تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب16%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183258 / تحميل: 5541
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بشرط مقابلة كلّ صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة والنقصان محال.

والثاني : يصحّ ؛ لإشارته إلى الصبرة ، ويلغى الوصف ، فإن خرج ناقصاً ، فللمشتري الخيار. فإن أجاز فبجميع الثمن ؛ لمقابلة الصبرة به ، أو [ بالقسط ](١) ؛ لمقابلة كلّ صاع بدرهم؟ وجهان.

وإن خرج زائداً ، ففي مستحقّ الزيادة وجهان :

أظهرهما : أنّها للمشتري ؛ لأنّ جملة الصبرة مبيعة منه ، فلا خيار له.

وفي خيار البائع وجهان ، أصحّهما : العدم ؛ لأنّه رضي ببيع جميعها.

والثاني : أنّ الزيادة للبائع ، فلا خيار له. وفي المشتري وجهان ، أصحّهما : ثبوت الخيار ، إذ لم يسلم له جميع الصبرة(٢) .

ه- لو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة سواء بسواء ، فإن علما القدر منهما ، صحّ ، وإلّا بطل ، خلافاً للجمهور.

و - إنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها ، فإن اختلفت - كصبرة ممتزجة من جيّدٍ وردي‌ء - لم يصحّ إلّا بعد المشاهدة للجميع. ولو باعه نصفها أو ثلثها ، فكذلك. وبه قال بعض الحنابلة(٣) . وبعضهم سوّغه ؛ لأنّه اشترى جزءاً مشاعاً ، فاستحقّ من جيّدها ورديئها(٤) .

ز - لو اشترى الصبرة جزافاً ، قال مالك : يجوز له بيعها قبل نقلها ؛

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : بالبسط. ما أثبتناه من المصادر.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٣ - ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨١

لأنّه مبيع متعيّن لا يحتاج إلى حقّ يوفّيه ، فأشبه الثوب الحاضر. وهو رواية عن أحمد(١) .

وله اُخرى : المنع ، لقول ابن عمر : كُنّا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ننقله من مكانه(٢) (٣) .

ح - مَنَع المجوّزون الغشَّ بأن يجعلها على دكّة أو حجر ينقصها أو يجعل الردي‌ء أو المبلول في باطنها ؛ لأنّهعليه‌السلام مرَّ على صُبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعُه بللاً ، فقال : « يا صاحب الطعام ما هذا؟ » فقال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : « أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ » ثمّ قال : « من غشّنا فليس منّا »(٤) .

فإن وجده كذلك ، فللشافعيّة(٥) طريقان :

أحدهما : أنّ فيها قولَيْ بيع الغائب ؛ لأنّ ارتفاع الأرض وانخفاضها يمنع تخمين القدر ، وإذا لم يُفد العيان إحاطة ، فكان كعدم العيان في احتمال الغرر.

والثاني : القطع بالبطلان ؛ لأنّا إذا صحّحنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية ، والرؤية حاصلة هنا ، فيبعد إثبات الخيار معها ، ولا سبيل إلى نفيه ؛ للجهالة.

واعترض بأنّ الصفة والقدر مجهولان في بيع الغائب ، ومع ذلك ففيه‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ ، المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣١٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٦ ، وانظر : صحيح مسلم ١ : ٩٩ / ١٠٢ ، وسنن الترمذي ٣ : ٦٠٦ / ١٣١٥.

(٥) في « ق ، ك » للشافعيّة.

٨٢

قولان ، فكيف يقطع بالبطلان هنا مع علم بعض الصفات بالرؤية!؟

وإذا ثبت الخيار - وهو قول أحمد(١) - فوقت الخيار معرفة مقدار الصبرة أو تخمينه برؤية ما تحتها.

وفيه طريق ثالث للشافعي : القطع بالصحّة ؛ اعتماداً على المعاينة ، وجهالة القدر معها غير ضائرة(٢) .

وأثبت أحمد الخيارَ بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما ؛ لأنّه عيب(٣) .

ولو كان تحتها حفرة أو كان باطنها أجود ، فلا خيار للمشتري ، بل للبائع إن لم يعلم ، وإلّا فلا.

ولو ظهر تحتها دكّة ، ففي بطلان البيع للشافعي وجهان :

البطلان ؛ لأنّه ظهر أنّ العيان لم يُفد علماً.

والأظهر : الصحّة ، وللمشتري الخيار ؛ تنزيلاً لما ظهر منزلة العيب والتدليس(٤) .

ط - لو علم قدر الشي‌ء ، لم يجز بيعه صبرة ، عندنا ، وهو ظاهرٌ - وبه قال أحمد(٥) - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ عرف مبلغ شي‌ء فلا يبعه جزافاً حتى يبينه »(٦) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ - ٣٥.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٤) المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨٣

وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة ومالك وإسحاق وطاوس(١) .

وعن أحمد أنّه مكروه غير محرَّم(٢) .

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا بأس بذلك ؛ لأنّه إذا جاز مع جهلهما ، فمع علم أحدهما أولى(٣) .

ي - لو باع ما علم كيله صبرة ، قال أبو حنيفة والشافعي : يصحّ - وهو ظاهر قول أحمد - لأنّه لا تغرير فيه ، فأشبه مالو علما كيله أو جهلاه(٤) .

وقال مالك : إنّه تدليس إن علم به المشتري ، فلا خيار له ؛ لأنّه دخل على بصيرة ، وإن جهل مع علم البائع ، تخيّر في الفسخ ؛ لأنّه غشّ(٥) . وهو قول بعض الحنابلة(٦) .

وعند بعضهم أنّه فاسد(٧) ، وهو مذهبنا ؛ لما تقدّم.

يأ - لو أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل ، صحّ عندنا ، فإن قبضه واكتاله ، تمّ البيع ، وإن قبضه بغير كيلٍ ، فإن زاد ، ردّ الزيادة ، وإن نقص ، رجع بالناقص. وإن تلف ، فالقول قول المشتري في قدره مع يمينه ، سواء قلّ النقص أو كثر.

والأقوى : أنّ للمشتري التصرّف فيه قبل كيله - خلافاً لأحمد(٨) - لأنّه سلّطه عليه.

احتجّ بأنّ للبائع فيه علقةً ، فإنّه لو زاد ، كانت له. قال : فلو تصرّف فيما يتحقّق أنّه حقّه أو أقلّ بالكيل ، فوجهان ، أحدهما : الصحّة ؛ لأنّه تصرّف في حقّه بعد قبضه. والمنع ؛ لانّه لا يجوز التصرّف في الجميع فلم يجز في البعض(٩) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤ - ٩) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

٨٤

يب - لو كال طعاماً وآخر ينظر إليه ، فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيلٍ؟ أمّا عندنا فنعم - وهو إحدى روايتي أحمد(١) - لانتفاء الجهالة.

وكذا لو كاله البائع للمشتري ثمّ اشتراه منه أو اشتريا طعاماً فاكتالاه ثمّ باع أحدهما حصّته قبل التفرّق.

واُخرى عنه بالمنع(٢) .

مسألة ٤٧ : لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة ، صحّ‌ - كالثوب والدار والغنم - بالإجماع. وكذا لو باع جزءاً منه مشاعاً ، كنصفه أو ثُلثه ، أو جزءاً معيّناً ، كهذا البيت ، وهذا الرأس من القطيع.

أمّا لو باع ذراعاً منها أو عشرةً من غير تعيين ، فإن لم يقصد الإشاعة ، بطل إجماعاً. وإن قصد الإشاعة ، فإن لم يعلما عدد الذُّرْعان ، بطل البيع إجماعاً ؛ لأنّ الجملة غير معلومة ، وأجزاء الأرض مختلفة ، فلا يمكن أن تكون معيّنةً ولا مشاعة.

وإن علم الذُّرْاعان ، للشيخ قولان :

البطلان(٣) - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها ، وموضعها مجهول.

والصحّة(٥) - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - إذ لا فرق بين عُشْر الأرض وبين ذراع من عشرة على قصد الإشاعة.

وهو عندي أقرب. وليس الذراع بقعةً معيّنة ، بل هو مكيال.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٣ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٤.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).

٨٥

فروع :

أ - لو اتّفقا على أنّهما أرادا قدراً منها غير مشاع ، لم يصحّ البيع ؛ لاتّفاقهما على بطلانه. ولو اختلفا فقال المشتري : أردت الإشاعة فالبيع صحيح ، وقال البائع : بل أردت معيّناً ، فالأقرب تقديم قول المشتري ؛ عملاً بأصالة الصحّة وأصالة عدم التعيين.

ب - لو قال : بعتك من هذه الدار من هاهنا إلى هاهنا ، جاز ؛ لأنّه معلوم.

ج - لو قال : بعتك من هاهنا عشرة أذرع في جميع العرض إلى حيث ينتهي الذرع طولاً ، فالأقرب عندي : البطلان ؛ لاختلاف الذرع(١) ، والجهل بالموضع الذي ينتهي إليه.

وللشيخ قول بالجواز(٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

د - لو قال : بعتك نصيبي من هذه الدار ، ولا يعلم قدره ، أو : نصيباً أو سهماً أو جزءاً أو حظّاً أو قليلاً أو كثيراً ، لم يصحّ ، وإن علما نصيبه ، صحّ.

ه - لو قال : بعتك نصف داري ممّا يلي دارك ، قال الشافعي وأحمد : لا يصحّ ؛ لجهله بالمنتهى(٤) . وفيه قوّة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : الذراع.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٤ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٦ - ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وفيها قول أحمد فقط.

٨٦

و - لو قال : بعتك عبداً من عبدين أو أكثر ، أو : شاةً من شاتين أو أكثر ، لم يصحّ على الأشهر - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - للجهالة ، وبالقياس على الزائد على الثلاثة ، أو في غير العبيد ، كالثياب والدوابّ ، أو لم يجعل له الاختيارِ أو زاده على الثلاث ، أو على النكاح ، فإنّه لو قال : أنكحتك إحدى ابنتي ، بطل إجماعاً.

وفي روايةٍ لنا : يجوز(٢) ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم في عبدٍ من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار. ولأنّ الشرع أثبت التخيير مدّة ثلاثة أيّام بين العوضين ليختار هذا بالفسخ أو هذا بالإمضاء فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين ، وكما تتقدّر نهاية الاختيار بثلاثة تتقدّر نهاية ما يتخيّر فيه من الأعيان بثلاثة لا أزيد ؛ لدعاء الحاجة إليه ، وفي الأكثر يكثر الغرر ، والحاجة لا تنفي الغرر(٣) .

ويندفع بالتعيين. وما ذكروه من التخيير ضعيف.

ولو قال : بعتك شاةً من هذا القطيع ، بطل.

والأقرب : أنّه لو قصد الإشاعة في عبدٍ من عبدين أو في عشرة ، وفي شاةٍ من شاتين أو عشرة ، بطل ، بخلاف قصد الإشاعة في الذراع من الأرض.

ز - حكم الثوب حكم الأرض. ولو قال : بعتك من هاهنا إلى هاهنا ، صحّ إن كان ممّا لا ينقصه القطع ، وإن كان ممّا ينقصه القطع وشرطه ، جاز ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٦ - ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠.

(٢) اُنظر : الكافي ٥ : ٢١٧ ، ١ ، والفقيه ٣ : ٨٨ / ٣٣٠ ، والتهذيب ٧ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١ - ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٨٧

وإلّا فالأقوى عندي : الجواز أيضاً ؛ لأنّه سلّطه على قطعه ببيعه إيّاه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، كما لو اشترى نصفاً معيّناً من الحيوان(١) .

وليس بجيّد ؛ لامتناع التسليم هنا ، بخلاف التسليم في الثوب ، فإنّ النقص لا يمنع التسليم إذا رضيه.

وكذا البحث لو باعه ذراعاً من اُسطوانة من خشب ، والخلاف بين الشافعيّة فيه كما تقدّم. قالوا : ولو كانت الاُسطوانة من آجُرٍّ ، جاز. قالوا : بشرط أن يكون انتهاء الذراع إلى انتهاء الآجُرّة ، فلا يلحق الضرر بذلك(٢) .

ح - الاستثناء كالمبيع يجب أن يكون معلوماً ، فلو استثنى جزءاً مجهولاً ، بطل ، كقوله : بعتك هؤلاء العبيد إلّا واحداً ، ولم يعيّنه ، سواء اتّفقت القِيَم أو لا. ولا فرق بين أن يقول : على أن تختار مَنْ شئت منهم أو لا ، ولا إذا قال ذلك بين أن يقدّر زمان الاختيار أو لا يقدّره.

ولو باع جملة الشي‌ء واستثنى جزءاً شائعاً ، كنصفٍ أو ثُلْثٍ ، جاز.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة إلّا صاعاً ، فإن كانت معلومة الصيعان ، صحّ ، وإلّا فلا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) - لأنّهعليه‌السلام نهى عن الثُّنْيا(٤) في البيع(٥) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٧.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٧ - ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٤) هي أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٢٤ « ثنا ».

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١١٧٥ / ٨٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ / ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٢٦ / ١٤٤٢٧.

٨٨

وقال مالك : يصحّ وإن كانت مجهولة الصيعان(١) . وهو القياس الذي يقتضيه جواز بيع الصبرة مع الجهالة ؛ إذ لا فرق بين بيعها بأسرها وبين استثناء صاعٍ معلوم منها.

أمّا نحن فلمـّا أبطلنا بيعها مع الجهل ، بطل مع الاستثناء المعلوم.

ط - لو باعه صاعاً من هذه الصبرة وهُما يعلمان العدد ، صحّ.

وهل ينزّل على الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع ، أو لا ، بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع ؛ لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصيعان ، فيبقى المبيع ما بقي صاع؟ فيه احتمال.

وأظهرهما عند الشافعيّة : الأوّل(٢) .

ولو لم يعلما العدد ، فإن نزّلناه على الإشاعة ، فالأقرب : البطلان ، وهو قول بعض الشافعيّة(٣) .

وإن قلنا : المبيع صاع غير مشاع ، جاز - وهو أظهر وجهي الشافعي(٤) - فالمبيع أيّ صاع كان حتى لو تلفت الصبرة سوى صاعٍ ، تعيّن ، وللبائع أن يسلّم صاعاً من أسفلها وإن لم يكن مرئيّاً ؛ لعدم التفاوت.

وقال القفّال من الشافعيّة : يبطل ؛ لأنّه غير معيّن ولا موصوف ، فصار كما لو فرّقها وباعه واحداً منها(٥) .

ي - لو كان له عبد واحد فحضر في جماعة عبيد ، فقال سيّده : بعتك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، وانظر بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٢.

(٢ و ٣ ) المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ و ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

٨٩

عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ، بطل ؛ للجهالة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والآخر : يكون كبيع الغائب(١) .

يأ - يجب في المستثنى إمكان انفراده للبائع ، فلو باع أمةً واستثنى وطئها مدّةً ، لم يصحّ. ولو استثنى الكافر خدمة العبد - الذي بِيع عليه لإسلامه - مدّةً ، فالأقرب : الجواز ما لم تُثبت الخدمة عليه سلطنة ، كالمتعلّقة بالعين.

مسألة ٤٨ : إبهام السلوك كإبهام المبيع‌ ، فلو باعه أرضاً محفوفة بملكه من جميع الجهات وشرط السلوك من جانبٍ ولم يعيّن ، بطل البيع ؛ لتفاوت الغرض باختلاف الجهات ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو عيّن السلوكَ من جانبٍ ، صحّ إجماعاً ، وكذا لو قال : بعتكها بحقوقها ، ويثبت للمشتري حقّ السلوك من جميع الجوانب.

ولو أطلق ولم يعيّن جانباً ، فوجهان ، أظهرهما : ثبوت السلوك من الجميع ؛ لتوقّف الانتفاع عليه. وعدمه ؛ لسكوته عنه. وحينئذٍ هل هو بمنزلة نفي السلوك؟ احتمال.

وللشافعيّة كالوجهين(٣) .

ولو شرط نفي الممرّ ، فالوجه : الصحّة ؛ لإمكان الانتفاع بالإيجار وتوقّع تحصيل المسلك.

ويحتمل - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) - البطلان ؛ لتعذّر الانتفاع في الحال.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

٩٠

ولو كانت الأرض المبيعة الملاصقةَ للشارع ، فليس للمشتري السلوك في ملك البائع ، فإنّ العادة في مثلها الدخول من الشارع. وإن كانت ملاصقةً للمشتري(١) ، فليس له السلوك في ملك البائع ، بل يدخل في ملكه السابق إن جرى البيع مطلقاً. ولو قال : بحقوقها ، فله السلوك في ملك البائع. وهذا كلّه كقول الشافعيّة(٢) .

ولو باع داراً واستثنى لنفسه بيتاً ، فله الممرّ. وإن نفى الممرّ ، فإن أمكن اتّخاذ ممرّ آخر ، صحّ ، وإن لم يمكن ، فالأقرب الصحّة.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

مسألة ٤٩ : لو باع الدهن بظرفه وقد شاهده أو وصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ‌ إذا عرف المقدار ، عندنا ، ومطلقاً عند مجوّزي بيع الجزاف(٤) . وكذا كلّ ما تتساوى أجزاؤه ، كالعسل والدبس والخلّ.

ولو باعه كلّ رطلٍ بدرهم ، فإن عرف الأرطال ، صحّ ، وإلّا فلا ، وحكمه حكم الصبرة. ولو باعه مع الظرف بعشرة ، صحّ ؛ لأنّه باع عينين يجوز العقد على كلّ واحد منهما منفرداً فجاز مجتمعاً.

فأمّا إن باع السمن مع الظرف كلّ رطل بدرهمٍ وعرفا قدر المجموع ، صحّ وإن جهلا تفصيله.

ومَنَع منه بعضُ الشافعيّة وبعض الحنابلة ؛ لأنّ وزن الظرف يزيد وينقص ولا يعلم كم بدرهمٍ منهما ، فيدخل على غرر(٥) .

____________________

(١) أي : لملك المشتري.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٩ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٩١

والباقون جوّزوه - كما اخترناه - لصحّة بيع كلٍّ منهما منفرداً ، فصحّ مجتمعاً. ولأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم ويشتري السمن كذلك(١) .

ولا يضرّ اختلاف القيمة فيهما ، كما لو اشترى ثوباً مختلفاً أو أرضاً كلّ ذراع بدرهم ، فإنّ القيمة مختلفة ، ويكون ثمن كلّ ذراع درهماً ، ولا يحتاج أن يجعل بعض الذراع الجيّد وبعض الردي‌ء بدرهم.

وإن باعه كلّ رطل بدرهمٍ على أن يزن الظرف معه فيحسب عليه بوزنه ولا يكون مبيعاً وهُما يعلمان زنة كلّ واحد منهما ، صحّ ؛ لأنّه إذا علم أنّ الدهن عشرة والظرف رطلان ، كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهماً. ولو لم يعلما زنتهما ولا زنة أحدهما ، بطل ؛ لأدائه إلى جهالة الثمن في الحال في الجملة والتفصيل ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

مسألة ٥٠ : يجوز بيع النحل إذا شاهدها وكانت محبوسةً بحيث لا يمكنها الامتناع‌ - وبه قال الشافعي ومحمّد بن الحسن وأحمد(٣) - لأنّها معلومة يقدر على تسليمها ، فصحّ بيعها كغيرها.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيعها منفردةً ؛ لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات(٤) .

والجواب : المنع من عدم الانتفاع ؛ لأنّها يخرج من بطونها شراب فيه‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المغني ٤ : ٢٥١ و ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٠ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١٢ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٢

منافع للناس ، فصارت كبهيمة الأنعام.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز بيعها في كواراتها(١) - وبه قال بعض الحنابلة(٢) - لجهالتها.

وقال بعضهم : يجوز(٣) .

والضابط : العلم ، فإن تمكّن منه بأن يفتح رأس البيت ويشاهدها ويعرف كثرتها من قلّتها ، جاز ، وإلّا فلا.

مسألة ٥١ : ويجوز بيع دود القزّ - وبه قال الشافعي وأحمد‌(٤) - لأنّه حيوان طاهر معلوم يجوز اقتناؤه لتملّك ما يخرج منه ، فأشبه البهائم.

وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إنّه لا يجوز بيعه. وفي رواية اُخرى : إن كان معه قزّ ، جاز بيعه ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ النفع بها ظاهر ، وهو ما يخرج منها ، كالبهائم التي لا ينتفع بها بشي‌ء غير النتاج ، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها البتة ، فإنّ هذه يخرج منها الحرير ، وهو أفخر الملابس.

وكذا يجوز بيع بزره.

ومَنَعه بعض الحنابلة(٦) . وهو خطأ ؛ لما مرّ.

____________________

(١) الكِوارة : شي‌ء يتّخذ للنحل من القُضْبان ، وهو ضيق الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٦ « كور ».

(٢ و ٣ ) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٤.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، المحلّى ٩ : ٣١ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٦) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٣

مسألة ٥٢ : المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة‌ ، وبه قال عامّة الفقهاء(١) .

وحكي عن بعض الناس : المنع من بيعه ؛ لأنّه نجس ، لقولهعليه‌السلام : « ما اُبين من حيّ فهو ميّت »(٢) والميتة نجسة(٣) .

وقد قيل : إنّه دم(٤) .

وهو خطأ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض : « خُذي فِرصةً(٥) من مسك فتطهّري بها »(٦) .

ولا دلالة في الخبر ؛ لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولدَ ، ويلقي الطير البيضَ. والدم المحرَّم هو المسفوح ، فإنّ الكبد حلال وهو دم ، وقد روي جواز بيعه عن الصادقعليه‌السلام (٧) .

إذا ثبت هذا ، فقد جوّز الشيخُ بيعَ المسك في فأرة وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط(٨) ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لأنّ بقاءه في فأرةٍ مصلحة له ، فإنّه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته ، فأشبه ما مأكوله في جوفه(٩) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٠٦ وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ١١١ / ٢٨٥٨ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٣٤ نحوه.

(٣ و ٤ ) حلية العلماء ٤ : ١٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ ، وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧.

(٥) الفِرْصة : قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٤٣١ « فرص ».

(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٥ - ٨٦ ، سنن النسائي ١ : ١٣٥ - ١٣٦ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٣ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٨٨ - ٤٨٩ / ١٤٦١ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣١٧.

(٧) اُنظر : الفقيه ٣ : ١٤٣ / ٦٢٨ ، والتهذيب ٧ : ١٣٩ / ٦١٥.

(٨) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٨ ، الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٨.

(٩) المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

٩٤

ومَنَع أكثر أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد ؛ لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة ، وتبقى رائحته [ فلم يجز ](١) بيعه مستوراً ؛ لجهالة صفته ، كالدرّ في الصدف(٢) .

والوجه : الصحّة ؛ لأنّ صفة المسك معلومة ، فيشتريه بشرط الصحّة ، كالمذوق قبل ذوقه.

مسألة ٥٣ : لا يجوز بيع البيض في بطن الدجاجة ولا النوى في التمر‌ - وهو وفاق - للجهالة.

ولو باع لؤلؤةً في صدفٍ ، لم يجز أيضاً ؛ للجهالة ، وبه قال محمّد(٣) .

وقال أبو يوسف : يجوز ، وله الخيار إذا رآه ؛ لأنّه كالحقّة(٤) .

ونحن نمنع من حكم الأصل ؛ لعدم ضبط اللؤلؤ.

مسألة ٥٤ : قد بيّنّا أنّ جهالة الاستثناء تُبطل البيع‌ ، وكذا المنفصل المعلوم إذا جُهلت نسبته إلى المستثنى منه ، فلو باعه بعشرة إلّا ثوباً وعيّنه ، لم يصحّ. وكذا لو باعه بثوب إلّا درهماً مع جهل النسبة.

ولو استثنى جزءاً معلوماً مشاعاً ، كثُلْثٍ أو ربع من الصبرة أو الحائط ، أو جزءين وأزيد ، كتُسْعين أو ثلاثة أثمان ، صحّ البيع ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لانتفاء الجهالة.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فلم يقع. وما أثبتناه - كما هو الصحيح - من المغني والشرح الكبير.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ - ٣٣٥ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٣ و ٤) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

٩٥

وقال أبو بكر وابن أبي موسى : لا يجوز(١) . وليس بمعتمد.

وكذا يجوز أن يستثني المشاع من الحيوان ، كثُلْثه أو ربعه ؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

وقال بعض الحنابلة : لا يجوز ؛ قياساً على استثناء الشحم(٢) .

وهو خطأ ؛ لجهالة الشحم.

ولو قال : بعتك قفيزاً من هذه الصبرة إلّا مكّوكاً(٣) ، صحّ.

فروع :

أ - لو باع قطيعاً واستثنى شاةً معيّنة ، صحّ البيع ، وإن لم تكن معيّنةً ، بطل - وهو قول أكثر العلماء(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الثُّنْيا إلّا أن تعلم(٥) . ونهى عن الغرر(٦) . ولأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ ، كما لو قال : إلّا شاة مطلقة.

وقال مالك : يصحّ أن يبيع مائة شاة إلّا شاة يختارها ، أو يبيع ثمرة حائطه ويستثني ثمرة نخلاتٍ يعدّها(٧) .

ب - لو قال : بعتك هذا بأربعة دراهم إلّا بقدر درهم ، أو : إلّا ما يخصّ درهماً ، صحّ ؛ لأنّ قدره معلوم من المبيع وهو الربع ، فكأنّه قال : بعتك ثلاثة أرباعه بأربعة. ولو قال : إلّا ما يساوي درهماً ، صحّ مع العلم‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

(٣) المكّوك : ميكال معروف لأهل العراق. لسان العرب ١٠ : ٤٩١ « مكك ».

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٢ / ٣٤٠٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ / ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٨ ، الهامش (٢).

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٩٦

لا مع الجهالة ؛ إذ ما يساوي الدرهم قد يكون الربع وقد يكون أكثر وأقلّ.

ج - لو باعه سمسما واستثنى الكسب(١) ، لم يجز ، لأنّه قد باعه الشيرج بالحقيقة ، وهو غير معلوم. وكذا لو استثنى الشيرج. وكذا لو باعه قطناً واستثنى الحبّ أو بالعكس ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسألة ٥٥ : لو باعه حيواناً مأكولاً واستثنى رأسه وجلده ، فالأقوى بطلان البيع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٣) - لأنّه لم يجز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه ، كالحمل ، ولأنّه مجهول.

وفي قولٍ لنا : الشركة بقيمة ثُنْياه(٤) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « اختصم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيراً واستثنى البيّعُ الرأسَ والجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد »(٥) .

وقال مالك : يكون له ما استثناه ، ويصحّ البيع في السفر دون الحضر ؛ لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط. فجوّز له شراء اللحم دونها(٦) .

وليس بجيّد ؛ لتساوي السفر والحضر في الحكم.

وقال أحمد : يصحّ الاستثناء مطلقاً ؛ لأنّ المستثنى والمستثنى منه معلومان ، فصحّ ، كما لو استثنى نخلةً معيّنة(٧) .

____________________

(١) الكُسْب : عصارة الدهن. لسان العرب ١ : ٧١٧ « كسب ».

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٤) من القائلين بذلك : المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٨١ / ٣٥٠.

(٦) المدونّة الكبرى ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

٩٧

وليس بجيّد ؛ للعلم هنا.

فروع :

أ - لو باع الرأس والجلد أو شارك فيهما ، فالوجه عندي : البطلان ؛ للجهالة وتعذّر التسليم.

وفي قولٍ لنا : إنّه يكون للشريك بقدر نصيبه(١) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجلٍ شهد بعيراً مريضاً وهو يباع ، فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضي أنّ البعير بري‌ء فبلغ ثمانية دنانير ، قال : فقال : « لصاحب الدرهمين خُمس ما بلغ ، فإن قال : أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد اُعطي حقّه إذا اُعطي الخُمس »(٢) .

ب - لو امتنع المشتري من ذبحها ، قال أحمد : لم يجبر عليه ، ويلزمه قيمة ذلك ؛ لما روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قضى في رجلٍ اشترى ناقةً وشرط ثُنْياها ، فقال : « اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثُنْياها من ثمنها »(٣) .

وقد بيّنّا أنّ الأقوى بطلان البيع.

ج - لو استثنى شحم الحيوان ، لم يصحّ البيع - وبه قال أحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الثُّنْيا إلّا أن تعلم(٥) . ولأنّه لا يصحّ إفراده بالبيع ؛

____________________

(١) قال به المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٩/ ٣٤١ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١ - ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

٩٨

لجهالته.

مسألة ٥٦ : لو استثنى الحملَ ، صحّ عندنا - وبه قال الحسن والنخعي‌ وإسحاق وأبو ثور وأحمد في روايةٍ(١) - لأنّ نافعاً(٢) روى عن ابن عمر أنّه باع جاريةً واستثنى ما في بطنها(٣) .

ولأنّه يصحّ استثناؤه في العتق فصحّ في البيع.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في اُخرى ، والثوري : لا يصحّ ، لأنّه مجهول لا يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يصحّ استثناؤه. ولأنّهعليه‌السلام نهى عن الثّنيا إلّا أن تعلم(٤) (٥) .

ونحن نقول بالموجب ، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، والبيع إنّما تناول الاُمّ دون الحمل ، وإطلاق الاستثناء عليه مجاز ، بل نقول نحن : إنّه لو باع الامّ ولم يستثن الحمل ، لم يدخل في البيع ، وكان للبائع ، والاستثناء هنا مؤكّد لا مخرج.

تذنيب : لو باع أمةً حاملاً بحُرٍّ ، جاز البيع عندنا ؛ للأصل‌ ، خلافاً للشافعي ؛ لأنّ الحمل لا يدخل في البيع ، فصار كأنّه مستثنى ، فلا يصحّ بيعها(٦) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ - ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « نافع » غير منصوب.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ - ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٦) المجموع ٩ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

٩٩

ونمنع بطلان الاستثناء.

مسألة ٥٧ : لا يكفي في العلم مشاهدة وجه الدابّة‌ ، بل لابُدّ من النظر إلى مؤخّرها - وبه قال أبو يوسف(١) - لأنّ المؤخّر موضع مقصود منها ، فيشترط رؤيته.

وقال محمّد بن الحسن : لا يشترط ؛ لأنّ الأصل في الحيوان الوجه ، فتكفي رؤيته ، كالعبد والأمة(٢) .

ونحن نمنع المقيس عليه ، ونوجب المشاهدة لجميع الأجزاء الظاهرة في المبيع كلّه ، سواء كان حيواناً أو غيره ، أو نثبت خيار الرؤية لو ظهر البعض على الخلاف.

ولو اشترى دارا فرأى خارجها ، لم يصحّ ، إلّا إذا وصف الباقي وصفاً يرفع الجهالة ، ويثبت خيار الرؤية ، وبه قال زفر(٣) .

وقال أبو حنيفة وصاحباه : إذا رأى خارجها ، كان رؤية لها(٤) . وليس بجيّد.

مسألة ٥٨ : وكما أنّ الجهالة في الموضعين مبطلة فكذا في صفاتهما ولواحق المبيع‌ ، فلو شرطا شرطاً مجهولاً ، بطل البيع. ولو شرطا تأجيل الثمن ، وجب أن يكون معلوماً ، فلو أجّله إلى الحصاد ونحوه ، بطل البيع ؛ للجهالة.

فإن أسقط الأجل ، لم ينقلب جائزاً عندنا - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٤.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٢٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا. هي حرام عليهما في حال الاضطرار. كما هي حرام عليهما في حال الاختيار.

وبالاضطرار يحلّ عموم المحرّمات، يدلّ عليه ما رواه.

في الكافي(١) : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّجل والمرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطبّاء، فيقولون: نداويك شهرا، أو أربعين ليلة مستقليا. كذلك يصلّي.

فرخّص في ذلك. وقال:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وفي رواية محمّد بن عمرو بن سعيد، رفعه، عن امرأة أتت عمر. فقالت: يا أمير المؤمنين! إنّى فجرت. فأقم عليّ(٣) حدّ الله ـ عزّ وجلّ.

فأمر برجمها. وكان [عليّ](٤) أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حاضرا. فقال: سلها كيف فجرت؟

فسألها. فقالت: كنت في فلاة من الأرض. فأصابني عطش شديد. فرفعت لي خيمة. فأتيتها. فأصبت فيها رجلا أعرابيّا فسألته ماء. فأبى عليّ أن يسقيني إلّا أكون(٥) أن أمكّنه من نفسي. فولّيت منه(٦) هاربة. فاشتدّ بي العطش، حتّى غارت عيناي وذهب لساني. فلمّا بلغ منّي العطش، أتيته فسقاني ووقع عليّ.

فقال عليّ ـ عليه السّلام: هي الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) . هذه غير باغية ولا عادية. فخلّى سبيلها.

فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر.

ويجب تناول المحرّم، عند الاضطرار.

قال الصّادق ـ عليه السّلام(٧) : من اضطرّ إلى الميتة والدّم ولحم الخنزير، فلم يأكل من ذلك حتّى يموت، فهو كافر.

( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في تناوله.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ ) لما فعل ،

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤١٠، ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٥، ح ٦٠.

(٣) المصدر: فيّ.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ليس في المصدر. وعدم وجودها أبلغ.

(٦) المصدر: عنه. (ظ)

(٧) نفس المصدر ٣ / ٢١٨، ح ١٠٠٨.

٢٢١

( رَحِيمٌ ) (١٧٣)، بالرّخصة فيه.

فإن قلت: إنّما يفيد القصر على ما ذكر، وكم من محرّم لم يذكر.

قلت: المراد، قصر الحرمة على ما ذكر ممّا استحلّوه، لا مطلقا، أو قصر حرمته على حال الاختيار. كأنّه قيل: إنّما حرّم عليكم هذه الأشياء، ما لم تضطرّوا إليها.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) : عوضا حقيرا،( أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) : إمّا في الحال، لأنّه أكلوا ما يتسبّب إلى النّار. أو في المآل، أي: يوم القيامة.

ومعنى «في بطونهم» ملئ بطونهم. يقال: أكل في بطنه، وأكل في بعض بطنه.

( وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) : عبارة عن غضبه عليهم.

( وَلا يُزَكِّيهِمْ ) : ولا يثني عليهم.

( وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) . (١٧٤)( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى ) في الدّنيا.

( وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ ) في الآخرة، بكتمان الحقّ.

( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) (١٧٥) :

تعجّب من حالهم، في الالتباس بموجبات النّار، من غير مبالاة.

و «ما» تامّة مرفوعة بالابتداء. وتخصيصها كتخصيص شرّ أهرّ ذا ناب، أو استفهاميّة وما بعدها الخبر، أو موصولة وما بعدها صلة. والخبر محذوف.

وفي أصول الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعملون أنّه يصيّرهم إلى النّار.

وفي مجمع البيان(٢) : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ، فيه أقوال: أحدها ـ أنّ معناه ما أجرأهم على النّار، رواه عليّ بن إبراهيم بإسناده، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٦٨، ح ٢.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٥٩.

٢٢٢

والثّاني ـ ما أعملهم بأعمال أهل النّار. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

( ذلِكَ ) ، أي: العذاب،( بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ ) ، أي: بسبب أنّ الله نزّل الكتاب بالحقّ، فرفضوه بالكتمان والتّكذيب.

( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ ) :

الّلام فيه إمّا للجنس واختلافهم إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض آخر، أو للعهد.

والإشارة، إمّا إلى التوراة، و «اختلفوا» بمعنى تخلّفوا. عن المنهج المستقيم، في تأويلها، أو خلّفوا خلاف ما أنزل الله مكانه، أي: حرّفوا فيها، أو «اختلفوا» بمعنى أنّ بعضهم آمنوا به وبعضهم حرّفوه عن مواضعه، وإمّا إلى القرآن. واختلافهم قولهم سحر وتقوّل وكلام علّمه بشر وأساطير الأوّلين.

( لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) (١٧٦): لفي خلاف بعيد عن الحق(١) .

( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) :

«البرّ»، كلّ فعل مرضيّ.

والخطاب لأهل الكتاب. فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة، حين حوّلت.

وادّعى كلّ طائفة أنّ البرّ هو التّوجّه إلى قبلته. فردّ الله عليهم. وقال ليس البرّ ما أنتم عليه.

فإنّه منسوخ. ولكن البرّ ما نبيّنه واتّبعه المؤمنون.

وقيل(٢) : عامّ لهم وللمسلمين، أي: ليس البرّ مقصورا بأمر القبلة، أو ليس البرّ العظيم الّذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. وقرأ حمزة وحفص: ليس البرّ (بالنّصب(٣) .)( وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ ) ، أي: ولكنّ البرّ الّذي ينبغي أن يهتمّ به، برّ من آمن، أو لكنّ ذا البرّ من آمن. ويؤيّده قراءة: ولكنّ البارّ.

والمراد بالكتاب، الجنس، أو القرآن.

__________________

(١) «عن الحق»، ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٧.

(٣) «البرّ» هو منصوب. فعلى أيّ شيء نصبه حمزة وحفص. وهل المقصود في النصب، الإقامة والرفع؟

٢٢٣

وقرأ نافع وابن عامر: ولكن (بالتّخفيف.) ورفع البرّ.

( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ) ، على حبّ المال، أو على حبّ الله، أو على حبّ الإيتاء.

والجارّ والمجرور، في موضع الحال.

( ذَوِي الْقُرْبى ) :

قدّمه لأنّه أفضل. كما روى عنه ـ عليه السّلام(١) : صدقتك على المسكين، صدقة، وعلى ذي رحمك، اثنتان صدقة وصلة.

وفي مجمع البيان(٢) : ذوي القربى، يحتمل أن يكون المراد(٣) قرابة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [كما في قوله(٤) :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ].(٥) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( وَالْيَتامى ) : جمع يتيم. وهو من الأطفال من فقد أبوه.

( وَالْمَساكِينَ ) : جمع المسكين. وهو الّذي أسكنته الخلّة. وأصله دائم السّكون، كالمسكير: دائم السّكر.

( وَابْنَ السَّبِيلِ ) : المسافر. سمّي به لملازمته السّبيل، كما سمّي القاطع، ابن الطّريق. وقيل(٦) : الضّيف.

( وَالسَّائِلِينَ ) : الّذين ألجأتهم(٧) الحاجة إلى السّؤال.

قال ـ عليه السّلام: للسّائل حقّ وإن جاء على فرسه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) ، في الحقوق المرويّة، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: وحقّ السّائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحقّ(٩) المسئول إن أعطى فاقبل منه بالشّكر والمعرفة بفضله. وإن منع فاقبل عذره.

( وَفِي الرِّقابِ ) : في تخليصها، كمعاونة المكاتبين وفكّ الأسارى وابتياع الرّقاب

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٧.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٦٣.

(٣) المصدر: أراد.

(٤) الشورى / ٢٣.

(٥) ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٨.

(٧) النسخ: ألجاهم.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٩) المصدر: وأمّا حقّ.

٢٢٤

لعتقها.

( وَأَقامَ الصَّلاةَ ) المفروضة.( وَآتَى الزَّكاةَ ) :

المراد منها الزكاة المفروضة. والغرض من الأوّل، إمّا بيان مصارفها، أو نوافل الصّدقات.

( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) : عطف على( مَنْ آمَنَ ) .

( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) : نصب على المدح. ولم يعطف لفضل الصّبر على سائر الأعمال.

وعن الأزهريّ(١) : «البأساء» في الأموال، كالفقر. و «الضّرّاء» في الأنفس، كالمرض.

في عيون الأخبار(٢) ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث، مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه ـ إلى قوله ـ وأمّا السّنّة من وليّه، فالصّبر(٣) على البأساء والضّرّاء. فإنّ الله يقول:( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) قال: في الجوع والخوف والعطش والمرض.

( وَحِينَ الْبَأْسِ ) قال(٥) : عند القتل.

( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) في الدّين واتّباع الحقّ وطلب البرّ.

( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١٧٧) عن الكفر وسائر الرّذائل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ لأنّ هذه الشّروط، شروط الإيمان وصفات الكمال. وهي لا توجد إلّا فيه وفي ذرّيّته الطّيّبين ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٠٠، ح ٩.

(٣) المصدر: في.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٢٤٩.

٢٢٥

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) .: كان في الجاهليّة بين حيّين. من أحياء العرب دماء. وكان لأحدهما طول على الآخر. فأقسموا لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد والذّكر بالأنثى. فلمّا جاء الإسلام، تحاكموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فنزلت. وأمرهم ان يتباوؤا.

[وفي تفسير العيّاشيّ(١) : محمّد بن خالد البرقيّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ ) : هي لجماعة المسلمين. ما هي للمؤمنين خاصّة(٢) ](٣) .

وعن سماعة بن مهران(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) فقال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا، ويغرّم دية العبد. وإن قتل رجل امرأة. فأراد(٥) اولياء المقتول أن يقتلوا، أدّوا نصف ديته إلى أهل الرّجل.

وفي تهذيب الأحكام(٦) : صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: قول الله تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) .

قال: قال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا. ويغرّم ثمن العبد.

وفي مجمع البيان(٧) : نفس الرّجل، لا تساوي نفس المرأة. بل هي على النّصف منها. فيجب إذا أخذت النّفس الكاملة بالنّاقصة، أن يردّ فضل ما بينهما.

وكذلك رواه الطّبريّ في تفسيره(٨) ، عن عليّ ـ عليه السّلام.

وفيه(٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٥٧، ح ١٥٩.

(٢) المصدر: ا هي جماعة المسلمين؟ قال: هي للمؤمنين خاصّة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٥٧.

(٥) ر: فأرادوا.

(٦) تهذيب الأحكام ١٠ / ١٩١، ح ٧٥٤.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٦٥.

(٨) تفسير الطبري ٢ / ٦٢، باختلاف في اللفظ.

(٩) مجمع البيان ١ / ٢٦٥.

٢٢٦

شديدا، ويغرّم دية العبد.

( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) ، أي: شيء من العفو. لأنّ «عفا»(١) لازم. وفائدته الإشعار بأنّ بعض العفو كالعفو التّامّ، في إسقاط القصاص.

وقيل(٢) : «عفا» بمعنى ترك وشيء مفعول به. وهو ضعيف إذ لم يثبت. «عفا الشيء» بمعنى تركه. بل إعفاءه وعفا، يعدّى بعن الى الجاني والى الذّنب. قال الله تعالى(٣) :( عَفَا اللهُ عَنْكَ ) وقال عفا [الله](٤) عنها. وإذا عدّي به إلى الذّنب، عدّي إلى الجاني باللّام. وعليه ما في الآية. كأنّه قيل: فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه، يعني :

وليّ الدّم. وذكره بلفظ الأخوّة الثّابتة بينهما، من الجنسيّة والإسلام، ليرقّ له ويعطف عليه.

( فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، أي: فليكن اتّباع أو فالأمر اتّباع.

والمراد: وصيّة العافي بأن يطالب الدّية بالمعروف، فلا يعنف. والمعفوّ عنه، بأن يؤدّيها بإحسان. وهو أن لا يمطل ولا يبخس.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم عن أبيه(٦) ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) .

قال: ينبغي للّذي له الحقّ، أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية.

وينبغي للّذي عليه الحقّ، أن لا يمطل(٧) أخاه إذا قدر على ما يعطيه. ويؤدّي إليه بإحسان.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في(٨) قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) .

قال: هو الرّجل يقبل الدّية. فينبغي للطّالب أن يرفق به ولا يعسره. وينبغي للمطلوب أن يؤدّي إليه بإحسان(٩) ولا يمطله، إذا قدر.

__________________

(١) ر: العفو.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٩.

(٣) التوبة / ٤٣.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) الكافي ٧ / ٣٥٨، ح ١.

(٦) ليس في الأصل.

(٧) ر: لا يمطل عليه.

(٨) المصدر: عن.

(٩) «إليه بإحسان»، ليس في أ.

٢٢٧

أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، ما ذلك الشيء؟

فقال: هو الرجل يقبل الدّية. فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ الرجل الّذي له الحقّ، أن يتّبعه بمعروف، ولا يعسره. وأمر الّذي عليه الحقّ، أي يؤدّي إليه بإحسان، إذا أيسر.

( ذلِكَ ) ، أي: الحكم المذكور في العفو والدّية،( تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) لما فيه من التّسهيل والنّفع.

وقيل(٢) : كتب على اليهود القصاص، وحده، وعلى النّصارى العفو، مطلقا.

وخيّرت هذه الأمّة بينهما، وبين الدّية، تيسيرا عليهم.

( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٧٨) :

وفي الحديث السّابق(٣) : قال سماعة: قلت: أرأيت قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

قال: هو الرّجل، يقبل الدّية، أو يصالح، ثمّ يجيء بعد، فيمثّل، أو يقتل. فوعده الله عذابا أليما.

عليّ بن ابراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

فقال: هو الرّجل يقبل الدّية، أو يعفو، أو يصالح، ثمّ يعتدي، فيقتل. فله عذاب أليم، كما قال الله ـ عزّ وجلّ.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) :

كلام في غاية الفصاحة والبلاغة. من حيث جعل الشيء محلّ ضدّه. وعرّف القصاص ونكّر الحياة، ليدلّ على أنّ في هذا الجنس من الحكم، نوعا من الحياة عظيما.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ ) يحتمل أن يكونا خبرين «لحياة»، وأن يكون أحدهما خبرا

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٥٩، ح ٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٩.

(٣) الكافي ٧ / ٣٥٩، ح ٣.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٣٥٨، ح ١.

٢٢٨

والآخر صلة له، أو حالا عن الضّمير المستكنّ فيه.

وقرئ «في القصص»، أي: فيما قصّ عليكم من حكم القتل حياة، أو في القرآن حياة القلوب.

( يا أُولِي الْأَلْبابِ ) : ذوي العقول الكاملة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١٧٩) في المحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له، أو عن القصاص، فتكفّوا عن القتل.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في تفسير قوله تعالى( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (الآية): ولكم، يا أمّة محمّد! في القصاص حياة. لأنّ من همّ بالقتل، يعرف(٢) أنّه يقتصّ منه، فكفّ لذلك عن القتل، كان حياة للّذي(٣) كان همّ بقتله، وحياة لهذا الجانيّ الّذي أراد أن يقتل، وحياة لغيرهما من النّاس، إذا علموا أنّ القصاص واجب لا يجسرون على القتل، مخافة القصاص،( يا أُولِي الْأَلْبابِ ) ، أولي العقول( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) ، قال: يعني: لولا القصاص، لقتل بعضكم بعضا.

وفي نهج البلاغة(٥) : فرض الله الإيمان تطهيرا من الشّرك، والقصاص حقنا للدّماء.

وفي أمالي شيخ الطّائفة(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: قلت: أربعا أنزل الله تعالى تصديقي(٧) بها في كتابه ـ إلى قوله عليه السّلام ـ قلت: القتل يقلّ القتل. فأنزل الله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) .

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) ، أي: أسبابه وأمارته،( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) ، أي: مالا كثيرا، لما روى عن عليّ ـ عليه السّلام(٨) : أنّه دخل على مولى له في مرضه. وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٥٠.

(٢) المصدر: فعرف. (ظ)

(٣) ليس في المصدر. (ظ)

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٥.

(٥) نهج البلاغة / ٥١٢، قطعتان من كلمه ٢٥٢.

(٦) أمالي الشيخ ٢ / ١٠٨.

(٧) أ: تصديقا.

(٨) ر. مجمع البيان ١ / ٢٦٧.

٢٢٩

فقال: ألا أوصي؟

فقال: إنّما قال الله سبحانه( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) وليس لك مال كثير.

( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) :

مرفوع «بكتب» وتذكير فعلها للفصل، أو على تأويل أن يوصي، أو الإيصاء.

ولذلك ذكر الرّاجع في قوله «فمن بدّله».

والعامل في «إذا» مدلول «كتب» لا «الوصيّة» لتقدّمه عليها.

وقيل(١) : مبتدأ، خبره «للوالدين». والجملة جواب الشّرط، بإضمار الفاء، كقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها.

وردّ بأنّه لو صحّ، فمن ضرورات الشّعر. وكان هذا الحكم، أي: وجوب الوصيّة، في بدء الإسلام. فنسخ بآية المواريث.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) قال: هي منسوخة. نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. ويجوز الوصيّة للوارث(٣) .

قال الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زيادة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٥) ، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الوصيّة للوارث.

فقال: تجوز.

ثمّ تلا هذه الآية:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٦) : روى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى(٧) ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٠.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٧٧، ح ١٦٧.

(٣) المصدر: نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. فمن بدّله بعد ما سمعه فانّما إثمه على الّذين يبدّلونه، يعني: بذلك الوصية.

(٤) الكافي ٧ / ١٠، ح ٥.

(٥) أ: أبي نصير.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٧٥، ح ٦١٥.

(٧) «عن محمد بن عيسى»، ليس في ر.

٢٣٠

ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، قال: هو الشيء جعله الله ـ عزّ وجلّ ـ لصاحب هذا الأمر.

قال: قلت: فهل لذلك حدّ؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: أدنى ما يكون، ثلث الثّلث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الزّهراء ـ عليها السّلام ـ في حديث طويل. تقول فيه للقوم: وقد منعوها ما منعوها. وقال:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٢) () . وقال:( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) .(٣) وقال:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

وزعمتم أن لا حظ [لي](٤) ولا إرث [من أبي](٥) ولا رحم بيننا. أفخصّكم الله بآية أخرج منها(٦) آل رسول الله(٧) ـ صلّى الله عليه وآله؟

[وفي مجمع البيان(٨) : روى أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل: هل يجوز(٩) الوصية للوارث؟

فقال: نعم. وتلا هذه الآية.

وروى السّكونيّ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: من لم يوص عند موته لذي قرابته، ممن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصيته.

وفيه: اختلف في المقدار الّذي تجب الوصيّة عنده. قال ابن عبّاس: ثمانمائة درهم.

وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه دخل على مولا له فيه مرضه وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة. فقال: ألا أوصي؟

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ١٣٨.

(٢) النساء / ١١.

(٣) البقرة / ١٨٠.

(٤ و ٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: أبي منها.

(٧) «آل رسول الله» ليس في المصدر.

(٨) مجمع البيان ١ / ٢٦٧.

(٩) المصدر: تجوز (ظ)

٢٣١

فقال: لا. إنّما قال الله سبحانه:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) . وليس لك مال كثير.

وهذا هو المأخوذ به عندنا](١)

( بِالْمَعْرُوفِ ) : بالعدل. فلا يفضل الغنى. ولا يتجاوز الثّلث.

( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١٨٠) :

مصدر مؤكّد، أي: حقّ ذلك حقّا.

( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) غيره من الأوصياء والشّهود،( بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) ، وصل إليه وتحقّق عنده.

( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) : فما إثم التّبديل، إلّا على مبدّله. لأنّه هو الّذي خالف الشّرع.

( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١٨١): وعيد للمبدّل.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل أوصى بماله في سبيل الله.

فقال: أعطه لمن أوصى به له. وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ الله تعالى يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

محمّد بن يحيى(٣) ، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في رجل أوصى بما له في سبيل الله.

قال: أعطه لمن أوصى(٤) به له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إلى جعفر وموسى: وفيما أمرتكما به من الإشهاد بكذا وكذا، نجاة لكما، في آخرتكما، وإنفاذ(٦) لما أوصى به أبواكما، وبرّ(٧) منكما لهما. واحذرا أن لا تكونا بدّلتما وصيّتهما ولا غيّرتماها. عن حالها وقد خرجا(٨) من ذلك رضي الله عنهما، وصار ذلك في

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٧ / ١٤، ح ١.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٤) المصدر: أوصى له.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٦) المصدر: إنفاذا.

(٧) المصدر: برّا.

(٨) المصدر: عن حالهما لانّهما قد خرجا.

٢٣٢

رقابكما. وقد قال(١) الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه، في الوصيّة:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ. إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب: أنّ رجلا كان بهمدان. ذكر أنّ أباه مات. وكان لا يعرف هذا الأمر. فأوصى بوصيّته(٣) عند الموت. وأوصى أن يعطى شيء في سبيل الله.

فسئل عنه أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كيف يفعل به؟ فأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر.

فقال: لو أنّ رجلا أوصى إلىّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ، لوضعته فيهما. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) . فانظروا(٤) إلى من يخرج إلى هذا الوجه، يعني: الثّغور. فابعثوا [به](٥) إليه.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حجاج الخشّاب، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن امرأة أوصت إليّ بمال أن يجعل في سبيل الله. فقيل: لها يحجّ(٧) به. فقالت: اجعله في سبيل الله. فقالوا لها: نعطيه(٨) آل محمّد. قلت: اجعله في سبيله الله.

[فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: اجعله في سبيل الله ،](٩) كما أمرت.

قلت: مرني كيف أجعله.

قال: اجعله كما أمرتك. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديّا، كنت تعطيه نصرانيّا؟

قال: فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين: ثمّ دخلت عليه. ثمّ قلت(١٠) له مثل الّذي قلت له(١١) أوّل مرّة. فسكت هنيئة.

__________________

(١) أ: نزّل.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٣) المصدر: بوصية. (ظ)

(٤) أ: فانظر.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) نفس المصدر ٧ / ١٥، ح ١.

(٧) المصدر: تحجّ.

(٨) أ: فقال: تعطيه. المصدر: فنعطيه.

(٩) ليس في ر.

(١٠) المصدر: فقلت. (ظ)

(١١) ليس في المصدر.

٢٣٣

ثمّ قال: هاتها.

قلت: من أعطيها؟

قال: عيسى شلقان.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن الرّيّان بن شبيب قال: أوصت ماردة لقوم نصارى(٢) بوصيّة. فقال أصحابنا: أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك. فسألت الرّضا ـ عليه السّلام. فقلت: إنّ أختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى. وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا المسلمين(٣) .

فقال: أمض الوصيّة على ما أوصت به. قال الله تعالى:( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي سعيد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن رجل أوصى بحجّة. فجعلها وصيه في نسمة(٥) .

فقال: يغرمها وصيّه. ويجعلها في حجّة، كما أوصى به. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ ) ، أي: توقّع وعلم من قولهم، أخاف أن ترسل السّماء.

( جَنَفاً ) : ميلا بالخطإ في الوصيّة،( أَوْ إِثْماً ) : تعمّدا للحيف،( فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ ) : بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشّرع.

( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في هذا التّبديل. لأنّه تبديل باطل إلى حقّ، بخلاف الأوّل.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١٨٢): وعد للمصلح. وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم، وكون الفعل من جنس ما يؤثم به.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) : حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا محمّد بن الحسن

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ١٦، ح ٢.

(٢) المصدر: نصارى فراشين.

(٣) المصدر: مسلمين.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٢٢، ح ٢.

(٥) أ: وصية في نسمه.

(٦) علل الشرائع ٢ / ٥٦٧، ح ٤.

٢٣٤

الصّفار، عن أبي طالب عبد الله بن الصّلت القميّ، عن يونس بن عبد الرّحمان. رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ) (١) ( أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

قال: يعني: إذا اعتدى في الوصيّة. يعني(٢) : إذا زاد عن الثّلث.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: إذا وصّى الرّجل بوصيّته، فلا يحلّ للوصيّ أن يغيّر وصيّة يوصيها. بل يمضيها على ما أوصى. إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله. فيعصى في الوصيّة ويظلم. فالموصى إليه جائز له أن يردّها(٤) إلى الحقّ.

[مثل رجل يكون له ورثة يجعل(٥) المال كلّه لبعض ورثة ويحرم بعضا. فالوصي جائز له أن يردّها(٦) إلى الحقّ].(٧) وهو قوله:( جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) . «فالجنف» الميل إلى بعض ورثتك(٨) دون بعض. و «الإثم» أن تأمر(٩) بعمارة بيوت النّيران واتّخاذ المسكر. فيحلّ للوصيّ أن لا يعمل بشيء من ذلك.

وفي الكافي(١٠) : عليّ بن إبراهيم، عن رجاله قال: قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أطلق للموصى إليه، أن يغيّر الوصيّة، إذا لم تكن(١١) بالمعروف وكان فيها جنف(١٢) . ويردّها إلى المعروف، لقوله تعالى( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

محمّد بن يحيى(١٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن سوقة قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

قال: نسختها الآية الّتي بعدها، قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

__________________

(١) المصدر: حيفا.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير القمي ١ / ٦٥.

(٤) المصدر: يردّه.

(٥) المصدر: فيجعل.

(٦) المصدر: يردّه.

(٧) ليس في أ.

(٨) المصدر: ورثته.

(٩) المصدر: يأمر.

(١٠) الكافي ٧ / ٢٠، ح ١.

(١١) المصدر: لم يكن.

(١٢) المصدر: حيف.

(١٣) نفس المصدر ٧ / ٢١، ح ٢.

٢٣٥

قال: يعني: الموصى إليه إن خاف جنفا(١) فيما أوصى به إليه فيما(٢) لا يرضى الله به، من خلاف الحقّ، فلا إثم على الموصى(٣) إليه أن يردّه(٤) إلى الحقّ وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.

[وفي مجمع البيان(٥) : فإن قيل: كيف قال فمن خاف لما قد وقع. والخوف إنّما يكون لما لم يقع؟

قيل: إنّ فيه قولين :

أحدهما ـ أنّه خاف أن يكون قد زلّ في وصيّة. والخوف يكون للمستقبل. وهو من أن يظهر ما يدلّ على أنّه قد زلّ لأنّه من جهة غالب الظّن.

الثّاني ـ أنّه لـمّا اشتمل على الواقع وعلى ما لم يقع، جاز فيه (إلى قوله) إنّ الأوّل عليه أكثر المفسّرين. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام. وقوله( أَوْ إِثْماً ) ، الإثم أن تميل(٦) عن الحق، على وجه العمد. والجنف أن يكون على جهة الخطأ من حيث لا يدري أنّه يجوز. وهو معنى قول ابن عبّاس والحسن. وروي ذلك عن أبي جعفر ـ عليه السّلام].(٧)

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، يعني: الأنبياء دون الأمم. فإنّ الأمم كان عليهم صوم، أكثر من ذلك، في غير ذلك الشّهر.

يدلّ عليه ما في الصّحيفة الكاملة(٨) : ثمّ آثرتنا به على سائر الأمم. واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل. فصمنا بأمرك نهاره. وقمنا بعونك ليله.

وما رواه في من لا يحضره الفقيه(٩) ، قال: روى سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث النّخعيّ قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ شهر رمضان

__________________

(١) المصدر: جنفا من الموصى.

(٢) المصدر: ممّا.

(٣) المصدر: فلا إثم عليه: أي: على الموصى.

(٤) المصدر: يبدّله.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٦٩.

(٦) المصدر: ان يكون الميل.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) الصحيفة الكاملة، في ضمن دعائه ـ عليه السّلام ـ في وداع شهر رمضان (دعاء ٤٥)

(٩) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٦١، ح ٢٦٧.

٢٣٦

لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا.

فقلت له: فقول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) .

قال: فرض الله(١) شهر رمضان على الأنبياء، دون الأمم. ففضّل(٢) الله به هذه الأمّة. وجعل صيامه فرضا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى أمّته.

و «الصّوم» في اللّغة، الإمساك عمّا تنازع النّفس إليه. وفي الشّرع، الإمساك عن المفطرات. فإنّها معظم ما تشتهيه الأنفس. والخطاب في عليكم عامّ.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) .

قال: فقال: هذه كلّها تجمع(٤) أهل(٥) الضّلال والمنافقين وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وأمّا ما رواه البرقيّ(٦) ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، قال: «هي للمؤمنين خاصّة»، فمعناه أنّ المؤمنين هم المنتفعون بها.

وفي كتاب الخصال(٧) ، عن عليّ ـ عليه السّلام. قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فسأله أعلمهم عن مسائل. فكان فيما سأله أن قال: لأي شيء فرض الله الصّوم على أمّتك بالنّهار، ثلاثين يوما وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ آدم ـ عليه السّلام ـ لـمّا أكل من الشّجرة، بقي في بطنه ثلاثين يوما. ففرض على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش. والّذين يأكلونه تفضّل من الله عليهم. وكذلك كان على آدم. ففرض الله تعالى ذلك على أمّتي.

ثمّ تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذه الآية:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أيّاما معدودات.

__________________

(١) المصدر: إنّما فرض الله صيام :

(٢) النسخ: فضّل.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٨.

(٤) المصدر: يجمع.

(٥) ليس في المصدر. وعند وجودها فتكون الكلمة بعدها «الضّلال». وعند عدمها تكون «الضّلال».

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٧٤.

(٧) الخصال ٢ / ٥٣٠، ح ٦.

٢٣٧

قال اليهوديّ: صدقت يا محمّد!

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا. عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن يوسف بن عميرة، عن عبد الله بن عبد الله، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان ـ قال لبلال: ناد في النّاس. فجمع النّاس. ثمّ صعد المنبر. فحمد الله. وأثنى عليه. ثمّ قال: يا أيّها النّاس! إنّ هذا الشّهر قد خصّكم به. وهو حضركم. وهو سيّد الشّهور.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١٨٣) المعاصي. فإنّ الصّوم يكسر الشّهوة الّتي هي مبدؤها.

وفي عيون الأخبار(٢) ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، في آخرها: أنّه سمعها من الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال فلم أمر بالصّوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش. فيستدلّوا على فقر الآخرة. وليكون الصّائم خاشعا ذليلا مستكينا موجودا محتسبا عارفا صابرا(٣) لما أصابه من الجوع والعطش.

فيستوجب الثّواب مع ما فيه من الانكسار عن الشّهوات. وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على أداء ما كلّفهم ودليلا في الآجل. وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدّنيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في أموالهم.

فإن قيل: فلم جعل الصّوم في شهر رمضان دون سائر الشّهور؟

قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشّهر الّذي أنزل الله تعالى فيه القرآن هدى(٤) للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان وفيه نبّئ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر. وفيها يفرق كلّ أمر حكيم. وفيه(٥) رأس السّنة. يقدّر فيها ما يكون في السّنة من خير أو شرّ أو مضرّة أو منفعة أو رزق أو أجل. ولذلك سمّيت ليلة القدر.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٦٧، ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١١٥.

(٣) المصدر: على ما.

(٤) المصدر: انزل الله تعالى فيه القرآن وفيه فرق بين الحق والباطل، كما قال الله ـ عزّ وجلّ: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى

(٥) المصدر: هو. (ظ)

٢٣٨

فإن قال: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوّة العباد(١) الّذي يعمّ في القويّ والضّعيف. وإنّما أوجب الله تعالى الفرائض على اغلب الأشياء وأعظم(٢) القوى. ثمّ رخّص(٣) لأهل الضّعف. ورغّب أهل القوّة في الفضل. ولو كانوا يصلحون على أقلّ من ذلك، لنقصهم. ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك، لزادهم.

( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) مؤقّتات بعدد معلوم ووقت معيّن، أو قلائل. فإنّ القليل من المال يعدّ عدّا. والكثرة يهال هيلا.

ونصبها بإضمار «صوموا» أو ب «كما كتب» على الظّرفيّة ،. أو بأنّه مفعول ثان على السّعة. وليس بالصّيام للفصل بينهما.

( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) مرضا يضرّه الصّوم،( أَوْ عَلى سَفَرٍ ) : أو راكب سفر،( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ، أي: فعليه صوم عدد أيّام المرض والسّفر، من أيّام أخر.

وهذا على الوجوب.

في من لا يحضره الفقيه(٤) ، روي عن الزّهريّ. أنّه قال: قال لي عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ ونقل حديثا طويلا، يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا صوم السّفر والمرض، فانّ العامّة اختلفت فيه. فقال قوم: يصوم. وقال قوم: لا يصوم. وقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالتين ـ جميعا. فإن صام في السّفر أو في حال المرض، فعليه القضاء في ذلك. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه في الإفطار، كما يجب عليه في السّفر [في](٦) قوله( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ) .

قال: هو مؤتمن عليه. مفوّض اليه. فإن وجد ضعفا. فليفطر. وإن وجد قوّة

__________________

(١) المصدر: العبادة.

(٢) المصدر: وأعم. (ظ)

(٣) كذا في المصدر: وفي النسخ: خصّ.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٨، ح ٢٠٨.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٨١، ح ١٨٨.

(٦) يوجد في المصدر.

٢٣٩

فليصم. كان المريض على ما كان.

عن محمّد بن مسلم(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لم يكن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصوم في السّفر تطوّعا ولا فريضة. يكذبون على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. نزلت هذه الآية ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكراع الغميم، عند صلاة الفجر. فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بإناء. فشرب. فأمر(٢) النّاس أن يفطروا. وقال قوم: قد توجّه النّهار. ولو صمنا يومنا هذا. فسمّاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العصاة. فلم يزالوا يسمّون بذلك الاسم، حتّى قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أهدى إليّ وإلى أمّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم، كرامة من الله لنا.

قالوا: وما ذلك يا رسول الله! قال: الإفطار في السّفر. والتّقصير في الصلوة. فمن لم يفعل ذلك، فقد ردّ على الله هديّته.

وفي الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: رجل صام في السّفر.

فقال: إذا(٥) كان بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى عن ذلك، فعليه القضاء. وان لم يكن بلغه(٦) ، فلا شيء عليه.

أبو عليّ الأشعريّ(٧) ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن [صفوان بن يحيى، عن عيص(٨) بن القسم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من صام في السفر بجهالة، لم يقضه].(٩)

عن عبد الله بن مسكان(١٠) ، عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٩٠.

(٢) المصدر: وأمر. (ظ)

(٣) الخصال ١ / ١٢، ح ٤٣.

(٤) الكافي ٤ / ١٢٨، ح ١.

(٥) المصدر: إن. (ظ)

(٦) أ: يبلغه.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٨) كذا في المصدر وفي الأصل ور: العيص.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493