تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183244 / تحميل: 5540
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

حدوث الربا فيها ، فكانت جنساً واحداً ، كثمار النخل ، المختلفة الأنواع ، بخلاف الخُلول والأدهان ؛ لأنّ دخول الربا حصل في اُصولها قبل اشتراكها في الاسم.

والجواب : الطلع جنس واحد.

فروع :

أ - يجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متماثلاً ومتفاضلاً نقداً ، ويكره نسيئةً ؛ لاختلاف الجنس ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

ولبن الوحشي والإنسي جنسان ، ولهذا لا يضمّ إليها في الزكاة ولا ينصرف إطلاق الاسم إليها.

وفي قولٍ آخر له : إنّها جنس(٢) ، فلا يباع بعضه ببعضٍ متفاضلاً لا نقداً ولا نسيئةً.

ب - يجوز بيع الرطب بالرطب متماثلاً لا متفاضلاً على ما يأتي.

ومَنَع الشافعي من ذلك(٣) ، وجوّز في اللبن بيع بعضه ببعض متساوياً(٤) . وفرّق أصحابه(٥) بوجهين :

____________________

(١) الاُم ٣ : ٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ١٥٩.

(٣) الاُم ٣ : ٢٠ ، مختصر المزني : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، الوجيز ١ : ١٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢.

١٦١

الأوّل : اللبن معظم منفعته في حال رطوبته ، وبقاء رطوبته من مصلحته ، بخلاف الرطب ؛ فإنّ رطوبته تفسده ، ومعظم منفعته إذا جفّ.

الثاني : الرطب ينتهي إلى حال الجفاف بنفسه ، فاعتبرت تلك الحال ، واللبن لا ينتهي إلى حال الجفاف بنفسه ، بل ربما يطرح معه غيره ليتجفّف ، فلم ينتظر به هذه الحال.

ج - يجوز بيع الجنس بعضه ببعض إذا لم يخالطه غيره ، فإن خالطه ماء أو ملح أو إنفحة وإن كان كثيراً ، لم يؤثّر في الجواز ، خلافاً للشافعي(١) .

لنا : أنّه مع الممازجة إن كان التساوي في الجنس باقياً ، جاز البيع مع التساوي قدراً ، وإن زال وحصل الاختلاف ، جاز مع التساوي قدراً ، وعدمه.

ولو باع حليباً بلبن قد حمض وتغيّر ولم يخالطه غيره ، جاز عندنا وعنده(٢) ؛ لأنّ تغيّر الصفة لا يمنع من جواز البيع ، كالجودة والرداءة.

مسألة ٨٣ : الأدهان تتبع أصولها ، وكذا الخلول والأدقّة والسمون‌ والعصير والدبوس والبيوض إن اعتبرنا العدد ، فدهن الشيرج والبزر ودهن اللوز والجوز أجناس مختلفة يباع بعضها ببعض متماثلاً ومتفاضلاً نقداً ، وفي النسيئة الأقوى : الكراهة ؛ لأنّها فروع أجناس مختلفة ، فتختلف باختلافها.

وخَلّ العنب وخَلّ التمر جنسان ، وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ، ودبسهما جنسان أيضاً.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

١٦٢

ودقيق الحنطة ودقيق الشعير جنس واحد ، أمّا دقيق أحدهما مع دقيق الدخن أو الذرّة أو الباقلاء فجنسان.

وسمن الغنم وسمن البقر وسمن الإبل أجناس متعدّدة باختلاف اُصولها.

وكذا السمن والزيت ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - وقد سُئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد ، قال : « يداً بيد لا بأس »(١) .

وبيض الدجاج والنعام والطيور أجناس مختلفة باختلاف الاُصول ، وهو المشهور من مذهب الشافعي(٢) .

وفي الأدقّة حكاية قولٍ عن أمالي حرملة أنّها جنس واحد(٣) .

وأبعد منه وجهٌ ذكره الشافعيّة في الخُلول والأدهان ، ويجري مثله في عصير العنب وعصير الرطب(٤) .

وبيوض الطيور أجناس عندهم إن قالوا بتعدّد اللُّحْمان ، وإلّا فوجهان ، أصحّهما : التعدّد في البيوض عندهم(٥) .

والزيت المعروف مع زيت الفجل - وهو دهن يتّخذ من بزر الفجل يسمّى زيتاً - جنسان ؛ لأنّه يصلح لبعض ما لا يصلح له الزيت.

ومن الشافعيّة من ألحقهما(٦) باللُّحْمان(٧) .

والتمر من النخل مع التمر الهندي جنسان ؛ لاختلافهما في الحقيقة‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٩ ، و ٩٧ / ٤١٦ ، و ١٢١ / ٥٢٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٦) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ألحقها. والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

١٦٣

والأصول.

وعن [ ابن القطان ](١) من الشافعيّة وجهٌ : أنّهما واحد(٢) .

والبطّيخ المعروف مع الهندي مختلفان.

وللشافعيّة فيه قولان(٣) .

وكذا القثّاء مع الخيار.

والبقول - كالهندباء والنعنع وغيرهما - أجناس ؛ لاختلافهما حقيقةً وجنساً.

مسألة ٨٤ : الأصل مع كلّ فرعٍ له واحدٌ‌ ، وكذا فروع كلّ أصل واحدٌ - وذلك كاللبن الحليب مع الزُّبْد والسمن والمخيض واللِّبَأ والشيراز(٤) والأقِط والمـَصْل(٥) والجبن والترجين(٦) والكشك والكامخ ، والسمسم مع الشيرج والكُسْب والراشي ، وبزر الكتّان مع حبّه ، والحنطة مع الدقيق والخبز على اختلاف أصنافه من الرقاق والفرن وغيرهما ومع الهريسة ، والشعير مع السويق ، والتمر مع السيلان والدبس والخَلّ منه والعصير منه ، والعنب مع دبسه وخَلّه ، والعسل مع خَلّه ، والزيت مع الزيتون وغير ذلك - عند علمائنا‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : أبي العطاف. وذلك تصحيف. وما أثبتناه كما في المصدر ، وهو الموافق لما في تاريخ بغداد ٤ : ٣٦٥ / ٢٢٢٩ ، وطبقات الفقهاء - للشيرازي - : ١٢١ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢١٤ / ٣٢٧ ، وطبقات الشافعيّة - للاسنوي - ٢ : ١٤٦ / ٩١٧ ، وطبقات الشافعيّة - لابن قاضي شهبة - ١ : ١٢٤ / ٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٤) الشيراز : اللبن الرائب المستخرج ماؤه. تاج العروس ٤ : ٤٣ « شرز ».

(٥) المـَصْل : ما سال من الأقِط إذا طُبخ ثمّ عصر. لسان العرب ١١ : ٤٢٦ « مصل ».

(٦) ارتجن الزُّبْدُ : طبخ فلم يَصْفُ وفسد. لسان العرب ١٣ : ١٧٦ « رجن ».

١٦٤

أجمع ، فلا يجوز التفاضل بين اللبن والزُّبْد والسمن والمخيض واللِّبَأ والأقِط وغير ذلك ممّا تقدّم ، بل يجب التماثل نقداً ، ولا يجوز نسيئةً لا متماثلاً ولا متفاضلاً. ولا فرق في ذلك بين أن يباع الأصل مع فرعه ، أو بعض فروعه مع البعض.

ومَنَع الشافعي من بيع الزُّبْد والسمن باللبن متساوياً نقداً ؛ لأنّهما مستخرجان من اللبن ، ولا يجوز عنده بيع ما استخرج من شي‌ء بأصله(١) ، كما لا يجوز بيع الشيرج بالسمسم ، والزيت بالزيتون(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّهما إن تساويا في الحقيقة ، جاز البيع فيهما مع التساوي قدراً ونقداً. وإن اختلفا ، جاز مطلقاً.

قال أبو إسحاق - ممّا حكي عنه في التعليل - : إنّ الزُّبْد لا يخلو من لبن فيكون بيع لبن مع غيره بلبن(٣) .

ولا يرد بيع اللبن بمثله ؛ لأنّ الزُّبْد لا حكم له ما دام في أصله ولم ينفرد ، فإنّ بيع السمسم بالسمسم يجوز مع تفاضل الدهن ولا يجوز بيع الشيرج بالسمسم.

وهذا الأصل عندنا باطل ؛ لأنّه عندنا يجوز بيع السمسم بالشيرج متساوياً نقداً لا نسيئةً.

ومَنَع الشافعي أيضاً من بيع المخيض باللبن ؛ لأنّ اللبن فيه زُبْد‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ٣٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٢١.

١٦٥

والمخيض لا زُبْد فيه فيؤدّي إلى تفاضل اللبنين(١) .

وما ذكرناه أحقّ ؛ لعدم الانفكاك من التماثل والاختلاف ، وعلى كلا التقديرين يجوز.

وقد علّل(٢) أيضاً بأنّ في المخيض أجزاءً مائيّة ، ولا يجوز بيع المشوب بالماء بالخالص. وهو ممنوع أيضاً.

ومَنَع أيضاً من بيع اللِّبَأ والشيراز بالحليب ؛ لانعقاد أجزائها ، فلا يمكن كيلها ، ولا يجوز بيع اللبن وزناً(٣) . وهو ممنوع.

ومَنَع أيضاً من بيع اللبن بالمـَصْل والجبن والكشك ؛ لانعقاد أجزائها ، ومخالطة الملح والإنفحة(٤) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الأجزاء اليسيرة لا اعتبار لها في حصول الاختلاف ، ولو حصل ، جاز أيضاً.

وأمّا المطبوخ فإن لم تنعقد أجزاؤه وإنّما يسخن ، فإنّه يجوز عنده بيع بعضه ببعض ، كالعسل المصفّى بالشمس والنار(٥) . وإن طبخ حتى انعقدت أجزاؤه ، فوجهان عنده : الجواز ، كما يجوز بيع الدهن بالدهن ، والمنع ؛ لما فيه من لبن وغيره ، فكان كبيع لبن وغيره بلبن(٦) . والأصل ممنوع.

والسمن يجوز بيع بعضه ببعض ؛ لأنّه لا يخالطه غيره. قال : وبيعه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ٣٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٢) اُنظر : الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ و ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

١٦٦

وزناً أحوط(١) .

وأمّا المخيض فإن خالطه ماء ، لم يجز بيع بعضه ببعض عنده ؛ لجواز تفاضل اللبنين أو الماءين ، وإن لم يخالطه ماء ، جاز(٢) .

وعندنا يجوز مطلقاً.

وأمّا الأقِط والمـَصْل والجبن والكامخ فلا يجوز بيع الواحد منها بواحد من نوعه عنده ؛ لانعقاد أجزائها ، والكيل مختلف فيها والكيل أصلها ، وفيها ما خالطه غيره(٣) .

ولا اعتبار عندنا بذلك بل يجوز.

وأمّا بيع نوعٍ منها بنوعٍ آخر - كالسمن بالزُّبْد والمخيض ، والزُّبْد بالمخيض - فإنّه جائز عندنا.

ومَنَع الشافعي من السمن بالزُّبْد ؛ لأنّ السمن مستخرج منه ، وجوّز الباقي ، وإنّما أجاز المخيض بالسمن ؛ لأنّ المخيض ليس فيه سمن ، فكانا بمنزلة الجنسين(٤) .

ثمّ اعترض على نفسه في المنع من بيع الشيرج بالكُسْب ، والمخيض والسمن بمنزلته.

وأجاب : بأنّ الكُسْب لا ينفرد عن الشيرج ، ولا بُدّ أن يبقى فيه شي‌ء ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧ - ٥٨.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢١ و ١٢٢.

١٦٧

بخلاف اللبن ، فإنّ المخيض لا يبقى فيه سمن(١) .

وعندنا أنّ المخيض والسمن جنسٌ يجوز بيع بعضه ببعض متماثلاً لا متفاضلاً.

وأمّا الزُّبْد بمثله يجوز بيعه به.

وحكي عن أبي إسحاق أنّه لا يجوز ؛ لأنّه إذا كان في الزُّبْد لبن ، لم يجز بيعه باللبن عنده(٢) .

والصحيح عندهم : الجواز - كمذهبنا - لأنّ ذلك القدر يسير لا يتبيّن إلّا بالنار والتصفية ، فلم يكن له حكم(٣) .

فروع :

أ - دهن السمسم وكُسْبه جنسٌ واحد عندنا ؛ لما بيّنّا من أنّ الفروع المستندة إلى أصلٍ واحد جنسٌ واحد ، فلا يجوز بيع الشيرج بالكُسْب متفاضلاً.

وقال الشافعي : إنّهما جنسان ، كالمخيض والسمن(٤) .

والأصل عندنا ممنوع.

ب - عصير العنب مع خَلّه وعصير التمر مع خَلّه‌ بل والعنب مع خَلّه والتمر مع خَلّه جنسٌ واحد في كلّ واحد منها ، فلا يجوز بيع عصير العنب بخَلّ العنب متفاضلاً ، ولا عصير التمر بخَلّ التمر متفاضلاً.

____________________

(١) لم نعثر على الاعتراض والجواب فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢ و ٣ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ وفيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلى أبي إسحاق ، وكذا في بقيّة المصادر.

(٤) التذهيب - للبغوي - ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

١٦٨

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّهما جنسان ؛ لاختلافهما في الوصف والاسم والمقصود(١) . وهو ممنوع.

ج - الشيرج مع دهن ما يضاف إليه جنس واحد يحرم التفاضل فيه‌ ويجب التساوي نقداً ، كالشيرج ودهن البنفسج ودهن النيلوفر.

مسألة ٨٥ : يجوز بيع عسل النحل بعضه ببعض متساوياً نقداً‌ ، ولا يجوز نسيئةً ولا متفاضلاً مطلقاً قبل التصفية من الشمع وبعدها ؛ لأصالة الإباحة ، وورود النصّ(٢) بها مع سلامته عن معارضة الربا ؛ لما يأتي من جواز بيع الشيئين المختلفين بجنسيهما ، وبعد التصفية يكونان مِثْلين.

ومَنَع الشافعي من بيع بعضه ببعض قبل التصفية متساوياً ومتفاضلاً ؛ لأدائه إلى تفاضل العَسَلين ؛ لأنّ الشمع قد يكون في أحدهما أكثر(٣) .

ثمّ اعترض أصحابه بجواز بيع التمر بعضه ببعض وإن جاز أن يكون النوى في أحدهما أكثر ، وكذا بيع قديد اللحم بقديدٍ وإن كان فيه عظام.

ثمّ أجابوا بأنّ النوى والعظام من مصلحة التمر واللحم فلم يكلّف نزعه ؛ للضرورة ، فجاز بيعه معه ، بخلاف الشمع. ولأنّ العظام والنوى غير مقصودين ، بخلاف الشمع ، ولا يجوز ما فيه الربا بجنسه ومعه ما يقصد بالبيع(٤) . وهو ممنوع.

وأمّا إن صُفّي فإن صُفّي بالشمس ، جاز بيع بعضه ببعض ؛ لأنّ الشمس لا يختلف تأثيرها فيه. وإن صُفّي بالنار ، فوجهان ، أصحّهما :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الاُمّ ٣ : ٢٤ ، مختصر المزني : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٨.

(٤) اُنظر : الحاوي الكبير ٥ : ١١٨.

١٦٩

الجواز ؛ لقلّة الاختلاف. والبطلان ؛ لاختلاف أثر النار ، فربما عقدت أجزاء بعضه دون بعض(١) .

والحقّ ما قلناه نحن.

فروع :

أ - عسل الطَّبَرْزد وعسل القصب جنس واحد ، وهُما جميعاً من قصب السكر. ويجوز بيع أحدهما بالآخر وبعضٍ منه ببعض عند علمائنا.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ؛ لخفّة أثر النار فيهما. والثاني : المنع ؛ لأجل الطبخ(٢) .

وعندنا لا أثر للنار في المنع.

ب - يجوز بيعهما بعسل النحل ؛ لأنّهما جنسان مختلفان باختلاف اُصولهما ، فجاز التساوي فيهما والتفاضل نقداً ، وفي النسيئة خلاف.

ج - يجوز بيع السُّكَّر بالسُّكَّر متساوياً نقداً لا نسيئةً.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّ النار تدخله(٣) . وقد بيّنّا أنّ ذلك غير مانع.

د - يجوز بيع السُّكَّر بعسل النحل متفاضلاً ؛ لاختلافهما في الجنس.

ويجوز بيع السُّكَّر بعسله عندنا ، خلافاً للشافعي(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤.

(٢) حكى الوجهين السبكي في تكملة المجموع ١١ : ٩٧ عن القاضي أبي الطيّب وغيره.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٤) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

١٧٠

ه- يباع العسل بالعسل وزناً وكيلاً ؛ لعدم التفاوت بينهما ، وثبوت التقارب فيهما.

وقال الشافعي : يباع وزناً(١) .

وقال أبو إسحاق : يباع كيلاً ؛ لأنّ أصله الكيل(٢) .

و - السُكَّر والنبات والطَّبَرْزد جنس واحد ، وبه قال الشافعي(٣) .

والسُّكَّر الأحمر - وهو القواليب(٤) - عَكَرُ(٥) الأبيض ومن قصبه جنس من السُّكَّر والنبات أيضاً.

قال الجويني : الأظهر أنّه من جنس السُّكَّر(٦) .

وللشافعيّة وجهان(٧) .

مسألة ٨٦ : قد بيّنّا أنّ أصل كلّ شي‌ء وفرعه واحد يباع أحدهما بالآخر متساوياً لا متفاضلاً، نقداً ، ولا يجوز نسيئةً مطلقاً إذا كان ممّا يكال أو يوزن ، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها ودقيق الشعير وسويقها والسويق بالدقيق متساوياً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وربيعة والليث والنخعي وقتادة وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، لكن بعض أصحابه أنكر هذا القول عنه ، وعن أحمد روايتان(٨) - عملاً بالأصل السالم عن‌

____________________

(١ و ٢) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٣ : ٥٨ ، المسألة ٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٤) القلبة - بالضمّ - : الحمرة. وقلبت البسرة : إذا احمرّت. تاج العروس ١ : ٤٣٧ « قلب ».

(٥) ورد في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « عكس » بدل « عكر » وذلك تصحيف. وما أثبتناه هو الصحيح. والعَكَرُ : دُرْديّ كلّ شي‌ء وآخره وخاثره. لسان العرب ٤ : ٦٠٠ « عكر ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٨) المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، =

١٧١

معارضة الربا ، لوجوب التساوي الرافع للربا.

وقول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : « الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مِثْلاً بمِثْل لا بأس به»(١) ومثله عن الصادق(٢) عليه‌السلام .

ولأنّ الدقيق نفس الحنطة ، وإنّما تفرّقت أجزاؤه ، فصار بمنزلة الحنطة الدقيقة مع السمينة.

والمشهور عن الشافعي : المنع - وهو محكيّ عن الحسن البصري ومكحول والحكم وحمّاد وأحمد في الرواية الاُخرى - لأنّ التماثل معتبر في ذلك بحالة الكمال والادّخار ، لأنّ النبيعليه‌السلام سُئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » قالوا : نعم ، قال : « فلا إذَنْ »(٣) فإذا باع الدقيق بالحنطة ، لم يعلم تساويهما حنطتين ، فلم يجز(٤) .

والجواب : المنع من التفاوت ؛ لأصالة بقاء التساوي.

وقال أبو ثور(٥) : يجوز بيع الدقيق بالحنطة متفاضلاً ؛ لأنّهما بمنزلة الجنسين ؛ لاختلافهما في الاسم ، فإنّه لو حلف لا يأكل أحدهما ، لم يحنث‌

____________________

= الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ و ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(١) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠١.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ٤٢ / ٩٨.

(٣) سنن الدار قطني ٣ : ٥٠ / ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٨ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٢.

١٧٢

بأكل الآخر.

والجواب : الاختلاف بالاسم لا يوجب الاختلاف في الحقيقة ؛ لأنّ(١) أفراد النوع تختلف في الاسم وإن استوى حكمه. وينتقض ببيع اللحم بالحيوان ، مع أنّ النصّ عن أهل البيت : المنع ، ولم يقولوا ذلك إلّا عن وحي.

فروع :

أ - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع الحنطة بالسويق متساوياً نقداً ؛ لأنّهما جنسٌ واحد.

ومَنَع الشافعي(٢) منه ، بل جعلوه أبعد من الحنطة بالدقيق في الجواز ؛ لأنّ النار تدخله ، ومنه ما ينقع بالماء ثمّ يجفّف ثمّ يقلى.

والكلّ عندنا جائز متساوياً نقداً ؛ لقول الباقرعليه‌السلام وقد سُئل عن البُرّ بالسويق ، فقال : « مِثْلاً بِمِثْلٍ لا بأس به »(٣) .

ب - يجوز بيع الحنطة بالخبز متساوياً نقداً ، ولا يجوز نسيئةً ولا متفاضلاً.

لنا : أنّ الخبز فرع الحنطة ، فكان حكمها حكم الجنس الواحد.

وقال الشافعي(٤) : لا يجوز بيع الحنطة بالخبز - وبه قال أحمد(٥) - لأنّه‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : فإنّ ، بدل لأنّ.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٥) الشرح الكبير ٤ : ١٦٠.

١٧٣

متنوَّع أصلٍ يحرم فيه الربا ، فلم يجز بيعه بالدقيق مع الحنطة.

والجواب : المنع من حكم الأصل.

وقال أبو حنيفة : يجوز بيع الخبز بالحنطة متفاضلاً(١) - وهو قياس قول أبي ثور(٢) - لأنّ بالصنعة صار في حكم الجنسين.

والجواب : زيادة الصفة غير مؤثّرة في الاتّحاد بالحقيقة.

ج - يجوز بيع الخبز بالخبز ، سواء كانا رطبين أو يابسين أو بالتفريق ، مِثْلاً بمِثْل ، نقداً لا نسيئةً - وبه قال أحمد(٣) - للأصل ، ولأنّ معظم منفعتهما في حال رطوبتهما ، فجاز بيع أحدهما بالآخر ، كاللبن باللبن.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع أحدهما بالآخر ، إذا كانا رطبين أو أحدهما ؛ لأنّهما جنس يجري فيه الربا ، بِيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال والادّخار.

وإن كانا يابسين مدقوقين بحيث يمكن كليهما ، فقولان :

قال في كتاب الصرف : لا يجوز ؛ لأنّه قد خالطه الملح ، فقد يكثر في أحدهما دون الآخر.

وروى عنه حرملة أنّه يجوز ؛ لأنّ ذلك حالة كمالٍ وادّخار ، وليس للملح موضع للمكيال ، فإنّ الملح يطرح مع الماء فيصير صفةً فيه(٤) .

والحقّ ما قدّمناه من الجواز مطلقاً.

____________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٨٤.

(٣) المغني ٤ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤.

(٤) الاُم ٣ : ٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ و ٩١.

١٧٤

د - بيع الحنطة بالفالوذج جائز عندنا.

ومَنَع الشافعي(١) من بيعه بالحنطة كالدقيق ؛ لأنّه نشأ ، وهو من الحنطة ، وكذا كلّ ما يعمل من الحنطة لا يجوز بيعه بالحنطة ، وكذا ما يعمل من التمر لا يباع بالتمر ، وكلّ ما يجري فيه الربا كذلك.

وعندنا يجوز متساوياً مع الاتّفاق ، ومتفاضلاً لا معه.

ه- بيع الدقيق بالدقيق جائز إذا اتّحد أصلهما ، كدقيق الحنطة بمثله أو بدقيق الشعير ؛ لأنّهما جنس على ما تقدّم(٢) . ولا فرق بين الناعم بالناعم أو الخشن بالناعم ، ومع الاختلاف في الأصل يجوز متفاضلاً نقداً ، ويكره نسيئةً ، كدقيق الحنطة بدقيق الذرّة ، وبه قال أحمد(٣) .

واختلف قول الشافعي في الدقيق بالدقيق مع اتّحاد الجنس ، فقال في القديم والجديد معاً : لا يجوز ؛ لإمكان تفاضلهما حال الكمال والادّخار ؛ لإمكان كون أحدهما من حنطة ثقيلة الوزن ، والآخر من خفيفة ، فيستويان دقيقاً ناعماً ولا يستويان حنطةً(٤) .

والمعتبر إنّما هو حالة البيع ، على أنّ التجويز لا ينافي المعلوم.

ونقل البويطي والمزني معاً عنه الجوازَ(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٠.

(٢) في ص ١٦٢ ، المسألة ٨٣.

(٣) المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، الحاوي الكبير =

١٧٥

وقال أبو حنيفة : يجوز بيع الناعم بالناعم والخشن بالخشن ، ولا يجوز بيع الناعم بالخشن(١) .

وقد سبق(٢) أنّ الاختلاف في الأوصاف لا يؤثّر في الاتّحاد في الحقيقة.

و - يجوز بيع الدقيق بالسويق متساوياً نقداً ، ولا يجوز متفاضلاً ولا نسيئةً ؛ لاتّحادهما في الحقيقة.

ولقول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : « الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مِثْلاً بمِثْلٍ لا بأس به»(٣) .

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لدخول النار في السويق(٤) . ونمنع المانعيّة.

وقال مالك وأبو يوسف ومحمّد : يجوز بيع الدقيق بالسويق متفاضلاً(٥) . ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(٦) .

وروايته الأصل أنّه لا يجوز ؛ لأنّ السويق صار بالصنعة جنساً آخر ،

____________________

= ٥ : ١١٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٣ ، المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٢) في ص ١٧٣.

(٣) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠١.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، المغني ٤ : ١٥٣ - ١٥٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٥) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٨ ، المغني ٤ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٦) نقله الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٥٤ ، المسألة ٧٦.

١٧٦

فصار كالجنسين(١) .

وهو ممنوع ، ومنتقض بالدقيق مع الحنطة ، فإنّه قد زال عنه اسمها بالصنعة ولم يصر جنساً آخر.

مسألة ٨٧ : الخُلول إن اتّحدت اُصولها ، جاز بيع بعضها ببعض متساوياً نقداً‌ ، ولا يجوز نسيئةً. وإن اختلفت ، جاز التفاضل نقداً ، ويكره نسيئةً ، فيجوز بيع خلّ العنب بخلّ العنب متساوياً - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ تلك حال ادّخاره ، فصار كبيع الزبيب بالزبيب.

وكذا يجوز بيع خلّ العنب بعصيره متساوياً عندنا وعنده(٣) ؛ لأنّه لا ينقص إذا صار خَلّاً ، فهُما متساويان في حال الادّخار.

ويجوز بيع خلّ العنب بخلّ التمر عندنا وعنده(٤) ؛ لأنّهما جنسان.

ويجوز بيع خلّ العنب بخلّ الزبيب عندنا - خلافاً له(٥) - لاتّحاد أصلهما.

احتجّ بأنّ في خلّ الزبيب ماءً.

وهو غير مانع ؛ لأنّه إن أفاد اختلاف الحقيقة ، جاز متفاضلاً ، وإلّا متساوياً.

ويجوز بيع خلّ الزبيب عندنا ؛ لاتّحاد جنسهما.

____________________

(١) فتاوى قاضى خان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٧.

(٢) الاُم ٣ : ٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٣) المجموع ١١ : ١٥٠.

(٤ و ٥ ) الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

١٧٧

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ في كلّ واحد منهما ماءً ، فإن قلنا : في الماء ربا ، لم يجز ؛ لمعنيين : جواز تفاضل الزبيب والعنب ، وجواز تفاضل الماء(١) . وليس بشي‌ء.

وكذا يجوز بيع خلّ التمر بخلّ التمر عندنا ، خلافاً له ؛ لاشتمالهما على الماء عنده(٢) .

فأمّا خلّ التمر بخلّ الزبيب(٣) فإنّه يجوز عندنا متساوياً ومتفاضلاً.

وعنه وجهان : إن قلنا : في الماء ربا ، لم يجز. وإن قلنا : لا ربا فيه ، جاز ؛ لاختلاف جنسي الزبيب والتمر(٤) .

وأمّا بيع الدبس بالدبس فيجوز عندنا متساوياً مع اتّفاق أصله ، كدبس التمر بدبس التمر ، ومع الاختلاف يجوز التفاضل ، كدبس التمر بدبس العنب.

ومَنَع الشافعي من جوازه وإن تساويا قدراً وجنساً ؛ لاشتماله على الماء وقد دخلته النار(٥) .

ويجوز عندنا بيع الدبس بالتمر مع اتّحاد الأصل متساوياً نقداً ، ولا يجوز نسيئةً.

وقال الشافعي : لا يجوز مطلقاً ؛ لما تقدّم(٦) .

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٣) في « ق ، ك» : خلّ الزبيب بخلّ التمر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٦) اُنظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠.

١٧٨

مسألة ٨٨ : يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز‌ وإن كان عليهما قشر ؛ لأنّ صلاحه فيه. والجوز موزون ؛ لأنّه أكبر من التمر وربما تجافى في المكيال. وأمّا اللوز فإنّه مكيل ، وهذا مذهب الشافعي(١) .

وحكى القاضي ابن كج عن نصّ الشافعي أنّه لا يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز في القشر(٢) .

ويجوز عندنا بيع لبّ الجوز بلبّ الجوز ولبّ اللوز بلبّ اللوز - وبه قال الشافعي(٣) - عملا بالأصل.

وعند الشافعيّة وجهٌ آخر : أنّه لا يجوز بيع اللبّ باللبّ ؛ لخروجه عن حال الادّخار(٤) .

ويجوز بيع البيض بالبيض وإن كان أحدهما أكبر أو أزيد من الآخر.

وللشافعي قولان : أحدهما : المنع ، كما في الجوز بالجوز. والثاني - وهو المشهور - : الجواز مع التساوي(٥) . والمعيار فيه الوزن عنده(٦) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٨٩ : الأدهان أربعة :

أ - ما يُعدّ للأكل ، كالزيت والشيرج ودهن الجوز واللوز(٧) ودهن الصنوبر وما أشبه ذلك ، فهذا يجري فيه الربا بشرط التساوي جنساً ، وإنّما يتساوى الجنس باعتبار اتّحاد الأصول على ما تقدّم ، فيجوز بيع الشيرج‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٣ - ٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٧) في « ق ، ك» : اللوز والجوز.

١٧٩

بالشيرج متساوياً نقداً ، ولا يجوز نسيئةً ، وهو ظاهر مذهب الشافعيّة(١) .

وحكي عن أبي إسحاق أنّه قال : الشيرج لا يباع بعضه ببعض ؛ لأنّه يطرح في طبخه الماء والملح(٢) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ الماء لا يختلط به ويتميّز مع كُسْبه ، وكذا الملح وإن أثّر طعمه فيه دون جسمه ، على أنّ هذا المزج لا يغيّر الحقيقة عن التساوي.

ويجوز بيع جنس بجنس آخر متساوياً ومتفاضلاً نقداً ، ويكره نسيئةً ، كدهن الشيرج بدهن اللوز ، وبه قال الشافعي(٣) .

ب - ما يُعدّ للتطيّب ، كدهن الورد والبنفسج والبان. وعندنا يجري فيه الربا ؛ لأنّه موزون سواء اختلف ما يضاف إليه أو لا.

وللشافعي قولان ، أحدهما : أنّه لا ربا فيه ؛ لأنّه لا يُعدّ للأكل. والثاني : فيه الربا ؛ لأنّ أصله السمسم ، وإنّما يُعدّ لأعظم منفعته ؛ لأنّه ليس بمأكولٍ ، وحينئذٍ فكلّه واحد ؛ لأنّ أصله واحد وإنّما اختلفت الرائحة(٤) .

وقال أبو حنيفة : يجوز بيع المتطيّب متفاضلاً وإن كان أصله واحداً إذا اختلف طيبه ؛ لاختلاف المقصد بهما ، فصارا كالجنسين(٥) .

وقالوا أيضاً : يجوز بيع المتطيّب بغير المتطيّب متفاضلاً(٦) .

والكلّ باطل ؛ لأنّها فروع أصلٍ واحد فيه الربا ، فلا يجوز التفاضل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، المجموع ١١ : ١٣٩.

(٣) اُنظر : الاُم ٣ : ١٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٢.

(٥) المغني ٤ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٥.

(٦) حلية العلماء ٤ : ١٨٥.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال في يوم حارّ، حنا(١) كفّه: من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنّم؟

قالها ثلاث مرّات.

فقال النّاس في كلّ مرّة: نحن، يا رسول الله! فقال: من أنظر غريما، أو ترك لمعسر.

ثمّ قال لي أبو عبد الله [ـ عليه السّلام ـ قال لي عبد الله](٢) بن كعب بن مالك: إنّ أبي أخبرني أنّه لزم غريما له في المسجد. فجاء(٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فدخل بيته، ونحن جالسان. ثمّ خرج في الهاجرة. فكشف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ستره.

فقال له: يا كعب! ما زلتما جالسين؟

قال: نعم. بأبي وأمّي! قال: فأشار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكفّه: خذ النّصف.

قال: قلت: بأبي وأمّي.

ثمّ قال له: أتبعه ببقيّة حقّك.

قال: فأخذت النّصف. ووضعت [له](٤) النّصف.

[عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خلّوا سبيل المعسر، كما خلّاه الله].(٦)

( وَاتَّقُوا يَوْماً ) : نصب على المفعول به على الاتّساع، أي: ما فيه.

( تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) : يوم القيامة، أو يوم الموت، أو الأعمّ. فتأهّبوا لمصيركم إليه.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب، بفتح التّاء وكسر الجيم.

( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) : جزاء ما عملت، من خير أو شرّ.

( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٢٨١) بنقص ثواب وتضعيف عذاب.

قال البيضاويّ(٧) : وعن ابن عبّاس: أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل [على رسول الله

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: وحشي.

(٢) ليس في أ.

(٣) المصدر: فأقبل.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٣.

٤٦١

ـ صلّى الله عليه وآله ـ](١) وقال ضعها في رأس المائتين والثّمانين من البقرة. وعاش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعدها أحدا وعشرين يوما. وقيل: أحدا وثمانين. وقيل: سبعة أيّام. وقيل: ثلاث ساعات.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) : إذا داين بعضكم بعضا.

و «التّداين» و «المداينة»: المعاملة نسيئة، معطيا أو آخذا.

وذكر الدّين لدفع توهّم أنّه من التّداين، بمعنى المجازاة.

( إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) : معلوم بالأيّام والأشهر. فإنّه معلوم. لا بالحصاد وقدوم الحاجّ.

فإنّه لا يجوز. لأنّه غير معلوم.

( فَاكْتُبُوهُ ) . لأنّه أوثق وأدفع للنّزاع. والأمر بها للاستحباب.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [قال](٣) : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم.

قال: فمرّ(٤) آدم باسم داود [النّبيّ ـ عليه السّلام].(٥) فإذا عمره في العالم أربعون سنة.

فقال آدم: يا ربّ! ما أقلّ عمر داود. وما أكثر عمري! يا ربّ! إن أنا زدت داود [من عمرى](٦) ثلاثين سنة. أتثبت(٧) ذلك له؟

قال: نعم، يا آدم! قال: فإنّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة. فأنفذ ذلك له. وأثبتها له عندك.

واطرحها من عمري.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأثبت الله ـ عزّ وجلّ ـ لداود في عمره ثلاثين سنة.

وكانت له عند الله مثبتة. (فذلك قوله(٨) ـ عزّ وجلّ(٩) :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) .

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) علل الشرائع / ٥٥٣، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) ليس في المصدر. والظاهر أنها سقطت منه.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: أثبت.

(٨) المصدر: فلذلك قول الله.

(٩) الرعد / ٣٩.

٤٦٢

قال: فمحا الله ما كان [عنده](١) مثبتا لآدم. وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا.

قال: فمضى عمر آدم. فهبط [عليه](٢) ملك الموت، لقبض روحه.

فقال له آدم: يا ملك الموت! إنّه قد بقي من عمري ثلاثون(٣) سنة.

فقال له ملك الموت: يا آدم! ألم تجعلها لابنك داود النّبيّ، وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك، وعرضت عليك أعمارهم، وأنت يومئذ بوادي الدخيا(٤) ؟

فقال له آدم: ما أذكر هذا؟

قال: فقال له ملك الموت: يا آدم! لا تجحد. ألم تسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يثبته(٥) لداود ويمحوها من عمرك؟ فأثبتها لداود في الزّبور. ومحاها من عمرك في الذّكر.

قال آدم حتّى أعلم ذلك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: وكان آدم صادقا. لم يذكر. ولم يجحد. فمن ذلك اليوم أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ العباد(٦)

أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل [مسمّى](٧) ، لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه.

وفي الكافي(٨) : أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا عرض على آدم ولده، نظر إلى داود. فأعجبه. فزاده خمسين سنة من عمره.

[قال: ونزل عليه جبرائيل وميكائيل. فكتب عليه ملك الموت صكّا بالخمسين سنة. فلمّا حضرته الوفاة، أنزل عليه ملك الموت.

فقال آدم: قد بقي من عمري خمسون سنة](٩) قال: فأين الخمسون سنة(١٠) الّتي جعلتها لابنك داود؟

قال: فأمّا أن يكون نسيها، أو أنكرها. فنزل جبرئيل وميكائيل فشهدا عليه.

وقبضه ملك الموت.

__________________

(١ و ٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: ثلاثين.

(٤) المصدر: الدخياء.

(٥) المصدر: يثبتها.

(٦) ليس في أ.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ٢.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في المصدر.

٤٦٣

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كان أوّل صكّ كتب في الدّنيا. وفيه حديث آخر طويل نحوه(١) ، غير أنّ فيه: أنّ عمر داود كان أربعين سنة. فزاده آدم ستّين تمام المائة.

( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) : بالسّويّة. لا يزيد ولا ينقص. وهو للاستحباب، أيضا.

( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ ) : لا يمتنع أحد من الكتّاب. وهو للاستحباب، أيضا.

( أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ ) من كتبة الوثائق. وهو أن يكتب بالعدل، أو لا يأب أن ينتفع النّاس بكتابته، كما نفعه الله بتعليمها.

( فَلْيَكْتُبْ ) تلك المعلمة. أمر بها بعد النّهي عن الإباء، تأكيدا.

وقيل(٢) : «يجوز أن تتعلّق الكاف بالأمر. فيكون النّهي عن الامتناع [منها، مطلقة ،](٣) ثمّ الأمر بها مقيّدة.» وهو ضعيف.

( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ ) . لأنّه المقرّ.

والإملال والإملاء، واحد.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) ، أي: المملي أو الكاتب.

( وَلا يَبْخَسْ ) : لا ينقص،( مِنْهُ شَيْئاً ) ، أي: من الحقّ، أو ممّا أملي عليه.

( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) : ناقص العقل،( أَوْ ضَعِيفاً ) : صبيّا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن ابن سنان قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: متى يدفع إلى الغلام ماله؟

قال: إذا بلغ وأونس منه رشد، ولم يكن سفيها أو ضعيفا.

قال: قلت: فإنّ منهم من يبلغ خمس عشرة(٥) سنة وستّ عشرة(٦) سنة ولم يبلغ.

قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٧٨، ح ١، مع بعض التصرف في النقل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٥، ح ٥٢٢.

(٥) المصدر: خمس عشر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ستة عشرة.

٤٦٤

قال: قلت: وما السّفيه والضّعيف؟

قال: السّفيه، الشّارب الخمر. والضّعيف الّذي يأخذ واحدا باثنين.

وفي تهذيب الأحكام(١) : عليّ بن (الحسين(٢) ، عن أحمد ومحمّد)، ابني الحسن، عن أبيهما، عن أحمد بن عمر الحلبيّ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) .

قال: الاحتلام.

قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة(٣) سنة(٤) ونحوها.

فقال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة(٥) [ونحوها.

فقال: لا. إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ،](٦) كتبت له الحسنات [وكتبت عليه السّيّئات].(٧) وجاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

فقال: وما السّفيه؟

فقال: الّذي يشتري الدّرهم بأضعافه.

فقال: وما الضّعيف؟

قال: الأبله.

[وفي كتاب الخصال، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن اليتيم متى يجوز أمره؟

قال: حتّى يبلغ أشدّه.

قال: قلت(٨) : وما أشدّه؟

قال: احتلامه(٩) .

قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة(١٠) سنة، أو أقلّ، أو أكثر ولا يحتلم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ١٨٢، ح ٧٣١.

(٢) المصدر: الحسن.

(٣) المصدر: ست عشرة وسبعة عشر. النسخ: ستة عشر وسبع عشر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثلاث عشر سنة.

(٦ و ٧) يوجد في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر: الاحتلام.

(١٠) المصدر: ثمان عشر. الأصل ور: ثمانية عشر.

٤٦٥

قال: فإذا بلغ وكتب عليه الشيء، جاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا].(١)

( أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ) لخرس أو جهل باللّغة.

( فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) ، أي: الّذي يلي أمره، ويقوم مقامه، من الوليّ الشّرعيّ للصّبيّ والمختلّ العقل، والوكيل المترجم المعتبر، على الوجه الّذي اعتبره الشرع من كونه عدلين خبيرين بقصده.

( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ) :

واطلبوا أن يشهد على الدّين شاهدان،( مِنْ رِجالِكُمْ ) المؤمنين.

( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) ، أي: فليشهدوا. فالمستشهد، رجل وامرأتان.

( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) لعلمكم بعدالتهم.

في الكافي(٢) : أحمد بن محمّد العاصميّ، عن عليّ بن الحسن التميميّ، عن ابن بقاح، عن أبي عبد الله المؤمن، عن عمّار بن أبي عاصم قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: أربعة لا يستجاب لهم دعوة. أحدهم(٣) : رجل كان له مال. فأدانه بغير بيّنة. يقول(٤) الله ـ عزّ وجلّ: ألم آمرك بالشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من ذهب حقّه على غير بيّنة لم يؤجر.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تهذيب الأحكام(٧) : سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد(٨) ، وعليّ بن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٥ / ٢٩٨، ح ٢.

(٣) المصدر: «فذكر الرابع»، بدل «دعوة أحدهم»

(٤) المصدر: فيقول.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تهذيب الأحكام ٦ / ٢٨١، ح ٧٧٤.

(٨) المصدر: «أحمد بن محمد عن محمد بن خالد» بدل «أحمد بن محمد بن خالد.»

٤٦٦

حديد، عن عليّ بن النّعمان، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن شهادة النّساء في النّكاح بلا رجل معهنّ، إذا كانت المرأة منكرة.

فقال: لا بأس به، ـ إلى قوله ـ وكان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يجيز شهادة امرأتين في النّكاح، عند الإنكار. ولا يجيز في الطّلاق، إلّا شاهدين عدلين.

قلت: فأنّى ذكر الله تعالى؟ وقوله( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) .

فقال: ذلك في الدّين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان. ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن(١) امرأتان(٢) . قضى بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بعده عندكم.

( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ) ، أي: تضلّ إحدى المرأتين، أي: نسيت الشّهادة.

( فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) ، أي: إنّما اعتبر التّعدّد في المرأة، لإرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى، إن ضلّت ونسيت الشّهادة. وذلك لنقصان عقولهنّ وقلّة ضبطهنّ. والعلّة في الحقيقة التّذكير، وضع سببه مقامه.

وقرأ حمزة: «أن تضلّ» (على الشّرط) «فتذكّر» (بالرّفع.) وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: «فتذكّر» (من الإذكار.)( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) .، لتحمّل الشّهادة.

وسمّوا «شهداء»، تنزيلا لما يشارف منزلة الواقع وما مزيدة.

وقيل(٣) : لأداء الشّهادة أو التّحمّل.

وفي الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) قال(٥) . لا ينبغي لأحد إذا دعي للشّهادة(٦) ، يشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم.

[محمد بن يحيى(٧) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله. وقال: فذلك قبل الكتاب].(٨)

__________________

(١) المصدر: لم تكن.

(٢) يوجد في أبعد هذه الجملة: ورجل واحد ويمين لا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٤) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ١.

(٥) المصدر: فقال.

(٦) المصدر: إلى الشهادة.

(٧) نفس المصدر ٧ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠، ح ٢.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٦٧

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) فقال: إذا دعاك الرّجل لتشهد(٢) له على دين أو حق، لم ينبغ لك أن نقاعس عنه.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) ، قال: قبل الشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا يأب الشّهداء أن تجيب(٥) حين تدعى(٦) قبل الكتاب.

( لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ ) : ولا تملّوا من كثرة مدايناتكم أن تكتبوا الدّين.

وقيل(٧) : كنّى بالسّأمة عن الكسل.

( صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ) : كان الحقّ صغيرا أو كبيرا، أو الكتاب مختصرا أو مشبعا.

( إِلى أَجَلِهِ ) : متعلّق بتكتبوه، أي: وقت حلوله الّذي أقرّ به المديون.

( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى( أَنْ تَكْتُبُوهُ ) .

( أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) : أكثر قسطا.

( وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ) : وأثبت لها.

وهما مبنيّان من أقسط وأقام على غير قياس، أو من قاسط بمعنى ذي قسط وقويم.

وإنّما صحّت الواو في «أقوم» كما صحّت في التّعجّب، لجموده.

( وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا ) : وأقرب في أن لا تشكّوا في جنس الدّين وقدره وأجله والشّهود ونحو ذلك.

( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) :

استثناء عن مفعول فاكتبوه الرّاجع إلى دين، باعتبار تعلّق الكتابة به وتعلّقه

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٨٠، ح ٣.

(٢) النسخ: «تشهد.» وما في المتن، موافق المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٤.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ٦.

(٥ و ٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يجيب يدعى.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

٤٦٨

بالتّداين. وما بينهما اعتراض، أي: اكتبوا الدّين المتداين به، إلّا أن يكون تجارة.

ونصب عاصم «تجارة»، على أنّه الخبر، والاسم مضمر تقديره: «إلّا أن يكون الدّين المتداين به تجارة.» وقرأ الباقون بالرّفع، على أنّ الخبر( تُدِيرُونَها ) ، أو على كان التّامّة.

( حاضِرَةً ) : والتّجارة الحاضرة تكون بدين وعين.

( تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ) : وإدارة التّجارة تعاطيهم إيّاها يدا بيد. فهو على تقدير كونه صفة مخصّصة، أي: فلا بأس بعدم الكتابة حينئذ.

( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) مطلقا. لأنّه أحوط.

وقيل(١) : المراد هذا التّبايع.

والأوامر الّتي في هذه الآية، للاستحباب. وقيل(٢) : للوجوب. فمن قائل بالإحكام وقائل بالنّسخ.

( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) : يحتمل البنائين. ويدلّ عليه قراءة: ولا يضارّ (بالكسر والفتح.) فعلى البناء للفاعل، نهي لهما عن ترك الإجابة والتّحريف والتّغيير في الكتبة والشّهادة. وعلى البناء للمفعول، نهى للمستكتب والمستشهد، من أن يضارّهما بالتّكليف لهما، ما لا يسوغ لهما، من حبس جعل الكاتب وحبس الشّهيد وغير ذلك.

( وَإِنْ تَفْعَلُوا ) ما نهيتم عنه،( فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) : خروج عن الطّاعة.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في مخالفة نهيه.

( وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) أحكامه المتضمّنة لمصالحكم.

( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . (٢٨٢) كرّر لفظ «الله» في الجمل الثّلاث، للمبالغة.

فإنّه لـمّا كان موضوعا للذّات الكاملة مع جميع صفات الكمال على الكمال، فيكون عقابه في النّهاية والكمال. فيقتضي الاتّقاء منه، أشدّ اقتضاء. ويكون تعليمه للأحكام في نهاية الإفضال. فلا يجوز مخالفة حكمه بحال. ويكون علمه بقدر الجزاء، شاملا أتمّ شمول. فلا يسوغ إغفال العمل بالذّهول.

وقيل(٣) : كرّر لاستقلالها. فإنّ الأولى، حثّ على التّقوى. والثّانية، وعد بإنعامه.

والثّالثة، تعظيم لشأنه. ولأنّه أدخل في التّعظيم من الكناية.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

٤٦٩

والوجه الأوّل من تعليليه ضعيف. لأنّ الإضمار لا يقتضي عدم الاستقلال. فتأمّل.

( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ) : راكب سفر، أي: مسافرين،( وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً، فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) ، أي: فالّذي يستوثق رهان، أو فعليكم رهان، أو فليؤخذ رهان.

وظنّ مجاهد والضّحّاك، أنّ هذا التّعليق لاشتراط السّفر في الارتهان. [وليس كما ظنّا. بل الظّاهر أنّه لإقامة التّوثّق بالارتهان](١) مقام التّوثّق بالكتب في السّفر الّذي هو مظنّة الإعواز.

وبعضهم استدلّ بالآية، على أنّ القبض بالمعنى الأخصّ، معتبر في الرّهن. وفيه أنّه يحتمل أن يكون ذكر القبض واردا في الآية، على ما هو اكثر موارده، على أنّه يحتمل أن يكون المراد بالقبض، ما يشمل عدم جواز تصرّف الرّاهن، بدون إذن المرتهن فيه.

وما رواه العيّاشيّ(٢) : في تفسيره «عن محمّد بن عيسى، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لا رهن إلّا مقبوض(٣) » محمول على هذا المعنى.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهن، كسقف. وكلاهما جمع رهن، بمعنى مرهون، وقرئ بإسكان الهاء، على التّخفيف.

( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) ، أي: عدّ بعضكم البعض الآخر أمينا، واستغنى بأمانته عن الكتبة والارتهان،( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) ، أي: دينه.

سمّاه «أمانة»، لائتمانه عليه بترك الارتهان. ويحتمل أن يكون المراد بالائتمان، الاستيداع.

وقرئ بالّذيّتمن (بقلب الهمزة ياء) والّذتمن (بإدغام الياء في التّاء).

قيل(٤) : [وهو خطأ. لأنّ المنقلبة عن الهمزة في حكمها. فلا تدغم.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) في الخيانة.

وفي ذكر الرّبّ والإضافة إلى المؤتمن بعد ذكر الاسم الدّالّ على الذّات

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٥.

(٣) المصدر: مقبوضا.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٠

المستجمع لجميع الصّفات المقتضية للاتّقاء عنه، زيادة اقتضاء للاتّقاء، على وجه اللّطف والمرحمة، لإشعاره بأنّه تعالى مربّيه. فيجب أن لا يرتكب ما فيه، مناقضة بكمال تربيته. فإنّ فيه كسر للمربّي ظاهرا. ففيه نهاية الإعطاف والإفضال وإظهار الملاطفة والإشعار.

فاعتبروا يا أولي الأبصار.

( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ) ، أيّها الشّهود! وقيل(١) : أو المديونون. والشّهادة، شهادتهم على أنفسهم.

( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ، أي: يأثم قلبه، أو قلبه يأثم. وعلى الثّاني، الجملة خبر «إنّ» وإسناد الإثم إلى القلب. لأنّ الكتمان يقترفه، أو للمبالغة. فإنّه رئيس الأعضاء. وأفعاله أعظم الأفعال.

وفي نهج البلاغة(٢) : قال ـ عليه السّلام: وبما في الصّدور يجازى(٣) العباد.

وقرئ: قلبه (بالنّصب، كحسن وجهه.)

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : روى جابر(٥) ، عن أبي جعفر(٦) ـ عليه السّلام ـ قال في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) قال: كافر قلبه].(٧)

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (٢٨٣): تهديد.

في أمالي الصّدوق ـ رحمه الله(٨) ـ في مناهي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: ونهى ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن كتمان الشّهادة. وقال: من كتمها(٩) أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ. وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) .

وفي الكافي(١٠) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، ومحمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من كتم شهادة، أو شهد بها، ليهدر بها دم امرئ مسلم ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

(٢) نهج البلاغة / ١٠٣، في خطبة ٧٥.

(٣) المصدر: تجازى.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٥، ح ١١٥.

(٥) «روى جابر» ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وقال ـ عليه السّلام ـ أي: أبي جعفر ـ عليه السّلام.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٨) أمالي الصدوق / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٩) أو المصدر: يكتمها.

(١٠) الكافي ٧ / ٣٨٠، ح ١. وللحديث ذيل.

٤٧١

أو ليزوي مال امرئ مسلم، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة، مدّ البصر وفي وجهه كدوح.

تعرفه الخلائق باسمه ونسبه.

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) : خلقا وملكا.

( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) : ما استقرّ في أنفسكم من السّوء حتّى تعزموا عليه.

لا ما خطر فيه. فإنّه موضوع عنكم. فإن تبدوه بالعمل أو باللّسان.

( أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) يوم القيمة.

( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ) مغفرته.

( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) تعذيبه.

وقد رفعهما عامر وعاصم ويعقوب، على الاستئناف. وجزمهما الباقون، عطفا على جواب الشّرط. ومن جزم بغير فاء، جعلهما بدلا عنه، بدل البعض من الكلّ أو الاشتمال، كقوله :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وإدغام الرّاء في اللّام، لحن، إذ الرّاء لا يدغم إلّا في مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن سعدان، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) قال: حقيق على الله أن لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما.

وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله(٣) ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي تسعة أشياء(٤) : الخطأ، والنّسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطّيرة، والتّفكّر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفة.

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة. فلم يجبني. فدخلت عليه دخلة أخرى. فقلت: أصلحك الله! إنّه قد وضع(٦) في قلبي منها شيء، ولا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٨.

(٢) التوحيد / ٣٥٣، ح ٢٤.

(٣) المصدر: أبي عبد الله عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) نفس المصدر / ٣٤٦، ح ٣.

(٦) المصدر: وقع. (ظ)

٤٧٢

قال: فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك.

وسيأتي تمام الحديث ـ إن شاء الله.

( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢٨٤). فيقدر على الإحياء والمحاسبة والمغفرة والتّعذيب.

( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) : شهادة. تنصيص من الله تعالى، على صحّة إيمانه والاعتداد به. وإنّه جازم في أمره، غير شاكّ فيه.

في كتاب الغيبة، لشيخ الطّائفة ـ قدس سرّه(١) ـ بإسناده إلى سلام قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة(٢) أسري بي إلى السّماء، قال العزيز ـ جلّ ثناؤه:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٣) :](٤) وروى المقلّد بن غالب ـ رحمه الله ـ عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن رهبان، عن محمّد بن أحمد، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن جابر قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة أسري بي إلى السّماء، قال الرّبّ ـ عزّ وجلّ:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد. من خلّفت على أمّتك؟

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام؟

قلت: نعم، يا ربّ! فقال: يا محمّد! إنّي اطّلعت إلى الأرض، اطلاعة. فاخترتك منها. فشققت لك اسما من أسمائي. فلا أذكر(٥) في موضع إلّا ذكرت معي. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ

__________________

(١) غيبة الطوسي / ٩٥.

(٢) المصدر: سمعت ليلة.

(٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) ليس في أ.

(٥) ر: إنّي فلا أذكر.

٤٧٣

اطّلعت ثانية. واخترت عليّا. فشققت له اسما من أسمائي. فأنا الأعلى. وهو عليّ.

يا محمّد! إنّي خلقتك وخلقت عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين، من نوري.

يا محمّد! إنّي عرضت ولايتكم على أهل السّماوات والأرضين. فمن قبلها كان عندي من المؤمنين. ومن جحدها كان عندي من الظّالمين.

يا محمّد! تحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم. يا ربّ! قال: التفت.

فالتفت عن يمين العرش. فإذا أنا باسم عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن والمهديّ في وسطهم، كأنّه كوكب درّيّ.

فقال: يا محمّد! هؤلاء حججي على خلقي. وهذا القائم من ولدك بالسّيف، والمنتقم من أعدائك.

فعلى هذين الخبرين، قوله( وَالْمُؤْمِنُونَ ) معطوف على «الرّسول» عطف تلقين.

وقوله :

( كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) ، مبتدأ وخبر. والضّمير الّذي ناب عنه التّنوين في كلّ، للرّسول وللمؤمنين.

وجوّز البيضاويّ(١) كون «المؤمنون» مبتدأ أولا، وكون الضّمير لهم، «وكلّ» مبتدأ ثانيا مع خبره. وهو مع خبره خبر للأوّل.

قال: ويكون إفراد الرّسول لتعظيمه، أو لأنّ إيمانه عن مشاهدة وعيان، وإيمانهم عن نظر واستدلال.

وقرأ حمزة والكسائيّ: «وكتابه»، يعني: القرآن أو الجنس. والفرق بينه وبين الجمع أنّه شائع في وحدان الجنس والجمع في جموعه. ولذلك قيل: الكتاب أكثر من الكتب.

( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) بالتّصديق لبعضهم والتّكذيب لبعض آخر، أي :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٤

يقولون لا نفرّق.

ويحتمل عدم تقدير القول بجعله حالا من الفاعل. وهو الرّسول والمؤمنون. ويكون العدول عن الغيبة، لتعظيمهم وذلك أوجه.

وقرأ يعقوب بالياء، على أنّ الفعل لكلّ.

وقرئ «لا يفرّقون»، حملا على المعنى.

( وَقالُوا سَمِعْنا ) قولك.

( وَأَطَعْنا ) أمرك.

( غُفْرانَكَ رَبَّنا ) ، أي: اغفر غفرانك، أو نطلب غفرانك.

ويحتمل بعيدا كونه معمول «أطعنا وسمعنا» على سبيل التّنازع، أي: غفرانك، أي: موجبه. وهو الإيمان. سمعناه. وأطعناه. فآمنّا.

( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٢٨٥) بعد الموت. وهو إقرار منهم بالبعث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) للطّبرسيّ ـ ره ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها: معاشر النّاس! قولوا الّذي قلت لكم. وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. وقولوا:( سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) .

( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) : إلّا ما يسعه قدرتها، أو مادون مدى طاقتها.

ويكون يسيرا عليها لقوله(٢) :( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) . وفيه تصريح بعدم وقوع التّكليف بالمحال.

وفي كتاب التّوحيد(٣) ، بإسناده إلى أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ما أمر العباد إلّا بدون سعتهم. وكل(٤) شيء أمر النّاس بأخذه، فهم متّسعون له. وما لا يتّسعون له، فهو موضوع عنهم. ولكنّ النّاس لا خير فيهم.

وبإسناده(٥) إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: من قال بالجبر، فلا تعطوه من الزّكاة، ولا تقبلوا له

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٨٣.

(٢) البقرة / ١٨٥.

(٣) التوحيد / ٣٤٧، ح ٦.

(٤) المصدر: فكلّ. أ: وفي كلّ.

(٥) نفس المصدر / ٣٦٢، ح ٩.

٤٧٥

شهادة. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول(١) :( لا يُكَلِّفُ اللهُ ) (٢) ( نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) . ولا يحمل(٣) فوق طاقتها.( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .(٤)

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة ـ إلى قوله ـ قلت: أصلحك الله! فإنّي أقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يكلّف العباد إلّا ما يستطيعون وإلّا ما يطيقون. فإنّهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره.

قال: وهذا دين الله الّذي أنا عليه وآبائي.

( لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.

( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ. لا ينتفع بطاعتها. ولا يتضرّر بمعصيتها غيرها.

وتخصيص الكسب بالخير، والاكتساب بالشّرّ. لأنّ الاكتساب فيه اعتمال.

والشّرّ تشتهيه الأنفس وتنجذب إليه. فكانت أجدّ في تحصيله وأعمل، بخلاف الخير.

( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) ، أي: لا تؤاخذنا بما أدّى بنا إلى نسيان، أو خطأ، أو بما يؤدّي الخطأ والنّسيان إليه بالآخرة من عمل آخر. فإنّهما يمكن أن يؤدّي كثرتهما واعتيادهما إلى عمل قبيح.

وقيل: أو بأنفسهما إذ لا يمتنع المؤاخذة بهما عقلا. فإنّ الذّنوب كالسّموم. فكما أنّ تناولها يؤدّي إلى الهلاك، وإن كان خطأ. فتعاطي الذّنوب لا يبعد أن يفضى إلى العقاب، وإن لم يكن عزيمة. لكنّه تعالى وعد التّجاوز عنه، رحمة وفضلا. فيجوز أن يدعو الإنسان به، استدامة واعتدادا بالنّعمة فيه.

وفي أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن أبي داود المسترق قال: حدّثني عمرو بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي أربع خصال: خطأها، ونسيانها، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) .

__________________

(١، ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: يحملّها.

(٤) نفس المصدر / ٣٤٦، ذيل ح ٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٤٧.

(٦) الكافي ٢ / ٤٦٢، ح ١.

٤٧٦

وقوله(١) .( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

ويحتمل أن يكون هذا دعوة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل رفع الخطأ والنّسيان. وبعدها رفع، كما يجيء في الخبر.

والغرض من الدّعاء به، التّأسّي به، وتذكّر ما أنعم الله تعالى بسبب دعوته ـ عليه السّلام.

( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً ) . ثقيلا يأصر صاحبه، أي: يحبسه في مكانه. والمراد به التّكاليف الشّاقّة.

وقرئ: ولا تحمّل (بالتّشديد، للمبالغة.)( كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) : حملا مثل حملك إيّاه عليهم، أو مثل الّذي حملته إيّاهم. فيكون صفة لإصرا، أو المراد به ما كلّف به بنو إسرائيل، من الأمور الّتي ذكر في الخبر الّذي ينقل عن الاحتجاج(٢) .

( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) من البلاء والعقوبة، أو من التّكاليف الّتي لا تفي بها القوّة البشريّة. وهو لا يدلّ على جواز التّكليف بما لا يطاق، بناء على احتمال كون المراد ممّا لا طاقة لنا العقوبة لا التّكاليف.

والتّشديد هنا، لتعدية الفعل إلى مفعول ثان.

( وَاعْفُ عَنَّا ) : وامح ذنوبنا.

( وَاغْفِرْ لَنا ) : واستر عيوبنا. ولا تفضحنا بالمؤاخذة.

( وَارْحَمْنا ) : وتعطّف بنا. وتفضّل علينا.

( أَنْتَ مَوْلانا ) : سيّدنا وناصرنا.

( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (٢٨٦): والمراد بهم عامّة الكفرة.

وفي كتاب الاحتجاج(٣) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله: روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، يقول فيه ـ وقد ذكر مناقب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: فدنى بالقلم(٤) . فتدلّى فدنى له(٥) من الجنّة رفرف أخضر. وغشى النّور بصره. فرأى عظمة ربّه

__________________

(١) النحل / ١٠٦.

(٢) سيأتي الخبر في الصفحات التالية.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٧ ـ ٣٣.

(٤) أو المصدر: بالعلم.

(٥) «فدنى له» ليس في المصدر.

٤٧٧

ـ عزّ وجلّ ـ بفؤاده. ولم يرها بعينه. فكان كقاب قوسين بينها وبينه(١) ، أو أدنى. فأوحى [الله](٢) إلى عبده ما أوحى. وكان في ما أوحى إليه الآية الّتي في سورة البقرة، قوله تعالى:( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ. فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ. وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم ـ عليه السّلام ـ إلى أن بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ محمّدا.

وعرضت على الأمم. فأبوا أن يقبلوا(٣) من ثقلها. وقبلها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وعرضها على أمّته. فقبلوها. فلمّا رأى الله ـ تبارك وتعالى ـ منهم القبول، علم أنهم لا يطيقونها.

فلمّا أن سار إلى ساق العرش، كرّر عليه الكلام، ليفهمه. فقال:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

فأجاب ـ صلّى الله عليه وآله ـ مجيبا عنه: وعن(٤) أمّته؟

فقال:( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .

فقال ـ جلّ ذكره: لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أمّا](٥) إذا فعلت ذلك ربّنا(٦) ، فغفرانك ربّنا.

وإليك المصير، يعنى: المرجع في الآخرة.

قال: فأجابه الله جلّ ثناؤه: وقد فعلت ذلك بك وبأمّتك؟

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ: أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمّتك، فحقّ عليّ أن أرفعها. عن أمّتك.

وقال:( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمع ذلك: أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمّتي، فزدني.

__________________

(١) المصدر: بينه وبينها. (ظ)

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: يقبلوها. (ظ)

(٤) ولعله: عن.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: بنا.

٤٧٨

قال: سل.

قال:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) .

قال الله ـ عزّ وجلّ: لست أؤاخذ أمّتك بالنّسيان أو الخطأ، لكرامتك عليّ.

وكانت الأمم السّالفة إذا نسوا ما ذكّروا به، فتحت عليهم أبواب العذاب. وقد رفعت(١) ذلك عن أمّتك. وكانت الأمّة السّالفة إذا أخطأوا، أخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه(٢) . وقد رفعت ذلك عن أمّتك، لكرامتك عليّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أللهمّ](٣) إذا أعطيتني ذلك، فزدني.

فقال الله تعالى له: سل.

قال:( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) ، يعني: بالإصر، الشّدائد الّتي كانت على من كان قبلنا.

فأجابه الله إلى ذلك. فقال ـ تبارك اسمه: قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الأمم السّالفة: كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع من الأرض معلومة(٤) اخترتها لهم. وإن بعدت.

وقد جعلت الأرض لأمّتك كلها(٥) مسجدا وطهورا. فهذه من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمّة السّالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم. وقد جعلت الماء لأمّتك طهورا. فهذه(٦) من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس. فمن قبلت ذلك منه، أرسلت اليه(٧) نارا، فأكلته. فرجع مسرورا. ومن لم أقبل ذلك(٨) ، رجع مثبورا.

وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها. فمن قبلت ذلك منه، أضعفت له(٩)

__________________

(١) المصدر: دفعت.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: «معلومة من الأرض» بدل «من الأرض معلومة.»

(٥) المصدر: كلّها لأمّتك. (ظ)

(٦) المصدر: فهذا.

(٧) المصدر: عليه. (ظ)

(٨) المصدر: منه ذلك. (ظ)

(٩) أو المصدر: ذلك له.

٤٧٩

أضعافا مضاعفة. ومن لم أقبل ذلك منه، رفعت عنه عقوبات الدّنيا. وقد رفعت ذلك عن أمّتك وهي من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك(١) .

وكانت الأمم السّالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم اللّيل وأنصاف النّهار. وهي من الشّدائد الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وفرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل والنهار، في أوقات(٢) نشاطهم. وكانت الأمم السّالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة، في خمسين وقتا. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وجعلتها خمسا في خمسة أوقات. وهي إحدى وخمسون ركعة. وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وكانت الأمم السّالفة حسنتهم بحسنة وسيّئتهم بسيّئة. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها(٣) من أمّتك. وجعلت الحسنة بعشر(٤) والسّيّئة بواحدة.

وكانت الأمم السّالفة إذا نوى أحدهم بحسنة(٥) ، ثمّ لم يعملها، لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة، ولم يعملها(٦) كتبت له حسنة.

وإن عملها كتبت له عشرا(٧) . وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة، فلم يعملها، لم تكتب عليه. وإن عملها، كتبت عليه سيّئة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة، ثمّ لم يعملها، كتبت له حسنة. وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعت(٨) ذلك عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا أذنبوا، كتبت ذنوبهم على أبوابهم. وجعلت توبتهم من الذّنوب أن حرّمت عليهم بعد التّوبة أحبّ الطّعام إليهم. وقد رفعت ذلك عن أمّتك.

وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم. وجعلت عليهم ستورا كثيفة. وقبلت توبتهم بلا عقوبة. ولا أعاقبهم بأن أحرّم عليهم أحبّ الطّعام إليهم.

وكانت الأمم السّالفة يتوب أحدهم(٩) من الذّنب الواحد، مائة سنة وثمانين سنة، أو خمسين سنة. ثمّ لا أقبل توبته دون أن أعاقبهم(١٠) في الدّنيا بعقوبة. وهي من الآصار الّتي

__________________

(١) المصدر: من كان من قبلك.

(٢) المصدر: وفي أو مات.

(٣) المصدر: عن. (ظ)

(٤) المصدر: بعشرة.

(٥) المصدر: حسنة. (ظ)

(٦) المصدر: فلم يعملها.

(٧) المصدر: عشرة.

(٨) المصدر: فرفعتها. (ظ)

(٩) المصدر: يتوب أحدهم إلى الله. (١٠) المصدر: أعاقبه. (ظ)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493