيم، غير صلاة الطّواف، بلا خلاف. والاستدلال بها، معاضد بالرّوايات الواردة، عن الأئمّة ـ عليهم السّلام.

( وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ ) : أمرناهما،( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) : بأن طهّرا.

ويجوز أن يكون «أن» مفسّرة، لتضمّن العهد معنى القول، يريد طهّراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به، أو أخلصاه.

( لِلطَّائِفِينَ ) حوله،( وَالْعاكِفِينَ ) المقيمين عنده، أو المعتكفين فيه.

( وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (١٢٥)، أي: المصلّين، جمع راكع وساجد.

[وفي كتاب علل الشّرائع(١) : حدّثنا محمّد بن الحسن ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد وعبد الله، ابني محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ أتغتسل(٢) النّساء إذا أتين البيت؟

قال: نعم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) .» فينبغي للعبد أن لا يدخل (إلّا) وهو طاهر. قد غسل عنه العرق والأذى.

وتطهّر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : وقوله( طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) قال الصادق ـ عليه السّلام: يعني نحّ عنه(٤) المشركين.

وقال: لـمّا بني إبراهيم ـ عليه السّلام ـ البيت وحجّ النّاس، شكت الكعبة إلى

__________________

(١) علل الشرائع / ٤١١، ح ١.

(٢) كذا في المصدر وفي الأصل: أيغتسلن.

(٣) تفسير القمي ١ / ٥٩.

(٤) المصدر: نحّيا عن.

١٤٣

الله ـ تبارك وتعالى ـ ما تلقى من أنفاس المشركين(١) . فأوحى الله إليها قرّي كعبتي. فإنّي أبعث في آخر الزّمان قوما يتنظّفون بقضبان الشّجر ويتخلّلون.

وفي مجمع البيان(٢) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ لله ـ عزّ وجلّ ـ في كلّ يوم وليلة، عشرين ومائة رحمة، ينزل على هذا البيت: ستّون منها للطّائفين، وأربعون للمصلّين(٣) ، وعشرون للنّاظرين].(٤)

( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا ) : معطوف على «إذ جعلنا.» والإشارة إلى «البلد» أو المكان.

( بَلَداً آمِناً ) : ذا أمن، كقوله تعالى(٥) ( فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) ، أو أمنا أهله، كقوله: ليله نائم.

والمراد بالبلد، مكّة.

والمراد بكونه «آمنا»، أنّه لا يصاد(٦) طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاه، كما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(٧) ـ أنّه قال: من دخل الحرم، مستجيرا به(٨) ، فهو آمن من سخط الله ـ عزّ وجلّ. ومن دخله من الوحش والطير، كان آمنا من أن يهاج، أو يؤذى، حتّى يخرج من الحرم.

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة(٩) : إنّ الله تعالى حرّم مكّة يوم خلق السّموات والأرض. فهي حرام إلى أن تقوم السّاعة. لم تحلّ لأحد قبلي. ولا تحلّ لأحد بعدي. ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النّهار.

فهذا الخبر وأمثاله المشهورة في روايات أصحابنا، يدلّ على أنّ الحرم كان آمنا قبل دعوة إبراهيم. وإنّما تأكّدت حرمته بدعائه ـ عليه السّلام(١٠) . وبعضهم قالوا(١١) : إنّما صار حرما بدعاء إبراهيم. وكان قبل ذلك كسائر البلاد. واستدلّوا عليه بقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) المصدر: أيدي المشركين وأنفاسهم.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٠٤.

(٣) المصدر: للعاكفين. وأشار في هامش المصدر أنّه في بعض النسخ «للمصلين.»

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الحاقة / ٢١ والقارعة / ٧.

(٦) أ: يصار.

(٧) الكافي ٤ / ٢٢٦، ح ١+ مجمع البيان ١ / ٢٠٦.

(٨) أ: بالله.

(٩) الكافي ٤ / ٢٢٦، ح ٤+ مجمع البيان ١ / ٢٠٦.

(١٠) ر. مجمع البيان ١ / ٢٠٦.

(١١) نفس المصدر ونفس الموضع.

١٤٤

وآله ـ إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ حرّم مكّة. وإنّي حرّمت المدينة.

والجواب: أنّه يحتمل أنّه(١) يكون حرّمه بغير الوجه الّذي كانت حراما قبله، لجواز كونها حراما قبل، بمعنى كونها ممنوعا من الاصطلام(٢) والانتقاك، كما لحق غيرها من البلاد. وصارت حراما بعد دعاء إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بتعظيمه على ألسنة الرّسل(٣) وغير ذلك.

( وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) :

«من آمن» بدل من أهله، بدل البعض.

( قالَ وَمَنْ كَفَرَ ) : مبتدأ متضمّن معنى الشّرط.

( فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ) [خبره. والجملة معطوفة على محذوف، أي: من آمن مرزوق. ومن كفر فأمتّعه قليلا].(٤) ( ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ ) (٥) : أدفعه وأسوقه إليها في الآخرة.

( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١٢٦) :

المخصوص محذوف، أي: العذاب.

و «قليلا» منصوب على المصدر، أو الظّرف.

وقرئ بلفظ الأمر، في «فأمتّعه» و «أضطرّه»، على أنّه من دعاء إبراهيم.

والضّمير في «قال» راجع إليه(٦) .

[وفي كتاب علل الشّرائع(٧) : أبي ـ رضى الله عنه ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ، بإسناده. قال: قال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ في الطّائف: أتدري لم سمّي الطّائف؟

قلت: لا!

__________________

(١) أ: أن. وهو الظاهر.

(٢) كذا في ر. وفي الأصل: الاضطلام.

(٣) ر: الرجل.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) يوجد في أبعد ذكر الآية: وبئس خبره والجملة معطوفة على محذوف، أي: من آمن مرزوق. ومن كفر، فأمتّعه قليلا. ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار.

(٦) ر: إليها.

(٧) علل الشرائع / ٤٤٢، ح ١.

١٤٥

قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ دعا ربّه أن يرزق(١) أهله من كلّ الثّمرات.

فقطع له(٢) قطعة من الأردنّ.

فأقبلت، حتّى طافت بالبيت سبعا. ثمّ أقرّها الله في موضعها. فإنّما سمّيت الطّائف للطّواف(٣) بالبيت.

وبإسناده(٤) إلى أحمد بن محمّد. قال: قال الرّضا ـ عليه السّلام: أتدري لم سمّي الطّائف الطّائف(٥) ؟

قلت: لا! قال: لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لـمّا دعاه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يرزق أهله من الثّمرات(٦) ، أمر بقطعة من الأردنّ، فسارت بثمارها، حتّى طافت بالبيت. ثمّ أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الّذي سمّي بالطّائف(٧) . فلذلك سمّي الطّائف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : حدّثني أبي عن النّضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان نازلا في بادية الشّام.

(إلى أن قال) فقال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا فرغ من بناء البيت والحجّ(٩) :( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً ) (١٠) ( آمِناً. وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ».

قال: ثمرات القلوب، أي: حبّبهم إلى النّاس، ليأتوا(١١) ويعودوا إليهم.

وفي تفسير العيّاشى(١٢) : عن عبد الله بن غالب، عن أبيه عن رجل، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في(١٣) قول إبراهيم ـ عليه السّلام ـ( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ ) : إيّانا عنى بذلك وأولياءه وشيعة وصيّه.

__________________

(١) ر: يرزقه.

(٢) المصدر: لهم.

(٣) المصدر: لطوفه.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٥) المصدر: طائفا.

(٦) المصدر: من كلّ الثمرات.

(٧) المصدر: الطائف.

(٨) تفسير القمي ١ / ٦٠ و ٦٢.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) كذا في المصدر. وفي الأصل ور وتفسير البرهان ١ / ١٥٥: البلد.

(١١) المصدر: لينتابوا إليهم.

(١٢) تفسير العياشي ١ / ٥٩، ح ٩٦.

(١٣) ليس في المصدر.

١٤٦

قال:( وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ ) قال: عنى بذلك من جحد وصيّه ولم يتّبعه من أمّته. وكذلك والله هذه(١) الأمّة](٢)

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) :

حكاية حال ماضية، تقديره: واذكر إذ يرفع.

و «القواعد»، جمع قاعدة. وهي الأساس. صفة غالبة. ومعناها الثّابتة. ومنه قعدك الله، أي: أسأل الله أن يقعدك، أي: يثبتك. ورفعها البناء عليها. لأنّها إذا بني عليها، نقلت عن هيئة الانخفاض، إلى هيئة الارتفاع. وتطاولت بعد التّقاصر. ويحتمل أن يراد بها ساقات البناء. فإنّ كلّ ساق قاعدة، يوضع فوقه، ويرفعها بناؤها. لأنّه إذا وضع ساق فوق ساق، فقد رفع السّاقات.

ويجوز أن يكون المعنى: وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت، أي: استوطأ، يعني: جعل هيئة القاعدة المستوطأة مرتفعة عالية بالبناء.

وقيل(٣) : المراد، رفع مكانته، وإظهار شرفه بتعظيمه، ودعاء النّاس إلى حجّه.

روى عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ أنّه قد كان آدم بناه. ثمّ عفا أثره. فجدّده إبراهيم ـ عليه السّلام(٤) .

وقال مجاهد(٥) : بل انشأه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بأمر الله ـ عزّ وجلّ.

وكان الحسن(٦) يقول(٧) : أوّل من حجّ البيت إبراهيم.

وفي أكثر الرّوايات، أنّ أوّل من حجّ البيت آدم ـ عليه السّلام(٨) .

ويمكن الجمع، بأنّه كان مطاف آدم البيت المعمور ومطاف إبراهيم الكعبة: كما روى أنّ الله تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنّة له بابان من زمرد شرقيّ وغربيّ.

وقال لآدم أهبطت لك ما يطاف به، كما يطاف حول عرشي. فتوجّه آدم من أرض الهند

__________________

(١) المصدر: حال هذه.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٨٢.

(٤) ر. الكافي ٤ / ١٩٠ ـ ٢١٢+ مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٦) النسخ: الحسن ـ عليه السّلام. والظاهر يراد به الحسن المجتبى ـ صلوات الله عليه ـ ولكن مستظهر من ظاهر الكلام، في المصدر، هو الحسن البصري.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٨) ر. علل الشرائع ١ / ٤٠٠ و ٤٢٠.

١٤٧

إليه ماشيا. وتلقّته الملائكة. فقالوا: برّ حجّك، يا آدم! لقد حججنا هذا البيت قبلك، بالفي عام.

وحجّ آدم أربعين حجّة من أرض الهند، إلى مكّة، على رجليه. فكان على ذلك إلى أن رفعه الله أيّام الطّوفان إلى السّماء الرّابعة. فهو البيت المعمور. ثمّ أنّ الله تعالى أمر إبراهيم ببنائه. وعرّفه جبرئيل مكانه. أو كان بناه آدم أولا، ثمّ زال أثره، ثمّ أمر إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بالبناء ورفع القواعد.

وإسماعيل كان يناوله الحجارة. ولكّنه لـمّا كان له مدخل في البناء، عطف عليه(١) .

وقيل(٢) : كانا يبنيان في طرفين، أو على التّناوب، يقولان :

( رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا ) :

على تقدير الحال. وقرئ بإظهار «يقولان.»( إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ ) لدعائنا.

( الْعَلِيمُ ) (١٢٧) بنيّاتنا.

وقصّة مهاجرة إسماعيل وهاجر، على ما رواه الشّيخ الطّبرسيّ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام، عن الصّادق ـ عليه السّلام(٣) . قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان نازلا في بادية الشّام. فلمّا ولد له من هاجر إسماعيل اغتمّت سارّة من ذلك غمّا شديدا. لأنّه لم يكن له منها ولد. فكانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمّه. فشكا ذلك إبراهيم إلى الله ـ عزّ وجلّ. فأوحى الله إليه إنّما مثل المرأة، مثل الضّلع المعوج. إن تركته استمتعت به. وإن رمت أن تقيمه كسرته. وقد قال القائل في ذلك.

هي الضّلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها

ثمّ أمره أن يخرج إسماعيل وأمّه عنها.

فقال: أي ربّ إلى أيّ مكان؟

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٤٠٠، ح ١ و ٤٠٧، ح ٢ و ٤٢١، ح ٣+ البحار ٩٩ / ٥٤، ح ٦ و ٦١، ح ٣١+ الكشَّاف ١ / ١٨٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٨٢.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

١٤٨

قال: إلى حرمي وأمني وأوّل بقعة خلقتها من أرضي. وهي مكّة.

وأنزل عليه جبرئيل، بالبراق. فحمل عليه هاجر وإسماعيل وإبراهيم. فكان إبراهيم لا يمرّ بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع، إلّا قال: يا جبرئيل! إلى هاهنا(١) ! فيقول جبرئيل: لا! امض(٢) حتّى وافى مكّة.

فوضعه في موضع البيت. وقد كان إبراهيم عاهد سارة أن لا ينزل حتّى يرجع إليها.

فلمّا نزلوا في ذلك المكان، كان فيه شجر. فألقت هاجر على ذلك الشّجر، كساء كان معها. فاستظلّت تحته. فلمّا سرّحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: لم تدعنا في هذا الموضع الّذي ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟

فقال إبراهيم ـ عليه السّلام: ربّي الّذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان.

ثمّ انصرف عنهم. فلمّا بلغ كدى وهو جبل بذي طوى، التفت إليهم إبراهيم.

فقال:( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) (إلى قوله)( لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .» ثمّ مضى. وبقيت هاجر. فلمّا ارتفع النّهار عطش إسماعيل. فقامت هاجر في الوادي، حتّى صارت في موضع المسعى. فنادت: هل في الوادي من أنيس؟

فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصّفا. ولمع لها السّراب في الوادي. وظنّت أنّه ماء. فنزلت في بطن الوادي. وسعت. فلمّا بلغت المروة، غاب عنها إسماعيل. ثمّ لمع لها السّراب، في ناحية الصّفا. وهبطت إلى الوادي، تطلب الماء. فلمّا غاب عنها إسماعيل، عادت حتّى بلغت الصّفا. فنظرت إلى إسماعيل، حتّى فعلت ذلك سبع مرّات. فلمّا كان في الشّوط السّابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل، وقد ظهر الماء من تحت رجليه.

قعدت حتّى جمعت حوله رملا. وإنّه كان سائلا. فزمّته بما جعلت حوله. فلذلك سمّيت زمزم. وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات. فلمّا ظهر الماء بمكّة، عكفت الطّيور والوحوش على الماء. فنظرت جرهم إلى تعكّف الطّير، على ذلك المكان. فاتّبعوها حتّى نظروا إلى امرأة وصبيّ نزلا في ذلك الموضع، قد استظّلا بشجرة قد ظهر لهم الماء.

فقال لهم(٣) جرهم: من أنت؟ وما شأنك وشأن هذا الصّبيّ؟

قالت: أنا أمّ ولد إبراهيم خليل الرّحمن. وهذا ابنه. أمره الله أن ينزلنا هاهنا.

__________________

(١) المصدر: إلى هاهنا؟ إلى هاهنا؟

(٢) المصدر: لا امض! لا امض!

(٣) المصدر: لها. وهو الظاهر.

١٤٩

فقالوا لها: أتأذنين أن نكون بالقرب منكم؟

فقالت: حتّى أسأل إبراهيم.

قال: فزارهما إبراهيم، يوم الثّالث. فقالت له هاجر: يا خليل الله! إنّ هاهنا قوم من جرهم. يسألونك أن تأذن لهم حتّى يكونوا بالقرب منّا. أفتأذن لهم في ذلك؟

فقال إبراهيم: نعم.

فأذنت هاجر لجرهم. فنزلوا بالقرب منهم. وضربوا خيامهم. وأنست هاجر وإسماعيل بهم.

فلمّا زارهم إبراهيم في المرّة الثّانية، ونظر إلى كثرة النّاس حولهم، سرّ بذلك سرورا شديدا. فلمّا تحرّك إسماعيل وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كلّ واحد منهم شاة وشاتين. فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها. فلمّا بلغ مبلغ الرّجال، أمر الله تعالى إبراهيم أن يبني البيت.

فقال: يا ربّ! في أيّ بقعة؟

قال في البقعة الّتي أنزلت على آدم القبّة.

فأضأت الحرم.

قال: ولم تزل القبّة(١) الّتي أنزلها على آدم قائمة، حتّى كان أيّام الطّوفان، في زمن نوح. فلمّا غرقت الدّنيا، رفع الله تلك القبّة وغرقت الدّنيا، ولم تغرق مكّة. فسميّ البيت العتيق. لأنّه أعتق من الغرق.

فلمّا أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ إبراهيم أن يبني البيت، لم يدر في أيّ مكان يبنيه.

فبعث الله جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فخطّ له موضع البيت. وأنزل عليه القواعد من الجنّة.

وكان الحجر الّذي أنزله الله على آدم، أشدّ بياضا من الثّلج. فلمّا مسّته أيدى الكفّار، اسودّ.

قال: فبنى إبراهيم البيت. ونقل إبراهيم الحجر من ذى طوى. فرفعه في السّماء، تسعة أذرع. ثمّ دلّه على موضع الحجر. فاستخرجه إبراهيم. ووضعه في موضعه الّذي هو فيه. وجعل له بابين: بابا إلى المشرق، وبابا الى المغرب. فالباب الّذي إلى المغرب، يسمّى المستجار. ثمّ ألقى عليه الشجر(٢) والإذخر. وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها.

__________________

(١) أ: القّبة الّتي أنزل القبة المصدر: القبّة الّذي أنزلها.

(٢) كذا في الأصل. وفي المصدر: الشيخ. أ: الشيخ. ر: الشبح.

١٥٠

فكانوا يكونون(١) تحته. فلمّا بناه وفرغ، حجّ إبراهيم وإسماعيل. ونزل عليهما جبرائيل، يوم التّروية، لثمان خلت من ذي الحجّة. فقال: قم يا إبراهيم! فارتو من الماء. لأنّه لم يكن بمنى وعرفات.

فسمّيت التّروية لذلك. ثمّ أخرجه إلى منى. فبات بها. ففعل به ما فعل بآدم.

فقال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا فرغ من بناء البيت:( رَبِّ اجْعَلْ ) (إلى آخر الآية.)

[وفي كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي خديجة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل الحجر الأسود لآدم من الجنّة. وكان البيت، درّة بيضاء. فرفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى السّماء. وبقي أسّه، فهو بحيال هذا البيت.

يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، لا يرجعون إليه أبدا. فأمر الله إبراهيم وإسماعيل ببنيان(٣) البيت، على القواعد.

وبإسناده(٤) ، إلى محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن آبائه ـ عليهم السّلام: أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أوحى إلى جبرئيل ـ عليه السّلام: أنا الله الرّحمن الرّحيم. إنّي قد رحمت آدم وحوّاء لـمّا شكيا إليّ ما شكيا. فاهبط عليهما بخيمة من خيم الجنّة. فإنّي قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما. فاضرب الخيمة على التّرعة الّتي بين جبال مكّة.

قال: والتّرعة مكان البيت وقواعده الّتي رفعتها الملائكة، قبل آدم. فهبط جبرئيل على آدم ـ عليه السّلام ـ بالخيمة على مقدار مكان البيت وقواعده. فنصبها.

قال: وأنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ آدم من الصّفا. وأنزل حوّاء من المروة.

وجمع بينهما في الخيمة. (إلى أن قال) ثمّ أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بعد ذلك: أن اهبط إلى آدم وحوّاء. فنحّهما عن موضع قواعد بيتي. وارفع قواعد بيتي لملائكتي وخلقي، من ولد آدم.

فهبط جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على آدم وحوّاء. فأخرجهما من الخيمة. ونحّاهما عن ترعة البيت. ونحّى الخيمة عن موضع التّرعة. (إلى أن قال) فرفع قواعد البيت الحرام ،

__________________

(١) كذا في المصدر وفي جميع النسخ. ولعل الصواب: يكنّون.

(٢) علل الشرائع / ٣٣٩، ضمن ح ١.

(٣) المصدر: يبنيان.

(٤) نفس المصدر / ٤٢٠ ـ ٤٢٢، مقاطع من ح ٣.

١٥١

بحجر من الصّفا وحجر من المروة. وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السّلام. وهو ظهر الكوفة. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جبرئيل ـ عليه السّلام: أن ابنه وأتمّه.

فاقتلع جبرئيل ـ عليه السّلام ـ الأحجار الأربعة، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ من موضعها(١) ، بجناحه. فوضعها حيث أمره الله تعالى، في أركان البيت، على قواعده(٢) الّتى قدّرها الجّبار ـ عزّ وجلّ جلاله. ونصب أعلامها.

ثمّ أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جبرئيل: ابنه وأتمّه من حجارة من أبي قبيس.

واجعل له بابين، بابا شرقا وبابا غربا.

[قال :](٣) فأتمّه جبرئيل ـ عليه السّلام. فلمّا فرغ، طافت الملائكة حوله. فلمّا نظر آدم وحوّاء إلى الملائكة يطوفون حول البيت، انطلقا. فطافا سبعة أشواط. ثمّ خرجا يطلبان ما يأكلان.

وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن أبي الورقاء(٥) . قال: قلت لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام: ما أوّل شيء نزل من السّماء(٦) ؟

قال: أوّل شيء نزل من السّماء إلى الأرض، فهو البيت الّذي بمكّة. أنزله الله ياقوتة حمراء. ففسق قوم نوح في الأرض. فرفعه الله(٧) حيث يقول:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ )

وفي الكافي(٨) : بإسناده إلى أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل: السّكينة ريح تخرج من الجنّة. لها صورة كصورة وجه(٩) الإنسان، ورائحة طيّبة. وهي الّتي نزلت على إبراهيم. فأقبلت تدور حول أركان البيت، وهو يضع الأساطين.

وبإسناده(١٠) إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: أمر الله تعالى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يحجّ، ويحجّ بإسماعيل(١١) معه، ويسكنه الحرم.

__________________

(١) المصدر: مواضعها. وهو الظاهر.

(٢) المصدر: قواعدها.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٦٠، ح ١٠٠.

(٥) كذا في المصدر وفي الأصل ور: أبي الورد.

(٦) المصدر: أوّل شيء نزل من السماء ما هو؟

(٧) ليس في المصدر.

(٨) الكافي ٣ / ٤٧١ ـ ٤٧٢، ضمن ح ٥.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) نفس المصدر ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣، ضمن ح ٣.

(١١) المصدر: إسماعيل. وهو الظاهر.

١٥٢

فحجّا على جمل أحمر وما معهما، إلّا جبرئيل ـ عليه السّلام ـ (إلى قوله) فلمّا كان من قابل أذن الله لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ في الحجّ وبناء الكعبة. وكانت العرب تحجّ إليه. وإنّما كان ردما، إلّا أنّ قواعده معروفه. فلمّا صدر النّاس، جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة.

فلمّا أذن الله له في البناء، قدم إبراهيم ـ عليه السّلام. فقال: يا بنيّ! أمرنا الله ببناء الكعبة وكشفا عنها.

فإذا هو حجر واحد أحمر. فأوحى الله تعالى إليه: ضع بناءها عليه.

وأنزل الله أربعة أملاك، يجمعون إليه الحجارة. فكان إبراهيم وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما، حتّى تمّت اثني عشر ذراعا، وهيّئا له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج منه. ووضعا عليه عينا وسرحا(١) من حديد على أبوابه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة، خوف الإطالة.

وبإسناده(٢) إلى عقبة بن بشير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام. قال: إنّ الله تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة، وأن يرفع قواعدها، ويري النّاس مناسكهم. فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت، كلّ يوم ساقا(٣) ، حتّى انتهى إلى موضع الحجر الأسود.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فنادى أبو قبيس إبراهيم ـ عليه السّلام: «إنّ لك عندي وديعة.» فأعطاه الحجر. فوضعه موضعه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٤) إلى سعيد بن جناح، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: كانت الكعبة على عهد إبراهيم ـ عليه السّلام ـ تسعة أذرع. وكان لها بابان. فبناها عبد الله بن الزّبير. فرفعها ثمانية عشر ذراعا. فهدمها الحجّاج. وبناها(٥) سبعة وعشرين ذراعا.

وروى عن ابن أبي نصر(٦) ، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

__________________

(١) المصدر: عتبا وشرحا. وفي هامش الأصل: عتبا وشريحا ـ خ ل.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٠٥، صدر ح ٤.

(٣) المصدر: ساقا.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٢٠٧، ح ٧.

(٥) المصدر: فبناها.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٨.

١٥٣

قال: كان طول الكعبة يومئذ تسعة أذرع. ولم يكن لها سقف. فسقّفها قريش، ثمانية عشر ذراعا. فلم تزل ثمّ كسرها الحجّاج على ابن الزّبير. فبناها سبعة وعشرين ذراعا(١) .

محمّد بن يحيى(٢) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان، عن سعيد بن عبد الله الأعرج، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ قريشا في الجاهليّة هدموا البيت. فلمّا أرادوا بناءه، حيل بينهم وبينه، والقى في روعهم الرّعب، حتّى قال قائل منهم: ليأتي كلّ رجل منكم بأطيب ماله. ولا تأتوا بما اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام.

ففعلوا. وخلّي(٣) بينهم وبين بنائه. فبنوه حتّى انتهوا إلى موضع الحجر الأسود.

فتشاجروا فيه أيّهم يضع الحجر الأسود في موضعه، حتّى كاد أن يكون بينهم شرّ. فحكموا أوّل من يدخل باب المسجد. فدخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فلمّا أتاهم، أمر بثوب فبسط. ثمّ وضع الحجر في وسطه. ثمّ أخذت القبائل بجوانب الثّوب. فرفعوه. ثمّ تناوله ـ صلّى الله عليه وآله. فوضعه في موضعه فخصّه الله به.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ساهم قريشا في بناء البيت. فصار لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من باب الكعبة إلى النّصف ما بين الرّكن اليمانيّ إلى الحجر الأسود.

وفي رواية أخرى(٥) كان لبني هاشم من الحجر الأسود، إلى الرّكن الشّاميّ.

وبإسناده إلى أبان بن تغلب(٦) . قال: لـمّا هدم الحجّاج الكعبة، فرّق الناس ترابها. فلمّا صاروا إلى بنائها، فأرادوا أن يبنوها، خرجت عليهم حيّة، فمنعت النّاس البناء، حتّى هربوا. فأتوا الحجّاج. فأخبروه. فخاف أن يكون قد منع بناءها. فصعد المنبر.

ثم أنشد(٧) النّاس. وقال: أنشد الله عبدا عنده ممّا ابتلينا به علم لـمّا أخبرنا به.

قال: فقام إليه شيخ. فقال: إن يكن عند رجل(٨) ، فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة. فأخذ مقدارها ثمّ مضى.

__________________

(١) المصدر: وجعلها سبعة وعشرين ذراعا.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢١٧، ح ٣.

(٣) المصدر: فخلّي.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٢١٨، ح ٥.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٢١٩.

(٦) نفس المصدر ٤ / ٢٢٢، ح ٨.

(٧) المصدر: نشد.

(٨) المصدر: أحد علم.

١٥٤

فقال الحجّاج: من هو؟

قال: عليّ بن الحسين.

فقال: معدن ذلك.

فبعث إلى عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ فأتاه. فأخبره ما كان من منع الله إيّاه البناء.

فقال له عليّ بن الحسين: يا حجّاج! عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل. فألقيته في الطّريق. وأنهيته(١) . كأنّك ترى أنّه تراث لك اصعد المنبر وانشد النّاس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلّا ردّه.

قال: ففعل وانشد(٢) النّاس، الّا يبقى منهم أحد عنده شيء، إلّا ردّه.

قال: فردّوه.

فلمّا رأى جمع التّراب، أتى على بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ فوضع الأساس. وأمرهم أن يحضروا.

قال: فتغيّبت عنهم الحيّة. وحضروا، حتّى انتهوا إلى موضع القواعد.

قال لهم عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام: تنحّوا.

فتنحّوا. فدنا منها. فغطّاها بثوبه. ثمّ بكا. ثمّ غطّاها بالتّراب، بيد نفسه. ثمّ دعا الفعلة.

فقال: ضعوا بناءكم.

فوضعوا البناء. فلمّا ارتفعت حيطانها، أمر بالتّراب. فقلب. فألقى في جوفه.

فلذلك صار البيت، مرتفعا يصعد إليه بالدّرج.

وبإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٣) . قال: إنّ قريشا لـمّا هدموا الكعبة، وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته، حتّى دعوا رجلا، فقرأه. فإذا فيه: «أنا الله ذو بكّة. حرّمتها يوم خلقت السّماوات والأرض. ووضعتها بين هذين الجبلين. وحففتها بسبعة أملاك حفّا.»

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب ،

__________________

(١) المصدر: انتهبته. وهو الظاهر.

(٢) المصدر: فأنشد.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٢٢٥، ح ١.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٢١٠، ح ١٥.

١٥٥

عن معاوية بن عمّار. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الحجر: أمن البيت هو؟ أو فيه شيء من البيت؟

فقال: لا! ولا قلامة ظفر. ولكن إسماعيل دفن أمّه فيه، فكره أن يوطى(١) .

فحجر عليه حجرا. وفيه قبور أنبياء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثنى أبي عن النّضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: لـمّا بلغ إسماعيل، مبلغ الرّجال، أمر الله إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يبني البيت.

فقال: يا ربّ! في أي بقعة؟

قال: في البقعة الّتي أنزلت على آدم القبّة.

فأضاء لها الحرم. فلم تزل القبّة الّتي أنزلها الله على آدم، قائمة، حتّى كان أيّام الطّوفان، أيّام نوح ـ عليه السّلام. فلمّا غرقت الدّنيا، رفع الله تلك القبّة. وغرقت الدّنيا، إلّا موضع البيت. فسمّى(٣) البيت العتيق، لأنّه أعتق من الغرق.

فلمّا أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يبني البيت، لم يدر(٤) في أيّ مكان يبنيه. فبعث الله جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فخطّ له موضع البيت. فأنزل [الله](٥) عليه القواعد من الجنّة. وكان الحجر الّذي أنزله الله على آدم، أشدّ بياضا من الثّلج. فلمّا مسّته(٦) أيدي الكفّار، اسودّ.

فبنى إبراهيم البيت. ونقل إسماعيل الحجر، من ذي طوى. فرفعه في السماء(٧) ، تسعة أذرع. ثمّ دلّه على موضع الحجر. فاستخرجه إبراهيم ـ عليه السّلام. ووضعه في موضعه الّذي هو فيه الآن(٨) . فلمّا بنى، جعل له بابين: بابا إلى المشرق، وبابا إلى المغرب.

والباب الّذي إلى المغرب يسمّى المستجار. ثمّ ألقى عليه الشّجر والإذخر. وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها. وكانوا يكنّون تحته.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) المصدر: توطأ.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٠ ـ ٦٢.

(٣) المصدر: فسميّت.

(٤) المصدر: ولم يدر.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: لمسته.

(٧) المصدر: إلى السماء.

(٨) المصدر: الاوّل.

١٥٦

وفي مجمع البيان(١) : وروي عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّ إسماعيل أوّل من شقّ لسانه بالعربيّة. وكان أبوه يقول له، وهما يبنيان البيت: يا إسماعيل! هاى(٢) ابن، أي: أعطني حجرا.

يقول له إسماعيل بالعربيّة. يا أبة! هاك حجرا.

فإبراهيم يبني. وإسماعيل يناوله الحجارة].(٣)

( رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) : مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين من أسلم، إذا استسلم وانقاد.

وقرئ على لفظ الجمع، على أنّ المراد أنفسهما وهاجر، أو أنّ التّثنية من مراتب الجمع.

( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) ، أي: واجعل بعض ذرّيّتنا.

والتّخصيص بالدّعاء. لأنّهم أحقّ بالشّفقة. ولأنّهم إذا صلحوا، صلح بهم الأتباع. وخصّا بعضهم، لما أعلما أنّ في ذرّيّتهما ظلمة، وعلما أنّ الحكمة الإلهيّة لا تقتضي الاتّفاق على الإخلاص والإقبال على الله تعالى. فإنّه ممّا يشوش المعاش. ولذلك قيل: لولا الحمقى، لخربت الدّنيا.

وقيل(٤) : المراد بالأمّة، أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. ويحتمل أن يكون «من» للتّبيين.

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) . أنّ المراد بالأمّة، بنو هاشم، خاصّة.

[وفي الكافي(٦) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه، فقال(٧) ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . ثمّ أخبر عن هذه الأمّة وممّن هي. وإنّها من ذرّيّة إبراهيم، ومن ذرّيّة إسماعيل، من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير الله قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٢) المصدر: هات.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أور.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٨٢.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢١٠.

(٦) الكافي ٥ / ١٣ ـ ١٤، ح ١.

(٧) آل عمران / ١٠٤.

١٥٧

دعوة إبراهيم وإسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه، أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا].(١)

( وَأَرِنا ) :

رأى، بمعنى أبصر، أو عرف. ولذلك لم يتجاوز مفعولين.

( مَناسِكَنا ) :

المواضع الّتي تتعلّق النّسك بها، لنفعله عندها ونقضي عباداتنا فيها، على حدّ ما يقتضيه توفيقنا عليها.

وقال عطاء ومجاهد: معنى مناسكنا: مذابحنا. والأوّل أقوى.

و «النّسك»، في الأصل، غاية العبادة. وشاع في الحجّ لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة. وقرأ ابن كثير ويعقوب، «أرنا» قياسا على فخذ في فخذ.

( وَتُبْ عَلَيْنا ) :

قالا تلك الكلمة على وجه التّسبيح والتّعبّد والانقطاع إلى الله، ليقتدي بهما النّاس فيها(٢) .

وقيل(٣) : إنّهما سألا التّوبة على ظلمة ذرّيّتهما.

وقيل(٤) : معناه ارجع علينا بالرّحمة. فليس فيها دلالة على جواز الصّغيرة عليهم ـ كما لا يخفى.

( إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ ) : القابل للتّوبة عن عظائم الذّنوب، أو الكثير القبول للتّوبة، مرّة بعد أخرى.

( الرَّحِيمُ ) (١٢٨): بعباده، المنعم عليهم بالنّعم العظام وتكفير الآثام.

وفي هذه الآية دلالة على أنّه يحسن الدّعاء، بما يعلم الدّاعي، أنّه يكون لا محالة.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: قلت: أخبرني عن أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من هم؟

قال: أمّة محمّد، بنو هاشم خاصّة.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أور: فيهما.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢١٠.

(٤) نفس المصدر، ببعض الاختلاف.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٦٠، ح ١٠١.

١٥٨

قلت: فما الحجّة في أمّة محمّد أنهم أهل بيته الّذين ذكرت دون غيرهم؟

قال: قال الله( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) فلمّا أجاب الله إبراهيم وإسماعيل، وجعل من ذرّيّتهما أمّة مسلمة، وبعث فيها رسولا منها، يعنى: من تلك الأمّة، يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ردف إبراهيم دعوته الأولى، بدعوته الأخرى. فسأل لهم تطهيرا من الشّرك ومن عبادة الأصنام، ليصحّ أمره فيهم ولا يتّبعوا غيرهم.

فقال:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي. وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .فهذه دلالة على أنّه لا يكون الأئمّة والأمّة المسلمة الّتي بعث فيها محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا من ذرّيّة إبراهيم، لقوله ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) ].(١)

( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ ) : في الأمّة المسلمة،( رَسُولاً مِنْهُمْ ) ولم يبعث من ذرّيّتهما غير محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فهو المجاب به، دعوتهما، كما قال ـ صلّى الله عليه وآله(٢) : أنا دعوة أبي إبراهيم ـ عليه السّلام، وبشرى عيسى ـ عليه السّلام ـ يعني: قوله(٣) ( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ) ورؤيا أمّي وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف من بني زهرة. رأت في المنام أنّها وضعت نورا، ضاء به قصور الشّام من بصرى.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : وأمّا قوله( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ) (الآية) فأنّه يعني ولد إسماعيل ـ عليه السّلام. ولذلك قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا دعوة أبي إبراهيم.

وفي الخصال(٥) ، عن أبي أمامة. قال: قلت: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٢+ مجمع البيان ١ / ٢١٠+ الكشاف ١ / ١٨٨+ بحار الأنوار ١٥ / ٢٥٦، ح ٨ و ٢٧١، ح ١٦.

(٣) الصّف / ٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٢.

(٥) الخصال / ١٧٧، ح ٢٣٦.

١٥٩

قال: دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمّي أنّه خرج منها شيء، أضاءت منه قصور الشّام](١)

( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ ) : يقرأ عليهم آياتك الّتي توحى بها إليه،( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ ) ، أي: القران،( وَالْحِكْمَةَ ) : ما يكمل به نفوسهم، من المعارف والأحكام.

( وَيُزَكِّيهِمْ ) عن الشّرك والمعاصي.

( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ) الّذي لا يغلب على ما يريد.

( الْحَكِيمُ ) (١٢٩): المحكم له.

( وَمَنْ يَرْغَبُ ) ، أي: لا يرغب،( عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ ) :

إنكار لأنّ يكون أحد يرغب عن ملّته الواضحة الغرّاء.

( إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) : إلّا من أذلّها واستخفّ بها.

قال المبرّد(٢) : وتغلب «سفه» بالكسر، متعدّ وبالضّمّ، لازم.

وقيل(٣) : أصله سفه نفسه (بالرّفع.) فنصب على التّمييز، نحو: غبن رأيه، أو سفه في نفسه. فنصب بنزع الخافض. والمستثنى في محلّ الرّفع، بدلا من الضّمير في «يرغب». لأنّه في معنى النّفي.

روى(٤) ان عبد الله بن سلام، دعا ابني أخيه سلمة ومهاجر إلى الإسلام. فقال: لقد علمنا صفة محمّد في التوراة. فأسلم سلمة. وأبى مهاجر أن يسلم. فأنزل الله هذه الآية.

( وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ ) : اخترناه بالرّسالة.

( فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (١٣٠) :

قيل(٥) : وإنّما خصّ الآخرة بالذّكر وإن كان في الدّنيا كذلك، لأنّ المعنى من الّذين يستوجبون على الله سبحانه الكرامة وحسن الثّواب. فلمّا كان خلوص ذلك(٦) في الآخرة دون الدّنيا، وصفه بما ينبئ عن ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢١٢.

(٣ و ٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢١٢.

(٦) «ذلك» ليس في أوفي المصدر: خلوص الصواب.

١٦٠