تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183308 / تحميل: 5545
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة قال وسألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء قال نعم.

(باب)

(الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء إلا قليل وخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي.

_________________________________________

أبي بصير ، وهي مع ضعف سندها بعثمان ، واشتراك أبي بصير ، وجهالة المسؤول ، إنما يدل على الإعادة إذا نسي الماء في رحله ، وتيمم وصلى ثم ذكر في الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

قولهعليه‌السلام : « قال نعم » قال في المدارك : اعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب تساوي الأغسال في كيفية التيمم ، وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة ، فإنه لم يذكر التيمم بدلا من الوضوء ، واستدل له الشيخ (ره) بخبر أبي بصير وعمار ، قال في الذكرى : وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء على وجوب الوضوء هناك ، ولا بأس به والخبران غير مانعين منه لجواز التسوية في الكيفية لا الكمية ، وما ذكره أحوط ، وإن كان الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد.

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش

الحديث الأول : حسن.

وقولهعليه‌السلام : « أحب إلى » يشعر بجواز الغسل أيضا حينئذ والمشهور عدمه.

١٨١

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ قال التيمم أفضل ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران وجميل قالا قلنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم قال لا ولكن يتيمم ويصلي بهم فإن الله عز وجل قد جعل التراب طهورا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة قال إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شيء

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « نصف الطهور » أي جعل عليه مسح نصف أعضاء الوضوء تخفيفا ، والأمر بالوضوء مع احتياجه إلى الماء ينافي التخفيف.

الحديث الثالث : حسن.

والمشهور بين الأصحاب كراهة إمامة التيمم بالمتوضين ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك ، ولو لا ما يتخيل من انعقاد الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بجواز الإمامة على هذا الوجه من غير كراهة.

الحديث الرابع : حسن مقطوع.

وقال الوالد العلامةقدس‌سره : رواه في التهذيب في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رفاعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي الموثق كالصحيح عن عبد الله ، عن ابن أبي بكير ، عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في معناه ، والظاهر أن عبد الله نقل في كتابه فتوى لا رواية.

١٨٢

مغبر وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به.

(باب)

(الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن

_________________________________________

وقال في الحبل المتين : يستفاد منه عدم جواز التيمم بالأرض الرطبة مع وجود التراب ، وأنها متقدمة على الطين ، وأنه يجب تحري الأجف منها عند الاضطرار إلى التيمم بها ، وربما يستنبط ـ من تعليقهعليه‌السلام الأمر بالتيمم بها على فقد الماء والتراب ـ تسويغ التيمم بالحجر الرطب إلا مع فقد التراب ، لشمول اسم الأرض للحجر ، ولو قلنا بعدم شموله له ففي الحديث دلالة على تقديم التراب على الحجر الجاف كما هو مذهب الشيخين في النهاية ، والمقنعة ، ومختار ابن إدريس ، وابن حمزة ، وسلار لأن الأرض الرطبة لما كانت مقدمة عليه كما يقتضيه اقتصارهعليه‌السلام على قوله ليس فيها ماء ولا تراب دون أن يقول ولا حجر فالتراب مقدم عليه بطريق أولى.

باب الرجل تصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « يتيمم » استدل به سلار على التيمم بالثلج ولا يخفى أن الظاهر التيمم بالتراب كما فهمه الشيخ وعلى تقدير عدم ظهوره لا يمكن الاستدلال به ، ثم [ إنه ] ذهب الشيخ في النهاية إلى تقدم الثلج على التراب كما يظهر من بعض الأخبار ، ويمكن القول بالتفصيل بأنه إن حصل الجريان فالثلج مقدم وإلا فالتراب ، وقال في المختلف : لو لم يجد إلا الثلج وتعذر عليه كسره وإسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة ، وكذا بقية أعضائه ، وكذا في الغسل ، فإن خشي من ذلك آخر الصلاة

١٨٣

رجل أجنب في السفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه رفعه قال قال إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان عليه وإن احتلم تيمم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل أصابته الجنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه

_________________________________________

حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى : إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيديه ويتيمم بنداوته ، وكذا قال سلار ومنع ابن إدريس من التيمم به والوضوء والغسل منه وحكم بتأخير الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب ، والوجه ما قاله الشيخان.

قولهعليه‌السلام « ولا أرى أن يعود » فيه دلالة على أن من صلى بتيمم فصلاته لا تخلو من نقص وإن كانت مبرئة للذمة وأنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته المستقبلة بالخروج عن محل الاضطرار.

الحديث الثاني : مرفوع.

وقال في المدارك : من عدم الماء مطلقا أو تعذر عليه استعماله يجوز له الجماع لعدم وجوب الطهارة المائية عليه ، ولو كان معه ما يكفيه للوضوء فكذلك قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة في المنتهى بتحريمه لأنه يفوت الواجب وهو الصلاة بالمائية ، وفيه نظر ، وقال : إطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في تيمم المريض بين متعمد الجنابة وغيره ، ويؤيده أن الجنابة على هذا التقدير غير محرم إجماعا كما نقله في المعتبر فلا يترتب على فاعله عقوبة وارتكاب التغرير بالنفس عقوبة.

وقال الشيخان : إن أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم ، وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض ، واستدل عليه في الخلاف بصحيحة عبد الله بن سليمان وصحيحة

١٨٤

التلف إن اغتسل قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة.

(باب)

(التيمم بالطين)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم

_________________________________________

محمد بن مسلم ، وأجاب عنهما في المعتبر بعدم الصراحة في الدلالة لأن العنت المشقة وليس كل مشقة تلفا ولأن قولهعليه‌السلام « على ما كان » ليس حجة في محل النزاع وإن دل بإطلاقه فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية ولا يخص بها عموم نفي الحرج وهو جيد.

الحديث الثالث : مرسل.

وقال الشيخرحمه‌الله : من تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي ثم يعيد ، واحتج بخبر جعفر بن بشير ، وعبد الله بن سنان ، وقال في المدارك : هما لا يدلان على ما اعتبره من القيد ، والأجود حملهما على الاستحباب لأن مثل هذا المجاز أولى من التخصيص وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من رجحان.

باب التيمم بالطين

الحديث الأول : صحيح ، وآخره مرسل.

وقال في المدارك : ومع فقد الغبار يتيمم بالوحل ، والمستند في ذلك بعد الإجماع روايتا أبي بصير ورفاعة ولو أمكن تجفيف الوحل بحيث يصير ترابا والتيمم به وجب ذلك ، وقدم على الغبار قطعا ، واختلف الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، فقال الشيخان : إنه يضع يديه على الأرض ثم يفركهما ويتيمم به وهو خيرة المعتبر ، وقال آخرون : يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به

١٨٥

به فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به وفي رواية أخرى صعيد طيب وماء طهور.

(باب)

(الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب قال لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن

_________________________________________

واستوجهه في التذكرة إن لم يخف فوت الوقت وهو بعيد ، وقال : إذا فقد التراب وما في معناه ، وجب التيمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غير ذلك مما فيه غبار ، قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا ، وأكثر العامة ، وإنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب كما نص عليه الشيخ وأكثر الأصحاب ، وربما ظهر من عبارة المرتضى في الجمل جواز التيمم به مع وجود التراب أيضا ، وهو بعيد لأنه لا يسمى صعيدا ، بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين ، إلا أن الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل وظاهر هم الاتفاق عليه.

قولهعليه‌السلام « صعيد طيب » قال الفاضل التستريرحمه‌الله : كان المعنى أن الطين مركب من الصعيد الطيب ومن الماء ، فلا يدل على أن الطين صعيد بقول مطلق ، ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى أمر بالصعيد وبالماء ، والصعيد هنا حاصل فيستفاد منه أن الطين صعيد.

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : حسن.

١٨٦

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أحمد رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن مجدور أصابته جنابة قال إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح وابن فضال ، عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن سكين وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه

_________________________________________

الحديث الثالث : مرفوع.

الحديث الرابع : مجهول.

قولهعليه‌السلام « فكز » كذا في أكثر النسخ وفي بعضها فكن قال في الصحاح الكن السترة ، وقال الكز بالضم داء تأخذ من شدة البرد ، وقد كز الرجل فهو مكزوز إذا تقبض من البرد.

قولهعليه‌السلام « دواء العي » في الصحاح عي إذا لم يهتد لوجه ، يحتمل أن يكون صفة مشبهة من عي إذا عجز ولم يهتد إلى العلم بالشيء وأن يكون مصدرا ، وقال في شرح المصابيح : العي بكسر العين وتشديد الياء التحير في الكلام ، والمراد به هنا الجهل ، يعني لم لم تسألوا إذا لم تعلموا شيئا فإن الجهل داء شديد وشفاؤه السؤال والتعلم من العلماء ، وكل جاهل لم يستح عن التعلم وتعلم يجد شفاء.

الحديث الخامس : حسن ، وفي بعض النسخ ابن سكين وهو ثقة ، وفي بعضها ابن مسكين وهو مجهول ، ولا يضر ذلك لأنه بمنزلة مرسل ابن أبي عمير ، ولو كان فاعل قال في قوله ـ قال وروى ـ ابن أبي عمير كما هو ظاهر لكان حسنا

١٨٧

فمات فقال قتلوه ألا سألوا ألا يمموه إن شفاء العي السؤال.

قال وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل.

(باب النوادر)

١ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن الحسن بن علي الوشاء قال دخلت على الرضاعليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني أن أصب على يدك تكره أن أوجر قال تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت له وكيف ذلك فقال أما سمعت الله عز وجل يقول «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ »

_________________________________________

أيضا ولعله في الكسير محمول على عدم إمكان الجبيرة ، ويحتمل التخيير أيضا أو تخصيص الجبيرة بالوضوء والأوسط أظهر.

باب النوادر

الحديث الأول : ضعيف.

قولهعليه‌السلام « تؤجر أنت » يحتمل أن يكون استفهاما ، وقولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » جملة حالية وعلى ظاهره يدل على أن الجاهل يثاب على فعل يراه حسنا ويمكن حمله على الكراهة ولا يكون المعاونة على المكروه مكروها ، أو يكون مكروها من جهة ومندوبا من جهة ، وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : استدل العلامة في المنتهى وغيره بهذه الرواية على كراهة الاستعانة والظاهر أن المراد الصب على نفس العضو ، وهو التولية المحرمة كما يرشد إليه قوله « على يدك » ولم يقل في يدك ، وكما يدل عليه قولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » إذ لا وزر في المكروه ، فالاستدلال بها على كراهة الاستعانة محل تأمل. وقال : الباء في بعبادة ربه ظرفية ، والتفسير المشهور لهذه الآية ، ولا يجعل أحدا شريكا مع ربه في المعبودية فلعل كلا المعنيين مراد فإن الإمامعليه‌السلام لم ينف ذلك التفسير هذا ولا يخفى أن

١٨٨

«عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن صباح الحذاء ، عن أبي أسامة قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله رجل من المغيرية عن شيء من السنن فقال ما من شيء يحتاج إليه أحد من ولد آدم إلا وقد جرت فيه من الله ومن رسوله سنة عرفها من عرفها وأنكرها من أنكرها فقال رجل فما السنة في دخول الخلاء قال تذكر الله وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإذا فرغت قلت الحمد لله على ما أخرج مني من الأذى في يسر وعافية قال الرجل فالإنسان يكون على تلك

_________________________________________

الضمير في قولهعليه‌السلام « وهي العبادة » وقوله « إن يشركني فيها » راجعين إلى الصلاة والغرض منع الشركة في الوضوء : فكأنه لعدم تحققها بدونه ، أو بدله كالجزء منها ، ولا يبعد أن يجعل الباء في الآية للسببية ، وكذا « في » في قولهعليه‌السلام فيها ، وحينئذ لا يحتاج إلى تكلف جعل الوضوء كالجزء من الصلاة فتدبر.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وكان فيه دلالة على استحباب عدم الفاصلة كثيرا بين الوضوء والصلاة ، والظاهر أن الغرض بيان الاشتراط.

الحديث الثالث : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « من المعتزلة » وفي بعض النسخ ـ المغيرية ـ وهو أظهر ، قال في الملل والنحل : المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ادعى أن الإمام بعد محمد بن علي بن الحسين ، محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكان المغيرة مولى لعبد الله بن خالد

١٨٩

الحال ولا يصبر حتى ينظر إلى ما يخرج منه قال إنه ليس في الأرض آدمي إلا ومعه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا برقبته ثم قالا يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن المعلى ، عن إبراهيم بن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من توضأ فتمندل كانت له حسنة وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن جراح الحذاء ، عن سماعة بن مهران قال قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن قاسم الخزاز ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال :

_________________________________________

القصري وفي القاموس كدح في العمل كمنع سعى وعمل لنفسه خيرا أو شرا.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مجهول.

والظاهر يومه مكان ليلته وكأنه من النساخ ، أو الرواة بقرينة أنه نقل هذا الخبر عن سماعة بعد ذلك بزيادة ، وهنا في أكثر النسخ يومه ، وفي ثواب الأعمال في نهاره إلا الكبائر ، ومن توضأ للصبح كان وضوءه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر ، وعلى ما في أكثر نسخ المتن يحتمل أن يكون المراد الليلة السابقة ، أو يكون الظرف متعلقا بالكفارة فيكون المراد جميع الذنوب والله يعلم.

الحديث السادس : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : « بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام » أصل ـ بينا ـ بين فأشبعت الفتحة وقفا فصارت ألفا ، يقال بينا وبينما ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وأبقيت الألف المشبعة وصلا مثلها وقفا ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة

١٩٠

_________________________________________

من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وقد جاء في الجواب كثيرا تقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو وإذ دخل عليه وإذا دخل عليه ، على ما ذكره الجوهري و ـ بينا ـ هنا مضاف إلى جملة ما بعده وهي ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس ـ وأقحم جزئي الجملة الظرف المتعلق بالخبر وقدم عليه توسعا ، أما كلمة « ذات » فقد قال الشيخ الرضيرضي‌الله‌عنه في شرح الكافية : وأما ذا وذات وما تصرف منهما إذا أضيف إلى المقصود بالنسبة فتأويلها قريب من التنزيل المذكور ، إذ معنى ـ جئت ذا صباح ـ أي وقتا صاحب هذا الاسم ، فذا من الأسماء الستة وهو صفة موصوف محذوف وكذا جئته ذات يوم أي مدة صاحبة هذا الاسم ، واختصاص ذا بالبعض وذات بالبعض الأخر يحتاج إلى سماع ، وأما ذا صبوح وذا غبوق فليس من هذا الباب ، لأن الصبوح والغبوق ليسا زمانين ، بل ما يشرب فيهما فالمعنى جئت زمانا صاحب هذا الشراب فلم يضف المسمى إلى اسمه. وقيل : إن ذا وذات في أمثال هذه المقامات مقحمة بلا ضرورة داعية إليها بحيث يفيدان معنى غير حاصل قبل زيادتهما مثل ـ كاد ـ في قوله تعالى «وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » والاسم في بسم الله على بعض الأقوال ، وظرف المكان المتأخر أعني مع متعلق بجالس أيضا.

واختلف في إذا الفجائية هذه هل هي ظرف مكان أو ظرف زمان فذهب المبرد إلى الأول ، والزجاج إلى الثاني ، وبعض إلى أنها حرف بمعنى المفاجأة ، أو حرف زائد وعلى القول بأنها ظرف مكان ، قال ابن جني عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه وعامل ـ بينا وبينما ـ محذوف يفسره الفعل المذكور فمعنى الفقرة المذكورة في الحديث قال أمير المؤمنينعليه‌السلام بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية وكان ذلك القول في مكان جلوسه ، وقال شلوبين : إذ مضافة إلى الجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما لأن المضاف إليه

١٩١

يا محمد ائتني بإناء من ماء فأتاه به فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال :

_________________________________________

لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وإنما عاملهما محذوف يدل عليه الكلام ، وإذ بدل منهما ويرجع الحاصل إلى ما ذكرنا على قول ابن جني ، وقيل : العامل ما يلي بين بناء على أنها مكفوفة عن الإضافة إليه كما يعمل تألى اسم الشرط فيه ، والحاصل حينئذ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس مع محمد بين أوقات يوم من الأيام في مكان ، قوله « يا محمد إلى آخره » وقيل بين خبر لمبتدء محذوف والمصدر المسبوك من الجملة الواقعة بعد إذ مبتدأ والمال حينئذ أن بين أوقات جلوسهعليه‌السلام مع ابنه قوله يا محمد إلى آخره ـ ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بقوله ـ يا محمد إلى آخره ـ وعلى قول الزجاج وهو كون إذا ظرف زمان يكون مبتدأ مخرجا عن الظرفية خبره ـ بينا وبينما ـ فالمعنى حينئذ ، وقت قول أمير المؤمنينعليه‌السلام حاصل بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية.

قولهعليه‌السلام : « آتني » يدل على أن طلب إحضار الماء ليس من الاستعانة المكروهة.

قولهعليه‌السلام « فصبه » في التهذيب وغيره فأكفاه ، وقال الجوهري كفأت الإناء كبيته وقلبته فهو مكفوء وزعم ابن الأعرابي أن أكفاءه لغة فصيحة الضبط.

قولهعليه‌السلام « بيده اليمنى » كذا في أكثر نسخ الفقيه والتهذيب أيضا ، وفي بعض نسخ التهذيب وغيره بيده اليسرى على يده اليمنى وعلى كلتا النسختين الأكفاء إما للاستنجاء أو لغسل اليد قبل إدخالها الإناء ، والأول أظهر ويؤيده استحباب الاستنجاء باليسرى على نسخة الأصل ، وعلى الأخرى يمكن أن يقال : الظاهر أن الاستنجاء باليسرى إنما يتحقق بأن تباشر اليسرى العورة وأما الصب فلا بد أن يكون باليمنى في استنجاء الغائط وأما استنجاء البول فإن لم تباشر اليد العورة فلا يبعد كون الأفضل الصب باليسار ، وإن باشرتها فالظاهر أن الصب باليمين أولى.

١٩٢

الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمها على النار ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وطيبها وريحانها ثم تمضمض

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « الحمد لله » في الفقيه وغيره ـ بسم الله الحمد لله ـ أي أستعين ، أو أتبرك باسمه تعالى وأحمده.

قوله « طهورا » أي مطهرا كما يناسب المقام ، ولأن التأسيس أولى من التأكي د « ولم يجعله نجسا » أي متأثرا من النجاسة ، أو بمعناه فإنه لو كان نجسا لم يمكن استعماله في إزالة النجاسة ، ولعل كلمة « ثم » في الموضع منسلخة عن معنى التراخي كما قيل في قوله تعالى «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ »(١) والمراد بتحصين الفرج ستره وصونه عن الحرام وعطف ـ الإعفاف ـ عليه تفسيري أو الإعفاف عن الشبهات والمكروهات ، وقال الشيخ البهائي (ره) عطف العورة من قبيل عطف العام على الخاص فإن العورة كل ما يستحيي ، والأولى أن يقال : عطف الستر من قبيل عطف الخاص على العام فلا تغفل و « حرمها » أي العورة بالمعنى الأخص أو الفرج وفي بعض الروايات حرمهما باعتبار لفظي الفرج والعورة وإن اتحد معناهما أو يقرأ عورتي بتشديد الياء.

قولهعليه‌السلام « ثم استنشق » أقول : الرواية في سائر الكتب بتقديم المضمضة على الاستنشاق كما هو المشهور فيهما ، وفي الكتاب بالعكس ، ولعله من النساخ والمشهور استحباب تقديم المضمضة ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز تأخير المضمضة عن الاستنشاق ، وقال في الذكرى : هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة ، وأما الفعل فالظاهر لا انتهى ، والاستنشاق اجتذاب الماء بالأنف ، وأما الاستنتار فلعله مستحب آخر ولا يبعد كونه

__________________

(١) المؤمنون : ١٤.

١٩٣

فقال اللهم أنطق لساني بذكرك واجعلني ممن ترضى عنه ثم غسل وجهه فقال : اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه

_________________________________________

داخلا في الاستنشاق عرفا ويشم بفتح الشين من باب علم ، ويظهر من الفيروزآبادي أنه يجوز الضم فيكون من باب نصر والريح الرائحة وفي الفقيه وغيره ريحها وروحها وطيبها. وقال الجوهري : الروح نسيم الريح ويقال : أيضا يوم روح أي طيب وروح وريحان أي رحمة ورزق وأول الدعاء استعاذة من أن يكون من أهل النار فإنهم لا يشمون ريح الجنة حقيقة ولا مجازا والمضمضة تحريك الماء في الفم كما ذكره الجوهري والدعاء في الفقيه وأكثر كتب الدعاء والحديث هكذا ( اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ) وفي بعضها ـ بذكراك ـ والتلقين التفهيم وهو سؤال منه تعالى أن يلهمهم يوم لقائه ما يصير سببا لفكاك رقابهم من النار كما قال تعالى «يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها »(١) وقرأ بتخفيف النون من التلقي كما قال تعالى «وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً »(٢) والأول أظهر.

« ويوم اللقاء » إما يوم القيامة والحساب ، أو يوم الدفن والسؤال ، أو يوم الموت أو الأعم ، وإنطاق اللسان عبارة عن توفيق الذكر مطلقا ، وبياض الوجه وسواده إما كنايتان عن بهجة السرور والفرح وكابة الخوف والخجلة ، أو المراد بهما حقيقة السواد والبياض ، وفسر بالوجهين قوله تعالى «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ »(٣) ويمكن أن يقرأ قولهعليه‌السلام « تبيض وتسود » على المضارع الغائب من باب الأفعال ، فالوجوه مرفوعة فيهما بالفاعلية وأن يقرأ بصيغة المخاطب من باب التفعيل مخاطبا إليه تعالى فالوجوه منصوبة فيهما على المفعولية كما ذكره الشهيد الثاني

__________________

(١) النحل : ١١١.

(٢) الإنسان : ١١.

(٣) آل عمران : ١٠٦.

١٩٤

الوجوه ثم غسل يمينه فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد بيساري ثم غسل شماله فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشني برحمتك

_________________________________________

رفع الله درجته ، والأول هو المضبوط في كتب الدعاء المسموع عن المشايخ الأجلاء ثم الظاهر أن التكرير للإلحاح في الطلب والتأكيد فيه ، وهو مطلوب في الدعاء فإنه تعالى يحب الملحين في الدعاء ، ويمكن أن تكون الثانية تأسيسا على التنزل فإن ابيضاض الوجوه تنور فيها زائدا على الحالة الطبيعة ، فكأنه يقول : إن لم تنورها فأبقها على الحالة الطبيعية ولا تسودها « والكتاب » كتاب الحسنات وإعطائه باليمين علامة الفلاح يوم القيامة كما قال تعالى «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً »(١) .

قولهعليه‌السلام « والخلد بيساري » في سائر الكتب والخلد في الجنان يحتمل وجوها :

الأول : أن المراد بالخلد الكتاب المشتمل على توقيع كونه مخلدا في الجنان على حذف المضاف ، وباليسار اليد اليسرى ، والباء صلة لأعطني ، كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : يعطى كتاب أعمال العباد بإيمانهم وبراءة الخلد في الجنان بشمائلهم ، وهو أظهر الوجوه.

الثاني : أن المراد باليسار اليسر خلاف العسر كما قال تعالى «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » فالمراد هنا طلب الخلود في الجنة من غير أن يتقدمه عذاب النار وأهوال يوم القيامة وسهولة الأعمال الموجبة له.

الثالث : أن يراد باليسار مقابل الإعسار أي اليسار بالطاعات ، أي أعطني الخلد في الجنان بكثرة طاعاتي فالباء للسببية فيكون في الكلام إيهام التناسب و

__________________

(١) الإنشقاق : ٩.

١٩٥

وبركاتك وعفوك ثم مسح على رجليه فقال : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم التفت إلى محمد فقال :

_________________________________________

وهو الجمع بين المعنيين المتناسبين بلفظين لهما معنيان متناسبان ، كما قيل في قوله تعالى «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ »(١) فإن المراد بالنجم ما ينجم من الأرض أي ما يظهر ولا ساق له كالبقول ، وبالشجر ما له ساق فالنجم. بهذا المعنى وإن لم يكن مناسبا للشمس والقمر لكنه بمعنى الكواكب يناسبها وهذا الوجه مع لطفه لا يخلو من بعد.

الرابع : أن الباء للسببية أي أعطني الخلد بسبب غسل يساري وعلى هذا فالباء في قوله ـ بيميني أيضا للسببية ، ولا يخفى بعده لا سيما في اليمين لأن إعطاء الكتاب مطلقا ضروري ، وإنما المطلوب الإعطاء باليمين الذي هو علامة الفائزين أقول في سائر الكتب بعد قوله بيساري وحاسبني حسابا يسيرا.

وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه : لم يطلب دخول الجنة بغير حساب لمقامه واعترافا بتقصيره عن الوصول إلى هذا القدر من القرب لأنه مقام الأصفياء ، بل طلب سهولة الحساب تفضلا من الله تعالى وعفوا عن المناقشة بما يستحقه وتحرير الحساب بما هو أهله ، وفيه مع ذلك اعتراف بحقية الحساب مضافا إلى الاعتراف بأخذ الكتاب وذلك بعض أحوال يوم الحساب.

و قولهعليه‌السلام « اللهم لا تعطني كتابي بشمالي » إشارة إلى قوله سبحانه «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ». «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً »(٢) وقوله « ولا من وراء ظهري » كما في غير نسخ الكتاب « ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي » إلى ما روي من أن المجرمين يعطى كتابهم من وراء ظهورهم بشمائلهم حالكونها مغلولة إلى أعناقهم.

قولهعليه‌السلام « من مقطعات النيران » قال الجزري : المقطع من الثياب كل

__________________

(١) الرحمن : ٦.

(٢) الإنشقاق : ١٠.

١٩٦

يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت وقال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويهلله ويكتب له ثواب ذلك

_________________________________________

ما يفصل ويخاط من قميص وغيره ، انتهى. وهذا إشارة إلى قوله تعالى «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ »(١) فإما أن تكون جبة وقميصا حقيقة من النار ، مثل الرصاص والحديد ، أو تكون كناية عن لصدوق النار بهم كالجبة والقميص ، ولعل السر في كون ثياب النار مقطعات أو التشبيه بها كونها أكثر اشتمالا على البدن من غيرها ، فالعذاب بها أشد ، وفي بعض نسخ الحديث والدعاء مفظعات بالفاء والظاء المعجمة جمع مفظعة بكسر الظاء من فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع ، وهو تصحيف ، والأول موافق للاية الكريمة حيث يقول «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ».

و « التغشية » التغطية و « البركة » النماء والزيادة. وقال في النهاية : في قولهم ـ وبارك على محمد وآل محمد ـ أي أثبت لهم وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة ، والأصل الأول ، انتهى. ولعل الرحمة بالنعم الأخروية أخص ، كما أن البركة بالدنيوية أنسب ، كما يفهم من موارد استعمالهما ، ويحتمل التعميم فيهما ، وقال الوالدقدس‌سره : يمكن أن تكون الرحمة عبارة عن نعيم الجنة وما يوصل إليها ، والبركات عن نعيم الدنيا الظاهرة والباطنة من التوفيقات للأعمال الصالحة والعفو عن الخلاص من غضب الله وما يؤدي إليه.

قولهعليه‌السلام « من كل قطرة » أي بسببها أو من عملها ، بناء على تجسم الأعمال ، والتسبيح والتقديس مترادفان بمعنى التنزيه ، ويمكن تخصيص التقديس بالذات والتسبيح بالصفات والتكبير بالأفعال وقولهعليه‌السلام « إلى يوم القيمة » إما متعلق بيكتب أو بخلق ، أو بهما وبالأفعال الأربعة على التنازع.

__________________

(١) الحجّ : ١٩.

١٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول وهو يحدث الناس بمكة صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفجر ثم جلس مع أصحابه حتى طلعت الشمس فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان أنصاري وثقفي فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمت أن لكما حاجة وتريدان أن تسألا عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني وإن شئتما فاسألا عنها قالا بل تخبرنا قبل أن نسألك عنها فإن ذلك أجلى للعمى وأبعد من الارتياب وأثبت للإيمان فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت أن تسألني عن وضوئك وصلاتك ما لك في ذلك من الخير أما وضوؤك فإنك إذا وضعت يدك في إنائك ثم قلت بسم الله تناثرت منها ما اكتسبت من الذنوب فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الوضوء شطر الإيمان.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن بعض أصحابنا ، عن إسماعيل بن مهران ، عن صباح

_________________________________________

الحديث السابع : صحيح على الظاهر ، وإن قيل باشتراك محمد بن قيس.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

ويحتمل أن يكون المراد بالشطر الجزء والنصف وعلى التقديرين يمكن أن يراد بالإيمان الصلاة كما قال تعالى «وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ »(١) أي صلاتكم أو الإيمان المشتمل على العبادات لأنه أحد إطلاقاته. في الأخبار.

الحديث التاسع : مرسل ، وظاهره الأعم من التجديد.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

١٩٨

الحذاء ، عن سماعة قال كنت عند أبي الحسنعليه‌السلام فصلى الظهر والعصر بين يدي وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي توضأ فقلت جعلت فداك أنا على وضوئي فقال وإن كنت على وضوء إن من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ومن توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

١٠ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الطهر على الطهر عشر حسنات.

١١ ـ محمد بن الحسن وغيره ، عن سهل بن زياد بإسناده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا فرغ أحدكم من وضوئه فليأخذ كفا من ماء فليمسح به قفاه يكون ذلك فكاك رقبته من النار.

١٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال :

_________________________________________

الحديث العاشر : مرسل.

ويشمل الوضوء بعد الغسل بل الغسل بعد الغسل أيضا ، ولم أر التصريح بهما في كلامهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

والظاهر أنه محمول على التقية ، ويحتمل أن يكون الثواب على هذا الفعل للتقية.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

والمشهور بين الأصحاب عدم جواز التوضؤ والاغتسال بالمضاف مطلقا وخالف فيه ابن بابويه فجوز رفع الحدث بماء الورد ، ولم يعتبر المحقق خلافه حيث ادعى الإجماع على عدم حصول الرفع به لمعلومية نسبه ، أو لانعقاد الإجماع بعده ، والمعتمد المشهور ، احتج ابن بابويه بهذه الرواية ، وقال في المدارك : وهو ضعيف لاشتمال

١٩٩

لا بأس بذلك.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الوهاب ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن هشام بن سالم ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عمن مس عظم الميت قال إذا كان سنة فليس به بأس.

١٤ ـ محمد بن يحيى رفعه ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها.

_________________________________________

سنده على سهل بن زياد ، ومحمد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى ، عن يونس ، وحكم الشيخ في كتاب الأخبار بشذوذ هذه الرواية وأن العصابة أجمعت على ترك العمل بظاهرها ، ثم أجاب عنها باحتمال أن يكون المراد بالوضوء التحسين والتنظيف ، أو أن يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد دون أن يكون معتصرا منه ، وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقيق ، ونقل المحقق في المعتبر اتفاق الناس جميعا على أنه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام « إذا جاز سنة » كأنه لذهاب الدسومة التي تكون في العظم ، والمراد بالعظم عظم الميتة من الحيوانات ، أو الميت الذي لم يغسل ، ويحتمل أن يكون السؤال باعتبار غسل المس.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

قولهعليه‌السلام « فاحتلم » أي رأى في النوم ما يوجب الاحتلام.

قولهعليه‌السلام « فليتيمم » قال في المدارك : هذا مذهب أكثر علمائنا ، ومستنده

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال في يوم حارّ، حنا(١) كفّه: من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنّم؟

قالها ثلاث مرّات.

فقال النّاس في كلّ مرّة: نحن، يا رسول الله! فقال: من أنظر غريما، أو ترك لمعسر.

ثمّ قال لي أبو عبد الله [ـ عليه السّلام ـ قال لي عبد الله](٢) بن كعب بن مالك: إنّ أبي أخبرني أنّه لزم غريما له في المسجد. فجاء(٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فدخل بيته، ونحن جالسان. ثمّ خرج في الهاجرة. فكشف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ستره.

فقال له: يا كعب! ما زلتما جالسين؟

قال: نعم. بأبي وأمّي! قال: فأشار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكفّه: خذ النّصف.

قال: قلت: بأبي وأمّي.

ثمّ قال له: أتبعه ببقيّة حقّك.

قال: فأخذت النّصف. ووضعت [له](٤) النّصف.

[عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خلّوا سبيل المعسر، كما خلّاه الله].(٦)

( وَاتَّقُوا يَوْماً ) : نصب على المفعول به على الاتّساع، أي: ما فيه.

( تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) : يوم القيامة، أو يوم الموت، أو الأعمّ. فتأهّبوا لمصيركم إليه.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب، بفتح التّاء وكسر الجيم.

( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) : جزاء ما عملت، من خير أو شرّ.

( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٢٨١) بنقص ثواب وتضعيف عذاب.

قال البيضاويّ(٧) : وعن ابن عبّاس: أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل [على رسول الله

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: وحشي.

(٢) ليس في أ.

(٣) المصدر: فأقبل.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٣.

٤٦١

ـ صلّى الله عليه وآله ـ](١) وقال ضعها في رأس المائتين والثّمانين من البقرة. وعاش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعدها أحدا وعشرين يوما. وقيل: أحدا وثمانين. وقيل: سبعة أيّام. وقيل: ثلاث ساعات.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) : إذا داين بعضكم بعضا.

و «التّداين» و «المداينة»: المعاملة نسيئة، معطيا أو آخذا.

وذكر الدّين لدفع توهّم أنّه من التّداين، بمعنى المجازاة.

( إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) : معلوم بالأيّام والأشهر. فإنّه معلوم. لا بالحصاد وقدوم الحاجّ.

فإنّه لا يجوز. لأنّه غير معلوم.

( فَاكْتُبُوهُ ) . لأنّه أوثق وأدفع للنّزاع. والأمر بها للاستحباب.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [قال](٣) : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم.

قال: فمرّ(٤) آدم باسم داود [النّبيّ ـ عليه السّلام].(٥) فإذا عمره في العالم أربعون سنة.

فقال آدم: يا ربّ! ما أقلّ عمر داود. وما أكثر عمري! يا ربّ! إن أنا زدت داود [من عمرى](٦) ثلاثين سنة. أتثبت(٧) ذلك له؟

قال: نعم، يا آدم! قال: فإنّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة. فأنفذ ذلك له. وأثبتها له عندك.

واطرحها من عمري.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأثبت الله ـ عزّ وجلّ ـ لداود في عمره ثلاثين سنة.

وكانت له عند الله مثبتة. (فذلك قوله(٨) ـ عزّ وجلّ(٩) :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) .

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) علل الشرائع / ٥٥٣، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) ليس في المصدر. والظاهر أنها سقطت منه.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: أثبت.

(٨) المصدر: فلذلك قول الله.

(٩) الرعد / ٣٩.

٤٦٢

قال: فمحا الله ما كان [عنده](١) مثبتا لآدم. وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا.

قال: فمضى عمر آدم. فهبط [عليه](٢) ملك الموت، لقبض روحه.

فقال له آدم: يا ملك الموت! إنّه قد بقي من عمري ثلاثون(٣) سنة.

فقال له ملك الموت: يا آدم! ألم تجعلها لابنك داود النّبيّ، وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك، وعرضت عليك أعمارهم، وأنت يومئذ بوادي الدخيا(٤) ؟

فقال له آدم: ما أذكر هذا؟

قال: فقال له ملك الموت: يا آدم! لا تجحد. ألم تسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يثبته(٥) لداود ويمحوها من عمرك؟ فأثبتها لداود في الزّبور. ومحاها من عمرك في الذّكر.

قال آدم حتّى أعلم ذلك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: وكان آدم صادقا. لم يذكر. ولم يجحد. فمن ذلك اليوم أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ العباد(٦)

أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل [مسمّى](٧) ، لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه.

وفي الكافي(٨) : أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا عرض على آدم ولده، نظر إلى داود. فأعجبه. فزاده خمسين سنة من عمره.

[قال: ونزل عليه جبرائيل وميكائيل. فكتب عليه ملك الموت صكّا بالخمسين سنة. فلمّا حضرته الوفاة، أنزل عليه ملك الموت.

فقال آدم: قد بقي من عمري خمسون سنة](٩) قال: فأين الخمسون سنة(١٠) الّتي جعلتها لابنك داود؟

قال: فأمّا أن يكون نسيها، أو أنكرها. فنزل جبرئيل وميكائيل فشهدا عليه.

وقبضه ملك الموت.

__________________

(١ و ٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: ثلاثين.

(٤) المصدر: الدخياء.

(٥) المصدر: يثبتها.

(٦) ليس في أ.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ٢.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في المصدر.

٤٦٣

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كان أوّل صكّ كتب في الدّنيا. وفيه حديث آخر طويل نحوه(١) ، غير أنّ فيه: أنّ عمر داود كان أربعين سنة. فزاده آدم ستّين تمام المائة.

( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) : بالسّويّة. لا يزيد ولا ينقص. وهو للاستحباب، أيضا.

( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ ) : لا يمتنع أحد من الكتّاب. وهو للاستحباب، أيضا.

( أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ ) من كتبة الوثائق. وهو أن يكتب بالعدل، أو لا يأب أن ينتفع النّاس بكتابته، كما نفعه الله بتعليمها.

( فَلْيَكْتُبْ ) تلك المعلمة. أمر بها بعد النّهي عن الإباء، تأكيدا.

وقيل(٢) : «يجوز أن تتعلّق الكاف بالأمر. فيكون النّهي عن الامتناع [منها، مطلقة ،](٣) ثمّ الأمر بها مقيّدة.» وهو ضعيف.

( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ ) . لأنّه المقرّ.

والإملال والإملاء، واحد.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) ، أي: المملي أو الكاتب.

( وَلا يَبْخَسْ ) : لا ينقص،( مِنْهُ شَيْئاً ) ، أي: من الحقّ، أو ممّا أملي عليه.

( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) : ناقص العقل،( أَوْ ضَعِيفاً ) : صبيّا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن ابن سنان قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: متى يدفع إلى الغلام ماله؟

قال: إذا بلغ وأونس منه رشد، ولم يكن سفيها أو ضعيفا.

قال: قلت: فإنّ منهم من يبلغ خمس عشرة(٥) سنة وستّ عشرة(٦) سنة ولم يبلغ.

قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٧٨، ح ١، مع بعض التصرف في النقل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٥، ح ٥٢٢.

(٥) المصدر: خمس عشر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ستة عشرة.

٤٦٤

قال: قلت: وما السّفيه والضّعيف؟

قال: السّفيه، الشّارب الخمر. والضّعيف الّذي يأخذ واحدا باثنين.

وفي تهذيب الأحكام(١) : عليّ بن (الحسين(٢) ، عن أحمد ومحمّد)، ابني الحسن، عن أبيهما، عن أحمد بن عمر الحلبيّ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) .

قال: الاحتلام.

قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة(٣) سنة(٤) ونحوها.

فقال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة(٥) [ونحوها.

فقال: لا. إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ،](٦) كتبت له الحسنات [وكتبت عليه السّيّئات].(٧) وجاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

فقال: وما السّفيه؟

فقال: الّذي يشتري الدّرهم بأضعافه.

فقال: وما الضّعيف؟

قال: الأبله.

[وفي كتاب الخصال، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن اليتيم متى يجوز أمره؟

قال: حتّى يبلغ أشدّه.

قال: قلت(٨) : وما أشدّه؟

قال: احتلامه(٩) .

قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة(١٠) سنة، أو أقلّ، أو أكثر ولا يحتلم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ١٨٢، ح ٧٣١.

(٢) المصدر: الحسن.

(٣) المصدر: ست عشرة وسبعة عشر. النسخ: ستة عشر وسبع عشر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثلاث عشر سنة.

(٦ و ٧) يوجد في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر: الاحتلام.

(١٠) المصدر: ثمان عشر. الأصل ور: ثمانية عشر.

٤٦٥

قال: فإذا بلغ وكتب عليه الشيء، جاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا].(١)

( أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ) لخرس أو جهل باللّغة.

( فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) ، أي: الّذي يلي أمره، ويقوم مقامه، من الوليّ الشّرعيّ للصّبيّ والمختلّ العقل، والوكيل المترجم المعتبر، على الوجه الّذي اعتبره الشرع من كونه عدلين خبيرين بقصده.

( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ) :

واطلبوا أن يشهد على الدّين شاهدان،( مِنْ رِجالِكُمْ ) المؤمنين.

( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) ، أي: فليشهدوا. فالمستشهد، رجل وامرأتان.

( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) لعلمكم بعدالتهم.

في الكافي(٢) : أحمد بن محمّد العاصميّ، عن عليّ بن الحسن التميميّ، عن ابن بقاح، عن أبي عبد الله المؤمن، عن عمّار بن أبي عاصم قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: أربعة لا يستجاب لهم دعوة. أحدهم(٣) : رجل كان له مال. فأدانه بغير بيّنة. يقول(٤) الله ـ عزّ وجلّ: ألم آمرك بالشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من ذهب حقّه على غير بيّنة لم يؤجر.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تهذيب الأحكام(٧) : سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد(٨) ، وعليّ بن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٥ / ٢٩٨، ح ٢.

(٣) المصدر: «فذكر الرابع»، بدل «دعوة أحدهم»

(٤) المصدر: فيقول.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تهذيب الأحكام ٦ / ٢٨١، ح ٧٧٤.

(٨) المصدر: «أحمد بن محمد عن محمد بن خالد» بدل «أحمد بن محمد بن خالد.»

٤٦٦

حديد، عن عليّ بن النّعمان، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن شهادة النّساء في النّكاح بلا رجل معهنّ، إذا كانت المرأة منكرة.

فقال: لا بأس به، ـ إلى قوله ـ وكان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يجيز شهادة امرأتين في النّكاح، عند الإنكار. ولا يجيز في الطّلاق، إلّا شاهدين عدلين.

قلت: فأنّى ذكر الله تعالى؟ وقوله( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) .

فقال: ذلك في الدّين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان. ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن(١) امرأتان(٢) . قضى بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بعده عندكم.

( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ) ، أي: تضلّ إحدى المرأتين، أي: نسيت الشّهادة.

( فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) ، أي: إنّما اعتبر التّعدّد في المرأة، لإرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى، إن ضلّت ونسيت الشّهادة. وذلك لنقصان عقولهنّ وقلّة ضبطهنّ. والعلّة في الحقيقة التّذكير، وضع سببه مقامه.

وقرأ حمزة: «أن تضلّ» (على الشّرط) «فتذكّر» (بالرّفع.) وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: «فتذكّر» (من الإذكار.)( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) .، لتحمّل الشّهادة.

وسمّوا «شهداء»، تنزيلا لما يشارف منزلة الواقع وما مزيدة.

وقيل(٣) : لأداء الشّهادة أو التّحمّل.

وفي الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) قال(٥) . لا ينبغي لأحد إذا دعي للشّهادة(٦) ، يشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم.

[محمد بن يحيى(٧) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله. وقال: فذلك قبل الكتاب].(٨)

__________________

(١) المصدر: لم تكن.

(٢) يوجد في أبعد هذه الجملة: ورجل واحد ويمين لا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٤) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ١.

(٥) المصدر: فقال.

(٦) المصدر: إلى الشهادة.

(٧) نفس المصدر ٧ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠، ح ٢.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٦٧

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) فقال: إذا دعاك الرّجل لتشهد(٢) له على دين أو حق، لم ينبغ لك أن نقاعس عنه.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) ، قال: قبل الشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا يأب الشّهداء أن تجيب(٥) حين تدعى(٦) قبل الكتاب.

( لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ ) : ولا تملّوا من كثرة مدايناتكم أن تكتبوا الدّين.

وقيل(٧) : كنّى بالسّأمة عن الكسل.

( صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ) : كان الحقّ صغيرا أو كبيرا، أو الكتاب مختصرا أو مشبعا.

( إِلى أَجَلِهِ ) : متعلّق بتكتبوه، أي: وقت حلوله الّذي أقرّ به المديون.

( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى( أَنْ تَكْتُبُوهُ ) .

( أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) : أكثر قسطا.

( وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ) : وأثبت لها.

وهما مبنيّان من أقسط وأقام على غير قياس، أو من قاسط بمعنى ذي قسط وقويم.

وإنّما صحّت الواو في «أقوم» كما صحّت في التّعجّب، لجموده.

( وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا ) : وأقرب في أن لا تشكّوا في جنس الدّين وقدره وأجله والشّهود ونحو ذلك.

( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) :

استثناء عن مفعول فاكتبوه الرّاجع إلى دين، باعتبار تعلّق الكتابة به وتعلّقه

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٨٠، ح ٣.

(٢) النسخ: «تشهد.» وما في المتن، موافق المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٤.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ٦.

(٥ و ٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يجيب يدعى.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

٤٦٨

بالتّداين. وما بينهما اعتراض، أي: اكتبوا الدّين المتداين به، إلّا أن يكون تجارة.

ونصب عاصم «تجارة»، على أنّه الخبر، والاسم مضمر تقديره: «إلّا أن يكون الدّين المتداين به تجارة.» وقرأ الباقون بالرّفع، على أنّ الخبر( تُدِيرُونَها ) ، أو على كان التّامّة.

( حاضِرَةً ) : والتّجارة الحاضرة تكون بدين وعين.

( تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ) : وإدارة التّجارة تعاطيهم إيّاها يدا بيد. فهو على تقدير كونه صفة مخصّصة، أي: فلا بأس بعدم الكتابة حينئذ.

( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) مطلقا. لأنّه أحوط.

وقيل(١) : المراد هذا التّبايع.

والأوامر الّتي في هذه الآية، للاستحباب. وقيل(٢) : للوجوب. فمن قائل بالإحكام وقائل بالنّسخ.

( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) : يحتمل البنائين. ويدلّ عليه قراءة: ولا يضارّ (بالكسر والفتح.) فعلى البناء للفاعل، نهي لهما عن ترك الإجابة والتّحريف والتّغيير في الكتبة والشّهادة. وعلى البناء للمفعول، نهى للمستكتب والمستشهد، من أن يضارّهما بالتّكليف لهما، ما لا يسوغ لهما، من حبس جعل الكاتب وحبس الشّهيد وغير ذلك.

( وَإِنْ تَفْعَلُوا ) ما نهيتم عنه،( فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) : خروج عن الطّاعة.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في مخالفة نهيه.

( وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) أحكامه المتضمّنة لمصالحكم.

( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . (٢٨٢) كرّر لفظ «الله» في الجمل الثّلاث، للمبالغة.

فإنّه لـمّا كان موضوعا للذّات الكاملة مع جميع صفات الكمال على الكمال، فيكون عقابه في النّهاية والكمال. فيقتضي الاتّقاء منه، أشدّ اقتضاء. ويكون تعليمه للأحكام في نهاية الإفضال. فلا يجوز مخالفة حكمه بحال. ويكون علمه بقدر الجزاء، شاملا أتمّ شمول. فلا يسوغ إغفال العمل بالذّهول.

وقيل(٣) : كرّر لاستقلالها. فإنّ الأولى، حثّ على التّقوى. والثّانية، وعد بإنعامه.

والثّالثة، تعظيم لشأنه. ولأنّه أدخل في التّعظيم من الكناية.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

٤٦٩

والوجه الأوّل من تعليليه ضعيف. لأنّ الإضمار لا يقتضي عدم الاستقلال. فتأمّل.

( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ) : راكب سفر، أي: مسافرين،( وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً، فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) ، أي: فالّذي يستوثق رهان، أو فعليكم رهان، أو فليؤخذ رهان.

وظنّ مجاهد والضّحّاك، أنّ هذا التّعليق لاشتراط السّفر في الارتهان. [وليس كما ظنّا. بل الظّاهر أنّه لإقامة التّوثّق بالارتهان](١) مقام التّوثّق بالكتب في السّفر الّذي هو مظنّة الإعواز.

وبعضهم استدلّ بالآية، على أنّ القبض بالمعنى الأخصّ، معتبر في الرّهن. وفيه أنّه يحتمل أن يكون ذكر القبض واردا في الآية، على ما هو اكثر موارده، على أنّه يحتمل أن يكون المراد بالقبض، ما يشمل عدم جواز تصرّف الرّاهن، بدون إذن المرتهن فيه.

وما رواه العيّاشيّ(٢) : في تفسيره «عن محمّد بن عيسى، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لا رهن إلّا مقبوض(٣) » محمول على هذا المعنى.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهن، كسقف. وكلاهما جمع رهن، بمعنى مرهون، وقرئ بإسكان الهاء، على التّخفيف.

( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) ، أي: عدّ بعضكم البعض الآخر أمينا، واستغنى بأمانته عن الكتبة والارتهان،( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) ، أي: دينه.

سمّاه «أمانة»، لائتمانه عليه بترك الارتهان. ويحتمل أن يكون المراد بالائتمان، الاستيداع.

وقرئ بالّذيّتمن (بقلب الهمزة ياء) والّذتمن (بإدغام الياء في التّاء).

قيل(٤) : [وهو خطأ. لأنّ المنقلبة عن الهمزة في حكمها. فلا تدغم.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) في الخيانة.

وفي ذكر الرّبّ والإضافة إلى المؤتمن بعد ذكر الاسم الدّالّ على الذّات

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٥.

(٣) المصدر: مقبوضا.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٠

المستجمع لجميع الصّفات المقتضية للاتّقاء عنه، زيادة اقتضاء للاتّقاء، على وجه اللّطف والمرحمة، لإشعاره بأنّه تعالى مربّيه. فيجب أن لا يرتكب ما فيه، مناقضة بكمال تربيته. فإنّ فيه كسر للمربّي ظاهرا. ففيه نهاية الإعطاف والإفضال وإظهار الملاطفة والإشعار.

فاعتبروا يا أولي الأبصار.

( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ) ، أيّها الشّهود! وقيل(١) : أو المديونون. والشّهادة، شهادتهم على أنفسهم.

( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ، أي: يأثم قلبه، أو قلبه يأثم. وعلى الثّاني، الجملة خبر «إنّ» وإسناد الإثم إلى القلب. لأنّ الكتمان يقترفه، أو للمبالغة. فإنّه رئيس الأعضاء. وأفعاله أعظم الأفعال.

وفي نهج البلاغة(٢) : قال ـ عليه السّلام: وبما في الصّدور يجازى(٣) العباد.

وقرئ: قلبه (بالنّصب، كحسن وجهه.)

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : روى جابر(٥) ، عن أبي جعفر(٦) ـ عليه السّلام ـ قال في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) قال: كافر قلبه].(٧)

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (٢٨٣): تهديد.

في أمالي الصّدوق ـ رحمه الله(٨) ـ في مناهي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: ونهى ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن كتمان الشّهادة. وقال: من كتمها(٩) أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ. وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) .

وفي الكافي(١٠) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، ومحمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من كتم شهادة، أو شهد بها، ليهدر بها دم امرئ مسلم ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

(٢) نهج البلاغة / ١٠٣، في خطبة ٧٥.

(٣) المصدر: تجازى.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٥، ح ١١٥.

(٥) «روى جابر» ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وقال ـ عليه السّلام ـ أي: أبي جعفر ـ عليه السّلام.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٨) أمالي الصدوق / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٩) أو المصدر: يكتمها.

(١٠) الكافي ٧ / ٣٨٠، ح ١. وللحديث ذيل.

٤٧١

أو ليزوي مال امرئ مسلم، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة، مدّ البصر وفي وجهه كدوح.

تعرفه الخلائق باسمه ونسبه.

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) : خلقا وملكا.

( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) : ما استقرّ في أنفسكم من السّوء حتّى تعزموا عليه.

لا ما خطر فيه. فإنّه موضوع عنكم. فإن تبدوه بالعمل أو باللّسان.

( أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) يوم القيمة.

( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ) مغفرته.

( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) تعذيبه.

وقد رفعهما عامر وعاصم ويعقوب، على الاستئناف. وجزمهما الباقون، عطفا على جواب الشّرط. ومن جزم بغير فاء، جعلهما بدلا عنه، بدل البعض من الكلّ أو الاشتمال، كقوله :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وإدغام الرّاء في اللّام، لحن، إذ الرّاء لا يدغم إلّا في مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن سعدان، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) قال: حقيق على الله أن لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما.

وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله(٣) ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي تسعة أشياء(٤) : الخطأ، والنّسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطّيرة، والتّفكّر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفة.

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة. فلم يجبني. فدخلت عليه دخلة أخرى. فقلت: أصلحك الله! إنّه قد وضع(٦) في قلبي منها شيء، ولا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٨.

(٢) التوحيد / ٣٥٣، ح ٢٤.

(٣) المصدر: أبي عبد الله عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) نفس المصدر / ٣٤٦، ح ٣.

(٦) المصدر: وقع. (ظ)

٤٧٢

قال: فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك.

وسيأتي تمام الحديث ـ إن شاء الله.

( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢٨٤). فيقدر على الإحياء والمحاسبة والمغفرة والتّعذيب.

( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) : شهادة. تنصيص من الله تعالى، على صحّة إيمانه والاعتداد به. وإنّه جازم في أمره، غير شاكّ فيه.

في كتاب الغيبة، لشيخ الطّائفة ـ قدس سرّه(١) ـ بإسناده إلى سلام قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة(٢) أسري بي إلى السّماء، قال العزيز ـ جلّ ثناؤه:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٣) :](٤) وروى المقلّد بن غالب ـ رحمه الله ـ عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن رهبان، عن محمّد بن أحمد، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن جابر قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة أسري بي إلى السّماء، قال الرّبّ ـ عزّ وجلّ:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد. من خلّفت على أمّتك؟

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام؟

قلت: نعم، يا ربّ! فقال: يا محمّد! إنّي اطّلعت إلى الأرض، اطلاعة. فاخترتك منها. فشققت لك اسما من أسمائي. فلا أذكر(٥) في موضع إلّا ذكرت معي. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ

__________________

(١) غيبة الطوسي / ٩٥.

(٢) المصدر: سمعت ليلة.

(٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) ليس في أ.

(٥) ر: إنّي فلا أذكر.

٤٧٣

اطّلعت ثانية. واخترت عليّا. فشققت له اسما من أسمائي. فأنا الأعلى. وهو عليّ.

يا محمّد! إنّي خلقتك وخلقت عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين، من نوري.

يا محمّد! إنّي عرضت ولايتكم على أهل السّماوات والأرضين. فمن قبلها كان عندي من المؤمنين. ومن جحدها كان عندي من الظّالمين.

يا محمّد! تحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم. يا ربّ! قال: التفت.

فالتفت عن يمين العرش. فإذا أنا باسم عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن والمهديّ في وسطهم، كأنّه كوكب درّيّ.

فقال: يا محمّد! هؤلاء حججي على خلقي. وهذا القائم من ولدك بالسّيف، والمنتقم من أعدائك.

فعلى هذين الخبرين، قوله( وَالْمُؤْمِنُونَ ) معطوف على «الرّسول» عطف تلقين.

وقوله :

( كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) ، مبتدأ وخبر. والضّمير الّذي ناب عنه التّنوين في كلّ، للرّسول وللمؤمنين.

وجوّز البيضاويّ(١) كون «المؤمنون» مبتدأ أولا، وكون الضّمير لهم، «وكلّ» مبتدأ ثانيا مع خبره. وهو مع خبره خبر للأوّل.

قال: ويكون إفراد الرّسول لتعظيمه، أو لأنّ إيمانه عن مشاهدة وعيان، وإيمانهم عن نظر واستدلال.

وقرأ حمزة والكسائيّ: «وكتابه»، يعني: القرآن أو الجنس. والفرق بينه وبين الجمع أنّه شائع في وحدان الجنس والجمع في جموعه. ولذلك قيل: الكتاب أكثر من الكتب.

( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) بالتّصديق لبعضهم والتّكذيب لبعض آخر، أي :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٤

يقولون لا نفرّق.

ويحتمل عدم تقدير القول بجعله حالا من الفاعل. وهو الرّسول والمؤمنون. ويكون العدول عن الغيبة، لتعظيمهم وذلك أوجه.

وقرأ يعقوب بالياء، على أنّ الفعل لكلّ.

وقرئ «لا يفرّقون»، حملا على المعنى.

( وَقالُوا سَمِعْنا ) قولك.

( وَأَطَعْنا ) أمرك.

( غُفْرانَكَ رَبَّنا ) ، أي: اغفر غفرانك، أو نطلب غفرانك.

ويحتمل بعيدا كونه معمول «أطعنا وسمعنا» على سبيل التّنازع، أي: غفرانك، أي: موجبه. وهو الإيمان. سمعناه. وأطعناه. فآمنّا.

( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٢٨٥) بعد الموت. وهو إقرار منهم بالبعث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) للطّبرسيّ ـ ره ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها: معاشر النّاس! قولوا الّذي قلت لكم. وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. وقولوا:( سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) .

( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) : إلّا ما يسعه قدرتها، أو مادون مدى طاقتها.

ويكون يسيرا عليها لقوله(٢) :( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) . وفيه تصريح بعدم وقوع التّكليف بالمحال.

وفي كتاب التّوحيد(٣) ، بإسناده إلى أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ما أمر العباد إلّا بدون سعتهم. وكل(٤) شيء أمر النّاس بأخذه، فهم متّسعون له. وما لا يتّسعون له، فهو موضوع عنهم. ولكنّ النّاس لا خير فيهم.

وبإسناده(٥) إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: من قال بالجبر، فلا تعطوه من الزّكاة، ولا تقبلوا له

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٨٣.

(٢) البقرة / ١٨٥.

(٣) التوحيد / ٣٤٧، ح ٦.

(٤) المصدر: فكلّ. أ: وفي كلّ.

(٥) نفس المصدر / ٣٦٢، ح ٩.

٤٧٥

شهادة. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول(١) :( لا يُكَلِّفُ اللهُ ) (٢) ( نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) . ولا يحمل(٣) فوق طاقتها.( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .(٤)

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة ـ إلى قوله ـ قلت: أصلحك الله! فإنّي أقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يكلّف العباد إلّا ما يستطيعون وإلّا ما يطيقون. فإنّهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره.

قال: وهذا دين الله الّذي أنا عليه وآبائي.

( لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.

( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ. لا ينتفع بطاعتها. ولا يتضرّر بمعصيتها غيرها.

وتخصيص الكسب بالخير، والاكتساب بالشّرّ. لأنّ الاكتساب فيه اعتمال.

والشّرّ تشتهيه الأنفس وتنجذب إليه. فكانت أجدّ في تحصيله وأعمل، بخلاف الخير.

( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) ، أي: لا تؤاخذنا بما أدّى بنا إلى نسيان، أو خطأ، أو بما يؤدّي الخطأ والنّسيان إليه بالآخرة من عمل آخر. فإنّهما يمكن أن يؤدّي كثرتهما واعتيادهما إلى عمل قبيح.

وقيل: أو بأنفسهما إذ لا يمتنع المؤاخذة بهما عقلا. فإنّ الذّنوب كالسّموم. فكما أنّ تناولها يؤدّي إلى الهلاك، وإن كان خطأ. فتعاطي الذّنوب لا يبعد أن يفضى إلى العقاب، وإن لم يكن عزيمة. لكنّه تعالى وعد التّجاوز عنه، رحمة وفضلا. فيجوز أن يدعو الإنسان به، استدامة واعتدادا بالنّعمة فيه.

وفي أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن أبي داود المسترق قال: حدّثني عمرو بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي أربع خصال: خطأها، ونسيانها، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) .

__________________

(١، ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: يحملّها.

(٤) نفس المصدر / ٣٤٦، ذيل ح ٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٤٧.

(٦) الكافي ٢ / ٤٦٢، ح ١.

٤٧٦

وقوله(١) .( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

ويحتمل أن يكون هذا دعوة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل رفع الخطأ والنّسيان. وبعدها رفع، كما يجيء في الخبر.

والغرض من الدّعاء به، التّأسّي به، وتذكّر ما أنعم الله تعالى بسبب دعوته ـ عليه السّلام.

( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً ) . ثقيلا يأصر صاحبه، أي: يحبسه في مكانه. والمراد به التّكاليف الشّاقّة.

وقرئ: ولا تحمّل (بالتّشديد، للمبالغة.)( كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) : حملا مثل حملك إيّاه عليهم، أو مثل الّذي حملته إيّاهم. فيكون صفة لإصرا، أو المراد به ما كلّف به بنو إسرائيل، من الأمور الّتي ذكر في الخبر الّذي ينقل عن الاحتجاج(٢) .

( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) من البلاء والعقوبة، أو من التّكاليف الّتي لا تفي بها القوّة البشريّة. وهو لا يدلّ على جواز التّكليف بما لا يطاق، بناء على احتمال كون المراد ممّا لا طاقة لنا العقوبة لا التّكاليف.

والتّشديد هنا، لتعدية الفعل إلى مفعول ثان.

( وَاعْفُ عَنَّا ) : وامح ذنوبنا.

( وَاغْفِرْ لَنا ) : واستر عيوبنا. ولا تفضحنا بالمؤاخذة.

( وَارْحَمْنا ) : وتعطّف بنا. وتفضّل علينا.

( أَنْتَ مَوْلانا ) : سيّدنا وناصرنا.

( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (٢٨٦): والمراد بهم عامّة الكفرة.

وفي كتاب الاحتجاج(٣) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله: روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، يقول فيه ـ وقد ذكر مناقب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: فدنى بالقلم(٤) . فتدلّى فدنى له(٥) من الجنّة رفرف أخضر. وغشى النّور بصره. فرأى عظمة ربّه

__________________

(١) النحل / ١٠٦.

(٢) سيأتي الخبر في الصفحات التالية.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٧ ـ ٣٣.

(٤) أو المصدر: بالعلم.

(٥) «فدنى له» ليس في المصدر.

٤٧٧

ـ عزّ وجلّ ـ بفؤاده. ولم يرها بعينه. فكان كقاب قوسين بينها وبينه(١) ، أو أدنى. فأوحى [الله](٢) إلى عبده ما أوحى. وكان في ما أوحى إليه الآية الّتي في سورة البقرة، قوله تعالى:( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ. فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ. وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم ـ عليه السّلام ـ إلى أن بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ محمّدا.

وعرضت على الأمم. فأبوا أن يقبلوا(٣) من ثقلها. وقبلها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وعرضها على أمّته. فقبلوها. فلمّا رأى الله ـ تبارك وتعالى ـ منهم القبول، علم أنهم لا يطيقونها.

فلمّا أن سار إلى ساق العرش، كرّر عليه الكلام، ليفهمه. فقال:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

فأجاب ـ صلّى الله عليه وآله ـ مجيبا عنه: وعن(٤) أمّته؟

فقال:( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .

فقال ـ جلّ ذكره: لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أمّا](٥) إذا فعلت ذلك ربّنا(٦) ، فغفرانك ربّنا.

وإليك المصير، يعنى: المرجع في الآخرة.

قال: فأجابه الله جلّ ثناؤه: وقد فعلت ذلك بك وبأمّتك؟

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ: أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمّتك، فحقّ عليّ أن أرفعها. عن أمّتك.

وقال:( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمع ذلك: أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمّتي، فزدني.

__________________

(١) المصدر: بينه وبينها. (ظ)

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: يقبلوها. (ظ)

(٤) ولعله: عن.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: بنا.

٤٧٨

قال: سل.

قال:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) .

قال الله ـ عزّ وجلّ: لست أؤاخذ أمّتك بالنّسيان أو الخطأ، لكرامتك عليّ.

وكانت الأمم السّالفة إذا نسوا ما ذكّروا به، فتحت عليهم أبواب العذاب. وقد رفعت(١) ذلك عن أمّتك. وكانت الأمّة السّالفة إذا أخطأوا، أخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه(٢) . وقد رفعت ذلك عن أمّتك، لكرامتك عليّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أللهمّ](٣) إذا أعطيتني ذلك، فزدني.

فقال الله تعالى له: سل.

قال:( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) ، يعني: بالإصر، الشّدائد الّتي كانت على من كان قبلنا.

فأجابه الله إلى ذلك. فقال ـ تبارك اسمه: قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الأمم السّالفة: كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع من الأرض معلومة(٤) اخترتها لهم. وإن بعدت.

وقد جعلت الأرض لأمّتك كلها(٥) مسجدا وطهورا. فهذه من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمّة السّالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم. وقد جعلت الماء لأمّتك طهورا. فهذه(٦) من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس. فمن قبلت ذلك منه، أرسلت اليه(٧) نارا، فأكلته. فرجع مسرورا. ومن لم أقبل ذلك(٨) ، رجع مثبورا.

وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها. فمن قبلت ذلك منه، أضعفت له(٩)

__________________

(١) المصدر: دفعت.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: «معلومة من الأرض» بدل «من الأرض معلومة.»

(٥) المصدر: كلّها لأمّتك. (ظ)

(٦) المصدر: فهذا.

(٧) المصدر: عليه. (ظ)

(٨) المصدر: منه ذلك. (ظ)

(٩) أو المصدر: ذلك له.

٤٧٩

أضعافا مضاعفة. ومن لم أقبل ذلك منه، رفعت عنه عقوبات الدّنيا. وقد رفعت ذلك عن أمّتك وهي من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك(١) .

وكانت الأمم السّالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم اللّيل وأنصاف النّهار. وهي من الشّدائد الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وفرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل والنهار، في أوقات(٢) نشاطهم. وكانت الأمم السّالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة، في خمسين وقتا. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وجعلتها خمسا في خمسة أوقات. وهي إحدى وخمسون ركعة. وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وكانت الأمم السّالفة حسنتهم بحسنة وسيّئتهم بسيّئة. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها(٣) من أمّتك. وجعلت الحسنة بعشر(٤) والسّيّئة بواحدة.

وكانت الأمم السّالفة إذا نوى أحدهم بحسنة(٥) ، ثمّ لم يعملها، لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة، ولم يعملها(٦) كتبت له حسنة.

وإن عملها كتبت له عشرا(٧) . وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة، فلم يعملها، لم تكتب عليه. وإن عملها، كتبت عليه سيّئة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة، ثمّ لم يعملها، كتبت له حسنة. وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعت(٨) ذلك عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا أذنبوا، كتبت ذنوبهم على أبوابهم. وجعلت توبتهم من الذّنوب أن حرّمت عليهم بعد التّوبة أحبّ الطّعام إليهم. وقد رفعت ذلك عن أمّتك.

وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم. وجعلت عليهم ستورا كثيفة. وقبلت توبتهم بلا عقوبة. ولا أعاقبهم بأن أحرّم عليهم أحبّ الطّعام إليهم.

وكانت الأمم السّالفة يتوب أحدهم(٩) من الذّنب الواحد، مائة سنة وثمانين سنة، أو خمسين سنة. ثمّ لا أقبل توبته دون أن أعاقبهم(١٠) في الدّنيا بعقوبة. وهي من الآصار الّتي

__________________

(١) المصدر: من كان من قبلك.

(٢) المصدر: وفي أو مات.

(٣) المصدر: عن. (ظ)

(٤) المصدر: بعشرة.

(٥) المصدر: حسنة. (ظ)

(٦) المصدر: فلم يعملها.

(٧) المصدر: عشرة.

(٨) المصدر: فرفعتها. (ظ)

(٩) المصدر: يتوب أحدهم إلى الله. (١٠) المصدر: أعاقبه. (ظ)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493