تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152664
تحميل: 2978


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152664 / تحميل: 2978
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إذا زنى الرّجل فارقه روح الإيمان.

قال: فقال: هذا مثل قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) . ثمّ قال غير هذا، أبين منه. ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ(٢) :( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) . هو الّذي فارقه.

( وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ) ، أي: وحالكم أنّكم لا تأخذونه في حقوقكم.

( إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) : إلّا أن تتسامحوا فيه. مجاز من أغمض بصره، إذا غضّه(٣) .

وقرئ من باب التّفعيل، أي: تحملوا على الإغماض، أو توجدوا مغمضين.

وفي الكافي(٤) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) ، قال: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا أمر بالنّخل أن يزكّى، يجيء قوم بألوان من التّمر. وهو من أردأ التّمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا. يقال له «الجعرور» و «المعافارة» قليلة اللّحا، عظيمة النّوى. وكان بعضهم يجيء بها عن التّمر الجيّد. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لا تخرصوا هاتين التّمرتين. ولا تجيئوا منهما بشيء.

وفي ذلك نزل:( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا ) .

والإغماض أن يأخذ هاتين التّمرتين.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ ) عن إنفاقكم. وإنّما يأمركم به لانتفاعكم.

( حَمِيدٌ ) (٢٦٧) بقبوله وإثابته.

( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) في الإنفاق. والوعد في الأصل شائع في الخير والشّرّ.

وقرئ الفقر، بالضّمّ والسّكون وبضمّتين وفتحتين.

( وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ) : ويغريكم على البخل. والعرف يسمّي البخيل فاحشا.

وقيل(٥) : المعاصي.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٨٤، ح ١٧.

(٢) المجادلة / ٢٢.

(٣) أ: إذ لفضه.

(٤) الكافي ٤ / ٤٨، ح ٩.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٤٠.

٤٤١

( وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ ) ، أي: في الإنفاق.

( وَفَضْلاً ) : خلفا أفضل ممّا أنفقتم.

( وَاللهُ واسِعٌ ) : الفضل لمن أنفق وغيره.

( عَلِيمٌ ) (٢٦٨) بالإنفاق وغيره.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ) ، قال: الشّيطان يقول: «لا تنفق مالك. فإنّك تفتقر.» والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، أي: يغفر لكم إن أنفقتم لله. و «فضلا»، قال: يخلف عليكم.

وفي كتاب علل الشّرائع(٢) : أبي ـ رضي الله عنه ـ قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ، عن [ابن](٣) عبّاس، عن أسباط، عن عبد الرّحمن قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّي ربّما حزنت. فلا أعرف في حال ولا مال ولا ولد. وربّما فرحت. فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد.

فقال: إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملك وشيطان. فإذا كان فرحه، كان دنّو الملك منه. فإذا كان حزنه، كان دنوّ الشّيطان منه. وذلك قول الله ـ تبارك وتعالى:( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ. وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ. وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً. وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) .

( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ ) :

[مفعول أوّل آخر للاهتمام بالمفعول الثّاني.

( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) :

بناءه للمفعول. لأنّه المقصود. وقرأ يعقوب بالكسر، أي: ومن يؤته الله.

( فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) :

والمراد بالحكمة، طاعة الله، ومعرفة الإسلام، ومعرفة الإمام الّتي هي العمدة في كلتا المعرفتين الأوّلتين.

وفي محاسن البرقيّ(٤) : عنه، عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن الحلبيّ، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تبارك وتعالى :

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٩٢.

(٢) علل الشرائع ١ / ٩٣، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المحاسن / ١٤٨، ح ٦٠.

٤٤٢

( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) قال: هي طاعة الله ومعرفة الإسلام(١) .

وفي مجمع البيان(٢) : ويروى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أتاني القرآن، وأتاني من الحكمة مثل القرآن. وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلّا كان خرابا. ألا فتفقّهوا، وتعلّموا، ولا تموتوا(٣) جهّالا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله:( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) قال: الخير الكثير: معرفة أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام. وفيه(٥) ، خطبة له ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفيها: رأس الحكمة، مخافة الله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) فقال: إنّ الحكمة المعرفة والتّفقّة في الدّين. فمن فقّه منكم، فهو حكيم. وما [من](٧) أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس، من فقيه.

وفي كتاب الخصال(٨) ، عن الزّهريّ عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال: كان آخر ما أوصى به الخضر، موسى بن عمران ـ عليهما السّلام ـ أن قال [له]:(٩) لا تعيرنّ أحدا ـ إلى قوله ـ ورأس الحكمة مخافة الله ـ تبارك وتعالى.

عن محمّد بن أحمد بن محمّد(١٠) بن أبي نصر(١١) قال أبو الحسن ـ عليه السّلام: من علامات الفقه: الحلم، والعلم، والصّمت. إنّ الصّمت باب من أبواب الحكمة. وإنّ الصّمت يكسب المحبّة. وإنّه دليل على كلّ خير.

عن أبي جعفر ـ عليه السّلام(١٢) ـ قال بينما(١٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذات

__________________

(١) المصدر: الإمام.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣٨٢.

(٣) المصدر: فلا تموتوا.

(٤) تفسير القمي ١ / ٩٢.

(٥) نفس المصدر ١ / ٢٩١.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٥١، ح ٤٩٨.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) الخصال / ١١١، ح ٨٣.

(٩) يوجد في المصدر.

(١٠) نفس المصدر / ١٥٨، ح ٢٠٢. وفيه: عن أحمد بن محمّد.

(١١) المصدر: محمد بن أبي نصر البزنطي.

(١٢) نفس المصدر / ١٤٦، ح ١٧٥.

(١٣) المصدر: بينا. (ظ)

٤٤٣

يوم، في بعض أسفاره، إذ لقيه ركب. فقالوا: السّلام عليك، يا رسول الله! فالتفت إليهم. وقال(١) : ما أنتم؟ فقالوا(٢) : مؤمنون.

قال: فما حقيقة إيمانكم؟

قالوا: الرّضا بقضاء الله، والتّسليم لأمر الله، والتّفويض إلى الله.

فقال رسول الله: علماء حكماء وكادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء. فإن كنتم صادقين، فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتّقوا الله الّذي إليه ترجعون.

وفي أصول الكافي(٣) عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أيّوب ابن الحرّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) فقال: طاعة الله، ومعرفة الإمام.

يونس(٤) ، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر الّتي أوجب الله عليها النّار.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد ذكر القرآن: لا تحصى عجائبه. ولا تبلى غرائبه. مصابيح الهدى(٦) . ومنار الحكمة.

وفي مصباح الشّريعة(٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: الحكمة ضياء المعرفة، و (ميزان)(٨) التّقوى، وثمرة الصّدق.

ولو قلت: ما أنعم الله على عباده(٩) بنعمة أنعم وأعظم(١٠) وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة، لقلت: [صادقا](١١) قال الله ـ عزّ وجلّ:( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) ، أي: لا يعلم ما أودعت وهيّأت في

__________________

(١) المصدر: فقال.

(٢) المصدر: قالوا.

(٣) الكافي ١ / ١٨٥، ح ١١.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٢٨٤، ح ٢٠.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٥٩٨ ـ ٥٩٩، ضمن ح ٢.

(٦) المصدر: فيه مصابيح الهدى.

(٧) شرح فارسى لمصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٥٣٣ ـ ٥٣٥.

(٨) المصدر وهامش الأصل (خ ل): ميراث.

(٩) المصدر: على عبد من عباده.

(١٠) المصدر: أعظم وأنعم.

(١١) يوجد في المصدر.

٤٤٤

الحكمة إلّا من استخلصته لنفسي وخصصته بها.

والحكمة هي النجاة. وصفة الحكيم، الثّبات عند أوائل الأمور، والوقوف عند عواقبها، وهو هادي خلق الله إلى الله.

( وَما يَذَّكَّرُ ) : وما يتّعض بما قصّ من الآيات، أو ما يتفكّرون. فإنّ المتفكّر كالمتذكّر لما أودع الله في قلبه من العلوم، بالقوّة.

( إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢٦٩): ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم، والرّكون إلى متابعة الهوى.

وفي أصول الكافي(١) : بعض أصحابنا(٢) ـ رفعه ـ عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام: يا هشام: إنّ الله(٣) ذكر أولي الألباب بأحسن الذّكر، وحلاهم بأحسن الحلية. فقال:( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) .

( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ ) : قليلة أو كثيرة، سرّا أو علانية، في حقّ أو باطل،( أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ ) : في طاعة، أو معصية.

( فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ) . فيجازيكم عليه.

ودخول «الفاء»، إمّا في خبر المبتدأ، لتضمّنه معنى الشّرط، أو في الشّرط لكون كلمة، ما من أداة الشّرط.

( وَما لِلظَّالِمِينَ ) الّذين يضعون الشيء في غير موضعه، فينفقون في المعاصي، وينذرون فيها، أو يمنعون الصّدقات، ولا يوفون بالنّذور.

( مِنْ أَنْصارٍ ) (٢٧٠) ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه. جمع ناصر، كأصحاب: جمع صاحب.

( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) : فنعم شيئا أبداها.

كلمة «ما» تمييز. والمضاف محذوف.

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ، بفتح النّون وكسر العين، على الأصل. وقرأ أبو بكر وقالون بكسر النّون وسكون العين. وروي بكسر النّون وإخفاء حركة العين.

__________________

(١) الكافي ١ / ١٥، ضمن ح ١٢.

(٢) المصدر: أبو عبد الله الأشعري عن بعض أصحابنا.

(٣) المصدر: «ثم» بدل «إن الله».

٤٤٥

( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) :

والمراد بالصّدقات، سوى الزّكاة. وصلة قرابتك الواجبة، من الصّدقات النّافلة.

فإنّ الإعلان بالزّكاة والأمور المفروضة، أفضل.

روي في الكافي(١) ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت: قوله:( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ. وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) .

قال: ليس من الزّكاة وصلتك قرابتك. ليس من الزّكاة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ ]) (٣) ( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (٤) قال: هي سوى الزّكاة. إنّ الزّكاة علانية غير سرّ.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كلّ(٦) ما فرض الله عليك، فإعلانه أفضل من إسراره. وكلّما كان تطوّعا، فإسراره أفضل من إعلانه. ولو أنّ رجلا حمل(٧) زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية، كان ذلك حسنا جميلا.

عليّ بن إبراهيم(٨) ، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ:( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) قال: يعني الزّكاة المفروضة.

قلت(٩) :( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ ) .

قال: يعني النّافلة. إنّهم كانوا يستحبّون إظهار الفرائض وكتمان النّوافل.

الحسين بن محمّد(١٠) ، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن مرداس، عن صفوان بن

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٩٩، ذيل ح ٩.

(٢) نفس المصدر ٣ / ٥٠٢، ح ١٧.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) المصدر: فقال. وفي أ: قال: ليس من الزكاة لا.

(٥) نفس المصدر ٣ / ٥٠١، ح ١٦، وللحديث صدر.

(٦) المصدر: فكلّ.

(٧) المصدر: يحمل.

(٨) نفس المصدر ٤ / ٦٠، ح ١.

(٩) المصدر: قال: قلت.

(١٠) نفس المصدر ٤ / ٨، ح ٢.

٤٤٦

يحيى، والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار السّاباطيّ قال: قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: يا عمّار! الصّدقة، والله! في السّرّ، أفضل من الصّدقة في العلانية.

وكذلك والله العبادة في السّرّ، أفضل منها في العلانية.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) .

قال: ليس تلك الزّكاة. ولكنّه الرّجل يتصدّق لنفسه الزّكاة(٢) ، علانية، ليس بسرّ.

واعلم! أنّ بعض تلك الأحاديث، يدلّ على أنّ في الآية استخداما، والمراد بالصّدقات، الصّدقات الواجبة، وبضميرها المندوبة. ويمكن حمل البعض الآخر عليه ـ أيضا ـ إلّا الخبر الأوّل. ويمكن أن يقال أيضا إنّه تفسير لقوله: «وإن تخفوها» ـ إلى آخره.

( وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ ) :

قرأ ابن عامر وعاصم، في رواية حفص، بالياء، أي: والله يكفّر أو الإخفاء.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم، في رواية ابن عيّاش ويعقوب، بالنّون، مرفوعا على أنّه جملة فعليّة، مبتدأة، أو اسميّة، معطوفة على ما بعد الفاء، أي: ونحن نكفّر.

وقرأ نافع وحمزة والكسائيّ به، مجزوما على محلّ الفاء وما بعده.

وقرئ مرفوعا ومجزوما.

والفعل للصّدقات.

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) (٢٧١): ترغيب في الإسرار.

( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ) : ليس عليك أن تجعل كلّ النّاس مهديّين، بمعنى الإلزام على الحقّ. لأنّك لا تتمكّن منه. وإنّما عليك إراءة الحقّ، والحثّ عليه.

( وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . لأنّه يقدر عليه.

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ) ، من نفقة معروفة،( فَلِأَنْفُسِكُمْ ) : فهو لأنفسكم. لا ينتفع به غيركم. فلا تمنّوا عليه. ولا تنفقوا الخبيث.

( وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ ) ، أي: حال كونكم غير متقين إلّا لابتغاء وجهه.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥١، ح ٤٩٩.

(٢) المصدر: والزكاة.

٤٤٧

وقيل(١) : نفي في معنى النّهي.

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) ثوابه، أضعافا مضاعفة. فهو تأكيد للشّرطيّة السّابقة، أو ما يخلف المنفق استجابة، لقوله ـ عليه السّلام(٢) : أللّهمّ اجعل لمنفق خلفا، ولممسك تلفا.

( وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (٢٧٢): بتنقيص ثواب نفقتكم، أو إذهاب ثوابها.

( لِلْفُقَراءِ ) : متعلق بمحذوف، أي: اعمدوا للفقراء، أو اجعلوا ما تنفقونه لهم، أو صدقاتكم للفقراء.

( الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، أي: أحصرهم الاشتغال بالعبادة،( لا يَسْتَطِيعُونَ ) لاشتغالهم،( ضَرْباً فِي الْأَرْضِ ) : ذهابا فيها للكسب.

في مجمع البيان(٣) : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: نزلت الآية في أصحاب الصّفّة.

( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ ) بحالهم.

وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة، بفتح السّين.

( أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) : من أجل تعفّفهم عن السّؤال.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قال العالم ـ عليه السّلام: الفقراء هم الّذين لا يسألون(٥) لقول الله تعالى في سورة البقرة:( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ ) ـ إلى قوله ـ( إِلْحافاً ) .

( تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ ) من الضّعف، ورثاثة الحال. والخطاب للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو لكلّ أحد.

( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) : إلحاحا. وهو أن يلازم المسئول حتّى يعطيه شيئا، من قولهم: لحفني من فضل لحافه، أي: أعطاني من فضل ما عنده.

قيل(٦) : «المعنى: أنّهم لا يسألون. وإن سألوا عن ضرورة، لم يلحّوا.» والخبر الذي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤١.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٨٧.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٩٨.

(٥) يوجد في المصدر، بعد هذه الفقرة: وعليهم مؤنات من عيالهم. والدليل على أنّهم هم الذين لا يسألون قول الله تعالى

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٤١.

٤٤٨

رواه عليّ بن إبراهيم عن العالم ـ عليه السّلام ـ يردّه: بل هو نفي للأمرين، كقوله على لاحب: لا يهتدي بمناره.

ونصبه على المصدر. فإنّه نوع من السّؤال، أو على الحال.

وفي مجمع البيان(١) : وفي الحديث: إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، ويكره البؤس والتبوّس، ويحب الحليم المتعفّف من عباده، ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف.

وعنه ـ عليه السّلام(٢) ـ قال: إنّ الله كرّه لكم ثلاثا.

قيل: وما هنّ(٣) ؟ قال: كثرة السّؤال، وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمّهات ووأد البنات(٤) .

وقال ـ عليه السّلام(٥) : الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها(٦) ، ويد السائل السّفلى إلى يوم القيامة. ومن سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة كدوحا، أو خموشا، أو خدوشا في وجهه.

قيل: وما غناه؟

قال: خمسون درهما أو عدلها من الذّهب.

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (٢٧٣): ترغيب في الإنفاق، وخصوصا على هؤلاء.

( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) ، أي: يعمّون الأوقات والأحوال بالخير.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن أبي إسحاق قال: كان لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ أربعة دراهم. لم يملك غيرها. فتصدّق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرّا، وبدرهم علانية. فبلغ ذلك النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله. فقال: يا عليّ! ما حملك على ما صنعت؟

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٨٧.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) «وما هنّ» ليس في المصدر.

(٤) المصدر: ووأد البنات ومنع وهات.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) المصدر: تليه.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٥١، ح ٥٠٢.

٤٤٩

قال: إنجاز موعود الله.

فأنزل الله:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) (إلى آخر(١) الآية)

وفي الكافي(٢) عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له(٣) : قوله ـ عزّ وجلّ:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) .

قال: ليس من الزّكاة.

والحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن الوليد الوصافيّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: صدقة السّرّ، تطفئ غضب الرّبّ ـ تبارك وتعالى.

وفي من لا يحضره الفقيه(٥) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في قول الله تعالى:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) قال: نزلت في النّفقة على الخيل.

قال مصنّف هذا الكتاب(٦) : روي(٧) أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. وكان سبب نزولها أنّه كان معه أربعة دراهم فتصدّق بدرهم منها باللّيل، وبدرهم بالنّهار، وبدرهم في السّرّ، وبدرهم في العلانيّة. فنزلت هذه الآية. والآية إذا نزلت في شيء، فهي منزلة في كلّ ما يجري فيه. فالاعتقاد في تفسيرها أنّها نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وجرت في النّفقة على الخيل وأشباه ذلك. (انتهى).

وفي مجمع البيان(٨) : قال ابن عبّاس نزلت (هذه) الآية في عليّ ـ عليه السّلام.

كانت معه أربعة دراهم فتصدّق بواحد ليلا، وبواحد نهارا، وبواحد سرّا، وبواحد علانيّة.

وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢٧٤): خبر الّذين

__________________

(١) «إلى آخر» ليس في المصدر.

(٢) الكافي ٣ / ٤٩٩، ح ٩. وللحديث صدر وذيل.

(٣) المصدر: «قلت»، بدل: «قال قلت له.»

(٤) نفس المصدر ٤ / ٨، ح ٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٨٨، ح ٨٥٢.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) المصدر: هذه الآية روى. (٨) مجمع البيان ١ / ٣٨٨.

٤٥٠

ينفقون.

والفاء للسّببيّة. وقيل(١) : للعطف.

والخبر محذوف، أي: ومنهم الّذين ينفقون. ولذلك جوّز الوقف على «وعلانية.»( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا ) ، أي: الآخذون للرّبا. وإنّما ذكر الأكل، لأنّه معظم منافع المال. وهو بيع جنس بما يجانسه، مع الزّيادة، بشرط كونه مكيلا، أو موزونا، والقرض مع اشتراط النّفع.

وإنّما كتب بالواو، كالصّلوة، للتّفخيم على لغة من يفخّم. وزيدت الألف بعدها، تشبيها بألف الجمع.

( لا يَقُومُونَ ) إذا بُعثوا من قبورهم، أو في المحشر، أو في الدّنيا، يؤول عاقبة أمرهم إلى ذلك.

في تفسير العيّاشيّ(٢) : عن شهاب بن عبد ربّه قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: آكل الرّبا لا يخرج من الدّنيا حتّى يتخبّطه الشّيطان.

وفي الأخبار ما يدلّ على الأوّلين. ويمكن الجمع بأنّ ابتداء حصول هذه الحالة في الدّنيا.

( إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ ) : قياما كقيام المصروع، بناء على ما يزعم النّاس أنّ الشّيطان يمسّ الإنسان، فيصرع.

و «الخبط»: صرع على غير اتّساق، كالعشواء، أو الإفساد.

( مِنَ الْمَسِ ) : متعلّق بلا يقومون، أي: «لا يقومون من المسّ الّذي بهم، بسبب أكل الربا»، أو بيقوم، أو بيتخبطه. فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين، لا لاختلال عقلهم. ولكن لأنّ الله أربى ما في بطونهم ما أكلوه من الربا، فأثقلهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لـمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم، فلا يقدر أن يقوم، من عظم بطنه.

فقلت: من هؤلاء؟ يا جبرئيل!

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٢.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ١٥٢ ح ٥٠٣.

(٣) تفسير القمي ١ / ٩٣.

٤٥١

قال: هؤلاء( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) .

( ذلِكَ ) العقاب،( بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) : بسبب أنّهم نظّموا البيع والربا في سلك واحد، لافضائهما إلى الرّبح. فاستحلّوه استحلاله. وهو من باب القلب. والأصل إنّما الربا مثل البيع. عكس للمبالغة. كأنّهم جعلوا الربا أصلا، وقاسوا البيع به.

( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) : في موضع الحال.

في عيون الأخبار(١) ، في باب ما كتب الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله في العلل وعلّة تحريم الربا: إنّما نهى الله لما فيه من فساد الأموال. لأنّ الإنسان إذا اشترى الدّرهم بالدّرهمين، كان ثمن الدّرهم درهما، وثمن الآخر باطلا، فيقع(٢) الربا، واشتراءه(٣) وكسا(٤) على كلّ حال على المشتري وعلى البائع. فحظر(٥) الله تعالى الربا لعلّة فساد الأموال، كما حظر على السّفيه أن يدفع إليه ماله، لـمّا يتخوّف عليه من إفساده، حتّى يؤنس منه رشد(٦) . فلهذه العلّة حرّم الله تعالى الرّبا، وبيع الدّرهم بالدّرهمين، يدا بيد. وعلّة تحريم الربا بعد البيّنة، لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرّم. وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله لها. ولم يكن ذلك منه إلّا استخفافا بالمحرّم الحرم(٧) . والاستخفاف بذلك دخول في الكفر.

وعلّة تحريم الربا بالنسيئة، لعلّة ذهاب المعروف، وتلف الأموال، ورغبة النّاس في الرّبح، وتركهم الفرض، وصنائع المعروف، وما في(٨) ذلك من الفساد والظّلم وفناء الأموال.

وفي الكافي(٩) عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٣ ـ ٩٤.

(٢) المصدر: فبيع.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: «وكس» والفقرة الأخيرة في المصدر هكذا: فبيع الربا وكس.

(٥) المصدر: فحرّم.

(٦) المصدر: رشده.

(٧) المصدر: إلّا استخفاف بالتحريم للحرام.

(٨) المصدر: لما.

(٩) الكافي ٥ / ١٤٦، ح ٧.

٤٥٢

عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّي رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرّره.

فقال: أوتدري لم ذاك؟

قلت: لا. قال: لئلّا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّما حرّم الله ـ عزّ وجلّ الرّبا لئلّا(٢) يمتنع النّاس من اصطناع المعروف.

روى عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: درهم ربا(٤) ، أعظم عند الله، من سبعين زنية بذات محرم، في بيت الله الحرام.

وقال: الربا سبعون(٥) جزءا، أيسره أن ينكح الرّجل أمّه في بيت الله الحرام.

( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ) ، أي: وعظ وتوبة.

في تفسير العيّاشيّ(٦) : عن محمّد بن مسلم: أنّ رجلا سأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ وقد عمل بالربا حتّى كثر ماله، بعد أن سأل غيره من الفقهاء، فقالوا: ليس يقبل(٧) منك شيء، إلّا أن تردّه إلى أصحابه.

فلمّا قصّ على أبي جعفر(٨) ـ عليه السّلام ـ قال له أبو جعفر ـ عليه السّلام: مخرجك في كتاب الله، قوله:( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ. وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) .

والموعظة التّوبة.

وفي أصول الكافي(٩) : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه](١٠) ، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ :

__________________

(١) نفس المصدر والموضع، ح ٨.

(٢) المصدر: لكيلا.

(٣) تفسير القمي ١ / ٩٣ ـ ٩٤.

(٤) المصدر: من ربا.

(٥) المصدر: قال: إن للربا سبعين.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٥٢، ح ٥٠٦.

(٧) المصدر: يقبل.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فلمّا قصّ أبا جعفر ـ عليه السّلام.

(٩) الكافي ٢ / ٤٣١، ح ٢.

(١٠) يوجد في المصدر.

٤٥٣

( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) قال: الموعظة التّوبة.

( مِنْ رَبِّهِ ) ، أي: بلغه النّهي عن الربا من ربّه.

( فَانْتَهى ) عن أخذه. وتاب عنه.

( فَلَهُ ما سَلَفَ ) : ما تقدّم من أخذه. ولا يستردّ منه.

و «ما» في موضع الرّفع بالظّرف إن جعلت «من» موصولة، وبالابتداء إن جعلت شرطيّة على رأي سيبويه.

«إذا» الظّرف معتمد على ما قبله.

( وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) ، أي: يجازيه على انتهائه، أو يحكم في شأنه. ولا اعتراض لكم عليه.

في الكافي(١) : أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي المغرا [، عن الحلبيّ](٢) قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كلّ ربا أكله النّاس بجهالة، ثمّ تابوا عنه، فإنّه يقبل منهم، إذا عرف منهم التّوبة. وأيّما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الرّبا، فجهل ذلك، ثمّ عرفه بعد، فأراد أن ينزعه، فما مضى فله، ويدعه فيما يستأنف.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه: إنّ(٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد وضع ما مضى من الرّبا. وحرّم عليهم ما بقي. فمن جهله، وسع له جهله، حتّى يعرفه. فإذا عرف تحريمه، حرّم عليه، ووجب عليه فيه العقوبة، إذا ركنه(٥) ، كما يجب على من يأكل الرّبا.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل أربى بجهالة، ثمّ أراد أن يتركه.

قال: قال: أمّا ما مضى فله. وليتركه فيما يستقبل.

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٤٥، ح ٥. وللحديث صدر.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٤. وقد أسقط قطعة من وسط الحديث.

(٤) المصدر: فانّ.

(٥) المصدر: ركبه. (ظ)

(٦) نفس المصدر ٥ / ١٤٦، ح ٩. وللحديث تتمة طويلة.

٤٥٤

( وَمَنْ عادَ ) إلى تحليل الربا إذا الكلام فيه،( فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٢٧٥) لأنّهم كفروا به، كما مرّ في حديث العيون.

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يأكل الربا، وهو يرى أنّه له حلال.

قال: لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّدا. فإذا أصابه متعمّدا، فهو بالمنزل(٢) الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ.

( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا ) : يذهب بركته. ويهلك المال الّذي فيه.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : وسأل رجل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) . وقد أرى من يأكل الربا، يربو ماله.

قال: فأيّ محق أمحق من درهم ربا يمحق الدّين وإن تاب منه، ذهب ماله وافتقر.

( وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) : يضاعف ثوابها. ويبارك فيما أخرجت منه.

في تفسير العيّاشيّ(٤) : عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله يقول: ليس من شيء إلّا وكلت به من يقبضه غيري إلّا الصّدقة. فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفا، حتّى أنّ الرّجل والمرأة يتصدّق(٥) بالتّمرة وبشقّ تمرة فأربيها(٦) ، كما يربي الرّجل فلوه وفصيله، فيلقى في يوم القيامة(٧) وهو مثل أحد وأعظم من أحد.

وعن أبي حمزة(٨) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال الله ـ تبارك وتعالى: أنا خالق كلّ شيء. وكلت بالأشياء غيري إلّا الصّدقة ـ وذكر نحو ما سبق.

وعن عليّ بن جعفر(٩) ، عن أخيه موسى ـ عليه السّلام ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أنه ليس شيء إلّا وقد وكل به

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٤٤، ح ٢.

(٢) المصدر: بالمنزلة.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٧٦، ح ٧٩٥.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٢، ح ٥٠٧.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تصدّق.

(٦) المصدر: فأربيها له.

(٧) المصدر: فيلقاني يوم القيامة.

(٨) نفس المصدر ١ / ١٥٣، ح ٥٠٩.

(٩) نفس المصدر والموضع، ح ٥١٠.

٤٥٥

ملك غير الصّدقة. فإنّ الله يأخذه(١) بيده، ويربيه كما يربي أحدكم ولده، حتّى تلقاه(٢) يوم القيامة وهي مثل أحد.

وفي مجمع البيان(٣) : روى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ انه قال: [إنّ الله تعالى](٤) يقبل الصّدقات. ولا يقبل منها إلّا الطّيّب. ويربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، حتّى أنّ اللّقمة لتصير مثل أحد.

وفي أمالي الصّدوق(٥) ـ ره ـ بإسناده إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: من تصدّق بصدقة في شعبان، ربّاها ـ جلّ وعزّ(٦) ـ كما يربّي أحدكم فصيله، حتّى يوافي يوم القيامة وقد صارت(٧) مثل أحد.

( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ ) : لا يرضاه.

( أَثِيمٍ ) (٢٧٦): منهمك في الإثم.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله ورسله وأوصياء رسله،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) : عطف على «آمنوا» ولا يدلّ على خروج العمل عن الإيمان، كما لا يدلّ عطف.

( وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ) عليه، على خروجه عنه.

( لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) على آت.

( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢٧٧) على فائت.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) : واتركوا بقايا ما شرطتم على النّاس من الرّبا.

( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٢٧٨) بقلوبكم. فإنّ دليله امتثال ما أمرتم به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : أنّ سبب(٩) نزولها أنّه لـمّا أنزل الله:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ ) فقام خالد بن الوليد إلى

__________________

(١) المصدر: يأخذ.

(٢) المصدر: يلقاه.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٩٠.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) أمالي الصدوق / ٥٠١، ح ٧.

(٦) المصدر: ربّاها ـ جلّ وعزّ ـ له.

(٧) المصدر: صارت له.

(٨) تفسير القمي ١ / ٩٣.

(٩) المصدر: فانّه كان سبب.

٤٥٦

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا رسول الله! ربا أبي في ثقيف. وقد أوصاني عند موته بأخذه.

فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ الآية(١) .

قال: من أخذ الرّبا وجب عليه القتل [وكلّ من اربى وجب عليه القتل](٢) .

( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا ) : فاعلموا. من أذن بالشيء، إذا علم به.

وقرأ حمزة وعاصم في رواية ابن عبّاس: فآذنوا، أي: فأعلموا بها غيركم، من الإذن وهو الاستماع. فإنّه من طرق العلم.

( بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) ، أى: فاعلموا بها.

وتنكير «حرب»، للتّعظيم، أي: حرب عظيم. وذلك يقتضي أن يقاتل المربي(٣) بعد الاستتابة، حتّى يفيء إلى أمر الله. وذلك يقتضي كفره.

( وَإِنْ تُبْتُمْ ) : رجعتم من الإيتاء واعتقاد حلّه،( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) : فيه دلالة على أنّ المربي لو لم يتب لم يكن له رأس ماله. وهو كذلك. لأنّ المصرّ على التّحليل مرتدّ وماله فيء.

( لا تَظْلِمُونَ ) بأخذ الزّيادة.

( وَلا تُظْلَمُونَ ) (٢٧٩) بالمطل والنّقصان من رأس المال.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي عمرو الزّبيرىّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ التّوبة مطهّرة من دنس الخطيئة. قال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ـ إلى قوله ـ( لا تَظْلِمُونَ ) . فهذا ما دعى الله إليه [عباده](٥) من التّوبة، ووعدهم(٦) عليها من ثوابه. فمن خالف ما أمره الله به من التّوبة، سخط الله عليه، وكانت النّار أولى به وأحقّ.

وفي الكافي(٧) : أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي المغرا، عن الحلبيّ قال: قال

__________________

(١) يوجد في المصدر بدل «الآية» متن الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) .

(٢) ليس في أ.

(٣) أ: الحربي.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٣، ح ٥١٢.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: وعد.

(٧) الكافي ٥ / ١٤٥، ح ٤. وللحديث صدر وذيل.

٤٥٧

أبو عبد الله ـ عليه السّلام: لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أنّ في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التّجارة (بغير) حلال كان حلالا طيّبا. فليأكله. وإن عرف منه شيئا أنّه ربا. فليأخذ رأس ماله. وليردّ الربا.

[عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن الرّجل يكون له دين إلى أجل مسمّى. فيأتيه غريمه. يقول: أنقدني كذا وكذا. وأضع عنك بقيّته. أو يقول: أنقدني بعضه. وأمدّ لك في الأجل فيما بقي عليك.

قال: لا أرى به بأسا. إنّه لم يزدد على رأس ماله. قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ. لا تَظْلِمُونَ. وَلا تُظْلَمُونَ ) .

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: أتى رجل أبي. فقال: إنّي ورثت مالا. وقد علمت أنّ صاحبه الّذي ورثته منه قد كان يربي(٣) . وقد أعرف أنّ فيه ربا. وأستيقن ذلك. وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه. وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز. فقالوا: لا يحلّ أكله.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا، وتعرف أهله، فخذ رأس مالك، وردّ ما سوى ذلك. وإن كان مختلطا، فكله هنيئا [مريئا].(٤) فإنّ المال مالك. واجتنب ما كان يصنع صاحبه].(٥)

( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ ) ، أي: إن وقع غريم ذو عسر.

وقرئ: ذا عسرة.

و «المعسر»: من لم يقدر على ما يفضل عن قوته وقوت عياله على الاقتصاد.

قال في مجمع البيان(٦) روي ذلك عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

والظّاهر أنّ المراد، ما فضل عن قوت اليوم واللّيلة.

( فَنَظِرَةٌ ) ، أي: فالحكم نظرة، أو فعليكم نظرة، أو فليكن نظرة. وهي الإنظار.

__________________

(١) نفس المصدر ٥ / ٢٥٩، ح ٤.

(٢) نفس المصدر ٥ / ١٤٥، ح ٥.

(٣) المصدر: يربو.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) ر. مجمع البيان ١ / ٣٩٣.

٤٥٨

وقرئ: فناظره، على لفظ الخبر، على معنى فالمستحقّ ناظره، أي: منتظره، أو صاحب نظريّة على طريق النّسب، أو على لفظ الأمر، أي: فسامحه بالنّظرة.

وعلى كلّ تقدير، فإنظار المعسر واجب في كلّ دين. قال في مجمع البيان(١) : وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( إِلى مَيْسَرَةٍ ) : يسار.

وقرأ نافع وحمزة بضمّ السّين. وهما لغتان، كمشرقة ومشرفة.

وقرئ بهما مضافين، بحذف التّاء عند الإضافة، كقوله: وأخلفوك عند الأمر الّذي وعدوا.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمّد قال: سأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ رجل وأنا أسمع، فقال له: جعلت فداك! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) ، أخبرني عن هذه النّظرة الّتي ذكرها الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه. لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر(٣) ، لا بدّ له من أن ينظر، وقد أخذ مال هذا الرّجل، وأنفقه على عياله، وليس له غلّة ينتظر إدراكها، ولا دين ينتظر محلّه، ولا مال غائب ينتظر قدومه؟

قال: نعم. ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام. فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة الله. فإن كان أنفقه في معصية الله، فلا شيء له على الإمام.

قلت: فما لهذا الرّجل(٤) ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه: في طاعة الله أم في (معصية الله)؟

قال: يسعى له في ماله، فيردّه(٥) ، وهو صاغرا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن السّكونيّ، عن مالك بن مغيرة، عن حمّاد بن سلمة، عن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة أنّها قالت: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ٥ / ٩٣، ح ٥.

(٣) المصدر: المعسر إليه.

(٤) المصدر: الرجل الّذى.

(٥) المصدر: فيردّه عليه.

(٦) تفسير القمي ١ / ٩٤.

٤٥٩

المسلمين [واستبان للوالي عسرته إلّا برئ هذا المعسر من دينه، وصار دينه على والي المسلمين](١) فيما في يديه من أموال المسلمين.

قال: ومن كان له على رجل مال أخذه ولم ينفقه في إسراف أو معصية فعسر عليه أن يقضيه فعلى من له المال أن ينظره حتّى يرزقه الله فيقضيه. وإذا(٢) كان الإمام العادل قائما، فعليه أن يقضى عنه دينه، لقول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من ترك مالا فلورثته. ومن ترك دينا أو ضياعا فعلى والي المسلمين وعلى(٣) الإمام ما ضمّنه الرّسول.

( وَأَنْ تَصَدَّقُوا ) : بالإبراء.

وقرأ عاصم بتخفيف الصّاد.

( خَيْرٌ لَكُمْ ) : أكثر ثوابا من الإنظار،( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٢٨٠) أنّه معسر.

في الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: صعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المنبر ذات يوم. فحمد الله. وأثنى عليه. وصلّى على أنبيائه ـ صلّى الله عليهم. ثمّ قال: أيّها النّاس! ليبلغ الشّاهد منكم الغائب: ألا ومن أنظر معسرا، كان له على الله في كلّ يوم صدقة بمثل ماله، حتّى يستوفيه.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام:( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّه معسر. فتصدّقوا عليه بما لكم (عليه). فهو خير لكم.

محمّد بن يحيى(٥) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من أراد أن يظلّه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه؟

قالها ثلاثا. فهابه النّاس أن يسألوه.

فقال: فلينظر معسرا(٦) ، أو ليدع له من حقّه.

محمّد بن(٧) يحيى، عن عبد الله بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) المصدر: وإن.

(٣) «والي المسلمين وعلى» ليس في المصدر.

(٤) الكافي ٤ / ٣٥، ح ٤.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ١.

(٦) أ: و.

(٧) نفس المصدر والموضع، ح ٢.

٤٦٠