تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب16%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183355 / تحميل: 5550
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قال: إذا سافر الرّجل في شهر رمضان، أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : روى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الرّجل(٢) ويدع الصّلاة من قيام؟

قال:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) . هو أعلم بما يطيقه.

وروى جميل بن درّاج(٣) ، عن الوليد بن صبيح، قال: حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان. فبعث إليّ أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ بقصعة. فيها خلّ وزيت. وقال لي: أفطر.

وصلّ، وأنت قاعد.

وفي رواية حريز(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الصّائم إذا خاف على عينيه من الرّمد، أفطر.

( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) ، أي: على الّذين كانوا يطيقون الصّوم، فلم يطيقوه الآن لمرض، كعطاش(٥) أو كبر أو أفطروا لمرض أو سفر، ثمّ زال عذرهم وأطاقوا ولم يقضوا حتّى دخل رمضان آخر،( فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) : بمدّ من كلّ يوم.

في الكافي(٦) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) قال: الشّيخ الكبير(٧) والّذي يأخذه العطاش.

أحمد بن محمّد(٨) ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٩) »، قال: الّذين كانوا يطيقون الصّوم فأصابهم كبر أو عطاش(١٠) أو شبه ذلك، فعليهم بكل(١١) يوم مدّ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٣، ح ٣٦٩.

(٢) المصدر: الصائم. (ظ)

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٧٠.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٨٤، ح ٣٧٣.

(٥) أ: العطاش.

(٦) الكافي ٤ / ١١٦، ح ١.

(٧) أ: قال: الذين كانوا يطيقون الصوم الشيخ الكبير.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

(٩) أ: مسكين.

(١٠) ر: كبرا أو عطاشا.

(١١) المصدر: لكلّ.

٢٤١

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٢) ، قال: من مرض في شهر رمضان، فأفطر، ثمّ صحّ، فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر، فعليه ان يقضي ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من الطّعام.

وقرأ نافع وابن عامر بإضافة الفدية إلى «الطّعام» وجمع «المساكين(٣)( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) : فزاد في الفدية.

( فَهُوَ ) ، أي: التّطوّع أو الخير،( خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا ) ، أي: صومكم على تقدير عدم المانع، وتكلف الصّوم على تقدير وجوده.

( خَيْرٌ لَكُمْ ) من الفدية، أو تطوّع الخير، أو منهما،( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٤) ما في الصّوم من الفضيلة.

وجوابه محذوف، أي اخترتموه، أو إن كنتم من أهل العلم والتّدبّر، علمتم أنّ الصّوم خير لكم من ذلك.

( شَهْرُ رَمَضانَ ) :

مبتدأ. خبره ما بعده. أو خبر مبتدأ محذوف. تقديره «ذلكم شهر رمضان.» أو بدل من الصّيام، على حذف المضاف، أي: كتب عليكم الصّيام، صيام شهر رمضان.

وقرئ بالنّصب على إضمار صوموا أو على أنّه بدل من( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) أو مفعول( وَأَنْ تَصُومُوا ) . وفيه ضعف.

و «رمضان» مصدر رمض، إذا احترق. فأضيف إليه الشّهر. وجعل علما له.

ومنع من الصّرف للعلميّة والألف والنّون.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى الخثعمىّ، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: لا تقولوا «رمضان». ولكن قولوا «شهر رمضان». فانّكم لا تدرون ما رمضان؟

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٦٦.

(٢) أ: مسكين.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٧٢.

(٤) بل في فروع الكافي، ر. الكافي ٤ / ٦٩، ح ١.

٢٤٢

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: كنّا عنده ثمانية رجال. فذكرنا رمضان. فقال: لا تقولوا «هذا رمضان» ولا «ذهب رمضان» ولا «جاء رمضان». فإنّ «رمضان» اسم من أسماء الله ـ عزّ وجلّ. لا يجيء ولا يذهب. وإنّما يجيء ويذهب الزّائل.

ولكن قولوا «شهر رمضان». فالشّهر(٢) مضاف إلى الاسم. والاسم اسم الله عزّ ذكره. وهو الشّهر الّذي أنزل فيه القرآن. جعله مثلا وعيدا(٣) .

( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، الموصول بصلته خبر لمبتدأ او صفته والخبر «فمن شهد». أي: أنزل في شأنه القرآن. وهو قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، أو( أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ نزل منجّما.

وفي أصول الكافي(٤) ، عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) . وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره. فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: نزل القرآن جملة واحدة في جملة شهر رمضان، إلى البيت المعمور. ثمّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمّ قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان. وأنزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان. وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان. وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو الشّاميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان. واستقبل الشّهر بالقرآن.

ويمكن الجمع بين الخبرين، بحمل الإنزال جملة واحدة في ثلاث وعشرين

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٢) المصدر: فأن الشهر.

(٣) ليس في أ.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٨، ح ٦.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٦٥، ح ١.

٢٤٣

إلى البيت المعمور. وحمل الإنزال في أوّل اللّيلة، على ابتداء إنزاله منجّما إلى الدّنيا.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن سهيل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعا ـ عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول: نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام.

وفي أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما يكون بينكم.

أبو عليّ الأشعريّ،(٣) عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام.

والجمع بين الخبر الأوّل والثّاني، أنّ المراد بالخبر الأوّل، أنّ ثلث القرآن فينا وفي عدوّنا، بحسب بطونه، وإن كان بحسب ظاهر ألفاظه في شيء من السّنن والأحكام والقصص وغير ذلك. وثلثاه الآخران، ليسا كذلك.

والجمع بينه وبين الثّالث، بأن قائله أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وله لاختصاص ببعض الآيات لم يشركه فيها باقي الأئمّة ـ عليهم السّلام. وقائل الخبر الثّالث، أبو جعفر ـ عليه السّلام. ومراده ـ عليه السّلام ـ أنّ الرّبع يشترك فيه كلّنا.

وروى عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت: إنّ النّاس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال: كذبوا أعداء الله. ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) :

حالان من القرآن، أي: أنزل وهو هداية للنّاس، باعجازه، وآيات واضحات ممّا يهدي إلى الحقّ، ويفرق به بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٢٧، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦٢٨، ح ٤.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٣٠، ح ١٣.

٢٤٤

وفي كتاب معاني الأخبار(١) ، بإسناده إلى ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن «القرآن» و «الفرقان» أهما شيئان؟ أم شيء واحد؟

قال: فقال: «القرآن» جملة الكتاب. و «الفرقان» المحكم الواجب العمل به.

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ ) :

في الفاء إشعار بأنّ الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصّوم فيه.

( الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فيه.

وضع المظهر، موضع المضمر، للتّعظيم. نصب على الظّرف. وحذف الجارّ.

ونصب الضّمير على الاتّساع.

وقيل(٢) : من شهد منكم هلال الشّهر، فليصمه على أنّه مفعول به، كقولك شهدت يوم الجمعة، أي: صلاتها.

في كتاب الخصال(٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقوله تعالى:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وسأل عبيد بن زرارة، أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

[قال: ما أبينها من شهد فليصمه].(٥) ومن سافر، فلا يصمه.

وروى الحلبيّ(٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا. ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر.

فسكت. فسألته غير مرّة.

فقال: يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن الصّباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) معاني الاخبار / ١٨٩، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

(٣) الخصال ٢ / ٦١٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٩١، ح ٤٠٤.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكافي ٤ / ١٢٦، ح ٢.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٨٠، ح ١٨٦.

٢٤٥

ـ عليه السّلام: إن ابن يعقوب(١) أمرني أن أسألك عن مسائل.

فقال: وما هي؟

قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إليّ أن أسافر؟

قال: إنّ الله يقول:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) . فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله، فليس له أن يسافر، إلّا إلى الحج(٢) ، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه.

( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) :

مخصّص لسابقه. لأنّ المسافر والمريض ممّن شهد الشّهر. ولعلّ تكريره لذلك.

( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، أي: يريد أن ييسّر عليكم، ولا يعسّر عليكم. ولذلك أوجب الفطر للسّفر والمرض.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، قال: «اليسر» عليّ.

( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١٨٥): علل لفعل محذوف. دلّ عليه ما سبق، أي: شرع جملة ما ذكر من أمر الشّاهد بالصّوم والمسافر والمريض بالإفطار ومراعاة عدّة ما أفطر فيه، لتكملوا العدّة إلى آخرها، على سبيل اللّفّ. فإنّ قوله «ولتكملوا» علّة الأمر بمراعاة العدّة.( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ ) علّة أمر الشّاهد بالصّوم.( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) علّة أمر المسافر والمريض بالإفطار، أو لأفعال كلّ لفعله، أو معطوفة على علّة مقدّرة، مثل: ليسهّل عليكم، أو لتعملوا ما تعملون، ولتكملوا. ويجوز أن يعطف على «اليسر»، أي: يريد لكم لتكملوا، كقوله(٤) :( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ) .

والمعنى بالتّكبير وتعظيم الله، بالحمد والثّناء عليه. ولذلك عدّي بعلى. ومن جملته تكبير يوم الفطر.

وقيل(٥) : المراد التّكبير عند الإهلال. و «ما» يحتمل المصدر والخبر، أي: الّذي

__________________

(١) المصدر: ابن أبي يعفور. (ظ)

(٢) المصدر: لحج.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩١.

(٤) الصف / ٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

٢٤٦

هداكم إليه. وعن عاصم: ولتكملوا بالتّشديد.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام ثمّ اختزلها عن ايّام السّنة. والسّنة ثلاثمائة وأربعة(٢) وخمسون يوما.

شعبان لا يتمّ أبدا. ورمضان لا ينقص، والله أبدا. ولا تكون فريضة ناقصة. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) . وشوّال تسعة وعشرون يوما.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: جعلت فداك! ما نتحدث(٤) به عندنا أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين. أحقّ هذا؟

قال: ما خلق الله من هذا حرفا. ما صامه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا ثلاثين. لأنّ الله يقول:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينقصه؟

وفي الكافي(٥) : عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن سعيد النّقّاش. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لي: أما إنّ في الفطر تكبيرا ولكنّه مسنون(٦) .

قال: قلت: وأين هو؟

قال: في ليلة الفطر، في المغرب والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وفي صلاة العيد. ثمّ يقطع.

قال: قلت: كيف أقول؟

قال: تقول «الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلّا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد.

الله أكبر على ما هدانا.» وهو قول الله تعالى:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) ، يعني: الصّيام. ولتكبّروا الله على ما هداكم.

وفي محاسن البرقيّ(٧) ، عنه عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله

__________________

(١) الكافي ٤ / ٧٨، ح ٢.

(٢) المصدر: وأربع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩٤.

(٤) المصدر: يتحدث.

(٥) الكافي ٤ / ١٦٦، ح ١.

(٦) المصدر: مستور.

(٧) المحاسن / ١٤٢، ح ٣٦.

٢٤٧

( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) ، [قال: التكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(١) ، عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: التّكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(٢) ، عن بعض أصحابنا، في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٣) ( ]وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: الشّكر المعرفة.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، وفي العلل الّتي تروى عن الفضل بن شاذان النّيشابوريّ ـ رضي الله عنه. ويذكر أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ إنّه إنّما جعل يوم الفطر العيد ـ إلى أن قال ـ: وإنّما جعل التّكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصّلوات. لأنّ التّكبير إنّما هو تعظيم الله وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال ـ عزّ وجلّ:( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) : فقل لهم إنّي قريب.

وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطّلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.

روى(٥) أنّ أعرابيّا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أقريب ربّنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزلت.

( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) :

تقرير للقرب ووعد للدّاعي بالإجابة.

( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) إذا دعوتهم للإيمان والطّاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهمّاتهم.

( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) : أمر بالدّوام والثّبات.

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر / ١٤٩، ح ٦٥، هكذا: عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) قال: الشكر المعرفة، وفي قوله( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) فقال: الكفر، هاهنا، الخلاف. والشكر، الولاية والمعرفة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٣٠، ح ١٤٨٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

٢٤٨

( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١٨٦): راجين إصابة الرّشد. وهو إصابة الحقّ.

وقرئ بفتح الشّين وكسرها.

وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال لي أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: أخبرني عنك، لو أنّي قلت لك قولا، أكنت تثق به؟

فقلت له: جعلت فداك! إذا لم أثق بقولك فبمن أثق؟ وأنت حجّة الله على خلقه.

قال فكن بالله أوثق. فإنّك على موعد من الله. أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) . وقال(٢) :( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) وقال(٣) : والله( يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) . فكن بالله ـ عزّ وجلّ ـ أوثق منك بغيره. ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيرا. فإنّه مغفور لكم.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي روضة الكافي(٤) ، خطبة طويلة مسندة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام. يقول ـ عليه السّلام فيها: فاحترسوا من الله ـ عزّ وجلّ ـ بكثرة الذّكر. واخشوا منه بالتّقى وتقرّبوا إليه بالطّاعة فإنّه قريب مجيب. قال الله تعالى:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .

وفي نهج البلاغة(٥) : قال ـ عليه السّلام: ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه، من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمه. واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطك إبطاء إجابته. فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألته(٦) الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا(٧) وآجلا.(٨) وصرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالحال لا يبقى لك ولا تبقى له.

__________________

(١) الكافي ٢ / ١.

(٢) الزمر / ٥٣.

(٣) البقرة / ٢٦٨.

(٤) الكافي ٨ / ٣٩٠، ح ٥٨٦.

(٥) نهج البلاغة / ٣٩٩، ضمن رسائله ٣١.

(٦) المصدر: سألت.

(٧ و ٨) المصدر: أو. (ظ)

٢٤٩

وفيه(١) : قال ـ عليه السّلام: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ سل حاجتك. فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.

وفي مجمع البيان(٢) : روى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) »، أي: وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه،( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) »، أي: لعلّهم يصيبون الحقّ ويهتدون إليه.

وروى(٣) عن جابر بن عبد الله. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه. فيقول: يا جبرائيل! لا تقض(٤) لعبدي هذا حاجته. وأخّرها. فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته. وإنّ العبد ليدعو الله وهو مبغضه(٥) فيقول: يا جبرئيل! اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجّلها. فإنّي أكره أن أسمع صوته.

ثمّ بيّن أحكام الصّوم، فقال :

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) :

( لَيْلَةَ الصِّيامِ ) »، اللّيلة الّتي يصبح منها صائما.

و «الرّفث» كناية عن الجماع لأنّه لا يكاد يخلو من رفث. وهو الإفصاح بما يجب أن يكنّى عنه. وعدّي بإلى، لتضمّنه معنى الإفضاء وإيثاره، هاهنا، لتقبيح ما ارتكبوه.

ولذلك سمّاه خيانة. وقرئ الرّفوث.

وفي كتاب الخصال(٦) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه من الأربعمائة باب. قال ـ عليه السّلام: يستحبّ للرّجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان، لقوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» والرّفث، المجامعة.

وفي الكافي(٧) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن القسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه ـ عليهم السّلام: أنّ عليّا ـ صلوات الله عليه ـ قال: يستحبّ للرّجل أن

__________________

(١) نفس المصدر / ٥٣٨، حكمة ٣٦١.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٧٩.

(٤) النسخ: اقض.

(٥) المصدر: يبغضه.

(٦) الخصال ٢ / ٦١٢.

(٧) الكافي ٤ / ١٨٠، ح ٣.

٢٥٠

يأتي أهله (وذكر كما في كتاب الخصال، سواء).

وفي مجمع البيان(١) : وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ كراهية الجماع في أوّل ليلة من كلّ شهر، ألا أوّل ليلة من شهر رمضان. فإنّه يستحبّ ذلك، لمكان الآية.

( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) :

استئناف يبين سبب الإحلال، وهو قلّة الصّبر عنهنّ وصعوبة اجتنابهنّ، لكثرة المخالطة وشدّة الملابسة، ولما كان الرّجل والمرأة يعتنقان، ويشتمل كلّ منهما على صاحبه شبّه باللّباس، أو لأنّ كلّ واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور.

( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) : تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظّها من الثّواب.

والاختيان أبلغ من الخيانة، كالاكتساب من الكسب.

( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) لـمّا تبتم ما اقترفتموه.

( وَعَفا عَنْكُمْ ) : ومحى عنكم أثره.

( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ ) : نسخ عنكم التّحريم والمباشرة.

إلزاق البشرة بالبشرة، كنّى به عن الجماع.

( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) :

واطلبوا ما قدّره لكم. وأثبته في اللّوح من الولد.

( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) : شبّه أوّل ما يبدو في الفجر المعترض في الأفق وما يمتدّ معه من غلس اللّيل، بخيطين أبيض وأسود. واكتفى ببيان الخيط الأبيض، لقوله «من الفجر» عن بيان الخيط الأسود، لدلالته عليه. وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التّمثيل. ويجوز أن يكون «من» للتّبعيض. فإنّ ما يبدو بعض الفجر.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٠.

(٢) الكافي ٤ / ٩٨، ح ٤.

٢٥١

أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» الآية. فقال: نزلت في خوات بين جبير الأنصاري. وكان مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الخندق. وهو صائم. فأمسى، وهو على تلك الحال. وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم، حرّم عليه الطّعام والشّراب. فجاء خوات إلى أهله حين أمسى.

فقال: هل عندكم طعام؟

قالوا(١) : لا تنم حتى نصلح لك طعاما. فاتكا فنام.

فقالوا له: قد فعلت.

قال: نعم.

فبات على تلك الحال. فأصبح. ثمّ غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمرّ به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فلمّا رأى الّذي أخبره به كيف كان أمره، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الآية:( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثني أبي ـ رفعه(٣) . قال: قال الصّادق ـ عليه السّلام: كان النّكاح والأكل، محرّمان(٤) في شهر رمضان، باللّيل بعد النّوم، يعني: كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه، حرّم عليه الإفطار. وكان النّكاح حراما باللّيل والنّهار، في شهر رمضان. وكان رجل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقال له خوات بن جبير، أخو عبد الله بن جبير الّذي كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكّله بفم الشّعب، يوم أحد، في خمسين من الرّماة، ففارقه أصحابه، بقي في اثني عشر رجلا، فقتل على باب الشّعب. وكان أخوه هذا، خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا. وكان صائما.

فأبطأت عليه أهله بالطّعام. فنام قبل أن يفطر. فلمّا انتبه قال لأهله: «قد حرّم عليّ الأكل في هذه اللّيلة.» فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه. فرآه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرّق له. وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل، سرّا في شهر رمضان فأنزل الله:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ. عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ

__________________

(١) المصدر: فقالوا: لا.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٦، بتفاوت.

(٣) أ: رفعة.

(٤) كذا في أور وفي المصدر وفي الأصل: محرما.

٢٥٢

وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فأحلّ الله ـ تبارك وتعالى ـ النّكاح باللّيل، في شهر رمضان، والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر لقوله:( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ».

قال: هو بياض النّهار من سواد اللّيل.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : وسئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

فقال: بياض النّهار من سواد اللّيل.

وقال في خبر آخر(٢) : هو الفجر الّذي لا شكّ فيه.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحسين(٤) إلى أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ معي: جعلت فداك! قد اختلف مواليك(٥) في صلاة الفجر. فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء.

ومنهم من يصلّي إذا اعترض مع أسفل الأفق واستبان. ولست أعرف أفضل الوقتين، فأصلّي فيه. فإن رأيت أن تعلّمنى أفضل الوقتين. وتحدّه لي. وكيف أصنع مع القمر والفجر؟ لأتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السّفر والحضر؟ فعلت ـ إن شاء الله.

فكتب ـ عليه السّلام ـ بخطه وقراءته: الفجر ـ يرحمك الله ـ هو الخيط الأبيض المعترض، ليس هو الأبيض صعدا. فلا تصلّ في سفر ولا حضر، حتّى تتبيّنه. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل خلقه في شبهة من هذا. فقال( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) .» فالخيط الأبيض، هو المعترض الّذي يحرم به الأكل والشّرب في الصّوم. وكذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران وقال: سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر. فقال أحدهما: هو ذا.» وقال الآخر: «ما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٢، ح ٣٦٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٦٤.

(٣) الكافي ٣ / ٢٨٢، ح ١.

(٤) المصدر: الحصين.

(٥) المصدر: مواليك. (ظ)

(٦) نفس المصدر ٤ / ٩٧، ح ٧.

٢٥٣

أرى شيئا.» قال: فليأكل الّذي لم يتبيّن له الفجر. وقد حرّم على الّذي زعم أنّه رأى الفجر. إنّ الله يقول:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) .» من الفجر.

( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) :

بيان آخر وقته. وإخراج اللّيل عنه. فينفى صوم الوصال.

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فظنّوا أنّه ليل، فأفطروا. ثمّ أنّ السّحاب انجلى. فإذا الشّمس.

فقال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٢) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا.

[عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فرأوا أنّه اللّيل، فأفطر بعضهم، ثمّ أنّ السّحاب انجلى، فإذا الشّمس، قال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٤) : و( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا].(٥)

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : القاسم بن سليمان، عن جراح، عنه(٧) قال: قال الله:( ثُمَ ) (٨) ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) »، يعني: صوم(٩) رمضان فمن رأى الهلال(١٠) بالنّهار، فليتمّ صيامه.

( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) : معتكفون فيها.

والاعتكاف، هو اللّبث في المسجد، لقصد القربة.

او المراد بالمباشرة، الوطء.

وعن قتادة(١١) : كان الرّجل يعتكف، فيخرج إلى امرأته، فيباشرها، ثمّ يرجع فنهوا

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ١.

(٢) الأصل ور والمصدر: و.

(٣) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ٢. (٤) ثم. (ظ)

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ. (٦) تفسير العياشي ١ / ٨٤، ح ٢٠١.

(٧) المصدر: عن الصادق ـ عليه السّلام.

(٨) كذا في أ. وفي المصدر والأصل ور: و.

(٩) المصدر: صيام.

(١٠) المصدر: هلال الشوال. (١١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٣.

٢٥٤

عن ذلك.

وفي كتاب الخصال(١) ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم الله تعالى من الفروج في القرآن، وعمّا حرّمه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سنّته(٢) .

فقال: الّذي حرّم الله من ذلك، أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السّنّة. وأمّا الّتي في القرآن: فالزّنا ـ إلى قوله عليه السّلام ـ والنّكاح في الاعتكاف، لقوله تعالى:( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ )

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد، في بعض مساجدها؟

فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة.

ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة.

سهل بن زياد(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا اعتكاف إلّا في العشرين من شهر رمضان.

وقال: إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان يقول لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرّسول، أو مسجد جامع. ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد، إلّا لحاجة لا بدّ منها. ثمّ لا يجلس حتّى يرجع(٥) . والمرأة مثل ذلك.

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن الاعتكاف.

قال: لا يصلح الاعتكاف الّا في مسجد الحرام، أو مسجد الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا.

واعلم أنّه ينبغي حمل مسجد الجماعة في الأخبار الّتي وقع فيها، على مسجد جمع فيه

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٣٢، ح ١٠.

(٢) أور: سنة.

(٣) الكافي ٤ / ١٧٦، ح ١.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٥) ر: ثم لا يجلس يرجع حتى لا يرجع.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٥٥

الإمام العدل، ليطابق الخبر الأوّل.

( تِلْكَ ) ، أي: الأحكام الّتي ذكرت،( حُدُودُ اللهِ ) : حدود قرّرها الله.

( فَلا تَقْرَبُوها ) : نهى أن يقرَب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل، لئلّا يدانى الباطل، فضلا على أن يتخطّى

، كما قال ـ عليه السّلام(١) : إنّ لكلّ ملك حمى. وإن حمى الله محارمه. فمن رتع حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.

وهو أبلغ من قوله: «فلا تعتدوها.» ويجوز أن يريد بحدود الله، محارمه ومناهيه.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك التّبيين،( يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (١٨٧) مخالفة الأوامر والنّواهي.

( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) ، أي: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الّذي لم يبحه الله.

و «بين» نصب على الظّرف، أو الحال من «الأموال.»( وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) : عطف على النّهي، أو نصب بإضمار «أن.» والإدلاء: الإلقاء، أي: ولا تلقوا حكومتها إلى حكّام الجور،( لِتَأْكُلُوا ) بالتّحاكم،( فَرِيقاً ) : طائفة،( مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ) : بما يوجب إثما، كشهادة الزّور، أو اليمين الكاذبة، أو متلبّسين بالإثم،( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٨): أنّكم مبطلون. فإنّ ارتكاب المعصية مع العلم بها أقبح.

وفي الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن زياد بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) .» فقال: كانت قريش يتغامز(٣) الرّجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) الكافي ٥ / ١٢٢، ح ١.

(٣) كذا في الأصل ور. وفي المصدر: تقامر. والظاهر: تتقامر.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٤١١، ح ٣.

٢٥٦

عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) .» فقال: يا أبا بصير! إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد علم أنّ في الأمّة حكّاما يجورون. أما إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور.

وفي تفسير العيّاشى(١) : عن الحسن بن عليّ قال: قرأت في كتاب أبي الأسد.

إلى أبي الحسن الثاني(٢) ـ عليه السّلام ـ وجوابه بخطّه سأل: ما تفسير قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) »؟

قال: فكتب إليه الحكّام القضاة.

قال: ثمّ كتب تحته: هو أن يعلم الرّجل، أنّه ظالم عاص. هو غير معذور في أخذه ذلك الّذي حكم له به، إذا كان قد علم أنّه ظالم.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : روى سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: الرّجل منّا يكون عنده الشّيء يتبلّغ به وعليه الدّين. أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله ـ عزّ وجلّ ـ بميسرة، فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسبة؟ أو يقبل الصّدقة؟

فقال: يقضي بما عنده دينه. ولا يأكل أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ )

وفي مجمع البيان(٤) : وروى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه يعنى بالباطل: اليمين الكاذبة، يقطع بها(٥) الأموال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) » (الآية) فإنّه قال العالم ـ عليه السّلام: قد علم الله أنّه يكون حكّام(٧) يحكمون بغير الحقّ. فنهى أن يحاكم(٨) إليهم لأنّهم(٩) لا يحاكمون بالحقّ، فتبطل الأموال.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٨٥، ح ٢٠٦.

(٢) كذا في المصدر وفي تفسير البرهان ١ / ١٨٨. وفي النسخ: الثالث.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١١٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٨٢.

(٥) المصدر: يقتطع به. (ظ)

(٦) تفسير القمي ١ / ٦٧.

(٧) المصدر: حكاما.

(٨) المصدر: يتحاكم.

(٩) المصدر: فانّهم.

٢٥٧

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) :

سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم(١) فقالا: ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتّى يستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ؟

( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) :

إنّهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر، وتبدّل أمره. فأمره الله أن يجيب بأنّ الحكمة الظّاهرة في ذلك أن يكون معالم للنّاس. يؤقّتون بها أمورهم ومعالم للعبادات المؤقّتة. يعرف بها أوقاتها. وخصوصا الحجّ. فإنّ الوقت مراعى فيه، أداء وقضاء.

والمواقيت، جمع ميقات، من الوقت. والفرق بينه وبين المدّة والزّمان، أنّ المدّة المطلقة، امتداد حركة الفلك، من مبدئها إلى منتهاها. والزّمان مدّة مقسومة. والوقت، الزّمان المفروض لأمر.

وفي تهذيب الأحكام(٢) : عليّ بن حسن بن فضّال قال: حدّثني محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الأهلّة.

قال: هي أهلّة الشّهور. فإذا رأيت الهلال، فصم. وإذا رأيته، فأفطر.

عليّ بن الحسن بن فضّال(٣) ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر العبديّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول: صم حين يصوم الناس. وأفطر حين يفطر النّاس. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل الأهلّة مواقيت.

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود(٤) قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن سعيد عن الحسين(٥) بن القسم، عن عليّ بن إبراهيم. قال: حدّثني أحمد بن عيسى بن عبد الله، عن عبد الله بن عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) »، قال: لصومهم وفطرهم وحجهم.

( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ) :

وجه اتّصاله بما قبله أنّهم سألوا عن الأمرين، أو أنّه(٦) لـمّا سألوا عمّا لا يعنونه، ولا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ١٦١، ح ٤٥٥.

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٦٤، ح ٤٦٢.

(٤) نفس المصدر ٤ / ١٦٦، ح ٤٧٣.

(٥) المصدر: الحسن.

(٦) أ: أو أنّه لـمّا سألوا عن الأمرين، أو انّه.

٢٥٨

يتعلّق بعلم النّبوّة، وتركوا السّؤال عمّا يعنونه، ويختصّ بعلم النّبوّة، عقّب بذكره جواب ما سألوه، تنبيها على أنّ اللائق لهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتمّوا بالعلم بها. أو أنّ المراد به التّنبيه على تعكيسهم السّؤال وتمثيلهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه.

والمعنى: وليس البرّ أن تعكسوا في مسائلكم ولكنّ البرّ من اتّقى ذلك، ولم يجسر على مثله.

( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ، إذ ليس في العدول برّ.

في مجمع البيان(١) : فيه وجوه :

أحدها ـ أنّه كان المجرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها. ولكنّهم كانوا يتنقّبون(٢) في ظهور بيوتهم، أي: في مؤخّرها نقبا يدخلون ويخرجون منه. فنهوا عن التّديّن بذلك. رواه أبو الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثانيها ـ أنّ معناه ليس البرّ بأن تأتوا الأمور(٣) من غير جهاتها. وينبغي أن تؤتى(٤) الأمور من جهاتها، أيّ الأمور كان. وهو المرويّ عن جابر عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثالثها ـ وقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاء عليها، إلى يوم القيامة، وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم. وعلىّ بابها. ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ويروى: أنا مدينة الحكمة.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الأصبغ بن نباتة. قال: كنت عند أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فجاءه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين! قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ».

فقال ـ عليه السّلام: نحن البيوت الّتي أمر الله أن تؤتى من أبوابها. نحن باب الله وبيوته الّتي يؤتى منها(٦) . فمن بايعنا وأقرّ بولايتنا، فقد أتى البيوت من أبوابها. ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لو شاء عرّف النّاس

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٤.

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: ينقبون. (ظ)

(٣) المصدر: البيوت.

(٤) المصدر: تأتوا.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٣٨.

(٦) المصدر: منه.

٢٥٩

نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه(١) من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

قال: فمن(٢) عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها.

وإنّهم عن الصّراط لنا كبون.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام(٣) ـ في حديث طويل وفيه: وقد جعل الله للعلم أهلا. وفرض على العباد طاعتهم بقوله:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء. وأبوابها أوصياؤهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن هذه الآية( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) .

فقال: آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة الى الجنّة والقادة إليها والادلّاء عليها، إلى يوم القيامة.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٥) :](٦) ويؤيّده ما رواه محمّد بن يعقوب ـ ره ـ عن عليّ(٧) بن(٨) محمّد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القسم(٩) ، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: الأوصياء هم أبواب الله ـ عزّ وجلّ ـ التي يؤتى منها.

ولولاهم ما عرف الله ـ عزّ وجلّ. وبهم احتجّ على خلقه.

وروى في معنى «من يأتى البيوت من غير أبوابها» ما رواه أبو عمرو الزّاهد(١٠) ، في كتابه، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت له: إنّا نرى الرّجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع. فهل ينفعه ذلك؟

فقال: يا أبا محمّد! إنّما مثلهم كمثل أهل بيت في بني إسرائيل. كان إذا اجتهد أحد منهم أربعين ليلة، ودعا الله أجيب. وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا الله ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: يعرفونه ويأتونه.

(٢) المصدر: فقال فيمن.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٦٩.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٨٦، ح ٢١٠.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: معلّى.

(٨) المصدر وأ: عن.

(٩) المصدر ور وأ: القاسم.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

اندفعت المطالبة عنه ، وبرئ المشتري من الحقّين ؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض ، والآذن قد ثبت أنّ وكيله - وهو البائع - قد قبض.

ولو شهد له الشريك الآذن ، لم تُقبل شهادته في نصيبه ؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه ، وذلك جرّ نفعٍ ظاهر ، فلا تُقبل ؛ للتهمة.

وهل تُقبل شهادته في نصيب البائع؟ قال بعض علمائنا : نعم(١) .

وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به ؛ للتهمة ، فهل تردّ في الباقي؟(٢) .

ولو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض ، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، والأصل عدم القبض ، فيحلف البائع أنّه لم يقبض ، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الآذن ؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ ، ويزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم ، فلا يستحقّ مشاركته فيه ، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين على المشتري ، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه ، ولو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً ؛ لأنّا لا نحكم بالنكول(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول ، وإنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.

____________________

(١) لم نهتد إلى القائل به ، وراجع المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٤١ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦١

فإذا انفصلت(١) [ خصومة ](٢) البائع و(٣) المشتري فلو جاء الشريك الآذن وطالَب البائعَ بحقّه ؛ لزعمه أنّه قبض جميع الثمن ، فعليه البيّنة ، ويُقدَّم قول البائع مع اليمين أنّه لم يقبض إلّا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما ، فإن نكل البائع حلف الآذن وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع البائع به على المشتري ؛ لأنّه يزعم أنّ شريكه ظَلَمه بما فَعَل ، ولا يمنع البائعَ من الحلف نكولُه عن اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنّها خصومة أُخرى مع خصمٍ آخَر.

هذا إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري وتبعتها خصومة الشريكين ، وأمّا إن تقدّمت خصومة الشريكين فادّعى الذي لم يبع قبضَ الثمن على البائع وطالَبه بحقّه وأنكر البائع ، قُدّم قوله مع اليمين ، وكان على الشريك الآذن البيّنة بأنّ البائع قبض الثمن ، ولا تُقبل شهادة المشتري له بحالٍ البتّة ؛ لأنّه يدفع عن نفسه ، فإن فُقدت البيّنة حلف البائع على أنّه ما قبض ، فإن نكل حلف الآذن على أنّه قبض ، وأخذ نصيبه من البائع.

ثمّ إذا انفصلت الخصومة بين الشريكين ، فلو طالَب البائع المشتري بحقّه ، وادّعى المشتري الأداءَ ، فعليه البيّنة ، فإن لم تكن بيّنة حلف البائع ، وقبض حقّه ، فإن نكل حلف المشتري وبرئ ، ولا يمنع البائعَ من أن يحلف ويطلب من المشتري حقَّه نكولُه في الخصومة الأُولى مع شريكه.

وللشافعيّة وجهٌ : إنّه يمنع ؛ بناءً على أنّ يمين الردّ كالبيّنة أو كإقرار المدّعى عليه؟ إن كانت كالبيّنة فكأنّه قامت البيّنة على قبضه جميعَ الثمن ،

____________________

(١) في « خ » : « انقضت » بدل « انفصلت ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حكومة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « مع » بدل « و».

٣٦٢

وإن كانت كالإقرار فكأنّه أقرّ بقبض جميع الثمن ، وعلى التقديرين يمنع عليه مطالبة المشتري(١) .

وضعّفه باقي الشافعيّة ؛ لأنّ اليمين إنّما تجعل كالبيّنة أو كالإقرار في حقّ المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لا غير ، ومعلومٌ أنّ الشريك إنّما يحلف على أنّه قبض نصيبه ، فإنّه الذي يطالب به ، فكيف تؤثّر يمينه في غيره!؟(٢) .

وعلى ضعفه فقد قال الجويني : [ القياس ](٣) طرده فيما إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشتري اليمينَ المردودة حتى يقال : تثبت للّذي لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومةٍ ؛ لكون يمين الردّ بمنزلة البيّنة أو الإقرار(٤) .

مسألة ١٧٩ : لو باع الشريك - المأذون له في البيع - العبدَ ، ثمّ اختلف الشريكان‌ ، فادّعى البائع على الآذن بأنّه قبض الثمن بأسره من المشتري ، فأنكر الآذن القبضَ ، وصدّق المشتري المدّعي ، فإن كان الآذن في البيع مأذوناً له في القبض للثمن من جهة البائع ، برئ المشتري من حصّة البائع ؛ لأنّه قد اعترف بأنّ وكيله قد قبض.

ثمّ تُفرض حكومتان كما تقدّم.

فإن تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فالقول قول الذي لم يبع في عدم القبض ، فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلّم إليه المأخوذ.

وإن تخاصم البائع والذي لم يبع ، حلف الذي لم يبع ، فإن نكل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦٣

حلف البائع ، وأخذ منه نصيبه ، ولا رجوع له على المشتري.

ولو شهد البائع للمشتري على القبض ، لم تُقبل ؛ لأنّه يشهد لنفسه على الذي لم يبع.

وإن لم يكن الآذن في البيع مأذوناً له في القبض من جهة البائع ، لم تبرأ ذمّة المشتري عن شي‌ءٍ من الثمن.

أمّا عن حقّ الذي لم يبع : فلأنّه منكر للقبض ، والقول قوله في إنكاره مع اليمين.

وأمّا عن حقّ المباشر للبيع : فلأنّه لم يعترف بقبضٍ صحيح.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون البائع مأذوناً من جهة الذي لم يبع في القبض ، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

فإن كان مأذوناً ، فله مطالبة المشتري بنصيبه من الثمن ، ولا يتمكّن من مطالبته بنصيب الذي لم يبع ؛ لأنّه لـمّا أقرّ بقبض الذي لم يبع نصيب نفسه فقد صار معزولاً عن وكالته.

ثمّ إذا تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فعلى المشتري البيّنة على القبض ، فإن لم تكن بيّنة فالقول قول الذي لم يبع.

فإذا حلف ، ففي مَنْ يأخذ حقّه منه للشافعيّة وجهان :

قال المزني منهم : إن شاء أخذ تمام حقّه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ ، وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأنّ الصفقة واحدة ، وكلّ جزءٍ من الثمن شائع بينهما ، فإن أخذ بالخصلة الثانية لم يبق مع البائع إلّا ربع الثمن(١) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب =

٣٦٤

و [ يفارق ](١) هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما أخذه من المشتري ؛ لأنّ زعمه أنّ الذي لم يبع ظالمٌ فيما أخذه ، فلا يشاركه فيما ظلم به(٢) .

وقال آخَرون منهم ابن سريج : ليس له إلّا أخذ حقّه من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأنّ البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره : إنّ الذي لم يبع قَبَض حقَّه ، فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصّةً(٣) .

وقال آخَرون : إنّه وإن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناءً على أنّ مالكَي السلعة إذا باعاها صفقةً واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصّته من الثمن؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، بل إذا انفرد بأخذ شي‌ءٍ شاركه الآخَر فيه ، كما أنّ الحقّ الثابت للورثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصّته منه ، ولو فَعَل شاركه الآخَرون فيه ، وكذا لو كاتبا عبداً صفقةً واحدةً ، لم ينفرد أحدهما بأخذ حقّه من النجوم.

والثاني : نعم ، كما لو باع كلّ واحدٍ منهما نصيبَه بعقدٍ مفرد ، بخلاف الميراث والكتابة ، فإنّهما لا يثبتان في الأصل بصفة التجزّي ؛ إذ لا ينفرد‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقارب ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٤٤ ، الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٥

بعض الورثة ببعض أعيان التركة ، ولا تجوز كتابة البعض من العبد ، فلذلك لم يجز التجزّي في القبض(١) .

ولو شهد البائع للمشتري على أنّ الذي لم يبع قد قبض الثمن ، فعلى قول المزني لا تُقبل شهادته ؛ لأنّه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه(٢) ، وعلى قول ابن سريج تُقبل(٣) .

وإن لم يكن البائع مأذوناً في القبض ، قال بعض الشافعيّة : للبائع مطالبة المشتري بحقّه هنا ، وما يأخذه يسلم له ، وتُقبل هنا شهادة البائع للمشتري على الذي لم يبع(٤) .

وقال آخَرون : ينبغي ثبوت الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه ، ويُخرَّج قبول الشهادة على الخلاف(٥) .

مسألة ١٨٠ : لو غصب واحد نصيبَ أحد الشريكين بأن نزّل نفسه منزلته‌ ، فأزال يده ولم يُزل يدَ صاحبه الآخَر ، بل استولى على العبد ومَنَع أحدَهما الانتفاع به دون الآخَر ، فإنّه يصحّ من الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ، ولا يصحّ من الآخَر بيع نصيبه ، إلّا من الغاصب ، أو ممّن يتمكّن من انتزاعه من يد الغاصب.

ولو باع الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميعَ العين في عقدٍ واحد ، صحّ في نصيب المالك ، ووقف نصيب الآخَر إن أمضاه المغصوب منه صحّ ، وإلّا فلا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٦

وقالت الشافعيّة : يصحّ في نصيب مَنْ لم يغصب منه ، ويبطل في الآخَر ، ولا يُخرَّج على الخلاف في تفريق الصفقة عندهم ؛ لأنّ الصفقة تتعدّد بتعدّد البائع(١) .

ومنهم مَنْ قال : يبنى القول في نصيب المالك على أنّ أحد الشريكين إذا باع نصفَ العبد مطلقاً ينصرف إلى نصيبه أو يشيع؟ وجهان ، فإن قلنا : ينصرف إلى نصيبه ، صحّ بيع المالك في نصيبه ، وإن قلنا بالشيوع ، بطل البيع في ثلاثة أرباع العبد ، وفي ربعه قولان.

ولا يُنظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معاً وأطلقا ، ولا يُجعل كما إذا أطلق كلّ واحدٍ منهما بيعَ نصف العبد ؛ لأنّ هناك تناول العقد الصحيح جميعَ العبد(٢) .

مسألة ١٨١ : قد بيّنّا(٣) أنّ شركة الأبدان باطلة ، سواء اشترك العمل أو اختصّ بأحدهما وتقبّل الآخَر.

فلو قال واحد لآخَر : أنا أتقبّل العمل وأنت تعمل والأُجرة بيننا بالسويّة أو على نسبة أُخرى ، لم يصح عند علمائنا - وبه قال زفر(٤) - ولا يستحقّ العامل المسمّى ، بل له أُجرة المثل.

وقال أحمد : تصحّ الشركة ؛ لأنّ الضمان يستحقّ به الربح بدليل شركة الأبدان ، وتقبّل العمل يوجب الضمان على المتقبّل ، ويستحقّ به الربح ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، البيان ٦ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

(٤) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

٣٦٧

فصار كتقبّله المالَ في المضاربة ، والعمل يستحقّ به العامل الربح كعمل المضاربة ، فينزَّل منزلة المضاربة(١) .

والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ١٨٢ : الربح في شركة الأبدان على نسبة العملين ، لا على الشرط الذي شرطاه‌ ، عند علمائنا ؛ لأنّ الشركة باطلة على ما تقدّم(٢) بيانه.

وقال أحمد : إنّها صحيحة ، والشركة على ما اتّفقوا عليه من مساواةٍ أو تفاضلٍ ، ولكلٍّ منهما المطالبة بالأُجرة ، وللمستأجر دفعها إلى كلّ واحدٍ منهما ، وإلى أيّهما دفع برئ منها ، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريطٍ فهي من ضمانهما معاً ؛ لأنّهما كالوكيلين في المطالبة ، وما يتقبّله كلّ واحدٍ منهما من عملٍ فهو من ضمانهما يطالب به كلّ واحدٍ منهما ، ويلزمه عمله ؛ لأنّ هذه الشركة لا تنعقد إلّا على الضمان ، ولا شي‌ء منها تنعقد عليه الشركة حال الضمان ، فكأنّ الشركة تتضمّن ضمان كلّ واحدٍ منهما عن الآخَر ما يلزمه.

ولو أقرّ أحدهما بما في يده ، قُبِل عليه وعلى شريكه ؛ لأنّ اليد له ، فيُقبل إقراره بما فيها ، ولا يُقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدَيْنٍ عليه(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل.

ولو عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب للعامل خاصّةً عندنا ، وإن حصل من الآخَر سفارة فله أُجرته عليها.

وقال أحمد : إذا عمل أحدهما خاصّةً ، كان الكسب بينهما على‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ و ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧ و ١٨٨.

(٢) في ص ٣١٢ - ٣١٣ ، المسألة ١٤٢.

(٣) المغني ٥ : ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٨.

٣٦٨

ما شرطاه ، سواء ترك العمل لمرضٍ أو غيره ، ولو طالَب أحدهما الآخَر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه مَنْ يعمل ، فله ذلك ، فإن امتنع فللآخَر الفسخ(١) .

وهو باطل عندنا على ما سلف(٢) .

ولو كان لقصّارٍ أداةٌ ولآخَر بيتٌ ، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما ، جاز ، والأجر بينهما على ما شرطاه ، عند أحمد ؛ لأنّ الشركة وقعت على عملهما ، والعمل يستحقّ به الربح في الشركة ، والآلة والبيت لا يستحقّ بهما شي‌ء(٣) .

وعندنا أنّ هذه الشركة باطلة ، وقد سلف(٤) .

مسألة ١٨٣ : إذا كانت الشركة باطلةً ، قسّما الربح على قدر رؤوس أموالهما‌ ، ويرجع كلٌّ منهما على الآخَر بأجر عمله - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ المسمّى يسقط في العقد الفاسد ، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري ، والنماء فائدة مالهما ، فيكون تابعاً للأصل ، كالثمرة.

والرواية الأُخرى لأحمد : إنّهما يقتسمان الربح على ما شرطاه ، ولا يستحقّ أحدهما على الآخَر أجر عمله ، وأجراها مجرى الصحيحة ؛ لأنّه عقد يصحّ مع الجهالة ، فيثبت المسمّى في فاسده ، كالنكاح(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٤ و ١١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٩.

(٢) في ص ٣٤٠ - ٣٤١ ، المسألة ١٦١.

(٣) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) في ص ٣٤٥ ، المسألة ١٦٥.

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٦ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٦ / ٧٢١ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

(٦) المغني ٥ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

٣٦٩

إذا عرفتَ هذا ، فلو كان مال كلّ واحدٍ منهما متميّزاً ، وكان ربحه معلوماً ، كان لكلٍّ ربحُ ماله ، ولا يشاركه الآخَر فيه.

ولو ربح في جزءٍ منه ربحاً متميّزاً وباقيه مختلطاً ، كان له تمام ما تميّز(١) من ربح ماله ، وله بحصّة باقي ماله من الربح.

مسألة ١٨٤ : ليس لأحد الشريكين أن يكاتب الرقيق ، ولا يعتق على مالٍ ولا غيره ، ولا يزوّج الرقيق‌ ؛ لأنّ الشركة منعقدة على التجارة ، وليست هذه الأنواع تجارةً ، لا سيّما تزويج العبد ؛ فإنّه محض ضررٍ.

وليس له أن يُقرض ولا يحابي ؛ لأنّه تبرّع.

وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربةً ؛ لأنّ ذلك يُثبت في المال حقوقاً ، ويستحقّ غير المالك ربحه ، وليس له ذلك إلّا بإذن ربّ المال.

وليس له أن يمزج مال الشركة بماله ، ولا مال غيره ؛ لأنّه تعيّب في المال.

وليس له أن يستدين على مال الشركة ، فإن فَعَل فربحه له ، وعليه خسرانه.

وقال بعض العامّة : إذا استدان شيئاً ، لزم الشريكين معاً ، وربحه لهما وخسرانه عليهما ؛ لأنّ ذلك تملّك مالٍ بمالٍ ، فأشبه الصرف(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخل في الشركة أكثر ممّا رضي الشريك أن يشاركه فيه ، فلم يجز ، كما لو ضمّ إلى مال الشركة شيئاً من ماله ، ويفارق الصرف ؛ لأنّه بيع وإبدال عينٍ بعينٍ ، فهو كبيع الثياب بالدراهم.

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يتميّز ».

(٢) المغني ٥ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٣.

٣٧٠

وليس له أن يُقرّ على مال الشركة ، فإن فَعَل لزم في حقّه دون صاحبه ، سواء أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ ؛ لأنّ شريكه إنّما أذن له في التجارة ، والإقرار ليس منها.

ولو أقرّ بعيبٍ في عينٍ باعها أو أقرّ الوكيل على موكّله بالعيب ، لم يُقبَل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو أقرّ بقبض ثمن المبيع أو أجر المكاري والحمّال وأشباه ذلك ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّه من توابع التجارة ، فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه.

ولو رُدّت السلعة عليه بعيبٍ ، قَبِلها ، أو أعطى أرشها.

ولو حطّ من الثمن شيئاً أو أسقط دَيْناً لهما عن [ غريمهما ](٢) لزم في حقّه ، وبطل في حقّ شريكه ؛ لأنّ ذلك تبرّع ، والتبرّع يمضى في حصّته دون شريكه.

ولو كان لهما دَيْنٌ حالّ فأخّر أحدهما حصّته من الدَّيْن ، جاز - وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٣) - لأنّه أسقط حقّه من التعجيل ، فصحّ أن ينفرد به أحدهما ، كالإبراء.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) .

مسألة ١٨٥ : قد بيّنّا أنّ الشركة تتضمّن نوع وكالةٍ ، ولا يتعدّى الشريك حدّ الوكالة ، فليس له أن يبيع نَسْأً.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيرهما ». والمثبت كما في المغني ٥ : ١٣١.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

٣٧١

وإذا اشترى بجنس ما عنده دَفَعه ، وإن اشترى بغير جنسه لم يكن له أن يستدين الجنس ويصرفه في الثمن ؛ لأنّا منعناه من الاستدانة ، لكن له أن يبيع بثمنٍ من النقد الذي عيّنه ويدفع.

وليس له أن يودع إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه ليس من الشركة ، وفيه غرور ، أمّا مع الحاجة فإنّه من ضرورة الشركة ، فأشبه دفع المتاع إلى الحمّال ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والثانية : يجوز ؛ لأنّه عادة التجّار ، وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع(١) .

والعادة لا تقضي على الشرع ، والحاجة مسوّغة كما قلنا.

وليس له أن يوكّل فيما يتولّاه بنفسه ، كالوكيل.

وفي إحدى الروايتين عن أحمد : الجواز(٢) .

فإن وكّل أحدهما بإذن صاحبه جاز ، وكان لكلٍّ منهما عزله.

وليس لأحدهما أن يرهن بالدَّيْن الذي عليهما إلّا بإذن صاحبه أو مع الحاجة.

وعن أحمد روايتان(٣) .

وليس لأحدهما السفر بالمال المشترك إلّا بإذن صاحبه. والأقرب : إنّ له الإقالة ؛ لأنّها إمّا بيعٌ عند جماعةٍ من العامّة(٤) ، وهو يملك البيع ، أو فسخٌ عندنا ، وهو يملك الفسخ ، ويردّ بالعيب ، كلّ ذلك مع المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك ، جاز أن يعمل كلّ ما يصلح في التجارة من الإبضاع والمضاربة بالمال والمشاركة وخلطه بماله والسفر والإيداع والبيع نسيئةً والرهن والارتهان والإقالة ونحو ذلك ؛ لأنّه فوّض إليه الرأي في‌

____________________

(١ - ٣) المغني ٥ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٢.

(٤) راجع ج ١٢ - من هذا الكتاب - ص ١١٧ ، الهامش (٣)

٣٧٢

التصرّف الذي تقتضيه الشركة ، فجاز له كلّ ما هو من التجارة ، فأمّا ما يكون تمليكاً بغير عوضٍ - كالهبة والحطيطة لغير فائدةٍ والقرض والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجه - فلا يفعله إلّا بإذنه ؛ لأنّه إنّما فوّض إليه العمل برأيه في التجارة ، وليس ذلك منها.

ولو أخذ أحد الشريكين مالاً مضاربةً ، فربحه له دون صاحبه ؛ لأنّه يستحقّ ذلك في مقابلة عمله ، وليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه.

مسألة ١٨٦ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها والرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة‌ ؛ لأنّ الإنسان مسلّط على ماله ، فكان له المطالبة بإفرازه من مال غيره وتمييزه عنه ، وليس لأحدهما مطالبة الآخَر بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان الأعواض إذا لم يتّفقا على البيع ، ولا يصحّ التأجيل في الشركة.

ولو كان بعض المال في أيديهما والآخَر غائب عنهما فاقتسما الذي في أيديهما والغائب عنهما ، صحّت في المقبوض ، دون الغائب [ عن ](١) الناس ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام سُئل عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كلّ واحدٍ منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بماله!؟ »(٢) .

وسأل [ عبد الله بن سنان ](٣) الصادقَعليه‌السلام : عن رجلين بينهما مال منه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٨١٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والطبعة الحجريّة : « معاوية بن عمّار » وهو في سند الحديث ٨٢٠ من التهذيب ٧ : ١٨٦ ، والمثبت من المصدر.

٣٧٣

دَيْنٌ ومنه عينٌ ، فاقتسما العين والدَّيْن فتوى(١) الذي كان لأحدهما من الدَّيْن أو بعضه وخرج الذي للآخَر [ أيردّ ](٢) على صاحبه؟ قال : « نعم ، ما يذهب بماله!؟ »(٣) .

مسألة ١٨٧ : لو كان لرجلين دَيْنٌ بسببٍ واحد إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره ، فقبض أحدهما منه شيئاً ، فللآخَر مشاركته فيه - وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل(٤) - لما تقدّم(٥) في المسألة السابقة في رواية [ عبد الله بن سنان ](٦) عن الصادق(٧) .

ولأنّ تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدَّيْن في الذمّة من غير رضا الشريك ، وهو باطل ، فوجب أن يكون المأخوذ لهما والباقي بينهما.

ولغير القابض الرجوعُ على القابض بنصفه ، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها ، وله أن يرجع على الغريم ؛ لأنّ الحقّ ثبت في ذمّته لهما على وجهٍ سواء ، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلى الآخَر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشي‌ءٍ ؛ لأنّ حقّه ثابت في أحد المحلّين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخَر.

وليس للقابض منعه من [ الرجوع على ](٧) الغريم بأن يقول : أنا‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يراد ». والمثبت من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢١.

(٤) المغني ٥ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨١.

(٥) آنفاً.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معاوية بن عمّار ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣٧٤

أُعطيك نصف ما قبضت ، بل الخيرة إليه من أيّهما شاء قبض ، فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك على الغريم بمثله.

وإن هلك المقبوض في يد القابض ، تعيّن حقّه فيه ، ولم يضمنه للشريك ؛ لأنّه قدر حقّه فيما تعدّى بالقبض ، وإنّما كان لشريكه مشاركته ؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

ولو أبرأ أحد الشريكين الغريمَ من حقّه ، برئ منه ؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك.

ولو أبرأ أحدهما من جزءٍ مشاع ، سقط من حقّه ، وبسط ما يقبضانه من الغريم على النسبة ، فلو أبرأ أحدهما الغريمَ من عُشْر الدَّيْن ثمّ قبضا من الدَّيْن شيئاً ، قسّماه على قدر حقّهما في الباقي ، للمُبرئ أربعة أتساعه ، ولشريكه خمسة أتساعه.

وإن قبض(١) نصف الدَّيْن ثمّ أبرأ أحدهما من عُشْر الدين كلّه ، نفذت البراءة في خُمس الباقي ، وما بقي بينهما على ثمانية ، للمُبرئ ثلاثة أثمانه ، وللآخَر خمسة أثمانه ، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا.

ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدَّيْن ثوباً ، قال بعض العامّة : كان للآخَر إبطال الشراء ، فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل البيع ، لم يلزمه(٢) ذلك(٣) .

وإن أجاز البيع ليملك [ نصف ] الثوب جاز ، ويبنى على بيع الفضولي

____________________

(١) الظاهر : « قبضا ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ». والمثبت من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

٣٧٥

هل يقف على الإجازة أو لا؟ فعندنا نعم ، وبين العامّة خلاف(١) .

ولو أجّل أحدهما نصيبه من الدَّيْن جاز ، فإنّه لو أسقط حقّه جاز فتأخيره أولى ، فإن قبض الشريك بعد ذلك [ شيئاً ] لم يكن لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ.

هذا إذا أجّله في عقدٍ لازم ، وإن لم يكن في عقدٍ لازم كان له الرجوعُ ؛ لأنّ الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، فوجوده كعدمه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ ما يقبضه أحدهما له ، دون صاحبه ؛ لأنّ ما في الذمّة لا ينتقل إلى العين إلّا بتسليمه إلى غريمه أو وكيله ، وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ولا لوكيله ، فلا يثبت له فيه حقٌّ ، وكان لقابضه(٢) ؛ لثبوت يده عليه بحقٍّ ، فأشبه ما لو كان الدَّيْن بسببين ، ولأنّ هذا يشبه الدَّيْن في الذمّة ، وإنّما يتعيّن حقّه بقبضه ، فأشبه تعيينه بالإبراء ، ولأنّه لو كان لغير القابض حقٌّ في المقبوض لسقط بتلفه كسائر الحقوق ، ولأنّ هذا القبض إن كان بحقٍّ لم يشاركه غيره فيه ، كما لو كان الدَّيْن بسببين ، وإن كان بغير حقٍّ لم يكن له مطالبته ؛ لأنّ(٣) حقّه في الذمّة لا في العين ، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالاً ، فعلى هذا ما قبضه القابض يختصّ به ، دون شريكه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه ، فإن اشترى بنصيبه ثوباً أو غيره صحّ ، ولم يكن لشريكه إبطال الشراء ، وإن قبض أكثر‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له قبضه » بدل « لقابضه ». والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولأنّ ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو ، كما في المصدر.

٣٧٦

من حقّه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم ممّا زاد على حقّه(١) .

والمشهور ما قلناه أوّلاً.

ولا تصحّ قسمة ما في الذمم ؛ لأنّ الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل ، والقسمة تقتضي التعديل ، والقسمة من غير تعديلٍ بيعٌ ، ولا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو تقاسما ثمّ تَوى(٢) بعض المال ، رجع مَنْ تَوى ماله على مَنْ لم يَتْو ، وبه قال ابن سيرين والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الأُخرى : يجوز ذلك ؛ لأنّ الاختلاف لا يمنع القسمة ، كما لو اختلفت الأعيان ، وبه قال الحسن وإسحاق(٣) .

وهذا إذا كان في ذممٍ متعدّدة ، فأمّا في ذمّةٍ واحدة فلا يمكن القسمة ؛ لأنّ معنى القسمة إفراز الحقّ ، ولا يتصوّر ذلك في ذمّةٍ واحدة.

مسألة ١٨٨ : قد بيّنّا أنّه إذا تساوى المالان تساوى الشريكان في الربح‌ ، وإن تفاوت المالان تفاوتا في الربح على النسبة ، فإن شرطا خلاف ذلك جاز عندنا ، وصحّت الشركة ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، خلافاً للشافعي(٥) .

فلو كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرّف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين فإن كان صاحب الألفين شرط على نفسه العمل فيهما أيضاً ، صحّ عندنا.

وقال الشافعي : تفسد الشركة ، ويكون الربح على قدر المالين ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ - ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢ - ١٨٣.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٨ / ٥٠ ، المغني ٥ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٣.

(٥) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٧٧

ويجب لكلّ واحدٍ منهما على الآخَر أُجرة عمله في نصيبه(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا كانت الشركة فاسدةً لم يجب لواحدٍ منهما أُجرة ؛ لأنّ العمل لا يقابله عوض في الشركة الصحيحة فكذلك الفاسدة(٢) .

والمعتمد عندنا : إنّ الشركة إذا فسدت كان لكلٍّ منهما أُجرة مثل عمله - كما هو قول الشافعي - لأنّ المتشاركين إذا شرطا في مقابلة عملهما ما لم يثبت ، يجب أن يثبت عوض المثل ، كما لو شرطا في الإجارة شرطاً فاسداً.

وما ذكره في الصحيحة فإنّما لم يستحق في مقابلة العمل عوضاً ؛ لأنّه لم يشترط في مقابلته شيئاً ، وفي مسألتنا بخلافه.

ولو شرط صاحب الألفين العمل على صاحب الألف خاصّةً ، صحّت الشركة ، وكانت شركةً وقراضاً عند الشافعي ، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحقّ ماله ، والباقي - وهو ثلثا الربح - بينهما ، لصاحب المال ثلاثة أرباعه ، وللعامل ربعه ، وذلك لأنّه جعل النصف له ، فجعلنا الربح ستّة أسهم منها ثلاثة شرط حصّة ماله منها سهمان ، وسهم هو ما يستحقّه بعمله على مال شريكه [ و ](٣) حصّة مال شريكه أربعة أسهم ، للعامل سهم ، وهو الربع(٤) .

وعندنا أنّه يكون شركةً صحيحة ؛ عملاً بالشرط.

ولو كان لرجلين ألفا درهم فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٩٦ و ٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٣٢ - ١٣٣ ، البيان ٦ : ٣٣٤ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧.

٣٧٨

ويكون الربح بينهما نصفين ، فإنّ هذا ليس بشركةٍ ولا قراض ؛ لأنّ شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل ، والقراض يقتضي أن يكون للعامل نصيب من الربح في مقابلة عمله ، وهنا لم يشرط له ، فإذا عمل كان الربح بينهما نصفين على قدر المالين ، وكان عمله في نصيب شريكه معونةً له منه وتبرّعاً ؛ لأنّه لم يشترط لنفسه في مقابلته عوضاً.

مسألة ١٨٩ : لو اشتريا عبداً وقبضاه فأصابا به عيباً فأراد أحدهما الإمساكَ والآخَر الردَّ ، لم يجز‌ ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الشافعي : يجوز(٢) .

وقد سلف(٣) ذلك في كتاب البيوع(٤) .

إذا تقرّر هذا ، فإذا اشترى أحد الشريكين عبداً فوجد به عيباً ، فإن أرادا الردَّ كان لهما.

وإن أراد أحدهما الردَّ والآخَر الإمساك ، فإن كان قد أطلق الشراء ولم يذكر أنّه يشتريه له ولشريكه لم يكن له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّه يشتريه لنفسه ، فلم يلزم البائع حكماً بخلاف الظاهر.

وإن كان قد أعلمه أنّه يشتريه بمال الشركة أو له ولشريكه ، لم يكن لأحدهما الردّ وللآخَر الأرش على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : ليس له الردّ ؛ لأنّه إنّما أوجب إيجاباً واحداً ، فلا يبعّض‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٣)

(٢) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٤)

(٣) في ج ١١ ، ص ١٧٢ ، المسألة ٣٤٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « البيع ».

٣٧٩

عليه.

والثاني : له الردّ ؛ لأنّه إذا كان يقع الشراء لاثنين ، كان بمنزلة أن يوجب لهما ، ولو أوجب لهما كان في حكم العقدين ، كذا هنا(١) .

وإذا باع أحد الشريكين عيناً من أعيان الشركة وأطلق البيع ثمّ ادّعى بعد ذلك أنّه باع ماله ومال شريكه بغير إذنه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه يخالف ظاهر قوله ، فإن ادّعى ذلك شريكه ، كان عليه إقامة البيّنة أنّه شريكه فيه ، فإذا قامت البيّنة به وادّعى المشتري أنّه أذن للبائع في البيع ، كان القولُ قولَه : إنّه لم يأذن ، مع يمينه ، فإذا حلف فسخ البيع في نصيبه إن لم يجز البيع ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا برضا المشتري.

وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا كان لكلٍّ من الرجلين عبد بانفراده ، صحّ بيعهما معاً صفقةً واحدة ومتعدّدة‌ ، اتّفقت قيمتهما أو اختلفت ، عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : يصحّ مطلقاً ؛ لأنّ جملة الثمن معلومة في العقد.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ البيع فاسد ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، فتكون حصّة كلّ واحدٍ منهما مجهولةً ؛ لأنّ ما يخصّ كلّ واحدٍ من العبدين من الثمن غير معلومٍ في العقد ، بخلاف ما لو كان العبدان لواحدٍ ؛ لوحدة العقد(٣) .

وهو غلط ؛ إذ مجموع الثمن في مقابلة مجموع الأجزاء ، وهُما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٧ ، البيان ٦ : ٣٤٢.

(٢) راجع بحر المذهب ٨ : ١٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493