تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152672
تحميل: 2979


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152672 / تحميل: 2979
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فكتب: كلّ ما قومر به فهو الميسر. وكلّ مسكر حرام.

وعن عامر بن السبط(١) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال: الخمر من ستّة أشياء: التّمر والزّبيب والحنطة والشّعير والعسل والذرة.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال: النّرد والشّطرنج، بمنزلة واحدة. وكل ما قومر عليه فهو ميسر.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحنّاط(٤) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: الشّطرنج والنّرد هما الميسر.

محمّد بن يحيى(٥) عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد الملك القمي قال: كنت أنا وإدريس أخي عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام. فقال إدريس: جعلنا الله فداك! ما الميسر؟

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام. هي الشّطرنج.

قال: فقلت عندهم(٦) يقولون: إنّها النّرد.

قال: والنّرد أيضا.

قال البيضاويّ(٧) : روى أنّه نزل بمكّة، قوله(٨) ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً ) .(٩) فأخذ المسلمون يشربونها. ثمّ أنّ عمر ومعاذا في نفر من الصّحابة، قالوا: أفتنا، يا رسول الله! في الخمر؟ فإنّها مذهبة للعقل(١٠) فنزلت هذه الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. [ثمّ دعا عبد الرّحمن بن عوف ناسا منهم. فشربوا. فسكروا. فأمّ أحدهم.

فقرأ: «أعبد ما تعبدون.» فنزلت:( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (١١) . فقلّ من

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣١٣.

(٢) الكافي ٦ / ٤٣٥، ح ١.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٤) أ: الخيّاط.

(٥) نفس المصدر ٦ / ٤٣٦، ح ٨.

(٦) المصدر: أما أنتم.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٨) النحل / ٦٧.

(٩) المصدر: سكرا ورزقا حسنا.

(١٠) مذهبة للعقل مسلبة للمال.

(١١) النساء / ٤٣.

٣٢١

يشربها].(١) ثمّ دعا عتبان بن مالك، سعد بن أبي وقّاص في نفر. فلمّا سكروا افتخروا وتناشدوا. فأنشد سعد شعرا، فيه هجاء الأنصار. فضربه أنصاريّ بلحى بعير. فشجّه.

فشكى إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال عمر: «اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا.» فنزلت:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) ـ إلى قوله ـ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) . فقال عمر: انتهينا يا ربّ.

وهذا النّقل منه يدلّ على عدم حرمة الخمر في أوّل الإسلام وعدم انتهاء عمر عن الخمر قبل نزول «إنّما الخمر» (إلى آخره.) والصّحيح أنّ الخمر كان حراما وهذا أوّل آية نزلت في التّحريم.

روى في الكافي(٢) : عن بعض أصحابنا ـ مرسلا ـ قال: إنّ أوّل ما نزل في تحريم الخمر، قول الله ـ عزّ وجلّ:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) . فلمّا نزلت الآية أحسّ القوم بتحريم الخمر. وعلموا أنّ الإثم ينبغي(٣) اجتنابه. ولا يحمل الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم من كلّ طريق. لأنه قال:( وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) . ثمّ أنزل ـ عزّ وجلّ ـ آية أخرى. (الحديث).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار السّابقة وقوله :

( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) من حيث أنّه يؤدّي إلى الانتكاب عن المأمور به وارتكاب المنهيّ عنه.

( وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) من كسب المال والطّرب والالتّذاذ ومصادفة الفتيان.

( وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) ، أي: المفاسد الّتي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقّعة منهما. والمفسدة إذا ترجّحت على المصلحة، اقتضت تحريم الفعل.

[وفي أصول الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الرّيّان بن الصّلت قال: سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: ما بعث الله نبيّا إلّا بتحريم الخمر، وأن يقرّ لله بالبداء.

( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ) قيل: سائله عمرو بن الجموح. سأل أوّلا عن المنفق والمسرف، وثانيا عن كيفيّة

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٦ / ٤٠٦، ح ٢.

(٣) المصدر: فما ينبغي.

(٤) الكافي ١ / ١٤٨، ح ١٥.

٣٢٢

الإنفاق.

( قُلِ الْعَفْوَ ) ، أي: الوسط، لا إقتار ولا إسراف. والعفو» ضدّ الجهد. ومنه يقال للأرض السّهلة: العفو].(١)

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير(٣) ، عن رجل(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قال: العفو، الوسط.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قوله:( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قال :لا إقتار ولا إسراف.

وفي مجمع البيان(٦) :( قُلِ الْعَفْوَ ) فيه أقوال ـ إلى قوله ـ وثالثها أنّ العفو ما فضل عن قوت السّنة

ـ عن الباقر ـ عليه السّلام. قال: ونسخ ذلك بآية الزّكاة.

( كَذلِكَ ) ، أي: مثل ما بيّن أنّ العفو أصلح، أو ما ذكر من الأحكام.

والكاف في موضع النّصب، صفة لمصدر محذوف، أي: تبيينا مثل هذا التّبيين. ووحدّ العلامة. والمخاطب جمع على تأويل القبيل والجمع.

( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ) الدّالّة على ما فيه إرشادكم.

( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) (٢١٩) في الدّلائل والأحكام.

( فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) : في أمور الدّارين، فتأخذون بالأصلح وتتركون المضرّ.

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن صفوان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنّه لـمّا أنزلت(٨) ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) أخرج كلّ من كان عنده يتيم، وسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في إخراجهم. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى:( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٤ / ٥٢، ح ٣.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ابن أبي بصير.

(٤) المصدر: عن بعض أصحابه.

(٥) تفسير القمي ١ / ٧٢.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣١٦.

(٧) تفسير القمي ١ / ٧٢.

(٨) المصدر: أنزلت. (ظ)

٣٢٣

وفي مجمع البيان(١) ، عند قوله( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) (الآية) :

روى أنّه لـمّا نزلت هذه الآية، كرهوا مخالطة اليتامى. فشقّ ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فأنزل الله سبحانه وتعالى( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) . (الآية) ـ عن الحسن. وهو المرويّ عن السّيدين الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام.

( قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) ، أي: مداخلتهم لإصلاحهم خير من مجانبتهم.

قال الصّادق ـ عليه السّلام(٢) : لا بأس بأن تخالط طعامك بطعام اليتيم. فإنّ الصّغير يوشك أن يأكل كما يأكل الكبير.

وأمّا الكسوة وغيره، فيحسب على رأس كلّ صغير وكبير وكم يحتاج إليه.

( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) : حثّ على المخالطة، أي: أنّهم إخوانكم في الدّين.

ومن حقّ الأخ أن يخالط الأخ.

وقيل(٣) : المراد بالمخالطة المصاهرة.

( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) : وعيد ووعد لمن خالطهم لإفساد وإصلاح، أي: يعلم أمره فيجازيه عليه.

وفي الكافي(٤) : عثمان، عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) .

قال: يعني اليتامى. إذا كان الرّجل يلي الأيتام»(٥) . في حجره، فليخرج من ماله على قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم. فيخالطهم. ويأكلون جميعا. ولا يرز أنّ من أموالهم شيئا. إنّما هي النّار.

أحمد بن محمّد(٦) ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت: أرأيت قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) ؟

قال: تخرج من أموالهم بقدر ما يكفيهم. وتخرج من مالك قدر ما يكفيك. ثمّ شفّعه(٧) .

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٣ ـ ٤.

(٢) تفسير القمي ١ / ٧٢.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١٦ ـ ١١٧.

(٤) الكافي ٥ / ١٢٩، ح ٢.

(٥) المصدر: لا يتام.

(٦) الكافي ٥ / ١٣٠، ح ٥.

(٧) المصدر: تنفقه. (ظ)

٣٢٤

قلت: أرأيت إن كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى كسوة من (بعضهم(١) ) وبعضهم آكل من بعض وما لهم جميعا؟

فقال: أمّا الكسوة، فعلى كلّ إنسان منهم ثمن كسوته. وأمّا الطّعام(٢) فاجعلوه [جميعا].(٣) فإنّ الصّغير يوشك أن يأكل مثل الكبير.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ قال: قيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام، ومعهم خادم لهم، فنقعد على بساطهم، ونشرب من مائهم، ويخد منا خادمهم. وربّما طعمنا فيه الطّعام من غير صاحبنا. وفيه من طعامهم. فما ترى في ذلك؟ فقال: إن كان في دخولكم عليه(٥) منفعة لهم، فلا بأس. وإن كان فيه ضرر، فلا.

وقال ـ عليه السّلام:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) .(٦) فأنتم لا يخفى عليكم.

وقد قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (٧) .

وفي تفسير العيّاشي(٨) : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: جاء رجل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا رسول الله! إنّ أخي هلك وترك أيتاما ولهم ماشية. فما يحلّ لي منها؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إن كنت تليط حوضها وترد نادتها(٩) وتقوم على رعيتها، فاشرب من ألبانها غير مجتهد للحلب ولا ضارّ بالولد.( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

عن عليّ(١٠) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله في اليتامى:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ )

__________________

(١) المصدر: بعض. (ظ)

(٢) المصدر: أكل الطعام.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) الكافي ٥ / ١٢٩، ح ٤.

(٥) المصدر: عليهم.

(٦) القيامة / ١٤.

(٧) المصدر: وقد قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) في الدين( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

(٨) تفسير العيّاشي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨، ح ٣٢١.

(٩) المصدر: فاديتها.

(١٠) نفس المصدر ١ / ١٠٨، ح ٣٢٤.

٣٢٥

قال: يكون له التّمر واللّبن. ويكون لك مثله على قدر ما يكفيك ويكفيهم.

ولا يخفى على الله المفسد من المصلح.

عنه(١) ، عن عبد الله بن حجّاج، عن أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: يكون لليتيم عندي الشّيء. وهو في حجري، أنفق عليه منه. وربّما أصيب بما(٢) يكون له من طعام(٣) . وما يكون منّى إليه أكثر.

فقال: لا بأس بذلك.( وَاللهُ ) (٤) ( يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) ، أي: ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم، أي: كلّفكم ما يشقّ عليكم من العنت وهي المشقّة ولم يجوز(٥) لكم مداخلتهم.

( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ) : غالب يقدر على الإعنات.

( حَكِيمٌ ) (٢٢٠): يحكم ما تقتضيه الحكمة ويتّسع له الطّاقة.

( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) ، أي: ولا تتزوجهنّ.

وقرئ بالضّمّ، أي: ولا تزوجوهنّ من المسلمين.

روى(٦) أنّه ـ عليه السّلام ـ بعث مرشد الغنويّ إلى مكّة، ليخرج أناسا من المسلمين. فأتته عناق. وكان يهوديّا في الجاهليّة.

فقالت: ألا تخلو؟

فقال: إنّ الإسلام حال بيننا.

فقالت: لك أن تتزوّج بي؟

فقال: نعم. ولكن أستأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فاستأمره. فنزلت. والمشركات تعمّ الكتابيّات وغيرهم.

وفي مجمع البيان(٧) ، عند قوله:( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) : روى أبو الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه منسوخ بقوله:( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) وبقوله(٨) :( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) .

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٢٥.

(٢) المصدر: ربّما أصبت ممّا.

(٣) المصدر: الطعام.

(٤) المصدر: إن الله.

(٥) كذا في أ. وفي الأصل ور: لم تجوز.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣١٧.

(٧) نفس المصدر ٢ / ١٦٢.

(٨) الممتحنة / ١٠.

٣٢٦

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: يا أبا محمّد! ما تقول في رجل يتزوّج نصرانيّة على مسلمة؟

قلت: جعلت فداك! وما قولي بين يديك؟

قال: لتقولنّ فإنّ ذلك يعلم به قولي.

قلت: لا يجوز تزويج النّصرانيّة على مسلمة ولا غير مسلمة.

قال: لم؟

قلت: لقول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) ؟

قال: فما تقول في هذه الآية:( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ؟

قلت: قوله( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) نسخت هذه الآية.

فتبسّم ثمّ سكت.

والمراد بالنّكاح، العقد الدّائم.

وروى جواز التّمتّع باليهوديّة والنّصرانيّة، في من لا يحضره الفقيه(٢) : وسأل الحسن التّفليسيّ الرّضا ـ عليه السّلام: يتمتّع الرّجل من اليهوديّة والنّصرانيّة؟

قال أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: يتمتّع من الحرة المؤمنة. وهي أعظم حرمة منها.

( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) ، أي: لأمرأة مؤمنة حرّة كانت، أو مملوكة. فإنّ النّاس عبيد الله وإماؤه.

( وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) بحسنها وشمائلها.

و «الواو» للحال. و «لو» بمعنى «إن» و «هو» كثير.

( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) : ولا تزوّجوا منهم المؤمنات حتّى يؤمنوا. وهو على عمومه.

( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) : تعليل للنّهي عن مواصلتهم. وترغيب في مواصلة المؤمنين.

( أُولئِكَ ) : إشارة إلى المذكورين من المشركين والمشركات.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٣٥٧، ح ٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٩٣، ح ١٣٩٠.

٣٢٧

( يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : إلى الكفر المؤدّي إلى النّار. فلا يجوز مصاهرتهم.

( وَاللهُ ) ، أي: أولياؤه المؤمنون. حذف المضاف. وأقيم المضاف إليه مقامه، تفخيما لشأنهم، أو الله.

( يَدْعُوا ) بهذا التّكليف.

( إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ ) ، أي: أسبابهما من الاعتقاد والعمل الموصلين إليهما.

( بِإِذْنِهِ ) : بتوقيفه أو بقضائه.

( وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (٢٢١)، أي: لكي يتذكّروا، أو ليكونوا بحيث يرجى منهم التّذكّر لما ركز(١) في العقول من ميل الخير ومخالفة الهوى.

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) : هو مصدر كالمجيء والمبيت.

قيل: ولعلّه سبحانه إنّما ذكر يسألونك بغير واو ثلاثا ثمّ بها ثلاثا، لان السؤالات الاول كانت في أوقات متفرّقة والثلاث الأخيرة كانت في وقت واحد. فلذلك ذكرها بحرف الجمع.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: الحيض من النّساء نجاسة. رماهنّ الله بها.

قال: وقد كنّ النّساء في زمان نوح إنّما تحيض المرأة في كلّ سنة حيضة حتّى خرجن نسوة من حجابهن. وهنّ سبعمائة امرأة. فانطلقن. فلبسن المعصفر(٣) من الثّياب.

وتحلّين وتعطّرن. ثمّ خرجن. فتفرّقن في البلاد. فجلسن مع الرّجال. وشهدن الأعياد معهم وجلسن في صفوفهم. فرماهنّ الله بالحيض، عند ذلك، في كلّ شهر. أولئك النسّوة بأعيانهنّ. فسالت دماؤهنّ من بين الرّجال. وكنّ يحضن في كلّ شهر حيضة.

قال: فأشغلهنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بالحيض. وكسر(٤) شهوتهنّ.

قال: وكان غير حضّ من النّساء اللّواتي، لم يفعلن مثل فعلهنّ. يحضن(٥) في كلّ سنة حيضة.

قال: فتزّوج بنو اللّاتي يحضن في كلّ شهر حيضة، بنات اللّاتي يحضن في كلّ سنة حيضة.

__________________

(١) ر: ذكر.

(٢) علل الشرائع ١ / ٢٩٠، ح ٢.

(٣) هكذا في النسخ. وفي المصدر: المعصفرات.

(٤) المصدر: كثر.

(٥) المصدر: كنّ يحضن.

٣٢٨

قال: فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كلّ شهر حيضة.

قال: وكثر أولاد اللّاتي(١) يحضن في كلّ شهر حيضة، لاستقامة الحيض. وقلّ أولاد اللّاتي(٢) . لا يحضن في السّنة إلّا حيضة لفساد الدّم.

قال: وكثر نسل هؤلاء. وقلّ نسل أولئك.

روى(٣) أنّ أهل الجاهليّة كانوا لم يساكنوا الحيّض ولم يؤاكلوها كفعل اليهود والمجوس. واستمرّ ذلك إلى أن سأل أبو الدّحداء، في نفر من الصّحابة عن ذلك، فنزلت.

( قُلْ هُوَ أَذىً ) ، أي: المحيض مستقذر مؤذ من يقربه.

( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) ، أي: فاجتنبوا مجامعتهن. وهو الاقتصاد بين إفراط اليهود وإخراجهنّ من البيوت، وتفريط النّصارى ومجامعتهنّ في المحيض. وإنّما وصف بأنّه «أذى» ورتّب الحكم عليه بالفاء، إشعارا بأنّه العلّة.

في الكافي(٤) : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسين بن بريد، عن الحسن بن عليّ، عن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله لـمّا أصاب آدم وزوجته الخطيئة، أخرجهما من الجنّة وأهبطهما إلى الأرض. فأهبط آدم على الصّفا. وأهبطت حوّاء على المروة.

فقال آدم: ما فرّق بيني وبينها، إلّا أنّها لا تحلّ لي. ولو كانت تحلّ لي هبطت معي على الصّفا. ولكنّها حرّمت عليّ من أجل ذلك وفرّق بيني وبينها.

فمكث آدم معتزلا حوّاء. فكان يأتيها نهارا. فيحدّث عندها على المروة. فإذا كان اللّيل وخاف أن تغلبه نفسه، يرجع إلى الصّفا. فيبيت عليه. ولم يكن لآدم أنس غيرها ولذلك سمّين «النّساء» من أجل أنّ حوّاء كانت أنسا لآدم. لا يكلّمه الله. ولا يرسل إليه رسولا.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد القلانسيّ، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) ، بإسناده إلى عذافر الصّيرفيّ قال أبو عبد الله

__________________

(١ و ٢) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: الذين.

(٣) الكشاف ١ / ٢٦٥+ أنوار التنزيل ١ / ١١٧.

(٤) الكافي ٤ / ١٩٠، ح ١. وله تتمة.

(٥) نفس المصدر ٤ / ١٩١، ح ١. وله تتمة.

(٦) علل الشرائع ١ / ٨٢، ح ١.

٣٢٩

ـ عليه السّلام: ترى هؤلاء المشوّهين(١) ؟

قال: نعم(٢) .

قال: هؤلاء(٣) الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطّمث.

( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) : تأكيد للحكم وبيان لغايته.

وفي رواية بن عبّاس(٤) : يطّهرن بتشديد الطّاء، أي: يتطهّرن.

والمراد به: إن كان انقطاع الدّم.

فالنّهي، نهي تحريم. وإن كان الغسل بعد الانقطاع، فنهي تنزيه. يدلّ عليه الأخبار.

( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ، أي: المأتيّ الّذي حلّله لكم.

( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) من الذّنوب.

( وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٢٢٢)، أي: المتنزّهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض.

في كتاب الخصال(٥) ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم الله تعالى من الفروج في القرآن وعمّا حرمّه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في السّنّة(٦) .

فقال: الّذي حرّم الله تعالى من ذلك(٧) أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن وسبعة عشر في السّنّة. فأمّا الّتي في القرآن: فالزّنى ـ إلى قوله ـ والحائض، حتّى تطهر، لقوله تعالى:( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) .

عن جعفر بن محمّد(٨) عن أبيه، عن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله كرّه لكم، أيتها الأمّة! أربعا وعشرين خصلة، ونهاكم عنها كرّه لكم: العبث في الصّلاة ـ إلى أن قال ـ وكرّه للرّجل أن يغشى امرأته وهي حائض.

فإن غشيها فخرج الولد مجذوما(٩) أو أبرص(١٠) ، فلا يلومنّ إلّا نفسه.

__________________

(١) المصدر: المشوّهين في خلقهم.

(٢) المصدر: قال: قلت: نعم.

(٣) المصدر: قال: هم هؤلاء.

(٤) أنوار التنزيل: ١ / ١١٨.

(٥) الخصال ٢ / ٥٣٢، ح ١٠.

(٦) المصدر: سنّته.

(٧) «من ذلك» ليس في المصدر.

(٨) نفس المصدر / ٥٢٠، ح ٩.

(٩) أ: مخروما.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ: أبرصا.

٣٣٠

عن بعض أصحابنا(١) ، قال: دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ.

ـ عليه السّلام ـ يوم الأربعاء. وهو يحتجم، قلت(٢) له: إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض، فلا يلومنّ إلّا نفسه.

فقال: كذبوا. إنّما يصيب ذلك من حملته أمّه في طمث.

وفي كتاب علل الشرائع(٣) ، بإسناده إلى أبي خديجة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان النّاس يستنجون بثلاثة أحجار لأنّهم كانوا يأكلون البرّ(٤) .

فكانوا يبعرون بعرا. فأكل رجل من الأنصار الدبا فلان بطنه. واستنجى بالماء(٥) .

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: هل عملت في يومك هذا شيئا؟

فقال: يا رسول الله! ما حملني(٦) على الاستنجاء بالماء إلّا أنّي أكلت طعاما فلان بطني. فلم تغن عنّى الأحجار(٧) شيئا. فاستنجيت بالماء.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: هنيا لك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أنزل فيك آية فابشر( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

فكنت أنت أوّل من صنع هذا أوّل التّوّابين وأوّل المتطهّرين.

وفي أصول الكافي(٨) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام بن المستنير قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه في حديث طويل: ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله، لخلق الله خلقا حتّى يذنبوا ثمّ يستغفروا الله. فيغفر لهم. إنّ المؤمن مفتن توّاب. أما سمعت قول الله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) وقال(٩) : استغفروا ربكم

__________________

(١) نفس المصدر / ٣٨٦، ح ٧٠.

(٢) المصدر: فقلت. (ظ)

(٣) علل الشرائع / ٢٨٦، ح ١.

(٤) المصدر: البسر.

(٥) المصدر: واستنجى بالماء. بعث [فبعث. ظ] إليه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: فجاء الرجل وهو خائف ـ يظن أن يكون قد نزل فيه أمر سوؤه في استنجائه بالماء.

(٦) المصدر: فقال: نعم، يا رسول الله. إني، والله ما حملني.

(٧) المصدر الحجارة.

(٨) الكافي ٢ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤، ح ١.

(٩) هود / ٩٠.

٣٣١

ثم توبوا إليه.

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ الله يحبّ المفتن التّوّاب. ومن لا يكون ذلك منه، كان أفضل.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، رفعه، قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أعطى التّائبين ثلاث خصال، لو أعطى خصلة منها جميع أهل السّماوات والأرض لنجوا بها: قوله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

فمن أحبّه الله لم يعذّبه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته ومزاده(٤) في ليلة ظلماء، فوجدها. فالله أشدّ فرحا بتوبة عبده، من ذلك الرّجل براحلته حين وجدها.

وفي الكافي(٥) : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: قال في قول الله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ، قال: وكان النّاس يستنجون بالكرسف والأحجار. ثمّ أحدث الوضوء. وهو خلق كريم. فأمر به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصنعه. فأنزل الله في كتابه:( إِنَّ )

( اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

وفي كتاب الخصال(٦) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: توبوا إلى الله ـ عزّ وجلّ. وادخلوا في محبّته. ف( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) . والمؤمن توّاب.

وفي مصباح الشّريعة(٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: خلق القلب طاهرا صافيا.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٥، ح ٩.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤٣٢، ح ٥.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٤٣٥، ح ٨.

(٤) المصدر: وزاده.

(٥) نفس المصدر ٣ / ١٨، ح ١٣.

(٦) الخصال ٢ / ٦٢٣، ح ١٠.

(٧) شرح فارسى لمصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٦٩.

٣٣٢

وجعل (غذاءه) الذّكر والفكر والهيبة والتّعظيم. فإذا شيب القلب الصّافي في التّغذية(١) بالغفلة والكدر، صقل بمصقل(٢) التوبة [ونظّف](٣) بماء الإنابة، ليعود على حالته الأولى وجوهريّته الأصليّة الصّافية. قال الله تعالى:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) : مواضع حرث لكم. شبّهن بها تشبيها لما يلقى في أرحامهنّ من النّطف بالبذور.

( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ) ، أي: فأتوهنّ كما تأتون المحارث. وهو كالبيان لقوله(٤) :( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) .

( أَنَّى شِئْتُمْ ) : من أي جهة شئتم.

روى(٥) أنّ اليهود كانوا يقولون: من جامع امرأته من دبرها في قبلها كان ولدها أحول. فذكر ذلك لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فنزلت.

( وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ) :

قيل(٦) : ما يدّخر لكم الثّواب.

وقيل(٧) : هو طلب الولد.

وقيل(٨) : التّسمية على الوطء.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) بالاجتناب عن معاصيه،( وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ) : فتزوّدوا ممّا لا تفضحون به عنده.

( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢٢٣)، الكاملين في الإيمان(٩) بالكرامة والنّعيم الدّائم.

أمر الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يبشّر من صدّقه وامتثل أمره.

واعلم! أنّ الوطء في دبر المرأة جائزة إذا رضى(١٠) . مكروه. وليس بحرام. وفي الآية دلالة عليهما.

وفي تهذيب الأحكام(١١) : أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن

__________________

(١) المصدر: تغذيته.

(٢) المصدر: بمصقلة. (ظ)

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) البقرة / ٢٢٢.

(٥) مجمع البيان ١ / ٣٢٠.

(٦ و ٧ و ٨) أنوار التنزيل ١ / ١١٨.

(٩) ر: بالايمان. (ظ)

(١٠) هكذا في جميع النسخ. ولعله الصواب: جائز إذا رضيت.

(١١) تهذيب الأحكام ٧ / ٤١٤، ح ١٦٥٧.

٣٣٣

حمران، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّجل يأتى المرأة في دبرها.

قال: لا بأس إذا رضيت. [قلت :](١) فأين قول الله:( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ؟

قال: هذا في طلب الولد. فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله. إنّ الله يقول:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن إتيان النّساء في أعجازهنّ.

قال: لا بأس. ثمّ تلا هذه الآية:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وعن زرارة(٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال: حيث شاءوا

وأمّا ما رواه :

عن صفوان بن يحيى(٤) ، عن بعض أصحابنا قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) . فقال: من قدامها ومن خلفها في القبل.

وعن معمر بن خلّاد(٥) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: أي شيء تقولون في إتيان النّساء في أعجازهن؟

قلت: بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأسا.

قال: إنّ اليهود كانت تقول: «إذا أتى الرّجل من خلفها خرج ولده أحول.» فأنزل الله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، يعني: من قدّام وخلف(٦) ، خلافا لقول اليهود. ولم يعن في أدبارهنّ.

وعن الحسن بن عليّ(٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١١٠، ح ٣٣٠.

(٣) نفس المصدر ١ / ١١١، ح ٣٣١.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٢.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٣.

(٦) المصدر: خلف أو قدّام.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

٣٣٤

وعن زرارة(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [قال سألته عن قول الله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

قال: من قبل.

عن أبي بصير(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام].(٣) قال: سألته عن الرجل يأتي اهله في دبرها. فكره ذلك. وقال: وإيّاكم ومحاش النّساء.

قال: إنّما معنى( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، أي: ساعة شئتم.

وعن الفتح بن يزيد الجرجانيّ(٤) قال: كتبت إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ في مسألة(٥) فورد منه الجواب: سألت عمّن أتى جاريته في دبرها والمرأة: لعبه(٦) لا تؤذي. وهي حرث كما قال الله.

محمولة على الكراهية، بقرينة الأخبار السّابقة. وفي بعض ألفاظ تلك الأخبار، أيضا، دلالة على ذلك.

( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) : «العرضة»، فعله بمعنى المفعول، كالقبضة بمعنى المقبوض. يطلق لما يعرض دون الشيء وللمعرض للأمر.

ومعنى الآية على الأوّل: لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير. فيكون المراد بالإيمان الأمور المحلوف عليها، يعني: إن حلفتم على الأمور الّتي تركها مرجوح شرعا، لا ينعقد يمينكم. فأتوا بما هو الرّاجح شرعا منها. وحينئذ أن مع صلتها عطف بيان «للإيمان.» و «اللّام» صلة «عرضة»، لما فيها من معنى الاعتراض. ويجوز أن يكون للتّعليل، ويتعلّق «أن» بالفعل، أو بعرضة، أي: ولا تجعلوا الله عرضة لأنّ تبرّوا لأجل: أيمانكم به.

وعلى الثّاني: ولا تجعلوه متعرّضا لأيمانكم. فتتبدّلوه بكثرة الحلف به. و «أن تبرّوا» علّة النّهي، أي: أنهاكم عنه إرادة برّكم تقواكم وإصلاحكم بين النّاس. فإنّ الحلّاف مجترئ على السرّ. والمجترئ عليه لا يكون برّا متّقيا ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

والآية ـ قيل(٧) ـ نزلت في أبي بكر، لـمّا حلف أن لا ينفق على مسطح لافترائه على

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٤.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٥.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٦.

(٥) المصدر: مثله.

(٦) المصدر: لعبة الرجل. (٧) أنوار التنزيل ١ / ١١٨.

٣٣٥

عائشة.

وقيل(١) : في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلّم ختنة بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته(٢) .

في أصول الكافي(٣) : عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) ، قال: إذا دعيت لصلح بين اثنين، فلا تقل: عليّ يمين أن لا أفعل(٤) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قوله:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) قال: هو قول الرّجل في كلّ حالة «لا والله» و «بلى والله.»

وفي الكافي(٦) : عدّة من أصحابنا [عن سهل بن زياد](٧) ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين. فإن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) .

عدّة من أصحابنا(٨) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن يحيى بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي سلام المتعبّد، أنّه سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول لسدير: يا سدير! من حلف بالله كاذبا، كفر. ومن حلف بالله صادقا، أثم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٩) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) قالا: هو الرجل يصلح [بين الرجل].(١٠) فيحمل ما بينهما من الإثم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١١٨.

(٢) يوجد في أ، بعد هذه الفقرة: «والله سميع لايمانكم، عليم بنياتكم.» وهو مشطوب في الأصل.

(٣) الكافي ٢ / ٢١٠، ح ٦.

(٤) المصدر: ألّا أفعل.

(٥) تفسير القمي ١ / ٧٣.

(٦) نفس المصدر ٧ / ٤٣٤، ح ١.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) نفس المصدر ٧ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥، ح ٤.

(٩) تفسير العياشي ١ / ١١٢، ح ٣٣٨.

(١٠) يوجد في المصدر.

٣٣٦

عن منصور بن حازم(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [في قول الله:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) ].(٢) قال: يعني الرّجل يحلف أن لا يكلّم أخاه. وما أشبه ذلك. ولا يكلّم أمّه.

وعن أيّوب(٣) : قال سمعته يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين. فإنّ الله يقول:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) قال: إذا استعان رجل برجل على صلح بينه وبين رجل، فلا يقولن(٤) «إنّ عليّ يمينا أن لا أفعل.» وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٥) : وروى محمّد بن إسماعيل، عن سلام بن سهم الشّيخ المتعبّد، أنّه سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول ـ وذكر مثله.

[( وَاللهُ سَمِيعٌ ) لأيمانكم،( عَلِيمٌ ) (٢٢٤) بنيّاتكم].(٦) ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) : «اللّغو»: السّاقط، الّذي لا يعتدّ به من كلام وغيره. ولغو اليمين، ما لا عقد معه كما سبق به اللّسان، أو تكلّم به جاهلا بمعناه.

( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ، أي: بما قصدتم من الأيمان وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم.

( وَاللهُ غَفُورٌ ) حيث لا يؤاخذكم باللّغو،( حَلِيمٌ ) (٢٢٥) حيث لم يعاجل بالمواخذة على يمين الجدّ، تربّصا للتّوبة.

( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) ، أي: يحلفون على أن لا يجامعوهنّ مطلقا، أو مقيّدا بالدّوام، أو بأكثر من أربعة أشهر، إذا كنّ مدخولا بهنّ.

و «الإيلاء»: الحلف. وتعديته بعلى ولكن لـمّا ضمّن هذا القسم معنى البعد، عدّى بمن.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٩.

(٢) ليس في أ.

(٣) ر: عن أبي. والحديث في نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٤٠.

(٤) المصدر: تقولنّ.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥، ح ١١٠٨.

(٦) ليس في أ.

٣٣٧

( تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) :

مبتدأ، ما قبله خبره، أو فاعل الظّرف.

و «التّربّص»: التّوقف. أضيف إلى الظّرف، على الاتّساع، أي: للمولى حقّ التّربّص في هذه المدّة، لا يطالب بفيء، ولا طلاق.

( فَإِنْ فاؤُ ) ، أي: رجعوا في اليمين بالحنث والكفّارة،( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٢٢٦): للمولى إثم حنثه إذا كفّر، أو ما توخّى بالإيلاء من إضرار المرأة.

( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) ، أي: همّموا(١) قصده،( فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ) لطلاقهم،( عَلِيمٌ ) (٢٢٧) بغرضهم ونيّاتهم.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي خالد(٣) الهيثم قال: سألت أبا الحسن الثّاني ـ عليه السّلام: كيف صار(٤) عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام(٥) ؟

قال: أمّا عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر فلاستبراء الرّحم من الولد.

وأمّا عدة(٦) المتوفى عنها زوجها، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ شرط للنّساء شرطا، فلم يكملهن(٧) فيه.

وفيما شرط عليهنّ، بل شرط عليهنّ مثل ما شرط لهم فأمّا ما شرط لهنّ: فإنّه جعل لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر. لأنّه علم أنّ ذلك غاية صبر النّساء. فقال ـ عزّ وجلّ:( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) . فلا يجوز(٨) للرّجل.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) : حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: «الإيلاء» هو أن يحلف الرّجل على امرأته

__________________

(١) أور: صمّموا.

(٢) علل الشرائع / ٥٠٧ ـ ٥٠٨، ح ١.

(٣) «خالد» ليس في المصدر.

(٤) المصدر: صارت.

(٥) المصدر: أربعة أشهر وعشرا.

(٦) ليس في أو في المصدر.

(٧) المصدر: فلم يحلّهن. (ظ)

(٨) المصدر: فلم يجز.

(٩) تفسير القمي ١ / ٧٣.

٣٣٨

أن لا يجامعها. فإن صبرت عليه فلها أن تصبر. وإن(١) رفعته إلى الإمام، أنظره أربعة أشهر.

ثمّ يقول له بعد ذلك: إمّا أن ترجع إلى المناكحة، وإمّا أن تطلقه. فان أبى جئته أبدا(٢) .

وروى عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام(٣) ـ أنّه من(٤) بنى حظيرة من قصب. وجعل فيها رجلا آلى من امرأته بعد أربعة أشهر. فقال(٥) : إمّا أن ترجع إلى المناكحة، وإمّا أن تطلّق وإلا أحرقت عليك الحظيرة.

وفي الكافي(٦) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، وأبو العبّاس محمّد بن جعفر، عن أيّوب بن نوح، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وحميد بن زياد، عن ابن سماعة، جميعا، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الإيلاء، ما هو؟

قال: هو أن يقول الرّجل لامرأته: «والله لا أجامعك كذا وكذا.» ويقول: «والله لأغيظنّك.» فيتربّص بها أربعة أشهر. ثمّ يؤخذ فيوقف بعد الأربعة أشهر. فإن فاءوا. وهو أن يصالح أهله.( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . وإن لم يفئ جبر على أن يطلق ولا يقع طلاق فيما بينهما، ولو كان بعد الأربعة الأشهر، ما لم ترفعه(٧) إلى الإمام.

عليّ(٨) ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينه، عن بكر بن أعين، وبريد بن معاوية، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ أنّهما قالا: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته، فليس لها قول ولا حقّ في الأربعة الأشهر. ولا إثم عليه في كفّه عنها في الأربعة الأشهر. فإن مضت الأربعة الأشهر قبل ان يمسّها فسكنت(٩) ورضيت، فهو في حلّ وسعة. فإن رفعت أمرها قيل له: إمّا أن تفيء فتمسّها، وإمّا أن تطلّق. وعزم الطّلاق أن يخلّى عنها. فإذا حاضت وطهرت طلّقها وهو أحقّ برجعتها، ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء الّذي أنزل(١٠) الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه وسنّة رسول الله(١١) ـ صلّى الله عليه وآله

__________________

(١) المصدر: فان.

(٢) المصدر: وإمّا أن تطلق وإلّا جئتك أبدا.

(٣) نفس المصدر ١ / ٧٤.

(٤) ليس في ر. (ظ)

(٥) المصدر: وقال له: (ظ)

(٦) الكافي ٦ / ١٣٢، ح ٩.

(٧) المصدر: لم يرفعه.

(٨) نفس المصدر ٦ / ١٣١، ح ٤.

(٩) المصدر: فسكتت.

(١٠) المصدر: أنزله. (ظ)

(١١) المصدر: سنة.

٣٣٩

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل آلى من امرأته بعدها دخل بها.

قال(٢) : إذا مضت أربعة أشهر وقف، وإن كان بعد حين. فإن فاء فليس بشيء.

فهي امرأته. وإن عزم الطّلاق، فقد عزم.

وقال: «الإيلاء» أن يقول الرّجل لامرأته: «والله لأغيظنك(٣) ولأسوءنك.» ثمّ يهجرها ولا يجامعها، حتّى تمضى أربعة أشهر. فإذا مضت أربعة أشهر، فقد وقع الإيلاء وينبغي للإمام أن يجبره على أن يفيء أو يطلّق. فإن فاء( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . وإن عزم الطّلاق،( فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه.

( وَالْمُطَلَّقاتُ ) : يريد بها المدخول بهنّ، من ذوات الأقراء، لما دلّت الآيات والأخبار على أنّ حكم غيرهنّ خلاف ما ذكر.

( يَتَرَبَّصْنَ ) :

خبر، صورة. وأمر، معنى.

وتغيير العبارة للتأكيد والإشعار بأنّه ممّا يجب أن يسارع إلى امتثاله. وكأنّ المخاطب قصد أن يمتثل الأمر فيخبر عنه.

وبناؤه على المبتدأ، يفيد فضل تأكيد.

( بِأَنْفُسِهِنَ ) : تهييج(٤) وبعث لهنّ على التّربّص. فإنّ نفوس النّساء طوامح إلى الرّجال. فأمرن بأن يقمعنها ويحملنها على التّربّص.

( ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) : نصب على الظّرف، أو المفعول به، أي: يتربّصن مضيّها.

و «القروء»، جمع قرء. كأنّ القياس أن يذكر بصيغة القلّة الّتي هي الأقراء. ولكنّهم يتّسعون في ذلك، فيستعملون كل واحد من البناءين مكان الآخر.

ولعلّ الحكم لـمّا عمّ المطلّقات ذوات الأقراء، تضمّن معنى الكثرة. فحسن بناؤها.

و «القرء» يطلق للحيض، وللطهر الفاصل بين حيضتين. وهو المراد هاهنا.

__________________

(١) نفس المصدر ٦ / ١٣٢، ح ٧.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) المصدر: لأغيضنّك.

(٤) ر: يهتج.

٣٤٠