تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183293 / تحميل: 5545
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ينبع(١) من كلّ وجه ثلاث أعين. تسيل كلّ عين في جدول إلى سبط. وكانوا ستّمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلا.

أو حجرا أهبطه آدم من الجنّة. فتوارثوه حتّى وقع إلى شعيب. فدفعه إليه مع العصا.

أو الحجر الّذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل إذ رموه بالأدرة. ففرّ(٢) به. فقال له جبرئيل: يقول الله تعالى: ارفع هذا(٣) الحجر. فإن لي فيه قدرة ولك معجزة. فحمله في مخلاته.

وقيل: كانت حجرة فيها اثنتا عشرة حفرة وكان الحجرة من الكران وهي حجارة رخوة كأنّها مدرة. وكان يخرج من كل حفرة عين ماء عذب فرات، فيأخذونه. فإذا فرغوا وأراد موسى حمله، ضربه بعصاه، فيذهب الماء.

أو للجنس، أي: اضرب الشيء الّذي يقال له الحجر.

قال الحسن: وهذا أظهر في الحجّة. وأبين في القدرة.

روى أنّهم قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة. فحمل حجرا في مخلاته. فحيثما نزلوا، ألقاه. وكان يضربه بعصاه، فينفجر. ويضربه بها، فييبس.

فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشا.

فأوحى الله إليه: لا تقرع الحجارة. وكلّمها تعطك. لعلّهم يعتبرون.

وروي أنّه كان ذراعا في ذراع.

وروى أنّه كان على شكل رأس الإنسان. والعصا كانت عشرة أذرع على طول موسى، من آس الجنّة. وله شعبتان تتّقدان في الظّلمة(٤) .

[وفي مجمع البيان:(٥) وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود].(٦)

( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) :

__________________

(١) أ: يتبع.

(٢) أ: ففسر.

(٣) أ: إليّ هذا.

(٤) توجد الفقرات الماضية في الكشاف ١ / ١٤٤، مجمع البيان ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ وأنوار التنزيل ١ / ٥٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢١

«الانفجار»: الانشقاق. والانبجاس أضيق منه. فيكون أوّلا انبجاس، ثمّ يصير انفجارا. أو الانبجاس عند الحاجة إليه. والانفجار عند الاحتياج إليه. أو الانبجاس عند الحمل. والانفجار عند الوضع. فلا منافاة بينه وبين ما ذكر في سورة الأعراف(١) : «فانبجست».

والجملة جواب شرط محذوف. تقديره: فإن ضربت، فقد انفجرت. أو معطوفة على محذوفة. تقديره: فضرب، فانفجرت، كما مرّ في قوله( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) وقرئ عشرة (بكسر الشّين وفتحها). وهما لغتان.

( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ ) : كلّ سبط،( مَشْرَبَهُمْ ) : عينهم الّتي يشربون منها.

( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) ، على تقدير القول، أي: وقلنا لهم.

( مِنْ رِزْقِ اللهِ ) : يريد به ما رزقهم الله، من المنّ والسّلوى وماء العيون. وقيل: الماء وحده. لأنّه شرب. ويؤكل ما ينبت به(٢) .

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ (ره):(٣) روى موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام. قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في أثناء كلام طويل: فإنّ موسى ـ عليه السّلام ـ قد أعطي الحجر: فانبجست منه أثنتا عشرة عينا.

قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ: لقد كان كذلك. ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا نزل الحديبية وحاصره أهل مكّة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك. وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظّمأ وأصابهم ذلك حتّى التفّت خواصر الخيل. فذكروا ذلك له ـ عليه السّلام.

فدعا بركوة يمانيّة. ثمّ نصب يده المباركة فيها. فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء. فصدرنا وصدرت الخيل رواء. وملأنا كلّ مزادة وسقاء. ولقد كنّا معه بالحديبية. وإذا ثمّ قليب جافّة. فأخرج ـ صلّى الله عليه وآله ـ سهما من كنانته. فناوله البراء بن عازب. فقال له: اذهب بهذا السّهم إلى تلك القليب الجافّة. فاغرسه فيها. ففعل ذلك. فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، من تحت السّهم. ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوّته ،

__________________

(١) الأعراف / ١٦٠

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٥.

٢٢

كحجر موسى، حيث دعا بالميضاة. فنصب يده فيها. ففاضت بالماء. وارتفع حتّى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل. وشربوا حاجتهم. وسقوا دوابّهم. وحملوا ما أرادوا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى أبي الجارود، زياد بن المنذر. قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إذا خرج القائم من مكّة، ينادي مناديه: ألا لا يحمل أحد(٢) طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران. وهو وقر بعير. فلا ينزل(٣) منزلا إلا انفجرت منه عيون. فمن كان جائعا، شبع، ومن كان ظمآنا، روي، ورويت دوابّهم، حتّى ينزلوا النّجف، من ظهر الكوفة.

وفي الخرائج والجرائح(٤) ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ مثله. وزاد في آخره: فإذا نزلوا ظاهره انبعث منه الماء واللّبن، دائما. فمن كان جائعا، شبع. ومن كان ظمآنا، روي.

وفي أصول الكافي(٥) ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ وذكر مثل ما في كمال الدّين وتمام النّعمة، إلّا قوله ورويت دوابّهم (الخ)](٦)

( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (٦٠): لا تعتدوا حال إفسادكم.

وإنّما قيّده وإن كان العثيّ لا يكون إلّا فسادا. لأنّه يجوز أن يكون فعل ظاهره الفساد، وباطنه المصلحة، كقتل الخضر الغلام وخرقه السّفينة. فبيّن أنّ فعلهم، هو الفساد، ظاهرا وباطنا. ويقرب منه العبث. غير أنّه يغلب فيما يدرك حسّا.(٧) وجعل بعضهم الحال، مؤكّدة.

فإن قيل كيف يجتمع ذلك الماء الكثير في ذلك الحجر الصّغير؟

أجيب بأنّ ذلك من آيات الله الباهرة والأعاجيب الظّاهرة الدّالّة على أنّه من فعل الله. فإنّه لـمّا أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشّعر وينفر الخلّ ويجذب الحديد ،

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة / ٦٧٠ ـ ٦٧١، ح ١٧.

(٢) المصدر: أحدكم.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: ولا ينزل.

(٤) تفسير نور الثقلين ١ / ٨٤، نقلا عن الخرائج والجرائح، مع اختلاف بسيط.

(٥) الكافي ١ / ٢٣١، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أ: حيّا.

٢٣

لم يمتنع أن يخلق في حجر، أو أحدث في كلّ حجر، قوّة بجذب الماء، من تحت الأرض، أو يجذب الهواء من الجوانب ويصير الماء بقوة التّبريد ونحو ذلك.

ولي هناك فائدة يجب أن ينبه عليها. فأقول: الممتنع إمّا ممتنع بأيّ اعتبار أخذ، أو باعتبار طبيعته، وحقيقته، مع قطع النّظر عن غيره، أو باعتبار العادات والرّسوم. فالأوّل، كشريك البارئ. والثّاني، ككون الكبير في الصّغير. والثّالث، ككون الحنطة خلّا.

والممتنع بالقياس إليه تعالى، هو الأوّل دون الثّانيين. فتأمّل! فإنّه يحتاج إلى لطف تأمّل.

[وفي شرح الآيات الباهرة:(١) قال الإمام ـ عليه السّلام: واذكروا، يا بني إسرائيل!( إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ) ، طلب لهم السّقيا، لـمّا لحقهم العطش في التّيه، وضجّوا بالنّداء إلى موسى، وقالوا هلكنا بالعطش، فقال موسى: «إلهي بحقّ محمّد سيّد الأنبياء وبحقّ عليّ سيّد الأوصياء وبحقّ فاطمة سيّدة النّساء وبحقّ الحسن سيّد الأولياء وبحقّ الحسين سيّد الشّهداء وبحقّ عترتهم وخلفائهم الأزكياء لـمّا سقيت عبادك هؤلاء الماء. اعتبار فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى:( اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) .

فضربه بها.( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ ) ، أي: كلّ قبيلة، من بني أب، من أولاد يعقوب( مَشْرَبَهُمْ ) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.

[قال الله تعالى :](٢) ( كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ ) الّذى اتاكموه!( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ، أي: ولا تعثوا(٣) وأنتم مفسدون عاصون.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أقام على موالاتنا أهل البيت، سقاه الله من محبّته، كأسا لا يبغون به بدلا ولا يريدون سواه كافيا ولا كالئا ولا ناصرا. ومن وطّن نفسه على احتمال المكاره في موالاتنا، جعله الله يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كلّ من تضمّنته تلك العرصات أبصارهم عمّا يشاهدون من درجاته(٤) وإن كلّ واحد منهم ليحيط بما له من درجاته كإحاطته في الدّنيا يتلقاه(٥) بين يديه.

ثمّ يقول له: وطّنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمّد وآله الطّيّبين، قد جعل الله إليك ومكّنك في تخليص كلّ من يجب تخليصه من أهل الشّدائد في هذه العرصات. فيمدّ

__________________

(١) شرح الآيات الباهرة / ٢١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: تسعوا.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: درجاتهم.

(٥) المصدر: تتلقّاه.

٢٤

بصره فيحيط به. ثمّ ينتقد(١) من أحسن إليه أو برّه في الدّنيا، بقول أو فعل أو ردّ غيبة أو حسن محضر أو إرفاق(٢) ، فينتقده(٣) من بينهم، كما ينتقد الدّرهم الصّحيح من المكسور. يقال له: اجعل هؤلاء في الجنّة، حيث شئت. فينزلهم جنان ربّنا.

ثمّ يقال له: وقد جعلنا لك ومكّنّاك في إلقاء من تريد في نار جهنم. فيراهم.

فيحيط بهم. فينتقده(٤) من بينهم، كما ينتقد الدّينار من القراضة. ثمّ يصيّره في النّار. [ثمّ يقال له: صيّرهم من النّار، حيث تشاء. فيصيّرهم إلى حيث يشاء من مضايق النّار].(٥) فقال الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله: إذا كان أسلافكم إنّما دعوا إلى موالاة محمّد وآله الطّيّبين، فأنتم يا من شاهدتموه، فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الأفضل، إلى مولاة محمّد وآله. ألا فتقرّبوا إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بالتّقرّب إلينا. ولا تتقرّبوا من سخطه، تباعدوا(٦) من رحمته بالازورار(٧) عنّا](٨) ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ) : يريد به ما رزقوا في التّيه، من المنّ والسّلوى وبوحدته أنّه لا يتبدّل، كقولهم: طعام مائدة الأمير واحد. يريدون أنّه لا يتغيّر ألوانه. ولذلك أجموا، أو ضرب واحد. لأنّهما معا طعام أهل التّلذّذ. وهم كانوا فلاحة. فنزعوا إلى عكرهم. واشتهوا إلى ما ألفوه.(٩) وقيل(١٠) : إنّه كان ينزل عليهم [المنّ وحده. فملّوه. فقالوا ذلك. فأنزل عليهم](١١) السّلوى، من بعد ذلك.

( فَادْعُ لَنا رَبَّكَ ) : سله، لأجلنا، بدعائك إيّاه.

( يُخْرِجْ لَنا ) : يظهر لنا.

وجزمه، بأنّه جواب الأمر المذكور.

( مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ) : من إسناد الفعل إلى القابل. و «من» للتّبعيض. والعائد

__________________

(١) المصدر: فينقذ.

(٢) المصدر: إنفاق.

(٣) المصدر: فينقده.

(٤) المصدر: فينقده.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وتتباعدوا.

(٧) الأصل ور: بالازوراء.

(٨) ما بين القوسين ليس في أ.

(٩) أ: القوه.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٢٤.

(١١) ليس في أ.

٢٥

إلى الموصول، محذوف.

( مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها ) :

بيان وقع موقع الحال. وقيل: بدل بإعادة الجار. والبقل ممّا أنبتته الأرض من الخضر. والمراد به أطائبه الّتي تؤكل. والفوم، الحنطة. ويقال للخبز. ومنه فوموا لنا، أي :

اخبزوا. وقيل: الثّوم. ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود: وثومها. وقرئ قثّائها. (بالضّمّ) وهو لغة فيه(١) .

واختلف في أنّ سؤالهم هذا، هل كان معصية؟

فقيل: لا لأنّ الأوّل كان مباحا. فسألوا مباحا آخر.

وقيل: بل كان معصية. لأنّهم لم يرضوا بما اختاره الله لهم. وبذلك ذمّهم على ذلك. وهو أوجه.(٢) ( قالَ ) ، أي: الله أو موسى.

( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى ) : أقرب منزلة.

وأصل الدّنوّ، القرب في المكان. فاستعير للحسنة، كالعبد في الشّرف والرّفعة.

فقيل: بعيد المحل، بعيد الهمّة.

وقرئ أدناء، من الدّناءة.

وحكى الأزهريّ،(٣) عن أبي زيد: الدنيّ (بغير همزة الخسيس).

( بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) :

يريد به المنّ والسّلوى. فإنّه خير في اللّذة والنّفع وعدم الحاجة إلى السّعي.

( اهْبِطُوا ) :

وقرئ بالضّمّ، أي: انحدروا من التّيه. يقال: هبط الوادي، إذا نزل به. وهبط منه، إذا خرج منه.

( مِصْراً ) :

أراد به مصرا من الأمصار. وهو البلد العظيم. وأصله القطع، لانقطاعه بالعمارة عمّا سواه. وقيل(٤) : أصله الحدّ بين الشّيئين.

__________________

(١) يوجد الفقرات الماضية، في أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٢) ر. مجمع البيان ١ / ١٢٤.

(٣) ر. مجمع البيان ١ / ١٢٢.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

٢٦

قال الشّاعر(١) :

وجاعل الشّمس مصرا لا خفاء به

بين النّهار وبين اللّيل قد فصلا

أو العلم. وصرفه لسكون وسطه، أو على تأويل البلد. ويؤيّده أنّه غير منوّن في مصحف ابن مسعود. وقيل: أصله مصرائيم.(٢) فعرب.(٣) فصرفه للتّصرّف في العجميّة، بالتّعريب(٤) .

( فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) :

جعلت الذّلّة والمسكنة محيطتين بهم مشتملتين(٥) عليهم. فهم كما يكون في القبّة من ضربت عليه أو الصقتا(٦) بهم، حتّى لزمتاهم ضربة لازب، كما تضرب الطّين على الحائط، فيلزمه مجازاة فهم على كفران النّعمة، فاليهود أذلّاء أهل مسكنة: إمّا على الحقيقة، وإمّا لتصاغرهم وتفاقرهم مخافة أن تضاعف عليهم الجزية.

والمراد بالذّلّة، الهوان بأخذ الجزية، وبالمسكنة، كونهم بزيّ الفقراء. فترى المثريّ منهم يتمسكن مخافة أن تضاعف عليهم الجزية. أو المراد بالذّلّة، ما يشمل المعنيين، وبالمسكنة فقر القلب. لأنّه لا يوجد يهوديّ غنيّ النّفس. وقال النّبيّ(٧) ـ صلّى الله عليه وآله: الغنى، غنى النّفس.

( وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) :

رجعوا به من باء إذا رجع. أو صاروا أحقّاء بغضبه، من باء فلان بفلان، إذ كان حقيقا بأن يقتل به.

وأصل البوء، المساواة.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى ما سبق، من ضرب الذّلّة والمسكنة والبوء بالغضب، كائن لهم.

( بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ) بسبب كفرهم بالمعجزات، أو بالكتب المنزلة وآية الرّجم والّتي فيها نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الكتب وقتلهم الأنبياء، كزكريّا ويحيى وغيرهما ـ عليهم السّلام ـ بغير حقّ عندهم، إذ

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٢٢. والشاعر، عدي بن زيد، على ما ذكر في المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: مصرائم.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٤) أ: بالتعريف.

(٥) أ: مشتملة.

(٦) أ: التصقتا.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٢٤.

٢٧

لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم. وإنّما حملهم على ذلك اتّباع الهوى. وهذا أشنع من أن يقتلوه بشيء يعتقدونه(١) جرما حقّا باعتقادهم الفاسد.

( ذلِكَ ) ، أي: الكفر بالآيات وقتل الأنبياء، صدر عنهم.

( بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) (٦١) بسبب عصيانهم وتماديهم فيه.

فإنّ التّمادي في ضعاف الذنوب، يؤدّي إلى شدادها، كما أنّ المواظبة على صغار الطّاعات، يؤدّي إلى تحرّي كبارها.

قال صاحب الكشّاف(٢) : كرّر الإشارة، للدّلالة على أنّ ما لحقهم، كما هو بسبب الكفر والقتل، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله.

وفيه نظر(٣) . لأنّه لو كان التّكرير لذلك، لكفى فيه أن يقول وبما عصوا. وقال: وعلى تقدير أن يكون ذلك إشارة إلى الكفر والقتل، يجوز أن تكون «الباء» بمعنى مع، أي: ذلك الكفر والقتل، مع ما عصوا. والأحسن ما قرّرناه، لرعاية اتّساق الكلام.

وإنّما جوّزت الإشارة بالمفرد إلى شيئين، على تأويل ما ذكر، أو ما تقدّم، للاختصار. ونظيره في الضّمير قول رؤبة :

فيه خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق

فإن قيل كيف يجوز التّخلية بين الكفّار وقتل الأنبياء؟ أجيب بأنّه إنّما جاز ذلك، لينال أنبياء الله سبحانه من رفع المنازل والدّرجات، ما لا ينالونه بغير القتل. قال الشّيخ الطّبرسيّ(٤) : وليس ذلك بخذلان لهم، كما أنّ التّخلية بين المؤمنين والأولياء والمطيعين وبين قاتليهم، ليست بخذلان لهم. (هذا كلامه.) والأجود التّفصيل، بأنّه ليس بخذلان، بمعنى إنزال العذاب وسوء عاقبة الدّار وغير ذلك مما ينبئ عن خذلان الآخرة وحرمان المثوبة. والمرويّ عن الحسن أنّ من(٥) قتل من الأنبياء، قد قتل بغير قتال. وأنّ الله لم يأمر نبيّا بالقتال، فقتل فيه.

والمذكور في مجمع البيان(٦) . «أنّ الصّحيح، أنّ النّبيّ إن كان لم يؤدّ الشّرع الّذي أمر بتأديته، لم يجز أن يمكّن الله سبحانه من قتله. لأنّه لو مكّن من ذلك، لأدّى إلى أن يكون

__________________

(١) أ: يعتقدوه.

(٢) الكشاف ١ / ١٤٦.

(٣) أ: نظرا.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٢٥.

(٥) كذا في أ. وفي الأصل ور: ما

(٦) مجمع البيان ١ / ١٢٥.

٢٨

المكلّفون غير مزاحي العلّة في التّكليف وفيما لهم من الألطاف والمصالح. فأمّا إذا أدّى الشّرع، فحينئذ يجوز أن يخلّي الله بينه وبين قاتليه. ولم يجب عليه المنع من قتله» والملازمة(١) الّتي ادّعاها، منع بأنّه يجوز أن يكون إزاحة العلل بإرسال النّبيّ وإظهار المعجزة على يده وقتله بسوء صنيعهم بعد ثبوت نبوّته وإعجازه ناشئ من تهاونهم في نصره وتآزرهم على دفعه. فهم مفوّتون تبليغه بسوء فعلهم. فهم غير معذورين بعدم تبليغه.

[وفي أصول الكافي(٢) : يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وتلا هذه الآية( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) قال: والله ما قتلوهم بأيديهم.

ولا ضربوهم بأسيافهم. ولكنّهم سمعوا أحاديثهم، فأذاعوها. فأخذوا عليها. فقتلوا. فصار قتلا واعتداء ومعصية].(٣)

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بألسنتهم. يريد به المتديّنين بدين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ المخلصين منهم والمنافقين.

وقال صاحب الكشّاف(٤) : «يريد المنافقين»، لانخراطهم في سلك الكفرة.

والأوّل أولى، لعموم الفائدة.

( وَالَّذِينَ هادُوا ) :

تهوّدوا. يقال: هاد وتهوّد، إذا دخل في اليهوديّة. و «يهود» إمّا عربيّ من هاد، إذا تاب سمّوا بذلك، لـمّا تابوا من عبادة العجل، أو من هاد إذا مال، لأنّهم مالوا عن الإسلام وعن دين موسى، أو من هاد إذا تحرّك، لأنّهم كانوا يتحرّكون عند قراءة التوراة، وإمّا معرّب يهوذا. وكأنّهم سمّوا باسم أكبر أولاد يعقوب ـ عليه السّلام.

واليهود اسم جمع، واحده يهوديّ، كالزّنجيّ والزّنج والرّوميّ والرّوم.

( وَالنَّصارى ) :

قال سيبويه(٥) : جمع نصران كالنّدامى.

وقيل(٦) : جمع نصريّ، مثل مهريّ ومهارى.

__________________

(١) أ: وعلى الملازمة.

(٢) الكافي ١ / ٣٧١، ح ٦.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) الكشاف ١ / ١٤٦.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٢٦، بتصرف في النقل.

(٦) تفسير البحر المحيط ١ / ٢٣٩.

٢٩

و «الياء» في نصرانيّ للمبالغة، كما في أحمريّ. سمّوا بذلك لأنّهم(١) نصروا المسيح، أو لأنّهم(٢) كانوا معه في قرية يقال لها نصران أو ناصرة.

وعلى تقدير أن يكون اسم القرية نصران، يحتمل أن يكون الياء للنّسبة.

[وفي عيون الأخبار(٣) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره قال: فقلت له: فلم سمّي النّصارى، نصارى؟

قال: لأنّهم من قرية اسمها النّاصرة(٤) ، من بلاد الشّام. نزلتها مريم وعيسى ـ عليهما السّلام ـ بعد رجوعهما من(٥) مصر.

وفي كتاب ثواب(٦) الأعمال(٧) ، بإسناده إلى حنان بن سدير. قال: حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة، لسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه ـ إلى قوله ـ ورجلان(٨) من بني إسرائيل. هوّدا قومهما. ونصّراهما.

وبإسناده إلى إسحاق بن عمّار الصّيرفيّ(٩) ، عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال «إنّ في النّار لواديا يقال له سقر. وإنّ في ذلك الوادي لجبلا. وإنّ في ذلك الجبل، لشعبا. وإنّ في ذلك الشّعب، لقليبا. وإنّ في ذلك القليب، لحيّة. وذكر شدّة ما في الوادي وما بعده من العذاب. وإنّ في جوف تلك الحيّة سبع(١٠) صناديق. فيها خمسة من الأمم السّالفة. واثنان من هذه الأمّة»، قلت، جعلت فداك! ومن الخمسة؟ ومن الاثنان؟

قال: أمّا الخمسة: فقابيل الّذي قتل هابيل ـ إلى قوله ـ ويهودا(١١) الّذي هوّد اليهود.

وبولس الّذي نصّر النّصارى].(١٢)

( وَالصَّابِئِينَ ) :

__________________

(١ و ٢) ليس في أ.

(٣) عيون الأخبار ٢ / ٧٩، ذيل ح ١٠.

(٤) المصدر: ناصرة.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: عن.

(٦) الأصل ور: عقايد. وهو خطأ.

(٧) ثواب الأعمال / ٢٥٥، ضمن ح ١.

(٨) المصدر: اثنان.

(٩) نفس المصدر / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

(١٠) المصدر: لسبع.

(١١) كذا في المصدر وفي الأصل ور: يهود.

(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٠

قيل: قوم بين النّصارى والمجوس. لا دين لهم.

وقيل(١) : أصل دينهم، دين نوح.

وقيل(٢) : هم عبدة الملائكة.

وقيل(٣) : عبدة الكواكب من صبأ، إذا خرج. وقرأ نافع، بالياء ـ وحدها. إمّا لأنّه خفّف الهمزة. أو لأنّه من صبا، إذا مال. لأنّهم مالوا من سائر الأديان، إلى دينهم، أو من الحقّ إلى الباطل.(٤) قال الشّيخ الطّبرسيّ(٥) : والفقهاء، بأجمعهم، يجيزون أخذ الجزية [منهم].(٦) وعندنا لا يجوز ذلك. [لأنّهم ليسوا بأهل كتاب](٧)

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : قوله( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ ) قال: الصّابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمين. وهم يعبدون الكواكب والنّجوم].(٩)

( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً ) :

من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ، مصدّقا بقلبه بالمبدأ والمعاد، عاملا بمقتضى شرعه. ومن تجدّد منه الإيمان وأخلصه.

( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) الّذي وعدهم، على إيمانهم وعملهم.

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٦٢) حين يخاف الكفّار من العقاب ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثّواب.

و «من»، مبتدأ، خبره «فلهم أجرهم.» والجملة خبر «إنّ»، أو بدل من اسم «إنّ» وخبرها «فلهم أجرهم.» و «الفاء» لتضمّن المسند إليه، معنى الشّرط. وقد منع سيبويه دخولها في خبر «إنّ»، من حيث أنّها لا تدخل الشّرطيّة. وردّ بقوله تعالى(١٠) :( إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) .

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ ) :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل / ٦٠.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٢٦.

(٦) يوجد في أور.

(٧) يوجد في أ، فقط.

(٨) تفسير القمي ١ / ٤٨.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) الجمعة / ٨.

٣١

مفعال من الوثيقة. وهو ما يوثق به من يمين أو عهد أو غير ذلك. يريد به العهد، باتّباع موسى والعمل بالتّوراة.

( وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) : حتّى قبلتم الميثاق.

و «الطّور» في اللّغة، الجبل.

قال العجّاج(١) :

داني جناحيه من الطّور فمرّ

تقضّي البازي إذا البازي كسر

وقيل(٢) : إنّه اسم جبل بعينه. ناجى الله عليه موسى ـ عليه السّلام.

روي(٣) أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ لـمّا جاءهم بالتّوراة، فرأوا ما فيها من التّكاليف الشّاقّة، كبرت عليهم وأبوا قبولها. فأمر جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بقلع(٤) الطّور. فظلّله فوقهم، حتّى قبلوا.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: لـمّا أنزل الله التّورية على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى ـ عليه السّلام ـ إن لم تقبلوه وقع عليكم الجبل. فقبلوه. وطأطئوا رؤوسهم](٦)

( خُذُوا ) على إرادة القول،( ما آتَيْناكُمْ ) من الكتاب،( بِقُوَّةٍ ) : بجدّ وعزيمة.

روى العيّاشيّ(٧) ، أنّه سئل عن(٨) الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ) ، أبقوّة بالأبدان؟ أم بقوّة بالقلوب؟

فقال: بهما، جميعا.

( وَاذْكُرُوا ما فِيهِ ) :

قيل(٩) : معناه ادرسوه ولا تنسوه. أو تفكّروا فيه، فإنّه ذكر بالقلب(١٠) . أو اعملوا به.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٢٧.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تفسير القمي ١ / ٤٩ الكشاف ١ / ١٤٧، مجمع البيان ١ / ١٢٨، أنوار التنزيل ١ / ٦١.

(٤) أ: بقطع.

(٥) تفسير القمي ١ / ٤٨.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٤٥، ح ٥٢.

(٨) كذا في المصدر وفي النسخ. ولعلها زائدة.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٦١.

(١٠) كذا في المصدر وفي النسخ. والظاهر: للقلب.

٣٢

والمرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(١) أنّ معناه: اذكروا ما في تركه من العقوبة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٦٣) :

متعلّق «بخذوا»، أي: لكي تتّقوا، أو «باذكروا»، أي: رجاء منكم أن تكونوا متّقين، أو «بقلنا المقدّر»، أي: قلنا خذوا. واذكروا إرادة أن تتّقوا.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : قال الإمام ـ عليه السّلام: قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لهم: واذكروا( إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ ) وعهودكم، أن تعملوا بما في التّوراة وما في الفرقان الّذى أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمّد وعليّ والطّيّبين من آلهما، أنّهم أفضل الخلق والقوّامون بالحقّ، وأخذنا ميثاقكم لهم أن تقرّوا به وأن تؤدّوه إلى أخلافكم وتأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم، ليؤمننّ بمحمّد نبيّ الله ويسلمون له ما يأمرهم به في عليّ وليّ الله عن الله وما يخبرهم به من أحوال خلفائه بعده القوّامون بحقّ الله، فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه، «فرفعنا فوقكم الطور» الجبل. أمرنا جبرئيل أن يقطع منه قطعة، على قدر معسكر أسلافكم. فجاء بها، فرفعها(٣) فوق رؤوسهم.

فقال موسى ـ عليه السّلام ـ لهم: إمّا أن تأخذوا بما أمرتم به فيه وإلا ألقى عليكم هذا الجبل؟

فالجئوا إلى قبوله كارهين، إلّا من عصمه الله من العباد. فإنّه قبله طائعا مختارا.

ثمّ لـمّا قبلوه سجدوا لله عفروا. وكثير منهم عفّر خدّيه لا إرادة الخضوع لله ولكن نظرا إلى الجبل، هل يقع أم لا؟ وآخرون سجدوا طائعين مختارين.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: احمدوا الله معاشر شيعتنا على توفيقه إيّاكم. فإنّكم تعفّرون في سجودكم، لا كما عفّره كفرة بني إسرائيل، ولكن كما عفّره خيارهم. وقال ـ عزّ وجلّ:( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ ) ، أي: ما آتيناكم (من) هذه الأوامر والنّواهي، من هذا الأمر الجليل، من ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين( بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ ) (٤) ممّا آتيناكم. واذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٤٥، ح ٥٣، مجمع البيان ١ / ١٢٨.

(٢) شرح الآيات الباهرة / ٢٢.

(٣) المصدر: فرفعنا.

(٤) كذا في المصدر وفي هامش الأصل. وفي الأصل ور: فيما.

٣٣

إبائكم،( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) المخالفة الموجبة للعقاب(١) ، فتستحقّوا بذلك جزيل الثّواب](٢) ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) : أعرضتم عن الوفاء بالميثاق، بعد أخذه.

( فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ ) بالتّوبة، بعد نكثكم الميثاق الّذي وواثقتموه،( وَرَحْمَتُهُ ) بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ يدعوكم إلى الحقّ ويهديكم إليه،( لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٦٤) المغبونين بالانهماك في المعاصي، أو بالخبط والضّلال في فترة من الرّسل، أو بهما و «ولو» في الأصل، لامتناع الشيء، لامتناع غيره.

فإذا أدخل على لا أفاد إثباتا وهو امتناع الشيء لثبوت غيره. والاسم الواقع بعده عند سيبويه، مبتدأ، خبره واجب الحذف، لدلالة الكلام عليه وسدّ الجواب مسدّه، وعند الكوفيّين، فاعل فعل محذوف.

( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ) لـمّا اصطادوا السّموك فيه.

و «السّبت» مصدر. سبتت اليهود، إذا عظّمت يوم السّبت. وأصله: القطع. أمروا بأن يجرّدوه للعبادة فاعتدى ناس منهم في زمن داود. واشتغلوا بالصّيد.

( فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (٦٥): مبعدين عن كلّ خير.

والخساء، هو الصّغار والطّرد.

وقرئ قردة. (بفتح القاف وكسر الرّاء) وخاسين (بغير همزة).

[وفي أصول الكافي:(٣) عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يقول فيه ـ عليه السّلام: وكان من السّبيل والسّنّة الّتي أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بها موسى ـ عليه السّلام ـ أن جعل عليهم السّبت فكان من أعظم السّبت. ولم يستحلّ أن يفعل فيه(٤) . ذلك من خشية الله. أدخله [الله](٥) الجنّة. ومن استخفّ بحقّه واستحلّ ما حرّم الله عليه، من العمل الّذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله ـ عزّ وجلّ ـ النّار. وذلك حيث استحلّوا الحيتان، واحتبسوها، وأكلوها يوم السّبت، غضب الله عليهم، من غير أن يكونوا أشركوا بالرّحمن، ولا شكّوا في شيء ممّا جاء به موسى

__________________

(١) المصدر: العقاب.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الكافي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩، مقطع من ح ١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) يوجد في المصدر.

٣٤

ـ عليه السّلام. قال الله ـ عزّ وجلّ:( لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ. فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: سيكون قوم يعيشون على لهو وشرب الخمر والغناء. فبينما هم كذلك، إذ مسخوا من ليلتهم وأصبحوا قردة وخنازير. وهو قوله: واحذروا أن تعتدوا، كما اعتدى أصحاب السّبت، فقد كان أملى لهم، حتّى أشروا. وقالوا: إنّ السّبت لنا حلال. وإنّما كان حرّم على أوّلينا. وكانوا يعاقبون على استحلالهم السّبت. فأمّا نحن فليس علينا حرام. وما زلنا بخير منذ استحللناه.

وقد كثرت أموالنا. وصحّت أجسامنا. ثمّ أخذهم الله ليلا وهم غافلون. فهو قوله :واحذروا أن يحلّ بكم مثل ما حلّ بمن تعدّى وعصى.

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر صنفا ـ إلى أن قال ـ فأمّا القردة، فكانوا قوما [من بني إسرائيل كانوا](٣) ينزلون على شاطى البحر اعتدوا في السّبت. فصادوا الحيتان. فمسخهم الله قردة.

وفيه(٤) أيضا ـ عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ.

فقال: هم ثلاثة عشر: الفيل ـ إلى أن قال ـ وأمّا القردة، فقوم اعتدوا في السّبت.

وفيه(٥) ـ أيضا ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل في بيان الأيّام.

وفي آخره قال بعض مواليه: قلت: فالسّبت؟

قال: سبتت الملائكة لربّها(٦) يوم السّبت فوحّدته(٧) لم يزل واحدا أحدا(٨) .

وفي عيون الأخبار(٩) ، عن محمّد بن سنان، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث

__________________

(١) تفسير القمي.

(٢) الخصال / ٤٩٣، مقطع من ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤، مقطع من ح ٢.

(٥) نفس المصدر / ٣٨٤، ذيل ح ٦١.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بربّها.

(٧) المصدر: فوجدته.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) عيون الأخبار ٢ / ٩٤.

٣٥

طويل، يقول فيه: وكذلك حرّم القرد. لأنّه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته. وجعل فيه شبه(١) من الإنسان، ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.(٢)

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة. فتركوا يوم الجمعة. وأمسكوا يوم السّبت. فحرّم عليهم الصّيد يوم السّبت.

وبإسناده(٤) إلى عبد الله بن يزيد بن سلام، أنّه قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد سأله عن الأيّام الأسبوع: فالسّبت؟

قال: يوم مسبوت. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ في القرآن:(٥) ( الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فمن الأحد إلى [يوم](٦) الجمعة، ستّة أيّام. والسّبت معطّل.

قال: صدقت يا محمّد.(٧) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة](٨)

( فَجَعَلْناها ) ، أي: المسخة والعقوبة.

وعن الباقر ـ عليه السّلام(٩) : فجعلنا الأمّة.

[وفي مجمع البيان(١٠) : «فجعلناها»: الضّمير يعود إلى الأمّة الّتي مسخت. وهم أهل أيلة، قرية على شاطئ البحر. وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام].(١١)

( نَكالاً ) : عبرة، تنكل المعتبر بها، أي: تمنعه. ومنه النّكل، للقيد.

( لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها ) :

لما قبلها من الأمم وما بعدها، إذ ذكرت حالهم، في زبر الأوّلين، واشتهرت قصّتهم في الآخرين، أو لمعاصريهم ومن بعدهم، أو لما يحضرها من القرى وما تباعد عنها، أو لأهل

__________________

(١) المصدر: شبها.

(٢) المصدر: عليهم.

(٣) علل الشرائع / ٦٩، ح ١.

(٤) نفس المصدر / ٤٧١.

(٥) ق / ٣٨.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: يا رسول الله.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) مجمع البيان ١ / ١٣٠.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٦

ملك القرية وما حواليها، أو لأجل ما تقدّم عليها من ذنوبهم وما تأخّر منها.

( وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٦٦) من قومهم، أو لكلّ من سمعها.

( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) : سمّيت بقرة، لبقرها الأرض. والهاء ليست للتّأنيث. وإنّما هي لتدلّ على الوحدة، كالبطّة والدّجاجة والإوزّة والحمامة.

وأوّل هذه القصّة، قوله تعالى(١) :( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ ) . وإنّما فكّت عنه وقدّمت عليه، لاستقلاله بنوع آخر من مساوئهم. وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السّؤال وترك المسارعة في الامتثال.

وقصّته على

ما رواه العيّاشيّ،(٢) مرفوعا إلى الرّضا ـ عليه السّلام: أنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له. ثمّ أخذه فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل.

ثمّ جاء يطلب بدمه. فقال(٣) لموسى ـ عليه السّلام: إنّ سبط آل فلان قتل.(٤) فأخبرنا من قتله.

قال: آتوني ببقرة.

والمرويّ عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ(٥) في سبب قتله: أنّه قتله ليتزوّج بنته. وقد خطبها. فلم ينعم له. وقد خطبها غيره من خيار بني إسرائيل. فأنعم له فحسده ابن عمّه الّذي لم ينعم له. فعقد له قتله. ثمّ حمله إلى موسى ـ إلى آخر الحديث.

والمذكور في الكشّاف(٦) وغيره(٧) ، أنّه كان فيهم شيخ موسر. فقتل ابنه بنو أخيه، طمعا في ميراثه. وطرحوه على باب المدينة. ثمّ جاؤوا بدمه. فأمرهم أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها، ليحيى فيخبّرهم بقاتله.

( قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) : مكان هزء، أو أهله، أو مهزوء بنا، أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء، استبعادا لما قاله، أو استخفافا به.

وقرئ هزء (بضمّتين وبسكون الزاء، بالهمزة في الصّورتين وبضمّتين والواو.)

__________________

(١) البقرة / ٧٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧.

(٣) المصدر: فقالوا.

(٤) المصدر: قتل فلانا.

(٥) تفسير القمي ١ / ٤٩.

(٦) الكشاف ١ / ١٤٨.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٣٤.

٣٧

( قالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) . (٦٧) :

لأنّ الهزء في مقام الإرشاد، جهل وسفه.

والعياذ واللّياذ، من واد واحد.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) :

لمّا رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته، فسألوا عنها بما المطلوبة بها الحقيقة. وإلّا، فالمقصود، بيان الحال والصّفة.

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) : لا مسنّة ولا فتيّة.

يقال فرضت البقرة فروضا، من الفرض وهو القطع، كأنّها فرضت سنّها.

وتركيب البكر للأوّليّة. ومنه البكرة والباكورة.

( عَوانٌ ) : نصف.

قال الطّرمّاح :

طوال مثل أعناق الهوادي

نواعم بين أبكار وعون

( بَيْنَ ذلِكَ ) ، أي: ما ذكر من الفارض والبكر. ولذلك أضيف إليه البين. فإنّه لا يضاف إلّا إلى متعدّد.

وفي رواية العيّاشيّ،(١) مرفوعا إلى الرّضا ـ عليه السّلام: أنّهم لو ذبحوا أي بقرة أرادوا، لأجزأتهم. ولكن شدّدوا على أنفسهم، فشدّد الله عليهم.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة. فلا يلزمه تأخير البيان، عن وقت الحاجة.

قيل(٢) : ويلزمه النّسخ، قبل الفعل. فإنّ التّخصيص، أو التّقييد، إبطال للتّخيير الثّابت بالنّصّ. وفيه نظر. لأنّ كون التّخيير فيه، حكما شرعيّا ممنوع، إذ الأمر بالمطلق لا يدلّ إلّا على إيجاب ماهيّته من حيث هي بلا شرط. لكن لـمّا لم تتحقّق الماهيّة من حيث هي، إلا في ضمن فرد معيّن، جاء التّخيير، عقلا من غير دلالة النّصّ عليه.

( فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ) (٦٨) أي: ما تؤمرونه، يعني: ما تؤمرون به. فحذف الجار.

وأوصل الفعل. ثمّ حذف العائد المنصوب من قوله :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نسب

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

٣٨

أو أمركم بمعنى: مأموركم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟ قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) :

الفقوع، أشدّ ما يكون من الصّفرة وأنصعه. يقال في التّأكيد: أصفر فاقع ووارس، كما يقال: أسود حالك وحانك.(١) وفي إسناده إلى اللّون وهو صفة صفراء لملابسته بها، فضل تأكيد. كأنّه قيل: صفراء شديدة الصّفرة صفرتها. فانتزع من الصّفرة، صفرة وأسند الفقوع إليها. فهو من قبيل جدّ جدّه وجنونك مجنون.

وعن الحسن(٢) : سوداء شديدة السّواد. وبه فسّر قوله تعالى(٣) :( جِمالَتٌ صُفْرٌ ) .

وقال الأعشى(٤) :

تلك خيلي منه وتلك ركابي

هنّ صفر أولادها كالزّبيب

ولعلّه عبّر بالصّفرة عن السّواد، لأنّها من مقدّماته، أو لأنّ سواد الإبل يعلوه صفرة.

وفيه أنّ الصّفرة بهذا المعنى، لا يؤكّد بالفقوع. وأنّ الإبل وإن وصفت به، فلا يوصف به البقر.

( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) (٦٩)، أي: يوقعهم في السّرور (بالفتح) وهو لذّة في القلب، عند حصول نفع، أو توقعه من السّرّ (بالضّمّ) كأنّه يحصل لهم من رؤيتها نفع، أو توقعه.

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) ـ أنّه قال: من لبس نعلا صفراء، لم يزل مسرورا حتّى يبليهما، كما قال الله تعالى( صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ )

وعن أمير المؤمنين(٦) ـ عليه السّلام: أنّ من لبس نعلا صفراء، قلّ همّه لقوله تعالى( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) .

( قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) ؟ :

كرّر السّؤال الأول، لزيادة الاستكشاف. وقوله:( إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ) : اعتذار عنه، أي: إنّ البقر الموصوف بالتّعوين وفقوع الصّفرة، كثير. فاشتبه علينا.

__________________

(١) أ: حافك. ر: حائك. (٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٣) المرسلات / ٣٣. (٤) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٥) الكافي ٦ / ٤٦٦، ح ٥ ـ ٦ مجمع البيان ١ / ١٣٥.

(٦) الكشاف ١ / ١٥٠.

٣٩

وقرئ الباقر. وهو اسم لجماعة البقرة، والأباقر والبواقر(١) .

و «يتشابه» (بالياء والتّاء)، و «يشابه» (بالياء والتّاء) وتشديد الشّين، بإدغام تاء التّفاعل فيها.

و «تشابهت» (مخفّفا ومشدّدا) إمّا بزيادة الألف في باب التّفعيل، أو بإلحاق التّاء السّاكنة بالمضارع، إلحاقا له بالماضي.

و «تشبه» بحذف إحدى التّائين، من مضارع تفعل. و «يشبه» بالتّذكير، ومتشابه ومتشابهة ومشتبه ومتشبّه ومشتبهة.

( وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) (٧٠) إلى المراد ذبحها، أو إلى القاتل.

روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٢) أنّه قال: وأيم الله! لو لم يستثنوا، ما بيّنت لهم آخر الأبد.

واحتجّ به الأشاعرة، على أنّ الحوادث، بإرادة الله تعالى. وأن الأمر قد ينفكّ عن الإرادة. وإلّا لم يكن للشّرط بعد الامر معنى! والكراميّة والمعتزلة على حدوث الإرادة.(٣) ويردّ عليهم: أنّ هذا إنّما يمكن الاستدلال به، إذا كان من كلامه تعالى، لا على سبيل الحكاية. وليس كذلك. فإنّه حكاية لما يقولونه. ويحتمل أن لا يكون حقّا في نفس الأمر. وإذا قام ذلك الاحتمال، لم يمكن الاستدلال. ولو سلم، فيردّ على الأشاعرة، وجوه من النّظر :

الأوّل: أنّ الآية يحتمل أن يكون المراد بها أنّه إن شاء الله هدايتنا. لكنّا مهتدين على سبيل الجزم. ولو لم يشأ، يحتمل الاهتداء وعدمه.

[الثّاني: أنّه إنّما يتمّ لو كان الإرادة والمشيئة بمعنى واحد. وهو ممنوع. فلو دلّت الآية على أنّ الحوادث بمشيّة الله، فلم تدلّ على أنّها بإرادته].(٤) الثّالث:(٥) أنّ قولهم: دلّت الآية على أنّ الأمر قد ينفك عن الإرادة، ممنوع.

والملازمة الّتي ادّعوها في بيانه، ممنوعة. لأنّ معنى الشّرط بعد الأمر، أنّه تعالى لو شاء هدايتهم، لهداهم، أي: لو لم يشأ، لم يهدهم. وذلك لا ينافي أنّه شاء أمرهم، فأمرهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٢) الكشاف ١ / ١٥١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أ: الثاني.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وقال الذهبي بترجمته: « وقال غير واحد: كان مدلساً، فاذا قال: عن، فليس بحجة. قال ابن حبان: سمع من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة ثم سمع من أقوام كذابين عن شعبة ومالك فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء. وقال أبو حاتم: لا يحتج به وقال أبو مسهر: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية.

قال حياة بن شريح: سمعت بقية يقول: لما قرأت على شعبة أحاديث بحير ابن سعيد قال: يا أبا محمد لو لم أسمعها منك لطرت.

وقال أبو أسحاق الجوزجاني: رحم الله بقية ما كان يبالي اذا وجد خرافة عمن يأخذه، فان حدث عن الثقات فلا بأس به ».

وقال الذهبي أيضاً: « قال أبو التقي اليزني: من قال ان بقية قال حدثنا فقد كذب، ما قال قط الا حدثني فلان. وقال الحجاج بن الشاعر: سئل ابن عيينة عن حديث من هذه الملح فقال: أنا أبو العجب أنا بقية بن الوليد. وقال ابن خزيمة لا أحتج ببقية، وحدثنا أحمد بن الحسن الترمذي سمعت أحمد ابن حنبل يقول: توهمت ان بقية لا يحدث المناكير الا عن المجاهيل، فاذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتى ».

وقال الذهبي نقلا عن ابن حبان: « حدثنا سليمان بن محمد الخزاعي بدمشق حدثنا هشام به خلد حدثنا بقية عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً: من أدمن على حاجبيه بالمشط عوفي من الوباء، وهذا من نسخة كتبناها بهذا الاسناد كلها موضوعة يشبه أن يكون بقية سمعه من انسان واه عن ابن جريح فدلس عنه والتزق به ».

قال: « وذكر العقيلي حدثنا محمد بن سعيد حدثنا عبد الرحمن بن حكم عن وكيع قال: ما سمعت أحداً أجرأ على أن يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بقية ».

قال: « وقال مسلم: حدثنا ابن راهويه سمعت بعض أصحاب عبد الله قال قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية لو لا انه يكنّي الاسامي

٣٢١

ويسمي الكنى، كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي فنظرنا فاذا هو عبد القدوس.

وقال أبو داود: أنبأنا احمد قال: روى بقية عن عبد الله مناكير. قال الذهبي وروى عباس عن ابن معين قال: اذا لم يسمّ بقية شيخه وكناه فاعلم انه لا يساوي شيئاً.

وقال: قال يعقوب الفسوي: وبقية يذكر بحفظ الا أنه يشتهى الملح والطرائف من الاحاديث فيروي عن الضعفاء ».

وروى الذهبي عن عمرو بن سنان عن عبد الوهاب بن الضحاك عن شعبة: « وبقية ذو غرائب وعجائب ومناكير ».

قال: « قال عبد الحق في غير حديث: بقية لا يحتج به، وروى له أيضاً أحاديث وسكت عن تبيينها.

وقال أبو الحسن ابن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك، وهذا ان صح مفسد لعدالته ».

قال الذهبي: « قلت نعم والله صح هذا عنه أنه فعله وصح عن الوليد ابن مسلم، بل وعن جماعة كبار فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس انه تعمد الكذب، هذا أمثل ما يعتذر به عنهم »(١) .

قلت: وهو سخيف جداً، لان بقية وأمثاله ان كانوا يؤمنون بالله ويخشونه، لذكروا عند التحديث اسم الرجل الضعيف الذي أسقطوه، مصرحين بضعفه، لئلا يضل بتدليسهم من لا خبرة له في الرجال والحديث.

وقال المجد الفيروزابادي: « وبقية محدث ضعيف »(٢) .

وقال ابن حجر بترجمته: « قال يحيى بن معين كان يحدث عن

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ٣٣.

(٢). القاموس المحيط: بقي.

٣٢٢

الضعفاء بمائة حديث قبل ان يحدث عن الثقات ».

وقال: « قال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو أحب اليّ من اسماعيل ابن عياش »(١) .

قال: « وروى ابن عدي عن بقية قال لي شعبة يا أبا يحمد ما أحسن حديثك لكن ليس له أركان.

وقال بقية: ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث وقال: ما أجود حديثك لو كان لها أجنحة »(٢) .

وقال ابن حجر: « بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة، مات سنة سبع وسبعين »(٣) .

وقال المناوي بعد حديث: « قال المنذري رواه الطبراني من رواية بقية وفيه راو لم يسم قال الهيثمي تبعاً لشيخه الزين العراقي: وفي اسناده من لم يسم، وبقية مدلس »(٤) .

وقال الزبيدي: « وبقية بن الوليد محدث ضعيف يروي عن الكذابين ويدلسهم. قاله الذهبي في الميزان، وقال في ذيله، هو صدوق في نفسه حافظ لكنه يروي عمن دب ودرج فكثرت المناكير والعجائب في حديثه، وقال ابن خزيمة: لا احتج ببقية، وقال احمد: له مناكير عن الثقات، وقال ابن عدي: لبقية أحاديث صالحة ويخالف الثقات، واذا روى عن غير الشاميين خلط كما يفعل اسماعيل بن عياش »(٥) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ١ / ٤٧٥.

(٢). المصدر ١ / ٤٧٧.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ١٠٤.

(٤). فيض القدير ١ / ١٠٩.

(٥). تاج العروس: بقي.

٣٢٣

واما يحيى بن أبى المطاع

راوي الحديث عن العرباض بن سارية عن ابن ماجة، فانه مجهول عند ابن القطان، وقد تكلم كبار العلماء في لقائه العرباض واستنكروه، فقد قال الذهبي « وقد استبعد دحيم لقيه للعرباض فلعله أرسل عنه، فهذا في الشاميين كثير الوقوع، يروون عمن لم يلقوهم »(١) .

وقال ابن حجر: « وقال أبو زرعة لدحيم تعجباً من حديث الوليد بن سليمان قال: صحبت يحيى بن أبي المطاع، كيف يحدث عبد الله بن العلاء ابن زبر عنه انه سمع العرباض مع قرب عهد يحيى؟ قال: أنا من أنكر الناس لهذا، والعرباض قديم الموت.

قلت: وزعم ابن القطان انه لا يعرف حاله »(٢) .

وقال: « وأشار دحيم الى ان روايته عن عرباض بن سارية مرسلة »(٣) .

و اما عبد الله بن علاء

راوي الخبر عن يحيى عند ابن ماجة فانه أيضاً لا يخلو عن قدح، فقد قال الذهبي: « وقال ابن حزم: ضعفه يحيى وغيره »(٤) .

و اما ضمرة بن حبيب

راوي الخبر عن عبد الرحمن السلمي عند ابن ماجة فهو ايضاً مطروح، لأنه من أهل حمص كما لا يخفى على من راجع ( تهذيب التهذيب ) و ( تقريب التهذيب )، كما أنه كان مؤذن المسجد الجامع بدمشق ( تقريب التهذيب ٤ / ٤٥٩ ).

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٤ / ٤١٠.

(٢). تهذيب التهذيب ١١ / ٢٨٠.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ٣٥٨.

(٤). ميزان الاعتدال ٢ / ٤٦٣.

٣٢٤

واما معاوية بن صالح

راوي الحديث عن ضمرة عند ابن ماجة فقد تكلموا فيه كذلك، قال الذهبي « قال ابن حاتم: لا يحتج به، ولم يخرج له البخاري، ولينه ابن معين ».

قال: « قال الليث بن عبده قال يحيى بن معين: كان ابن مهدي اذا حدث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيى بن سعيد، وكان ابن مهدي لا يبالي »(١) .

وأورده في الضعفاء وقال: « قال أبو حاتم: لا يحتج به وكان [ يحيى ] القطان لا يرضاه »(٢) .

وقال ابن حجر: « وقال ابن أبي خيثمة والدوري في تاريخهما عن ابن معين: كان يحيى بن سعيد لا يرضاه.

وقال: قال الدوري عن ابن معين: ليس بمرضي، هكذا نقله ابن ابى حاتم عن الدوري، وليس ذلك في تاريخه، وقال الليث بن عبده قال يحيى بن معين كان ابن مهدي اذا تحدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد وقال: ايش هذه الاحاديث؟ وقال علي بن المعايني عن يحيى ابن معين: ما كنا نأخذ عنه.

وقال: قال ابو صالح الفراء عن ابي اسحاق الفزاري: ما كان بأهل أن يروى عنه.

قال: وقال يعقوب بن شيبة: قد حمل الناس عنه ومنهم من يرى انه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف ومنهم من يضعفه.

قال: وقال ابن عمار زعموا انه لم يكن يدري أي شيء في الحديث »(٣) .

هذا كله بالاضافة الى كونه من أهل حمص وقاضى الاندلس في

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٤ / ١٣٥.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ١٦٦.

(٣). تهذيب التهذيب ١٠ / ٢١٠.

٣٢٥

الدولة الاموية، كما في ( تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٠٩ ) وفيه: « قال ابن يونس قدم سنة خمس وعشرين ثم دخل الاندلس، فلما ملك عبد الرحمن بن معاوية بالاندلس اتصل به فأرسله الى الشام في بعض أمره، فلما رجع اليه ولاه قضاء الجماعة بالاندلس، وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائة، وقال سعيد بن أبى مريم سمعت خالي موسى بن سلمة يقول: أتيت معاوية بن صالح لا كتب عنه فرأيت عنده أراه - قال: الملاهي - فقال: ما هذا؟ قال: شيء بهديه الى صاحب الاندلس، قال: فتركته ولم اكتب عنه »(١) .

و اما اسماعيل بن بشر بن منصور

شيخ ابن ماجة وأحد رجال الحديث في طريقه الثاني، فقد كان قدرياً كما في ( تهذيب التهذيب ١ / ٢٨٤ ).

وفي ( مختصر تهذيب التهذيب ١ / ٨٤ ): « تكلم فيه ».

و اما عبد الملك بن الصباح

راوي الخبر عن ثور في طريقه الثالث عند ابن ماجة ففي ( ميزان الاعتدال ٢ / ٦٥٦ ): « متهم بسرقة الحديث ».

٨ - تصريح الحافظ ابن القطان ببطلانه

لقد ثبت بطلان هذا الحديث حتى صرح بذلك الحافظ ابن القطان، فقد قال ابن حجر بترجمة عبد الرحمن السلمى: « له في الكتب حديث واحد في الموعظة صححه الترمذي. قلت وابن حبان والحاكم في المستدرك، وزعم ابن القطان الفاسي: انه لا يصح لجهالته »(٢) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ١٠ / ٢١١.

(٢). تهذيب التهذيب ٦ / ٢٣٨.

٣٢٦

وليس الحديث الذي أشار اليه الا حديث « عليكم بسنتي » وقد زعموا انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هذا الكلام في سياق وعظه للاصحاب كما تقدم.

ترجمة ابن القطان

ولنورد نبذة من كلماتهم في الثناء على الحافظ ابن القطان ٦٢٨:

١ - قال الذهبي : « ابن القطان الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة قال الابار في ترجمته: كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لا سماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية، رأس طلبة مراكش قال ابن مسدي: كان معروفاً بالحفظ والاتقان ومن أئمة هذا الشأن، مصري الاصل مراكشي الدار، كان شيخ شيوخ أهل العلم في الدولة المؤمنية »(١) .

٢ - قال السيوطي : « ابن القطان الحافظ الناقد العلامة قاضي الجماعة كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لاسماء رجاله وأشدهم عناية في الرواية، معروفاً بالحفظ والاتقان »(٢) .

٩ - لا اثر لهذا الحديث في الصحاح

انه على فرض تسليم صحة هذا الحديث بطريق من طرقهم، فانه لا يصلح لان يعارض به حديث الثقلين الذي ثبت صدوره باعتراف كبار أئمتهم، وقد رووه بالطرق المتكاثرة جداً في كتبهم، وليس حديث: « عليكم بسنتي » بهذه المثابة، بل لا أثر له في اكثر كتبهم

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٠٧.

(٢). طبقات الحفاظ ٤٩٤.

٣٢٧

١٠ - المراد من « الخلفاء » فيه هم « الائمة »

لو سلمنا صحة هذا الحديث فان لنا ان نفسر « الخلفاء » فيه بـ « الائمة الاثني عشر » من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك:

أولاً : لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطلق في حديث « الاثني عشر خليفة » كلمة « الخلفاء » عليهم سلام الله عليهم، فقد قال الشيخ القندوزى: « قال بعض المحققين: ان الاحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنى عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم ان مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا: الائمة الاثنا عشر من اهل بيته وعترته، اذ لا يمكن ان يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثنى عشر، ولا يمكن ان يحمل على الملوك الاموية، لزيادتهم على اثنى عشر ولظلمهم الفاحش الا عمر بن عبد العزيز ولكونهم غير بنى هاشم، لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن جابر، واخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول يرجع هذه الرواية لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم، ولا يمكن ان يحمل على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم لاية:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وحديث الكساء.

فلا بد من ان يحمل هذا الحديث على الائمة الاثني عشر من أهل بيته وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانهم كانوا اعلم اهل زمانهم واجلهم وأورعهم واتقاهم واعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله، وكانت علومهم عن آبائهم متصلة بجدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوراثة واللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق واهل الكشف والتدقيق، ويؤيد هذا المعنى - أي ان مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ويشهد ويرجحه حديث الثقلين والاحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيره، واما قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلهم تجتمع عليه الامة، في رواية عن جابر بن سمرة فمرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الامة تجتمع على الاقرار بامامة كلهم وقت ظهور

٣٢٨

قائمهم المهديرضي‌الله‌عنه »(١) .

وثانياً: لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم في حديث آخر بـ « الخلفاء رواه السيد علي الهمداني في ( المودة في القربى ) قائلا: « عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من احب ان يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال علياً بعدي ويعاد عدوه، وليأتم بالائمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادة أمتي وقادة الاتقياء الى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان ».

ورواه عنه القندوزي في ( ينابيع المودة ٢٥٨ ).

وثالثاً: لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم بـ « الخلفاء » في حديث ابن عباس، وقد رواه الحموئي في ( فرائد السمطين ) -: « عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان خلفائي أوصيائي وحجج الله على الخلق من بعدي الاثنا عشر أو لهم أخى وآخرهم ولدي.

قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: على بن أبي طالب. قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدى الذي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ».

ورواه جمال الدين الشيرازي في ( روضة الأحباب ) في ذكر الامام الثاني عشرعليه‌السلام ، والقندوزي في ( ينابيع المودة ٤٤٧ ) عن الحموئي.

ورابعاً: لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم بـ « الخلفاء » في حديثين رواهما جابر بن عبد الله، أحدهما بلفظ « هم خلفائي من بعدي يا جابر وأئمة الهدى بعدي أولهم على بن أبي طالب » قاله (ص) في جواب سؤاله عن قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ( روضة الاحباب ). والثاني بلفظ: « فانهم أوليائي ونجبائي

__________________

(١). ينابيع المودة ٤٤٦.

٣٢٩

واحبائي وخلفائي » رواه الديلمي في ( مسند الفردوس - مخطوط ).

وخامساً : لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم بـ « الخلفاء » في حديث آخر رواه شيخ الاسلام العز الدمشقي الشافعي - المترجم ببالغ الاطراء والثناء عليه في ( العبر ٥ / ٢٦٠ ) و ( مرآة الجنان ٤ / ١٥٣ - ١٥٨ ) و ( طبقات السبكي ٥ / ١٠٢ ) و ( طبقات الاسنوي ٢ / ١٩٧ ) و ( طبقات الاسدي - ٢ / ٤٤٠ ) و ( حسن المحاضرة ١ / ٣١٤ - ٣١٦ ) - رواه في ( رسالة فضائل الخلفاء ) في حديث طويل:

« فلما حملت خديجة رضي الله عنها بفاطمة كانت فاطمة تحدثها من بطنها تؤنسها في وحدتها، وكانت تكتم ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فسمع خديجة رضى الله عنها تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة لمن تحدثين؟ قالت: أحدث الجنين الذي في بطني فانه يحدثني ويؤنسني قال: يا خديجة أبشرى فانها النسلة الطاهرة الميمونة، فان الله تعالى قد جعلها من نسلي وسيجعل من نسلها خلفاء في ارضه بعد انقضاء وحيه ».

وسادساً: لان امير المؤمنينعليه‌السلام عبر عنهم بـ « خلفاء الله » في حديث رواه جماعة، أنظر: ( تذكرة الحفاظ ) و ( كنز العمال ١٠ / ١٥٨ ) و ( المناقب للخوارزمي ٢٦٣ ) و ( تذكرة الخواص ١٤١ ) وهذا لفظه كما في ( الحلية ) بسنده عن كميل بن زياد النخعي قال: « أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني الى ناحية الجبانة، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا يبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الاقلون عدداً الاعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها الى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم أولئك خلفاء الله في بلاده ودعاته الى دينه، هاه هاه شوقاً الى رؤيتهم »(١) .

وسابعاً : لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف الائمةعليهم‌السلام في

__________________

(١). حلية الاولياء ١ / ٧٩ - ٨٠.

٣٣٠

حديث بـ « الائمة الراشدين » رواه الديلمي في ( مسند الفردوس - مخطوط ): « عن أبي سعيد الخدري قال: صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة الاولى، ثم اقبل بوجهه الكريم علينا فقال: يا معاشر أصحابي، ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي، الأئمة الراشدين من ذريتي، فإنكم لن تضلوا أبدا. فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر من اهل بيتي - أو قال من - عترتي ».

وهذا الحديث يرشد الى ان - الخلفاء الراشدين - في الحديث البحوث عنه هم الائمة من أهل البيت لا غيرهم.

وثامناً: لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم في خطبة له بـ « الائمة المهدية ». رواها أبو نعيم باسناده عن جابر، قال: « خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ومعه علي والحسن والحسين، فخطبنا فقال: ايها الناس، ان هؤلاء أهل بيت نبيكم قد شرفهم الله بكرامته واستحفظهم سره واستودعهم علمه، عماد الدين، شهداء على أمته، برأهم قبل خلقه إذ هم أظلة تحت عرشه، نجباء في علمه، وارتضاهم واصطفاهم فجعلهم علماء وفقهاء لعباده ودلهم على صراطه، فهم الأئمة المهدية والقادة الداعية والأئمة الوسطى والرحم الموصولة »(١) .

و رواها النطنزي باسناده عن أبي جعفر عن أبيه عن جابر(٢) .

وتاسعاً : لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم في خطبة بـ « الهداة المهديون، الائمة الراشدون » وبـ « الائمة الهادية » رواها شهاب الدين أحمد سبط قطب الدين الايجي حيث قال: « وهذه هي الخطبة التي خطبها رسول الله صلّى الله عليه وبارك وسلّم حين نزلت:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ايها الناس! ان الله خلقني وخلق اهل بيتي من طينة لم يخلق منها

__________________

(١). منقبة المطهرين - مخطوط.

(٢). الخصائص العلوية - مخطوط.

٣٣١

غيرنا، كنا اول من ابتدأ على خلقه، فلما خلقنا نور بنور ناكل ظلمة وأحيا بنا كل طينة، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هؤلاء خيار أمتي وحملة علمي وخزانة سري، وسادة أهل الارض، الداعون الى الحق، المخبرون بالصدق غير شاكين ولا مرتابين ولا ناكصين ولا ناكثين، هؤلاء الهداة المهتدون والائمة الراشدون، المهتدي من جاءني بطاعتهم وولايتهم، والضال من عدل عنهم وجاءني بعداوتهم، حبهم ايمان وبغضهم نفاق، هم الائمة الهادية وعرى الاحكام الواثقة، بهم تتم الاعمال الصالحة وهم وصية الله في الاولين والآخرين، والارحام التي أقسمكم الله بها إذ يقول:( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ، إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) .

ثم ندبكم الى حبهم فقال: قل لا اسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من النجس، الصادقون اذ نطقوا، العالمون اذا سئلوا، الحافظون لما استودعوا، جمعت فيهم الخلال العشر لم تجمع الا في عترتي وأهل بيتي: الحلم والعلم والنبوة والسماحة والشجاعة والصدق والطهارة والعفاف والحكم.

فهم كلمة التقوى ووسيلة الهدى والحجة العظمى والعروة الوثقى، هم أولياؤكم عن قول ربكم وعن قول ربى، ما أمرتكم الا بما أمرني به ربي، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وأوحى الي ربى فيه ثلاثاً: انه سيد المسلمين وامام الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين، وقد بلغت عن ربي ما أمرت واستودعهم الله فيكم واستغفر الله لي ولكم »(١) .

وهذه الخطبة تشتمل على وجوه يدل كل واحد منها دلالة واضحة على امامة امير المؤمنين والائمة المعصومين من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وقد ذكر ذلك بالتفصيل في مجلد ( حديث الغدير ).

__________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.

٣٣٢

وعاشراً : لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم بـ « أئمة الهدى ومصابيح الدجى » في حديث رواه الخوارزمي في ( المناقب ٣٤ ) والقندوزي في ( ينابيع المودة ١٢٧ ) وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحب أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنة التي وعدني ربى فليتول علي بن أبى طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده، فانهم لن يخرجوكم من باب الهدى الى باب الضلالة ».

والحادي عشر : لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حديث رواه ابن عباس « واهل بيتي أمان لامتى من الاختلاف فاذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس » فقد جاء في ( استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط ) ما نصه: « وعن قتادة عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النجوم أمان لاهل الارض من الغرق وأهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف، فاذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس. أخرجه الحاكم وقال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه ».

وقد رواه عن الحاكم وغيره جماعة منهم: ابن حجر في ( الصواعق ).

والسيوطي في ( الخصائص ٣ / ٣٦٤ ).

والسمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ).

والشيخاني في ( الصراط السوي - مخطوط ).

والشبراوي في ( الاتحاف بحب الاشراف / ٢٠ ).

والحمزاوي في ( مشارق الأنوار ٨٦ ).

والقندوزي في ( ينابيع المودة ٢٩٨ ).

ومن هنا يظهر ان حديث « عليكم بسنتي » وارد - ان صح - في أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، اذ قد جاء في صدره ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد الى الاصحاب بهذا العهد لاجل النجاة عند الاختلاف من بعده.

والثاني عشر: لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عنهم في حديث: « اللهم

٣٣٣

انهم أهلي والقوام لديني والمحيون لسنتي » فقد روى ابن أبي الفوارس الرازي في ( الاربعين - مخطوط ) بسنده: « عن جابر بن عبد الله الانصاري أنه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً في مسجده اذ أقبل على بن أبي طالب والحسن عن يمينه والحسين عن شماله، فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبّل علياً واكرمه وقبّل الحسن وأجلسه على فخذه الايمن وقبّل الحسين وأجلسه على فخذه الايسر، ثم جعل يقبلهما ويرشف ثناياهما وهو يقول: بأبي أنتما وبأبي أبوكما وبأبي أمكما، ثم قال: ايها الناس! ان الله عز وجل يباهي بهما وبأبيهما وأمهما وبالابرار من أولادهما الملائكة في كل يوم مراراً. ومثلهم مثل التابوت في بنى إسرائيل.

اللهم من أطاعنى فيهم وحفظ وصيتي بهم فاجعله معى في درجتي. اللهم ومن عصاني فيهم فأحرمه روحك وريحانك ورحمتك وجنتك. اللهم انهم اهلي والقوام لديني والمحيون لسنتي التالون لكتاب الله، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ».

وهذا يفيد أن حديث « عليكم بسنتي » بعد تسليم صحته وارد بحق الائمة الطاهرين من أهل البيت.

٣٣٤

دفع

شبهة عموم « العترة »

٣٣٥

٣٣٦

قوله : وعلى فرض عدم المعارضة، فان العترة في اللغة بمعنى الاقارب، فان دل وجوب التمسك على الامامة لزم ان يكون جميع أقارب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أئمة تجب اطاعتهم خصوصاً أمثال عبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، وزيد بن علي، والحسن المثنى، واسحاق بن جعفر الصادق وغيرهم من أهل البيت.

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - ليس « العترة » بمعنى « الاقارب »

ان دعوى كون « الاقارب » معنى « العترة » لغة غير صحيحة، وان دلت على شيء فانما تدل على عدم اطلاع ( الدهلوي ) في اللغة، لان أئمة هذا العلم ومحققيه صرحوا جميعاً ونصوا على ان « العترة » في اللغة « الاولاد وأخص الاقارب » لا مطلقهم، ونحن لو لم نحمل دعوى ( الدهلوي ) هذه على الجهل فلا مناص لاوليائه وأصحابه من حملها على تعمد الكذب فيزداد الطين بلة، وتعظم المصيبة عليهم كما قال الشاعر:

٣٣٧

فان كنت لا تدري فتلك مصيبة

وان كنت تدري فالمصيبة أعظم

وعلى الرغم من وضوح معنى الكلمة فيما ذكرنا، فلا بد من نقل بعض نصوص العلماء في هذا المقام ارغاماً للمكابر واتماماً للحجة:

قال الجوهري في ( الصحاح ): « عترة الرجل نسله ورهطه الادنون ».

وقال ابن سيدة في ( المخصص ): « أبو عبيد: أسرة الرجل رهطه الادنون وكذلك فصيلته وعترته ».

وقال ابن الاثير في ( النهاية ) بعد حديث الثقلين: « عترة الرجل: أخص أقاربه ».

وقال ابن منظور في ( لسان العرب ) بعد أن روى حديث الثقلين ونقل كلام ابن الاثير المتقدم: « وقال ابن الاعرابي: العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه قال: فعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد فاطمة البتولعليها‌السلام ».

وقال السيوطي في ( النثير ): « عترة الرجل أخص أقاربه ».

وقال الفيروزابادى في ( القاموس ): « العترة بالكسر نسل الرجل رهطه وعشيرته الادنون ممن مضى وغبر ».

وقال الزبيدي في ( التاج ): « وقال أبو عبيد وغيره: عترة الرجل واسرته وفصيلته: رهطه الادنون، وقال ابن الاثير: عترة الرجل أخص أقاربه، وقال ابن الاعرابي عترة الرجل ولده وذريته وعقبه من صلبه، قال: فعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد فاطمة البتولعليها‌السلام ».

٢ - العصمة لاخص الاقارب

لقد تقدم: ان حديث الثقلين يدل بوجوه عديدة على ان العترة الذين قرنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكتاب العزيز معصومون من الزلل والخطأ، ومنزهون من كل عيب ونقص.

فلا بد اذاً من أن يكون مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العترة أخص

٣٣٨

الاقارب وهم الائمة الاثنا عشر المعصومون، اذ لم تثبت العصمة الا لهم، فكيف يكون المراد مطلق الاقارب؟!

٣ - الاعلمية لاخص الاقارب

لقد تقدم: ان حديث الثقلين يفيد أعلمية أهل البيتعليهم‌السلام - ولا سيما السياق الوارد في ( منقبة المطهرين ) لابي نعيم الاصبهاني - ومن المعلوم ان هذه المرتبة لم تثبت لجميع الاقارب، فلزم أن يكون مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من « العترة » من حاز تلك المرتبة، وهم الائمة الاثنا عشرعليهم‌السلام منهم ليس الا

٤ - اختصاص حديث الثقلين بالائمة من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اختصاص حديث الثقلين بالائمة الاثني عشرعليهم‌السلام في بعض ألفاظه، ففي ( فرائد السمطين ) ضمن رواية مناشدة أمير المؤمنينعليه‌السلام - ما نصه: « قال أنشدكم بالله، أتعلمون ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام خطيباً - لم يخطب بعد ذلك - فقال: يا أيها الناس انّي تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا، فان اللطيف الخبير أخبرنى وعهد الي انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فقام عمر بن الخطاب - شبه المغضب - فقال: يا رسول الله، أكل أهل بيتك؟ فقال: لا ولكن أوصيائى منهم، أو لهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، هو أو لهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد، حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم فقد أطاع الله من عصاهم فقد عصى الله؟!

٣٣٩

فقالوا كلهم: نشهد ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك »(١) .

أقول: فهل تبقى قيمة لدعوى ( الدهلوي ) هذه؟!

٥ - اختصاص حديث الثقلين بالائمة من كلام علىعليه‌السلام

انه يتضح اختصاص حديث الثقلين بأهل البيت المعصومينعليهم‌السلام من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً، فقد روى أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي انهعليه‌السلام قال لمن حضر عنده حين حضرته الوفاة:

« وفيكم من يخلف من نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ان تمسكتم به لن تضلوا، وهم الدعاة، وهم النجاة، وهم أركان الأرض، وهم النجوم بهم يستضاء، من شجرة طاب فرعها وزيتونة طاب أصلها، نبتت في الحرم وسيقت من كرم، من خير مستقر الى خير مستودع، من مبارك الى مبارك، صفت من الاقذار والادناس ومن قبيح ما نبت شرار الناس، لها فروع طوال لا تنال، حسرت عن صفاتها الالسن وقصرت عن بلوغها الاعناق، فهم الدعاة وبهم النجاة وبالناس اليهم حاجة، فاخلفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأحسن الخلافة، فقد أخبركم انهم والقرآن الثقلان، وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فالزموهم تهتدوا وترشدوا ولا تتفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا وتمرقوا »(٢) .

٦ - اختصاص حديث الثقلين بالائمة من كلام الامام الحسنعليه‌السلام

لقد بلغ اختصاص هذا الحديث بالعترة الطاهرة من الوضوح حداً حتى أرسله الامام الحسن السبطعليه‌السلام في خطبة له ارسال المسلم، وقد أوردنا

__________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٣١٧.

(٢). شرف المصطفى - مخطوط.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493