تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152680
تحميل: 2979


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152680 / تحميل: 2979
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والمساكين والضّعفاء؟

فصام إرميا سبعا. ثمّ أكل أكلة. فلم يوح إليه شيء. ثمّ صام(١) سبعا. فأوحى الله إليه: يا إرميا! لتكفّنّ عن هذا أو لأردّنّ وجهك إلى(٢) قفاك.

قال: ثمّ أوحى الله إليه: قل لهم: لأنّكم رأيتم المنكر، فلم تنكروه.

فقال إرميا: ربّ! أعلمني من هو حتّى آتيه. وأخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا.

فقال: ائت موضع كذا وكذا. فانظر إلى غلام أشدّهم زمنا(٣) ، وأخبثهم ولادة، وأضعفهم جسما، وأشرّهم غذاء. فهو ذاك.

فأتى إرميا ذلك البلد. فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى على مزبلة وسط الخان.

وإذا له أمّ تزبي بالكسر. وتفتّ الكسر بالقصعة. وتحلب عليه لبن(٤) خنزيرة لها. ثمّ تدنيه من ذلك الغلام. فيأكله.

فقال إرميا: إن كان في الدّنيا الّذي وصفه(٥) الله، فهو هذا.

فدنا منه. فقال له: ما اسمك؟

فقال: بخت نصر.

فعرف أنّه هو. فعالجه حتّى برئ. ثمّ قال له: أتعرفني؟

قال: لا. أنت رجل صالح.

قال: أنا إرميا، نبيّ بني إسرائيل. أخبرني الله أنّه سيسلّطك على بني إسرائيل.

فتقتل رجالهم. وتفعل بهم كذا وكذا.

فتاه الغلام في نفسه في ذلك الوقت.

ثمّ قال إرميا: اكتب لي كتابا بأمان منك.

فكتب له كتابا. وكان يخرج إلى(٦) الجبل. ويحتطب. ويدخل المدينة. ويبيعه.

فدعا إلى حرب بني إسرائيل(٧) . وكان مسكنهم في بيت المقدس. فأجابوه(٨) . وأقبل بخت نصر

__________________

(١) يوجد في المصدر بعد هذه الفقرة: وأكل أكلة ولم يوح إليه. ثم صام سبعا.

(٢) المصدر: في.

(٣) المصدر: زمانا.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) وضعه.

(٦) المصدر: في.

(٧) المصدر: إلى حرب بني إسرائيل وأجابوه.

(٨) ليس في المصدر.

٤٢١

فيمن أجابه(١) نحو بيت المقدس، وقد اجتمع إليه بشر كثير. فلمّا بلغ إرميا إقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له، ومعه الأمان الّذي كتبه له بخت نصر. فلم يصل إليه إرميا من كثرة جنوده وأصحابه. فصير الأمان على خشبة(٢) . ورفعها.

فقال: من أنت؟

فقال: أنا إرميا النّبيّ الّذي بشّرتك بأنّك سيسلّطك الله على بني إسرائيل. وهذا أمانك لي.

قال: أمّا أنت فقد آمنتك. وأمّا أهل بيتك فإنّي أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس.

فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس، فلا أمان لهم عندي. وإن لم تصل، فهم آمنون.

وانتزع قوسه. ورمى نحو بيت المقدس. فحملت الرّيح النّشابة حتّى علقتها في بيت المقدس.

فقال: لا أمان لهم عندي.

فلمّا وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة، وإذا دم يغلي وسطه. كلّما ألقي عليه التّراب خرج وهو يغلي.

فقال: ما هذا؟

فقالوا: هذا دم نبيّ كان لله. فقتله ملوك بني إسرائيل. ودمه يغلي. كلّما ألقينا عليه التّراب، خرج يغلي.

فقال بخت نصر: لأقتلنّ بني إسرائيل أبدا حتّى يسكن هذا الدّم.

وكان ذلك الدّم، دم يحيى بن زكريا ـ عليهما السّلام. وكان في زمانه ملك جبّار يزني بنساء بني إسرائيل. وكان يمرّ بيحيى بن زكريا، فقال له يحيى: اتّق الله، أيّها الملك! لا يحلّ لك هذا.

فقالت له امرأة من اللّواتي كان يزنى بهنّ حين سكر: أيّها الملك! اقتل يحيى.

فأمر أن يؤتى برأسه. فأتي رأس يحيى ـ عليه السّلام ـ في طشت. وكان الرّأس يكلّمه. ويقول: «يا هذا! اتّق الله. لا يحلّ لك هذا.» ثمّ غلا الدّم في الطّشت، حتّى فاض إلى الأرض. فخرج يغلي. ولا يسكن. وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر، مائة سنة. فلم يزل بخت نصر يقتلهم. وكان يدخل قرية قرية، فيقتل الرّجال والنّساء

__________________

(١) «فيمن أجابه» ليس في المصدر.

(٢) المصدر: قصبة.

٤٢٢

والصّبيان وكلّ حيوان. والدّم يغلي. ولا يسكن. حتّى أفنى(١) من بقي منهم.

ثمّ قال: بقي أحد في هذه البلاد؟

قالوا: عجوز في موضع كذا وكذا.

فبعث إليها. فضرب عنقها على الدّم. فسكن. وكانت آخر من بقي. ثمّ أتى بابل فبنى بها مدينة. وأقام. وحفر بئرا. فألقى فيها دانيال. وألقى معه اللّبوة. فجعلت اللّبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها. فلبث بذلك زمانا. فأوحى الله إلى النّبيّ الّذي كان في بيت المقدس أن: اذهب بهذا الطّعام والشّراب إلى دانيال. واقرأه منّي السّلام.

قال: وأين هو يا ربّ؟

قال: هو في بئر بابل. في موضع كذا وكذا.

قال: فأتاه. فاطّلع في البئر.

فقال: يا دانيال! قال: لبّيك صوت غريب.

قال: إنّ ربّك يقرئك السّلام. وقد بعث إليك بالطّعام والشّراب.

فدلّاه(٢) إليه.

قال: فقال دانيال: [الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره].(٣) الحمد لله الّذي لا يخيب من دعاه. الحمد لله الّذي من توكّل عليه كفاه(٤) . الحمد لله الّذي من وثق به لم يكله إلى غيره. الحمد لله الّذي يجزي بالإحسان إحسانا. الحمد لله الّذي يجزي بالصّبر نجاة. الحمد لله الّذي يكشف ضرّنا عند كربتنا. (و) الحمد لله الّذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منّا.

الحمد لله الّذي هو رجاؤنا حين ساء ظنّنا بأعمالنا.

قال: فأري بخت نصر في نومه كانّ رأسه من حديد، ورجليه من نحاس، وصدره من ذهب.

قال: فدعا المنجّمين. فقال لهم: ما رأيت في المنام(٥) ؟

__________________

(١) المصدر: أفناهم.

(٢) المصدر: فأدلاه.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) يوجد في المصدر بعد هذه الفقرة: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره. الحمد لله الذي لا يخيّب من دعاه.

(٥) ليس في المصدر.

٤٢٣

قالوا: لا ندري(١) . ولكن قصّ علينا ما رأيت.

فقال: وأنا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام.

فأمر بهم. فقتلوا.

قال: فقال له بعض من كان عنده: إن كان عند احد شيء، فعند صاحب الجبّ.

فإنّ اللّبوة لم تعرض له. وهي تأكل الطّين. وترضعه.

فبعث إلى دانيال. [وأحضره عنده].(٢) فقال: ما رأيت في المنام؟

فقال: رأيت كأنّ رأسك من كذا(٣) ، ورجليك من كذا(٤) ، وصدرك من كذا(٥) .

قال: هكذا رأيت. فما ذاك؟

قال: قد ذهب ملكك. وأنت مقتول إلى ثلاثة أيّام. يقتلك رجل من ولد فارس.

قال: فقال له: إنّ عليّ لسبع مدائن، على باب كلّ مدينة حرس. وما رضيت بذلك حتّى وضعت بطّة من نحاس على باب كلّ مدينة. لا يدخل عليه غريب إلّا صاحت عليه، حتّى يؤخذ.

قال: فقال له: إنّ الأمر كما قلت لك.

قال: فبثّ الخيل. وقال: لا تلقون أحدا من الخلق إلّا قتلتموه، كائنا ما كان.

وكان دانيال جالسا عنده. وقال: لا تفارقني هذه الثّلاثة الأيّام فإن مضت قتلتك.

فلمّا كان في اليوم الثّالث ممسيّا أخذه الغمّ. فخرج. فتلقّاه](٦) غلام كان يخدم ابنا له من أهل فارس. وهو لا يعلم أنّه من أهل فارس. فرفع(٧) إليه سيفه. وقال له: يا غلام! لا تلق أحدا من الخلق إلّا وقتلته وإن لقيتني.

فأخذ الغلام سيفه، فضرب به بخت نصر. فقتله. وخرج إرميا على حماره. ومعه تين قد تزوّده وشيء من عصير. فنظر إلى سباع البرّ، وسباع البحر، وسباع الجوّ تأكل تلك

__________________

(١) المصدر: ما ندري.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: حديد.

(٤) المصدر: نحاس.

(٥) المصدر: ذهب.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) لعله الصواب: فدفع.

٤٢٤

الجيف. ففكّر في نفسه ساعة. ثمّ قال: أنّى يحيى الله هؤلاء. وقد أكلتهم السّباع.

فأماته الله مكانه. وهو قول الله تعالى:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) ، أي: أحياه.

فلمّا رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر، ردّ بني إسرائيل إلى الدّنيا. وكان عزير لـمّا سلّط الله بخت نصر على بني إسرائيل، هرب ودخل في عين. وغاب فيها. وبقي إرميا ميّتا مائة سنة. ثمّ أحياه الله. فأوّل ما أحيى منه عينيه في مثل غرقئ البيض. فنظر.

فأوحى الله إليه:( كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً ) .

ثمّ نظر إلى الشّمس قد ارتفعت. فقال:( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) .

فقال الله تبارك وتعالى:( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ. فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) ، أي: لم يتغيّر.( وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ. وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ. وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ) .

فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه، وإلى اللّحم الّذي قد أكلته السّباع يتآلف إلى العظام، من هاهنا وهاهنا، ويلتزق بها حتّى قام وقام بها حماره.

فقال:( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

فقد ظهر لك من تلك الأخبار، أنّ تلك الحكاية وقعت بالنّظر إلى عزير وإرميا، كليهما. ويمكن أن يكون قوله: «أو كالّذي مرّ على قرية إشارة إلى كليهما على سبيل البدل.

والقرية بيت المقدس حين خرّبه بخت نصر.

وقيل(١) : القرية التي خرج منها الألوف.

وقيل(٢) : غيرهما.

واشتقاقها من القرى. وهو الجمع.

( وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ) : خالية ساقطة حيطانها على سقوفها.

( قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) : اعتراف بالقصور عن معرفة طريق الإحياء واستعظام، لقدرة المحيي.

و «أنّى» في موضع نصب، على الظّرف، بمعنى متى، أو على الحال، بمعنى كيف.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

٤٢٥

( فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ) : فألبثه ميّتا مائة عام.

( ثُمَّ بَعَثَهُ ) بالإحياء.

( قالَ ) ، أي: الله.

وقيل(١) : ملك أو نبىّ آخر.

( كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) :

قال: قبل النّظر إلى الشّمس: «يوما.» ثمّ التفت فرأى بقيّة منها، فقال:( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) ، على الإضراب.

( قالَ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ. فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) : لم يتغيّر بمرور الزّمان.

واشتقاقه من «السّنه» و «الهاء»، أصليّة إن قدّر «لام» السّنه «هاء»، و «هاء» سكت إن قدّرت «واوا.» وقيل(٢) : أصله لم يتسنّن، من الحمأ المسنون. فأبدل النّون الثّالثة حرف علّة، كتقضّى البازي. وإنّما أفرد الضّمير، لأنّ الطّعام والشّراب كالجنس الواحد. وقد سبق في الخبر أنّ طعامه كان تينا، وشرابه عصيرا ولبنا. وكان الكلّ على حاله.

وقرأ حمزة والكسائيّ(٣) : لم يتسنّ (بغير الهاء في الوصل.)( وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ ) كيف تفرّقت عظامه، أو انظر إليه سالما في مكانه، كما ربطته.

( وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ) ، أي: وفعلنا ذلك لنجعلك آية.

( وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ ) ، يعني: عظام الحمار، أو عظام الموتى التي تعجّب من إحيائها، أو عظامه.

( كَيْفَ نُنْشِزُها ) : كيف نحييها، أو نرفع بعضها إلى بعض.

و «كيف» منصوب «بننشزها.» والجملة حال من العظام، أي: انظر إليها محياة.

__________________

(١) نفس المصدر: ١ / ١٣٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

٤٢٦

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: ننشزها، من انشز الله الموتى.

وقرئ: ننشزها، من نشزهم، بمعنى: أنشزهم.

( ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) :

فاعل «تبيّن» مضمر. يفسّره ما بعده. تقديره: فلمّا تبيّن له أنّ الله على كلّ شيء قدير.

( قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢٥٩) :

فحذف الأوّل، لدلالة الثّاني عليه، أو ما قبله، أي: فلمّا تبيّن له ما أشكل عليه.

وقرأ حمزة والكسائيّ: قال اعلم على الأمر.

والأمر مخاطبه، أو هو نفسه خاطبها به، على طريقة التّبكيت.

( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) :

قيل(١) : إنّما سأل ذلك ليصير علمه عيانا.

وقيل(٢) : لـمّا قال نمرود: «أنا أحي وأميت»، قال له: «إنّ إحياء الله تعالى برد الرّوح إلى بدنها»، فقال نمرود: «هل عاينته؟» فلم يقدر أن يقول «نعم.» وانتقل إلى تقدير آخر. ثمّ سأل ربّه أن يريه ليطمئنّ قلبه، على الجواب إن سئل عنه مرّة أخرى.

( قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ) بأنّي قادر على الإحياء.

قال ذلك له. وقد علم أنّه آمن ليجيب بما أجاب به. فيعلم السّامعون غرضه.

( قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ، أي: بلى آمنت. ولكن سألته لأزيد بصيرة بمضامّة العيان إلى الوحي.

وفي محاسن البرقيّ(٣) : عنه، عن محمّد بن عبد الحميد، عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن قول الله لإبراهيم:( أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ، أكان في قلبه شكّ؟

قال: لا. كان على يقين. ولكنّه أراد من الله الزّيادة في يقينه.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) عن عليّ بن أسباط: أنّ أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) أكان في قلبه شكّ؟

قال: لا ولكنّه أراد من الله الزّيادة في يقينه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٧٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٦.

(٣) المحاسن / ١٩٤، ح ٢٤٩.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٤٣، ح ٤٧٢.

٤٢٧

قال: والجزء واحد من عشرة.

وفي روضة الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا رأى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ملكوت السّماوات والأرض، التفت. فرأى جيفة على ساحل البحر، نصفها في الماء ونصفها في البرّ. تجيء سباع البحر فتأكل ما في الماء. ثمّ ترجع. فيشدّ بعضها على بعض. فيأكل بعضها بعضا. وتجيء سباع البرّ، فتأكل منها. فيشدّ بعضها على بعض. فيأكل بعضها بعضا. فعند ذلك تعجّب إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ممّا رأى: فقال:( رَبِّ! أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) . قال: كيف تخرج ما تناسل الّتي أكل بعضها بعضا؟

( قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ، يعنى: حتّى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلّها.

( قالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ. فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ. ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) .

فقطّعهنّ. وأخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السّباع الّتي أكل بعضها بعضا. فخلط ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا.( ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) .

فلمّا دعاهنّ أجبنه. وكانت الجبال عشرة.

[وفي أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبيه، عن نصر بن قابوس قال: قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إذا أحببت أحدا من إخوانك فاعلمه ذلك. فإنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ قال:( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى؟ قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى. وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ].(٣)

( قالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ) : نسرا وبطّا وطاوسا وديكا.

وروي(٤) : الطّاووس والحمامة والدّيك والهدهد.

وروى(٥) : الدّيك والحمامة والطّاووس والغراب.

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٠٥، ح ٤٧٣.

(٢) الكافي ٢ / ٦٤٤، ح ١.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣٧٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

٤٢٨

وخصّ الطّير لأنّه أقرب إلى الإنسان، وأجمع لخواصّ الحيوان. والطير سمّى به، أو جمع، كصحب.

( فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) : واضممهنّ إليك لتتأمّلها وتتعرّف شأنها، لئلا يلتبس عليك بعد الإحياء.

وقرأ حمزة ويعقوب: فصرهنّ (بالكسر.) وهما لغتان.

وقرئ: فصرّهنّ (بضمّ الصّاد وكسرها، مشدّدة الرّاء) من صرّه يصرّه، إذا جمعه.

وفصرهنّ من التّصرية. وهي الجمع، أيضا.

( ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) :

وقرأ أبو بكر: جزءا (بضمّ الزّاي) حيث وقع، أي: ثمّ جزئهنّ.

وفرّق أجزاءهنّ على الجبال الّتي بحضرتك.

( ثُمَّ ادْعُهُنَ ) : بأسمائهن.

( يَأْتِينَكَ سَعْياً ) : مسرعات طيرانا.

( وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ ) لا يعجز عمّا يريد.

( حَكِيمٌ ) (٢٦٠) ذو حكمة بالغة في كلّ ما يفعله ويذره.

وفي عيون الأخبار(١) : حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رض ـ قال :

حدّثني أبي، عن حمدان بن سليمان النّيسابوريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا ـ عليه السّلام. فقال له المأمون: يا بن رسول الله! أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟

قال: بلى.

قال: فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ: و( عَصى آدَمُ رَبَّهُ ) (إلى أن قال) فأخبرني عن قول إبراهيم:( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) .

قال الرّضا ـ عليه السّلام: إنّ الله تعالى كان أوحى إلى إبراهيم ـ عليه السّلام: «إنّي متّخذ من عبادي خليلا. إن سألني إحياء الموتى، أجبته.» فوقع في نفس إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أنّه ذلك الخليل. فقال :

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ / ١٥٥، ح ١.

٤٢٩

( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى؟ قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) على الخلّة.

( قالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ. فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ. ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً. ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً. وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

فأخذ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ نسرا وبطّا(١) وطاوسا وديكا. فقطّعهنّ. وخلطهنّ.

ثمّ جعل على كلّ جبل من الجبال الّتي(٢) حوله. وكانت عشرة منهنّ جزء. وجعل مناقيرهنّ بين أصابعه. ثمّ دعاهنّ بأسمائهنّ. ووضع عنده حبّا وماء. فتطايرت تلك الأجزاء، بعضها إلى بعض، حتّى استوت الأبدان. وجاء كلّ بدن حتّى انضمّ إلى رقبته ورأسه.

فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ. فطرن. ثمّ وقعن. فشربن من ذلك الماء. والتقطن من ذلك الحبّ. وقلن: يا نبيّ الله! أحييتنا، أحياك الله.

فقال إبراهيم ـ عليه السّلام: بل الله يحيي ويميت. وهو على كلّ شيء قدير.

قال المأمون: بارك الله فيك، يا أبا الحسن!

وفيه(٣) ، في باب استسقاء المأمون بالرّضا ـ عليه السّلام ـ بعد جرى كلام بين الرّضا ـ عليه السّلام ـ وبعض أهل النّصب، من حجّاب المأمون ـ لعنهم الله: فغضب الحاجب عند ذلك فقال: يا ابن موسى! لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك. إن بعث الله تعالى بمطر يقدر(٤) وقته، لا يتقدّم ولا يتأخّر، جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنّك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا أخذ رؤوس الطّير بيده، ودعا أعضاءها الّتي كان فرّقها على الجبال، فأتينه سعيا، وتركبن على الرّؤوس، وخفقن وطرن بإذن الله ـ عزّ وجلّ. فإن كنت صادقا فيما توهّم، فأحي هذين وسلّطهما عليّ. فإنّ ذلك يكون حينئذ آية معجزة. فأمّا ماء المطر المعتاد، فلست أنت أحقّ بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الّذى دعا كما دعوت.

وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه. وكانا متقابلين على المسند.

فغضب عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام. وصاح بالصّورتين: دونكما الفاجر.

__________________

(١) ليس في المصدر. وفي أ: بطّا وطائرا.

(٢) هكذا في أو المصدر. وفي الأصل ور: حولها.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٦٨، ح ١.

(٤) المصدر: مقدّر.

٤٣٠

فافترساه. ولا تبقيا له عينا ولا أثرا.

فوثبت الصّورتان. وقد عادت أسدين. فتناولا الحاجب. ورضّاه. وهشّماه.

وأكلاه. ولحسا دمه. والقوم ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون. فلمّا فرغا أقبلا على الرّضا ـ عليه السّلام ـ وقالا له: يا وليّ الله في أرضه! ما ذا تأمرنا أن نفعل بهذا. أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ ـ يشير ان إلى المأمون.

فغشي على المأمون ممّا سمع منهما. فقال الرّضا ـ عليه السّلام: قفا.

فوقفا. ثمّ قال الرّضا ـ عليه السّلام: صبّوا عليه ماء ورد. وطيّبوه.

ففعل ذلك به. وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الّذي أفنيناه؟

قال: الى مقرّكما(١) . فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه تدبيرا هو ممضيه.

فقالا: ما ذا تأمرنا؟

فقال: عودا إلى مقرّكما، كما كنتما.

فعادا(٢) الى المسند. وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون: الحمد لله الّذي كفاني شرّ حميد بن مهران، يعني: الرّجل المفترس.

ثمّ قال للرّضا ـ عليه السّلام: يا بن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذا الأمر لجدّكم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ لكم. ولو شئت لنزلت عنه لك.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصّورتين، إلّا جهّال بني آدم. فإنّهم وإن خسروا حظوظهم فلله ـ عزّ وجلّ ـ فيه تدبير. وقد أمرني يترك الاعتراض عليك وإظهار ما أظهر من العمل من تحت يدك، كما أمر يوسف(٣) من تحت يد فرعون مصر.

قال: فما زال المأمون ضئيلا إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ ما قضى.

وفي كتاب الخصال(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) (الآية) قال: أخذ

__________________

(١) «إلى مقركما» ليس في أ. وفي المصدر: لا. (ظ)

(٢) المصدر: فصاروا.

(٣) أ: كما أمر يوسف بالعمل.

(٤) الخصال ١ / ٢٦٤، ح ١٤٦.

٤٣١

الهدهد والصّرد والطّاووس والغراب. فذبحهنّ. وعزل رؤوسهنّ. ثمّ نحز أبدانهنّ في المنحاز بريشهنّ ولحومهنّ وعظامهنّ حتّى اختلطت. ثمّ جزّأهنّ عشرة أجزاء، على عشرة أجبل.

ثمّ وضع عنده حبّا وماء. ثمّ جعل مناقيرهنّ بين أصابعه.

ثمّ قال: ائتين سعيا بإذن الله.

فتطاير بعضها إلى بعض اللّحوم والرّيش والعظام، حتّى استوت الأبدان، كما كانت. وجاء كلّ بدن حتّى التزق برقبته الّتي فيها رأسه والمنقار. فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ. فوقفن. فشربن من ذلك الماء. والتقطن من ذلك الحبّ.

ثمّ قلن: يا نبيّ الله! أحييتنا أحياك الله.

فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت.

فهذا تفسيره الظّاهر(١) .

قال عليّ ـ عليه السّلام: وتفسيره في الباطن: خذ أربعة ممّن يحتمل الكلام.

فاستودعهن(٢) علمك. ثمّ ابعثهن(٣) في أطراف الأرضين حججا لك على النّاس. وإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر، يأتوك سعيا بإذن الله تعالى.

وفي هذا الكتاب(٤) : وروى أنّ الطيّور الّتي أمر بأخذها: الطاووس والنّسر والدّيك والبطّ.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عبد الصّمد قال: جمع لأبي جعفر المنصور القضاة. فقال لهم: رجل أوصى بجزء من ماله. فكم الجزء؟ فلم يعلموا كم الجزء. وشكّوا فيه. فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام: رجل أوصى بجزء من ماله. فكم الجزء؟ فقد أشكل ذلك على القضاة، فلم يعلموا كم الجزء. فإن هو أخبرك به.

وإلّا فاحمله على البريد. ووجّهه إليّ.

فأتى صاحب المدينة أبا عبد الله ـ عليه السّلام. فقال له: إنّ أبا جعفر بعث إليّ أن أسألك عن رجل أوصى بجزء من ماله. وسأل من قبله من القضاة. فلم يخبروه ما هو.

وقد كتب إليّ إن فسّرت ذلك له وإلّا حملتك على البريد إليه.

__________________

(١) أ: تفسير الظاهر.

(٢) المصدر: فاستودعهم. (ظ)

(٣) المصدر: ابعثهم. (ظ)

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٤٣، ح ٤٧٣.

٤٣٢

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: هذا في كتاب الله بيّن. إنّ الله يقول ممّا قال ابراهيم:( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) (إلى قوله)( عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) . وكانت الطيّر أربعة والجبال عشرة. يخرج الرّجل من كلّ عشرة أجزاء جزءا واحدا. وإنّ إبراهيم دعي بمهراس. فدقّ فيه الطّير جميعا. وحبس الرّؤوس عنده. ثمّ أنّه دعا بالّذي أمر به. فجعل ينظر إلى الرّيش كيف يخرج وإلى العروق عرقا عرقا حتّى ثمّ جناحه مستويا فأهوى نحو إبراهيم. فقال(١) ابراهيم ببعض الرؤوس. فاستقبله به. فلم يكن الرّأس الّذي استقبله لذلك البدن حتّى انتقل إليه غيره، فكان موافقا للرّأس. فتمّت العدّة. وتمّت الأبدان.

وفي الخرايج والجرائح(٢) : وروى عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند الصّادق ـ عليه السّلام ـ مع جماعة. فقلت: قول الله لإبراهيم:( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ. فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) ، أكانت(٣) أربعة من أجناس مختلفة؟ أو من جنس واحد؟

قال: أتحبّون أن أريكم مثله؟

قلنا: بلى.

قال: يا طاوس! فإذا طاوس طار إلى حضرته.

ثمّ قال: يا غراب! فإذا غراب بين يديه.

ثمّ قال: يا بازي! فإذا بازي بين يديه(٤) .

ثمّ قال: يا حمامة! فإذا حمامة بين يديه. ثمّ أمر بذبحها، كلّها، وتقطيعها، ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض.

ثم أخذ رأس الطاووس. فقال: يا طاوس! فرأيت لحمه وعظامه وريشه تتميّز عن غيرها، حتّى التصق ذلك كلّه برأسه، وقام

__________________

(١) لعله: فمال.

(٢) الخرائج والجرائح ٢٦٤+ تفسير نور الثقلين ١ / ٢٨١، نقلا عن الخرايج والجرائح.

(٣) المصدر: وكانت.

(٤) المصدر: يديها.

٤٣٣

الطاووس بين يديه حيّا.

ثمّ صاح بالغراب كذلك. وبالبازي والحمامة كذلك. فقامت كلّها أحياء بين يديه.

( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) : على تقدير مضاف، أي: مثل نفقتهم كمثل حبّة، أو مثلهم كمثل باذر حبّة.

وإسناد الإنبات إلى الحبّة، مجاز.

والمعنى أنّه: يخرج منها ساق. ينشعب منها سبع شعب. لكلّ منها سنبلة. فيها مائة حبّة. وهو تمثيل لا يقتضي وقوعه. وقد يكون في الذّرة والدّخن وفي البرّ في الأراضي المغلة.

( وَاللهُ يُضاعِفُ ) تلك المضاعفة،( لِمَنْ يَشاءُ ) بفضله، وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام:( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) لمن أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله.

وفي كتاب ثواب الأعمال(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحسن العبد المؤمن، ضاعف الله له عمله، بكلّ حسنة سبعمائة ضعف. وذلك قول الله تعالى:( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) .

( وَاللهُ واسِعٌ ) : لا يضيق عليه ما يتفضل به.

( عَلِيمٌ ) (٢٦١) بنيّة المنفق وإخلاصه.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن المفضّل بن محمّد الجعفيّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى:( حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ ) قال: «الحبّة»، فاطمة ـ صلّى الله عليها. و «السبع(٤) السنابل»، سبعة من ولدها. سابعها(٥) قائمهم.

قلت: الحسن.

قال: إنّ الحسن إمام من الله. مفترض طاعته. ولكن ليس من السّنابل السّبعة.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٩٢.

(٢) ثواب الأعمال / ٢٠١، ح ١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٤٧، ح ٤٨٠.

(٤) كذا في ر والمصدر. في الأصل وأ: السبعة.

(٥) المصدر: سابعهم. (ظ)

٤٣٤

أوّلهم الحسين وآخرهم القائم.

فقلت: قوله:( فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) .

فقال: يولد الرّجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك إلّا هؤلاء السّبعة.

( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢٦٢) :

«المنّ» أن يعتدّ بإحسانه على من أحسن إليه.

و «الأذى» أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه.

و «ثمّ» للتّفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى. ولعلّه لم تدخل الفاء فيه. وقد تضمّن ما أسند إليه معنى الشّرط، إيهاما بأنّهم أهل لذلك. وإن لم يفعلوا فكيف بهم إذا فعلوا؟

وفي كتاب الخصال(١) ، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله كرّه لكم، أيّتها الأمّة! أربعا وعشرين خصلة. ونهاكم عنها (إلى قوله ـ عليه السّلام ـ) وكرّه المنّ في الصّدقة.

عن أبي ذرّ(٢) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: ثلاثة لا يكلمهم الله: المنّان الّذي لا يعطي شيئا إلّا يمنّه، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر.

عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٣) ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله تعالى كرّه لي ستّ خصال وكرّهتهنّ(٤) للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرّفث في الصّوم، والمنّ بعد الصّدقة (الحديث.)

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وقال الصّادق ـ عليه السّلام: ما شيء أحبّ إليّ من رجل سلفت(٦) منّي إليه يد أتبعها(٧) أختها وأحسنت بها له. لأنّي رأيت منع الأواخر يقطع(٨) لسان شكر الأوائل].(٩)

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٢٠، ح ٩.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٤، ح ٢٥٣.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٢٧، ح ١٩.

(٤) المصدر: كرههنّ.

(٥) تفسير القمي ١ / ٩٢.

(٦) المصدر: سلف.

(٧) المصدر: أتبعة.

(٨) المصدر: فقطع.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٣٥

( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ) : ردّ جميل،( وَمَغْفِرَةٌ ) : تجاوز عن السّائل الحاجة، أو نيل مغفرة من الله بالرّدّ الجميل، أو عفو عن السّائل بأن يعذره ويغتفر ردّه،( خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً ) : خبر عنهما. والابتداء بالنّكرة المخصّصة بالصّفة.

( وَاللهُ غَنِيٌ ) عن الإنفاق بمنّ وأذى،( حَلِيمٌ ) (٢٦٣) عن معاجلة من يمنّ ويؤذى.

وقد روى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: إذا سأل السّائل، فلا تقطعوا عليه مسألته، حتّى يفرغ منها. ثمّ ردّوا عليه بوقار ولين، إمّا بذل يسير، أو ردّ جميل.

فإنّه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جانّ. ينظر كيف صنيعكم فيما خوّلكم الله تعالى؟

(رواه في مجمع البيان(١) .)

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) : لا تبطلوا أجرها بكلّ واحد منهما.

وفي مجمع البيان(٢) : روى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أسدى إلى مؤمن معروفا، ثمّ آذاه بالكلام، أو منّ عليه، فقد أبطل الله صدقته.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن جعفر بن محمّد، وأبي جعفر ـ عليهما السّلام ـ في قول الله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (إلى آخر الآية) قال: نزلت في عثمان. [وجرى في معاوية وأتباعهما.

وعن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٤) ـ فهو قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) لمحمّد وآل محمّد ـ عليهما السّلام. هذا تأويل.

قال: نزلت في عثمان].(٥)

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٧٥.

(٢) نفس المصدر ١ / ٣٧٧.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٤٧، ح ٤٨٢.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤٨٣.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٣٦

( كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، كإبطال المنافق الّذي يرائي بإنفاقه ولا يريد به رضاء الله ولا ثواب الآخرة، أو مماثلين الّذي ينفق رئاء.

فالكاف في محل النّصب على المصدر، أو الحال.

و «رئاء» نصب على المفعول له، أو الحال بمعنى مرائيا، أو المصدر، أي: إنفاقا رئاء.

( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ ) : كمثل حجر أملس،( عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ ) : مطر عظيم القطر،( فَتَرَكَهُ صَلْداً ) : أملس نقيّا من التّراب،( لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ) : لا ينتفعون بما فعلوا رياء، ولا يجدون ثوابه.

والضّمير للّذي ينفق، باعتبار المعنى، كقوله: إنّ الّذي حانت بفلج دمائهم.

( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) (٢٦٤) إلى الخير والرّشاد.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : ثمّ ضرب الله مثلا فيه. فقال:( كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا. وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) ، قال: من كثر امتنانه وأذاه لمن يتصدّق عليه، بطلت صدقته، كما يبطل التّراب الّذي يكون على الصّفوان. و «الصّفوان»: الصّخرة الكبيرة الّتي يكون في مفازة، فيجيء المطر، فيغسل التّراب عنها، ويذهب به. فيضرب الله هذا المثل لمن اصطنع المعروف، ثمّ أتبعه بالمنّ والأذى].(٢)

( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) :

في تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال:( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) ، قال: عليّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام :أفضلهم. وهو ممّن ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٩١، بتفاوت.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٤٨، ح ٤٨٦.

٤٣٧

[وعن سلام عن المسيّب(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) قال: أنزلت في عليّ ـ عليه السّلام].(٢)

( وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) : وتثبيتا بعض أنفسهم على الإيمان. فإنّ المال شقيق الرّوح. فمن بذل ما له لوجه الله، ثبت بعض نفسه. ومن بذل ماله وروحه، ثبتها كلّها، أو تصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء. مبتدأ من أصل أنفسهم(٣) .

( كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ) ، أي: ومثل نفقة هؤلاء في الزّكاة كمثل بستان بموضع مرتفع.

فإنّ شجره يكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا. وقرأ ابن عامر وعاصم: بربوة (بالفتح.) وقرئ بالكسر. وثلاثها لغات فيها.

( أَصابَها وابِلٌ ) : مطر عظيم القطر.

( فَآتَتْ أُكُلَها ) : ثمرتها.

وقرئ بالسّكون للتّخفيف.

( ضِعْفَيْنِ ) : نصب على الحال، أي: مضاعفا.

و «الضّعف»: المثل، أي: مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل.

وقيل(٤) : أربعة أمثاله.

وقيل(٥) : مثل الّذي كانت تثمر كما أريد بالزّوج الواحد، في قوله(٦) :( مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) .

( فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ ) فطلّ، اي: فيصيبها طلّ، أو فالّذي يصيبها.

( فَطَلٌ ) أو فطلّ يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها، لارتفاع مكانها.

و «الطّلّ» ما يقع باللّيل على الشّجر والنّبات.

والمعنى: أنّ نفقات هؤلاء زاكية عند الله. لا تضيع بحال، وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضمّ إليها من أحوالها.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤٨٥.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) يوجد في أ، بعد هذه الفقرة: أو تثبيتا من أنفسهم عن المنّ والأذى، كما رواه العياشي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [تفسير العياشي ١ / ١٤٨] وقال: نزلت في عليّ ـ عليه السّلام.» وهو مشطوب في المتن وليس في ر.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٦) هود / ٤٠.

٤٣٨

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٢٦٥): تحذير عن الرياء. وترغيب في الإخلاص.

( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ ) : الهمزة للإنكار.

( أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) : جعل الجنّة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار، تغليبا لها لشرفهما وكثرة منافعهما. ثمّ ذكر أنّ فيها من كلّ الثّمرات، ليدلّ على احتوائها على سائر أنواع الأشجار.

قيل(١) : ويجوز أن يكون المراد بالثّمرات المنافع.

( وَأَصابَهُ الْكِبَرُ ) ، أي: كبر السّنّ. فإنّ الفاقة في الشّيخوخة أصعب.

و «الواو»، للحال، أو للعطف، حملا على المعنى. فكأنّه قيل(٢) : أيودّ أحدكم لو كانت له جنّة وأصابه الكبر.

( وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ ) لا قدرة لهم على الكسب.

( فَأَصابَها إِعْصارٌ )

في تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام:( إِعْصارٌ فِيهِ، نارٌ ) ، قال: ريح.

( فِيهِ نارٌ ) : صفة «إعصار.»( فَاحْتَرَقَتْ ) : عطف على «أصابه»، أو تكون باعتبار المعنى(٤) .

( كَذلِكَ ) ، أي: مثل هذا التّبيين،( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) (٢٦٦): فيها فتعتبرون.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ) من حلاله أو جياده.

وفي الكافي(٥) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى:( أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ) ، فقال: كان القوم قد كسبوا مكاسب في الجاهليّة. فلمّا أسلموا

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٩.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٤٨، ح ٤٨٧.

(٤) يوجد في أبعد هذه الفقرة: وفي تفسير العياشي، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الرياح. فمن امتنّ على تصدّق عليه كان كمن كانت له جنّة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له أولاد ضعفاء. فتجيء نار فتحترق [فتحرق، ظ]. ماله كلّه.

(٥) الكافي ٤ / ٤٨، ح ١٠.

٤٣٩

أرادوا أن يخرجوها من أموالهم، ليتصدّقوا بها. فأبى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال: كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفيه عرق(٢) يسمّى الجعرور(٣) وعرق يسمّى معافارة. كانا عظيم نواهما، رقيق لحاهما في طعمهما مرارة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للخارص: لا تخارص عليهم هاتين(٤) اللّونين. لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما.

فأنزل الله ـ تبارك وتعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ) (إلى قوله)( تُنْفِقُونَ ) .

وفي مجمع البيان(٥) : وقيل: إنّها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف. فيدخلونه في تمر الصدقة ـ عن عليّ ـ عليه السّلام.

وقد روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله(٦) ـ أنّه قال: إنّ الله يقبل الصّدقات.

ولا يقبل منها إلّا الطّيّب.

( وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) ، أي: من طيّباته. فحذف المضاف، لدلالة ما تقدّم.

( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) : ولا تقصدوا الرّديء،( مِنْهُ ) ، أي: من المال.

وقرئ بضمّ التّاء وبكسر الميم.

( تُنْفِقُونَ ) : حال مقدّرة من فاعل «تيمّموا». ويجوز أن يتعلّق به منه. ويكون الضمير للخبيث. والجملة حالا منه.

وقيل: يجوز أن يكون الضّمير لـمّا أخرجنا وتخصيصه بذلك. لأنّ التّفاوت فيه أكثر.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥٠، ح ٤٩٣.

(٢) المصدر: غدق.

(٣) المصدر: الجعرود.

(٤) المصدر: هذين. (ظ)

(٥ و ٦) مجمع البيان ١ / ٣٨٠.

٤٤٠