تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152634
تحميل: 2971


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152634 / تحميل: 2971
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأولى؟

فقال: لما قال ـ عزّ وجلّ:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ) وهي بيت المقدّس،( إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ) ، إلّا لنعلم ذلك منه وجودا، بعد أن علّمناه، سيوجد ذلك إنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة. فأراد الله أن يبيّن متّبع محمّد، فمن خالفه باتّباع القبلة الّتي كرهها. ومحمّد يأمر بها. ولمّا كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمره بمخالفتها والتّوجّه إلى الكعبة، ليبيّن من يوافق محمّد فيما يكرهه فهو يصدّقه ويوافقه. ثمّ قال:( وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) إنّما كان التّوجّه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت، كبيرة إلّا على من يهدي الله. نعرف أنّ الله يتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة].(١) ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) ، أي: صلاتكم.

روى العيّاشيّ(٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الإيمان، أقول هو وعمل؟ أم قول بلا عمل؟

فقال: الإيمان عمل كلّه، والقول بعض ذلك العمل المفترض من الله، مبيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته، يشهد لها الكتاب. ويدعو إليه. ولمّا أن صرف نبيّه إلى الكعبة، عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أرأيت صلاتنا الّتي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس، ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا؟ وهم يصلّون إلى بيت المقدس.

فأنزل الله:( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) . فسمّى الصّلاة إيمانا. فمن لقى الله حافظا لجوارحه، موقنا(٣) كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه لقى الله مستكملا لإيمانه. وهو(٤) من أهل الجنّة. ومن خان في شيء منها وتعدّى ما أمر الله فيها، لقى الله ناقص الإيمان.

وقرئ ليضيّع (بالتّشديد).

( إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ ) : لا يضيع أجورهم.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٦٣.

(٣) المصدر: موفيا. وهو الظاهر.

(٤) ليس في المصدر.

١٨١

( رَحِيمٌ ) (١٤٣): لا يترك ما يصلحهم.

[وفي تهذيب الأحكام(١) : عنه عن وهب(٢) ، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوله( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ، مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) . فقلت له: الله أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس؟

قال: نعم ألا ترى أن الله يقول:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ؟

قال: إنّ بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصّلاة وقد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس. فقيل لهم: «إنّ نبيّكم قد صرف إلى الكعبة.» فتحوّل النّساء مكان الرّجال والرّجال مكان النّساء. وصلّوا الرّكعتين الباقيتين إلى الكعبة. فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين. فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين.

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح عن القسم بن يزيد. قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. وذكر حديثا طويلا يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم. وقسّمه عليها. وفرّقه فيها. وقال فيما فرض على الجوارح من الطّهور والصّلاة بها. وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لـمّا صرف نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الكعبة عن بيت المقدس، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ. إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) . فسمّى الصّلاة، إيمانا](٤)

( قَدْ نَرى ) : ربّما وأصل الرّؤية، إدراك الشيء بالبصر. ويستعمل بمعنى العلم.

( تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) : تردّده تطلّعا على الوحي، في موضعي مفعولي نرى، أو مفعولاه أو هو ممّا لمفعول واحد.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقع في روعه ويتوقّع من ربّه أن يحوّله

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٤٣، ح ١٣٨.

(٢) المصدر: وهيب.

(٣) الكافي ٢ / ٣٤ ـ ٣٧، ح ١.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٨٢

إلى الكعبة، قبلة إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وأقدم القبلتين. وأدعى للعرب إلى الإيمان ولمخالفته اليهود. وذلك يدلّ على كمال أدبه، حيث انتظر ولم يسأل.

( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ) : فلنمكّننّك من استقبالها، من قولك: ولّيته كذا، إذا صيّرته واليا له، أو فلنحوّلنّك تلى(١) جهتها.

( تَرْضاها ) : تحبّها. وتتشوّق إليها، لمقاصد دينيّه، وافقت مشيئة الله تعالى وحكمه.

والرّضا والمحبّة، نظيران. ويظهر الفرق بأنّ ضدّ المحبّة، البغض. وضدّ الرّضا، السّخط.

( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) ، أي: نحوه.

قال الشّاعر(٢) :

وقد أظلّكم من شطر ثغركم

هول له ظلم يغشاكم قطعا

أي: من نحو ثغركم وتلقاءه.

وقيل(٣) . جانبه. لأنّ الشّطر في الأصل، لما انفصل عن الشيء من شطر، إذا انفصل. ودار شطوره(٤) : أي: منفصلة عن الدّور. ثمّ استعمل جانبه وإن لم ينفصل كالقطر.

وقيل(٥) : شطر الشيء(٦) ، نصفه من شطرت الشيء، جعلته نصفين.

والحرام: المحرّم، كالكتاب، بمعنى المكتوب والحساب، بمعنى المحسوب، أي: محرّم فيه القتال، أو ممنوع من الظّلم أن يتعرّضوه.

وذكر المسجد دون الكعبة، لأنّ البعيد يكفيه مراعاة الجهة، بخلاف القريب.

والنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان حينئذ في المدينة، بعد أن صلّى إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرا. ثمّ وجّه إلى الكعبة، في رجب، بعد الزّوال، قبل قتال بدر، بشهرين، وقد صلّى بأصحابه في مسجد بني سلمة، ركعتين من الظّهر. فتحول في الصّلاة. واستقبل الميزاب. وتبادل الرّجال والنّساء صفوفهم. فسمى المسجد، مسجد القبلتين.

( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ ) في الأرض، في بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل، في بيت المقدس ،

__________________

(١) أ: إلى. ر: يلي.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٨٨.

(٤) المصدر: شطور.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٢٦.

(٦) المصدر: شطر كلّ شيء.

١٨٣

وفي غيره.

( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) :

تخصيص الخطاب بالنّبيّ، أوّلا، وتعميمه، ثانيا، لتعظيمه ـ عليه السّلام ـ والتّصريح بعموم الحكم.

وفيه تأكيد لأمر القبلة، وتخصيص للامة على المتابعة، وسلوك طريق الاستدراج، رفق بالمأمورين.

[وفي الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك، فلا تقلّب وجهك عن القبلة، فتفسد صلاتك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الفريضة:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وصلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى البيت المقدّس، بعد النّبوّة، ثلاث عشرة سنة بمكّة وتسعة عشر شهرا بالمدينة. ثمّ عيّرته اليهود.

فقالوا له: إنّك مانع لقبلتنا.

فاغتم لذلك غمّا شديدا. فلمّا كان في بعض اللّيل، يخرج ـ عليه السّلام ـ يقلّب وجهه في آفاق السّماء. فلمّا أصبح صلّى الغداة. فلمّا صلّى من الظّهر، ركعتين، جاء جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال له:( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) . (الآية) ثمّ أخذ بيد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فحوّل وجهه إلى الكعبة. وحوّل من خلفه وجوههم، حتّى قام الرّجال مقام النّساء والنّساء مقام الرّجال. فكان آخر صلاته إلى بيت المقدس(٣) . وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة، وقد صلّى أهله من العصر، ركعتين. فحوّلوا نحو القبلة. فكانت آخر صلاتهم إلى بيت المقدس وأوّلها إلى الكعبة(٤) . فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

فقال المسلمون: صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع، يا رسول الله؟

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) ، يعني: صلاتكم إلى

__________________

(١) الكافي ٣ / ٣٠٠، ح ٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٧٨، ح ٨٤٣.

(٣) المصدر: فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة.

(٤) المصدر: فكانت أوّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة.

١٨٤

بيت المقدس ـ وقد أخرجت الخبر في ذلك على وجهه، في كتاب النّبوّة.

وروى زرارة(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: لا صلاة إلّا إلى القبلة.

قال: قلت: أين حدّ القبلة؟

قال: ما بين المشرق والمغرب، قبلة كلّه.

قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟

قال: يعيد.

قال: في حديث آخر ذكره له(٢) : ثمّ استقبل بوجهك إلى القبلة. ولا تقلّب وجهك عن القبلة. وذكر كما نقلنا عن الكافي](٣)

( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) : علماء اليهود. وقيل: هم والنصارى.(٤) ( لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ) ، أي: التّحويل، أو التّوجيه،( الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) . لأنّه كان في بشارة الأنبياء لهم أن يكون نبيّ في صفاته كذا وكذا وكان في صفاته، أنّه يصلي إلى القبلتين.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) (١٤٤): وعد للمطيعين ووعيد لغيرهم.

وقرئ بالتاء.

قال ابن عبّاس(٥) : أوّل ما نسخ من القرآن، فيما ذكر لنا، من شأن القبلة.

وقال قتادة(٦) : نسخت هذه الآية ما قبلها.

والأقوى أنّه ممّا نسخ السّنّة بالقرآن. كما قاله جعفر بن مبشر(٧) . لأنّه ليس في القرآن ما يدلّ على التّعبّد بالتّوجّه إلى بيت المقدس.

ومن قال(٨) : إنّها نسخت قوله( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ففيه أنّ هذه الآية عندنا مخصوصة بالنّوافل في حال السّفر. روى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام(٩) .

وليست منسوخة.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) ر. مجمع البيان ١ / ٢٢٧.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٩) ر: تفسير العياشي ١ / ٥٦ ـ ٥٧، ح ٨٠ ـ ٨٢.

١٨٥

واختلف في صلاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى بيت المقدس: فقال قوم: كانت صلاته ـ عليه السّلام ـ بمكّة إلى الكعبة. فلمّا هاجر إلى المدينة، أمر بالصّلاة إليه. ثمّ حوّل إلى الكعبة ـ أيضا.

وقال آخرون: كانت صلاته بمكّة ـ أيضا ـ إلى بيت المقدس. إلّا أنّه يجعل الكعبة بينه وبينها. ولا يصلّي في مكان لا يمكن هذا فيه.

وقال آخرون: كان يصلّي بمكّة وبعد قدومه المدينة، إلى بيت المقدس. ولم يكن عليه أن يجعل الكعبة بينه وبينهما، ثمّ أمر بالتّوجّه إلى الكعبة(١) ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ ) : الّلام موطّئة للقسم، أي: والله.

( الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) من علماء اليهود والنّصارى. وقيل(٢) : جميع أهل الكتاب.

( بِكُلِّ آيَةٍ ) برهان وحجّة على أنّ الكعبة قبلة،( ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) : جواب القسم المضمر. سادّ مسدّ الشّرط. سواء قدّر القسم مقدّما على الشّرط، فتعيّن كون الجواب له. ولا يصحّ جعله جزاء للشّرط أو مؤخّرا عنه فيسوغ الأمران بقرينة ترك الفاء. وهو لازم في الماضي المنفيّ. وفيه من القطع بعدم المتابعة، ما ليس في جعله جزاء للشرط وإن أكّد بالقسم.

والمعنى: ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها(٣) بحجّة. وإنّما خالفوك عنادا.

( وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ) : قطع لطمّعهم. فإنّهم قالوا: لو ثبت على قبلتنا، لكنّا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له وطمعا في رجوعه وقبلتهم وإن تعدّدت، لكنّها تتّحد بالاتصاف بالبطلان ومخالفة الحقّ، أو(٤) الافراد للاشعار بأنّ الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ لو تبع، لا يمكن له المتابعة إلّا لواحد.

( وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ) :

فانّ اليهود يستقبل بيت المقدس والنّصارى مطلع الشّمس. لا يرجى توافقهم، لتصلّب كلّ حزب فيما هو. وفيه تسلية للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأنّ عنادهم لا يخصّه، وردّ لاعتلالهم، لأنّه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب فيما ورثوه عن أنبياء الله، وأنّ

__________________

(١) ر: الكشاف ١ / ٢٢٠+ مجمع البيان ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٨.

(٣) أ: لشبهته تنزيلها.

(٤) ر: و.

١٨٦

بيت المقدس لم يزل كان قبلة الأنبياء، فهو أولى بأن يكون قبلة، أي: فكما جاز أن يخالف بين جهتيهم للاستصلاح، [جاز أن يخالف بجهة ثالثة في زمان آخر للاستصلاح].(١) ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) على سبيل الفرض والتّقدير.

( إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) (١٤٥): أكّد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه، تعظيما للحقّ المعلوم، وتحريضا على اقتفائه، وتحذيرا عن متابعة الهوى، وتأكيدا للاجتناب عنه.

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) ، يعني: علماءهم.

( يَعْرِفُونَهُ ) :

قيل(٢) : الضّمير لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، أو للعلم، أو القرآن، أو التّحويل.

( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) ، أي: يعرفون بأوصافه، كمعرفة أبنائهم. لا يلتبسون عليهم بغيرهم.

وفي أصول الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن محمّد بن داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. فيه يقول ـ عليه السّلام: فأمّا أصحاب المشئمة، فهم اليهود والنّصارى.

يقول الله ـ عزّ وجلّ:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) . يعرفون محمّدا والولاية في التوراة والإنجيل، كما يعرفونه أبناءهم في منازلهم.( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) أنّك الرّسول إليهم.( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ ) ، يعني: رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) . لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ [قد](٥) أنزل عليهم في التوراة

__________________

(١) ليس في ر.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ٨٩.

(٣) الكافي ٢ / ٢٨٣، ح ١٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

(٥) يوجد في المصدر.

١٨٧

والإنجيل والزّبور، صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته(١) .

وهو قوله تعالى(٢) :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) . تراهم ركعا سجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا. سيماهم في وجوههم من أثر السّجود. ذلك مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل» فهذه صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه، فلمّا بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ عرفه أهل الكتاب، كما قال ـ جلّ جلاله(٣) :( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ ) .

( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (١٤٦): تخصيص لمن عاند.

واستثناء لمن آمن.

( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) : كلام مستأنف.

و «الحقّ» إمّا مبتدأ، خبره «من ربّك»، والّلام للعهد، والإشارة إلى ما عليه الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله.

أو «الحقّ» الّذي يكتمونه، أو للجنس، والمعنى: أنّ الحقّ ما ثبت أنّه من الله تعالى، كالّذي أنت عليه، لا ما لم يثبت، كالّذي عليه أهل الكتاب.

وإمّا خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الحق ومن ربّك، حال، أو خبر بعد خبر.

وقرئ بالنّصب، على أنّه بدل من الأوّل، أو مفعول يعلمون.

( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (١٤٧)، أي: الشّاكّين في أنّه من ربّك، أو في كتمانهم الحقّ عالمين به.

والمراد إمّا تحقيق الأمر، وأنّه بحيث لا يشك فيه ناظر، أوامر الأمّة باكتساب المعارف المزيحة للشّكّ على الوجه الأبلغ. وإلّا فالشّكّ غير متوقّع من الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله. ولا يكون بقصد واختيار في غيره.

( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ) ، أي: ولكلّ أمّة قبلة، أو لكلّ قوم جهة وجانب من الكعبة.

والتّنوين بدل الإضافة.

( هُوَ مُوَلِّيها ) : أحد المعفولين محذوف، أي: هو مولّيها وجهه، أو الله تعالى مولّيها وجهه.

__________________

(١) المصدر: هجرته.

(٢) الفتح / ٢٩.

(٣) البقرة / ٨٩.

١٨٨

وقرئ «لكلّ وجهة» (بالإضافة).

والمعنى: وكلّ وجهة الله تعالى مولّيها أهلها.

والّلام مزيدة للتّأكيد، جبر الضّعف العامل.

وقرأ ابن عامر «مولّا»، هو مولّا تلك الجهة قد وليها.

( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) من أمر القبلة وغيره، ممّا يوجب السّعادة. وأعظمها الولاية.

بل ينحصر فيها. كما يأتي في الخبر.

( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) ، أي: يجمعكم للحساب، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة، يجعل صلاتكم كأنّها إلى جهة واحدة، أو الخطاب لأصحاب القائم ـ عليه السّلام ـ على ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه ـ رحمه الله ـ في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ.

قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى ـ عليهم السّلام. إنّي لأرجو أن تكون(٢) القائم من أهل بيت محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(٣) فقال ـ عليه السّلام ـ يا أبا القاسم ما منّا الا وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ وهاد إلى دين الله. ولكن القائم الذي يطهّر الله ـ عزّ وجلّ ـ به الأرض من اهل الكفر والجحود ويملؤها عدلا وقسطا، هو الّذي تخفى على النّاس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته. وهو سمي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكنيّه. وهو الّذي تطوى له الأرض ويذلّ به كلّ صعب.

يجتمع إليه أصحابه(٤) عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض. ذلك(٥) قول الله ـ عزّ وجلّ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً. إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص، أظهر الله أمره.

فإن أكمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله ـ عزّ وجلّ. فلا يزال يقتل أعداء الله، حتّى يرضى الله تعالى.

قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيّدي! كيف يعلم أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد رضى؟

قال: يلقي في قلبه الرّحمة. فإذا دخل المدينة، أخرج الّلات والعزّى. فأحرقهما.

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨، ح ٢.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: يكون.

(٣) ر: ظلما وجورا.

(٤) المصدر: ويجتمع إليه من أصحابه. (٥) المصدر: وذلك.

١٨٩

وبإسناده(١) إلى أبي خالد الكابليّ، عن سيّد العابدين، عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام. قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدّة أهل بدر.

فيصبحون بمكّة. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) . وهم أصحاب القائم ـ عليه السّلام.

وبإسناده(٢) إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: لقد نزلت هذه الآية، في المفتقدين من أصحاب القائم ـ عليه السّلام ـ قوله ـ عزّ وجلّ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) . إنّهم ليفتقدون من(٣) فرشهم(٤) ليلا.

فيصبحون بمكّة. وبعضهم يسير في السّحاب. يعرف اسمه(٥) واسم أبيه وحليته ونسبه.

قال: فقلت: جعلت فداك! أيّهم أعظم إيمانا؟

قال: الّذي يسير في السّحاب نهارا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس(٧) ، عن أبي خالد الكابليّ. قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام. والله لكأنّي أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد(٨) حقّه.

(إلى أن قال) هو والله المضطرّ في كتاب الله، في قوله:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) . فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل، ثمّ الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا. فمن كان ابتلي بالمسير [وافى. ومن لم يبتل بالمسير](٩) فقد عن فراشه. وهو قول أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: «هم المفقودون عن فرشهم.» وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات: الولاية.

[وفي روضة الكافي(١٠) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر عن أبي خالد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٥٤، ح ٢١.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢، ح ٢٤.

(٣) المصدر: عن. وهو الظاهر.

(٤) أ: المفتقدون عن عرشهم.

(٥) المصدر: باسمه. وهو الظاهر.

(٦) تفسير القمي ٢ / ٢٠٥.

(٧) ر: يونس بن مالك.

(٨) المصدر: ينشد الله.

(٩) ليس في ر. (١٠) الكافي ٨ / ٣١٣، ح ٤٨٧.

١٩٠

الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات: الولاية. وقوله ـ تبارك وتعالى ـ( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) ، يعني: أصحاب القائم، الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا.

قال: وهم، والله! الأمة المعدودة.

قال: يجتمعون، والله! في ساعة واحدة. قزع كقزع الخريف.

وفي مجمع البيان(١) : قال الرّضا ـ عليه السّلام: وذلك، والله! أن لو قام قائمنا، يجمع الله إليه جميع شيعتنا، من جميع البلدان.

وفي شرح الآيات الباهرة :](٢) وذكر الشّيخ المفيد، في كتاب الغيبة(٣) ، بإسناده، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. أنّه قال: المعنى بهذا الخطاب، أصحاب القائم ـ عليه السّلام.

قال بعد ذكر علامات ظهوره: ثمّ يجمع الله له(٤) أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة رجلا، عدّة أهل بدر. يجمعهم الله له على غير ميعاد. قزعا كقزع الخريف. وهي، يا جابر! الآية الّتي ذكرها الله في كتابه:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) . [إن الله على كلّ شيء قدير](٥) ».

( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٤٨): فيقدر على الإماتة والإحياء والجمع.

( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) للسّفر.

( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) إذا صلّيت.

( وَإِنَّهُ ) ، اي: هذا الامر،( لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١٤٩): وقرأ أبو عمرو بالياء.

( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) :

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٣١.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) بل غيبة النعماني / ٢٨٢ وكذلك عنه في البحار ٥٢ / ٢٣٩، ضمن ح ١٠٥+ تفسير البرهان ١ / ١٦٢، ح ٤. ولم نجده في غيبة المفيد. وقد ورد في البحار ٥١ / ١٣٩، ح ١٣، هكذا: غيبة النعماني: روى الشيخ المفيد في كتاب الغيبة عن

(٤) المصدر: فيجمع الله عليه.

(٥) يوجد في المصدر.

١٩١

تكرير هذا الحكم، لتعدّد علله. فإنّه ذكر للتّحويل، ثلاث علل: تعظيم الرّسول بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإلهيّة على أن يولّي كلّ صاحب دعوة جهة يستقبلها، ودفع حجج المخالفين. وقرن بكلّ علّة معلولها. كما يقرن المدلول بكلّ واحد من دلائله، تقريرا وللتّأكيد. لأنّ القبلة لها شأن. والنسخ من مظانّ الفتنة.

( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) : علّة لولّوا.

والمعنى: أنّ التّولية عن الصّخرة إلى الكعبة، تدفع احتجاج اليهود بأنّ المنعوت في التوراة، قبلة الكعبة والمشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم ويخالف قبلته.

( إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : استثناء من «النّاس»، أي: لا يكون لأحد حجّة إلّا للمعاندين.

( مِنْهُمْ ) : فإنّهم يقولون: ما تحوّل إلى الكعبة إلّا ميلا إلى دين قومه وحبّا لبلده.

وبدا له. فرجع إلى قبلة آبائه. ويوشك إلى دينهم أن يرجع. وسمّى هذه حجّة. لأنّهم يسوقونها مساقها. كقوله تعالى(١) :( حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ ) .

قيل(٢) : الحجّة بمعنى الاحتجاج.

وقيل(٣) : الاستثناء للمبالغة في نفي الحجّة، رأسا، كقوله :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفيهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

للعلم بأنّ الظالم لا حجّة له. وقرئ(٤) : «ألا الّذين ظلموا منهم»، على أنّه استيناف بحرف التّنبيه.

( فَلا تَخْشَوْهُمْ ) فإنّ مطاعنهم لا تضرّكم.

( وَاخْشَوْنِي ) : ولا تخالفوني في ما أمرتكم به.

( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (١٥٠) :

إمّا علّة لمحذوف، أي: أمرتكم لإتمام نعمتي عليكم وإرادتي اهتداءكم، أو معطوف على علّة مقدّرة، أي: اخشوني لأحفظكم عنهم ولأتمّ نعمتي عليكم، أو على لئلّا يكون.

( كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ )

__________________

(١) الشورى / ١٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٠.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

١٩٢

إمّا متّصل بما قبله، أي: ولأتمّ نعمتي عليكم في أمر القبلة، أو في الآخرة، كما أتممّها بإرسال الرّسل، أو بما بعده، أي: كما ذكرتكم بالإرسال. فاذكروني.

( يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ ) : يحملكم على ما به تصيرون أزكياء.

( وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (١٥١) بالفكر والنّظر. ولا طريق له سوى الوحي.

وتكرير الفعل للدّلالة على أنّه جنس آخر.

( فَاذْكُرُونِي ) بالطّاعة.

( أَذْكُرْكُمْ ) بالثّواب.

( وَاشْكُرُوا لِي ) ما أنعمت به عليكم.

( وَلا تَكْفُرُونِ ) (١٥٢) بجحد النّعم وعصيان الأمر.

وفي كتاب معاني الأخبار(١) ، بإسناده إلى أبي الصّباح بن نعيم العابديّ(٢) ، عن محمّد بن مسلم. قال ـ في حديث طويل يقول في آخره: تسبيح فاطمة الزّهراء، من ذكر الله الكثير الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) .

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القسم(٤) بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال ـ في حديث طويل :

الوجه الثّالث من الكفر، كفر النّعم. قال:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله(٦) ( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) يقول: ذكر الله لأهل الصّلاة، أكبر من ذكرهم إيّاه. ألا ترى أنّه يقول( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ؟

وفي روضة الكافي(٧) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

__________________

(١) معاني الأخبار / ١٩٤، ذيل ح ٥.

(٢) المصدر: العائذيّ.

(٣) الكافي ٢ / ٣٩١، ح ١.

(٤) أور: القاسم.

(٥) تفسير القمي ٢ / ١٥٠.

(٦) العنكبوت / ٤٥.

(٧) الكافي ٨ / ٧، ح ١.

١٩٣

يقول فيه ـ عليه السّلام: والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين. واعلموا أنّ الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين، إلّا ذكره بخير. فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته.

وفي مجمع البيان(١) : وروي عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام. قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الملك ينزل الصّحيفة من أوّل النّهار وأوّل اللّيل. يكتب فيها عمل ابن آدم. فاملوا في أوّلها خيرا وفي آخرها. فإنّ الله يغفر لكم ما بين ذلك ـ إن شاء الله. فإنّه يقول:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) .

وفي كتاب الخصال(٢) ، فيما أوصى به النّبيّ، عليا ـ عليه السّلام: ثلاث لا تطيقها هذه الأمّة: المواساة للأخ في ماله، وانصاف النّاس من نفسه، وذكره الله على كلّ حال. وليس هو «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر.» ولكن إذا ورد على ما يحرّم الله عليه، خاف الله عنده وتركه.

وعن أبي حمزة الثّماليّ(٣) . قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: بلاء وقضاء ونعمة. فعليه في البلاء من الله الصّبر، فريضة. وعليه في القضاء من الله التّسليم، فريضة. وعليه في النّعمة من الله الشّكر، فريضة.

وعن أبي حمزة الثّماليّ،(٤) عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: ومن قال الحمد لله، فقد أدّى شكر كلّ نعم الله تعالى.

وفيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه(٥) : اذكروا الله في كلّ مكان. فإنّه معكم.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث(٦) : وشكر كلّ نعمة، الورع عمّا حرّم الله تعالى.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ) عن المعاصي وحظوظ النّفس.

( وَالصَّلاةِ ) الّتي هي عماد الدّين.

( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (١٥٣) بالنّصرة وإجابة الدّعوة.

وفي مصباح الشّريعة(٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: ومن

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٣٤.

(٢) الخصال ١ / ١٢٥.

(٣) نفس المصدر ١ / ٨٦، ح ١٧.

(٤) الخصال ١ / ٢٩٩، ح ٧٢.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٦١٣، ضمن ح أربعمائة.

(٦) نفس المصدر ١ / ١٤، ح ٥٠.

(٧) شرح فارسى لمصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

١٩٤

استقبل البلايا(١) بالرّحب، وصبر على سكينة ووقار، فهو من الخاصّ. ونصيبه ما قال الله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن الفضيل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: قال: يا فضيل! بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السّلام. وقل لهم: إنّي أقول إنّي لا أغني عنكم من الله شيئا إلّا بورع. فاحفظوا ألسنتكم. وكفّوا أيديكم. وعليكم بالصّبر والصّلاة.( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ) ، أي: هم أموات.

( بَلْ أَحْياءٌ ) ، أي: بل هم أحياء.

( وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (١٥٤) ما حالهم.

والآية نزلت في شهداء بدر، كانوا أربعة عشر.

وفي مجمع البيان(٣) : بل أحياء. قيل فيه أقوال: الرّابع ـ أنّ المراد، أحياء لما نالوا من جميل الذّكر والثّناء، كما روي عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ من قوله: هلك خزّان الأموال. والعلماء باقون ما بقي الدّهر.

أعيانهم مفقودة. وآثارهم في القلوب موجودة.

وفيه(٤) : روى الشّيخ أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام، مستندا إلى عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن محمّد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان. قال: كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ جالسا. فقال: ما يقول النّاس في أرواح المؤمنين؟

قلت: يقولون تكون في حواصل طيور خضر، في قناديل تحت العرش.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: سبحان الله! المؤمن أكرم على الله من(٥) أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس! المؤمن إذا قبضه الله تعالى، صيّر روحه في قالب

__________________

(١) المصدر: البلاء.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٦٨، ح ١٢٣.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٣٦.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٣٦+ تهذيب الأحكام ١ / ٤٦٦، ح ١٧١.

(٥) المصدر: من ذلك.

١٩٥

كقالبه في الدّنيا. فيأكلون ويشربون. فإذا قدم عليهم القادم، عرفوه بتلك الصّورة الّتي كانت في الدّنيا.

وعنه(١) ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أرواح المؤمنين. فقال: في الجنّة على صور أبدانهم. لو رأيته لقلت فلان.

وفي حديث(٢) : أنّه يفسح له مدّ بصره. ويقال له: نم، نومة العروس.

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) ، أي: ولنصيبنكم إصابة من يختبر لأحوالكم، هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء؟

( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) ، أي: بقليل من ذلك بالقياس إلى ما وقاهم عنه، أو بالنّسبة إلى ما يصيب معانديهم في الآخرة والإخبار به قبل الوقوع للتّوطين.

( وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ) :

عطف على «شيء» أو «الخوف»

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٣) ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ لقيام(٤) القائم ـ عليه السّلام ـ علامات تكون من الله ـ عزّ وجلّ ـ للمؤمنين.

قلت: فما هي؟ جعلني الله فداك.

قال: ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) ، يعني: المؤمنين قبل خروج القائم ـ عليه السّلام ـ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) .

قال:( لَنَبْلُوَنَّكُمْ ) (٥) ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ) من ملوك بني فلان، في آخر سلطانهم.

«والجوع» بغلاء أسعارهم.( وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ ) قال: كساد(٦) التّجارات وقلّة الفضل.

ونقص من الأنفس قال: موت ذريع. ونقص من الثمرات لقلّة(٧) ريع ما يزرع.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٣٦.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٦٤٩ ـ ٦٥٠، ح ٠٣

(٤) المصدر: قدّام.

(٥) المصدر: يبلوهم.

(٦) أ: فساد.

(٧) المصدر: قال قلة. (ظ.)

١٩٦

( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) عند ذلك بتعجيل خروج القائم ـ عليه السّلام.

[ثمّ](١) قال لي: يا محمّد! هذا تأويله. إنّ الله ـ عزّ وجلّ. ـ يقول(٢) :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن الثّماليّ، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( لَنَبْلُوَنَّكُمْ ) (٤) ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) قال: ذلك جوع خاصّ وجوع عامّ. فأمّا بالشّام، فإنّه عامّ. وأمّا الخاصّ، بالكوفة. يخصّ. ولا يعمّ. ولكنّه يخصّ بالكوفة، أعداء آل محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فيهلكهم الله بالجوع. وأمّا الخوف فإنّه عامّ بالشّام. وذلك الخوف إذا قام القائم ـ عليه السّلام. وأمّا الجوع فقبل قيام القائم ـ عليه السّلام. وذلك قوله:( لَنَبْلُوَنَّكُمْ ) (٥) ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) وفي كتاب علل الشرائع، بإسناده إلى سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ في كتاب عليّ ـ عليه السّلام ـ إنّ أشدّ النّاس بلاء النّبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل. وإنّما ابتلي(٦) المؤمن على قدر أعماله الحسنة. فمن صحّ دينه وصحّ عمله، اشتدّ بلاؤه. وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لم يجعل الدّنيا ثواب المؤمن(٧) ، ولا عقوبة الكافر. ومن سخف دينه وضعف عمله، فقد قلّ بلاؤه. والبلاء أسرع إلى المؤمن المتّقي، من المطر إلى قرار الأرض.

وفي نهج البلاغة(٨) . إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السّيّئة، بنقص الثّمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكّر متذكّر ويزدجر مزدجر.

( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (١٥٥)( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) (١٥٦): الخطاب للرّسول، أو لمن يتأتّى منه البشارة.

و «المصيبة» تعمّ ما يصيب الإنسان من مكروه.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) آل عمران / ٧.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٦٨، ح ١٢٥.

(٤ و ٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: ليبلونّكم الله.

(٦) المصدر: يبتلى. (ظ)

(٧) المصدر: توابا لمولمن.

(٨) نهج البلاغة / ١٩٩.

١٩٧

( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) : «الصّلاة» في الأصل، الدّعاء، ومن الله التّزكية والمغفرة. وجمعها للتّنبيه على كثرتها وتنّوعها.

والمراد بالرّحمة، اللّطف والإحسان.

[( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (١٥٧) للحقّ والصّواب، حيث استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى](١)

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن عبد الله بن سنان. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: قال الله تعالى: «إنّي أعطيت الدّنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني قرضا، أعطيته بكلّ واحدة منها عشرة إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك. ومن لم يقرضني منها قرضا، فأخذت(٣) منه قسرا أعطيته.

ثلاث خصال لو أعطيت(٤) واحدة منهنّ ملائكتي، لرضوا: الصّلاة، والهداية، والرّحمة.» إنّ الله تعالى يقول:( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) . واحدة من الثلاث ورحمة اثنتين( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ثلاث.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.

وعن أبي عبد الله(٥) ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أربع خصال من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم: من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ )

(الحديث)

وفي أصول الكافي(٦) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن أبي المفضّل الشيباني(٧) ، عن هارون بن فضل. قال: رأيت أبا الحسن عليّ بن محمّد، في اليوم الّذي توفّى فيه أبو جعفر ـ عليه السّلام. فقال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) . مضى أبو جعفر ـ عليه السّلام.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الخصال ١ / ١٣٠، ح ١٣٥.

(٣) أ: قد أخذت.

(٤) ر: لو أعطيت منها.

(٥) نفس المصدر: ١ / ٢٢٢، ح ٤٩.

(٦) الكافي ١ / ٣٨١، ح ٥.

(٧) أ: المنشائيّ. المصدر: الشهبانيّ.

١٩٨

فقيل له: وكيف عرفت؟

قال: لأنّه قد دخلني ذلّة(١) لم أكن اعرفها.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: ما من عبد يصاب بمصيبة، فيسترجع عند ذكر المصيبة ويصبر حين تفاجئه إلا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه. وكلّما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكر المصيبة، غفر الله له كلّ ذنب فيما بينهما.

عليّ(٣) ، عن أبيه(٤) ، عن ابن أبي عمير، عن داود بن رزين، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: من ذكر مصيبة ولو بعد حين، فقال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) .

والحمد لله ربّ العالمين. أللّهمّ أجرني على مصيبتي. وأخلف عليّ أفضل منها» كان له من الأجر، مثل ما كان عند أوّل صدمته.

عليّ بن محمّد عن صالح(٥) بن أبي حمّاد، رفعه. قال: جاء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ إلى الأشعث بن قيس، يعزّيه بأخ له. فقال له(٦) : إن جزعت فحقّ الرّحم أتيت، وإن صبرت فحقّ الله أديت، على أنّك إن صبرت جرى عليك القضاء، وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم.

فقال له الأشعث:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) .

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: أتدري ما تأويلها؟

فقال الأشعث: لا. أنت غاية العلم ومنتهاه.

فقال له: أمّا قولك( إِنَّا لِلَّهِ ) فإقرار منك بالملك. وأمّا قولك( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) فإقرار منك بالهلاك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : وسئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام: ما بلغ من حزن يعقوب؟

__________________

(١) المصدر: لأنّه تداخلني ذلة لله.

(٢) الكافي ٣ / ٢٢٤، ح ٥.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦.

(٤) ليس في أور.

(٥) نفس المصدر ٣ / ٢٦١، ح ٤٠.

(٦) المصدر: يعزّيه بأخ له يقال له عبد الرحمن. فقال له أمير المؤمنين.

(٧) تفسير القمي ١ / ٣٥٠.

١٩٩

قال: حزن سبعين ثكلى على أولادها.

وقال: إنّ يعقوب لم يعرف الاسترجاع. فمنها قال وا أسفا على يوسف.

وفي نهج البلاغة(١) : وقال ـ عليه السّلام ـ وقد سمع رجلا يقول:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ـ فقال: انّ قولنا( إِنَّا لِلَّهِ ) ، إقرار على أنفسنا بالملك. وقولنا( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، إقرار على أنفسنا بالهلاك.

وفي مجمع البيان(٢) : وفي الحديث: من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه.

وقال ـ عليه السّلام(٣) : من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وإن تقادم(٤) عهدها، كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٥) :](٦) وذكر الشّيخ جمال الدّين ـ قدّس الله روحه ـ في كتاب نهج الحقّ(٧) ، عن ابن مردويه، من طريق العامّة، بإسناده إلى ابن عبّاس. قال: إنّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ لـمّا وصل إليه ذكر قتل عمّه حمزة قال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) . فنزلت هذه الآية:( بَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) . (الآية) وهو القائل عند تلاوتها:( إِنَّا لِلَّهِ ) إقرار بالملك.( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) إقرار بالهلاك.

( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ) : علما جبلين بمكّة.

وفي كتاب علل الشّرائع(٨) ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمّي الصّفا صفا، لان المصطفى آدم، هبط عليه. فقطع للجبل اسم

__________________

(١) نهج البلاغة / ٤٨٥، ح ٩٩.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٣٨.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ر: تقدّم.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٨.

(٦) ليس في أ.

(٧) هو أبو منصور جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر الحلي ـ قدس الله روحه ـ الملقب بالعلامة، الذي جمع من العلوم ما تفرق في جميع الناس، وأحاط من الفنون بما لا يحاط بقياس، مروج المذهب والشريعة في المائة السابعة ورئيس العلماء الشيعة من غير مدافعة. صنف في كلّ علم كتبا ومنها «نهج الحق وكشف الصدق.» مرتبا على مسائل في التوحيد والعدل والنبوة والامامة.

(٨) علل الشرائع ١ / ٤٣١ ـ ٤٣٢، ح ١.

٢٠٠