تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183307 / تحميل: 5545
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ينبع(١) من كلّ وجه ثلاث أعين. تسيل كلّ عين في جدول إلى سبط. وكانوا ستّمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلا.

أو حجرا أهبطه آدم من الجنّة. فتوارثوه حتّى وقع إلى شعيب. فدفعه إليه مع العصا.

أو الحجر الّذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل إذ رموه بالأدرة. ففرّ(٢) به. فقال له جبرئيل: يقول الله تعالى: ارفع هذا(٣) الحجر. فإن لي فيه قدرة ولك معجزة. فحمله في مخلاته.

وقيل: كانت حجرة فيها اثنتا عشرة حفرة وكان الحجرة من الكران وهي حجارة رخوة كأنّها مدرة. وكان يخرج من كل حفرة عين ماء عذب فرات، فيأخذونه. فإذا فرغوا وأراد موسى حمله، ضربه بعصاه، فيذهب الماء.

أو للجنس، أي: اضرب الشيء الّذي يقال له الحجر.

قال الحسن: وهذا أظهر في الحجّة. وأبين في القدرة.

روى أنّهم قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة. فحمل حجرا في مخلاته. فحيثما نزلوا، ألقاه. وكان يضربه بعصاه، فينفجر. ويضربه بها، فييبس.

فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشا.

فأوحى الله إليه: لا تقرع الحجارة. وكلّمها تعطك. لعلّهم يعتبرون.

وروي أنّه كان ذراعا في ذراع.

وروى أنّه كان على شكل رأس الإنسان. والعصا كانت عشرة أذرع على طول موسى، من آس الجنّة. وله شعبتان تتّقدان في الظّلمة(٤) .

[وفي مجمع البيان:(٥) وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود].(٦)

( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) :

__________________

(١) أ: يتبع.

(٢) أ: ففسر.

(٣) أ: إليّ هذا.

(٤) توجد الفقرات الماضية في الكشاف ١ / ١٤٤، مجمع البيان ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ وأنوار التنزيل ١ / ٥٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢١

«الانفجار»: الانشقاق. والانبجاس أضيق منه. فيكون أوّلا انبجاس، ثمّ يصير انفجارا. أو الانبجاس عند الحاجة إليه. والانفجار عند الاحتياج إليه. أو الانبجاس عند الحمل. والانفجار عند الوضع. فلا منافاة بينه وبين ما ذكر في سورة الأعراف(١) : «فانبجست».

والجملة جواب شرط محذوف. تقديره: فإن ضربت، فقد انفجرت. أو معطوفة على محذوفة. تقديره: فضرب، فانفجرت، كما مرّ في قوله( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) وقرئ عشرة (بكسر الشّين وفتحها). وهما لغتان.

( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ ) : كلّ سبط،( مَشْرَبَهُمْ ) : عينهم الّتي يشربون منها.

( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) ، على تقدير القول، أي: وقلنا لهم.

( مِنْ رِزْقِ اللهِ ) : يريد به ما رزقهم الله، من المنّ والسّلوى وماء العيون. وقيل: الماء وحده. لأنّه شرب. ويؤكل ما ينبت به(٢) .

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ (ره):(٣) روى موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام. قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في أثناء كلام طويل: فإنّ موسى ـ عليه السّلام ـ قد أعطي الحجر: فانبجست منه أثنتا عشرة عينا.

قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ: لقد كان كذلك. ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا نزل الحديبية وحاصره أهل مكّة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك. وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظّمأ وأصابهم ذلك حتّى التفّت خواصر الخيل. فذكروا ذلك له ـ عليه السّلام.

فدعا بركوة يمانيّة. ثمّ نصب يده المباركة فيها. فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء. فصدرنا وصدرت الخيل رواء. وملأنا كلّ مزادة وسقاء. ولقد كنّا معه بالحديبية. وإذا ثمّ قليب جافّة. فأخرج ـ صلّى الله عليه وآله ـ سهما من كنانته. فناوله البراء بن عازب. فقال له: اذهب بهذا السّهم إلى تلك القليب الجافّة. فاغرسه فيها. ففعل ذلك. فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، من تحت السّهم. ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوّته ،

__________________

(١) الأعراف / ١٦٠

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٥.

٢٢

كحجر موسى، حيث دعا بالميضاة. فنصب يده فيها. ففاضت بالماء. وارتفع حتّى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل. وشربوا حاجتهم. وسقوا دوابّهم. وحملوا ما أرادوا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى أبي الجارود، زياد بن المنذر. قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إذا خرج القائم من مكّة، ينادي مناديه: ألا لا يحمل أحد(٢) طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران. وهو وقر بعير. فلا ينزل(٣) منزلا إلا انفجرت منه عيون. فمن كان جائعا، شبع، ومن كان ظمآنا، روي، ورويت دوابّهم، حتّى ينزلوا النّجف، من ظهر الكوفة.

وفي الخرائج والجرائح(٤) ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ مثله. وزاد في آخره: فإذا نزلوا ظاهره انبعث منه الماء واللّبن، دائما. فمن كان جائعا، شبع. ومن كان ظمآنا، روي.

وفي أصول الكافي(٥) ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ وذكر مثل ما في كمال الدّين وتمام النّعمة، إلّا قوله ورويت دوابّهم (الخ)](٦)

( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (٦٠): لا تعتدوا حال إفسادكم.

وإنّما قيّده وإن كان العثيّ لا يكون إلّا فسادا. لأنّه يجوز أن يكون فعل ظاهره الفساد، وباطنه المصلحة، كقتل الخضر الغلام وخرقه السّفينة. فبيّن أنّ فعلهم، هو الفساد، ظاهرا وباطنا. ويقرب منه العبث. غير أنّه يغلب فيما يدرك حسّا.(٧) وجعل بعضهم الحال، مؤكّدة.

فإن قيل كيف يجتمع ذلك الماء الكثير في ذلك الحجر الصّغير؟

أجيب بأنّ ذلك من آيات الله الباهرة والأعاجيب الظّاهرة الدّالّة على أنّه من فعل الله. فإنّه لـمّا أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشّعر وينفر الخلّ ويجذب الحديد ،

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة / ٦٧٠ ـ ٦٧١، ح ١٧.

(٢) المصدر: أحدكم.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: ولا ينزل.

(٤) تفسير نور الثقلين ١ / ٨٤، نقلا عن الخرائج والجرائح، مع اختلاف بسيط.

(٥) الكافي ١ / ٢٣١، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أ: حيّا.

٢٣

لم يمتنع أن يخلق في حجر، أو أحدث في كلّ حجر، قوّة بجذب الماء، من تحت الأرض، أو يجذب الهواء من الجوانب ويصير الماء بقوة التّبريد ونحو ذلك.

ولي هناك فائدة يجب أن ينبه عليها. فأقول: الممتنع إمّا ممتنع بأيّ اعتبار أخذ، أو باعتبار طبيعته، وحقيقته، مع قطع النّظر عن غيره، أو باعتبار العادات والرّسوم. فالأوّل، كشريك البارئ. والثّاني، ككون الكبير في الصّغير. والثّالث، ككون الحنطة خلّا.

والممتنع بالقياس إليه تعالى، هو الأوّل دون الثّانيين. فتأمّل! فإنّه يحتاج إلى لطف تأمّل.

[وفي شرح الآيات الباهرة:(١) قال الإمام ـ عليه السّلام: واذكروا، يا بني إسرائيل!( إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ) ، طلب لهم السّقيا، لـمّا لحقهم العطش في التّيه، وضجّوا بالنّداء إلى موسى، وقالوا هلكنا بالعطش، فقال موسى: «إلهي بحقّ محمّد سيّد الأنبياء وبحقّ عليّ سيّد الأوصياء وبحقّ فاطمة سيّدة النّساء وبحقّ الحسن سيّد الأولياء وبحقّ الحسين سيّد الشّهداء وبحقّ عترتهم وخلفائهم الأزكياء لـمّا سقيت عبادك هؤلاء الماء. اعتبار فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى:( اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) .

فضربه بها.( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ ) ، أي: كلّ قبيلة، من بني أب، من أولاد يعقوب( مَشْرَبَهُمْ ) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.

[قال الله تعالى :](٢) ( كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ ) الّذى اتاكموه!( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ، أي: ولا تعثوا(٣) وأنتم مفسدون عاصون.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أقام على موالاتنا أهل البيت، سقاه الله من محبّته، كأسا لا يبغون به بدلا ولا يريدون سواه كافيا ولا كالئا ولا ناصرا. ومن وطّن نفسه على احتمال المكاره في موالاتنا، جعله الله يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كلّ من تضمّنته تلك العرصات أبصارهم عمّا يشاهدون من درجاته(٤) وإن كلّ واحد منهم ليحيط بما له من درجاته كإحاطته في الدّنيا يتلقاه(٥) بين يديه.

ثمّ يقول له: وطّنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمّد وآله الطّيّبين، قد جعل الله إليك ومكّنك في تخليص كلّ من يجب تخليصه من أهل الشّدائد في هذه العرصات. فيمدّ

__________________

(١) شرح الآيات الباهرة / ٢١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: تسعوا.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: درجاتهم.

(٥) المصدر: تتلقّاه.

٢٤

بصره فيحيط به. ثمّ ينتقد(١) من أحسن إليه أو برّه في الدّنيا، بقول أو فعل أو ردّ غيبة أو حسن محضر أو إرفاق(٢) ، فينتقده(٣) من بينهم، كما ينتقد الدّرهم الصّحيح من المكسور. يقال له: اجعل هؤلاء في الجنّة، حيث شئت. فينزلهم جنان ربّنا.

ثمّ يقال له: وقد جعلنا لك ومكّنّاك في إلقاء من تريد في نار جهنم. فيراهم.

فيحيط بهم. فينتقده(٤) من بينهم، كما ينتقد الدّينار من القراضة. ثمّ يصيّره في النّار. [ثمّ يقال له: صيّرهم من النّار، حيث تشاء. فيصيّرهم إلى حيث يشاء من مضايق النّار].(٥) فقال الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله: إذا كان أسلافكم إنّما دعوا إلى موالاة محمّد وآله الطّيّبين، فأنتم يا من شاهدتموه، فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الأفضل، إلى مولاة محمّد وآله. ألا فتقرّبوا إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بالتّقرّب إلينا. ولا تتقرّبوا من سخطه، تباعدوا(٦) من رحمته بالازورار(٧) عنّا](٨) ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ) : يريد به ما رزقوا في التّيه، من المنّ والسّلوى وبوحدته أنّه لا يتبدّل، كقولهم: طعام مائدة الأمير واحد. يريدون أنّه لا يتغيّر ألوانه. ولذلك أجموا، أو ضرب واحد. لأنّهما معا طعام أهل التّلذّذ. وهم كانوا فلاحة. فنزعوا إلى عكرهم. واشتهوا إلى ما ألفوه.(٩) وقيل(١٠) : إنّه كان ينزل عليهم [المنّ وحده. فملّوه. فقالوا ذلك. فأنزل عليهم](١١) السّلوى، من بعد ذلك.

( فَادْعُ لَنا رَبَّكَ ) : سله، لأجلنا، بدعائك إيّاه.

( يُخْرِجْ لَنا ) : يظهر لنا.

وجزمه، بأنّه جواب الأمر المذكور.

( مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ) : من إسناد الفعل إلى القابل. و «من» للتّبعيض. والعائد

__________________

(١) المصدر: فينقذ.

(٢) المصدر: إنفاق.

(٣) المصدر: فينقده.

(٤) المصدر: فينقده.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وتتباعدوا.

(٧) الأصل ور: بالازوراء.

(٨) ما بين القوسين ليس في أ.

(٩) أ: القوه.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٢٤.

(١١) ليس في أ.

٢٥

إلى الموصول، محذوف.

( مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها ) :

بيان وقع موقع الحال. وقيل: بدل بإعادة الجار. والبقل ممّا أنبتته الأرض من الخضر. والمراد به أطائبه الّتي تؤكل. والفوم، الحنطة. ويقال للخبز. ومنه فوموا لنا، أي :

اخبزوا. وقيل: الثّوم. ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود: وثومها. وقرئ قثّائها. (بالضّمّ) وهو لغة فيه(١) .

واختلف في أنّ سؤالهم هذا، هل كان معصية؟

فقيل: لا لأنّ الأوّل كان مباحا. فسألوا مباحا آخر.

وقيل: بل كان معصية. لأنّهم لم يرضوا بما اختاره الله لهم. وبذلك ذمّهم على ذلك. وهو أوجه.(٢) ( قالَ ) ، أي: الله أو موسى.

( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى ) : أقرب منزلة.

وأصل الدّنوّ، القرب في المكان. فاستعير للحسنة، كالعبد في الشّرف والرّفعة.

فقيل: بعيد المحل، بعيد الهمّة.

وقرئ أدناء، من الدّناءة.

وحكى الأزهريّ،(٣) عن أبي زيد: الدنيّ (بغير همزة الخسيس).

( بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) :

يريد به المنّ والسّلوى. فإنّه خير في اللّذة والنّفع وعدم الحاجة إلى السّعي.

( اهْبِطُوا ) :

وقرئ بالضّمّ، أي: انحدروا من التّيه. يقال: هبط الوادي، إذا نزل به. وهبط منه، إذا خرج منه.

( مِصْراً ) :

أراد به مصرا من الأمصار. وهو البلد العظيم. وأصله القطع، لانقطاعه بالعمارة عمّا سواه. وقيل(٤) : أصله الحدّ بين الشّيئين.

__________________

(١) يوجد الفقرات الماضية، في أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٢) ر. مجمع البيان ١ / ١٢٤.

(٣) ر. مجمع البيان ١ / ١٢٢.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

٢٦

قال الشّاعر(١) :

وجاعل الشّمس مصرا لا خفاء به

بين النّهار وبين اللّيل قد فصلا

أو العلم. وصرفه لسكون وسطه، أو على تأويل البلد. ويؤيّده أنّه غير منوّن في مصحف ابن مسعود. وقيل: أصله مصرائيم.(٢) فعرب.(٣) فصرفه للتّصرّف في العجميّة، بالتّعريب(٤) .

( فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) :

جعلت الذّلّة والمسكنة محيطتين بهم مشتملتين(٥) عليهم. فهم كما يكون في القبّة من ضربت عليه أو الصقتا(٦) بهم، حتّى لزمتاهم ضربة لازب، كما تضرب الطّين على الحائط، فيلزمه مجازاة فهم على كفران النّعمة، فاليهود أذلّاء أهل مسكنة: إمّا على الحقيقة، وإمّا لتصاغرهم وتفاقرهم مخافة أن تضاعف عليهم الجزية.

والمراد بالذّلّة، الهوان بأخذ الجزية، وبالمسكنة، كونهم بزيّ الفقراء. فترى المثريّ منهم يتمسكن مخافة أن تضاعف عليهم الجزية. أو المراد بالذّلّة، ما يشمل المعنيين، وبالمسكنة فقر القلب. لأنّه لا يوجد يهوديّ غنيّ النّفس. وقال النّبيّ(٧) ـ صلّى الله عليه وآله: الغنى، غنى النّفس.

( وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) :

رجعوا به من باء إذا رجع. أو صاروا أحقّاء بغضبه، من باء فلان بفلان، إذ كان حقيقا بأن يقتل به.

وأصل البوء، المساواة.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى ما سبق، من ضرب الذّلّة والمسكنة والبوء بالغضب، كائن لهم.

( بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ) بسبب كفرهم بالمعجزات، أو بالكتب المنزلة وآية الرّجم والّتي فيها نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الكتب وقتلهم الأنبياء، كزكريّا ويحيى وغيرهما ـ عليهم السّلام ـ بغير حقّ عندهم، إذ

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٢٢. والشاعر، عدي بن زيد، على ما ذكر في المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: مصرائم.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ٥٩.

(٤) أ: بالتعريف.

(٥) أ: مشتملة.

(٦) أ: التصقتا.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٢٤.

٢٧

لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم. وإنّما حملهم على ذلك اتّباع الهوى. وهذا أشنع من أن يقتلوه بشيء يعتقدونه(١) جرما حقّا باعتقادهم الفاسد.

( ذلِكَ ) ، أي: الكفر بالآيات وقتل الأنبياء، صدر عنهم.

( بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) (٦١) بسبب عصيانهم وتماديهم فيه.

فإنّ التّمادي في ضعاف الذنوب، يؤدّي إلى شدادها، كما أنّ المواظبة على صغار الطّاعات، يؤدّي إلى تحرّي كبارها.

قال صاحب الكشّاف(٢) : كرّر الإشارة، للدّلالة على أنّ ما لحقهم، كما هو بسبب الكفر والقتل، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله.

وفيه نظر(٣) . لأنّه لو كان التّكرير لذلك، لكفى فيه أن يقول وبما عصوا. وقال: وعلى تقدير أن يكون ذلك إشارة إلى الكفر والقتل، يجوز أن تكون «الباء» بمعنى مع، أي: ذلك الكفر والقتل، مع ما عصوا. والأحسن ما قرّرناه، لرعاية اتّساق الكلام.

وإنّما جوّزت الإشارة بالمفرد إلى شيئين، على تأويل ما ذكر، أو ما تقدّم، للاختصار. ونظيره في الضّمير قول رؤبة :

فيه خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق

فإن قيل كيف يجوز التّخلية بين الكفّار وقتل الأنبياء؟ أجيب بأنّه إنّما جاز ذلك، لينال أنبياء الله سبحانه من رفع المنازل والدّرجات، ما لا ينالونه بغير القتل. قال الشّيخ الطّبرسيّ(٤) : وليس ذلك بخذلان لهم، كما أنّ التّخلية بين المؤمنين والأولياء والمطيعين وبين قاتليهم، ليست بخذلان لهم. (هذا كلامه.) والأجود التّفصيل، بأنّه ليس بخذلان، بمعنى إنزال العذاب وسوء عاقبة الدّار وغير ذلك مما ينبئ عن خذلان الآخرة وحرمان المثوبة. والمرويّ عن الحسن أنّ من(٥) قتل من الأنبياء، قد قتل بغير قتال. وأنّ الله لم يأمر نبيّا بالقتال، فقتل فيه.

والمذكور في مجمع البيان(٦) . «أنّ الصّحيح، أنّ النّبيّ إن كان لم يؤدّ الشّرع الّذي أمر بتأديته، لم يجز أن يمكّن الله سبحانه من قتله. لأنّه لو مكّن من ذلك، لأدّى إلى أن يكون

__________________

(١) أ: يعتقدوه.

(٢) الكشاف ١ / ١٤٦.

(٣) أ: نظرا.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٢٥.

(٥) كذا في أ. وفي الأصل ور: ما

(٦) مجمع البيان ١ / ١٢٥.

٢٨

المكلّفون غير مزاحي العلّة في التّكليف وفيما لهم من الألطاف والمصالح. فأمّا إذا أدّى الشّرع، فحينئذ يجوز أن يخلّي الله بينه وبين قاتليه. ولم يجب عليه المنع من قتله» والملازمة(١) الّتي ادّعاها، منع بأنّه يجوز أن يكون إزاحة العلل بإرسال النّبيّ وإظهار المعجزة على يده وقتله بسوء صنيعهم بعد ثبوت نبوّته وإعجازه ناشئ من تهاونهم في نصره وتآزرهم على دفعه. فهم مفوّتون تبليغه بسوء فعلهم. فهم غير معذورين بعدم تبليغه.

[وفي أصول الكافي(٢) : يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وتلا هذه الآية( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) قال: والله ما قتلوهم بأيديهم.

ولا ضربوهم بأسيافهم. ولكنّهم سمعوا أحاديثهم، فأذاعوها. فأخذوا عليها. فقتلوا. فصار قتلا واعتداء ومعصية].(٣)

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بألسنتهم. يريد به المتديّنين بدين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ المخلصين منهم والمنافقين.

وقال صاحب الكشّاف(٤) : «يريد المنافقين»، لانخراطهم في سلك الكفرة.

والأوّل أولى، لعموم الفائدة.

( وَالَّذِينَ هادُوا ) :

تهوّدوا. يقال: هاد وتهوّد، إذا دخل في اليهوديّة. و «يهود» إمّا عربيّ من هاد، إذا تاب سمّوا بذلك، لـمّا تابوا من عبادة العجل، أو من هاد إذا مال، لأنّهم مالوا عن الإسلام وعن دين موسى، أو من هاد إذا تحرّك، لأنّهم كانوا يتحرّكون عند قراءة التوراة، وإمّا معرّب يهوذا. وكأنّهم سمّوا باسم أكبر أولاد يعقوب ـ عليه السّلام.

واليهود اسم جمع، واحده يهوديّ، كالزّنجيّ والزّنج والرّوميّ والرّوم.

( وَالنَّصارى ) :

قال سيبويه(٥) : جمع نصران كالنّدامى.

وقيل(٦) : جمع نصريّ، مثل مهريّ ومهارى.

__________________

(١) أ: وعلى الملازمة.

(٢) الكافي ١ / ٣٧١، ح ٦.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) الكشاف ١ / ١٤٦.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٢٦، بتصرف في النقل.

(٦) تفسير البحر المحيط ١ / ٢٣٩.

٢٩

و «الياء» في نصرانيّ للمبالغة، كما في أحمريّ. سمّوا بذلك لأنّهم(١) نصروا المسيح، أو لأنّهم(٢) كانوا معه في قرية يقال لها نصران أو ناصرة.

وعلى تقدير أن يكون اسم القرية نصران، يحتمل أن يكون الياء للنّسبة.

[وفي عيون الأخبار(٣) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره قال: فقلت له: فلم سمّي النّصارى، نصارى؟

قال: لأنّهم من قرية اسمها النّاصرة(٤) ، من بلاد الشّام. نزلتها مريم وعيسى ـ عليهما السّلام ـ بعد رجوعهما من(٥) مصر.

وفي كتاب ثواب(٦) الأعمال(٧) ، بإسناده إلى حنان بن سدير. قال: حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة، لسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه ـ إلى قوله ـ ورجلان(٨) من بني إسرائيل. هوّدا قومهما. ونصّراهما.

وبإسناده إلى إسحاق بن عمّار الصّيرفيّ(٩) ، عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال «إنّ في النّار لواديا يقال له سقر. وإنّ في ذلك الوادي لجبلا. وإنّ في ذلك الجبل، لشعبا. وإنّ في ذلك الشّعب، لقليبا. وإنّ في ذلك القليب، لحيّة. وذكر شدّة ما في الوادي وما بعده من العذاب. وإنّ في جوف تلك الحيّة سبع(١٠) صناديق. فيها خمسة من الأمم السّالفة. واثنان من هذه الأمّة»، قلت، جعلت فداك! ومن الخمسة؟ ومن الاثنان؟

قال: أمّا الخمسة: فقابيل الّذي قتل هابيل ـ إلى قوله ـ ويهودا(١١) الّذي هوّد اليهود.

وبولس الّذي نصّر النّصارى].(١٢)

( وَالصَّابِئِينَ ) :

__________________

(١ و ٢) ليس في أ.

(٣) عيون الأخبار ٢ / ٧٩، ذيل ح ١٠.

(٤) المصدر: ناصرة.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: عن.

(٦) الأصل ور: عقايد. وهو خطأ.

(٧) ثواب الأعمال / ٢٥٥، ضمن ح ١.

(٨) المصدر: اثنان.

(٩) نفس المصدر / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

(١٠) المصدر: لسبع.

(١١) كذا في المصدر وفي الأصل ور: يهود.

(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٠

قيل: قوم بين النّصارى والمجوس. لا دين لهم.

وقيل(١) : أصل دينهم، دين نوح.

وقيل(٢) : هم عبدة الملائكة.

وقيل(٣) : عبدة الكواكب من صبأ، إذا خرج. وقرأ نافع، بالياء ـ وحدها. إمّا لأنّه خفّف الهمزة. أو لأنّه من صبا، إذا مال. لأنّهم مالوا من سائر الأديان، إلى دينهم، أو من الحقّ إلى الباطل.(٤) قال الشّيخ الطّبرسيّ(٥) : والفقهاء، بأجمعهم، يجيزون أخذ الجزية [منهم].(٦) وعندنا لا يجوز ذلك. [لأنّهم ليسوا بأهل كتاب](٧)

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : قوله( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ ) قال: الصّابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمين. وهم يعبدون الكواكب والنّجوم].(٩)

( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً ) :

من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ، مصدّقا بقلبه بالمبدأ والمعاد، عاملا بمقتضى شرعه. ومن تجدّد منه الإيمان وأخلصه.

( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) الّذي وعدهم، على إيمانهم وعملهم.

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٦٢) حين يخاف الكفّار من العقاب ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثّواب.

و «من»، مبتدأ، خبره «فلهم أجرهم.» والجملة خبر «إنّ»، أو بدل من اسم «إنّ» وخبرها «فلهم أجرهم.» و «الفاء» لتضمّن المسند إليه، معنى الشّرط. وقد منع سيبويه دخولها في خبر «إنّ»، من حيث أنّها لا تدخل الشّرطيّة. وردّ بقوله تعالى(١٠) :( إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) .

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ ) :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل / ٦٠.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٢٦.

(٦) يوجد في أور.

(٧) يوجد في أ، فقط.

(٨) تفسير القمي ١ / ٤٨.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) الجمعة / ٨.

٣١

مفعال من الوثيقة. وهو ما يوثق به من يمين أو عهد أو غير ذلك. يريد به العهد، باتّباع موسى والعمل بالتّوراة.

( وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) : حتّى قبلتم الميثاق.

و «الطّور» في اللّغة، الجبل.

قال العجّاج(١) :

داني جناحيه من الطّور فمرّ

تقضّي البازي إذا البازي كسر

وقيل(٢) : إنّه اسم جبل بعينه. ناجى الله عليه موسى ـ عليه السّلام.

روي(٣) أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ لـمّا جاءهم بالتّوراة، فرأوا ما فيها من التّكاليف الشّاقّة، كبرت عليهم وأبوا قبولها. فأمر جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بقلع(٤) الطّور. فظلّله فوقهم، حتّى قبلوا.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: لـمّا أنزل الله التّورية على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى ـ عليه السّلام ـ إن لم تقبلوه وقع عليكم الجبل. فقبلوه. وطأطئوا رؤوسهم](٦)

( خُذُوا ) على إرادة القول،( ما آتَيْناكُمْ ) من الكتاب،( بِقُوَّةٍ ) : بجدّ وعزيمة.

روى العيّاشيّ(٧) ، أنّه سئل عن(٨) الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ) ، أبقوّة بالأبدان؟ أم بقوّة بالقلوب؟

فقال: بهما، جميعا.

( وَاذْكُرُوا ما فِيهِ ) :

قيل(٩) : معناه ادرسوه ولا تنسوه. أو تفكّروا فيه، فإنّه ذكر بالقلب(١٠) . أو اعملوا به.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٢٧.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تفسير القمي ١ / ٤٩ الكشاف ١ / ١٤٧، مجمع البيان ١ / ١٢٨، أنوار التنزيل ١ / ٦١.

(٤) أ: بقطع.

(٥) تفسير القمي ١ / ٤٨.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٤٥، ح ٥٢.

(٨) كذا في المصدر وفي النسخ. ولعلها زائدة.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٦١.

(١٠) كذا في المصدر وفي النسخ. والظاهر: للقلب.

٣٢

والمرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(١) أنّ معناه: اذكروا ما في تركه من العقوبة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٦٣) :

متعلّق «بخذوا»، أي: لكي تتّقوا، أو «باذكروا»، أي: رجاء منكم أن تكونوا متّقين، أو «بقلنا المقدّر»، أي: قلنا خذوا. واذكروا إرادة أن تتّقوا.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : قال الإمام ـ عليه السّلام: قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لهم: واذكروا( إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ ) وعهودكم، أن تعملوا بما في التّوراة وما في الفرقان الّذى أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمّد وعليّ والطّيّبين من آلهما، أنّهم أفضل الخلق والقوّامون بالحقّ، وأخذنا ميثاقكم لهم أن تقرّوا به وأن تؤدّوه إلى أخلافكم وتأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم، ليؤمننّ بمحمّد نبيّ الله ويسلمون له ما يأمرهم به في عليّ وليّ الله عن الله وما يخبرهم به من أحوال خلفائه بعده القوّامون بحقّ الله، فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه، «فرفعنا فوقكم الطور» الجبل. أمرنا جبرئيل أن يقطع منه قطعة، على قدر معسكر أسلافكم. فجاء بها، فرفعها(٣) فوق رؤوسهم.

فقال موسى ـ عليه السّلام ـ لهم: إمّا أن تأخذوا بما أمرتم به فيه وإلا ألقى عليكم هذا الجبل؟

فالجئوا إلى قبوله كارهين، إلّا من عصمه الله من العباد. فإنّه قبله طائعا مختارا.

ثمّ لـمّا قبلوه سجدوا لله عفروا. وكثير منهم عفّر خدّيه لا إرادة الخضوع لله ولكن نظرا إلى الجبل، هل يقع أم لا؟ وآخرون سجدوا طائعين مختارين.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: احمدوا الله معاشر شيعتنا على توفيقه إيّاكم. فإنّكم تعفّرون في سجودكم، لا كما عفّره كفرة بني إسرائيل، ولكن كما عفّره خيارهم. وقال ـ عزّ وجلّ:( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ ) ، أي: ما آتيناكم (من) هذه الأوامر والنّواهي، من هذا الأمر الجليل، من ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين( بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ ) (٤) ممّا آتيناكم. واذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٤٥، ح ٥٣، مجمع البيان ١ / ١٢٨.

(٢) شرح الآيات الباهرة / ٢٢.

(٣) المصدر: فرفعنا.

(٤) كذا في المصدر وفي هامش الأصل. وفي الأصل ور: فيما.

٣٣

إبائكم،( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) المخالفة الموجبة للعقاب(١) ، فتستحقّوا بذلك جزيل الثّواب](٢) ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) : أعرضتم عن الوفاء بالميثاق، بعد أخذه.

( فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ ) بالتّوبة، بعد نكثكم الميثاق الّذي وواثقتموه،( وَرَحْمَتُهُ ) بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ يدعوكم إلى الحقّ ويهديكم إليه،( لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٦٤) المغبونين بالانهماك في المعاصي، أو بالخبط والضّلال في فترة من الرّسل، أو بهما و «ولو» في الأصل، لامتناع الشيء، لامتناع غيره.

فإذا أدخل على لا أفاد إثباتا وهو امتناع الشيء لثبوت غيره. والاسم الواقع بعده عند سيبويه، مبتدأ، خبره واجب الحذف، لدلالة الكلام عليه وسدّ الجواب مسدّه، وعند الكوفيّين، فاعل فعل محذوف.

( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ) لـمّا اصطادوا السّموك فيه.

و «السّبت» مصدر. سبتت اليهود، إذا عظّمت يوم السّبت. وأصله: القطع. أمروا بأن يجرّدوه للعبادة فاعتدى ناس منهم في زمن داود. واشتغلوا بالصّيد.

( فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (٦٥): مبعدين عن كلّ خير.

والخساء، هو الصّغار والطّرد.

وقرئ قردة. (بفتح القاف وكسر الرّاء) وخاسين (بغير همزة).

[وفي أصول الكافي:(٣) عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يقول فيه ـ عليه السّلام: وكان من السّبيل والسّنّة الّتي أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بها موسى ـ عليه السّلام ـ أن جعل عليهم السّبت فكان من أعظم السّبت. ولم يستحلّ أن يفعل فيه(٤) . ذلك من خشية الله. أدخله [الله](٥) الجنّة. ومن استخفّ بحقّه واستحلّ ما حرّم الله عليه، من العمل الّذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله ـ عزّ وجلّ ـ النّار. وذلك حيث استحلّوا الحيتان، واحتبسوها، وأكلوها يوم السّبت، غضب الله عليهم، من غير أن يكونوا أشركوا بالرّحمن، ولا شكّوا في شيء ممّا جاء به موسى

__________________

(١) المصدر: العقاب.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الكافي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩، مقطع من ح ١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) يوجد في المصدر.

٣٤

ـ عليه السّلام. قال الله ـ عزّ وجلّ:( لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ. فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: سيكون قوم يعيشون على لهو وشرب الخمر والغناء. فبينما هم كذلك، إذ مسخوا من ليلتهم وأصبحوا قردة وخنازير. وهو قوله: واحذروا أن تعتدوا، كما اعتدى أصحاب السّبت، فقد كان أملى لهم، حتّى أشروا. وقالوا: إنّ السّبت لنا حلال. وإنّما كان حرّم على أوّلينا. وكانوا يعاقبون على استحلالهم السّبت. فأمّا نحن فليس علينا حرام. وما زلنا بخير منذ استحللناه.

وقد كثرت أموالنا. وصحّت أجسامنا. ثمّ أخذهم الله ليلا وهم غافلون. فهو قوله :واحذروا أن يحلّ بكم مثل ما حلّ بمن تعدّى وعصى.

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر صنفا ـ إلى أن قال ـ فأمّا القردة، فكانوا قوما [من بني إسرائيل كانوا](٣) ينزلون على شاطى البحر اعتدوا في السّبت. فصادوا الحيتان. فمسخهم الله قردة.

وفيه(٤) أيضا ـ عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ.

فقال: هم ثلاثة عشر: الفيل ـ إلى أن قال ـ وأمّا القردة، فقوم اعتدوا في السّبت.

وفيه(٥) ـ أيضا ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل في بيان الأيّام.

وفي آخره قال بعض مواليه: قلت: فالسّبت؟

قال: سبتت الملائكة لربّها(٦) يوم السّبت فوحّدته(٧) لم يزل واحدا أحدا(٨) .

وفي عيون الأخبار(٩) ، عن محمّد بن سنان، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث

__________________

(١) تفسير القمي.

(٢) الخصال / ٤٩٣، مقطع من ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤، مقطع من ح ٢.

(٥) نفس المصدر / ٣٨٤، ذيل ح ٦١.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بربّها.

(٧) المصدر: فوجدته.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) عيون الأخبار ٢ / ٩٤.

٣٥

طويل، يقول فيه: وكذلك حرّم القرد. لأنّه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته. وجعل فيه شبه(١) من الإنسان، ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.(٢)

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة. فتركوا يوم الجمعة. وأمسكوا يوم السّبت. فحرّم عليهم الصّيد يوم السّبت.

وبإسناده(٤) إلى عبد الله بن يزيد بن سلام، أنّه قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد سأله عن الأيّام الأسبوع: فالسّبت؟

قال: يوم مسبوت. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ في القرآن:(٥) ( الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فمن الأحد إلى [يوم](٦) الجمعة، ستّة أيّام. والسّبت معطّل.

قال: صدقت يا محمّد.(٧) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة](٨)

( فَجَعَلْناها ) ، أي: المسخة والعقوبة.

وعن الباقر ـ عليه السّلام(٩) : فجعلنا الأمّة.

[وفي مجمع البيان(١٠) : «فجعلناها»: الضّمير يعود إلى الأمّة الّتي مسخت. وهم أهل أيلة، قرية على شاطئ البحر. وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام].(١١)

( نَكالاً ) : عبرة، تنكل المعتبر بها، أي: تمنعه. ومنه النّكل، للقيد.

( لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها ) :

لما قبلها من الأمم وما بعدها، إذ ذكرت حالهم، في زبر الأوّلين، واشتهرت قصّتهم في الآخرين، أو لمعاصريهم ومن بعدهم، أو لما يحضرها من القرى وما تباعد عنها، أو لأهل

__________________

(١) المصدر: شبها.

(٢) المصدر: عليهم.

(٣) علل الشرائع / ٦٩، ح ١.

(٤) نفس المصدر / ٤٧١.

(٥) ق / ٣٨.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: يا رسول الله.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) مجمع البيان ١ / ١٣٠.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٦

ملك القرية وما حواليها، أو لأجل ما تقدّم عليها من ذنوبهم وما تأخّر منها.

( وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٦٦) من قومهم، أو لكلّ من سمعها.

( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) : سمّيت بقرة، لبقرها الأرض. والهاء ليست للتّأنيث. وإنّما هي لتدلّ على الوحدة، كالبطّة والدّجاجة والإوزّة والحمامة.

وأوّل هذه القصّة، قوله تعالى(١) :( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ ) . وإنّما فكّت عنه وقدّمت عليه، لاستقلاله بنوع آخر من مساوئهم. وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السّؤال وترك المسارعة في الامتثال.

وقصّته على

ما رواه العيّاشيّ،(٢) مرفوعا إلى الرّضا ـ عليه السّلام: أنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له. ثمّ أخذه فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل.

ثمّ جاء يطلب بدمه. فقال(٣) لموسى ـ عليه السّلام: إنّ سبط آل فلان قتل.(٤) فأخبرنا من قتله.

قال: آتوني ببقرة.

والمرويّ عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ(٥) في سبب قتله: أنّه قتله ليتزوّج بنته. وقد خطبها. فلم ينعم له. وقد خطبها غيره من خيار بني إسرائيل. فأنعم له فحسده ابن عمّه الّذي لم ينعم له. فعقد له قتله. ثمّ حمله إلى موسى ـ إلى آخر الحديث.

والمذكور في الكشّاف(٦) وغيره(٧) ، أنّه كان فيهم شيخ موسر. فقتل ابنه بنو أخيه، طمعا في ميراثه. وطرحوه على باب المدينة. ثمّ جاؤوا بدمه. فأمرهم أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها، ليحيى فيخبّرهم بقاتله.

( قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) : مكان هزء، أو أهله، أو مهزوء بنا، أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء، استبعادا لما قاله، أو استخفافا به.

وقرئ هزء (بضمّتين وبسكون الزاء، بالهمزة في الصّورتين وبضمّتين والواو.)

__________________

(١) البقرة / ٧٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧.

(٣) المصدر: فقالوا.

(٤) المصدر: قتل فلانا.

(٥) تفسير القمي ١ / ٤٩.

(٦) الكشاف ١ / ١٤٨.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٣٤.

٣٧

( قالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) . (٦٧) :

لأنّ الهزء في مقام الإرشاد، جهل وسفه.

والعياذ واللّياذ، من واد واحد.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) :

لمّا رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته، فسألوا عنها بما المطلوبة بها الحقيقة. وإلّا، فالمقصود، بيان الحال والصّفة.

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) : لا مسنّة ولا فتيّة.

يقال فرضت البقرة فروضا، من الفرض وهو القطع، كأنّها فرضت سنّها.

وتركيب البكر للأوّليّة. ومنه البكرة والباكورة.

( عَوانٌ ) : نصف.

قال الطّرمّاح :

طوال مثل أعناق الهوادي

نواعم بين أبكار وعون

( بَيْنَ ذلِكَ ) ، أي: ما ذكر من الفارض والبكر. ولذلك أضيف إليه البين. فإنّه لا يضاف إلّا إلى متعدّد.

وفي رواية العيّاشيّ،(١) مرفوعا إلى الرّضا ـ عليه السّلام: أنّهم لو ذبحوا أي بقرة أرادوا، لأجزأتهم. ولكن شدّدوا على أنفسهم، فشدّد الله عليهم.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة. فلا يلزمه تأخير البيان، عن وقت الحاجة.

قيل(٢) : ويلزمه النّسخ، قبل الفعل. فإنّ التّخصيص، أو التّقييد، إبطال للتّخيير الثّابت بالنّصّ. وفيه نظر. لأنّ كون التّخيير فيه، حكما شرعيّا ممنوع، إذ الأمر بالمطلق لا يدلّ إلّا على إيجاب ماهيّته من حيث هي بلا شرط. لكن لـمّا لم تتحقّق الماهيّة من حيث هي، إلا في ضمن فرد معيّن، جاء التّخيير، عقلا من غير دلالة النّصّ عليه.

( فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ) (٦٨) أي: ما تؤمرونه، يعني: ما تؤمرون به. فحذف الجار.

وأوصل الفعل. ثمّ حذف العائد المنصوب من قوله :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نسب

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

٣٨

أو أمركم بمعنى: مأموركم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟ قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) :

الفقوع، أشدّ ما يكون من الصّفرة وأنصعه. يقال في التّأكيد: أصفر فاقع ووارس، كما يقال: أسود حالك وحانك.(١) وفي إسناده إلى اللّون وهو صفة صفراء لملابسته بها، فضل تأكيد. كأنّه قيل: صفراء شديدة الصّفرة صفرتها. فانتزع من الصّفرة، صفرة وأسند الفقوع إليها. فهو من قبيل جدّ جدّه وجنونك مجنون.

وعن الحسن(٢) : سوداء شديدة السّواد. وبه فسّر قوله تعالى(٣) :( جِمالَتٌ صُفْرٌ ) .

وقال الأعشى(٤) :

تلك خيلي منه وتلك ركابي

هنّ صفر أولادها كالزّبيب

ولعلّه عبّر بالصّفرة عن السّواد، لأنّها من مقدّماته، أو لأنّ سواد الإبل يعلوه صفرة.

وفيه أنّ الصّفرة بهذا المعنى، لا يؤكّد بالفقوع. وأنّ الإبل وإن وصفت به، فلا يوصف به البقر.

( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) (٦٩)، أي: يوقعهم في السّرور (بالفتح) وهو لذّة في القلب، عند حصول نفع، أو توقعه من السّرّ (بالضّمّ) كأنّه يحصل لهم من رؤيتها نفع، أو توقعه.

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) ـ أنّه قال: من لبس نعلا صفراء، لم يزل مسرورا حتّى يبليهما، كما قال الله تعالى( صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ )

وعن أمير المؤمنين(٦) ـ عليه السّلام: أنّ من لبس نعلا صفراء، قلّ همّه لقوله تعالى( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) .

( قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) ؟ :

كرّر السّؤال الأول، لزيادة الاستكشاف. وقوله:( إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ) : اعتذار عنه، أي: إنّ البقر الموصوف بالتّعوين وفقوع الصّفرة، كثير. فاشتبه علينا.

__________________

(١) أ: حافك. ر: حائك. (٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٣) المرسلات / ٣٣. (٤) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٥) الكافي ٦ / ٤٦٦، ح ٥ ـ ٦ مجمع البيان ١ / ١٣٥.

(٦) الكشاف ١ / ١٥٠.

٣٩

وقرئ الباقر. وهو اسم لجماعة البقرة، والأباقر والبواقر(١) .

و «يتشابه» (بالياء والتّاء)، و «يشابه» (بالياء والتّاء) وتشديد الشّين، بإدغام تاء التّفاعل فيها.

و «تشابهت» (مخفّفا ومشدّدا) إمّا بزيادة الألف في باب التّفعيل، أو بإلحاق التّاء السّاكنة بالمضارع، إلحاقا له بالماضي.

و «تشبه» بحذف إحدى التّائين، من مضارع تفعل. و «يشبه» بالتّذكير، ومتشابه ومتشابهة ومشتبه ومتشبّه ومشتبهة.

( وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) (٧٠) إلى المراد ذبحها، أو إلى القاتل.

روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٢) أنّه قال: وأيم الله! لو لم يستثنوا، ما بيّنت لهم آخر الأبد.

واحتجّ به الأشاعرة، على أنّ الحوادث، بإرادة الله تعالى. وأن الأمر قد ينفكّ عن الإرادة. وإلّا لم يكن للشّرط بعد الامر معنى! والكراميّة والمعتزلة على حدوث الإرادة.(٣) ويردّ عليهم: أنّ هذا إنّما يمكن الاستدلال به، إذا كان من كلامه تعالى، لا على سبيل الحكاية. وليس كذلك. فإنّه حكاية لما يقولونه. ويحتمل أن لا يكون حقّا في نفس الأمر. وإذا قام ذلك الاحتمال، لم يمكن الاستدلال. ولو سلم، فيردّ على الأشاعرة، وجوه من النّظر :

الأوّل: أنّ الآية يحتمل أن يكون المراد بها أنّه إن شاء الله هدايتنا. لكنّا مهتدين على سبيل الجزم. ولو لم يشأ، يحتمل الاهتداء وعدمه.

[الثّاني: أنّه إنّما يتمّ لو كان الإرادة والمشيئة بمعنى واحد. وهو ممنوع. فلو دلّت الآية على أنّ الحوادث بمشيّة الله، فلم تدلّ على أنّها بإرادته].(٤) الثّالث:(٥) أنّ قولهم: دلّت الآية على أنّ الأمر قد ينفك عن الإرادة، ممنوع.

والملازمة الّتي ادّعوها في بيانه، ممنوعة. لأنّ معنى الشّرط بعد الأمر، أنّه تعالى لو شاء هدايتهم، لهداهم، أي: لو لم يشأ، لم يهدهم. وذلك لا ينافي أنّه شاء أمرهم، فأمرهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٢.

(٢) الكشاف ١ / ١٥١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أ: الثاني.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة قال وسألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء قال نعم.

(باب)

(الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء إلا قليل وخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي.

_________________________________________

أبي بصير ، وهي مع ضعف سندها بعثمان ، واشتراك أبي بصير ، وجهالة المسؤول ، إنما يدل على الإعادة إذا نسي الماء في رحله ، وتيمم وصلى ثم ذكر في الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

قولهعليه‌السلام : « قال نعم » قال في المدارك : اعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب تساوي الأغسال في كيفية التيمم ، وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة ، فإنه لم يذكر التيمم بدلا من الوضوء ، واستدل له الشيخ (ره) بخبر أبي بصير وعمار ، قال في الذكرى : وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء على وجوب الوضوء هناك ، ولا بأس به والخبران غير مانعين منه لجواز التسوية في الكيفية لا الكمية ، وما ذكره أحوط ، وإن كان الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد.

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش

الحديث الأول : حسن.

وقولهعليه‌السلام : « أحب إلى » يشعر بجواز الغسل أيضا حينئذ والمشهور عدمه.

١٨١

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ قال التيمم أفضل ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران وجميل قالا قلنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم قال لا ولكن يتيمم ويصلي بهم فإن الله عز وجل قد جعل التراب طهورا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة قال إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شيء

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « نصف الطهور » أي جعل عليه مسح نصف أعضاء الوضوء تخفيفا ، والأمر بالوضوء مع احتياجه إلى الماء ينافي التخفيف.

الحديث الثالث : حسن.

والمشهور بين الأصحاب كراهة إمامة التيمم بالمتوضين ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك ، ولو لا ما يتخيل من انعقاد الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بجواز الإمامة على هذا الوجه من غير كراهة.

الحديث الرابع : حسن مقطوع.

وقال الوالد العلامةقدس‌سره : رواه في التهذيب في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رفاعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي الموثق كالصحيح عن عبد الله ، عن ابن أبي بكير ، عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في معناه ، والظاهر أن عبد الله نقل في كتابه فتوى لا رواية.

١٨٢

مغبر وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به.

(باب)

(الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن

_________________________________________

وقال في الحبل المتين : يستفاد منه عدم جواز التيمم بالأرض الرطبة مع وجود التراب ، وأنها متقدمة على الطين ، وأنه يجب تحري الأجف منها عند الاضطرار إلى التيمم بها ، وربما يستنبط ـ من تعليقهعليه‌السلام الأمر بالتيمم بها على فقد الماء والتراب ـ تسويغ التيمم بالحجر الرطب إلا مع فقد التراب ، لشمول اسم الأرض للحجر ، ولو قلنا بعدم شموله له ففي الحديث دلالة على تقديم التراب على الحجر الجاف كما هو مذهب الشيخين في النهاية ، والمقنعة ، ومختار ابن إدريس ، وابن حمزة ، وسلار لأن الأرض الرطبة لما كانت مقدمة عليه كما يقتضيه اقتصارهعليه‌السلام على قوله ليس فيها ماء ولا تراب دون أن يقول ولا حجر فالتراب مقدم عليه بطريق أولى.

باب الرجل تصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « يتيمم » استدل به سلار على التيمم بالثلج ولا يخفى أن الظاهر التيمم بالتراب كما فهمه الشيخ وعلى تقدير عدم ظهوره لا يمكن الاستدلال به ، ثم [ إنه ] ذهب الشيخ في النهاية إلى تقدم الثلج على التراب كما يظهر من بعض الأخبار ، ويمكن القول بالتفصيل بأنه إن حصل الجريان فالثلج مقدم وإلا فالتراب ، وقال في المختلف : لو لم يجد إلا الثلج وتعذر عليه كسره وإسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة ، وكذا بقية أعضائه ، وكذا في الغسل ، فإن خشي من ذلك آخر الصلاة

١٨٣

رجل أجنب في السفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه رفعه قال قال إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان عليه وإن احتلم تيمم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل أصابته الجنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه

_________________________________________

حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى : إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيديه ويتيمم بنداوته ، وكذا قال سلار ومنع ابن إدريس من التيمم به والوضوء والغسل منه وحكم بتأخير الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب ، والوجه ما قاله الشيخان.

قولهعليه‌السلام « ولا أرى أن يعود » فيه دلالة على أن من صلى بتيمم فصلاته لا تخلو من نقص وإن كانت مبرئة للذمة وأنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته المستقبلة بالخروج عن محل الاضطرار.

الحديث الثاني : مرفوع.

وقال في المدارك : من عدم الماء مطلقا أو تعذر عليه استعماله يجوز له الجماع لعدم وجوب الطهارة المائية عليه ، ولو كان معه ما يكفيه للوضوء فكذلك قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة في المنتهى بتحريمه لأنه يفوت الواجب وهو الصلاة بالمائية ، وفيه نظر ، وقال : إطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في تيمم المريض بين متعمد الجنابة وغيره ، ويؤيده أن الجنابة على هذا التقدير غير محرم إجماعا كما نقله في المعتبر فلا يترتب على فاعله عقوبة وارتكاب التغرير بالنفس عقوبة.

وقال الشيخان : إن أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم ، وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض ، واستدل عليه في الخلاف بصحيحة عبد الله بن سليمان وصحيحة

١٨٤

التلف إن اغتسل قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة.

(باب)

(التيمم بالطين)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم

_________________________________________

محمد بن مسلم ، وأجاب عنهما في المعتبر بعدم الصراحة في الدلالة لأن العنت المشقة وليس كل مشقة تلفا ولأن قولهعليه‌السلام « على ما كان » ليس حجة في محل النزاع وإن دل بإطلاقه فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية ولا يخص بها عموم نفي الحرج وهو جيد.

الحديث الثالث : مرسل.

وقال الشيخرحمه‌الله : من تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي ثم يعيد ، واحتج بخبر جعفر بن بشير ، وعبد الله بن سنان ، وقال في المدارك : هما لا يدلان على ما اعتبره من القيد ، والأجود حملهما على الاستحباب لأن مثل هذا المجاز أولى من التخصيص وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من رجحان.

باب التيمم بالطين

الحديث الأول : صحيح ، وآخره مرسل.

وقال في المدارك : ومع فقد الغبار يتيمم بالوحل ، والمستند في ذلك بعد الإجماع روايتا أبي بصير ورفاعة ولو أمكن تجفيف الوحل بحيث يصير ترابا والتيمم به وجب ذلك ، وقدم على الغبار قطعا ، واختلف الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، فقال الشيخان : إنه يضع يديه على الأرض ثم يفركهما ويتيمم به وهو خيرة المعتبر ، وقال آخرون : يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به

١٨٥

به فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به وفي رواية أخرى صعيد طيب وماء طهور.

(باب)

(الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب قال لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن

_________________________________________

واستوجهه في التذكرة إن لم يخف فوت الوقت وهو بعيد ، وقال : إذا فقد التراب وما في معناه ، وجب التيمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غير ذلك مما فيه غبار ، قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا ، وأكثر العامة ، وإنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب كما نص عليه الشيخ وأكثر الأصحاب ، وربما ظهر من عبارة المرتضى في الجمل جواز التيمم به مع وجود التراب أيضا ، وهو بعيد لأنه لا يسمى صعيدا ، بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين ، إلا أن الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل وظاهر هم الاتفاق عليه.

قولهعليه‌السلام « صعيد طيب » قال الفاضل التستريرحمه‌الله : كان المعنى أن الطين مركب من الصعيد الطيب ومن الماء ، فلا يدل على أن الطين صعيد بقول مطلق ، ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى أمر بالصعيد وبالماء ، والصعيد هنا حاصل فيستفاد منه أن الطين صعيد.

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : حسن.

١٨٦

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أحمد رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن مجدور أصابته جنابة قال إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح وابن فضال ، عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن سكين وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه

_________________________________________

الحديث الثالث : مرفوع.

الحديث الرابع : مجهول.

قولهعليه‌السلام « فكز » كذا في أكثر النسخ وفي بعضها فكن قال في الصحاح الكن السترة ، وقال الكز بالضم داء تأخذ من شدة البرد ، وقد كز الرجل فهو مكزوز إذا تقبض من البرد.

قولهعليه‌السلام « دواء العي » في الصحاح عي إذا لم يهتد لوجه ، يحتمل أن يكون صفة مشبهة من عي إذا عجز ولم يهتد إلى العلم بالشيء وأن يكون مصدرا ، وقال في شرح المصابيح : العي بكسر العين وتشديد الياء التحير في الكلام ، والمراد به هنا الجهل ، يعني لم لم تسألوا إذا لم تعلموا شيئا فإن الجهل داء شديد وشفاؤه السؤال والتعلم من العلماء ، وكل جاهل لم يستح عن التعلم وتعلم يجد شفاء.

الحديث الخامس : حسن ، وفي بعض النسخ ابن سكين وهو ثقة ، وفي بعضها ابن مسكين وهو مجهول ، ولا يضر ذلك لأنه بمنزلة مرسل ابن أبي عمير ، ولو كان فاعل قال في قوله ـ قال وروى ـ ابن أبي عمير كما هو ظاهر لكان حسنا

١٨٧

فمات فقال قتلوه ألا سألوا ألا يمموه إن شفاء العي السؤال.

قال وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل.

(باب النوادر)

١ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن الحسن بن علي الوشاء قال دخلت على الرضاعليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني أن أصب على يدك تكره أن أوجر قال تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت له وكيف ذلك فقال أما سمعت الله عز وجل يقول «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ »

_________________________________________

أيضا ولعله في الكسير محمول على عدم إمكان الجبيرة ، ويحتمل التخيير أيضا أو تخصيص الجبيرة بالوضوء والأوسط أظهر.

باب النوادر

الحديث الأول : ضعيف.

قولهعليه‌السلام « تؤجر أنت » يحتمل أن يكون استفهاما ، وقولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » جملة حالية وعلى ظاهره يدل على أن الجاهل يثاب على فعل يراه حسنا ويمكن حمله على الكراهة ولا يكون المعاونة على المكروه مكروها ، أو يكون مكروها من جهة ومندوبا من جهة ، وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : استدل العلامة في المنتهى وغيره بهذه الرواية على كراهة الاستعانة والظاهر أن المراد الصب على نفس العضو ، وهو التولية المحرمة كما يرشد إليه قوله « على يدك » ولم يقل في يدك ، وكما يدل عليه قولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » إذ لا وزر في المكروه ، فالاستدلال بها على كراهة الاستعانة محل تأمل. وقال : الباء في بعبادة ربه ظرفية ، والتفسير المشهور لهذه الآية ، ولا يجعل أحدا شريكا مع ربه في المعبودية فلعل كلا المعنيين مراد فإن الإمامعليه‌السلام لم ينف ذلك التفسير هذا ولا يخفى أن

١٨٨

«عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن صباح الحذاء ، عن أبي أسامة قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله رجل من المغيرية عن شيء من السنن فقال ما من شيء يحتاج إليه أحد من ولد آدم إلا وقد جرت فيه من الله ومن رسوله سنة عرفها من عرفها وأنكرها من أنكرها فقال رجل فما السنة في دخول الخلاء قال تذكر الله وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإذا فرغت قلت الحمد لله على ما أخرج مني من الأذى في يسر وعافية قال الرجل فالإنسان يكون على تلك

_________________________________________

الضمير في قولهعليه‌السلام « وهي العبادة » وقوله « إن يشركني فيها » راجعين إلى الصلاة والغرض منع الشركة في الوضوء : فكأنه لعدم تحققها بدونه ، أو بدله كالجزء منها ، ولا يبعد أن يجعل الباء في الآية للسببية ، وكذا « في » في قولهعليه‌السلام فيها ، وحينئذ لا يحتاج إلى تكلف جعل الوضوء كالجزء من الصلاة فتدبر.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وكان فيه دلالة على استحباب عدم الفاصلة كثيرا بين الوضوء والصلاة ، والظاهر أن الغرض بيان الاشتراط.

الحديث الثالث : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « من المعتزلة » وفي بعض النسخ ـ المغيرية ـ وهو أظهر ، قال في الملل والنحل : المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ادعى أن الإمام بعد محمد بن علي بن الحسين ، محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكان المغيرة مولى لعبد الله بن خالد

١٨٩

الحال ولا يصبر حتى ينظر إلى ما يخرج منه قال إنه ليس في الأرض آدمي إلا ومعه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا برقبته ثم قالا يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن المعلى ، عن إبراهيم بن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من توضأ فتمندل كانت له حسنة وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن جراح الحذاء ، عن سماعة بن مهران قال قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن قاسم الخزاز ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال :

_________________________________________

القصري وفي القاموس كدح في العمل كمنع سعى وعمل لنفسه خيرا أو شرا.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مجهول.

والظاهر يومه مكان ليلته وكأنه من النساخ ، أو الرواة بقرينة أنه نقل هذا الخبر عن سماعة بعد ذلك بزيادة ، وهنا في أكثر النسخ يومه ، وفي ثواب الأعمال في نهاره إلا الكبائر ، ومن توضأ للصبح كان وضوءه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر ، وعلى ما في أكثر نسخ المتن يحتمل أن يكون المراد الليلة السابقة ، أو يكون الظرف متعلقا بالكفارة فيكون المراد جميع الذنوب والله يعلم.

الحديث السادس : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : « بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام » أصل ـ بينا ـ بين فأشبعت الفتحة وقفا فصارت ألفا ، يقال بينا وبينما ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وأبقيت الألف المشبعة وصلا مثلها وقفا ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة

١٩٠

_________________________________________

من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وقد جاء في الجواب كثيرا تقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو وإذ دخل عليه وإذا دخل عليه ، على ما ذكره الجوهري و ـ بينا ـ هنا مضاف إلى جملة ما بعده وهي ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس ـ وأقحم جزئي الجملة الظرف المتعلق بالخبر وقدم عليه توسعا ، أما كلمة « ذات » فقد قال الشيخ الرضيرضي‌الله‌عنه في شرح الكافية : وأما ذا وذات وما تصرف منهما إذا أضيف إلى المقصود بالنسبة فتأويلها قريب من التنزيل المذكور ، إذ معنى ـ جئت ذا صباح ـ أي وقتا صاحب هذا الاسم ، فذا من الأسماء الستة وهو صفة موصوف محذوف وكذا جئته ذات يوم أي مدة صاحبة هذا الاسم ، واختصاص ذا بالبعض وذات بالبعض الأخر يحتاج إلى سماع ، وأما ذا صبوح وذا غبوق فليس من هذا الباب ، لأن الصبوح والغبوق ليسا زمانين ، بل ما يشرب فيهما فالمعنى جئت زمانا صاحب هذا الشراب فلم يضف المسمى إلى اسمه. وقيل : إن ذا وذات في أمثال هذه المقامات مقحمة بلا ضرورة داعية إليها بحيث يفيدان معنى غير حاصل قبل زيادتهما مثل ـ كاد ـ في قوله تعالى «وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » والاسم في بسم الله على بعض الأقوال ، وظرف المكان المتأخر أعني مع متعلق بجالس أيضا.

واختلف في إذا الفجائية هذه هل هي ظرف مكان أو ظرف زمان فذهب المبرد إلى الأول ، والزجاج إلى الثاني ، وبعض إلى أنها حرف بمعنى المفاجأة ، أو حرف زائد وعلى القول بأنها ظرف مكان ، قال ابن جني عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه وعامل ـ بينا وبينما ـ محذوف يفسره الفعل المذكور فمعنى الفقرة المذكورة في الحديث قال أمير المؤمنينعليه‌السلام بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية وكان ذلك القول في مكان جلوسه ، وقال شلوبين : إذ مضافة إلى الجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما لأن المضاف إليه

١٩١

يا محمد ائتني بإناء من ماء فأتاه به فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال :

_________________________________________

لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وإنما عاملهما محذوف يدل عليه الكلام ، وإذ بدل منهما ويرجع الحاصل إلى ما ذكرنا على قول ابن جني ، وقيل : العامل ما يلي بين بناء على أنها مكفوفة عن الإضافة إليه كما يعمل تألى اسم الشرط فيه ، والحاصل حينئذ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس مع محمد بين أوقات يوم من الأيام في مكان ، قوله « يا محمد إلى آخره » وقيل بين خبر لمبتدء محذوف والمصدر المسبوك من الجملة الواقعة بعد إذ مبتدأ والمال حينئذ أن بين أوقات جلوسهعليه‌السلام مع ابنه قوله يا محمد إلى آخره ـ ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بقوله ـ يا محمد إلى آخره ـ وعلى قول الزجاج وهو كون إذا ظرف زمان يكون مبتدأ مخرجا عن الظرفية خبره ـ بينا وبينما ـ فالمعنى حينئذ ، وقت قول أمير المؤمنينعليه‌السلام حاصل بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية.

قولهعليه‌السلام : « آتني » يدل على أن طلب إحضار الماء ليس من الاستعانة المكروهة.

قولهعليه‌السلام « فصبه » في التهذيب وغيره فأكفاه ، وقال الجوهري كفأت الإناء كبيته وقلبته فهو مكفوء وزعم ابن الأعرابي أن أكفاءه لغة فصيحة الضبط.

قولهعليه‌السلام « بيده اليمنى » كذا في أكثر نسخ الفقيه والتهذيب أيضا ، وفي بعض نسخ التهذيب وغيره بيده اليسرى على يده اليمنى وعلى كلتا النسختين الأكفاء إما للاستنجاء أو لغسل اليد قبل إدخالها الإناء ، والأول أظهر ويؤيده استحباب الاستنجاء باليسرى على نسخة الأصل ، وعلى الأخرى يمكن أن يقال : الظاهر أن الاستنجاء باليسرى إنما يتحقق بأن تباشر اليسرى العورة وأما الصب فلا بد أن يكون باليمنى في استنجاء الغائط وأما استنجاء البول فإن لم تباشر اليد العورة فلا يبعد كون الأفضل الصب باليسار ، وإن باشرتها فالظاهر أن الصب باليمين أولى.

١٩٢

الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمها على النار ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وطيبها وريحانها ثم تمضمض

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « الحمد لله » في الفقيه وغيره ـ بسم الله الحمد لله ـ أي أستعين ، أو أتبرك باسمه تعالى وأحمده.

قوله « طهورا » أي مطهرا كما يناسب المقام ، ولأن التأسيس أولى من التأكي د « ولم يجعله نجسا » أي متأثرا من النجاسة ، أو بمعناه فإنه لو كان نجسا لم يمكن استعماله في إزالة النجاسة ، ولعل كلمة « ثم » في الموضع منسلخة عن معنى التراخي كما قيل في قوله تعالى «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ »(١) والمراد بتحصين الفرج ستره وصونه عن الحرام وعطف ـ الإعفاف ـ عليه تفسيري أو الإعفاف عن الشبهات والمكروهات ، وقال الشيخ البهائي (ره) عطف العورة من قبيل عطف العام على الخاص فإن العورة كل ما يستحيي ، والأولى أن يقال : عطف الستر من قبيل عطف الخاص على العام فلا تغفل و « حرمها » أي العورة بالمعنى الأخص أو الفرج وفي بعض الروايات حرمهما باعتبار لفظي الفرج والعورة وإن اتحد معناهما أو يقرأ عورتي بتشديد الياء.

قولهعليه‌السلام « ثم استنشق » أقول : الرواية في سائر الكتب بتقديم المضمضة على الاستنشاق كما هو المشهور فيهما ، وفي الكتاب بالعكس ، ولعله من النساخ والمشهور استحباب تقديم المضمضة ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز تأخير المضمضة عن الاستنشاق ، وقال في الذكرى : هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة ، وأما الفعل فالظاهر لا انتهى ، والاستنشاق اجتذاب الماء بالأنف ، وأما الاستنتار فلعله مستحب آخر ولا يبعد كونه

__________________

(١) المؤمنون : ١٤.

١٩٣

فقال اللهم أنطق لساني بذكرك واجعلني ممن ترضى عنه ثم غسل وجهه فقال : اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه

_________________________________________

داخلا في الاستنشاق عرفا ويشم بفتح الشين من باب علم ، ويظهر من الفيروزآبادي أنه يجوز الضم فيكون من باب نصر والريح الرائحة وفي الفقيه وغيره ريحها وروحها وطيبها. وقال الجوهري : الروح نسيم الريح ويقال : أيضا يوم روح أي طيب وروح وريحان أي رحمة ورزق وأول الدعاء استعاذة من أن يكون من أهل النار فإنهم لا يشمون ريح الجنة حقيقة ولا مجازا والمضمضة تحريك الماء في الفم كما ذكره الجوهري والدعاء في الفقيه وأكثر كتب الدعاء والحديث هكذا ( اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ) وفي بعضها ـ بذكراك ـ والتلقين التفهيم وهو سؤال منه تعالى أن يلهمهم يوم لقائه ما يصير سببا لفكاك رقابهم من النار كما قال تعالى «يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها »(١) وقرأ بتخفيف النون من التلقي كما قال تعالى «وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً »(٢) والأول أظهر.

« ويوم اللقاء » إما يوم القيامة والحساب ، أو يوم الدفن والسؤال ، أو يوم الموت أو الأعم ، وإنطاق اللسان عبارة عن توفيق الذكر مطلقا ، وبياض الوجه وسواده إما كنايتان عن بهجة السرور والفرح وكابة الخوف والخجلة ، أو المراد بهما حقيقة السواد والبياض ، وفسر بالوجهين قوله تعالى «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ »(٣) ويمكن أن يقرأ قولهعليه‌السلام « تبيض وتسود » على المضارع الغائب من باب الأفعال ، فالوجوه مرفوعة فيهما بالفاعلية وأن يقرأ بصيغة المخاطب من باب التفعيل مخاطبا إليه تعالى فالوجوه منصوبة فيهما على المفعولية كما ذكره الشهيد الثاني

__________________

(١) النحل : ١١١.

(٢) الإنسان : ١١.

(٣) آل عمران : ١٠٦.

١٩٤

الوجوه ثم غسل يمينه فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد بيساري ثم غسل شماله فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشني برحمتك

_________________________________________

رفع الله درجته ، والأول هو المضبوط في كتب الدعاء المسموع عن المشايخ الأجلاء ثم الظاهر أن التكرير للإلحاح في الطلب والتأكيد فيه ، وهو مطلوب في الدعاء فإنه تعالى يحب الملحين في الدعاء ، ويمكن أن تكون الثانية تأسيسا على التنزل فإن ابيضاض الوجوه تنور فيها زائدا على الحالة الطبيعة ، فكأنه يقول : إن لم تنورها فأبقها على الحالة الطبيعية ولا تسودها « والكتاب » كتاب الحسنات وإعطائه باليمين علامة الفلاح يوم القيامة كما قال تعالى «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً »(١) .

قولهعليه‌السلام « والخلد بيساري » في سائر الكتب والخلد في الجنان يحتمل وجوها :

الأول : أن المراد بالخلد الكتاب المشتمل على توقيع كونه مخلدا في الجنان على حذف المضاف ، وباليسار اليد اليسرى ، والباء صلة لأعطني ، كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : يعطى كتاب أعمال العباد بإيمانهم وبراءة الخلد في الجنان بشمائلهم ، وهو أظهر الوجوه.

الثاني : أن المراد باليسار اليسر خلاف العسر كما قال تعالى «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » فالمراد هنا طلب الخلود في الجنة من غير أن يتقدمه عذاب النار وأهوال يوم القيامة وسهولة الأعمال الموجبة له.

الثالث : أن يراد باليسار مقابل الإعسار أي اليسار بالطاعات ، أي أعطني الخلد في الجنان بكثرة طاعاتي فالباء للسببية فيكون في الكلام إيهام التناسب و

__________________

(١) الإنشقاق : ٩.

١٩٥

وبركاتك وعفوك ثم مسح على رجليه فقال : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم التفت إلى محمد فقال :

_________________________________________

وهو الجمع بين المعنيين المتناسبين بلفظين لهما معنيان متناسبان ، كما قيل في قوله تعالى «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ »(١) فإن المراد بالنجم ما ينجم من الأرض أي ما يظهر ولا ساق له كالبقول ، وبالشجر ما له ساق فالنجم. بهذا المعنى وإن لم يكن مناسبا للشمس والقمر لكنه بمعنى الكواكب يناسبها وهذا الوجه مع لطفه لا يخلو من بعد.

الرابع : أن الباء للسببية أي أعطني الخلد بسبب غسل يساري وعلى هذا فالباء في قوله ـ بيميني أيضا للسببية ، ولا يخفى بعده لا سيما في اليمين لأن إعطاء الكتاب مطلقا ضروري ، وإنما المطلوب الإعطاء باليمين الذي هو علامة الفائزين أقول في سائر الكتب بعد قوله بيساري وحاسبني حسابا يسيرا.

وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه : لم يطلب دخول الجنة بغير حساب لمقامه واعترافا بتقصيره عن الوصول إلى هذا القدر من القرب لأنه مقام الأصفياء ، بل طلب سهولة الحساب تفضلا من الله تعالى وعفوا عن المناقشة بما يستحقه وتحرير الحساب بما هو أهله ، وفيه مع ذلك اعتراف بحقية الحساب مضافا إلى الاعتراف بأخذ الكتاب وذلك بعض أحوال يوم الحساب.

و قولهعليه‌السلام « اللهم لا تعطني كتابي بشمالي » إشارة إلى قوله سبحانه «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ». «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً »(٢) وقوله « ولا من وراء ظهري » كما في غير نسخ الكتاب « ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي » إلى ما روي من أن المجرمين يعطى كتابهم من وراء ظهورهم بشمائلهم حالكونها مغلولة إلى أعناقهم.

قولهعليه‌السلام « من مقطعات النيران » قال الجزري : المقطع من الثياب كل

__________________

(١) الرحمن : ٦.

(٢) الإنشقاق : ١٠.

١٩٦

يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت وقال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويهلله ويكتب له ثواب ذلك

_________________________________________

ما يفصل ويخاط من قميص وغيره ، انتهى. وهذا إشارة إلى قوله تعالى «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ »(١) فإما أن تكون جبة وقميصا حقيقة من النار ، مثل الرصاص والحديد ، أو تكون كناية عن لصدوق النار بهم كالجبة والقميص ، ولعل السر في كون ثياب النار مقطعات أو التشبيه بها كونها أكثر اشتمالا على البدن من غيرها ، فالعذاب بها أشد ، وفي بعض نسخ الحديث والدعاء مفظعات بالفاء والظاء المعجمة جمع مفظعة بكسر الظاء من فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع ، وهو تصحيف ، والأول موافق للاية الكريمة حيث يقول «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ».

و « التغشية » التغطية و « البركة » النماء والزيادة. وقال في النهاية : في قولهم ـ وبارك على محمد وآل محمد ـ أي أثبت لهم وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة ، والأصل الأول ، انتهى. ولعل الرحمة بالنعم الأخروية أخص ، كما أن البركة بالدنيوية أنسب ، كما يفهم من موارد استعمالهما ، ويحتمل التعميم فيهما ، وقال الوالدقدس‌سره : يمكن أن تكون الرحمة عبارة عن نعيم الجنة وما يوصل إليها ، والبركات عن نعيم الدنيا الظاهرة والباطنة من التوفيقات للأعمال الصالحة والعفو عن الخلاص من غضب الله وما يؤدي إليه.

قولهعليه‌السلام « من كل قطرة » أي بسببها أو من عملها ، بناء على تجسم الأعمال ، والتسبيح والتقديس مترادفان بمعنى التنزيه ، ويمكن تخصيص التقديس بالذات والتسبيح بالصفات والتكبير بالأفعال وقولهعليه‌السلام « إلى يوم القيمة » إما متعلق بيكتب أو بخلق ، أو بهما وبالأفعال الأربعة على التنازع.

__________________

(١) الحجّ : ١٩.

١٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول وهو يحدث الناس بمكة صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفجر ثم جلس مع أصحابه حتى طلعت الشمس فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان أنصاري وثقفي فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمت أن لكما حاجة وتريدان أن تسألا عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني وإن شئتما فاسألا عنها قالا بل تخبرنا قبل أن نسألك عنها فإن ذلك أجلى للعمى وأبعد من الارتياب وأثبت للإيمان فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت أن تسألني عن وضوئك وصلاتك ما لك في ذلك من الخير أما وضوؤك فإنك إذا وضعت يدك في إنائك ثم قلت بسم الله تناثرت منها ما اكتسبت من الذنوب فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الوضوء شطر الإيمان.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن بعض أصحابنا ، عن إسماعيل بن مهران ، عن صباح

_________________________________________

الحديث السابع : صحيح على الظاهر ، وإن قيل باشتراك محمد بن قيس.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

ويحتمل أن يكون المراد بالشطر الجزء والنصف وعلى التقديرين يمكن أن يراد بالإيمان الصلاة كما قال تعالى «وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ »(١) أي صلاتكم أو الإيمان المشتمل على العبادات لأنه أحد إطلاقاته. في الأخبار.

الحديث التاسع : مرسل ، وظاهره الأعم من التجديد.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

١٩٨

الحذاء ، عن سماعة قال كنت عند أبي الحسنعليه‌السلام فصلى الظهر والعصر بين يدي وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي توضأ فقلت جعلت فداك أنا على وضوئي فقال وإن كنت على وضوء إن من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ومن توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

١٠ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الطهر على الطهر عشر حسنات.

١١ ـ محمد بن الحسن وغيره ، عن سهل بن زياد بإسناده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا فرغ أحدكم من وضوئه فليأخذ كفا من ماء فليمسح به قفاه يكون ذلك فكاك رقبته من النار.

١٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال :

_________________________________________

الحديث العاشر : مرسل.

ويشمل الوضوء بعد الغسل بل الغسل بعد الغسل أيضا ، ولم أر التصريح بهما في كلامهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

والظاهر أنه محمول على التقية ، ويحتمل أن يكون الثواب على هذا الفعل للتقية.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

والمشهور بين الأصحاب عدم جواز التوضؤ والاغتسال بالمضاف مطلقا وخالف فيه ابن بابويه فجوز رفع الحدث بماء الورد ، ولم يعتبر المحقق خلافه حيث ادعى الإجماع على عدم حصول الرفع به لمعلومية نسبه ، أو لانعقاد الإجماع بعده ، والمعتمد المشهور ، احتج ابن بابويه بهذه الرواية ، وقال في المدارك : وهو ضعيف لاشتمال

١٩٩

لا بأس بذلك.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الوهاب ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن هشام بن سالم ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عمن مس عظم الميت قال إذا كان سنة فليس به بأس.

١٤ ـ محمد بن يحيى رفعه ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها.

_________________________________________

سنده على سهل بن زياد ، ومحمد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى ، عن يونس ، وحكم الشيخ في كتاب الأخبار بشذوذ هذه الرواية وأن العصابة أجمعت على ترك العمل بظاهرها ، ثم أجاب عنها باحتمال أن يكون المراد بالوضوء التحسين والتنظيف ، أو أن يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد دون أن يكون معتصرا منه ، وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقيق ، ونقل المحقق في المعتبر اتفاق الناس جميعا على أنه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام « إذا جاز سنة » كأنه لذهاب الدسومة التي تكون في العظم ، والمراد بالعظم عظم الميتة من الحيوانات ، أو الميت الذي لم يغسل ، ويحتمل أن يكون السؤال باعتبار غسل المس.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

قولهعليه‌السلام « فاحتلم » أي رأى في النوم ما يوجب الاحتلام.

قولهعليه‌السلام « فليتيمم » قال في المدارك : هذا مذهب أكثر علمائنا ، ومستنده

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493