تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183391 / تحميل: 5554
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اشترى للقراض وقع الشراء له ، ووجب الثمن عليه ، وإذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض ، ومَلَكه ربّ المال ، وإذا تلف الثمن كان الثمن على مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخرى ليدفعها ، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخرى ، وعلى هذا.

واختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال : إنّ الألفين الأوّلة والثانية تكونان رأس المال.

ومنهم مَنْ قال : الثانية خاصّةً ، والاولى انفسخ القراض فيها(١) .

وقال ابن سريج : إنّ الشراء يقع للعامل ، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده ، وحمل كلام الشافعي على عمومه(٢) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإن اشترى قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض ، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن ، فإذا تعذّر ذلك ، فقد حصل الشراء على غير الوجه الذي أذن ، فيصير الشراء للعامل.

قال : وهذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره ، فيصحّ الإحرام عنه ، فإذا أفسده الأجير ، صار عنه ؛ لأنّه خالف في الإذن ، كذا هنا.

لا يقال : لو وكّل وكيلاً ودفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها وقبل أن يدفع الثمن هلك في يده ، أليس يكون الشراء للموكّل والألف عليه؟

لأنّا نقول : قال ابن سريج : في ذلك وجهان :

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

١٢١

أحدهما : إنّه يلزم الوكيل ، كمسألتنا.

والثاني : إنّه يلزم الموكّل(١) .

والفرق بينهما : إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة على أنّه لا يزيد عليها ؛ لأنّ إذنه تناول المال ، ولا يلزمه أن يزيد على ذلك ، وفي الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد وقد اشتراه له ، فكان ثمنه عليه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ - ٢٣١.

١٢٢

١٢٣

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ٢٧٧ : لو ادّعى العامل التلفَ ، صُدّق باليمين وعدم البيّنة ، سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(١) ؛ لأنّه أمين في المال ، كالمستودع.

والأصل فيه : إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه ، فكان أميناً ، كالوكيل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال : « ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً »(٣) .

وبه قال الشافعي(٤) ، وفرّق بين العامل وبين المستعير حيث ذهب إلى أنّ المستعير ضامن(٥) : بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ ، وهنا معظم المنفعة لربّ المال.

وفرّق أيضاً بين العامل وبين الأجير المشترك ، فإنّه عنده - على أحد القولين - ضامن ؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له ، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت‌

____________________

(١) الظاهر : « بعده ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢.

(٤) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٥) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢٧٣ ، الهامش (٤)

١٢٤

له ، وهنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة ، فافترقا(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قوله مقبول في التلف ، سواء ادّعى التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً ، وسواء أمكنه إقامة البيّنة على السبب أو لا.

وللشافعي تفصيل(٢) تقدّم مثله في الوديعة(٣) .

مسألة ٢٧٨ : لو اختلف المالك والعامل في ردّ المال ، فادّعاه العامل وأنكره المالك ، فالأقوى : تقديم قول المالك - وهو قول أحمد ، وأحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ردّه إلى المالك ، كالمستعير ، ولأنّ صاحب المال منكر والعامل مدّعٍ ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

والوجه الثاني لأصحاب الشافعي : إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، ولأنّ معظم النفع لربّ المال ، والعامل كالمستودع(٥) .

ونمنع أنّه أمين في المتنازع ، ولا ينفع في غيره.

والفرق بينه وبين المستودع ظاهر ؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

ونمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا ، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه ، ولم يأخذه لنفع ربّ المال.

____________________

(١) راجع : البيان ٧ : ٢٠٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢١٢ ، المسألة ٦٢.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، البيان ٧ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٥

مسألة ٢٧٩ : لو اختلفا في الربح ، فالقول قول العامل مع يمينه وعدم البيّنة - سواء اختلفا في أصله وحصوله بأن ادّعى المالك الربحَ وأنكر العامل وقال : ما ربحتُ شيئاً ، أو في مقداره بأن ادّعى المالك أنّه ربح ألفاً وادّعى العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

وكذا لو قال : كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ وذهب الربح ، وادّعى المالك بقاءه في يده ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، كما لو ادّعى المستودع التلفَ ، وكما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه ، ولأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة ، كالوكيل ، وبه قال الشافعي وغيره(١) .

وأمّا لو قال العامل : ربحتُ ألفاً ، ثمّ قال : غلطتُ في الحساب ، وإنّما الربح مائة ، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا ، أو قال : كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك ، لم يُقبل رجوعه ؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه ، فلم يُقبل ، كسائر الأقارير ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح ، قُبِل قوله : كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم ، بخلاف ما إذا قال : خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه ، فإنّه لا يُقبل ، كما لو ادّعى عليه وديعة ، فقال له : ما أودعتَ عندي شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى التلف ، لم يُقبل قوله ، أمّا لو قال : ما تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٦

التلف ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل ، كذا هنا(١) .

هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة ٢٨٠ : إذا اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا ، فقال صاحب المال : اشتريتَه للقراض ، وقال العامل : اشتريتُه لنفسي ، قُدّم قول العامل مع اليمين ، وكذا لو ظهر خسران فاختلفا ، فادّعى صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل ، وهو أبصر بما نواه ، ولا يطّلع على ذلك من البشر أحد سواه ، وإنّما يكون مال القراض بقصده ونيّته - وهو أحد قولَي الشافعي(٢) - ولأنّ في المسألة الأُولى المال في يد العامل ، فإذا ادّعى ملكه فالقول قوله.

وقد ذكر الشافعي في الوكيل والموكّل إذا اختلفا في بيع شي‌ءٍ أو شراء شي‌ءٍ ، فقال الموكّل : ما بعتَه ، أو قال : ما اشتريتَه ، وقال الوكيل : بعتُ أو اشتريتُ ، قولين(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٣ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، و ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٢٧

واختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً : قولان ، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران :

أحدهما : القول قول ربّ المال ؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض ، والأصل عدم وقوعه للقراض ، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل : بعتُ ما أمرتني ببيعه ، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه ، فقال الموكّل : لم تفعل.

والثاني : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أعلم بما نواه.

ومنهم مَنْ قال هنا : القول قول العامل قولاً واحداً ، بخلاف مسألة الوكالة.

والفرق بينهما : إنّ الموكّل والوكيل اختلفا في أصل البيع والشراء ، وهنا اتّفقا على أنّه اشتراه ، وإنّما اختلفا في صفة الشراء ، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(١) .

ولو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية ، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً ، فيبطل البيع ، ولا يكون للقراض(٢) .

مسألة ٢٨١ : لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح ، فقال المالك : شرطتُ(٣) لك الثلث ، وقال العامل : بل النصف ، فالقول قول المالك مع‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، البيان ٧ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٦ ، البيان ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « اشترطتُ ».

١٢٨

يمينه وعدم البيّنة ، عند علمائنا - وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس ، والقول قول المنكر مع اليمين.

وقال الشافعي : يتحالفان ؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته ، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن ، وكالإجارة ، فإذا حلفا فسخ العقد ، واختصّ الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أُجرة المثل عن عمله ، كما لو كان القراض فاسداً - وفيه وجه : إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(٢) - ولو حلف أحدهما ونكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(٣) .

وعن أحمد رواية ثانية : إنّ العامل إذا ادّعى أُجرة المثل وزيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله ، وإن ادّعى أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(٤) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٢٢٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٥.

(٤) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥.

١٢٩

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ المالك منكر ، ولأنّه اختلاف في فعله ، وهو أبصر به وأعرف ، ولأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال ، فالقول قول مَنْ يدّعيه ، وعلى مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة ٢٨٢ : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فقال المالك : دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال ، وقال العامل : بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال ، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال ، كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) .

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً وهو ينكره ، والقول قول المنكر ، والأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به ، ولأنّ المال في يد العامل وهو يدّعيه لنفسه ربحاً ، وربّ المال يدّعيه لنفسه ، فالقول قول صاحب اليد.

ولا فرق عندنا بين أن يختلفا وهناك ربح أو لم يكن ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان تحالفا ؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به ، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٣٤٨٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٩١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ و ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣٠

الربح(١) .

والحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم ، مع أنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد ، والاختلاف هنا اختلاف في القبض ، فيُصدَّق فيه النافي ، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة ٢٨٣ : لو كان العامل اثنين وشرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة وله النصف ، وتصرّفا واتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف ، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال : إنّ رأس المال ألفان ، فصدّقه أحد العاملين وكذّبه الآخَر وقال : بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة ، لزم الـمُقرّ ما أقرّ به ، ثمّ يحلف المنكر ؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال ، ويُقضى للمنكر بموجب قوله ، فالربح بزعم المنكر ألفان وقد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة ، فتُسلّم إليه ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ؛ لاتّفاق المالك والـمُقرّ عليه ، تبقى خمسمائة تُقسَّم بين المالك والمصدِّق أثلاثاً ؛ لاتّفاقهم على أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين ، وما أخذه المنكر كالتالف منهما ، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة والمصدِّق ثلثها ؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه ، ونصيب المصدِّق الربع ، فيقسّم بينهما على ثلاثة أسهم ، وما أخذه الحالف كالتالف ، والتالف في المضاربة يُحسب من الربح.

ولو كان الحاصل ألفين لا غير ، فادّعاها المالك رأسَ المال ، فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر وادّعى أنّ رأس المال ألف والألف الأُخرى ربح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣١

صُدّق المكذِّب بيمينه ، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين وخمسين الزائدة على ما أقرّ به ، والباقي يأخذه المالك.

مسألة ٢٨٤ : لو اختلفا في جنس مال القراض ، فادّعى المالك أنّ رأس المال كان دنانير ، وقال العامل : بل دراهم ، فالقول قول العامل مع يمينه ؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

ولو اختلفا في أصل القراض ، مثل : أن يدفع إلى رجلٍ مالاً يتّجر به ، فربح ، فقال المالك : إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً والربح بيننا ، وقال التاجر : بل كان قرضاً علَيَّ ، ربحه كلّه لي ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه ملكه ، والأصل تبعيّة الربح له ، فمدّعي خلافه يفتقر الى البيّنة ، ولأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده ، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

وقال بعض العامّة : يتحالفان ، ويكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله ؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح ، فربّ المال يعترف له به ، وهو يدّعي كلّه ، وإن كان أُجرة مثله أكثر ، فالقول قوله مع يمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط ، وإنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له ، فتكون له أُجرة المثل(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه ، فالأقوى : إنّه يُحكم ببيّنة العامل ؛ لأنّ القول قول المالك ، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

وقال أحمد : إنّهما يتعارضان ، ويُقسّم الربح بينهما نصفين(٢) .

ولو قال ربّ المال : كان بضاعةً فالربح كلّه لي ، وقال العامل : كان قراضاً ، فالأقرب : إنّهما يتحالفان ، ويكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧.

(٢) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧ - ١٧٨.

١٣٢

من الربح أو أُجرة مثله ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح ، فلا يستحقّ زيادةً عليه وإن كان الأقلّ أُجرة مثله ، فلم يثبت كونه قراضاً ، فيكون له أُجرة عمله.

ويحتمل أن يكون القول قولَ العامل ؛ لأنّ عمله له ، فيكون القولُ قولَه فيه.

ولو قال المالك : كان بضاعةً ، وقال العامل : كان قرضاً علَيَّ ، حلف كلٌّ منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ، وكان للعامل أُجرة عمله لا غير.

ولو خسر المال أو تلف ، فقال المالك : كان قرضاً ، وقال العامل : كان قراضاً أو بضاعةً ، فالقول قول المالك.

وكذا لو كان هناك ربح فادّعى العامل القراضَ والمالك الغصبَ ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

* * *

١٣٣

الفصل الخامس : في التفاسخ واللواحق‌

مسألة ٢٨٥ : قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ؛ فإنّه وكالة في الابتداء ، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء ، فلكلّ واحدٍ من المالك والعامل فسخه والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه إلى حضور الآخَر ورضاه ؛ لأنّ العامل يشتري ويبيع لربّ المال بإذنه ، فكان له فسخه ، كالوكالة ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل أن يشتري بعده.

وإن كان قد عمل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً ، وكان للعامل أُجرة عمله إلى ذلك الوقت ، وإن كان فيه ربح أخذ رأس ماله وحصّته من الربح ، وأخذ العامل حصّته منه.

وإن لم يكن المال ناضّاً ، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك ، فإن كان في المال ربح كان على العامل جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٧٧ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٤

وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخرحمه‌الله : يجب على العامل جبايته أيضاً(١) ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ ، فيجب(٢) عليه أن ينضّه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(٣) .

والأصل فيه : إنّ الدَّيْن ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكاً تامّاً ، فليردّ كما أخذ.

وقال أبو حنيفة : إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه ، وإن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل ، فصار(٤) كالوكيل(٥) .

والفرق : إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض ، والعامل يلزمه.

مسألة ٢٨٦ : لو فسخ المالك القراض والحاصل دراهم مكسّرة وكان رأس المال صحاحا ، فإن قدر على إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها ، وإلّا باعها بغير جنسها من النقد ، واشترى بها الصحاح.

ويجوز أن يبيعها بعرضٍ ويشتري به الصحاح ؛ لأنّه سعي في إنضاض المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، المسألة ١٠ من كتاب القراض.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فوجب ».

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٩ ، البيان ٧ : ١٩٨ و ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، المغني ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « فكان » بدل « فصار ».

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، البيان ٧ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٥

يتعوّق عليه بيع العرض(١) .

ولو كان رأس المال دنانير والحاصل دراهم ، أو بالعكس ، أو كان رأس المال أحد النقدين والحاصل متاع ، فإن لم يكن هناك ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك.

وللعامل أيضاً بيعه وإن كره المالك - وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

ولا يجب على المالك الصبر وتأخير البيع إلى موسم رواج المتاع - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

وقال مالك : للعامل أن يؤخّر البيع إلى الموسم(٤) .

ولو طلب المالك أن يأخذه بقيمته ، جاز ، وما يبقى بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

وإن لم يطلب ذلك ، وطلب أن يباع بجنس رأس المال ، لزم ذلك ، ويباع منه بقدر رأس المال ، ولا يُجبر العامل على بيع الباقي.

ولو قال العامل : قد تركتُ حقّي منه فخُذْه على صفته ولا تكلّفني البيع ، فالأقرب : إنّه لا يُجبر المالك على القبول ؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه ، وفي الإنضاض مشقّة ومئونة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) المغني ٥ : ١٧٩ - ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

١٣٦

إنّه يجب على المالك القبول(١) .

وقد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا وفي كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم : إنّ هذا مبنيّ على الخلاف في أنّه متى يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور ، لم يلزم المالك قبول ملكه ، ولم يسقط به طلب البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، أُجيب ؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ ، فلا معنى لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(٢) .

وقال بعضهم : بل هُما مفرَّعان أوّلاً على أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك والإسقاط؟ وهو مبنيّ على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، لم يسقط كسائر المملوكات ، وإن قلنا بالقسمة ، سقط على أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مَلَك أن يملك ، فكان له العفو والإسقاط كالشفعة ، فإن قلنا : لا يسقط حقّه بالترك ، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع ، وإذا قلنا : يسقط ، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح؟(٣) .

ولو قال المالك : لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عَدْلين ، أو قال : أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً ، فالأقوى : إنّ للعامل الامتناع ؛ لأنّه قد يجد زبوناً(٤) يشتريه بأكثر من قيمته.

وللشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، فله البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، فلا ؛ لوصوله إلى حقّه بما يقوله المالك(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ - ٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١.

(٤) راجع : ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ١٦١ ، الهامش (٥)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٧

وقطع بعضهم على الثاني ، وقال : إذا غرس المستعير في أرض العارية ، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة ؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة ، فهنا أولى(١) .

والأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا ، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه وإنضاضه قدر رأس المال خاصّةً ، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان ، لا يكلّف واحد منهما بيعه ؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك والعامل ، ولا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه ، ولأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

وإذا باع بطلب المالك أو بدونه ، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال ، ولو لم يكن من جنسه باعه بما يرى من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد ، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به ، وحصل به رأس المال(٢) .

مسألة ٢٨٧ : لو لم يكن في المال ربح ، ففي وجوب البيع على العامل وإنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال ينشأ : من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقّه منه ، فإذا لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة ، ومن أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه ؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلى ما كان مئونة وكلفة.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٨

وهل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع؟ إشكال ينشأ : من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ ، فيحصل له ربحٌ ما ، ومن أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع ، وهو شغل لا فائدة فيه.

وللشافعيّة وجهان(١) .

والثاني عندي أقوى ؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلى حين الفسخ ، وحصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد ، فلا يستحقّها العامل.

وقال بعضهم : إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً ، وله أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(٢) .

وتردّد بعضهم في ذلك ؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة ، وإنّما هو رزق يساق إلى مالك العروض(٣) .

وعلى القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا على أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق ، فهل للعامل نصيبٌ فيه ؛ لحصوله بكسبه ، أو لا ؛ لظهوره بعد الفسخ؟ الأقوى : الثاني ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٢٨٨ : يرتفع القراض بقول المالك : « فسختُ القراض » و « رفعتُه » و « أبطلتُه » وما أدّى هذا المعنى ، وبقوله للعامل : « لا تتصرّف بعد هذا » أو « قد أزلتُ يدك عنه » أو « أبطلتُ حكمك فيه » وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٩

ولو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع ، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه ، فإنّ الوكيل ينعزل ، كذا العامل هنا ؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ ، ولو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله على الأوّل وعلى الثاني.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو حبس العامل ومنعه من التصرّف ، أو قال : لا قراض بيننا ، فالأقرب : الانعزال.

مسألة ٢٨٩ : القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه ؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل.

ولا فرق بين ما قبل التصرّف وبعده.

فإذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح اقتسماه.

وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء ، ولم يأخذوا شيئاً من نصيبه ؛ لأنّه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكاً للمالك ، وليس لربّ المال شي‌ء من نصيبه ، فهو كالشريك ، ولأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة ، فكان مقدَّماً ، كحقّ الجناية ، ولأنّه متعلّق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، كحقّ الرهن.

وإن كان المال عرضاً ، فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من اسم آدم ـ عليه السّلام. يقول الله ـ عزّ وجلّ(١) :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) . وقد هبطت حوّاء على المروة. وإنّما سمّيت المروة مروة لأنّ المرأة هبطت عليها. فقطع للجبل اسم من اسم المرأة.

( مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) : أعلام مناسكه. جمع شعيرة. وهي العلامة.

( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ) :

«الحجّ» لغة، القصد والاعتمار الزّيارة. فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) :

قيل(٢) : كان أساف على الصّفا ونائلة على المروة. وكان أهل الجاهليّة إذا سعوا، مسحوهما. فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام، تحرّج المسلمون أن يطوفوا (بهما)(٣) لذلك.

فنزلت والإجماع على أنّه مشروع في الحجّ والعمرة. والخلاف في وجوبه.

وذهب بعض العامة إلى عدم وجوبه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، روى عن زرارة ومحمّد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر ـ عليه السّلام: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي؟ وكم هي؟

فقال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٥) :( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) . فصار التّقصير في السّفر، واجبا، كوجوب التّمام في الحضر.

[قالا: قلنا: إنّما قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ولم يقل: «افعلوا» فكيف أوجب(٦) ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟](٧) فقال ـ عليه السّلام: أو ليس قد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في الصّفا والمروة:( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) . ألّا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض؟ لأنّ الله ـ عزّ وجلّ. ـ ذكره في كتابه وصنعه نبيّه ـ عليه السّلام. وكذلك التّقصير في السّفر. شيء صنعه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذكره الله ـ تعالى ذكره ـ

__________________

(١) آل عمران / ٣٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٣) المصدر: بينهما.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨، ح ١٢٦٦.

(٥) النساء / ١٠١.

(٦) ر: وجب.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٠١

في كتابه.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسن بن عليّ الصّيرفيّ، عن بعض أصحابنا. قال: سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن السّعي بين الصّفا والمروة، فريضة أم سنّة؟

فقال: فريضة.

قلت: أو ليس قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ؟

قال: كان ذلك في عمرة القضاء. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصّفا والمروة. فسئل عن رجل(٢) ترك السّعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام.

فجاءوا إليه. فقالوا: يا رسول الله! إنّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة. وقد أعيدت الأصنام. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ، أي: وعليهما الأصنام.

وفي علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا خلّف(٤) إسماعيل بمكّة، عطش الصّبيّ. وكان فيما بين الصّفا والمروة، شجرة. فخرجت أمّه حتّى قامت على الصّفا.

فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم يجبها أحد. فمضيت حتّى انتهت إلى المروة. فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم تجب(٥) . ثمّ رجعت إلى الصّفا. فقالت كذلك. حتّى صنعت ذلك سبعا.

فأجرى الله سنّته(٦) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٧) إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: صار السّعي بين الصّفا والمروة، لأنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عرض له إبليس، فأمره جبرئيل

__________________

(١) الكافي ٤ / ٤٣٥، ح ٨.

(٢) المصدر: من الصفا والمروة. فتشاغل رجل. (ظ)

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٣٢، ح ١.

(٤) أ: خلّفت.

(٥) المصدر: فلم يجبها.

(٦) المصدر: ذلك سنّته.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٤٣٢، ح ١.

٢٠٢

ـ عليه السّلام. فشدّ عليه. فهرب منه. فجرت به السّنّة، يعني: الهرولة.

وبإسناده(١) إلى حمّاد، عن الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام: لم جعل السّعي بين الصّفا والمروة؟

قال: لأنّ الشيطان تراءى لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ في الوادي. فسعى. وهو منازل الشيطان.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أقام بالمدينة، عشر سنين، لم يحجّ. ثمّ أنزل الله تعالى(٣) عليه:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يحجّ في عامه هذا. فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والأعراب. واجتمعوا لحجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وإنّما كانوا تابعين ينتظرون(٤) ما يؤمرون. ويتبعونه. أو يصنع شيئا، فيصنعونه.

فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أربع بقين من ذي القعدة. فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة، زالت الشّمس. فاغتسل. ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الّذي عند الشجرة. فصلّى فيه الظّهر. وعزم بالحجّ مفردا. وخرج حتّى انتهى إلى البيداء، عند الميل الأوّل. فصفّ له سمطان(٥) . فلبّى بالحجّ مفردا. وساق الهدي ستّا وستّين، أو أربعا وستّين، حتّى انتهى إلى مكّة، في سلخ أربع من ذي الحجّة. فطاف بالبيت سبعة أشواط.

ثمّ صلّى ركعتين، خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام. ثمّ عاد إلى الحجر. فاستلمه. وقد كان استلمه في أوّل طوافه. ثمّ قال:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) . فابدأ بما بدأ الله تعالى(٦)

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٣، ح ٢.

(٢) الكافي ٤ / ٢٤٥، ح ٤.

(٣) الحج / ٢٧.

(٤) المصدر: ينظرون.

(٥) المصدر: سماطان.

(٦) يوجد في أبعد: ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ثم عاد.

٢٠٣

وانّ المسلمين كانوا يظنّون [أنّ](١) السّعي بين الصّفا والمروة، شيء صنعه المشركون.

فانزل الله تعالى:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال في حديث طويل: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: أبدأ بما بدأ الله تعالى به. فأتى الصفا. فبدأ بها.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: ابدأ بما بدأ الله.

ثمّ صعد على الصّفا. فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان(٤) سورة البقرة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ابن محبوب(٥) ، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة أربعة أشواط ثمّ غمزه بطنه، فخرج، وقضى حاجته، ثمّ غشى أهله.

قال: يغتسل، ثمّ يعود، فيطوف ثلاثة أشواط، ويستغفر ربّه، ولا شيء عليه.

قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟

فقال: أفسد حجّة. وعليه بدنة، ويغتسل، ثمّ يرجع، فيطوف أسبوعا، ثمّ يسعى ويستغفر ربّه.

قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه، كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟

قال: إنّ الطّواف فريضة. وفيه صلاة والسّعي سنّة من رسول الله ـ صلّى الله

__________________

(١) المصدر: عن.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٤٨، ح ٦.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٧.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٣٧٩، ح ٧.

٢٠٤

عليه وآله.

قلت: أليس الله يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) ؟

قال: بلى. ولكن قد قال فيهما:( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) فلو كان السّعي فريضة، لم يقل( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) .

قوله ـ عليه السّلام: والسعي سنة، أي: ليس وجوبه كوجوب الطّواف، وإن كان هو واجبا من سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين فرغ من طوافه وركعتيه قال: ابدأ بما بدأ الله ـ عزّ وجلّ ـ به من إتيان الصّفا. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، رفعه. قال: ليس لله منسك أحبّ إليه من السّعي. وذلك أنّه يذلّ فيه الجبّارين.

أحمد بن محمّد(٣) ، عن التّيمليّ، عن الحسين بن أحمد الحلبيّ، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قال: جعل السّعي بين الصّفا والمروة، مذلّة للجبّارين.

( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) ، أي: فعل طاعة فرضا كان أو نفلا.

و «خيرا» نصب على أنّه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمّنه معنى أتى.

وقرأ يعقوب والكسائيّ وحمزة «يطّوّع». وأصله يتطوّع. فأدغم مثل يطّوّف.

( فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ ) : مثيب على الطّاعة،( عَلِيمٌ ) (١٥٨): لا تخفى عليه طاعة.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ) ، كأحبار اليهود ،

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٤٣١، ح ١.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٤٣٤، ح ٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

٢٠٥

( ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) ، كالآيات الشّاهدة على أمر محمّد ـ عليه السّلام.

( وَالْهُدى ) : وما يهدي إلى وجوب اتّباعه والإيمان به.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى ) في عليّ.

وعن حمران(٢) بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) ، يعني بذلك نحن، والله المستعان.

عن بعض أصحابنا(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) .

قال: نحن يعني بها. والله المستعان. إنّ الرّجل منّا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلّا أن يبيّن للنّاس من يكون بعده.

( مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ ) : لخّصناه لهم.

( فِي الْكِتابِ ) : في التوراة.

على ما سبق في الحديث، يشمل القرآن ـ أيضا.

( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (١٥٩)، أي: الّذين يتأتّى منهم اللّعن عليهم، من الملائكة والثّقلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال :كلّ من قد لعنه الله من الجنّ والإنس، نلعنهم.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه: قيل لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدّجى؟

قال: العلماء، إذا صلحوا.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧١، ح ١٣٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٧.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٩.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) الاحتجاج ٢ / ٢٦٤.

٢٠٦

قيل: فمن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمّين بأسمائكم وبعد المتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين(١) في ممالككم.

قال: العماء، إذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق. وفيهم قال الله ـ عزّ وجلّ:( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) . (الآية)

وفي مجمع البيان(٢) : وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن عبد الله بن بكير، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال: نحن هم. وقد قالوا(٤) هو امّ الأرض](٥)

( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه،( وَأَصْلَحُوا ) ما أفسدوا بالتّدارك،( وَبَيَّنُوا ) ما بيّنه الله في كتابهم، لتتمّ توبتهم.

وقيل(٦) : ما أحدثوه من التّوبة ليمحو به سمة الكفر، عن أنفسهم، ويقتدي بهم أضرابهم،( فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) بالقبول والمغفرة.

( وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١٦٠): المبالغ في قبول التّوبة وإفاضة الرّحمة.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ) ، أي: ومن لم يتب من الكاتمين حتّى مات،( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١٦١)، يعني: استقرّ عليهم لعنة الله ولعنة من يعتدّ بلعنه من خلقه.

وقيل(٧) : الأوّل لعنهم أحياء، والثّاني لعنهم أمواتا.

__________________

(١) أ: المتأخرين.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٤١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤١.

(٤) قيل في هامش المصدر: وقال المجلسي ـ ره ـ (البحار ١ / ٨٩): ضمير «هم» راجع إلى «اللاعنين». قوله: «وقد قالوا»، إمّا كلامه ـ عليه السّلام. فضمير الجمع راجع إلى العامّة، أو كلام المؤلف، أو الرواة. فيحتمل إرجاعه إلى أهل بيت ـ عليهم السّلام ـ أيضا.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٩٢ ـ ٩٣.

٢٠٧

وقرئ(١) برفع الملائكة والنّاس وأجمعون، عطفا على محلّ اسم «الله». لأنّه فاعل في المعنى، كقولك: اعجبني ضرب زيد وعمرو، أو فاعلا لفعل مقدّر، أي: ويلعنهم الملائكة.

( خالِدِينَ فِيها ) : أي: في اللّعنة، أو النّار. وإضمارها قبل الذّكر، تفخيما لشأنها وتهويلا، أو اكتفاء بدلالة اللّعن عليها.

( لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) (١٦٢): أي: لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

وفي الآية، دلالة على كفر من كتم ما أنزل في عليّ ـ عليه السّلام ـ بناء على ما سبق من الخبر.

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) :

خطاب عامّ، اي: المستحقّ للعبادة منكم، واحد لا شريك له. يصحّ أن يعبد ويسمّى إلها.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) ، تقرير للواحدانيّة. وإزاحة لأن يتوهّم أنّ في الوجود إلها ولكنّه لا يستحقّ العبادة منهم.

( الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (١٦٣) كالحجّة عليها. فإنّه لـمّا كان مولى النّعم كلّها، أصولها وفروعها وما بسواه، إمّا نعمة، أو منعم عليه، لم يستحقّ العبادة أحد غيره. وهما خبران آخران لقوله «إلهكم» أو لمبتدأ محذوف.

قيل(٢) : لـمّا سمعه المشركون، تعجّبوا. وقالوا: إن كنت صادقا، فأت بآية نعرف بها صدقك. فنزلت.

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

وإنّما جمع السّموات وأفرد الأرض، لأنّها طبقات متفاصلة بالذّات، مختلفة بالحقيقة، بخلاف الأرضين.

( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) : تعاقبهما، كقوله(٣) : جعل( اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً )

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٣) الفرقان / ٦٢.

٢٠٨

( وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ) ، أي: ينفعهم، أو بالّذي ينفعهم.

والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذّكر، لأنّه سبب الخوض فيه والاطّلاع على عجائبه. ولذلك قدّمه على ذكر المطر والسّحاب. لأن منشأهما البحر، في غالب الأمر. وتأنيث الفلك، لأنّه بمعنى السّفينة.

وقرئ بضمّتين، على الأصل، أو الجمع. وضمّة الجمع، غير ضمّة الواحد، عند المحققين.

( وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ) :

من الأولى، للابتداء. والثّانية، للبيان.

و «السّماء» يحتمل الفلك والسّحاب وجهة العلو.

( فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) بالنبات.

( وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) عطف على «أنزل». كأنّه استدلّ بنزول المطر وتكوّن النّبات به وبثّ الحيوانات في الأرض، أو على أحياء. فإنّ الدّوابّ ينمون بالخصب ويعيشون بالماء.

و «البثّ»: النّشر والتّفريق.

( وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ) في مهابّها وأحوالها.

وقرأ حمزة والكسائيّ على الإفراد.

( وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) : لا ينزل ولا يتقشّع، مع أنّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر الله.

وقيل(١) : المسخّر(٢) للرّياح تقلّبه في الجوّ، بمشيئة الله تعالى. واشتقاقه من السّحب.

لأنّ بعضه يجرّ بعضا.

( لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١٦٤)، يتفكّرون فيها. وينظرون إليها، بعيون عقولهم.

والكلام المجمل، في الاستدلال بهذه الأمور، إنّها ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز، مثلا: أن لا تتحرّك السّموات، أو بعضها كالأرض، وأن تتحرّك بعكس حركتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا، أو على هذا الوجه لبساطتها

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٢) المصدر: مسخّر.

٢٠٩

وتساوى أجزائها، فلا بدّ لها من موجد قادر حكيم، يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعاليا عن معارضة غيره، إذ لو(١) كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه، فإن توافقت إرادتهما، فالفعل إن كان لهما، لزم اجتماع المؤثّرين على أثر واحد، وإن كان لأحدهما، لزم ترجيح الفاعل بلا مرجّح وعجز الآخر المنافي للإلهيّة، وإن اختلفت، لزم التّمانع والتّطارد، كما أشار إليه بقوله(٢) :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

وفي أصول الكافي(٣) : بعض أصحابنا، رفعه عمّن رفعه، عن هشام بن الحكم.

قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام: يا هشام! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أكمل للنّاس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلة. فقال:( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

وفي كتاب الإهليلجة(٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: ثمّ نظرت العين إلى العظيم مثل السّحاب المسخّر بين السّماء والأرض والجبال. يتخلّل الشّجر فلا يحرّك منها شيئا ولا يقصّر منها غصنا ولا يتعلّق منها يعترض الرّكبان فيحول بين بعضهم وبين بعض من ظلمته وكثافته يحمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته مع ما فيه من الصّواعق الصّارعة والبروق اللّامعة والرّعد والثّلج والبرد(٥) ما لا يبلغ الأوهام نعته ولا تهتدي القلوب إليه. فخرج مستقّلا في الهواء يجتمع بعد تفرّقه وينفجر بعد تمسّكه ـ إلى ان قال عليه السّلام ـ ولو أنّ ذلك السّحاب والثّقل من الماء هو الّذي يرسل نفسه بعد احتماله، لما مضى به ألف فرسخ وأكثر وأقرب من ذلك وأبعد ليرسله قطرة بعد قطرة بلا هزّة ولا فساد ولا ضار به إلى بلدة وترك أخرى.

وفي عيون الأخبار(٦) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه: إنّي لـمّا نظرت إلى جسدي، فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض أو الطّول ودفع

__________________

(١) ليس في ر.

(٢) الأنبياء / ٢٢.

(٣) الكافي ١ / ١٣، ح ١٢.

(٤) بحار الأنوار ٣ / ١٦٤، مع اختلاف في النقل.

(٥) المصدر: البرد والجليد.

(٦) عيون الاخبار ١ / ١٠٨، ح ٢٨.

٢١٠

المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا. فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السّحاب وتصريف الرّياح ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

وفي كتاب التوحيد(١) : قال هشام فكان من سؤال الزّنديق أن قال: فما الدّليل عليه؟

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وجود الأفاعيل التي(٢) دلّت على أنّ صانعا صنعها.

ألا ترى انّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد(٣) علمت أنّ له بانيا؟ وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

وفي اصول الكافي، مثله، سواء(٤) .

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً ) من الرّؤساء الّذين كانوا يطيعونهم، أو الأعمّ منهم، ومن كلّ ما يتّخذونهم أندادا.

( يُحِبُّونَهُمْ ) : يعظّمونهم. ويطيعونهم.

( كَحُبِّ اللهِ ) : كتعظيمه(٥) والميل إلى طاعته.

أي: يسوّون بينه وبينهم في المحبّة والطّاعة، أو يحبّونهم كما ينبغي أن يحبّ الله، من المصدر المبنيّ للمفعول. وأصله من الحبّ. استعير لحبّة القلب. ثمّ اشتقّ منه الحبّ.

لأنّه أصابها ورسخ فيها.

ومحبّة العبد لله، إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مرضاته. ومحبّته للعبد، إرادة إكرامه واستعماله وصونه عن المعاصي.

( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) : لأنّه لا تنقطع محبّتهم لله بخلاف محبّة الأنداد. فإنّها لأغراض فاسدة موهومة، تزول بأدنى سبب.

( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : ولو يعلم هؤلاء الّذين ظلموا باتّخاذهم الأنداد،( إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ ) : إذا عاينوه يوم القيامة.

وأجرى المستقبل مجرى الماضي، لتحقّقه، كقوله(٦) : ونادى أصحاب الجنّة.

( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) :

__________________

(١) التوحيد / ٢٤٤.

(٢) ليس في الكافي.

(٣) المصدر: مشيّد مبنيّ.

(٤) الكافي ١ / ٨١، ح ٥.

(٥) أ: لتعظيمه.

(٦) الأعراف / ٤٤.

٢١١

سادّ مسدّ مفعولي «يرى» وجواب «لو» محذوف، أي: لندموا أشدّ النّدم.

وقيل(١) : هو متعلّق الجواب. والمفعولان محذوفان. والتقدير: «ولو يرى الّذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أنّ القوّة لله كلّها. لا ينفع ولا يضرّ غيره.» وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب(٢) : «ولو ترى» على أنّه خطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما.

وابن عامر(٣) : «إذ يُرون» على البناء للمفعول.

ويعقوب(٤) : «إنّ» (بالكسر) وكذا.

( وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ) (١٦٥) :

على الاستئناف، أو إضمار القول.

( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ) :

بدل من «إذ يرون»، أي: إذ تبرّأ المتّبعون، من الأتباع. وقرئ بالعكس، أي: تبرّأ الاتباع من الرّؤساء.

( وَرَأَوُا الْعَذابَ ) ، أي: رائين له.

والواو للحال. وقد مضمرة. وقيل: عطف على تبرّأ.

( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ) (١٦٦) :

يحتمل العطف على «تبرّأ» و «رأوا» و «الحال» و «الأسباب» الوصل الّتي كانت بينهم من الاتّباع والاتّفاق، على الدين والأغراض الدّاعية إلى ذلك.

وأصل السّبب، الحبل الّذي يرتقى به الشّجر.

وقرئ «تقطّعت»، على البناء للمفعول.

( وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا ) :

«لو» للتّمنّي. ولذلك أجيب بالفاء، أي: ليت لنا كرّة إلى الدّنيا، فنتبرّأ منهم.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك الأداء الفظيع،( يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) ندمات.

وهي ثالث مفاعيل يرى، إن كان من رؤية القلب. وإلّا فحال.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٤.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢١٢

( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) (١٦٧) :

أصله «وما يخرجون». فعدل به إلى هذه العبارة، للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص والرّجوع إلى الدّنيا.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه(١) ـ بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود(٢) ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من عند الله ـ عزّ وجلّ: لسنا إيّاك أردنا. وإن كنت لله خليفة.

ثمّ ينادى ثانية(٣) : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من قبل الله ـ عزّ وجلّ: يا معشر الخلائق! هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده. فمن تعلّق بحبله في دار الدّنيا، فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء(٤) بنوره ويتبعه(٥) إلى الدّرجات العلى من الجنّات.

قال: فيقوم النّاس(٦) الّذين قد تعلّقوا بحبله في الدّنيا. فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النّداء من عند الله ـ جلّ جلاله: ألا من أئتمّ(٧) بإمام في دار الدّنيا، فليتّبعه إلى حيث يذهب(٨) .

فحينئذ يتبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا. ورأوا العذاب. وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الّذين اتّبعوا: لو أنّ لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرّؤوا منّا. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم. وما هم بخارجين من النّار.

وفي أصول الكافي(٩) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن ثابت، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ) .

قال: [هم](١٠) والله أولياء فلان وفلان. اتخذوهم أئمّة من دون الإمام الّذي جعله

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ٦١ و ٩٧.

(٢) المصدر: داود النبيّ ـ عليه السّلام.

(٣) المصدر: مناد ثانية.

(٤) أو المصدر: ليستضيء.

(٥) المصدر: ليتبعه.

(٦) المصدر: أناس.

(٧) المصدر: ائتمّ.

(٨) المصدر: يذهب به.

(٩) الكافي ١ / ٣٧٤، ح ١١.

(١٠) يوجد في المصدر.

٢١٣

الله للنّاس إماما. ولذلك قال:( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) .

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: هم، والله، يا جابر! أئمّة الضّلال وأشياعهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ، قال: هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

وعن منصور بن حازم(٢) . قال قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ؟

قال: أعداء عليّ ـ عليه السّلام. هم المخلّدون في النّار، أبد الآبدين ودهر الدّاهرين.

وفي الكافي(٣) : أحمد بن أبي عبد الله عن عثمان بن عيسى، عمّن حدثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) قال: هو الرّجل يدع ماله لا ينفعه(٤) في طاعة الله، بخلا. ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله، أو معصية الله. فإن عمل به في طاعة الله، رآه في ميزان غيره. فرآه حسرة، وقد كان المال له. وإن عمل به في معصية الله، قوّاه بذلك المال، حتّى عمل به في معصية الله.

وفي نهج البلاغة(٥) : وقال ـ عليه السّلام: إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة، حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله. فورثه رجلا(٦) . فأنفقه في طاعة الله سبحانه. فدخل به الجنّة. ودخل به الأوّل النّار.

وفي مجمع البيان(٧) :( أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) فيه أقوال: (إلى قوله) والثّالث

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤٣.

(٢) نفس المصدر / ٧٣، ح ١٤٥.

(٣) الكافي ٤ / ٤٢، ح ٢.

(٤) المصدر: ينفقه. (ظ)

(٥) نهج البلاغة ٥٥٢، حكمة ٤٢٩.

(٦) المصدر: رجل.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٥١.

٢١٤

ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: هو الرّجل يكسب(١) المال.

ولا يعمل فيه(٢) خيرا. فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا. فيرى الأوّل ما كسبه، حسرة في ميزان غيره.

( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً ) :

نزلت في قوم، حرّموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس(٣) .

و «حلالا»، مفعول «كلوا»، أو صفته مصدر محذوف، أو حال من( مِمَّا فِي الْأَرْضِ ) .

و «من» للتّبعيض، إذ لا يؤكل كلّ ما في الأرض.

( طَيِّباً ) : يستطيبه الشّرع، أو الشّهوة المستقيمة، أي: لا تأكلوا على امتلاء المعدة والشّهوة الكاذبة.

( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) : لا تقتدوا به في اتّباع الهوى، فتحرّموا الحلال وتحللوا الحرام.

[وفي مجمع البيان(٤) :](٥) وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام: أنّ من خطوات الشّيطان، الحلف بالطّلاق، والنّذور في المعاصي، وكلّ يمين بغير الله تعالى.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول:( لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: يحلّ(٧) يمين بغير(٨) الله، فهي من خطوات الشّيطان.

وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة، بتسكين الطّاء. وهما لغتان في جمع خطوة. وهي ما بين قدمي الخاطي.

وقرئ بضمّتين وهمزة، جعلت ضمّة الطّاء، كأنّها عليها. وبفتحتين على أنّه جمع خطوة. وهي المرة من الخطو.

( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١٦٨): ظاهر العداوة، عند ذوي البصيرة، وإن كان

__________________

(١) المصدر: يكتسب.

(٢) أ: به.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير العيّاشيّ ١ / ٧٤، ح ١٥٠.

(٧) ليس في أ.

(٨) أ: غير.

٢١٥

يظهر الموالاة لمن يغويه. ولذلك سمّاه وليّا في قوله(١) :( أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) .

( إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ) :

بيان لعداوته ووجوب التّحرّز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشّرّ، تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم.

و «السّوء» و «الفحشاء» ما أنكره العقل واستقبحه الشّرع. والعطف لاختلاف الوصفين. فإنّه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء باستقباحه إيّاه.

وقيل(٢) : «السوء» يعمّ القبائح، و «الفحشاء» ما تجاوز الحدّ في القبح من الكبائر.

وقيل(٣) : الأوّل ما لا حدّ فيه. والثّاني ما شرّع فيه الحدّ.

( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١٦٩)، كاتّخاذ الأنداد وتحليل المحرّمات وتحريم المحلّلات.

( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ) :

الضّمير للنّاس. وعدل عن الخطاب معهم للنّداء على ضلالتهم. كأنّه التفت إلى العقلاء. وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ما ذا يجيبون.

( قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا ) : وجدنا،( عَلَيْهِ آباءَنا ) :

نزلت في المشركين. أمروا باتّباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات فجنحوا إلى التّقليد.

وقيل(٤) : في طائفة من اليهود. دعاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الإسلام. فقالوا ذلك. وقالوا: إنّ آباءنا كانوا خيرا منّا.

( أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (١٧٠) :

الواو للحال، أو العطف. والهمزة للرّدّ والتّعجيب. وجواب «لو» محذوف، أي :لو كان آباؤهم جهلة لاتّبعوهم.

( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ) على حذف مضاف. تقديره: ومثل داعي الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق، أو مثل الّذين كفروا ،

__________________

(١) البقرة / ٢٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٥٣+ أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

٢١٦

كمثل بهائم الّذي ينعق.

والمعنى: أنّ مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم، أي: مثل الدّاعي لهم إلى الإيمان، كمثل النّاعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. وإنّما تسمع الصّوت.

وكما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الدّاعي إلّا السّماع دون تفهّم المعنى، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السّماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك. وينصرفون عن تأمّله. فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه. وهذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى كخوفه من الأسد. وأضاف الخوف إلى الأسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرّجل.

قال(١) :

فلست مسلّما ما دمت حيّا

على زيد بتسليم الأمير

يراد بتسليمي على الأمير.

قيل(٢) : هو تمثيلهم في اتّباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصّوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالنّاعق في نعقه وهو التّصويت على البهائم.

والأوّل ـ هو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ على ما في مجمع البيان(٣) .

( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) : رفع على الذّمّ.

( فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (١٧١)، أي: بالفعل للإخلال بالنّظر.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) لـمّا وسع الأمر على النّاس كافّة وأباح لهم ما في الأرض، سوى ما حرّم عليهم أمير المؤمنين منهم أن يتحرّوا طيّبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها. فقال :( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ) على ما رزقكم وحلّل(٤) لكم،( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (١٧٢)، إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النّعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشّكر. فالمعلّق بفعل العبادة، هو الأمر بالشّكر، لإتمامه. وهو عدم عند عدمه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٥٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) أ: أحلّ.

٢١٧

وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله(١) : يقول الله تعالى: أنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم، أخلق. ويعبد غيري وأرزق. ويشكر غيري.

( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) أكلها والانتفاع بها. وهي الّتي ماتت من غير ذكاة.

والحرمة المضافة إلى العين، تفيد عرفا حرمة التّصرّف فيها مطلقا، إلّا ما استثني، كما سيجيء.

( وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) :

إنّما خصّ اللّحم بالذّكر، لأنّه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتّابع له.

( وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ) ، أي: رفع به الصّوت عند ذبحه للصّنم.

والإهلال، أصله، رؤية الهلال. لكن لما جرت العادة أن يرفع الصّوت بالتّكبير، إذ رئي، سمّي ذلك إهلالا. ثمّ قيل لرفع الصّوت، وإن كان لغيره.

وفي كتاب عيون أخبار الرّضا ـ عليه السّلام(٢) ـ في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله من العلل: وحرّم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة. ولمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يجعل سبب التّحليل(٣) وفرقا بين الحلال والحرام.

وحرّم الله الدّم، كتحريم الميتة، لما فيه من فساد الأبدان. ولأنّه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الرّيح ويسيء الخلق ويورث القسوة للقلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه.

وحرّم الخنزير لأنّه مشوّه جعله الله تعالى عظة للخلق وغيره وتخويفا ودليلا على ما مسخ على(٤) خلقته لأنّ غذاءه أقذر الأقذار، مع علل كثيرة. وكذلك حرّم القرد(٥) . لأنّه مسخ مثل الخنزير. وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته.

وجعل فيه شبها من الإنسان ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.

وحرّم ما أهل به لغير الله للّذي أوجب الله ـ عزّ وجلّ ـ على خلقه من الإقرار به

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٢١٤+ أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩١ ـ ٩٢، ح ١.

(٣) المصدر: سببا للتحليل. (ظ)

(٤) ر: من.

(٥) النسخ: القردة.

٢١٨

وذكر اسمه على الذّبائح المحلّلة. ولئلا يسوّي(١) بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشّياطين والأوثان. لأنّ في تسمية الله ـ عزّ وجلّ ـ الإقرار بربوبيّته وتوحيده. وما في الإهلال لغير الله من الشّرك(٢) والتّقرّب به إلى غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذّبيحة فرقا بين ما أحلّ الله وبين ما حرّم الله.

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده الى محمّد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له لم حرّم الله ـ عزّ وجلّ ـ الخمر والميتة والدّم ولحم الخنزير؟

فقال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ولا زهد فيما حرّم(٤) عليهم. ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلق الخلق، فعلم ما تقوم(٥) به أبدانهم وما يصلحهم. فأحلّه لهم. وأباحه. وعلم ما يضرّهم. فنهاهم عنه.

وحرّمه عليهم. ثمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الّذي لا يقوّم بدنه إلّا به. فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك. ثمّ قال: أمّا الميتة فإنّه لم ينل أحد منها إلّا أضعف(٦) بدنه(٧) وأوهنت قوّته وانقطع نسله. ولا يموت آكل الميتة إلّا فجأة.

وأمّا الدم، فإنه يورث اكله الماء الأصفر. ويورث الكلب وقساوة القلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن على حميمه. ولا يؤمن على من صحبه.

وأمّا الخنزير، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ مسخ قوما في صور شتّى، مثل الخنزير والقرد والدّبّ. ثمّ نهى عن أكل المثلة لكي ما ينتفع بها ولا يستحفّ بعقوبته.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال(٨) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: عشرة أشياء من الميتة: ذكيّة العظم والشّعر والصّوف والرّيش والقرن والحافر والبيض والإنفحة واللّبن والسّنّ.

وفي الكافي(٩) : محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن

__________________

(١) المصدر: يساري.

(٢) المصدر: من الشرك به.

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٨٤، ح ١.

(٤) المصدر: حرّمه.

(٥) المصدر: يقوّم. (ظ)

(٦) المصدر: لضعف.

(٧) المصدر: أو.

(٨) الخصال ٢ / ٤٣٤، ح ١٩.

(٩) الكافي ٦ / ٢٥٩، ح ٧.

٢١٩

عاصم بن حميد، عن عليّ بن المغيرة(١) قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشيء منها؟

قال(٢) : لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مرّ بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشّاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها.

[قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة، زوجة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله.

وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها. فتركوها، ماتت. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها].(٣) ، أي: تذكى(٤) .

( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) :

قيل(٥) : «الباغي»: المستأثر على مضطرّ آخر. و «العادي»: المتجاوز سدّ الرّمق.

وفي كتاب معاني الأخبار(٦) ، بإسناده إلى البزنطيّ عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي الّذي يخرج على الإمام العادل. والعادي الّذي يقطع الطّريق لا تحلّ لهما الميتة.

وفي الكافي(٧) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي، باغي الصّيد. والعادي، السّارق. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها. هي حرام عليهما. ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) : روى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا ـ عليه السّلام. قال: قلت يا بن رسول الله! فما معنى قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) ؟ قال: العادي، السّارق. والباغي، الّذي يبغي الصّيد بطرا ولهوا. لا ليعود به على عياله.

__________________

(١) أ: أبي المغيرة.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) النسخ: تزكّى.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٦) معاني الأخبار / ٢١٣، ح ١.

(٧) الكافي ٣ / ٤٣٨، ح ٧، وله تتمة.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢١٧، ح ١٠٠٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493