تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152670
تحميل: 2979


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152670 / تحميل: 2979
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: إذا سافر الرّجل في شهر رمضان، أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : روى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الرّجل(٢) ويدع الصّلاة من قيام؟

قال:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) . هو أعلم بما يطيقه.

وروى جميل بن درّاج(٣) ، عن الوليد بن صبيح، قال: حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان. فبعث إليّ أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ بقصعة. فيها خلّ وزيت. وقال لي: أفطر.

وصلّ، وأنت قاعد.

وفي رواية حريز(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الصّائم إذا خاف على عينيه من الرّمد، أفطر.

( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) ، أي: على الّذين كانوا يطيقون الصّوم، فلم يطيقوه الآن لمرض، كعطاش(٥) أو كبر أو أفطروا لمرض أو سفر، ثمّ زال عذرهم وأطاقوا ولم يقضوا حتّى دخل رمضان آخر،( فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) : بمدّ من كلّ يوم.

في الكافي(٦) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) قال: الشّيخ الكبير(٧) والّذي يأخذه العطاش.

أحمد بن محمّد(٨) ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٩) »، قال: الّذين كانوا يطيقون الصّوم فأصابهم كبر أو عطاش(١٠) أو شبه ذلك، فعليهم بكل(١١) يوم مدّ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٣، ح ٣٦٩.

(٢) المصدر: الصائم. (ظ)

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٧٠.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٨٤، ح ٣٧٣.

(٥) أ: العطاش.

(٦) الكافي ٤ / ١١٦، ح ١.

(٧) أ: قال: الذين كانوا يطيقون الصوم الشيخ الكبير.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

(٩) أ: مسكين.

(١٠) ر: كبرا أو عطاشا.

(١١) المصدر: لكلّ.

٢٤١

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٢) ، قال: من مرض في شهر رمضان، فأفطر، ثمّ صحّ، فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر، فعليه ان يقضي ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من الطّعام.

وقرأ نافع وابن عامر بإضافة الفدية إلى «الطّعام» وجمع «المساكين(٣)( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) : فزاد في الفدية.

( فَهُوَ ) ، أي: التّطوّع أو الخير،( خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا ) ، أي: صومكم على تقدير عدم المانع، وتكلف الصّوم على تقدير وجوده.

( خَيْرٌ لَكُمْ ) من الفدية، أو تطوّع الخير، أو منهما،( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٤) ما في الصّوم من الفضيلة.

وجوابه محذوف، أي اخترتموه، أو إن كنتم من أهل العلم والتّدبّر، علمتم أنّ الصّوم خير لكم من ذلك.

( شَهْرُ رَمَضانَ ) :

مبتدأ. خبره ما بعده. أو خبر مبتدأ محذوف. تقديره «ذلكم شهر رمضان.» أو بدل من الصّيام، على حذف المضاف، أي: كتب عليكم الصّيام، صيام شهر رمضان.

وقرئ بالنّصب على إضمار صوموا أو على أنّه بدل من( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) أو مفعول( وَأَنْ تَصُومُوا ) . وفيه ضعف.

و «رمضان» مصدر رمض، إذا احترق. فأضيف إليه الشّهر. وجعل علما له.

ومنع من الصّرف للعلميّة والألف والنّون.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى الخثعمىّ، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: لا تقولوا «رمضان». ولكن قولوا «شهر رمضان». فانّكم لا تدرون ما رمضان؟

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٦٦.

(٢) أ: مسكين.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٧٢.

(٤) بل في فروع الكافي، ر. الكافي ٤ / ٦٩، ح ١.

٢٤٢

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: كنّا عنده ثمانية رجال. فذكرنا رمضان. فقال: لا تقولوا «هذا رمضان» ولا «ذهب رمضان» ولا «جاء رمضان». فإنّ «رمضان» اسم من أسماء الله ـ عزّ وجلّ. لا يجيء ولا يذهب. وإنّما يجيء ويذهب الزّائل.

ولكن قولوا «شهر رمضان». فالشّهر(٢) مضاف إلى الاسم. والاسم اسم الله عزّ ذكره. وهو الشّهر الّذي أنزل فيه القرآن. جعله مثلا وعيدا(٣) .

( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، الموصول بصلته خبر لمبتدأ او صفته والخبر «فمن شهد». أي: أنزل في شأنه القرآن. وهو قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، أو( أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ نزل منجّما.

وفي أصول الكافي(٤) ، عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) . وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره. فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: نزل القرآن جملة واحدة في جملة شهر رمضان، إلى البيت المعمور. ثمّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمّ قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان. وأنزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان. وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان. وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو الشّاميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان. واستقبل الشّهر بالقرآن.

ويمكن الجمع بين الخبرين، بحمل الإنزال جملة واحدة في ثلاث وعشرين

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٢) المصدر: فأن الشهر.

(٣) ليس في أ.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٨، ح ٦.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٦٥، ح ١.

٢٤٣

إلى البيت المعمور. وحمل الإنزال في أوّل اللّيلة، على ابتداء إنزاله منجّما إلى الدّنيا.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن سهيل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعا ـ عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول: نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام.

وفي أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما يكون بينكم.

أبو عليّ الأشعريّ،(٣) عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام.

والجمع بين الخبر الأوّل والثّاني، أنّ المراد بالخبر الأوّل، أنّ ثلث القرآن فينا وفي عدوّنا، بحسب بطونه، وإن كان بحسب ظاهر ألفاظه في شيء من السّنن والأحكام والقصص وغير ذلك. وثلثاه الآخران، ليسا كذلك.

والجمع بينه وبين الثّالث، بأن قائله أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وله لاختصاص ببعض الآيات لم يشركه فيها باقي الأئمّة ـ عليهم السّلام. وقائل الخبر الثّالث، أبو جعفر ـ عليه السّلام. ومراده ـ عليه السّلام ـ أنّ الرّبع يشترك فيه كلّنا.

وروى عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت: إنّ النّاس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال: كذبوا أعداء الله. ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) :

حالان من القرآن، أي: أنزل وهو هداية للنّاس، باعجازه، وآيات واضحات ممّا يهدي إلى الحقّ، ويفرق به بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٢٧، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦٢٨، ح ٤.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٣٠، ح ١٣.

٢٤٤

وفي كتاب معاني الأخبار(١) ، بإسناده إلى ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن «القرآن» و «الفرقان» أهما شيئان؟ أم شيء واحد؟

قال: فقال: «القرآن» جملة الكتاب. و «الفرقان» المحكم الواجب العمل به.

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ ) :

في الفاء إشعار بأنّ الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصّوم فيه.

( الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فيه.

وضع المظهر، موضع المضمر، للتّعظيم. نصب على الظّرف. وحذف الجارّ.

ونصب الضّمير على الاتّساع.

وقيل(٢) : من شهد منكم هلال الشّهر، فليصمه على أنّه مفعول به، كقولك شهدت يوم الجمعة، أي: صلاتها.

في كتاب الخصال(٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقوله تعالى:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وسأل عبيد بن زرارة، أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

[قال: ما أبينها من شهد فليصمه].(٥) ومن سافر، فلا يصمه.

وروى الحلبيّ(٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا. ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر.

فسكت. فسألته غير مرّة.

فقال: يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن الصّباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) معاني الاخبار / ١٨٩، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

(٣) الخصال ٢ / ٦١٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٩١، ح ٤٠٤.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكافي ٤ / ١٢٦، ح ٢.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٨٠، ح ١٨٦.

٢٤٥

ـ عليه السّلام: إن ابن يعقوب(١) أمرني أن أسألك عن مسائل.

فقال: وما هي؟

قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إليّ أن أسافر؟

قال: إنّ الله يقول:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) . فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله، فليس له أن يسافر، إلّا إلى الحج(٢) ، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه.

( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) :

مخصّص لسابقه. لأنّ المسافر والمريض ممّن شهد الشّهر. ولعلّ تكريره لذلك.

( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، أي: يريد أن ييسّر عليكم، ولا يعسّر عليكم. ولذلك أوجب الفطر للسّفر والمرض.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، قال: «اليسر» عليّ.

( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١٨٥): علل لفعل محذوف. دلّ عليه ما سبق، أي: شرع جملة ما ذكر من أمر الشّاهد بالصّوم والمسافر والمريض بالإفطار ومراعاة عدّة ما أفطر فيه، لتكملوا العدّة إلى آخرها، على سبيل اللّفّ. فإنّ قوله «ولتكملوا» علّة الأمر بمراعاة العدّة.( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ ) علّة أمر الشّاهد بالصّوم.( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) علّة أمر المسافر والمريض بالإفطار، أو لأفعال كلّ لفعله، أو معطوفة على علّة مقدّرة، مثل: ليسهّل عليكم، أو لتعملوا ما تعملون، ولتكملوا. ويجوز أن يعطف على «اليسر»، أي: يريد لكم لتكملوا، كقوله(٤) :( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ) .

والمعنى بالتّكبير وتعظيم الله، بالحمد والثّناء عليه. ولذلك عدّي بعلى. ومن جملته تكبير يوم الفطر.

وقيل(٥) : المراد التّكبير عند الإهلال. و «ما» يحتمل المصدر والخبر، أي: الّذي

__________________

(١) المصدر: ابن أبي يعفور. (ظ)

(٢) المصدر: لحج.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩١.

(٤) الصف / ٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

٢٤٦

هداكم إليه. وعن عاصم: ولتكملوا بالتّشديد.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام ثمّ اختزلها عن ايّام السّنة. والسّنة ثلاثمائة وأربعة(٢) وخمسون يوما.

شعبان لا يتمّ أبدا. ورمضان لا ينقص، والله أبدا. ولا تكون فريضة ناقصة. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) . وشوّال تسعة وعشرون يوما.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: جعلت فداك! ما نتحدث(٤) به عندنا أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين. أحقّ هذا؟

قال: ما خلق الله من هذا حرفا. ما صامه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا ثلاثين. لأنّ الله يقول:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينقصه؟

وفي الكافي(٥) : عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن سعيد النّقّاش. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لي: أما إنّ في الفطر تكبيرا ولكنّه مسنون(٦) .

قال: قلت: وأين هو؟

قال: في ليلة الفطر، في المغرب والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وفي صلاة العيد. ثمّ يقطع.

قال: قلت: كيف أقول؟

قال: تقول «الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلّا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد.

الله أكبر على ما هدانا.» وهو قول الله تعالى:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) ، يعني: الصّيام. ولتكبّروا الله على ما هداكم.

وفي محاسن البرقيّ(٧) ، عنه عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله

__________________

(١) الكافي ٤ / ٧٨، ح ٢.

(٢) المصدر: وأربع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩٤.

(٤) المصدر: يتحدث.

(٥) الكافي ٤ / ١٦٦، ح ١.

(٦) المصدر: مستور.

(٧) المحاسن / ١٤٢، ح ٣٦.

٢٤٧

( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) ، [قال: التكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(١) ، عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: التّكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(٢) ، عن بعض أصحابنا، في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٣) ( ]وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: الشّكر المعرفة.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، وفي العلل الّتي تروى عن الفضل بن شاذان النّيشابوريّ ـ رضي الله عنه. ويذكر أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ إنّه إنّما جعل يوم الفطر العيد ـ إلى أن قال ـ: وإنّما جعل التّكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصّلوات. لأنّ التّكبير إنّما هو تعظيم الله وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال ـ عزّ وجلّ:( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) : فقل لهم إنّي قريب.

وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطّلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.

روى(٥) أنّ أعرابيّا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أقريب ربّنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزلت.

( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) :

تقرير للقرب ووعد للدّاعي بالإجابة.

( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) إذا دعوتهم للإيمان والطّاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهمّاتهم.

( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) : أمر بالدّوام والثّبات.

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر / ١٤٩، ح ٦٥، هكذا: عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) قال: الشكر المعرفة، وفي قوله( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) فقال: الكفر، هاهنا، الخلاف. والشكر، الولاية والمعرفة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٣٠، ح ١٤٨٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

٢٤٨

( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١٨٦): راجين إصابة الرّشد. وهو إصابة الحقّ.

وقرئ بفتح الشّين وكسرها.

وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال لي أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: أخبرني عنك، لو أنّي قلت لك قولا، أكنت تثق به؟

فقلت له: جعلت فداك! إذا لم أثق بقولك فبمن أثق؟ وأنت حجّة الله على خلقه.

قال فكن بالله أوثق. فإنّك على موعد من الله. أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) . وقال(٢) :( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) وقال(٣) : والله( يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) . فكن بالله ـ عزّ وجلّ ـ أوثق منك بغيره. ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيرا. فإنّه مغفور لكم.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي روضة الكافي(٤) ، خطبة طويلة مسندة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام. يقول ـ عليه السّلام فيها: فاحترسوا من الله ـ عزّ وجلّ ـ بكثرة الذّكر. واخشوا منه بالتّقى وتقرّبوا إليه بالطّاعة فإنّه قريب مجيب. قال الله تعالى:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .

وفي نهج البلاغة(٥) : قال ـ عليه السّلام: ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه، من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمه. واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطك إبطاء إجابته. فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألته(٦) الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا(٧) وآجلا.(٨) وصرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالحال لا يبقى لك ولا تبقى له.

__________________

(١) الكافي ٢ / ١.

(٢) الزمر / ٥٣.

(٣) البقرة / ٢٦٨.

(٤) الكافي ٨ / ٣٩٠، ح ٥٨٦.

(٥) نهج البلاغة / ٣٩٩، ضمن رسائله ٣١.

(٦) المصدر: سألت.

(٧ و ٨) المصدر: أو. (ظ)

٢٤٩

وفيه(١) : قال ـ عليه السّلام: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ سل حاجتك. فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.

وفي مجمع البيان(٢) : روى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) »، أي: وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه،( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) »، أي: لعلّهم يصيبون الحقّ ويهتدون إليه.

وروى(٣) عن جابر بن عبد الله. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه. فيقول: يا جبرائيل! لا تقض(٤) لعبدي هذا حاجته. وأخّرها. فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته. وإنّ العبد ليدعو الله وهو مبغضه(٥) فيقول: يا جبرئيل! اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجّلها. فإنّي أكره أن أسمع صوته.

ثمّ بيّن أحكام الصّوم، فقال :

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) :

( لَيْلَةَ الصِّيامِ ) »، اللّيلة الّتي يصبح منها صائما.

و «الرّفث» كناية عن الجماع لأنّه لا يكاد يخلو من رفث. وهو الإفصاح بما يجب أن يكنّى عنه. وعدّي بإلى، لتضمّنه معنى الإفضاء وإيثاره، هاهنا، لتقبيح ما ارتكبوه.

ولذلك سمّاه خيانة. وقرئ الرّفوث.

وفي كتاب الخصال(٦) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه من الأربعمائة باب. قال ـ عليه السّلام: يستحبّ للرّجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان، لقوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» والرّفث، المجامعة.

وفي الكافي(٧) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن القسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه ـ عليهم السّلام: أنّ عليّا ـ صلوات الله عليه ـ قال: يستحبّ للرّجل أن

__________________

(١) نفس المصدر / ٥٣٨، حكمة ٣٦١.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٧٩.

(٤) النسخ: اقض.

(٥) المصدر: يبغضه.

(٦) الخصال ٢ / ٦١٢.

(٧) الكافي ٤ / ١٨٠، ح ٣.

٢٥٠

يأتي أهله (وذكر كما في كتاب الخصال، سواء).

وفي مجمع البيان(١) : وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ كراهية الجماع في أوّل ليلة من كلّ شهر، ألا أوّل ليلة من شهر رمضان. فإنّه يستحبّ ذلك، لمكان الآية.

( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) :

استئناف يبين سبب الإحلال، وهو قلّة الصّبر عنهنّ وصعوبة اجتنابهنّ، لكثرة المخالطة وشدّة الملابسة، ولما كان الرّجل والمرأة يعتنقان، ويشتمل كلّ منهما على صاحبه شبّه باللّباس، أو لأنّ كلّ واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور.

( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) : تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظّها من الثّواب.

والاختيان أبلغ من الخيانة، كالاكتساب من الكسب.

( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) لـمّا تبتم ما اقترفتموه.

( وَعَفا عَنْكُمْ ) : ومحى عنكم أثره.

( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ ) : نسخ عنكم التّحريم والمباشرة.

إلزاق البشرة بالبشرة، كنّى به عن الجماع.

( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) :

واطلبوا ما قدّره لكم. وأثبته في اللّوح من الولد.

( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) : شبّه أوّل ما يبدو في الفجر المعترض في الأفق وما يمتدّ معه من غلس اللّيل، بخيطين أبيض وأسود. واكتفى ببيان الخيط الأبيض، لقوله «من الفجر» عن بيان الخيط الأسود، لدلالته عليه. وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التّمثيل. ويجوز أن يكون «من» للتّبعيض. فإنّ ما يبدو بعض الفجر.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٠.

(٢) الكافي ٤ / ٩٨، ح ٤.

٢٥١

أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» الآية. فقال: نزلت في خوات بين جبير الأنصاري. وكان مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الخندق. وهو صائم. فأمسى، وهو على تلك الحال. وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم، حرّم عليه الطّعام والشّراب. فجاء خوات إلى أهله حين أمسى.

فقال: هل عندكم طعام؟

قالوا(١) : لا تنم حتى نصلح لك طعاما. فاتكا فنام.

فقالوا له: قد فعلت.

قال: نعم.

فبات على تلك الحال. فأصبح. ثمّ غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمرّ به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فلمّا رأى الّذي أخبره به كيف كان أمره، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الآية:( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثني أبي ـ رفعه(٣) . قال: قال الصّادق ـ عليه السّلام: كان النّكاح والأكل، محرّمان(٤) في شهر رمضان، باللّيل بعد النّوم، يعني: كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه، حرّم عليه الإفطار. وكان النّكاح حراما باللّيل والنّهار، في شهر رمضان. وكان رجل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقال له خوات بن جبير، أخو عبد الله بن جبير الّذي كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكّله بفم الشّعب، يوم أحد، في خمسين من الرّماة، ففارقه أصحابه، بقي في اثني عشر رجلا، فقتل على باب الشّعب. وكان أخوه هذا، خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا. وكان صائما.

فأبطأت عليه أهله بالطّعام. فنام قبل أن يفطر. فلمّا انتبه قال لأهله: «قد حرّم عليّ الأكل في هذه اللّيلة.» فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه. فرآه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرّق له. وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل، سرّا في شهر رمضان فأنزل الله:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ. عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ

__________________

(١) المصدر: فقالوا: لا.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٦، بتفاوت.

(٣) أ: رفعة.

(٤) كذا في أور وفي المصدر وفي الأصل: محرما.

٢٥٢

وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فأحلّ الله ـ تبارك وتعالى ـ النّكاح باللّيل، في شهر رمضان، والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر لقوله:( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ».

قال: هو بياض النّهار من سواد اللّيل.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : وسئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

فقال: بياض النّهار من سواد اللّيل.

وقال في خبر آخر(٢) : هو الفجر الّذي لا شكّ فيه.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحسين(٤) إلى أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ معي: جعلت فداك! قد اختلف مواليك(٥) في صلاة الفجر. فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء.

ومنهم من يصلّي إذا اعترض مع أسفل الأفق واستبان. ولست أعرف أفضل الوقتين، فأصلّي فيه. فإن رأيت أن تعلّمنى أفضل الوقتين. وتحدّه لي. وكيف أصنع مع القمر والفجر؟ لأتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السّفر والحضر؟ فعلت ـ إن شاء الله.

فكتب ـ عليه السّلام ـ بخطه وقراءته: الفجر ـ يرحمك الله ـ هو الخيط الأبيض المعترض، ليس هو الأبيض صعدا. فلا تصلّ في سفر ولا حضر، حتّى تتبيّنه. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل خلقه في شبهة من هذا. فقال( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) .» فالخيط الأبيض، هو المعترض الّذي يحرم به الأكل والشّرب في الصّوم. وكذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران وقال: سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر. فقال أحدهما: هو ذا.» وقال الآخر: «ما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٢، ح ٣٦٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٦٤.

(٣) الكافي ٣ / ٢٨٢، ح ١.

(٤) المصدر: الحصين.

(٥) المصدر: مواليك. (ظ)

(٦) نفس المصدر ٤ / ٩٧، ح ٧.

٢٥٣

أرى شيئا.» قال: فليأكل الّذي لم يتبيّن له الفجر. وقد حرّم على الّذي زعم أنّه رأى الفجر. إنّ الله يقول:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) .» من الفجر.

( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) :

بيان آخر وقته. وإخراج اللّيل عنه. فينفى صوم الوصال.

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فظنّوا أنّه ليل، فأفطروا. ثمّ أنّ السّحاب انجلى. فإذا الشّمس.

فقال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٢) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا.

[عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فرأوا أنّه اللّيل، فأفطر بعضهم، ثمّ أنّ السّحاب انجلى، فإذا الشّمس، قال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٤) : و( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا].(٥)

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : القاسم بن سليمان، عن جراح، عنه(٧) قال: قال الله:( ثُمَ ) (٨) ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) »، يعني: صوم(٩) رمضان فمن رأى الهلال(١٠) بالنّهار، فليتمّ صيامه.

( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) : معتكفون فيها.

والاعتكاف، هو اللّبث في المسجد، لقصد القربة.

او المراد بالمباشرة، الوطء.

وعن قتادة(١١) : كان الرّجل يعتكف، فيخرج إلى امرأته، فيباشرها، ثمّ يرجع فنهوا

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ١.

(٢) الأصل ور والمصدر: و.

(٣) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ٢. (٤) ثم. (ظ)

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ. (٦) تفسير العياشي ١ / ٨٤، ح ٢٠١.

(٧) المصدر: عن الصادق ـ عليه السّلام.

(٨) كذا في أ. وفي المصدر والأصل ور: و.

(٩) المصدر: صيام.

(١٠) المصدر: هلال الشوال. (١١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٣.

٢٥٤

عن ذلك.

وفي كتاب الخصال(١) ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم الله تعالى من الفروج في القرآن، وعمّا حرّمه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سنّته(٢) .

فقال: الّذي حرّم الله من ذلك، أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السّنّة. وأمّا الّتي في القرآن: فالزّنا ـ إلى قوله عليه السّلام ـ والنّكاح في الاعتكاف، لقوله تعالى:( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ )

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد، في بعض مساجدها؟

فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة.

ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة.

سهل بن زياد(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا اعتكاف إلّا في العشرين من شهر رمضان.

وقال: إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان يقول لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرّسول، أو مسجد جامع. ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد، إلّا لحاجة لا بدّ منها. ثمّ لا يجلس حتّى يرجع(٥) . والمرأة مثل ذلك.

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن الاعتكاف.

قال: لا يصلح الاعتكاف الّا في مسجد الحرام، أو مسجد الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا.

واعلم أنّه ينبغي حمل مسجد الجماعة في الأخبار الّتي وقع فيها، على مسجد جمع فيه

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٣٢، ح ١٠.

(٢) أور: سنة.

(٣) الكافي ٤ / ١٧٦، ح ١.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٥) ر: ثم لا يجلس يرجع حتى لا يرجع.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٥٥

الإمام العدل، ليطابق الخبر الأوّل.

( تِلْكَ ) ، أي: الأحكام الّتي ذكرت،( حُدُودُ اللهِ ) : حدود قرّرها الله.

( فَلا تَقْرَبُوها ) : نهى أن يقرَب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل، لئلّا يدانى الباطل، فضلا على أن يتخطّى

، كما قال ـ عليه السّلام(١) : إنّ لكلّ ملك حمى. وإن حمى الله محارمه. فمن رتع حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.

وهو أبلغ من قوله: «فلا تعتدوها.» ويجوز أن يريد بحدود الله، محارمه ومناهيه.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك التّبيين،( يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (١٨٧) مخالفة الأوامر والنّواهي.

( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) ، أي: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الّذي لم يبحه الله.

و «بين» نصب على الظّرف، أو الحال من «الأموال.»( وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) : عطف على النّهي، أو نصب بإضمار «أن.» والإدلاء: الإلقاء، أي: ولا تلقوا حكومتها إلى حكّام الجور،( لِتَأْكُلُوا ) بالتّحاكم،( فَرِيقاً ) : طائفة،( مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ) : بما يوجب إثما، كشهادة الزّور، أو اليمين الكاذبة، أو متلبّسين بالإثم،( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٨): أنّكم مبطلون. فإنّ ارتكاب المعصية مع العلم بها أقبح.

وفي الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن زياد بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) .» فقال: كانت قريش يتغامز(٣) الرّجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) الكافي ٥ / ١٢٢، ح ١.

(٣) كذا في الأصل ور. وفي المصدر: تقامر. والظاهر: تتقامر.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٤١١، ح ٣.

٢٥٦

عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) .» فقال: يا أبا بصير! إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد علم أنّ في الأمّة حكّاما يجورون. أما إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور.

وفي تفسير العيّاشى(١) : عن الحسن بن عليّ قال: قرأت في كتاب أبي الأسد.

إلى أبي الحسن الثاني(٢) ـ عليه السّلام ـ وجوابه بخطّه سأل: ما تفسير قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) »؟

قال: فكتب إليه الحكّام القضاة.

قال: ثمّ كتب تحته: هو أن يعلم الرّجل، أنّه ظالم عاص. هو غير معذور في أخذه ذلك الّذي حكم له به، إذا كان قد علم أنّه ظالم.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : روى سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: الرّجل منّا يكون عنده الشّيء يتبلّغ به وعليه الدّين. أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله ـ عزّ وجلّ ـ بميسرة، فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسبة؟ أو يقبل الصّدقة؟

فقال: يقضي بما عنده دينه. ولا يأكل أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ )

وفي مجمع البيان(٤) : وروى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه يعنى بالباطل: اليمين الكاذبة، يقطع بها(٥) الأموال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) » (الآية) فإنّه قال العالم ـ عليه السّلام: قد علم الله أنّه يكون حكّام(٧) يحكمون بغير الحقّ. فنهى أن يحاكم(٨) إليهم لأنّهم(٩) لا يحاكمون بالحقّ، فتبطل الأموال.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٨٥، ح ٢٠٦.

(٢) كذا في المصدر وفي تفسير البرهان ١ / ١٨٨. وفي النسخ: الثالث.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١١٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٨٢.

(٥) المصدر: يقتطع به. (ظ)

(٦) تفسير القمي ١ / ٦٧.

(٧) المصدر: حكاما.

(٨) المصدر: يتحاكم.

(٩) المصدر: فانّهم.

٢٥٧

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) :

سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم(١) فقالا: ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتّى يستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ؟

( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) :

إنّهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر، وتبدّل أمره. فأمره الله أن يجيب بأنّ الحكمة الظّاهرة في ذلك أن يكون معالم للنّاس. يؤقّتون بها أمورهم ومعالم للعبادات المؤقّتة. يعرف بها أوقاتها. وخصوصا الحجّ. فإنّ الوقت مراعى فيه، أداء وقضاء.

والمواقيت، جمع ميقات، من الوقت. والفرق بينه وبين المدّة والزّمان، أنّ المدّة المطلقة، امتداد حركة الفلك، من مبدئها إلى منتهاها. والزّمان مدّة مقسومة. والوقت، الزّمان المفروض لأمر.

وفي تهذيب الأحكام(٢) : عليّ بن حسن بن فضّال قال: حدّثني محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الأهلّة.

قال: هي أهلّة الشّهور. فإذا رأيت الهلال، فصم. وإذا رأيته، فأفطر.

عليّ بن الحسن بن فضّال(٣) ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر العبديّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول: صم حين يصوم الناس. وأفطر حين يفطر النّاس. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل الأهلّة مواقيت.

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود(٤) قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن سعيد عن الحسين(٥) بن القسم، عن عليّ بن إبراهيم. قال: حدّثني أحمد بن عيسى بن عبد الله، عن عبد الله بن عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) »، قال: لصومهم وفطرهم وحجهم.

( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ) :

وجه اتّصاله بما قبله أنّهم سألوا عن الأمرين، أو أنّه(٦) لـمّا سألوا عمّا لا يعنونه، ولا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ١٦١، ح ٤٥٥.

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٦٤، ح ٤٦٢.

(٤) نفس المصدر ٤ / ١٦٦، ح ٤٧٣.

(٥) المصدر: الحسن.

(٦) أ: أو أنّه لـمّا سألوا عن الأمرين، أو انّه.

٢٥٨

يتعلّق بعلم النّبوّة، وتركوا السّؤال عمّا يعنونه، ويختصّ بعلم النّبوّة، عقّب بذكره جواب ما سألوه، تنبيها على أنّ اللائق لهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتمّوا بالعلم بها. أو أنّ المراد به التّنبيه على تعكيسهم السّؤال وتمثيلهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه.

والمعنى: وليس البرّ أن تعكسوا في مسائلكم ولكنّ البرّ من اتّقى ذلك، ولم يجسر على مثله.

( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ، إذ ليس في العدول برّ.

في مجمع البيان(١) : فيه وجوه :

أحدها ـ أنّه كان المجرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها. ولكنّهم كانوا يتنقّبون(٢) في ظهور بيوتهم، أي: في مؤخّرها نقبا يدخلون ويخرجون منه. فنهوا عن التّديّن بذلك. رواه أبو الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثانيها ـ أنّ معناه ليس البرّ بأن تأتوا الأمور(٣) من غير جهاتها. وينبغي أن تؤتى(٤) الأمور من جهاتها، أيّ الأمور كان. وهو المرويّ عن جابر عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثالثها ـ وقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاء عليها، إلى يوم القيامة، وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم. وعلىّ بابها. ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ويروى: أنا مدينة الحكمة.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الأصبغ بن نباتة. قال: كنت عند أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فجاءه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين! قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ».

فقال ـ عليه السّلام: نحن البيوت الّتي أمر الله أن تؤتى من أبوابها. نحن باب الله وبيوته الّتي يؤتى منها(٦) . فمن بايعنا وأقرّ بولايتنا، فقد أتى البيوت من أبوابها. ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لو شاء عرّف النّاس

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٤.

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: ينقبون. (ظ)

(٣) المصدر: البيوت.

(٤) المصدر: تأتوا.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٣٨.

(٦) المصدر: منه.

٢٥٩

نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه(١) من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

قال: فمن(٢) عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها.

وإنّهم عن الصّراط لنا كبون.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام(٣) ـ في حديث طويل وفيه: وقد جعل الله للعلم أهلا. وفرض على العباد طاعتهم بقوله:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء. وأبوابها أوصياؤهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن هذه الآية( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) .

فقال: آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة الى الجنّة والقادة إليها والادلّاء عليها، إلى يوم القيامة.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٥) :](٦) ويؤيّده ما رواه محمّد بن يعقوب ـ ره ـ عن عليّ(٧) بن(٨) محمّد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القسم(٩) ، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: الأوصياء هم أبواب الله ـ عزّ وجلّ ـ التي يؤتى منها.

ولولاهم ما عرف الله ـ عزّ وجلّ. وبهم احتجّ على خلقه.

وروى في معنى «من يأتى البيوت من غير أبوابها» ما رواه أبو عمرو الزّاهد(١٠) ، في كتابه، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت له: إنّا نرى الرّجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع. فهل ينفعه ذلك؟

فقال: يا أبا محمّد! إنّما مثلهم كمثل أهل بيت في بني إسرائيل. كان إذا اجتهد أحد منهم أربعين ليلة، ودعا الله أجيب. وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا الله ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: يعرفونه ويأتونه.

(٢) المصدر: فقال فيمن.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٦٩.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٨٦، ح ٢١٠.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: معلّى.

(٨) المصدر وأ: عن.

(٩) المصدر ور وأ: القاسم.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢٦٠