تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183401 / تحميل: 5556
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قال: إذا سافر الرّجل في شهر رمضان، أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : روى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الرّجل(٢) ويدع الصّلاة من قيام؟

قال:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) . هو أعلم بما يطيقه.

وروى جميل بن درّاج(٣) ، عن الوليد بن صبيح، قال: حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان. فبعث إليّ أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ بقصعة. فيها خلّ وزيت. وقال لي: أفطر.

وصلّ، وأنت قاعد.

وفي رواية حريز(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الصّائم إذا خاف على عينيه من الرّمد، أفطر.

( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) ، أي: على الّذين كانوا يطيقون الصّوم، فلم يطيقوه الآن لمرض، كعطاش(٥) أو كبر أو أفطروا لمرض أو سفر، ثمّ زال عذرهم وأطاقوا ولم يقضوا حتّى دخل رمضان آخر،( فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) : بمدّ من كلّ يوم.

في الكافي(٦) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) قال: الشّيخ الكبير(٧) والّذي يأخذه العطاش.

أحمد بن محمّد(٨) ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٩) »، قال: الّذين كانوا يطيقون الصّوم فأصابهم كبر أو عطاش(١٠) أو شبه ذلك، فعليهم بكل(١١) يوم مدّ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٣، ح ٣٦٩.

(٢) المصدر: الصائم. (ظ)

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٧٠.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٨٤، ح ٣٧٣.

(٥) أ: العطاش.

(٦) الكافي ٤ / ١١٦، ح ١.

(٧) أ: قال: الذين كانوا يطيقون الصوم الشيخ الكبير.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

(٩) أ: مسكين.

(١٠) ر: كبرا أو عطاشا.

(١١) المصدر: لكلّ.

٢٤١

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٢) ، قال: من مرض في شهر رمضان، فأفطر، ثمّ صحّ، فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر، فعليه ان يقضي ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من الطّعام.

وقرأ نافع وابن عامر بإضافة الفدية إلى «الطّعام» وجمع «المساكين(٣)( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) : فزاد في الفدية.

( فَهُوَ ) ، أي: التّطوّع أو الخير،( خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا ) ، أي: صومكم على تقدير عدم المانع، وتكلف الصّوم على تقدير وجوده.

( خَيْرٌ لَكُمْ ) من الفدية، أو تطوّع الخير، أو منهما،( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٤) ما في الصّوم من الفضيلة.

وجوابه محذوف، أي اخترتموه، أو إن كنتم من أهل العلم والتّدبّر، علمتم أنّ الصّوم خير لكم من ذلك.

( شَهْرُ رَمَضانَ ) :

مبتدأ. خبره ما بعده. أو خبر مبتدأ محذوف. تقديره «ذلكم شهر رمضان.» أو بدل من الصّيام، على حذف المضاف، أي: كتب عليكم الصّيام، صيام شهر رمضان.

وقرئ بالنّصب على إضمار صوموا أو على أنّه بدل من( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) أو مفعول( وَأَنْ تَصُومُوا ) . وفيه ضعف.

و «رمضان» مصدر رمض، إذا احترق. فأضيف إليه الشّهر. وجعل علما له.

ومنع من الصّرف للعلميّة والألف والنّون.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى الخثعمىّ، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: لا تقولوا «رمضان». ولكن قولوا «شهر رمضان». فانّكم لا تدرون ما رمضان؟

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٦٦.

(٢) أ: مسكين.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٧٢.

(٤) بل في فروع الكافي، ر. الكافي ٤ / ٦٩، ح ١.

٢٤٢

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: كنّا عنده ثمانية رجال. فذكرنا رمضان. فقال: لا تقولوا «هذا رمضان» ولا «ذهب رمضان» ولا «جاء رمضان». فإنّ «رمضان» اسم من أسماء الله ـ عزّ وجلّ. لا يجيء ولا يذهب. وإنّما يجيء ويذهب الزّائل.

ولكن قولوا «شهر رمضان». فالشّهر(٢) مضاف إلى الاسم. والاسم اسم الله عزّ ذكره. وهو الشّهر الّذي أنزل فيه القرآن. جعله مثلا وعيدا(٣) .

( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، الموصول بصلته خبر لمبتدأ او صفته والخبر «فمن شهد». أي: أنزل في شأنه القرآن. وهو قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، أو( أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ نزل منجّما.

وفي أصول الكافي(٤) ، عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) . وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره. فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: نزل القرآن جملة واحدة في جملة شهر رمضان، إلى البيت المعمور. ثمّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمّ قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان. وأنزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان. وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان. وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو الشّاميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان. واستقبل الشّهر بالقرآن.

ويمكن الجمع بين الخبرين، بحمل الإنزال جملة واحدة في ثلاث وعشرين

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٢) المصدر: فأن الشهر.

(٣) ليس في أ.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٨، ح ٦.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٦٥، ح ١.

٢٤٣

إلى البيت المعمور. وحمل الإنزال في أوّل اللّيلة، على ابتداء إنزاله منجّما إلى الدّنيا.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن سهيل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعا ـ عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول: نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام.

وفي أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما يكون بينكم.

أبو عليّ الأشعريّ،(٣) عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام.

والجمع بين الخبر الأوّل والثّاني، أنّ المراد بالخبر الأوّل، أنّ ثلث القرآن فينا وفي عدوّنا، بحسب بطونه، وإن كان بحسب ظاهر ألفاظه في شيء من السّنن والأحكام والقصص وغير ذلك. وثلثاه الآخران، ليسا كذلك.

والجمع بينه وبين الثّالث، بأن قائله أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وله لاختصاص ببعض الآيات لم يشركه فيها باقي الأئمّة ـ عليهم السّلام. وقائل الخبر الثّالث، أبو جعفر ـ عليه السّلام. ومراده ـ عليه السّلام ـ أنّ الرّبع يشترك فيه كلّنا.

وروى عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت: إنّ النّاس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال: كذبوا أعداء الله. ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) :

حالان من القرآن، أي: أنزل وهو هداية للنّاس، باعجازه، وآيات واضحات ممّا يهدي إلى الحقّ، ويفرق به بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٢٧، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦٢٨، ح ٤.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٣٠، ح ١٣.

٢٤٤

وفي كتاب معاني الأخبار(١) ، بإسناده إلى ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن «القرآن» و «الفرقان» أهما شيئان؟ أم شيء واحد؟

قال: فقال: «القرآن» جملة الكتاب. و «الفرقان» المحكم الواجب العمل به.

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ ) :

في الفاء إشعار بأنّ الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصّوم فيه.

( الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فيه.

وضع المظهر، موضع المضمر، للتّعظيم. نصب على الظّرف. وحذف الجارّ.

ونصب الضّمير على الاتّساع.

وقيل(٢) : من شهد منكم هلال الشّهر، فليصمه على أنّه مفعول به، كقولك شهدت يوم الجمعة، أي: صلاتها.

في كتاب الخصال(٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقوله تعالى:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وسأل عبيد بن زرارة، أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

[قال: ما أبينها من شهد فليصمه].(٥) ومن سافر، فلا يصمه.

وروى الحلبيّ(٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا. ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر.

فسكت. فسألته غير مرّة.

فقال: يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن الصّباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) معاني الاخبار / ١٨٩، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

(٣) الخصال ٢ / ٦١٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٩١، ح ٤٠٤.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكافي ٤ / ١٢٦، ح ٢.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٨٠، ح ١٨٦.

٢٤٥

ـ عليه السّلام: إن ابن يعقوب(١) أمرني أن أسألك عن مسائل.

فقال: وما هي؟

قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إليّ أن أسافر؟

قال: إنّ الله يقول:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) . فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله، فليس له أن يسافر، إلّا إلى الحج(٢) ، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه.

( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) :

مخصّص لسابقه. لأنّ المسافر والمريض ممّن شهد الشّهر. ولعلّ تكريره لذلك.

( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، أي: يريد أن ييسّر عليكم، ولا يعسّر عليكم. ولذلك أوجب الفطر للسّفر والمرض.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، قال: «اليسر» عليّ.

( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١٨٥): علل لفعل محذوف. دلّ عليه ما سبق، أي: شرع جملة ما ذكر من أمر الشّاهد بالصّوم والمسافر والمريض بالإفطار ومراعاة عدّة ما أفطر فيه، لتكملوا العدّة إلى آخرها، على سبيل اللّفّ. فإنّ قوله «ولتكملوا» علّة الأمر بمراعاة العدّة.( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ ) علّة أمر الشّاهد بالصّوم.( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) علّة أمر المسافر والمريض بالإفطار، أو لأفعال كلّ لفعله، أو معطوفة على علّة مقدّرة، مثل: ليسهّل عليكم، أو لتعملوا ما تعملون، ولتكملوا. ويجوز أن يعطف على «اليسر»، أي: يريد لكم لتكملوا، كقوله(٤) :( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ) .

والمعنى بالتّكبير وتعظيم الله، بالحمد والثّناء عليه. ولذلك عدّي بعلى. ومن جملته تكبير يوم الفطر.

وقيل(٥) : المراد التّكبير عند الإهلال. و «ما» يحتمل المصدر والخبر، أي: الّذي

__________________

(١) المصدر: ابن أبي يعفور. (ظ)

(٢) المصدر: لحج.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩١.

(٤) الصف / ٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

٢٤٦

هداكم إليه. وعن عاصم: ولتكملوا بالتّشديد.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام ثمّ اختزلها عن ايّام السّنة. والسّنة ثلاثمائة وأربعة(٢) وخمسون يوما.

شعبان لا يتمّ أبدا. ورمضان لا ينقص، والله أبدا. ولا تكون فريضة ناقصة. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) . وشوّال تسعة وعشرون يوما.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: جعلت فداك! ما نتحدث(٤) به عندنا أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين. أحقّ هذا؟

قال: ما خلق الله من هذا حرفا. ما صامه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا ثلاثين. لأنّ الله يقول:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينقصه؟

وفي الكافي(٥) : عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن سعيد النّقّاش. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لي: أما إنّ في الفطر تكبيرا ولكنّه مسنون(٦) .

قال: قلت: وأين هو؟

قال: في ليلة الفطر، في المغرب والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وفي صلاة العيد. ثمّ يقطع.

قال: قلت: كيف أقول؟

قال: تقول «الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلّا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد.

الله أكبر على ما هدانا.» وهو قول الله تعالى:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) ، يعني: الصّيام. ولتكبّروا الله على ما هداكم.

وفي محاسن البرقيّ(٧) ، عنه عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله

__________________

(١) الكافي ٤ / ٧٨، ح ٢.

(٢) المصدر: وأربع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩٤.

(٤) المصدر: يتحدث.

(٥) الكافي ٤ / ١٦٦، ح ١.

(٦) المصدر: مستور.

(٧) المحاسن / ١٤٢، ح ٣٦.

٢٤٧

( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) ، [قال: التكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(١) ، عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: التّكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(٢) ، عن بعض أصحابنا، في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٣) ( ]وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: الشّكر المعرفة.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، وفي العلل الّتي تروى عن الفضل بن شاذان النّيشابوريّ ـ رضي الله عنه. ويذكر أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ إنّه إنّما جعل يوم الفطر العيد ـ إلى أن قال ـ: وإنّما جعل التّكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصّلوات. لأنّ التّكبير إنّما هو تعظيم الله وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال ـ عزّ وجلّ:( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) : فقل لهم إنّي قريب.

وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطّلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.

روى(٥) أنّ أعرابيّا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أقريب ربّنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزلت.

( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) :

تقرير للقرب ووعد للدّاعي بالإجابة.

( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) إذا دعوتهم للإيمان والطّاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهمّاتهم.

( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) : أمر بالدّوام والثّبات.

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر / ١٤٩، ح ٦٥، هكذا: عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) قال: الشكر المعرفة، وفي قوله( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) فقال: الكفر، هاهنا، الخلاف. والشكر، الولاية والمعرفة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٣٠، ح ١٤٨٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

٢٤٨

( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١٨٦): راجين إصابة الرّشد. وهو إصابة الحقّ.

وقرئ بفتح الشّين وكسرها.

وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال لي أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: أخبرني عنك، لو أنّي قلت لك قولا، أكنت تثق به؟

فقلت له: جعلت فداك! إذا لم أثق بقولك فبمن أثق؟ وأنت حجّة الله على خلقه.

قال فكن بالله أوثق. فإنّك على موعد من الله. أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) . وقال(٢) :( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) وقال(٣) : والله( يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) . فكن بالله ـ عزّ وجلّ ـ أوثق منك بغيره. ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيرا. فإنّه مغفور لكم.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي روضة الكافي(٤) ، خطبة طويلة مسندة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام. يقول ـ عليه السّلام فيها: فاحترسوا من الله ـ عزّ وجلّ ـ بكثرة الذّكر. واخشوا منه بالتّقى وتقرّبوا إليه بالطّاعة فإنّه قريب مجيب. قال الله تعالى:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .

وفي نهج البلاغة(٥) : قال ـ عليه السّلام: ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه، من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمه. واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطك إبطاء إجابته. فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألته(٦) الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا(٧) وآجلا.(٨) وصرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالحال لا يبقى لك ولا تبقى له.

__________________

(١) الكافي ٢ / ١.

(٢) الزمر / ٥٣.

(٣) البقرة / ٢٦٨.

(٤) الكافي ٨ / ٣٩٠، ح ٥٨٦.

(٥) نهج البلاغة / ٣٩٩، ضمن رسائله ٣١.

(٦) المصدر: سألت.

(٧ و ٨) المصدر: أو. (ظ)

٢٤٩

وفيه(١) : قال ـ عليه السّلام: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ سل حاجتك. فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.

وفي مجمع البيان(٢) : روى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) »، أي: وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه،( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) »، أي: لعلّهم يصيبون الحقّ ويهتدون إليه.

وروى(٣) عن جابر بن عبد الله. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه. فيقول: يا جبرائيل! لا تقض(٤) لعبدي هذا حاجته. وأخّرها. فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته. وإنّ العبد ليدعو الله وهو مبغضه(٥) فيقول: يا جبرئيل! اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجّلها. فإنّي أكره أن أسمع صوته.

ثمّ بيّن أحكام الصّوم، فقال :

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) :

( لَيْلَةَ الصِّيامِ ) »، اللّيلة الّتي يصبح منها صائما.

و «الرّفث» كناية عن الجماع لأنّه لا يكاد يخلو من رفث. وهو الإفصاح بما يجب أن يكنّى عنه. وعدّي بإلى، لتضمّنه معنى الإفضاء وإيثاره، هاهنا، لتقبيح ما ارتكبوه.

ولذلك سمّاه خيانة. وقرئ الرّفوث.

وفي كتاب الخصال(٦) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه من الأربعمائة باب. قال ـ عليه السّلام: يستحبّ للرّجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان، لقوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» والرّفث، المجامعة.

وفي الكافي(٧) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن القسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه ـ عليهم السّلام: أنّ عليّا ـ صلوات الله عليه ـ قال: يستحبّ للرّجل أن

__________________

(١) نفس المصدر / ٥٣٨، حكمة ٣٦١.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٧٩.

(٤) النسخ: اقض.

(٥) المصدر: يبغضه.

(٦) الخصال ٢ / ٦١٢.

(٧) الكافي ٤ / ١٨٠، ح ٣.

٢٥٠

يأتي أهله (وذكر كما في كتاب الخصال، سواء).

وفي مجمع البيان(١) : وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ كراهية الجماع في أوّل ليلة من كلّ شهر، ألا أوّل ليلة من شهر رمضان. فإنّه يستحبّ ذلك، لمكان الآية.

( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) :

استئناف يبين سبب الإحلال، وهو قلّة الصّبر عنهنّ وصعوبة اجتنابهنّ، لكثرة المخالطة وشدّة الملابسة، ولما كان الرّجل والمرأة يعتنقان، ويشتمل كلّ منهما على صاحبه شبّه باللّباس، أو لأنّ كلّ واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور.

( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) : تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظّها من الثّواب.

والاختيان أبلغ من الخيانة، كالاكتساب من الكسب.

( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) لـمّا تبتم ما اقترفتموه.

( وَعَفا عَنْكُمْ ) : ومحى عنكم أثره.

( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ ) : نسخ عنكم التّحريم والمباشرة.

إلزاق البشرة بالبشرة، كنّى به عن الجماع.

( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) :

واطلبوا ما قدّره لكم. وأثبته في اللّوح من الولد.

( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) : شبّه أوّل ما يبدو في الفجر المعترض في الأفق وما يمتدّ معه من غلس اللّيل، بخيطين أبيض وأسود. واكتفى ببيان الخيط الأبيض، لقوله «من الفجر» عن بيان الخيط الأسود، لدلالته عليه. وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التّمثيل. ويجوز أن يكون «من» للتّبعيض. فإنّ ما يبدو بعض الفجر.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٠.

(٢) الكافي ٤ / ٩٨، ح ٤.

٢٥١

أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» الآية. فقال: نزلت في خوات بين جبير الأنصاري. وكان مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الخندق. وهو صائم. فأمسى، وهو على تلك الحال. وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم، حرّم عليه الطّعام والشّراب. فجاء خوات إلى أهله حين أمسى.

فقال: هل عندكم طعام؟

قالوا(١) : لا تنم حتى نصلح لك طعاما. فاتكا فنام.

فقالوا له: قد فعلت.

قال: نعم.

فبات على تلك الحال. فأصبح. ثمّ غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمرّ به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فلمّا رأى الّذي أخبره به كيف كان أمره، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الآية:( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثني أبي ـ رفعه(٣) . قال: قال الصّادق ـ عليه السّلام: كان النّكاح والأكل، محرّمان(٤) في شهر رمضان، باللّيل بعد النّوم، يعني: كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه، حرّم عليه الإفطار. وكان النّكاح حراما باللّيل والنّهار، في شهر رمضان. وكان رجل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقال له خوات بن جبير، أخو عبد الله بن جبير الّذي كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكّله بفم الشّعب، يوم أحد، في خمسين من الرّماة، ففارقه أصحابه، بقي في اثني عشر رجلا، فقتل على باب الشّعب. وكان أخوه هذا، خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا. وكان صائما.

فأبطأت عليه أهله بالطّعام. فنام قبل أن يفطر. فلمّا انتبه قال لأهله: «قد حرّم عليّ الأكل في هذه اللّيلة.» فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه. فرآه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرّق له. وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل، سرّا في شهر رمضان فأنزل الله:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ. عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ

__________________

(١) المصدر: فقالوا: لا.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٦، بتفاوت.

(٣) أ: رفعة.

(٤) كذا في أور وفي المصدر وفي الأصل: محرما.

٢٥٢

وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فأحلّ الله ـ تبارك وتعالى ـ النّكاح باللّيل، في شهر رمضان، والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر لقوله:( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ».

قال: هو بياض النّهار من سواد اللّيل.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : وسئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

فقال: بياض النّهار من سواد اللّيل.

وقال في خبر آخر(٢) : هو الفجر الّذي لا شكّ فيه.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحسين(٤) إلى أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ معي: جعلت فداك! قد اختلف مواليك(٥) في صلاة الفجر. فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء.

ومنهم من يصلّي إذا اعترض مع أسفل الأفق واستبان. ولست أعرف أفضل الوقتين، فأصلّي فيه. فإن رأيت أن تعلّمنى أفضل الوقتين. وتحدّه لي. وكيف أصنع مع القمر والفجر؟ لأتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السّفر والحضر؟ فعلت ـ إن شاء الله.

فكتب ـ عليه السّلام ـ بخطه وقراءته: الفجر ـ يرحمك الله ـ هو الخيط الأبيض المعترض، ليس هو الأبيض صعدا. فلا تصلّ في سفر ولا حضر، حتّى تتبيّنه. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل خلقه في شبهة من هذا. فقال( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) .» فالخيط الأبيض، هو المعترض الّذي يحرم به الأكل والشّرب في الصّوم. وكذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران وقال: سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر. فقال أحدهما: هو ذا.» وقال الآخر: «ما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٢، ح ٣٦٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٦٤.

(٣) الكافي ٣ / ٢٨٢، ح ١.

(٤) المصدر: الحصين.

(٥) المصدر: مواليك. (ظ)

(٦) نفس المصدر ٤ / ٩٧، ح ٧.

٢٥٣

أرى شيئا.» قال: فليأكل الّذي لم يتبيّن له الفجر. وقد حرّم على الّذي زعم أنّه رأى الفجر. إنّ الله يقول:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) .» من الفجر.

( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) :

بيان آخر وقته. وإخراج اللّيل عنه. فينفى صوم الوصال.

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فظنّوا أنّه ليل، فأفطروا. ثمّ أنّ السّحاب انجلى. فإذا الشّمس.

فقال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٢) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا.

[عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فرأوا أنّه اللّيل، فأفطر بعضهم، ثمّ أنّ السّحاب انجلى، فإذا الشّمس، قال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٤) : و( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا].(٥)

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : القاسم بن سليمان، عن جراح، عنه(٧) قال: قال الله:( ثُمَ ) (٨) ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) »، يعني: صوم(٩) رمضان فمن رأى الهلال(١٠) بالنّهار، فليتمّ صيامه.

( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) : معتكفون فيها.

والاعتكاف، هو اللّبث في المسجد، لقصد القربة.

او المراد بالمباشرة، الوطء.

وعن قتادة(١١) : كان الرّجل يعتكف، فيخرج إلى امرأته، فيباشرها، ثمّ يرجع فنهوا

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ١.

(٢) الأصل ور والمصدر: و.

(٣) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ٢. (٤) ثم. (ظ)

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ. (٦) تفسير العياشي ١ / ٨٤، ح ٢٠١.

(٧) المصدر: عن الصادق ـ عليه السّلام.

(٨) كذا في أ. وفي المصدر والأصل ور: و.

(٩) المصدر: صيام.

(١٠) المصدر: هلال الشوال. (١١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٣.

٢٥٤

عن ذلك.

وفي كتاب الخصال(١) ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم الله تعالى من الفروج في القرآن، وعمّا حرّمه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سنّته(٢) .

فقال: الّذي حرّم الله من ذلك، أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السّنّة. وأمّا الّتي في القرآن: فالزّنا ـ إلى قوله عليه السّلام ـ والنّكاح في الاعتكاف، لقوله تعالى:( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ )

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد، في بعض مساجدها؟

فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة.

ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة.

سهل بن زياد(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا اعتكاف إلّا في العشرين من شهر رمضان.

وقال: إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان يقول لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرّسول، أو مسجد جامع. ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد، إلّا لحاجة لا بدّ منها. ثمّ لا يجلس حتّى يرجع(٥) . والمرأة مثل ذلك.

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن الاعتكاف.

قال: لا يصلح الاعتكاف الّا في مسجد الحرام، أو مسجد الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا.

واعلم أنّه ينبغي حمل مسجد الجماعة في الأخبار الّتي وقع فيها، على مسجد جمع فيه

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٣٢، ح ١٠.

(٢) أور: سنة.

(٣) الكافي ٤ / ١٧٦، ح ١.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٥) ر: ثم لا يجلس يرجع حتى لا يرجع.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٥٥

الإمام العدل، ليطابق الخبر الأوّل.

( تِلْكَ ) ، أي: الأحكام الّتي ذكرت،( حُدُودُ اللهِ ) : حدود قرّرها الله.

( فَلا تَقْرَبُوها ) : نهى أن يقرَب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل، لئلّا يدانى الباطل، فضلا على أن يتخطّى

، كما قال ـ عليه السّلام(١) : إنّ لكلّ ملك حمى. وإن حمى الله محارمه. فمن رتع حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.

وهو أبلغ من قوله: «فلا تعتدوها.» ويجوز أن يريد بحدود الله، محارمه ومناهيه.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك التّبيين،( يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (١٨٧) مخالفة الأوامر والنّواهي.

( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) ، أي: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الّذي لم يبحه الله.

و «بين» نصب على الظّرف، أو الحال من «الأموال.»( وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) : عطف على النّهي، أو نصب بإضمار «أن.» والإدلاء: الإلقاء، أي: ولا تلقوا حكومتها إلى حكّام الجور،( لِتَأْكُلُوا ) بالتّحاكم،( فَرِيقاً ) : طائفة،( مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ) : بما يوجب إثما، كشهادة الزّور، أو اليمين الكاذبة، أو متلبّسين بالإثم،( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٨): أنّكم مبطلون. فإنّ ارتكاب المعصية مع العلم بها أقبح.

وفي الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن زياد بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) .» فقال: كانت قريش يتغامز(٣) الرّجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) الكافي ٥ / ١٢٢، ح ١.

(٣) كذا في الأصل ور. وفي المصدر: تقامر. والظاهر: تتقامر.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٤١١، ح ٣.

٢٥٦

عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) .» فقال: يا أبا بصير! إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد علم أنّ في الأمّة حكّاما يجورون. أما إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور.

وفي تفسير العيّاشى(١) : عن الحسن بن عليّ قال: قرأت في كتاب أبي الأسد.

إلى أبي الحسن الثاني(٢) ـ عليه السّلام ـ وجوابه بخطّه سأل: ما تفسير قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) »؟

قال: فكتب إليه الحكّام القضاة.

قال: ثمّ كتب تحته: هو أن يعلم الرّجل، أنّه ظالم عاص. هو غير معذور في أخذه ذلك الّذي حكم له به، إذا كان قد علم أنّه ظالم.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : روى سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: الرّجل منّا يكون عنده الشّيء يتبلّغ به وعليه الدّين. أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله ـ عزّ وجلّ ـ بميسرة، فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسبة؟ أو يقبل الصّدقة؟

فقال: يقضي بما عنده دينه. ولا يأكل أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ )

وفي مجمع البيان(٤) : وروى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه يعنى بالباطل: اليمين الكاذبة، يقطع بها(٥) الأموال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) » (الآية) فإنّه قال العالم ـ عليه السّلام: قد علم الله أنّه يكون حكّام(٧) يحكمون بغير الحقّ. فنهى أن يحاكم(٨) إليهم لأنّهم(٩) لا يحاكمون بالحقّ، فتبطل الأموال.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٨٥، ح ٢٠٦.

(٢) كذا في المصدر وفي تفسير البرهان ١ / ١٨٨. وفي النسخ: الثالث.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١١٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٨٢.

(٥) المصدر: يقتطع به. (ظ)

(٦) تفسير القمي ١ / ٦٧.

(٧) المصدر: حكاما.

(٨) المصدر: يتحاكم.

(٩) المصدر: فانّهم.

٢٥٧

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) :

سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم(١) فقالا: ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتّى يستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ؟

( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) :

إنّهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر، وتبدّل أمره. فأمره الله أن يجيب بأنّ الحكمة الظّاهرة في ذلك أن يكون معالم للنّاس. يؤقّتون بها أمورهم ومعالم للعبادات المؤقّتة. يعرف بها أوقاتها. وخصوصا الحجّ. فإنّ الوقت مراعى فيه، أداء وقضاء.

والمواقيت، جمع ميقات، من الوقت. والفرق بينه وبين المدّة والزّمان، أنّ المدّة المطلقة، امتداد حركة الفلك، من مبدئها إلى منتهاها. والزّمان مدّة مقسومة. والوقت، الزّمان المفروض لأمر.

وفي تهذيب الأحكام(٢) : عليّ بن حسن بن فضّال قال: حدّثني محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الأهلّة.

قال: هي أهلّة الشّهور. فإذا رأيت الهلال، فصم. وإذا رأيته، فأفطر.

عليّ بن الحسن بن فضّال(٣) ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر العبديّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول: صم حين يصوم الناس. وأفطر حين يفطر النّاس. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل الأهلّة مواقيت.

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود(٤) قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن سعيد عن الحسين(٥) بن القسم، عن عليّ بن إبراهيم. قال: حدّثني أحمد بن عيسى بن عبد الله، عن عبد الله بن عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) »، قال: لصومهم وفطرهم وحجهم.

( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ) :

وجه اتّصاله بما قبله أنّهم سألوا عن الأمرين، أو أنّه(٦) لـمّا سألوا عمّا لا يعنونه، ولا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ١٦١، ح ٤٥٥.

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٦٤، ح ٤٦٢.

(٤) نفس المصدر ٤ / ١٦٦، ح ٤٧٣.

(٥) المصدر: الحسن.

(٦) أ: أو أنّه لـمّا سألوا عن الأمرين، أو انّه.

٢٥٨

يتعلّق بعلم النّبوّة، وتركوا السّؤال عمّا يعنونه، ويختصّ بعلم النّبوّة، عقّب بذكره جواب ما سألوه، تنبيها على أنّ اللائق لهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتمّوا بالعلم بها. أو أنّ المراد به التّنبيه على تعكيسهم السّؤال وتمثيلهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه.

والمعنى: وليس البرّ أن تعكسوا في مسائلكم ولكنّ البرّ من اتّقى ذلك، ولم يجسر على مثله.

( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ، إذ ليس في العدول برّ.

في مجمع البيان(١) : فيه وجوه :

أحدها ـ أنّه كان المجرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها. ولكنّهم كانوا يتنقّبون(٢) في ظهور بيوتهم، أي: في مؤخّرها نقبا يدخلون ويخرجون منه. فنهوا عن التّديّن بذلك. رواه أبو الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثانيها ـ أنّ معناه ليس البرّ بأن تأتوا الأمور(٣) من غير جهاتها. وينبغي أن تؤتى(٤) الأمور من جهاتها، أيّ الأمور كان. وهو المرويّ عن جابر عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثالثها ـ وقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاء عليها، إلى يوم القيامة، وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم. وعلىّ بابها. ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ويروى: أنا مدينة الحكمة.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الأصبغ بن نباتة. قال: كنت عند أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فجاءه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين! قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ».

فقال ـ عليه السّلام: نحن البيوت الّتي أمر الله أن تؤتى من أبوابها. نحن باب الله وبيوته الّتي يؤتى منها(٦) . فمن بايعنا وأقرّ بولايتنا، فقد أتى البيوت من أبوابها. ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لو شاء عرّف النّاس

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٤.

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: ينقبون. (ظ)

(٣) المصدر: البيوت.

(٤) المصدر: تأتوا.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٣٨.

(٦) المصدر: منه.

٢٥٩

نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه(١) من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

قال: فمن(٢) عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها.

وإنّهم عن الصّراط لنا كبون.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام(٣) ـ في حديث طويل وفيه: وقد جعل الله للعلم أهلا. وفرض على العباد طاعتهم بقوله:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء. وأبوابها أوصياؤهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن هذه الآية( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) .

فقال: آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة الى الجنّة والقادة إليها والادلّاء عليها، إلى يوم القيامة.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٥) :](٦) ويؤيّده ما رواه محمّد بن يعقوب ـ ره ـ عن عليّ(٧) بن(٨) محمّد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القسم(٩) ، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: الأوصياء هم أبواب الله ـ عزّ وجلّ ـ التي يؤتى منها.

ولولاهم ما عرف الله ـ عزّ وجلّ. وبهم احتجّ على خلقه.

وروى في معنى «من يأتى البيوت من غير أبوابها» ما رواه أبو عمرو الزّاهد(١٠) ، في كتابه، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت له: إنّا نرى الرّجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع. فهل ينفعه ذلك؟

فقال: يا أبا محمّد! إنّما مثلهم كمثل أهل بيت في بني إسرائيل. كان إذا اجتهد أحد منهم أربعين ليلة، ودعا الله أجيب. وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا الله ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: يعرفونه ويأتونه.

(٢) المصدر: فقال فيمن.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٦٩.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٨٦، ح ٢١٠.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: معلّى.

(٨) المصدر وأ: عن.

(٩) المصدر ور وأ: القاسم.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢٦٠

فلم يستجب له فأتى عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ يشكو إليه ما هو فيه. ويسأله الدّعاء له.

قال: فتظهّر عيسى ـ عليه السّلام. ثمّ دعا الله. فأوحى الله إليه. يا عيسى! إنّه أتانى من غير الباب الّذي يؤتى(١) منه. إنّه دعاني وفي قلبه شكّ منك. فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتشر أنامله، ما استجبت له.

قال: فالتفت عيسى ـ عليه السّلام ـ [اليه].(٢) وقال [له]:(٣) تدعو ربك وفي قلبك شكّ من نبيّه؟

فقال: يا روح الله وكلمته! قد كان ما قلت. فأسال الله أن يذهب به عنّي.

فدعا له عيسى ـ عليه السّلام. فتقبّل الله فيه(٤) . وصار الرّجل من جملة اهل بيته. وكذلك نحن أهل البيت. لا يقبل الله عمل عبد(٥) ، وهو يشك فينا.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في تغيير أحكامه،( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١٨٩): لكي تظفروا بالهدى والبرّ.

( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) : جاهدوا لإعلاء كلمته وإعزاز دينه.

( الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) :

قيل(٦) : كان ذلك قبل أن أمروا بقتال المشركين كافّة المقاتل منهم والمحاجز.

وقيل(٧) : معناه الّذين يناصبونكم القتال ويتوقّع منهم القتال، دون غيرهم، من المشايخ والصبيان والرهبان والنّساء، او الكفرة كلهم. فإنّهم بصدد قتال المسلمين وعلى قصده.

وفي مجمع البيان(٨) : المرويّ عن أئمتنا ـ عليهم السّلام ـ أنّ هذه الآية ناسخة(٩) لقوله تعالى(١٠) :( كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) . وكذلك قوله(١١) :( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) ، ناسخ لقوله(١٢) :

__________________

(١) النسخ: اتوى.

(٢ و ٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: منه.

(٥) المصدر: عبده.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٠٥.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) مجمع البيان ١ / ٢٨٥.

(٩) ر: منسوخة.

(١٠) النساء / ٧٧.

(١١) البقرة / ١٣٠.

(١٢) الأحزاب / ٤٨.

٢٦١

( وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ ) .

( وَلا تَعْتَدُوا ) بابتداء القتال، أو بقتال المعاهد، أو المفاجأة، من غير دعوة، أو المثلة، أو قتل من نهيتم عن قتله من النّساء والصّبيان.

( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١٩٠): لا يريد بهم الخير.

( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) : حيث وجدتموهم، في حلّ أو حرم.

وأصل الثّقف، الحذق في إدراك الشّيء، علما كان أو عملا. فهو يتضمّن معنى الغلبة. ولذلك استعمل فيها.

قال(١) :

فأمّا تثقفوني فاقتلوني

فمن أثقف فليس إلى خلود

( وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) ، أي: مكّة. وقد فعل ذلك لمن لم يؤمن يوم الفتح.

( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) ، أي: المحنة الّتي يفتتن بها الإنسان كالإخراج من الوطن، أصعب من القتل، لدوام تعبها وتألّم النّفس بها.

وقيل(٢) : معناه شركهم في الحرم، وصدّهم إيّاكم عنه، أشدّ من قتلكم إيّاهم فيه.

( وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ) ، أي: لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة المسجد.

( فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) : فلا تبالوا بقتالهم ثمّة. فإنّهم الّذين هتكوا حرمته.

وقرأ حمزة والكسائيّ(٣) : ولا تقتلوهم حتّى يقتلوكم فإن قتلوكم. والمعنى: حتّى يقتلوا بعضكم(٤) .

( كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ) (١٩١): مثل ذلك جزاؤهم. يفعل بهم، مثل ما فعلوا.

( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عن القتال والكفر،( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١٩٢): يغفر لهم ما قد سلف.

( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) : شرك.

( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) خالصا ليس للشّيطان فيه نصيب.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) أ: بعضهم.

٢٦٢

وفي مجمع البيان(١) : وفي الآية دلالة على وجوب إخراج الكفّار من مكّة، لقوله :( حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) . والسّنّة، أيضا، قد وردت بذلك. وهو قوله ـ عليه السّلام: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان.

( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عن الشرك،( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١٩٣) أي: لا تعتدوا عليهم إذ لا يحسن الظّلم، إلّا على من ظلم. فوضع العلّة موضع الحكم. وسمّى جزاء الظّلم باسمه، للمشاكلة. أو إنّكم إن تعرّضتم للمنتهين، صرتم ظالمين ويحسن العدوان عليكم.

و «الفاء» الأولى، للتّعقيب، والثّانية، للجزاء.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن الحسن بياع(٣) الهرويّ، يرفعه عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوله:( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) ، قال: إلّا على ذرّيّة قتلة الحسين ـ عليه السّلام.

عليّ بن ابراهيم(٤) قال: أخبر من رواه عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: لا عدوان إلّا على الظّالمين.

قال: لا يعتدي الله على أحد إلّا على نسل(٥) ولد قتلة الحسين ـ عليه السّلام.

وفي هذا الخبر، إشكال بحسب المعنى. لأنّه إن أريد بالاعتداء الزّيادة في العذاب.

على قدر(٦) العمل، لا يجوز إسناده إلى الله ـ عزّ وجلّ. لأنّه عدل. لا يجوز. وإن أريد مجازاة العمل القبيح، لا يختصّ بذرّيّة قتلة الحسين ـ عليه السّلام. وأيضا الإشكال في مؤاخذة ذرّيّة قتلة الحسين ـ عليه السّلام ـ بأعمال آبائهم.

ويمكن أن يقال: المراد بالاعتداء، العذاب الغليظ المتجاوز عمّا يحيط به العقل.

وذلك بسبب شدّة قبح أعمال آبائهم. والقبيح منهم الرّضا بفعال أسلافهم. وعدم(٧) اللّعن عليهم في ليلهم ونهارهم وقبيح عمل غيرهم ليس بهذه المثابة وإن كان ملحقا بهم ومن جملتهم. فيحسن الاعتداء بهذا المعنى عليه، أيضا.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٦.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٨٦، ح ٢١٤.

(٣) كذا في المصدر وفي النسخ. والظاهر أنّه «البياع».

(٤) نفس المصدر ١ / ٨٧، ح ٢١٦.

(٥) ليس في أ.

(٦) ر: بقدر.

(٧) أ: وعدهم.

٢٦٣

( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ ) :

قيل(١) : قاتلهم المشركون عام الحديبية، في ذي القعدة. واتّفق خروجهم لعمرة القضاء فيه. فكرهوا أن يقاتلوهم فيه، لحرمته. فقيل لهم: هذا الشّهر بذاك. وهتكه بهتكه.

فلا تبالوا به.

( وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) ، أي: كلّ حرمة يجرى فيها القصاص: فلمّا هتكوا حرمة شهركم بالصّدّ، فافعلوا مثله.

وفي مجمع البيان(٢) : والحرمات قصاص، قيل(٣) : [فيه قولان: أحدهما ـ أنّ الحرمات قصاص بالمراغمة](٤) بدخول البيت في الشّهر الحرام.

قال(٥) مجاهد: لأنّ قريشا فخرت بردّها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عام الحديبية، محرما في ذي القعدة، عن البلد الحرام. فأدخله الله ـ عزّ وجلّ ـ مكّة في العام المقبل، في ذي القعدة. فقضى عمرته. واقتصّه(٦) بما حيل بينه وبينه.

قال(٧) : وروى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٨) : عن العلا بن فضيل قال: سألته عن المشركين، أيبتدئهم(٩) المسلمون بالقتال في الشّهر الحرام؟

فقال: إذا كان المشركون ابتدؤوهم باستحلالهم، ثمّ رأى المسلمون انّهم يظهرون عليهم فيه. وذلك قوله( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) .

( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) في الحرم،( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) في الحرم.

وفي تهذيب الأحكام(١٠) : موسى بن القسم، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: رجل قتل رجلا في الحرم. وسرق في الحرم.

فقال: يقام عليه الحدّ وصغار له. لأنّه لم ير للحرم حرمة. وقد قال الله تعالى :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٦.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٣) ليس في ر.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) أ: أقتضاه. المصدر: أقصه.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٨٦، ح ٢١٥.

(٩) أو المصدر: أيبتدء بهم.

(١٠) تهذيب الأحكام ٥ / ٤١٩، ح ١٤٥٦.

٢٦٤

[( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ]) (١) ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ، يعني: في الحرم. وقال:( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) .

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في الانتصار. ولا تعتدوا إلى(٢) ما لم يرخّص لكم.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . (١٩٤): فيحرسهم ويصلح شأنهم.

( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) . ولا تمسكوا كلّ الإمساك.

( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكفّ عن الغزو والإنفاق فيه. فإنّه يقوّي العدوّ ويسلّطهم على إهلاككم، أو بالإمساك وحبّ المال. فإنّه يؤدّى إلى الهلاك المؤبّد. ولذلك سمّي البخل، هلاكا. وهو في الأصل انتهاء الشّيء في الفساد والإلقاء طرح الشّيء.

وعدّي بإلى، لتضمّن معنى الانتهاء.

والباء مزيدة.

والمراد بالأيدي، الأنفس.

والتّهلكة والهلاك والهلك، واحد فهي مصدر، كالتّضرّة والتّسرّة، أي: لا توقعوا أنفسكم في الهلاك.

وقيل(٣) : معناه لا تجعلوها أخذة بأيديكم. أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها. فحذف المفعول.

[( وَأَحْسِنُوا ) أعمالكم وأخلاقكم. وتفضّلوا على المحاويج.

( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١٩٥) ويجازيهم أحسن جزاء على الإحسان].(٤)

وفي الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن حمّاد اللّحّام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لو أنّ رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل الله، ما كان أحسن ولا أوفق. أليس يقول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ؟ يعني: المقتصدين.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الظاهر: على.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٠٦.

(٤) ما بين المعقوفتين يوجد في أ، فقط.

(٥) الكافي ٤ / ٥٣، ح ٧.

٢٦٥

وفي عيون الأخبار(١) ، في باب ذكر مولد الرّضا ـ عليه السّلام: ملك عبد الله المأمون عشرين(٢) سنة وثلث وعشرين يوما. فأخذ في(٣) البيعة في ملكه لعليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ بعهد المسلمين من غبر رضاه. وذلك بعد أن تهدّده(٤) بالقتل وألحّ عليه مرّة بعد أخرى، في كلّها يأتى(٥) عليه من(٦) يأتيه(٧) حتى أشرف على الهلاك. فقال ـ عليه السّلام: أللّهمّ إنّك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التّهلكة. وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى(٨) لم أقبل ولاية عهده. وقد أكرهت واضطررت كما اضطرّ يوسف ودانيال ـ عليهما السّلام ـ إذ قبل كلّ واحد منهما الولاية من طاغية زمانه.

اللهمّ لا عهد إلّا عهدك ولا ولاية(٩) إلّا من قبلك. فوفّقني لإقامة دينك وإحياء سنّة نبيّك.

فإنّك أنت المولى(١٠) والنّصير. ونعم المولى أنت ونعم النّصير.

ثمّ قبل ولاية العهد من المأمون وهو باك حزين على أن لا يوالي أحدا، ولا يعزل أحدا، ولا يغيّر رسما(١١) ولا سنّة. وأن يكون في الأمر مشيرا(١٢) من بعيد.

وفي خبر آخر طويل(١٣) ، قال له المأمون، بعد أن أبى من قبول العهد: فبالله أقسم، لئن قبلت ولاية العهد. وإلّا أجبرتك على ذلك. فإن فعلت وإلّا ضربت عنقك.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: قد نهاني الله ـ عزّ وجلّ ـ أن ألقي بيدي الى التّهلكة.

فإن كان الأمر على هذا، فافعل ما بدأك. فأنا(١٤) أقبل على أن(١٥) لا أوالي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنّة. وأكون في الأمر من بعيد مشيرا.

فرضي منه بذلك فجعله(١٦) وليّ عهده على كراهة منه ـ عليه السّلام ـ لذلك(١٧) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ / ١٦، ح ١.

(٢) ليس في ر.

(٣) ليس في المصدر. (ظ)

(٤) المصدر: هدّده.

(٥) المصدر: يأبي. (ظ)

(٦) المصدر: حتّى أشرف من.

(٧) المصدر: تأبيه.

(٨) المصدر: منى إن.

(٩) المصدر: ولاية لي.

(١٠) المصدر: وأنت.

(١١) ر: رسم. (١٢) ر: بشير.(١٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١٤) المصدر: وإنّا. (ظ) (١٥) المصدر: أنّي. (١٦) المصدر: وجعله. (ظ) (١٧) المصدر: بذلك.

٢٦٦

وفي من لا يحضره الفقيه(١) ، في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: وحقّ السّلطان، أن تعلم أنّك جعلت له فتنة. وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله ـ عزّ وجلّ ـ له عليك من السّلطان. وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه، فتلقى بيدك إلى التّهلكة. وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٢) ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ ـ رحمه الله ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل. يقول فيه لعليّ ـ عليه السّلام: يا أخي! أنت سيفي(٣) من بعدي وستلقى من قريش شدّة. ومن تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت عليهم أعوانا، فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك.

وإن لم تجد أعوانا، فاصبر وكفّ يدك ولسانك. ولا تلق بها إلى التّهلكة.

وفي أصول الكافي(٤) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرّضا ـ عليه السّلام: أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قد عرف قاتله واللّيلة التي يقتل فيها والموضع الّذي يقتل فيه. وقوله لـمّا سمع صياح الإوزّ في الدّار: «صوائح تتبعها نوائح.» وقول أمّ كلثوم: «لو صلّيت اللّيلة داخل الدّار. وأمرت غيرك يصلّي بالنّاس.» فأبى عليها. وكثر دخوله وخروجه تلك اللّيلة بلا سلاح. وقد عرف ـ عليه السّلام ـ أنّ ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قاتله بالسّيف. كان هذا ممّا لا يحسن(٥) تعرّضه.

فقال: ذلك كان ولكنّه جبن(٦) في تلك اللّيلة لتمضي مقادير الله ـ عزّ وجلّ.

وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله(٧) ـ بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: طاعة السّلطان، واجبة. ومن ترك طاعة السّلطان، فقد ترك طاعة الله. ودخل في نهيه. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .

[وأحسنوا أعمالكم وأخلاقكم. وتفضّلوا على المحاويج. إنّ الله يحبّ المحسنين.

ويجازيهم أحسن جزاء على الإحسان.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٧٧، ح ١٦٢٦.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٦٤، ح ١٠.

(٣) المصدر: ستبقى. (ظ)

(٤) الكافي ١ / ٢٥٩، ح ٤.

(٥) المصدر: لم يجز.

(٦) المصدر: خيّر. (ظ)

(٧) أمالى الصدوق / ٢٧٧، مجلس ٥٤، ح ٢٠.

٢٦٧

وفي محاسن البرقيّ(١) ، عنه، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إذا أحسن المؤمن عمله، ضاعف الله عمله بكلّ حسنة سبعمائة. وذلك قول الله ـ تبارك وتعالى:( يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) . فأحسنوا أعمالكم الّتي يعملونها لثواب الله.

فقلت له: وما الإحسان؟

قال: فقال: إذا صلّيت، فأحسن ركوعك وسجودك. وإذا صمت، فتوقّ كلّ ما فيه فساد صومك. وإذا حججت، فتوقّ ما يحرم عليك في حجّك وعمرتك.

قال: وكلّ عمل يعمله لله، فليكن نقيّا من الدّنس(٢) .]

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، أي ائتوا بهما تأمين لوجه الله. وهو يدلّ على وجوبهما.

وفي مجمع البيان(٣) :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، أي: أتمّوهما بمناسكهما وحدودهما وتأدية كلّ ما فيهما.

وقيل: أقيموهما إلى آخر ما فيهما. وهو المرويّ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وعلي بن الحسين ـ عليهما السّلام.

والظّاهر أنّ ما ذكره من المعنيين، مع ما أوردنا، متّحد.

وفي عيون الأخبار(٤) ، في باب ما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ للمأمون، من محض الإسلام وشرائع الدّين: ولا يجوز القرآن والإفراد الّذي يستعمله العامّة إلّا لأهل مكّة وحاضريها. ولا يجوز الإحرام دون الميقات. قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) .

وفي كتاب الخصال(٥) : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال: هذه شرائع الدّين ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ ولا يجوز القرآن والإفراد إلّا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام. ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لمرض أو تقيّة. وقد قال الله تعالى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وتمامهما اجتناب الرّفث والفسوق والجدال، في الحجّ.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضى الله

__________________

(١) المحاسن / ٢٥٤، ح ٢٨٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٩٠.

(٤) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٢، ح ١.

(٥) الخصال ٢ / ٦٠٦، ح ٩.

(٦) علل الشرائع ٢ / ٤٠٨، ح ١.

٢٦٨

عنه. قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير. وحمّاد وصفوان بن يحيى وفضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: العمرة واجبة على الخلق، بمنزلة الحجّ من استطاع. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة. وأفضل العمرة، عمرة رجب.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضى الله عنه(١) ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن حمّاد بن عيسى، عن أبان بن عثمان، عمّن أخبره، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: لم سمّي الحجّ، حجّا؟

قال: حجّ فلان، أي: أفلح فلان.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة.

قال: كتبت إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، يعني به: الحجّ والعمرة، جميعا. لأنّهما مفروضان.

وسألته عن قول الله تعالى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . قال: يعني بتمامهما أداءهما واتّقاء ما يتّقى المحرم فبهما.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

الحسين بن محمّد(٣) عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ، عن أبان(٤) ، عن الفضل [بن شاذان، عن](٥) أبي العبّاس، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، قال: هما مفروضان.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، في قول الله تعالى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، قال: إتمامهما أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤١١، ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٢٦٤، ح ١.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٢٦٥، ح ٢.

(٤) المصدر: أبان بن عثمان.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) نفس المصدر ٤ / ٣٧٧، ح ٢.

٢٦٩

ابن أبي عمير(١) ، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع. لأنّ الله تعالى يقول:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة.

قال: قلت له: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ أيجزي ذلك عنه؟

قال: نعم.

وفي تهذيب الأحكام(٢) : روى موسى بن القسم، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ. لأنّ الله تعالى يقول:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة.

وفي الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن جابر، عن أبي جعفر(٤) ـ عليه السّلام ـ قال: تمام الحجّ لقاء الإمام.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى. وابن أبي عمير، جميعا، عن معاوية بن عمّار ـ قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى الله، وذكر الله كثيرا، وقلّة الكلام، إلّا بخير. فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه، إلّا من خير، كما قال الله تعالى. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) . (الحديث).

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى إسماعيل بن مهران، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال: إذا حجّ أحدكم، فليختم حجّه بزيارتنا. لأنّ ذلك من تمام الحجّ.

( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) : منعتم.

يقال: حصره العدوّ، وأحصره، إذا حبسه ومنعه عن المضيّ، مثل: صدّ وأصدّ.

قيل(٧) : المراد حصر العدوّ، لقوله تعالى( فَإِذا أَمِنْتُمْ ) ، ولنزوله في الحديبية، ولقول

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٢٦٥، ح ٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٣٣، ح ١٥٠٢.

(٣) الكافي ٤ / ٥٤٩، ح ٢.

(٤) ر: أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٣٣٧، ح ٣.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٦٢، ح ٢٨.

(٧) مجمع البيان / ٢٩٠.

٢٧٠

ابن عبّاس: لا حصر إلّا حصر العدوّ.

وقيل(١) : وكلّ من منع من عدوّ ومرض. أو غيرهما لما روي عنه ـ عليه السّلام(٢) ـ من كسر أو عرج، فقد حلّ. فعليه الحجّ من قابل.

والتّحقيق: أنّ المحصور، هو المحصور بالمرض. والمصدود بالعدوّ. وإن كان المراد بالحصر بالقرينة، هو العموم هنا.

( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، أي: فعليكم ما استيسر، فالواجب ما استيسر، أو فاهدوا ما استيسر.

والمعنى: إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلّل، تحلّل بذبح هدي يسر عليه من بدنة، أو بقرة، أو شاة.

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد الله بن فرقد، عن حمران، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين صدّ بالحديبية، قصّر وأحلّ ونحر. ثمّ انصرف منها. ولم يجب عليه الحلق حتّى يقضي النّسك. فأمّا المحصور، فإنّما يكون عليه التقصير.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبى عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، وصفوان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: المحصور غير المصدود المحصور المريض. والمصدود الّذي يصدّه المشركون، كما رووا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٥) ليس من مرض. والمصدود تحلّ له النّساء. والمحصور لا تحلّ له النّساء.

قال: وسألته عن رجل أحصر وبعث بالهدى.

قال: يواعد أصحابه ميعادا، إن كان في الحجّ، فمحلّ الهدي يوم النّحر. فإذا كان يوم(٦) النّحر، فليقصّ من رأسه. ولا يجب عليه الحلق، حتّى يقضي المناسك. وإن كان في عمرة، فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة والسّاعة الّتي يعدهم فيها. فإذا كان تلك

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٩٠.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٠٦.

(٣) الكافي ٤ / ٣٦٨، ح ١.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٦٩، ح ٣.

(٥) المصدر: كما ردّوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه. (ظ)

(٦) «فإذا كان يوم النحر» ليس في ر.

٢٧١

السّاعة، قصّر وأحلّ. وإن كان مرض في الطّريق، بعد ما يخرج(١) فأراد الرّجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة أو أقام مكانه، حتّى يبرأ إذا كان في عمرة. وإذا برئ، فعليه العمرة واجبة.

وإن كان عليه الحجّ، رجع أو أقام(٢) ففاته الحجّ، فإنّ عليه الحجّ من قابل. فإنّ الحسين بن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ خرج معتمرا. فمرض في الطّريق. فبلغ عليّا ـ عليه السّلام ـ ذلك وهو في المدينة. فخرج في طلبه. فأدركه بالسّقيا(٣) . وهو مريض بها.

فقال: يا بنيّ! ما تشكي؟

فقال: أشتكي رأسي.

فدعا عليّ ـ عليه السّلام ـ ببدنة. فنحرها. وحلق رأسه. وردّه إلى المدينة. فلمّا برئ من وجعه، اعتمر.

قلت: أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّ له النّساء؟

قال: لا تحلّ له النّساء حتّى يطوف بالبيت وبالصّفا والمروة.

قلّت: فما بال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين رجع من الحديبية حلّت له النّساء ولم يطف بالبيت؟

قال: ليسا سواء كان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مصدودا والحسين ـ عليه السّلام ـ محصورا.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن أحمد بن محمّد. وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب(٥) ، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحصر الرّجل بعث بهديه.

فإذا أفاق ووجد من نفسه خفّة، فليمض إن ظنّ أنّه يدرك النّاس. فإن قدم مكّة قبل أن ينحر الهدي، فليقم على إحرامه، حتّى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه. ولا شيء عليه.

وإن قدم مكّة وقد نحر هديه، فإنّ عليه الحجّ من قابل أو(٦) العمرة.

قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟

قال: يحجّ عنه، إن كانت حجّة الإسلام. ويعتمر. إنّما هو شيء عليه.

عليّ بن إبراهيم(٧) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن

__________________

(١) المصدر: أحرم. (ظ)

(٢) أ: وأقام. ر: أو قام.

(٣) أ: بالسفيار. ر: بالسقيار.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٧٠، ح ٤.

(٥) أ: ابن رقاب.

(٦) أ: و.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

٢٧٢

أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسّك. ويرجع. فإن لم يجد ثمن هدي، صام.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنّى، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحصر الرّجل، فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنّه يذبح ستّة مساكين. الّذي أحصر(٢) فيه، أو يصوم، أو يتصدّق. والصّوم ثلاثة أيّام. والصّدقة(٣) على ستّة مساكين. ونصف صاع لكلّ مسكين.

سهل(٤) ، عن ابن أبي نضر، عن رفاعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سألته عن الرّجل يشترط وهو ينوي المتعة، فيحصر، هل يجزئه أن لا يحجّ من قابل؟

قال: يحجّ من قابل. والحاجّ مثل ذلك إذا أحصر.

قلت: رجل ساق الهدى ثمّ أحصر.

قال: يبعث بهديه.

قلت: هل يتمتّع(٥) من قابل؟

قال: لا. ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.

حميد بن زياد(٦) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن المثنّى، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: المصدود(٧) يذبح حيث صدّ. ويرجع صاحبه. فيأتي النّساء. او المحصور: يبعث بهديه. ويعدهم يوما. فإذا بلغ الهدي، أحلّ هذا في مكانه.

قلت له: أرأيت أن ردوا(٨) عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحكّ فأتى النّساء؟

قال: فليعد وليس عليه شيء. وليمسك العام عن النّساء، إذا بعث.

وفي عيون الأخبار(٩) ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، أنّه سمعها من الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال فلم أمروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل له: لأنّ الله

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦.

(٢) أ: حصر.

(٣) أ: أو صدقة.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٧١، ح ٧.

(٥) المصدر: يستمتع. (ظ)

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٩.

(٧) ليس في ر.

(٨) ليس في ر.

(٩) عيون أخبار الرضا ٢ / ١١٨، ح ١.

٢٧٣

تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوّة(١) . كما قال ـ عزّ وجلّ:( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، يعني: بشاة ليسع القويّ والضّعيف. وكذلك سائر الفرائض. إنّها وضعت على أدنى القوم قوّة(٢) .

( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) .، أي: لا تحلقوا حتّى تعلموا أنّ الهدي المبعوث بلغ محلّه، أي: حيث يحلّ ذبحه فيه.

والمحلّ (بالكسر) يطلق للمكان والزّمان.

والهدي، جمع هدية، كجدي وجدية وقرئ الهدي جمع هديّة، كمطيّ ومطيّة.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين حجّ حجّة الوداع(٤) ، خرج في أربع بقين من ذي القعدة، حتّى أتى الشّجرة. فصلّى بها. ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء. فأحرم منها.

وأهلّ بالحجّ وساق مائة بدنة. وأحرم(٥) النّاس كلّهم بالحجّ، لا ينوون عمرة(٦) ، ولا يدرون ما المتعة، حتّى إذا قدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مكّة، طاف بالبيت. وطاف النّاس معه. ثمّ صلّى ركعتين عند المقام. واستلم الحجر ثم قال: «أبدأ بما بدأ الله به.

فأتى الصّفا. فبدأ بها ثمّ طاف بين الصّفا والمروة، سبعا. فلمّا قضى طوافه عند المروة، قام خطيبا. فأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة. وهو شيء أمر الله تعالى به. فأحلّ النّاس.

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لو كنت استقبلت من أمري، ما استدبرت لفعلت كمّا أمرتكم. ولم يكن(٧) يستطيع ان(٨) يحلّ من أجل الهدي الّذي معه(٩) .

إنّ الله تعالى يقول:( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) .

فقال سراقة بن مالك بن خثعم(١٠) : يا رسول الله! علّمنا ديننا. كأنّنا خلقنا اليوم.

__________________

(١) ليس في أور. وفي المصدر: مرّة.

(٢) ليس في ر.

(٣) الكافي ٤ / ٢٤٨، ح ٦.

(٤) المصدر: الإسلام.

(٥) ر: إحرام.

(٦) أ: لا ينوون عمرة ولا يدرون عمرة.(٧) «يكن» ليس في أ.

(٨) ر: من أن.(٩) المصدر: كان معه.

(١٠) المصدر: جعشم.

٢٧٤

أرأيت هذا الّذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكلّ عام؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: بل(١) لأبد الأبد.

وإنّ رجلا قام. فقال: يا رسول الله! نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقصر.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: انك(٢) لن تؤمن بها أبدا.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشرائع(٣) : حدّثنا محمّد بن الحسن ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حجّة الوداع، لـمّا فرغ من السّعي، قام عند المروة، فخطب النّاس، فحمد الله، وأثنى عليه. ثمّ قال: يا معشر النّاس! هذا جبرئيل ـ وأشار بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر من لم يسق هديا، أن يحلّ. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت. لفعلت كما أمرتكم.

ولكنّي سقت الهدي. وليس لسائق الهدي أن يحلّ، حتّى يبلغ الهدى محلّه.

فقام إليه سراقة بن مالك بن خثعم(٤) الكنانيّ. فقال: يا رسول الله! علّمنا ديننا.

فكأنّنا خلقنا اليوم. أرأيت هذا الّذي أمرتنا به لعامنا(٥) ؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لا بل لأبد الأبد.

وإنّ رجلا قام. فقال: يا رسول الله! نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقصر.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّك لن تؤمن بها أبدا.

حدّثنا أبي(٦) ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضى الله عنه ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن القسم بن محمّد الأصفهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن فضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن اختلاف النّاس في الحجّ.

فبعضهم يقول: خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ محلّا بالحجّ، وقال بعضهم: محلّا بالعمرة، وقال بعضهم: خرج قارنا، وقال بعضهم: خرج ينتظر أمر الله ـ عزّ وجلّ.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: علم الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّها حجّة لا يحجّ رسول الله ـ

__________________

(١) المصدر: لا بل.

(٢) أ: بل إنّك.

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤١٣، ح ٢.

(٤) المصدر: جشعم.

(٥) المصدر: لعامنا أو لكلّ عام.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٤١٤، ح ٣.

٢٧٥

صلّى الله عليه وآله ـ بعدها أبدا. فجمع الله ـ عزّ وجلّ ـ له ذلك كلّه في سفرة واحدة، ليكون جميع ذلك سنّة لأمّته فلمّا طاف بالبيت وبالصّفا والمروة، أمره جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أن يجعلها عمرة إلّا من كان معه هدى، فهو محبوس على هديه، لا يحلّ قوله(١) ـ عزّ وجلّ:( حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) فجمعت له العمرة والحجّ. وكان خرج على خروج العرب الأوّل. لأنّ العرب كانت لا تعرف الا الحجّ. وهو في ذلك ينتظر أمر الله ـ عزّ وجلّ.

وهو يقول ـ عليه السّلام: النّاس على أمر جهالتهم(٢) ، إلّا ما غيّره الإسلام. وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ. فشقّ على أصحابه حين قال: «اجعلوها عمرة.» لأنّهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحجّ. وهذا الكلام من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إنّما كان في الوقت الّذي أمرهم فيه بفسخ الحجّ. وقال: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة.» وشبك بين أصابعه، يعني: في أشهر الحجّ(٣) .

قلت: فيتعبّا(٤) بشيء من امر الجاهليّة؟

قال إنّ الجاهليّة(٥) ضيّعوا كلّ شيء من دين(٦) ابراهيم ـ عليه السّلام ـ إلّا الختان والتّزويج والحجّ. فإنّهم تمسّكوا به. ولم يضيّعوها.

( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) مرضا يحوجه إلى الحق،( أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ) من جراحة وقمل.

( فَفِدْيَةٌ ) : فعليه فدية إن حلق،( مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) : بيان لجنس الفدية.

وأمّا قدرها، ففي الكافي(٧) : عليّ عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: مرّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم. فقال له: أتؤذيك هو امّك؟ فقال: نعم.

فأنزلت هذه الآية:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) .

__________________

(١) المصدر: لقوله. (ظ)

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: جاهليتهم. (ظ)

(٣) بعد هذه العبارة توجد في أ: وهذا الكلام من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله.

(٤) المصدر: أفيعتد.

(٥) فقال: إن أهل الجاهلية.

(٦) المصدر وأ: دون.

(٧) الكافي ٤ / ٣٥٨، ح ٢.

٢٧٦

فأمره رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يحلق وجعل الصّيام ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّين. والنّسك، شاة.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وكلّ شيء من القرآن أو فصاحبه بالخيار. يختار ما شاء. وكلّ شيء(١) في القرآن. فمن لم يجد كذا، فعليه كذا. فالأولى بالخيار.

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنّى، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحصر الرّجل، فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنّه يذبح شاة في المكان الّذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يتصدّق. والصّوم ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، نصف صاع لكلّ مسكين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : ومرّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ على كعب بن عجرة الأنصاريّ وهو محرم وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما كنت أرى أنّ الأمر يبلغ ما أرى.

فأمره. فنسك عنه، نسكا. وحلق رأسه. يقول الله:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) . فالصّيام ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين صاع من تمر والنّسك، شاة. لا يطعم(٤) منها أحد إلّا المساكين.

وما وقع في الأحاديث الثّلاثة من الاختلاف في إعطاء المسكين، فإنّه في الأوّل مدّان، وفي الثّاني نصف صاع، وفي الثّالث صاع، فإنّه لا اختلاف بين الأوّلين في المعنى.

فإن نصف الصّاع، هو المدّان. فإنّ الصّاع أربعة أمداد. ويحتمل في الخبر الأخير أن يكون سقط لفظ «نصف.» وأن يكون محمولا على الأفضل.

( فَإِذا أَمِنْتُمْ ) الإحصار، أو كنتم في حال أمن وسعة،( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ ) : الحاجّ على ثلاثة وجوه: المتمتّع. وهو الّذي يحجّ في أشهر الحجّ. ويقطع التّلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة. فإذا دخل مكّة طاف بالبيت سبعا، وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وسعى بين الصّفا والمروة سبعا، وقصّر، وأحلّ فهذه عمرة يتمتّع بها من الثّياب والجماع والطّيب

__________________

(١) المصدر: من.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٣٧٠، ح ٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٢٨، ح ١٠٨٣.

(٤) أ: لا يطعمها.

٢٧٧

وكلّ شيء يحرم على المحرم، إلّا الصّيد. لأنّه حرام على المحلّ في الحرم وعلى المحرم في الحلّ والحرم. ويتمتّع بما سوى ذلك إلى الحجّ.

والحجّ ما يكون بعد يوم التّروية، من عقد الإحرام الثّاني بالحجّ المفرد والخروج إلى منى، ومنها إلى عرفات، وقطع التّلبية عند زوال الشّمس يوم عرفة. ويجمع فيها بين الظّهر والعصر، بأذان واحد وإقامتين والبيتوتة بها إلى غروب الشّمس والإفاضة إلى المشعر الحرام والجمع بين المغرب والعشاء بها بأذان واحد وإقامتين والبيتوتة بها والوقوف بها بعد الصّبح، إلى أن تطلع الشّمس على جبل ثبير، والرّجوع إلى منى والذّبح والحلق والرّمي ودخول المسجد الحصباء والاستلقاء فيه على القفا وزيارة البيت وطواف الحجّ ـ وهو طواف الزّيارة ـ وطواف النّساء. فهذه صفة المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ. والمتمتّع عليه، ثلاثة أطواف بالبيت: طواف العمرة، وطواف للحجّ، وطواف للنّساء، وسعيان بين الصّفا والمروة، كما ذكرناه.

وعلى القارن والمفرد طوافان بالبيت وسعيان بين الصّفا والمروة. ولا يحلّان بعد العمرة يمضيان على إحرامهما الأوّل ولا يقطعان التّلبية، إذا نظرا إلى بيوت مكّة، كما يفعل المتمتّع. ولكنّهما يقطعان التّلبية يوم عرفة، عند زوال الشّمس. والقارن والمفرد صفتهما واحدة، إلّا أنّ القارن يفضّل على المفرد بسياق الهدي.

( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) : فعليه ما استيسر من الهدي بسبب التّمتّع وهو هدي التّمتّع.

وفي كتاب علل الشّرائع(١) ، في العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال(٢) : فلم أمروا بالتّمتّع في الحجّ؟

قيل: ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة لأن يسلم النّاس(٣) من إحرامهم. ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد. وأن يكون الحجّ والعمرة واجبتين(٤) ، جميعا. فلا تعطّل العمرة وتبطل. فلا يكون(٥) الحجّ مفردا من العمرة. ويكون بينهما فصل وتمييز. وأن لا يكون الطّواف بالبيت محظورا. لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلّة. فلو لا التّمتّع، لم يكن

__________________

(١) علل الشرائع ١ / ٢٧٤.

(٢) المصدر: قيل.

(٣) المصدر: في.

(٤) أو المصدر: واجبين. (ظ)

(٥) المصدر: ولا يكون. (ظ)

٢٧٨

للحاجّ أن يطوف. لأنّه إذا طاف أحلّ وفسد إحرامه. ويخرج منه قبل أداء الحجّ. ولأن يجب على النّاس الهدي والكفّارة، فيذبحون وينحرون ويتقرّبون إلى الله ـ جلّ جلاله. فلا تبطل هراقة الدّماء والصّدقة على المساكين(١) .

حدّثنا أبي ـ رضى الله(٢) ـ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الحجّ متّصل بالعمرة. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) . فليس ينبغي لأحد إلّا أن يتمتّع. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل ذلك في كتابه وسنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) قال: شاة(٤) .

محمّد بن يحيى(٥) عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن سعيد الأعرج قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: من(٦) تمتّع في أشهر الحجّ، ثمّ أقام بمكّة، حتّى يحضر الحجّ، من قابل، فعليه شاة. ومن تمتّع في غير أشهر الحجّ، ثمّ جاوز حتّى يحضر الحجّ، فليس عليه دم. إنّما هي حجّة مفردة. وإنّما الأضحيّة(٧) على أهل الأمصار.

( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) : أي: الهدى.

وروى في معنى عدم الوجدان [في التهذيب(٨) ، عن](٩) أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر. قال: سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن المتمتّع يكون له فضول من الكسوة بعد الّذي يحتاج إليه، فتستوي(١٠) تلك الفضول بمائة درهم، يكون ممّن يجب عليه.

فقال: له بدّ من كراء ونفقة؟

__________________

(١) أو المصدر: المسلمين.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤١١، ح ١.

(٣) الكافي ٤ / ٤٨٧، ح ٢.

(٤) أ: ابن رقاب. ر: ابن رباب. الأصل والمصدر: ابن رئات.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: في من.

(٧) المصدر: الأضحى.

(٨) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٨٦، ح ١٧٣٥.

(٩) ليس في أ.

(١٠) أور: فيستوى. المصدر: فتسوّى. (ظ)

٢٧٩

قلت: له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة.

قال: وأي شيء بمائة درهم؟ هذا ممّن قال الله:( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) .

[وفي الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام. قال: قلت له: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ في عيبة ثياب له يبيع من ثيابه ويشتري هديه.

قال: لا. هذا يتزيّن المؤمن(٢) . يصوم ولا يأخذ شيئا من ثيابه].(٣)

( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ) : في أيّام الاشتغال به.

في الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، جميعا، عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن المتمتّع لا يجد الهدى.

قال: يصوم قبل التّروية بيوم، ويوم التّروية ويوم عرفة.

قلت: فإنّه قدم يوم التّروية.

قال: يصوم ثلاثة أيّام بعد التّشريق.

قلت: لم يقم عليه جماله.

قال: يصوم يوم الحصبة وبعده يومين.

قال: قلت: وما الحصبة؟

قال: يوم نفره.

قلت: يصوم وهو مسافر؟

قال: نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا(٥) ؟ إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول(٦) الله تعالى:( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) . يقول: في ذي الحجّة.

أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٧) ، عن عبد الكريم بن عمرو، عن زرارة، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: من لم يجد هديا وأحبّ أن يقدّم الثّلاثة أيّام(٨) في أوّل العشر ،

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٠٨، ح ٥.

(٢) المصدر: به المؤمن.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) الكافي ٤ / ٥٠٦، ح ١.

(٥) ر: مسافر.

(٦) أ: بقول.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٨) المصدر والنسخ: الأيام.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493