تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183354 / تحميل: 5549
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أحدهما أولى من الآخَر.

ولبعض الشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه كمالٍ في يد ثالثٍ يتداعاه اثنان ؛ لأنّه لم يثبت لأحدهما يدٌ عليه(١) .

فإن قلنا بالأوّل فإن أقام كلٌّ منهما بيّنةً أو حلفا أو نكلا فهو بينهما ، وإن أقام أحدهما البيّنةَ أو حلف ونكل صاحبه قُضي له.

وإن قلنا بالثاني لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فعلى الخلاف في تعارض البيّنتين ، وإن نكلا أو حلفا وُقف المال بينهما.

وسواء قلنا بالوجه الأوّل أو الثاني فإنّ المال يُترك في يد المدّعى عليه إلى أن تنفصل الحكومة بينهما على أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه لا بدّ من وضعه عند أمينٍ ، وهذا أمين لم تظهر منه خيانة ، والثاني : إنّه يُنزع منه ؛ لأنّ مطالبتهما بالردّ تتضمّن عزله(٢) .

وهذان القولان للشافعيّة فيما إذا طلب أحدهما الانتزاعَ والآخَر التركَ ، فأمّا إن اتّفقا على أحد الأمرين فإنّ الحاكم يتبع رأيهما(٣) .

ويمكن أن يكون هذا مبنيّاً على أنّه يجعل المال كأنّه في يدهما ، وإلّا فيتبع الحاكم رأيه.

هذا إذا صدّقاه في النسيان ، وإن كذّباه فيه وادّعى كلّ واحدٍ منهما علمَه بأنّه المالك ، وقالا : إنّك تعلم لـمَن الوديعة منّا ، فالقول قول المستودع مع يمينه ، ويحلف ؛ لأنّه لو أقرّ بها لأحدهما كانت له ، فإذا ادّعي عليه العلم سُمعت دعواه ، ويحلف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢١

فإن حلف ، كفاه يمين واحدة على نفي العلم - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المدّعى شي‌ء واحد ، وهو علمه بعين المال ، فكفاه يمين واحدة.

وقال أبو حنيفة : يحلف يمينين لكلّ واحدٍ منهما يميناً ، كما لو أنكر أنّها لهما(٢) .

والفرق : إنّه إذا أنكرهما فقد أنكر دعويين ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي عليه أنّها له ، فهنا دعويان ، فإذا حلف كان كأنّهما صدّقاه.

وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدّعه الخصمان؟ للشافعيّة وجهان(٣) .

ثمّ إذا حلف المدّعى عليه ، فالحكم كما لو صدّقاه في النسيان من أنّه يُقرّ في يده ؛ لأنّه لا فائدة في نقله ، فإنّه مستودع ، ولم تظهر منه خيانة ، أو يُنقل عنه ؛ لأنّه قد اعترف بأنّه لا حقّ له فيها(٤) فيُنقل عنه.

وقال بعضهم : إنّه يُنزع المال منه هنا وإن لم يُنزع هناك ؛ لأنّه خائن عندهما بدعوى النسيان(٥) .

وإن نكل عن اليمين ، رُدّت اليمين عليهما ، فإن نكلا فإمّا أن نقول : يُقسم المال بينهما ، أو يُوقف حتى يصطلحا على الخلاف ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر قُضي بها للحالف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٩٢ / ١٨٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، المغني ٧ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤) أي : في الوديعة. والظاهر بحسب السياق : « فيه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٢

وإن حلفا ، فللشافعيّة قولان :

أحدهما : إنّه يُقسم بينهما ؛ لأنّه في أيديهما - وهو الأصحّ عند الشافعيّة - كما لو أقرّ بها لهما.

والثاني : يُوقف حتى يصطلحا - وبه قال ابن أبي ليلى - لأنّه لا يعلم المالك منهما(١) .

وعلى القول بالقسمة فإنّ المستودع يغرم القيمة ، وتُقسَم بينهما أيضاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما أثبت بيمين الردّ جميعَ العين ولم يحصل له سوى نصفها(٢) .

هذا أشهر ما قاله الشافعيّة فيما إذا نكل المستودع(٣) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ المستودع إذا نكل لا تُردّ اليمين عليهما ، بل يوقف ؛ بناءً على أنّهما لو حلفا يوقف المال بينهما ، فلا معنى لعرض اليمين(٥) .

وإن قلنا بردّ اليمين ، فالأقرب : إنّ الحاكم يُقدّم مَنْ رأى تقديمه منهما في الحلف.

ويحتمل القرعة بينهما.

وإذا حلفا وقُسّمت العين بينهما والقيمة ، فإن لم ينازع أحدهما الآخَر فلا بحث ، وإن نازع وأقام البيّنة على أنّ جميع العين له سُلّمت إليه ، ورُدّت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١ ، المغني ٧ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٣

القيمة على المستودع.

وإن لم تكن بيّنة ونكل صاحبه عن اليمين فحلف واستحقّ العين ، فيردّ نصفَ القيمة الذي أخذه ؛ لأنّه عاد إليه المُبدل ، والناكل لا يردّ ما أخذ ؛ لأنّه استحقّه بيمينه على المستودع ، ولم يعد إليه الـمُبدل ، ونكوله كان مع صاحبه ، لا مع المستودع.

مسألة ٧٠ : لو قال المستودع في الجواب : هذا المال وديعة عندي ولا أدري أهو لكما أو لأحدكما أو لغيركما‌ ، وادّعيا عليه العلمَ ، كان القولُ قولَه مع اليمين ، فإذا حلف على نفي العلم تُرك في يده إلى أن تقوم بيّنة ، وليس لأحدهما تحليف الآخَر ؛ لأنّه لم يثبت لواحدٍ منهما فيه يدٌ ولا استحقاق ، بخلاف الصورة الأُولى.

ولو ادّعى عليه اثنان غصبَ مالٍ في يده ، كلّ واحدٍ منهما يقول : غصبتَه منّي ، فقال : غصبتُه من أحدكما ولا أعرف عينه ، فالقول قوله مع اليمين أيضاً ، فعليه أن يحلف لكلّ واحدٍ منهما على البتّ على أنّه لم يغصب(١) ، فإذا حلف لأحدهما تعيّن المغصوب للثاني ، فلا يحلف له.

مسألة ٧١ : تشتمل على فروع متبدّدة :

لو تعدّى في الوديعة ثمّ بقيت في يده مدّة ، لزمه أُجرة مثلها عن تلك المدّة ؛ لأنّه خرج عن الأمانة ، ودخل في الخيانة من حين التعدّي ، فكان كالغاصب عليه عوض المنافع وإن لم ينتفع.

ولو دخل خاناً فجعل حماره في صحن الخان ، وقال للخاني : احفظه كي لا يخرج ، وكان الخاني ينظر إليه ، فخرج في بعض غفلاته ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قصّر في الحفظ بالغفلة.

وقال القفّال من الشافعيّة : لا يضمن ؛ لأنّه لم يقصّر في الحفظ‌

____________________

(١) الظاهر : « لم يغصب منه » أو « لم يغصبه ».

٢٢٤

المعتاد(١) .

وهو ممنوع.

ولو وقع في خزانة المستودع حريق ، فبادر إلى نقل الأمتعة وقدّم أمتعته على الوديعة ، فاحترقت الوديعة ، لم يضمن ، كما لو لم يكن فيها إلّا ودائع فأخذ في نقلها كلّها فاحترق ما تأخّر نقله.

ولو ادّعى ابن مالك الوديعة أنّ أباه قد مات وأنّ المستودع علم بذلك ، وطلب الوديعة ، فأنكر المستودع ، فللولد تحليفه على نفي العلم ، فإن نكل حلف المدّعي.

ولو مات المالك وطلب الوارث الوديعةَ ، فامتنع المستودع من الدفع إليه ليتفحّص ويبحث هل في التركة وصيّة؟ ففي كونه متعدّياً ضامناً إشكال أقربه ذلك.

ولو وجد لقطةً وعرف مالكها ولم يُخبره حتى تلفت ، ضمن.

وكذا قيّم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يُخبر الحاكم حتى تلف المال ، كان ضامناً.

ومَنْ كان قيّماً لصبيٍّ أو مجنونٍ أو سفيهٍ ولم يبع أوراق شجره التي تُقصد بالبيع حتى يمضي وقتها ، كان ضامناً ، أمّا لو أخّر البيع لتوقّع زيادةٍ لم يضمن.

وكذا قيّم المسجد في أشجاره.

ولو دفع إلى رسوله خاتماً علامةً ليمضي إلى وكيله(٢) ويقبض منه شيئاً ، وقال : إذا قبضتَه تردّ الخاتمَ علَيَّ ، فقبض المأمور بقبضه ولم يردّ الخاتم بل وضعه في حرزه ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قبضه على أنّه يردّه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « خاتماً ليمضي إلى وكيله علامةً ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٢٥

فإذا لم يردّه كان ضامناً.

ويحتمل عدمه ؛ لأنّه ليس عليه الردّ ولا مئونته ، بل عليه التخلية.

ولو دفع قبالةً إلى غيره وديعةً ففرّط فيها ، ضمن قيمة الكاغذ مكتوباً ، ولا شي‌ء عليه ممّا في القبالة.

وكذا لو أودع إنساناً وثيقةً وقال : لا تردّها إلى زيدٍ حتى يدفع ديناراً ، فردّها قبله ، فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغذ وأُجرة الورّاق.

مسألة ٧٢ : لو دخل الحمّام فنزع ثيابه وسلّمها إلى الحمّامي ، وجب عليه حفظها ، فإن فرّط ضمن ، وإن لم يفرّط لم يضمن.

وإن لم يسلّم إليه الثياب ، لم يضمن ، سواء احتفظها أو غفل عنها ولم يراعها وكان مستيقظاً ، عند علمائنا ؛ لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ، ولم يأخذه على حفظ الثياب ، ولم يستودع شيئاً ، وصاحبها لم يودعه ثيابه ، وخَلْعُه في المسلخ والحمّامي جالس في مكانه مستيقظاً ليس استيداعاً.

وقد روى من طريق الخاصّة غياث بن إبراهيم عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي بصاحب حمّامٍ وُضعت عنده الثياب فضاعت ، فلم يُضمّنه ، وقال : إنّما هو أمين »(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا سُرقت الثياب والحمّامي جالس في مكانه مستيقظ ، فلا ضمان عليه ، فإن نام أو قام من مكانه ولا نائب هناك ضمن وإن لم يستحفظه المالك عليها ؛ قضاءً للعادة(٢) .

وهو خطأ ؛ لما تقدّم.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٩٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٣.

٢٢٦

لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ولم يأخذه على الثياب »(١) .

مسألة ٧٣ : لو ادّعى صاحب اليد أنّ المال وديعة عنده ، وادّعى المالك الإقراض(٢) ، قُدّم قول المالك مع اليمين‌ ؛ لأنّ المتشبّث يزيل بدعواه ما ثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير ، فكان القولُ قولَ المالك.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخَر : إنّما كانت عليك قرضاً ، قال : « المال لازم له ، إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهذا التنازع إنّما تظهر فائدته لو تلف المال ، أو كان غائباً لا يعرفان خبره ، أو لا يتمكّن من دفعه إلى مالكه ، ولو كان باقياً يتمكّن مَنْ هو في يده من تسليمه فلا فائدة فيه.

ولو انعكس الفرض ، فادّعى المالكُ الإيداعَ والقابضُ الإقراضَ ، قُدّم قول المالك ؛ لأنّ المال إن كان باقياً فالأصل استصحاب ملكيّة المالك ، وإن كان تالفاً فالأصل براءة ذمّة القابض ، وقد وافق المالك الأصل.

مسألة ٧٤ : ولا فرق بين الذهب والفضّة وبين غيرهما من الأموال في هذا الحكم‌ ، وهو عدم الضمان مع عدم التفريط ، وثبوته معه ، بخلاف العارية على ما سيأتي ؛ لأنّ الاستئمان لا يستعقب الضمان.

ولما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن وديعة الذهب والفضّة ، قال : فقال : « كلّ ما كان من وديعةٍ ولم تكن‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣١٤ / ٨٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « الاقتراض ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨.

٢٢٧

مضمونةً فلا تلزم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فالبضاعة أمانة في يد العامل ؛ لأصالة البراءة ، وحكمها في عدم الضمان مع عدم التفريط حكم الوديعة ؛ للأصل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

مسألة ٧٥ : إذا استودع مالاً واتّجر به بغير إذن صاحبه‌ ، فإن كانت التجارة بعين المال فالربح للمالك إن أجاز المعاوضات ، وإلّا بطلت بأسرها ، وإن كانت في الذمّة ونقد مال الوديعة عن دَيْنٍ عليه فالربح للعامل ، وعليه ردّ المال.

وقد روى أبو سيار مسمع عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ، ثمّ إنّه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه ، فقال لي : إنّ هذا مالك فخُذْه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتُها في مالك ، فهي لك مع مالك واجعلني في حلٍّ ، فأخذتُ منه المال وأبيتُ أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي كنت استودعته وأتيت أستطلع رأيك فما ترى؟ قال : فقال : « خُذْ نصف الربح ، وأعطه النصف ، وحلِّه ، إنّ هذا رجل تائب ، والله( يُحِبُّ التَّوّابِينَ ) »(٣) .

وهذه الرواية محمولة على الإرشاد على فعل الأولى بقرينة قوله : « فما ترى؟ » والإمامعليه‌السلام أرشده إلى المعتاد بين الناس من قسمة ربح التجارة نصفين.

مسألة ٧٦ : مَن استودع من اللّصّ مال السرقة ، لم يجز له ردّها عليه ،

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩٣.

٢٢٨

بل يردّها على مالكها إن عرفه بعينه ، فإن كان قد مات ردّها على ورثته ، ولو لم يعرف مالكها أبقاها في يده أمانةً إلى أن يظهر المالك ، فإن لم يمكن معرفته كان بمنزلة اللقطة يُعرّفها سنةً ، فإن تعذّر المالك تصدّق بها عنه ، وكان عليه ضمانها ، وإن شاء حفظها لمالكها ؛ لما رواه حفص بن غياث عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ من المسلمين أودعه رجلٌ من اللّصوص دراهم أو متاعاً واللّصّ مسلمٌ هل يردّ عليه؟ قال : « لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فَعَل ، وإلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيُعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلّا تصدّق بها ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له ، وكان الأجر له »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان الظالم قد مزج الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز ، لم يجز للمستودع حبسها ، ووجب عليه ردّ الجميع إليه.

ويحتمل عندي ردّ قدر ما يملكه اللّصّ ، واحتفاظ الباقي لمالكه. والقسمة هنا ضروريّة.

ولو خاف من الظالم لو منعها عنه ، جاز له ردّها عليه.

مسألة ٧٧ : يجب ردّ الوديعة إلى مالكها وإن كان كافراً‌ ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) .

وقد روى الفضيل عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة ، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر على أن لا يعطيه شيئاً ، والمستودع رجل خبيث خارجيّ شيطان ، فلم أدع شيئاً ، فقال : « قل له : يردّ عليه ، فإنّه ائتمنه عليه بأمانة الله » قلت : فرجل‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ - ١٨١ / ٧٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٠.

(٢) النساء : ٥٨.

٢٢٩

اشترى من امرأةٍ من بعض العبّاسيّين بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً : قد قبضت المال ، ولم تقبضه ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : « يمنعها أشدّ المنع ، فإنّما باعته ما لم تملكه »(١) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨١ / ٧٩٥.

٢٣٠

٢٣١

المقصد الثاني : في العارية‌

وفيه فصلان :

الأوّل : الماهيّة والأركان‌

فهنا بحثان :

الأوّل : الماهيّة.

العاريّة - بتشديد الياء - عقد شُرّع لإباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال على جهة التبرّع. وشُدّدت الياء كأنّها منسوبة إلى العار ؛ لأنّ طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح(١) .

وقال غيره : منسوبة إلى العارة ، وهي مصدر ، يقال : أعار يعير إعارةً وعارةً ، كما يقال : أجاب إجابةً وجابةً ، وأطاق إطاقةً وطاقةً(٢) .

وقيل : إنّها مأخوذة من « عار يعير » إذا جاء وذهب ، ومنه قيل للبطّال : العيّار ؛ لتردّده في بطالته ، فسُمّيت عاريةً ؛ لتحوّلها من يدٍ إلى يدٍ(٣) .

وقيل : إنّها مأخوذة من التعاور والاعتوار ، وهو أن يتداول القوم الشي‌ء بينهم(٤) .

وقال الخطّابي في غريبه : إنّ اللغة العالية : العاريّة ، وقد تُخفّف(٥) .

____________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٦١ « عور ».

(٢) كما في « الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي » المطبوع في مقدّمة « الحاوي الكبير » : ٣٠٠.

(٣) قاله الأزهري في الزاهر : ٣٠٠ ، وراجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والمغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨.

(٥) إصلاح الغلط - للخطّابي - : ٤٦ - ٤٧ / ٣٤ ، وحكاه عن غريبه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والنووي في روضة الطالبين ٤ : ٧٠.

٢٣٢

مسألة ٧٨ : العارية سائغة بالنصّ والإجماع.

أمّا النصّ : فالكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (١) والعارية من جملة البرّ.

وقال تعالى :( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (٢) قال أبو عبيدة(٣) : الماعون اسم لكلّ منفعةٍ وعطيّةٍ ، وأنشد فيه :

بأجود منه بماعونه

إذا ما سماؤهم لا تغم(٤)

وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنّهما قالا : الماعون العواريّ(٥) .

وفسَّر ذلك ابن مسعود فقال : ذلك القِدْر والدلو والميزان(٦) .

وروي عن عليٍّعليه‌السلام و [ ابن ](٧) عمر أنّهما قالا : الماعون : الزكاة(٨) .

وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن أبي أُمامة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في‌

____________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الماعون : ٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبو عبيد ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) مجاز القرآن ٢ : ٣١٣ ، والبيت للأعشى ، راجع ديوانه : ٨٩ / ٣٩.

(٥) جامع البيان ٣٠ : ٢٠٤ - ٢٠٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٦) المحلّى ٩ : ١٦٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) النكت والعيون ٦ : ٣٥٢ ، المحرّر الوجيز ١٦ : ٣٧١ ، معالم التنزيل ٥ : ٦٣٣ ، زاد المسير ٩ : ٢٤٦ ، جامع البيان ٣٠ : ٢٠٣ ، التفسير الكبير ٣٢ : ١١٥ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ٣ : ٥١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٢٠ : ٢١٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٤٧٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠.

٢٣٣

خطبته عام حجّة الوداع : « العارية مؤدّاة ، والمِنْحة مردودة ، والدَّيْن مقضيّ ، والزعيم غارم »(١) .

وعن أُميّة بن صفوان(٢) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعار منه يوم خيبر(٣) أدراعاً(٤) ، فقال : أغصباً يا محمّد؟ قال : « بل عارية مضمونة مؤدّاة »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة ، فاستعار منه سبعين درعاً بأطراقها(٦) ، قال : فقال : غصباً يا محمّد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة »(٧) .

وعن سلمة عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام قال : « جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة فسأله سلاحاً ثمانين درعاً ، فقال له صفوان : عارية مضمونة أو غصباً؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة ، فقال : نعم »(٨) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٣٣ / ٢١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٤١ / ١٦٦ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩١ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ١٨١ / ١٤٧٩٦ ، و ٩ : ٤٨ - ٤٩ / ١٦٣٠٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ١٥٩ - ١٦٠ / ٧٦١٥.

(٢) في المصادر زيادة : « عن أبيه ».

(٣) فيما عدا مسند أحمد من المصادر : « حنين » بدل « خيبر ».

(٤) في « ث ، خ ، ر » : « أدرعاً » وكذا في بعض المصادر.

(٥) البيان ٦ : ٤٥١ ، وفي مسند أحمد ٤ : ٤٠٠ / ١٤٨٧٨ ، وسنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦٢ ، وسنن البيهقي ٦ : ٨٩ ، والمستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ بدون كلمة « مؤدّاة ».

(٦) واحدتها : الطراق ، وهي البيضة التي توضع على الرأس. القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ « طرق ».

(٧) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٣.

(٨) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٨٠٢.

٢٣٤

وأمّا الإجماع : فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها ، ولأنّه لـمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ، ولذلك صحّت الوصيّة بالأعيان والمنافع جميعاً.

مسألة ٧٩ : العارية مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها‌ ؛ لأنّ اقتران المانع منها في الآية مع المرائي في صلاته(١) يدلّ على شدّة الحثّ عليها والتزهيد في منعها والترغيب في فعلها ، ولأنّها من البرّ وقد أمر الله تعالى بالمعاونة فيه(٢) .

وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم(٣) ؛ للأصل.

ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أدّيتَ زكاة مالك فقد قضيتَ ما عليك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة »(٥) .

وسأله الأعرابي فقال له : ما ذا افترض الله علَيَّ من الصدقة؟ قال : « الزكاة » قال : هل علَيَّ غيرها؟ قال : « لا ، إلّا أن تتطوّع »(٦) .

وقيل : إنّها واجبة ؛ للآية(٧) ، ولما رواه أبو هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ما من صاحب إبلٍ لا يؤدّي حقّها » الحديث ، قيل : يا رسول الله وما حقّها؟ قال : « إعارة دلوها ، وإطراق فحلها ، ومنحة لبنها يوم وردها »(٨)

____________________

(١) الماعون : ٦ و ٧.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٤ / ٦١٨.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٩.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٨ ، و ٣ : ٢٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤١ / ١١ ، سنن أبي داوُد ١ : ١٠٦ / ٣٩١ ، سنن النسائي ١ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٦١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

(٧) الماعون : ٧.

(٨) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

٢٣٥

فذمّ الله تعالى مانعَ العارية ، وتوعّده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما ذكره في خبره(١) .

والجواب : المراد زيادة الترغيب ، على أنّ قول عليٍّعليه‌السلام حجّة في تفسيره الماعونَ بالزكاة(٢) ، ولا ريب في وجوبها.

ولو حملناها على العارية ، فالتوعّد إنّما وقع على الثلاث ، قال عكرمة : إذا جمع ثلاثتها فله الويل : إذا سها عن الصلاة ، وراءى ، ومنع الماعون(٣) .

البحث الثاني : في الأركان.

وهي أربعة :

الأوّل : الـمُعير‌.

وله شرطان : ملكيّة المنفعة ، وأهليّة التصرّف التبرّعيّة ، فلا تصحّ إعارة الغاصب للعين ؛ لأنّه منهيّ عن التصرّف في الغصب ، والإعارة تصرّف.

ولا فرق بين أن يكون غاصباً للعين أو للمنفعة في أنّه يحرم عليه إعارتها ، ولا يباح للمُستعير التصرّف ، فإن علم وتصرّف كان مأثوماً ضامناً للعين والمنفعة بلا خلاف.

ولا يشترط ملكيّة العين في الـمُعير ، بل ملكيّة المنفعة ، فلو استأجر عيناً جاز له أن يعيرها لغيره ، إلّا أن يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه ، فيحرم عليه حينئذٍ الإعارة ، ولو لم يشرطه جاز ؛ لأنّه مالك للمنفعة ، ولهذا يجوز أخذ العوض عنها بعقد الإجارة.

____________________

(١) كما في المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٢) راجع الهامش (٨) من ص ٢٣٢.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، الوسيط - للواحدي - ٤ : ٥٥٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

٢٣٦

وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار يجوز لهما أن يعيراهما.

مسألة ٨٠ : وليس للمُستعير أن يعير‌ - وبه قال أحمد بن حنبل والشافعيّة في أصحّ الوجهين(١) - لأنّ الأصل عصمة مال الغير وصيانته عن التصرّف ، فلا يباح للمُستعير الثاني إلّا بدليلٍ ولم يثبت ، ولأنّه غير مالكٍ للمنفعة ، ولهذا لا يجوز له أن يؤجّر ، وإنّما أُبيح له الانتفاع ، والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره ، كالضيف الذي أُبيح له الطعام ليس له أن يُبيحه لغيره.

وقال أبو حنيفة : يجوز للمُستعير أن يعير - وهو الوجه الآخَر للشافعيّة - لأنّه تجوز إجارة المستأجر للعين ، فكذا يجوز للمُستعير أن يعير ؛ لأنّه تمليك على حسب ما مَلَك(٢) .

والفرق : إنّ المستأجر مَلَك بعقد الإجارة الانتفاعَ على كلّ وجهٍ ، فلهذا مَلَك أن يملكها ، وأمّا في العارية فإنّه مَلَك المنفعة على وجه ما أُذن له ، فلا يستوفيه بغيره ، فافترقا.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١٤ ، المغني ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، المغني ٥ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز للمُستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه وبوكيله ، ولا يكون ذلك إعارةً للوكيل إذا لم تعد المنفعة إليه.

مسألة ٨١ : وشرطنا في الـمُعير جواز التصرّف ، فلا بدّ وأن يكون بالغاً عاقلاً جائز التصرّف‌ ، فلا تصحّ عارية الصبي ؛ لأنّه ممنوع من التصرّفات التي من جملتها الإعارة ، ولا عارية المجنون ، ولا المحجور عليه للسفه أو الفلس ؛ لأنّ هؤلاء بأسرهم ممنوعون من التبرّعات ، والإعارة تبرّع.

وكذا ليس للمُحْرم إعارة الصيد ؛ لأنّه ممنوع من التصرّف فيه ، بل وليس مالكاً له عند الأكثر.

ولو أسلم عبد الكافر تحت يده ، وجب بيعه من المسلمين ، فيجوز للكافر إعارته للمسلم مدّة المساومة.

وكذا لو ورث أو مَلَك - إن قلنا بصحّة البيع - مصحفاً.

الركن الثاني : الـمُستعير.

وشرطه أن يكون معيّناً أهلاً للتبرّع عليه بعقدٍ يشتمل على إيجابٍ وقبولٍ ، فلو أعار أحد هذين ، أو أحد هؤلاء ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، وكلّ واحدٍ لا يتعيّن للإعارة ؛ لصلاحيّة الآخَر لها ، واستباحة منافع الغير لا تكون إلّا بوجهٍ شرعيّ ؛ لأنّ الأصل تحريم منافع الغير على غيره إلّا بإذنه ، ولم يثبت.

ولو عمّم الـمُستعير ، جاز ، سواء كان التعميم في عددٍ محصور ، كقوله : أعرتُ هذا الكتاب لهؤلاء العشرة ، أو في عددٍ غير محصورٍ ، كقوله : لكلّ الناس ، ولأيّ أحدٍ من أشخاص الناس ، أو : لمن دخل الدار.

وبالجملة ، الكلّيّ معيّن وإن لم يكن عامّاً ك‍ « أيّ رجل » و « أيّ داخل ». و « أحد الشخصين » مجهول.

٢٣٨

مسألة ٨٢ : شرطنا أن يكون أهلاً للتبرّع عليه‌ ؛ لأنّ من الأعيان ما لا يجوز لبعض الأشخاص الانتفاع بها ، فلا تجوز إعارتها لهم ، وذلك مثل الكافر يستعير عبداً مسلماً ، أو أمةً مسلمةً على إشكالٍ ينشأ : من جواز إعارتهم ، ومن السلطنة عليهم والتسلّط وإثبات السبيل ، وقد نفاه الله تعالى بقوله :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) بخلاف استئجاره الذي هو في مقابلة عوضٍ.

والأقرب : الكراهة.

وكذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم وغيره ؛ تكرمةً للكتاب العزيز ، وصيانةً عمّن لا يرى له حرمةً.

وأمّا استعارة أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث أهل بيته الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فإنّها مبنيّة على جواز شرائهم لها ، فإن منعناه منعنا من الإعارة ، وإلّا فلا.

مسألة ٨٣ : لا يحلّ للمُحْرم استعارة الصيد من الـمُحْرم ، ولا من الـمُحلّ ؛ لأنّه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله ، وضمن للمالك قيمته. ولو تلف في يده ضمنه أيضاً بالقيمة لصاحبه الـمُحلّ ، وبالجزاء لله تعالى ، بل يضمنه بمجرّد الإمساك وإن لم يشترط صاحبه الضمان عليه ، فلو دفعه إلى صاحبه برئ منه ، وضمن لله تعالى.

ولو استعار الـمُحْرم صيداً من مُحْرمٍ ، وجب على كلّ واحدٍ منهما الفداء لو تلف.

ولو كان الصيد في يد مُحْرمٍ فاستعاره الـمُحلّ ، فإن قلنا : الـمُحْرم يزول ملكه عن الصيد ، فلا قيمة له على الـمُحلّ ؛ لأنّه أعاره ما ليس ملكاً‌

____________________

(١) النساء : ١٤١.

٢٣٩

له ، وعلى الـمُحْرم الجزاء لو تلف في يد الـمُحلّ ؛ لتعدّيه بالإعارة ، فإنّه كان يجب عليه الإرسال.

وإن قلنا : لا يزول ، صحّت الإعارة ، وعلى الـمُحلّ القيمة لو تلف الصيد عنده.

ولو تلف الصيد عند الـمُحلّ الـمُستعير من الـمُحْرم ، لم يضمنه الـمُحلّ ؛ لزوال ملك الـمُحْرم عنه بالإحرام ، وعلى الـمُحْرم الضمان ؛ لأنّه تعدّى بالإعارة لما يجب إرساله.

مسألة ٨٤ : الـمُستعير هو المنتفع قوّةً أو فعلاً بالعين المستحقّة للغير بإذنٍ منه بغير عوضٍ.

وقال بعض الشافعيّة : الـمُستعير كلّ طالبٍ أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاقٍ(١) .

وزاد بعضهم ، فقال : من غير استحقاقٍ وتملّكٍ(٢) .

وقصد بهذه الزيادة الاحترازَ عن المستقرض ، وقصد بنفي الاستحقاق الاحترازَ عن المستأجر.

واعتُرض عليه بوجهين :

الأوّل : ينتقض بالمستام والغاصب.

الثاني : التعرّض لكونه طالباً غير جيّدٍ ؛ للاستغناء عنه ، إذ لا فرق بين أن يلتمس الـمُستعير العارية ، وبين أن يبتدئ الـمُعير بها ، ولا تجوز الزيادة في الحدود(٣) .

____________________

(١) الغزالي في الوجيز ١ : ٢٠٤ ، والوسيط ٣ : ٣٧١.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

في الكافي(١) : عنه، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام: إنّي سمعت ربيعة الرأي يقول: «إذا رأت الدّم من الحيضة الثّالثة، بانت منه. وإنّما القرء ما بين الحيضتين.» وزعم أنّه انما أخذ ذلك برأيه.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: كذب، لعمري! ما قال ذلك برأيه. ولكنّه أخذه عن عليّ ـ عليه السّلام.

قال: قلت له: وما قال فيها عليّ ـ عليه السّلام؟

قال: كان يقول: إذا رأت الدّم من الحيضة الثّالثة، فقد انقضت عدّتها. ولا سبيل له عليها. وإنّما القرء ما بين الحيضتين. وليس لها أن تتزوّج حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة.

عليّ بن إبراهيم(٢) [عن أبيه ،](٣) عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سمعت ربيعة الرّاي(٤) يقول: من رأيي(٥) أنّ الأقراء الّتي سمّى الله ـ عزّ وجلّ ـ في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين.

فقال: كذب لم يقله برأيه. ولكنّه إنّما بلغه عن عليّ ـ عليه السّلام.

فقلت له(٦) : أصلحك الله! أكان عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول ذلك؟

قال(٧) : نعم إنما القرء الطّهر. يقري فيه الدّم. فيجمعه. فإذا جاء المحيض دفعه(٨) .

عليّ بن إبراهيم(٩) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، جميعا، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: القرء ما بين(١٠) الحيضتين.

عليّ عن أبيه(١١) ، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: القرء ما بين(١٢) الحيضتين.

__________________

(١) نفس المصدر ٦ / ٨٨، ح ٩.

(٢) نفس المصدر ٦ / ٨٩، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: الرأي. (ظ)

(٥) النسخ: رأى. وما في المتن موافق المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: فقال.

(٨) المصدر: دفعة.

(٩) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(١٠) المصدر: هو ما بين.

(١١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(١٢) المصدر: هو ما بين.

٣٤١

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: الأقراء هي الأطهار.

سهل(٢) ، عن أحمد، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: عدّة الّتي لم تحض والمستحاضة الّتي لا تطهر، ثلاثة أشهر. وعدّة الّتي تحيض ويستقيم حيضها، ثلاثة قروء والقرء(٣) جمع الدّم بين الحيضتين.

وأمّا ما رواه في كتاب الخصال(٤) .

قال: حدّثنا أبي ـ رضى الله عنه ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: أمران أيّهما سبق(٥) إليها(٦) ، بانت به المطلّقة: المسترابة الّتي تستريب الحيض، إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض، ليس بها دم بانت بها. وإن مرّت بها ثلاث حيض، ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض.

وأمّا ما رواه في كتاب علل الشّرايع(٧) بإسناده إلى أبي خالد الهيثم: قال: سألت أبا الحسن الثاني(٨) ـ عليه السّلام: كيف صار عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام(٩) ؟

قال: أمّا عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، فلاستبراء الرّحم من الولد والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

فيمكن أن يحمل على التّقيّة. لأنّه موافق لمذهب أكثر العامّة.

( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ ) من الولد والحيض، استعجالا في العدّة، وإبطالا لحقّ الرّجعة. وفيه دليل على أنّ قولها مقبول في ذلك.

( إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) : ليس المراد منه تقييد نفي الحلّ بإيمانهم. بل تنبيه على أنّه ينافي الإيمان. وأنّ المؤمن لا يجترئ عليه. ولا ينبغي له أن يفعل.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٢) نفس المصدر ٦ / ٩٩، ح ٣. وفيه: سهل بن زياد.

(٣) المصدر: القروء.

(٤) الخصال ١ / ٤٧ ـ ٤٨، ح ٥١.

(٥) أور: أسبق.

(٦) ليس في ر.

(٧) علل الشرائع ٢ / ٥٠٧، ح ١.

(٨) أ: الثالث.

(٩) ليس في المصدر.

٣٤٢

وفي تفسير العيّاشي(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ ) ، يعني: لا يحلّ(٢) لها أن تكتم الحمل إذا طلّقت. وهي حبلى. والزّوج لا يعلم بالحمل. فلا يحلّ لها أن تكتم حملها. وهو أحقّ بها في ذلك الحمل، ما لم تصنع.

( وَبُعُولَتُهُنَ ) ، أي: أزواج المطلّقات جمع بعل. و «التّاء» لتأنيث الجمع، كالعمومة والخؤولة. او مصدر من قولك: بعل حسن البعولة نعت به. وأقيم مقام المضاف المحذوف، أي: وأهل بعولتهنّ.

( أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ ) إلى النّكاح والرّجعة إليهنّ. وأفعل بمعنى الفاعل.

( فِي ذلِكَ ) ، أي: في زمان التّربّص.

( إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً ) بالرّجعة، لا ضرر المرأة. والمراد فيه، التّحريض عليه، والمنع من قصد الإضرار لا شريطة قصد الإصلاح للرّجعة.

( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، أي: لهن حقوق على الرّجال، مثل حقوقهم عليهنّ في الوجوب واستحقاق المطالبة.

( وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) : زيادة في الحقّ وفضل.

( وَاللهُ عَزِيزٌ ) : يقدر على الانتقام، ممّن خالف الأحكام.

( حَكِيمٌ ) (٢٢٨): يشرعها لمصالح وحكم.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : وسأل إسحاق بن عمّار، أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن حقّ المرأة على زوجها.

قال: يشبع بطنها. ويكسو جثتها. وإن جهلت غفر لها.

وروى الحسن بن محبوب(٤) ، عن مالك بن عطيّة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقالت: يا رسول الله! ما حقّ الزّوج على المرأة؟

فقال لها: تطيعه. ولا تعصيه. ولا تتصدق(٥) من بيتها بشيء إلّا بإذنه. ولا تصوم

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١١٥، ح ٣٥٦.

(٢) ليس في ر.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٧٩، ح ١٣٢٧.

(٤) نفس المصدر ٣ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧، ح ١٣١٤.

(٥) المصدر: تصدّق.

٣٤٣

تطوعا الا باذنه. ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب. ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه.

فإن خرجت بغير إذنه، لعنتها ملائكة السّماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرّحمة، حتّى ترجع إلى بيتها.

فقالت: يا رسول الله! من أعظم النّاس حقّا على الرّجل؟

قال: والداه.

قالت: فمن أعظم النّاس حقّا على المرأة؟

قال: زوجها.

قالت: فما لي من الحقّ عليه بمثل(١) ما له عليّ؟

قال: لا. ولا من كلّ مائة واحدة.

فقالت: والّذي بعثك بالحقّ نبيّا! لا يملك رقبتي رجل(٢) أبدا.

( الطَّلاقُ ) ، أي: الطّلاق الّذي عهد سابقا وهو ما يجوز معه الرّجوع في مدّة التّربّص.

( مَرَّتانِ ) بأن طلّق أوّلا، ثمّ رجع، ثمّ طلّق ثانيا. فإن رجع،( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) : بحسن المعاشرة،( أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) بالطّلقة الثّالثة. ولا يجوز له الرّجوع، أصلا، حتّى تنكح زوجا غيره.

في عيون الأخبار(٣) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إنّما أذن في الطّلاق مرّتين. فقال ـ عزّ وجلّ:( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ، يعنى: في التّطليقة الثّالثة.

وفي الكافي(٤) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، ومحمّد بن جعفر أبو العبّاس الرّزّاز، عن أيّوب بن نوح، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: طلاق السّنّة يطلّقها تطليقة، يعني: على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين. ثمّ يدعها حتّى تمضي أقراؤها. فإذا مضت أقراؤها، فقد بانت منه. وهو خاطب من الخطّاب، إن شاء [ت] نكحته. وإن شاءت فلا. وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها ،

__________________

(١) المصدر: مثل.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: رجلا.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٥.

(٤) الكافي ٦ / ٦٤، ح ١.

٣٤٤

فتكون عنده على التّطليقة الماضية.

قال: وقال أبو بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: هو قول الله ـ عزّ وجلّ:( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) .

( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) من الصّداق والهبة.

في تهذيب الأحكام(١) : أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ولا يرجع الرّجل فيما يهب لامرأته. ولا المرأة فيما (تهب)(٢) لزوجها (حيز أو لم يحز). أليس الله تعالى يقول: ولا تأخذوا( مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) ؟ وقال:( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) ؟ وهذا يدخل في الصّداق والهبة.

وفي الكافي(٣) ، مثله سواء.

وهذا الحكم بعمومه، يشمل صور الطّلاق، أي: لا يحلّ لكم إذا طلّقتم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا. والخطاب للحكّام. لأنّهم الآمرون، أو للأزواج.

( إِلَّا أَنْ يَخافا ) ، أي: الزّوجان.

وقرئ: يظنّا.

( أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ ) : وقرأ حمزة ويعقوب، على البناء للمفعول وإبدال «أن» بصلته عن الضّمير بدل الاشتمال.

وقرئ: تخافا وتقيما (بتاء الخطاب.)( فَإِنْ خِفْتُمْ ) أيّها الحكّام،( أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) : على الرّجل في أخذ ما افتدت به نفسها. وعلى المرأة في إعطائه، حتّى يخالعها.

في مجمع البيان(٤) : «فيما افتدت به» قيل: إنّه يجوز الزّيادة على المهر. وقيل: المهر فقط. ورووه عن عليّ ـ عليه السّلام.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣، ذيل ح ٦٢٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: وهب.

(٣) الكافي ٧ / ٣٠، ذيل ح ٣.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣٢٩، بتفاوت.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١١٧، ح ٣٦٧.

٣٤٥

عن المختلعة، كيف يكون خلعها؟

فقال: لا يحلّ خلعها حتّى تقول: «والله! أبرّ لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولأواطئنّ فراشك، ولأدخلنّ عليك بغير إذنك.» فإذا قالت هي(١) ذلك، حلّ خلعها.

وحل له ما أخذ منها من مهرها وما زاد. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) . وإذا فعلت(٢) ذلك، فقد بانت منه بتطليقه. وهي أملك بنفسها، إن شاءت نكحته. وإلّا فلا. فإن نكحته فهي عنده بثنتين.

( تِلْكَ ) : إشارة إلى الأحكام الّتي حدّت.

( حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها ) بالمخالفة.

( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٢٢٩) :

عقب النّهى بالوعيد، مبالغة في التّهديد.

واعلم أنّ كلّ ما حدّ الله تعالى الإفراط فيه والتّفريط، كلاهما تعدّ. وكذلك كلّ ما يفعله أهل الوسوسة فما ليس له في الشّرع مآخذ ويسمّونه احتياطا وتقوى، تعدّ عن حدود الله. ومن يفعله ظالم. يدلّ على ذلك ما رواه العيّاشيّ في تفسيره(٣) ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله الله ـ تبارك وتعالى:( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

فقال: إنّ الله غضب على الزّاني. فجعل له جلد(٤) مائة. فمن غضب عليه فزاد. فأنا إلى الله منه بريء. فذلك قوله:( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها ) .

( فَإِنْ طَلَّقَها ) :

متعلّق بقوله:( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) . تفسير لقوله:( أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) . اعترض بينهما ذكر الخلع، دلالة على أنّ الطّلاق يقع مجّانا تارة، وبعوض أخرى.

والمعنى: فإن طلّقها بعد الثّنتين.

( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ) ذلك الطّلاق،( حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) : حتّى تزوّج غيره بالعقد الدّائم، ويدخل بها. والنّكاح يسند إلى كلّ منهما.

__________________

(١) المصدر: فإذا هي قالت.

(٢) المصدر: فعل. (ظ)

(٣) تفسير العياشي ١ / ١١٧، ح ٣٦٨.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: جلدة.

٣٤٦

في عيون الأخبار(١) : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقاني ـ ره ـ قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمدانيّ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن العلّة الّتي من أجلها لا تحلّ المطلّقة للعدّة لزوجها حتّى تنكح زوجا غيره.

فقال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إنّما أذن في الطّلاق مرّتين. فقال ـ عزّ وجلّ:( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ، يعني: في التّطليقة الثّالثة. ولدخوله فيما كره الله ـ عزّ وجلّ ـ [من الطّلاق الثّالث ،](٢) حرّمها عليه. فلا تحلّ من بعد حتّى تنكح زوجا غيره، لئلا يوقع النّاس الاستخفاف بالطلاق [ولا يضارّوا النّساء].(٣)

وفي الكافي(٤) : سهل (بن زياد)، عن احمد بن محمّد، عن مثنّى، عن أبي حاتم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يطلّق امرأته الطّلاق الّذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره، ثمّ تزوّج رجلا(٥) ، ولم يدخل بها.

قال: لا. حتّى يذوق عسيلتها.

وفي عيون الأخبار(٦) ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل وعلّة الطّلاق ثلاث، لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث، لرغبة تحدث، أو سكون غضبه إن كان. وليكون ذلك تخويفا وتأديبا للنّساء وزجرا لهنّ عن معصية أزواجهنّ.

وفي الكافي(٧) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة، ثمّ تركها حتّى انقضت عدّتها، ثمّ تزوّجها رجل غيره، ثمّ إنّ الرّجل مات أو طلّقها، فراجعها الأوّل.

قال: هي عنده على تطليقتين تامتين(٨) .

محمّد بن يحيى(٩) ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن مهزيار قال: كتب عبد الله بن محمّد

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٣، ح ٢٧.

(٢ و ٣) ليس في أ.

(٤) الكافي ٥ / ٤٢٥، ح ٤.

(٥) المصدر: رجل آخر.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٣، ح ١.

(٧) الكافي ٥ / ٤٢٦، ح ٥.

(٨) المصدر: باقيتين.

(٩) نفس المصدر ٥ / ٤٢٦، ح ٦.

٣٤٧

إلى أبي الحسن ـ عليه السّلام: روى بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في الرّجل يطلّق امرأته على الكتاب والسّنّة، فتبين منه (واحدة)(١) ، فتزوج زوجا غيره، فيموت عنها، أو يطلّقها فترجع الى زوجها الأوّل، أنّها تكون عنده على تطليقتين (تامّتين(٢) .

وواحدة قد مضت.

فوقّع ـ عليه السّلام ـ بخطّه: صدقوا.

وروى بعضهم أنّها تكون عنده على ثلاث مستقبلات. وأنّ تلك الّتي طلّقت(٣) ليس بشيء. لأنها قد تزوّجت زوجا غيره.

فوقّع ـ عليه السّلام ـ بخطّه: لا.

سهل(٤) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن المثنى، عن (إسحاق) بن عمار قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل طلّق امرأته(٥) لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره، فتزوّجها عبد، ثمّ طلّقها، هل يهدم الطّلاق؟

قال: نعم، لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه:( حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) . وقال: هو أحد الأزواج.

( فَإِنْ طَلَّقَها ) الزّوج الثّاني،( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) ، أي: يرجع كلّ منهما إلى الآخر بالزّواج،( إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ) ، أي: ما حدّده الله.

( وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (٢٣٠): يفهمون.

في تفسير العيّاشيّ(٦) . عن الحسن بن زياد قال: سألته عن رجل طلق امرأته.

فتزوّجت بالمتعة. أتحلّ لزوجها الأوّل؟

[قال: لا].(٧) لا تحلّ له حتّى تدخل(٨) في مثل الّذي خرجت من عنده. وذلك قوله:( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ) .

__________________

(١) المصدر: بواحدة. (ظ)

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: طلقها.

(٤) نفس المصدر ٥ / ٤٢٥، ح ٣. وفيه: سهل بن زياد.

(٥) المصدر: امرأته طلاقا.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١١٨، ح ٣٧١.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: يدخل.

٣٤٨

والمتعة ليس فيها طلاق.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن الحسن الصّيقل قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل طلّق امرأته طلاقا، لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره؟ و (تزوّجها(٢) ) رجل متعة. أيحل له أن ينكحها؟

قال: لا حتّى تدخل في مثل ما خرجت منه.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: سألته عن رجل طلّق امرأته (ثلاثا). ثمّ تمتع فيها رجل آخر. هل تحلّ للأوّل؟

قال: لا.

( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ ) :

«الأجل» يطلق للمدّة ولمنتهاها.

و «البلوغ» هو الوصول إلى الشيء. وقد يقال للدنوّ منه على الاتّساع. فإن حمل الأجل على المعنى الأوّل، فالبلوغ على أصله. وإن حمل على الثّاني، فالبلوغ على الاتّساع، ليترتّب عليه.

( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) :

وهو إعادة الحكم في بعض صوره، للاهتمام به.

( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً ) : نصب على العلّة، أو الحال، أي: لا تراجعوهنّ إرادة الإضرار، أو مضارّين. كان المطلّق يترك المعتدّة، حتّى يشارف الأجل، ثمّ يراجع ليطوّل العدّة عليها. فنهى عنه بعد الأمر بضدّه، مبالغة.

( لِتَعْتَدُوا ) : لتظلموهنّ بالتّطويل والإلجاء إلى الافتداء.

و «اللّام» متعلّقة بالضّرار، إذ المراد تقييده.

في من لا يحضره الفقيه(٤) روى المفضل بن صالح، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا ) .

__________________

(١) الكافي ٥ / ٤٢٥، ح ٢.

(٢) المصدر: يزوّجها.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٢٣، ح ١٥٦٧.

٣٤٩

قال: الرّجل يطلّق حتّى إذا كادت(١) أن يخلو أجلها راجعها(٢) ، ثمّ طلّقها، يفعل ذلك ثلاث مرّات. فنهى الله ـ عزّ وجلّ ـ عن ذلك.

وروى البزنطيّ(٣) ، عن عبد الكريم بن (عمرو)، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا ينبغي للرّجل أن يطلّق امرأته، ثمّ يراجعها، وليس له فيها حاجة. ثمّ يطلّقها. فهذا الضّرار الّذي نهى الله عنه. إلّا أن يطلّق ثمّ (يراجعها(٤) . وهو ينوي الإمساك.

( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) بتعريضها للعقاب.

( وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ) بالإعراض عنها، والتّهاون في العمل بما فيها.

وفي نهج البلاغة:(٥) قال ـ عليه السّلام: من قرأ القرآن، فمات، فدخل النّار، فهو ممن كان يتّخذ آيات الله هزوا.

( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) الّتي من جملتها نبوّة محمّد وولاية عليّ والأئمّة من بعده، بالشّكر والقيام بحقوقها.

( وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ ) : القرآن والسّنّة. أفردهما بالذّكر، إظهارا لشرفهما.

( يَعِظُكُمْ بِهِ ) : بما أنزل عليكم.

( وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢٣١): تأكيد وتهديد.

( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ ) : انقضت عدّتهنّ،( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ ) : «العضل»: الحبس والتّضييق.

( إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ ) :

ظرف لأن ينكحن، أو لا تعضلوهنّ.

( بِالْمَعْرُوفِ ) : بما يعرفه الشّرع. حال من الضّمير المرفوع، أو صفة مصدر محذوف ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: كانت.

(٢) يوجد في أبعد هذه الكلمة: وليس له فيها حاجة ثمّ يطلّقها فهذا الضرار لاملا.

(٣) نفس المصدر ٣ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤، ح ١٥٦٨.

(٤) المصدر: يراجع.

(٥) نهج البلاغة / ٥٠٨، مقطع من حكمة ٢٢٨.

٣٥٠

أي: تراضيا كائنا بالمعروف.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى ما مضى ذكره. والخطاب للجمع، على تأويل القبيل، أو كلّ واحد، أو للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله.

( يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) . لأنّه المنتفع به.

( ذلِكُمْ ) ، أي: العمل بمقتضى ما ذكر،( أَزْكى لَكُمْ ) : أنفع،( وَأَطْهَرُ ) من دنس الآثام.

( وَاللهُ يَعْلَمُ ) : ما فيه من النّفع،( وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢٣٢) ما فيه، أو لستم من أهل العلم.

( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ ) :

قال البيضاويّ(١) : أمر عبّر عنه بالخير، للمبالغة. ومعناه النّدب، أو الوجوب.

فيختصّ بما إذا لم يرتضع الصّبيّ إلّا من أمّه، أو لم يوجد له ظئر، أو عجز الوالد عن الاستئجار.

و «الوالدات» (تعمّ) المطلّقات وغيرهنّ.

[والوجه أنّه خبر معنى، أيضا، والوالدات المطلقات. والمقصود بيان أنّ الوالدات أحقّ برضاع الأولاد، من غيرهنّ].(٢) وليس للوالد أن يأخذهم منهم ويجعل غيرهنّ مرضعة، إذا تبرّعن، أو رضين بما رضى به غيرهنّ.

( حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) :

أكّده بصفة الكمال. لأنّه ممّا يتسامح فيه.

( لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ) : بيان للمتوجّه إليه الحكم، أي: ذلك لمن أراد إتمام الرّضاعة، أو متعلّق بيرضعن. فإنّ الأب يجب عليه الإرضاع والأمّ ترضع. وفيه دلالة على أنّ مدّة الإرضاع حولان ولا عبرة(٣) بعدهما. وأنّه يجوز أن ينقص عنه.

( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ) ، أي: الوالد. فإنّ الولد يولد له.

وتغيير العبارة للإشارة إلى المعنى المقتضى للإرضاع ومؤن المرضعة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٢٣.

(٢) ليس في أ.

(٣) أ: لا عبرة به.

٣٥١

( رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ ) : أجرة لهنّ.

( بِالْمَعْرُوفِ ) : حسب ما يراه أهل الشّرع.

( لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها ) : تعليل لإيجاب المؤن.

( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) ، أي: لا يضارّ كلّ واحد منهما الآخر، بسبب الولد، بأن يكلّفه ما ليس في وسعه، أو يترك مجامعته بسبب الولد.

في الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، والحسين بن سعيد، جميعا، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) .

فقال: كانت المراضع ممّا يدفع إحداهن الرّجل، إذا أراد الجماع. تقول(٢) : «لا أدعك. إنّي أخاف أن أحبل، فأقتل ولدي.» هذا الّذي أرضعه. وكان الرّجل تدعوه(٣) المرأة. فيقول: «أخاف أن أجامعك، فأقتل ولدي.» فيدعها. فلا(٤) يجامعها. فنهى الله ـ عزّ وجلّ ـ عن ذلك، بأن يضارّ الرّجل المرأة والمرأة الرّجل.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ نحوه.

وفي مجمع البيان(٦) :( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) قيل: معناه لا تضار والدة الزّوج بولدها. ولو قيل «في ولدها» لجاز في المعنى.

وروى عن السّيّدين الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام: لا تضارّ والدة بأن يترك جماعها خوف الحمل، لأجل ولدها المرتضع. ولا مولود له بولده، أي لا تمنع نفسها من الأب، خوف الحمل. فيضرّ ذلك بالأب.

وفي الكافي(٧) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

__________________

(١) الكافي ٦ / ٤١، ح ٦.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: يقول.

(٣) كذا في المصدر وأ. في الأصل ور: يدعوه.

(٤) المصدر وأ: ولا.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣٣٥.

(٧) الكافي ٦ / ١٠٣، ح ٢.

٣٥٢

إذا طلّق الرّجل المرأة وهي حبلى، أنفق عليها حتّى تضع حملها. وإذا(١) وضعته أعطاها أجرها. ولا يضارّها إلّا أن يجد من هو أرخص أجرا منها. فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه.

عليّ، عن أبيه(٢) ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الحبلى المطلقة ينفق عليها، حتّى تضع حملها. وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) .

قال: كانت المرأة منّا ترفع(٣) يدها إلى زوجها إذا أراد مجامعتها، فتقول(٤) : «لا أدعك. إنّي أخاف أن أحمل على ولدي»، أو يقول الرّجل: «لا أجامعك. أنّي أخاف أن تعلقي، فأقتل ولدي.» فنهى الله ـ عزّ وجلّ ـ أن تضارّ المرأة الرجل،(٥) أو يضارّ الرّجل المرأة وأمّا قوله:( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) . فإنّه نهى أن يضارّ بالصّبيّ، أو (تضار(٦) ) أمّه في رضاعه. وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين. وإن أرادا فصالا عن تراض منهما قبل ذلك كان حسنا. والفصال هو الفطام.

( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) :

عطف على قوله:( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) . وما بينهما معترض. والمراد بالوارث الباقي من أبويه.

قال في مجمع البيان(٧) : وهو الصّحيح عندنا. وقد روى، أيضا، في أخبارنا على الوارث كائنا من كان النّفقة.

وهذا يوافق الظّاهر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : قوله:( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) قال: لا تضارّ المرأة الّتي لها ولد وقد توفّى زوجها. فلا يحلّ للوارث أن يضارّ أمّ الولد في النّفقة. فيضيّق عليها.

وفي تفسير العيّاشيّ(٩) : عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما

__________________

(١) المصدر: فإذا. (ظ)

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: «يرتفع» أو «ترتفع».

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: فيقول.

(٥) المصدر: وأن.

(٦) المصدر: يضارّ.

(٧) مجمع البيان ١ / ٣٣٥.

(٨) تفسير القمي ١ / ٧٧.

(٩) تفسير العياشي ١ / ١٢١، ح ٣٨٣.

٣٥٣

ـ عليهما السّلام ـ قال: سألته عن قوله:( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) .

قال: هو في النّفقة على الوارث، مثل ما على الوالد.

وقيل(١) : المراد بالوارث، وارث الأب. وهو الصّبيّ، أي: مؤن المرضعة من ماله إذا مات الأب.

والأحسن أن يقال: المراد بالوارث، الباقي من أبويه. وعليه مثل ذلك، أي: عدم المضارّة بأنّه إن كان للمولود له مال عنده، لا يقتّر عليه ولا يمنع الولد من أن يأتي أمّه(٢) . وإن لم يكن له مال وكان ممّن يجب نفقته عليه، أنفق عليه، وغير ذلك.

والأخبار الّتي استدلّ بها الشّيخ الطّبرسيّ، كلّها تحمل على ذلك. يدلّ على هذا الحمل

، ما رواه أبو الصّباح(٣) : قال: سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) .

قال: ليس(٤) للوارث أن يضارّ المرأة. فيقول: لا. أدع ولدها يأتيها، ويضارّ ولدها إن كان لهم عنده شيء. ولا ينبغي أن يقترّ عليهم.

وفي من لا يحضره الفقيه(٥) : وقضى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في رجل توفّي، وترك صبيّا، واسترضع له، أنّ أجر رضاع الصّبيّ ممّا يرث من أبيه وأمّه.

( فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ ) ، أي: فصالا صادرا عن التّراضي منهما والتّشاور قبل الحولين.

والتّشاور والمشاورة والمشورة والمشورة، استخراج الرّأي من شرت العسل إذا استخرجته.

( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ) في ذلك واعتبار التّراضي، لمصلحة الطّفل.

( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ ) ، أي: تسترضعوا المراضع أولادكم، من استرضعتها إياه. فحذف المفعول الأوّل، للقرينة.

( فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) : فيه وفي نفي الجناح، إشعار بأنّ لبن أمّه أولى.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٢٣.

(٢) النسخ: أمّها.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٢١، ح ٣٨٤.

(٤) المصدر: لا.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٠٩، ح ١٤٨٧.

٣٥٤

وفي كتاب عيون الأخبار(١) ، بإسناده، قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ليس للصّبيّ لبن خير من لبن امه.

( إِذا سَلَّمْتُمْ ) إلى المراضع.

( ما آتَيْتُمْ ) ، أي: أردتم إيتاءه، كقوله تعالى(٢) :( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) .

وقرء ابن كثير: «ما أتيتم» من أتى عليه إليه إحسانا إذا فعله.

وقرئ: أوتيتم، أي: ما أتاكم الله.

( بِالْمَعْرُوفِ ) : صلة «سلّمتهم»، أي: بالوجه المتعارف المستحسن شرعا.

وجواب الشّرط محذوف. دلّ عليه ما قبله، أي: فلا جناح عليه، أو الشّرط في موضع الحال. فلا يحتاج إلى الجواب.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) :

مبالغة في أمر الأطفال والمراضع. ومن جملة التّقوى في أمر الأطفال، اختيار المراضع الخيار لاولادكم. فإنّ اللّبن يعدى.

وفي كتاب عيون الأخبار(٣) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء. فإنّ اللّبن يعدى.

وفي كتاب الخصال(٤) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: وتوقّوا أولادكم من لبن البغيّ من النّساء والمجنون. فإنّ اللّبن يعدى.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٢٣٣) :

حثّ وتهديد وفي إيراد البصير، مكان العليم، زيادة مبالغة.

( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) ، أي: أزواج الّذين، أو يتربّصن بعدهم الأزواج المتروكة.

وقرئ: يتوفّون (بفتح الياء)، أي: يستوفون آجالهم.

وتأنيث العشر، باعتبار اللّيالي لأنّها غرر الشّهور والأيّام.

قيل(٥) : ولعلّ المقتضى لهذا التّقدير، أنّ الجنين في غالب الأمر يتحرّك لثلاثة أشهر إن

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٣٤، ح ٦٩.

(٢) المائدة / ٦.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ٣٤، ح ٦٧.

(٤) الخصال ٢ / ٦١٥، ح ١٠.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٢٤.

٣٥٥

كان ذكرا، ولأربعة، إن كان أنثى. فاعتبر أقصى الأجلين، وزيد عليه العشر، استظهارا إذ ربّما تضعف حركته في المبادي فلا يحسن بها.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا نزلت هذه الآية:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) جئن النّساء اتجاه(٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وقلن: لا نصير.

فقال لهنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: كانت إحداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة. فألقتها خلفها في دويرها في خدرها. ثمّ قعدت. فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول، أخذتها، ففتّتها، ثمّ اكتحلت منها، ثمّ تزوّجت. فوضع الله عنكنّ ثمانية أشهر.

وفي الكافي(٣) : حميد عن [ابن](٤) سماعة، عن محمّد بن أبي حمزة، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: جاءت امرأة إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ تستفتيه في المبيت في غير بيتها. وقد مات زوجها.

فقال: إنّ أهل الجاهليّة كان إذا مات زوج المرأة، أحدّت عليه امرأته اثني عشر شهرا.

فلمّا بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ رحم ضعفهنّ. فجعل عدّتهنّ أربعة أشهر وعشرا.

وأنتنّ لا تصبرن(٥) .

وعموم اللّفظ يقتضي تساوى الحرّة والأمة، زوجة كانت أو ملك يمين، والمسلمة والكتابيّة، والدّائمة والمتعة، والحائل والحامل، إن وضع الحمل قبل تلك المدة.

وفي تهذيب الأحكام(٦) : (احمد بن محمّد بن عيسى(٧) )، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام: ما عدّة المتعة إذا مات عنها الّذي (يتمتّع)(٨) بها؟

قال: أربعة أشهر وعشرا.

(قال): ثمّ قال: يا زرارة! كلّ النّكاح إذا مات الزّوج فعلى المرأة حرّة كانت، أو أمة، أو على أي وجه كان النّكاح منه، متعة، أو تزويجا، أو ملك يمين، فالعدّة أربعة أشهر وعشرا.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٢١، ح ٣٨٦.

(٢) المصدر: يخاصمن. (ظ)

(٣) الكافي ٦ / ١١٧، ح ١٠.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) المصدر: لا تصبرن على هذا. (٦) تهذيب الأحكام ٨ / ١٥٧، ح ٥٤٥، وله تتمة.

(٧) المصدر: محمد بن أحمد بن يحيى. (٨) المصدر: تمتع.

٣٥٦

( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ ) : انقضت عدّتهنّ.

( فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) : أيّها الائمة والمسلمون!( فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ ) من التّعرّض للخطّاب(١) وسائر ما حرّم عليهنّ للعدّة،( بِالْمَعْرُوفِ ) : بالوجه الّذي يعرفه الشّرع. وإن فعلن ما ينكره الشّرع. فعليهم أن يكفوهنّ.

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) . (٢٣٤) فيجازيكم عليه إن خيرا فخير. وإن شرّا فشرّ.

( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ ) :

التّعريض إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجاز، كقول السّائل: جئتك لأسلّم عليك.

و «الخطبة» بالكسر والضّم، اسم. غير أنّ المضمومة خصّت بالموعظة، والمكسورة بطلب المرأة.

والمراد «بالنّساء»: المعتدّات للوفاة.

وتعريض خطبتها، أن يقول لها: إنّك جميلة، أو نافقة، أو لا تحدثي حدثا، أو نحو ذلك.

( أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ) ، أي: أضمرتم في أنفسكم. ولم تذكروه تصريحا وتعريضا.

( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ ) : ولا تصبرون على السّكوت.

( وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ) :

استدراك عن محذوف، أي: فاذكروهنّ. ولكن لا تواعدوهنّ سرّا، أي: نكاحا، أو جماعا. عبّر بالسّر، عن الوطء. لأنّه يسرّ. ثمّ عن العقد. لأنّه سبب فيه.

وقيل(٢) : معناه لا تواعدوهنّ في السّرّ بما يستهجن.

( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) : وهو التّعريض بالخطبة. والمستثنى منه محذوف، أي: لا تواعدوهنّ مواعدة إلّا مواعدة معروفة، بقول معروف.

وقيل(٣) : إنّه استثناء منقطع من «سرّا». وفيه أنه يؤدى إلى قولك: «لا تواعدوهنّ إلّا التّعريض.» وهو غير موعود. وفي الآية دلالة على حرمة تصريح خطبة المعتدّة، وجواز تعريضها، إن كانت معتدّة وفاة.

__________________

(١) ر: في الخطّاب.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٢٥.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

٣٥٧

( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ) :

قيل(١) : ذكر العزم، مبالغة في النّهي عن العقد.

وقيل: معناه: لا تقطعوا عقدة النّكاح. فإنّ أصل العزم القطع.

ويحتمل أن يكون المراد: لا تقصدوا عقد النّكاح قبل انقضاء العدّة. فإنّ قصد الحرام، حرام. ويكون قوله:( حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) : متعلّقا بالنّكاح، لا بالعزم، يعنى: حتّى ينتهي ما كتب من العدّة.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) من العزم على ما لا يجوز وما يجوز.

( فَاحْذَرُوهُ ) ولا تعزموا على ما لا يجوز.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ ) لمن تاب،( حَلِيمٌ ) (٢٣٥): لا يعاجلكم بالعقوبة، لعلكم تتوبون.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) .

قال: هو الرّجل يقول للمرأة، قبل أن تنقضي عدّتها: «أواعدك بيت آل فلان» ليعرّض لها بالخطبة. ويعنى. بقوله( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) ، التعريض بالخطبة عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب اجله.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي(٤) نصر، عن عبد الله بن سنان قال: سالت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) .

فقال: السّرّ أن يقول الرّجل: «موعدك بيت آل فلان.» ثمّ يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسه(٥) إذا انقضت عدّتها.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) الكافي ٥ / ٤٣٤، ح ١.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٤) المصدر: «أحمد بن محمد.» وهو أحمد بن محمد بن أبي نصر. (معجم الرجال ٢ / ٣٦)

(٥) المصدر: بنفسها. (ظ)

٣٥٨

قلت: (قوله)(١) :( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) .

قال: هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النّكاح، حتّى يبلغ الكتاب اجله.

محمّد بن يحيى(٢) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ) .

فقال: يقول الرّجل: «أو أعدك بيت آل فلان.» يعرّض لها بالرّفث. ويرفث.

يقول الله ـ عزّ وجلّ:( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) . والقول المعروف، التّعريض بالخطبة(٣) ، وحلّها.( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) .

حميد بن زياد(٤) ، عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان، عن عبد الرّحمن(٥) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) قال: يلقاها، فيقول: «إنّي فيك لراغب. وإنّي للنّساء لمكرم. فلا تسبقيني بنفسك.» و «السّرّ»: لا يخلو معها حيث وجدها(٦) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَ (لكِنْ) لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) . قال: المراة في عدتها تقول لها قولا جميلا، ترغّبها في نفسك. ولا تقول: «إنّى أصنع كذا. وأصنع القبيح من الأمر في البضع. وكلّ أمر قبيح.»

عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) قال: يقول الرّجل للمرأة، وهي في عدّتها: «يا هذه ما أحبّ(٨) إلّا ما أسرّك(٩) . ولو قد مضى عدّتك لا تفوتني إن شاء الله. فلا تسبقيني بنفسك.» وهذا كلّه من غير أن يعزموا عقدة(١٠) النّكاح.

( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) : لا تبعة من مهر ووزر ،

__________________

(١) المصدر: فقوله.

(٢) نفس المصدر ٥ / ٤٣٥، ح ٣.

(٣) المصدر: بالخطبة على وجها.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٥) المصدر: عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٦) المصدر: وعدها.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٢٣، ح ٣٩٤.

(٨) أ: أجب.

(٩) أ: أمرك.

(١٠) ر: من عقدة.

٣٥٩

( إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ ) ، أى: تجامعوهنّ،( أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، أى: قبل تحقّق أحد الأمرين: المجامعة(١) ، وتعيين الفريضة، أي: المهر. وهي فعيلة بمعنى المفعول.

و «الفرض»: التّقدير. نصب على المفعول. فإنّه على تقدير تحقّق الأوّل، إمّا يجب المسمّى، أو مهر المثل. وعلى تقدير تحقق الثّاني، يجب المسمّى، أو نصفه. فعدم شيء، إنّما هو على تقدير عدم تحقّق أحدهما.

( وَمَتِّعُوهُنَ ) : عطف على مقدّر، أي: فطلّقوهنّ. ومتّعوهنّ.

والحكمة في إيجاب المتعة جبرا، إيحاش الطّلاق.

( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) ، أى: على كلّ من الّذي له سعة.

و «المقتر»: الضيّق الحال ما يطيقه ويليق به.

[في تفسير العيّاشيّ:(٢) ](٣) عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله:( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) ، وما قدر الموسع والمقتر؟

قال: كان عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ يمتّع براحلته، يعني: حملها الّذي عليها.

[عن محمّد بن مسلم(٤) قال: سألته عن الرّجل يريد أن يطلّق امرأته.

قال: يمتّعها قبل أن يطلّقها. قال الله في كتابه:( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) .

وفي الكافي(٥) : أحمد بن محمّد بن عليّ(٦) ، عن](٧) محمّد بن سنان، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) قال: «القوام» هو المعروف: على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره على قدر عياله، ومؤنتهم الّتي هي صلاح له ولهم. و( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ) (٨)

وفي من لا يحضره الفقيه(٩) : روى محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن

__________________

(١) ر: الجامعة.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٢٤، ح ٤٠٠.

(٣) ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤٠١.

(٥) الكافي ٤ / ٥٦، ح ٨، مقطع منه.

(٦) المصدر: أحمد بن محمد عن محمد بن على.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) الطلاق / ٧. (٩) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٢٦، ح ١٥٧٩.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493