تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183378 / تحميل: 5552
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال في يوم حارّ، حنا(١) كفّه: من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنّم؟

قالها ثلاث مرّات.

فقال النّاس في كلّ مرّة: نحن، يا رسول الله! فقال: من أنظر غريما، أو ترك لمعسر.

ثمّ قال لي أبو عبد الله [ـ عليه السّلام ـ قال لي عبد الله](٢) بن كعب بن مالك: إنّ أبي أخبرني أنّه لزم غريما له في المسجد. فجاء(٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فدخل بيته، ونحن جالسان. ثمّ خرج في الهاجرة. فكشف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ستره.

فقال له: يا كعب! ما زلتما جالسين؟

قال: نعم. بأبي وأمّي! قال: فأشار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكفّه: خذ النّصف.

قال: قلت: بأبي وأمّي.

ثمّ قال له: أتبعه ببقيّة حقّك.

قال: فأخذت النّصف. ووضعت [له](٤) النّصف.

[عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خلّوا سبيل المعسر، كما خلّاه الله].(٦)

( وَاتَّقُوا يَوْماً ) : نصب على المفعول به على الاتّساع، أي: ما فيه.

( تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) : يوم القيامة، أو يوم الموت، أو الأعمّ. فتأهّبوا لمصيركم إليه.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب، بفتح التّاء وكسر الجيم.

( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) : جزاء ما عملت، من خير أو شرّ.

( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٢٨١) بنقص ثواب وتضعيف عذاب.

قال البيضاويّ(٧) : وعن ابن عبّاس: أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل [على رسول الله

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: وحشي.

(٢) ليس في أ.

(٣) المصدر: فأقبل.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٣.

٤٦١

ـ صلّى الله عليه وآله ـ](١) وقال ضعها في رأس المائتين والثّمانين من البقرة. وعاش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعدها أحدا وعشرين يوما. وقيل: أحدا وثمانين. وقيل: سبعة أيّام. وقيل: ثلاث ساعات.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) : إذا داين بعضكم بعضا.

و «التّداين» و «المداينة»: المعاملة نسيئة، معطيا أو آخذا.

وذكر الدّين لدفع توهّم أنّه من التّداين، بمعنى المجازاة.

( إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) : معلوم بالأيّام والأشهر. فإنّه معلوم. لا بالحصاد وقدوم الحاجّ.

فإنّه لا يجوز. لأنّه غير معلوم.

( فَاكْتُبُوهُ ) . لأنّه أوثق وأدفع للنّزاع. والأمر بها للاستحباب.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [قال](٣) : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم.

قال: فمرّ(٤) آدم باسم داود [النّبيّ ـ عليه السّلام].(٥) فإذا عمره في العالم أربعون سنة.

فقال آدم: يا ربّ! ما أقلّ عمر داود. وما أكثر عمري! يا ربّ! إن أنا زدت داود [من عمرى](٦) ثلاثين سنة. أتثبت(٧) ذلك له؟

قال: نعم، يا آدم! قال: فإنّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة. فأنفذ ذلك له. وأثبتها له عندك.

واطرحها من عمري.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأثبت الله ـ عزّ وجلّ ـ لداود في عمره ثلاثين سنة.

وكانت له عند الله مثبتة. (فذلك قوله(٨) ـ عزّ وجلّ(٩) :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) .

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) علل الشرائع / ٥٥٣، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) ليس في المصدر. والظاهر أنها سقطت منه.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: أثبت.

(٨) المصدر: فلذلك قول الله.

(٩) الرعد / ٣٩.

٤٦٢

قال: فمحا الله ما كان [عنده](١) مثبتا لآدم. وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا.

قال: فمضى عمر آدم. فهبط [عليه](٢) ملك الموت، لقبض روحه.

فقال له آدم: يا ملك الموت! إنّه قد بقي من عمري ثلاثون(٣) سنة.

فقال له ملك الموت: يا آدم! ألم تجعلها لابنك داود النّبيّ، وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك، وعرضت عليك أعمارهم، وأنت يومئذ بوادي الدخيا(٤) ؟

فقال له آدم: ما أذكر هذا؟

قال: فقال له ملك الموت: يا آدم! لا تجحد. ألم تسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يثبته(٥) لداود ويمحوها من عمرك؟ فأثبتها لداود في الزّبور. ومحاها من عمرك في الذّكر.

قال آدم حتّى أعلم ذلك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: وكان آدم صادقا. لم يذكر. ولم يجحد. فمن ذلك اليوم أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ العباد(٦)

أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل [مسمّى](٧) ، لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه.

وفي الكافي(٨) : أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا عرض على آدم ولده، نظر إلى داود. فأعجبه. فزاده خمسين سنة من عمره.

[قال: ونزل عليه جبرائيل وميكائيل. فكتب عليه ملك الموت صكّا بالخمسين سنة. فلمّا حضرته الوفاة، أنزل عليه ملك الموت.

فقال آدم: قد بقي من عمري خمسون سنة](٩) قال: فأين الخمسون سنة(١٠) الّتي جعلتها لابنك داود؟

قال: فأمّا أن يكون نسيها، أو أنكرها. فنزل جبرئيل وميكائيل فشهدا عليه.

وقبضه ملك الموت.

__________________

(١ و ٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: ثلاثين.

(٤) المصدر: الدخياء.

(٥) المصدر: يثبتها.

(٦) ليس في أ.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ٢.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في المصدر.

٤٦٣

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كان أوّل صكّ كتب في الدّنيا. وفيه حديث آخر طويل نحوه(١) ، غير أنّ فيه: أنّ عمر داود كان أربعين سنة. فزاده آدم ستّين تمام المائة.

( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) : بالسّويّة. لا يزيد ولا ينقص. وهو للاستحباب، أيضا.

( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ ) : لا يمتنع أحد من الكتّاب. وهو للاستحباب، أيضا.

( أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ ) من كتبة الوثائق. وهو أن يكتب بالعدل، أو لا يأب أن ينتفع النّاس بكتابته، كما نفعه الله بتعليمها.

( فَلْيَكْتُبْ ) تلك المعلمة. أمر بها بعد النّهي عن الإباء، تأكيدا.

وقيل(٢) : «يجوز أن تتعلّق الكاف بالأمر. فيكون النّهي عن الامتناع [منها، مطلقة ،](٣) ثمّ الأمر بها مقيّدة.» وهو ضعيف.

( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ ) . لأنّه المقرّ.

والإملال والإملاء، واحد.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) ، أي: المملي أو الكاتب.

( وَلا يَبْخَسْ ) : لا ينقص،( مِنْهُ شَيْئاً ) ، أي: من الحقّ، أو ممّا أملي عليه.

( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) : ناقص العقل،( أَوْ ضَعِيفاً ) : صبيّا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن ابن سنان قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: متى يدفع إلى الغلام ماله؟

قال: إذا بلغ وأونس منه رشد، ولم يكن سفيها أو ضعيفا.

قال: قلت: فإنّ منهم من يبلغ خمس عشرة(٥) سنة وستّ عشرة(٦) سنة ولم يبلغ.

قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٧٨، ح ١، مع بعض التصرف في النقل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٥، ح ٥٢٢.

(٥) المصدر: خمس عشر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ستة عشرة.

٤٦٤

قال: قلت: وما السّفيه والضّعيف؟

قال: السّفيه، الشّارب الخمر. والضّعيف الّذي يأخذ واحدا باثنين.

وفي تهذيب الأحكام(١) : عليّ بن (الحسين(٢) ، عن أحمد ومحمّد)، ابني الحسن، عن أبيهما، عن أحمد بن عمر الحلبيّ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) .

قال: الاحتلام.

قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة(٣) سنة(٤) ونحوها.

فقال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة(٥) [ونحوها.

فقال: لا. إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ،](٦) كتبت له الحسنات [وكتبت عليه السّيّئات].(٧) وجاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

فقال: وما السّفيه؟

فقال: الّذي يشتري الدّرهم بأضعافه.

فقال: وما الضّعيف؟

قال: الأبله.

[وفي كتاب الخصال، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن اليتيم متى يجوز أمره؟

قال: حتّى يبلغ أشدّه.

قال: قلت(٨) : وما أشدّه؟

قال: احتلامه(٩) .

قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة(١٠) سنة، أو أقلّ، أو أكثر ولا يحتلم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ١٨٢، ح ٧٣١.

(٢) المصدر: الحسن.

(٣) المصدر: ست عشرة وسبعة عشر. النسخ: ستة عشر وسبع عشر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثلاث عشر سنة.

(٦ و ٧) يوجد في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر: الاحتلام.

(١٠) المصدر: ثمان عشر. الأصل ور: ثمانية عشر.

٤٦٥

قال: فإذا بلغ وكتب عليه الشيء، جاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا].(١)

( أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ) لخرس أو جهل باللّغة.

( فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) ، أي: الّذي يلي أمره، ويقوم مقامه، من الوليّ الشّرعيّ للصّبيّ والمختلّ العقل، والوكيل المترجم المعتبر، على الوجه الّذي اعتبره الشرع من كونه عدلين خبيرين بقصده.

( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ) :

واطلبوا أن يشهد على الدّين شاهدان،( مِنْ رِجالِكُمْ ) المؤمنين.

( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) ، أي: فليشهدوا. فالمستشهد، رجل وامرأتان.

( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) لعلمكم بعدالتهم.

في الكافي(٢) : أحمد بن محمّد العاصميّ، عن عليّ بن الحسن التميميّ، عن ابن بقاح، عن أبي عبد الله المؤمن، عن عمّار بن أبي عاصم قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: أربعة لا يستجاب لهم دعوة. أحدهم(٣) : رجل كان له مال. فأدانه بغير بيّنة. يقول(٤) الله ـ عزّ وجلّ: ألم آمرك بالشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من ذهب حقّه على غير بيّنة لم يؤجر.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تهذيب الأحكام(٧) : سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد(٨) ، وعليّ بن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٥ / ٢٩٨، ح ٢.

(٣) المصدر: «فذكر الرابع»، بدل «دعوة أحدهم»

(٤) المصدر: فيقول.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تهذيب الأحكام ٦ / ٢٨١، ح ٧٧٤.

(٨) المصدر: «أحمد بن محمد عن محمد بن خالد» بدل «أحمد بن محمد بن خالد.»

٤٦٦

حديد، عن عليّ بن النّعمان، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن شهادة النّساء في النّكاح بلا رجل معهنّ، إذا كانت المرأة منكرة.

فقال: لا بأس به، ـ إلى قوله ـ وكان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يجيز شهادة امرأتين في النّكاح، عند الإنكار. ولا يجيز في الطّلاق، إلّا شاهدين عدلين.

قلت: فأنّى ذكر الله تعالى؟ وقوله( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) .

فقال: ذلك في الدّين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان. ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن(١) امرأتان(٢) . قضى بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بعده عندكم.

( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ) ، أي: تضلّ إحدى المرأتين، أي: نسيت الشّهادة.

( فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) ، أي: إنّما اعتبر التّعدّد في المرأة، لإرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى، إن ضلّت ونسيت الشّهادة. وذلك لنقصان عقولهنّ وقلّة ضبطهنّ. والعلّة في الحقيقة التّذكير، وضع سببه مقامه.

وقرأ حمزة: «أن تضلّ» (على الشّرط) «فتذكّر» (بالرّفع.) وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: «فتذكّر» (من الإذكار.)( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) .، لتحمّل الشّهادة.

وسمّوا «شهداء»، تنزيلا لما يشارف منزلة الواقع وما مزيدة.

وقيل(٣) : لأداء الشّهادة أو التّحمّل.

وفي الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) قال(٥) . لا ينبغي لأحد إذا دعي للشّهادة(٦) ، يشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم.

[محمد بن يحيى(٧) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله. وقال: فذلك قبل الكتاب].(٨)

__________________

(١) المصدر: لم تكن.

(٢) يوجد في أبعد هذه الجملة: ورجل واحد ويمين لا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٤) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ١.

(٥) المصدر: فقال.

(٦) المصدر: إلى الشهادة.

(٧) نفس المصدر ٧ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠، ح ٢.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٦٧

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) فقال: إذا دعاك الرّجل لتشهد(٢) له على دين أو حق، لم ينبغ لك أن نقاعس عنه.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) ، قال: قبل الشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا يأب الشّهداء أن تجيب(٥) حين تدعى(٦) قبل الكتاب.

( لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ ) : ولا تملّوا من كثرة مدايناتكم أن تكتبوا الدّين.

وقيل(٧) : كنّى بالسّأمة عن الكسل.

( صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ) : كان الحقّ صغيرا أو كبيرا، أو الكتاب مختصرا أو مشبعا.

( إِلى أَجَلِهِ ) : متعلّق بتكتبوه، أي: وقت حلوله الّذي أقرّ به المديون.

( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى( أَنْ تَكْتُبُوهُ ) .

( أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) : أكثر قسطا.

( وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ) : وأثبت لها.

وهما مبنيّان من أقسط وأقام على غير قياس، أو من قاسط بمعنى ذي قسط وقويم.

وإنّما صحّت الواو في «أقوم» كما صحّت في التّعجّب، لجموده.

( وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا ) : وأقرب في أن لا تشكّوا في جنس الدّين وقدره وأجله والشّهود ونحو ذلك.

( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) :

استثناء عن مفعول فاكتبوه الرّاجع إلى دين، باعتبار تعلّق الكتابة به وتعلّقه

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٨٠، ح ٣.

(٢) النسخ: «تشهد.» وما في المتن، موافق المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٤.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ٦.

(٥ و ٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يجيب يدعى.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

٤٦٨

بالتّداين. وما بينهما اعتراض، أي: اكتبوا الدّين المتداين به، إلّا أن يكون تجارة.

ونصب عاصم «تجارة»، على أنّه الخبر، والاسم مضمر تقديره: «إلّا أن يكون الدّين المتداين به تجارة.» وقرأ الباقون بالرّفع، على أنّ الخبر( تُدِيرُونَها ) ، أو على كان التّامّة.

( حاضِرَةً ) : والتّجارة الحاضرة تكون بدين وعين.

( تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ) : وإدارة التّجارة تعاطيهم إيّاها يدا بيد. فهو على تقدير كونه صفة مخصّصة، أي: فلا بأس بعدم الكتابة حينئذ.

( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) مطلقا. لأنّه أحوط.

وقيل(١) : المراد هذا التّبايع.

والأوامر الّتي في هذه الآية، للاستحباب. وقيل(٢) : للوجوب. فمن قائل بالإحكام وقائل بالنّسخ.

( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) : يحتمل البنائين. ويدلّ عليه قراءة: ولا يضارّ (بالكسر والفتح.) فعلى البناء للفاعل، نهي لهما عن ترك الإجابة والتّحريف والتّغيير في الكتبة والشّهادة. وعلى البناء للمفعول، نهى للمستكتب والمستشهد، من أن يضارّهما بالتّكليف لهما، ما لا يسوغ لهما، من حبس جعل الكاتب وحبس الشّهيد وغير ذلك.

( وَإِنْ تَفْعَلُوا ) ما نهيتم عنه،( فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) : خروج عن الطّاعة.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في مخالفة نهيه.

( وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) أحكامه المتضمّنة لمصالحكم.

( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . (٢٨٢) كرّر لفظ «الله» في الجمل الثّلاث، للمبالغة.

فإنّه لـمّا كان موضوعا للذّات الكاملة مع جميع صفات الكمال على الكمال، فيكون عقابه في النّهاية والكمال. فيقتضي الاتّقاء منه، أشدّ اقتضاء. ويكون تعليمه للأحكام في نهاية الإفضال. فلا يجوز مخالفة حكمه بحال. ويكون علمه بقدر الجزاء، شاملا أتمّ شمول. فلا يسوغ إغفال العمل بالذّهول.

وقيل(٣) : كرّر لاستقلالها. فإنّ الأولى، حثّ على التّقوى. والثّانية، وعد بإنعامه.

والثّالثة، تعظيم لشأنه. ولأنّه أدخل في التّعظيم من الكناية.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

٤٦٩

والوجه الأوّل من تعليليه ضعيف. لأنّ الإضمار لا يقتضي عدم الاستقلال. فتأمّل.

( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ) : راكب سفر، أي: مسافرين،( وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً، فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) ، أي: فالّذي يستوثق رهان، أو فعليكم رهان، أو فليؤخذ رهان.

وظنّ مجاهد والضّحّاك، أنّ هذا التّعليق لاشتراط السّفر في الارتهان. [وليس كما ظنّا. بل الظّاهر أنّه لإقامة التّوثّق بالارتهان](١) مقام التّوثّق بالكتب في السّفر الّذي هو مظنّة الإعواز.

وبعضهم استدلّ بالآية، على أنّ القبض بالمعنى الأخصّ، معتبر في الرّهن. وفيه أنّه يحتمل أن يكون ذكر القبض واردا في الآية، على ما هو اكثر موارده، على أنّه يحتمل أن يكون المراد بالقبض، ما يشمل عدم جواز تصرّف الرّاهن، بدون إذن المرتهن فيه.

وما رواه العيّاشيّ(٢) : في تفسيره «عن محمّد بن عيسى، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لا رهن إلّا مقبوض(٣) » محمول على هذا المعنى.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهن، كسقف. وكلاهما جمع رهن، بمعنى مرهون، وقرئ بإسكان الهاء، على التّخفيف.

( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) ، أي: عدّ بعضكم البعض الآخر أمينا، واستغنى بأمانته عن الكتبة والارتهان،( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) ، أي: دينه.

سمّاه «أمانة»، لائتمانه عليه بترك الارتهان. ويحتمل أن يكون المراد بالائتمان، الاستيداع.

وقرئ بالّذيّتمن (بقلب الهمزة ياء) والّذتمن (بإدغام الياء في التّاء).

قيل(٤) : [وهو خطأ. لأنّ المنقلبة عن الهمزة في حكمها. فلا تدغم.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) في الخيانة.

وفي ذكر الرّبّ والإضافة إلى المؤتمن بعد ذكر الاسم الدّالّ على الذّات

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٥.

(٣) المصدر: مقبوضا.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٠

المستجمع لجميع الصّفات المقتضية للاتّقاء عنه، زيادة اقتضاء للاتّقاء، على وجه اللّطف والمرحمة، لإشعاره بأنّه تعالى مربّيه. فيجب أن لا يرتكب ما فيه، مناقضة بكمال تربيته. فإنّ فيه كسر للمربّي ظاهرا. ففيه نهاية الإعطاف والإفضال وإظهار الملاطفة والإشعار.

فاعتبروا يا أولي الأبصار.

( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ) ، أيّها الشّهود! وقيل(١) : أو المديونون. والشّهادة، شهادتهم على أنفسهم.

( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ، أي: يأثم قلبه، أو قلبه يأثم. وعلى الثّاني، الجملة خبر «إنّ» وإسناد الإثم إلى القلب. لأنّ الكتمان يقترفه، أو للمبالغة. فإنّه رئيس الأعضاء. وأفعاله أعظم الأفعال.

وفي نهج البلاغة(٢) : قال ـ عليه السّلام: وبما في الصّدور يجازى(٣) العباد.

وقرئ: قلبه (بالنّصب، كحسن وجهه.)

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : روى جابر(٥) ، عن أبي جعفر(٦) ـ عليه السّلام ـ قال في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) قال: كافر قلبه].(٧)

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (٢٨٣): تهديد.

في أمالي الصّدوق ـ رحمه الله(٨) ـ في مناهي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: ونهى ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن كتمان الشّهادة. وقال: من كتمها(٩) أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ. وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) .

وفي الكافي(١٠) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، ومحمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من كتم شهادة، أو شهد بها، ليهدر بها دم امرئ مسلم ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

(٢) نهج البلاغة / ١٠٣، في خطبة ٧٥.

(٣) المصدر: تجازى.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٥، ح ١١٥.

(٥) «روى جابر» ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وقال ـ عليه السّلام ـ أي: أبي جعفر ـ عليه السّلام.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٨) أمالي الصدوق / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٩) أو المصدر: يكتمها.

(١٠) الكافي ٧ / ٣٨٠، ح ١. وللحديث ذيل.

٤٧١

أو ليزوي مال امرئ مسلم، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة، مدّ البصر وفي وجهه كدوح.

تعرفه الخلائق باسمه ونسبه.

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) : خلقا وملكا.

( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) : ما استقرّ في أنفسكم من السّوء حتّى تعزموا عليه.

لا ما خطر فيه. فإنّه موضوع عنكم. فإن تبدوه بالعمل أو باللّسان.

( أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) يوم القيمة.

( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ) مغفرته.

( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) تعذيبه.

وقد رفعهما عامر وعاصم ويعقوب، على الاستئناف. وجزمهما الباقون، عطفا على جواب الشّرط. ومن جزم بغير فاء، جعلهما بدلا عنه، بدل البعض من الكلّ أو الاشتمال، كقوله :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وإدغام الرّاء في اللّام، لحن، إذ الرّاء لا يدغم إلّا في مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن سعدان، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) قال: حقيق على الله أن لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما.

وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله(٣) ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي تسعة أشياء(٤) : الخطأ، والنّسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطّيرة، والتّفكّر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفة.

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة. فلم يجبني. فدخلت عليه دخلة أخرى. فقلت: أصلحك الله! إنّه قد وضع(٦) في قلبي منها شيء، ولا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٨.

(٢) التوحيد / ٣٥٣، ح ٢٤.

(٣) المصدر: أبي عبد الله عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) نفس المصدر / ٣٤٦، ح ٣.

(٦) المصدر: وقع. (ظ)

٤٧٢

قال: فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك.

وسيأتي تمام الحديث ـ إن شاء الله.

( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢٨٤). فيقدر على الإحياء والمحاسبة والمغفرة والتّعذيب.

( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) : شهادة. تنصيص من الله تعالى، على صحّة إيمانه والاعتداد به. وإنّه جازم في أمره، غير شاكّ فيه.

في كتاب الغيبة، لشيخ الطّائفة ـ قدس سرّه(١) ـ بإسناده إلى سلام قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة(٢) أسري بي إلى السّماء، قال العزيز ـ جلّ ثناؤه:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٣) :](٤) وروى المقلّد بن غالب ـ رحمه الله ـ عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن رهبان، عن محمّد بن أحمد، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن جابر قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة أسري بي إلى السّماء، قال الرّبّ ـ عزّ وجلّ:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد. من خلّفت على أمّتك؟

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام؟

قلت: نعم، يا ربّ! فقال: يا محمّد! إنّي اطّلعت إلى الأرض، اطلاعة. فاخترتك منها. فشققت لك اسما من أسمائي. فلا أذكر(٥) في موضع إلّا ذكرت معي. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ

__________________

(١) غيبة الطوسي / ٩٥.

(٢) المصدر: سمعت ليلة.

(٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) ليس في أ.

(٥) ر: إنّي فلا أذكر.

٤٧٣

اطّلعت ثانية. واخترت عليّا. فشققت له اسما من أسمائي. فأنا الأعلى. وهو عليّ.

يا محمّد! إنّي خلقتك وخلقت عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين، من نوري.

يا محمّد! إنّي عرضت ولايتكم على أهل السّماوات والأرضين. فمن قبلها كان عندي من المؤمنين. ومن جحدها كان عندي من الظّالمين.

يا محمّد! تحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم. يا ربّ! قال: التفت.

فالتفت عن يمين العرش. فإذا أنا باسم عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن والمهديّ في وسطهم، كأنّه كوكب درّيّ.

فقال: يا محمّد! هؤلاء حججي على خلقي. وهذا القائم من ولدك بالسّيف، والمنتقم من أعدائك.

فعلى هذين الخبرين، قوله( وَالْمُؤْمِنُونَ ) معطوف على «الرّسول» عطف تلقين.

وقوله :

( كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) ، مبتدأ وخبر. والضّمير الّذي ناب عنه التّنوين في كلّ، للرّسول وللمؤمنين.

وجوّز البيضاويّ(١) كون «المؤمنون» مبتدأ أولا، وكون الضّمير لهم، «وكلّ» مبتدأ ثانيا مع خبره. وهو مع خبره خبر للأوّل.

قال: ويكون إفراد الرّسول لتعظيمه، أو لأنّ إيمانه عن مشاهدة وعيان، وإيمانهم عن نظر واستدلال.

وقرأ حمزة والكسائيّ: «وكتابه»، يعني: القرآن أو الجنس. والفرق بينه وبين الجمع أنّه شائع في وحدان الجنس والجمع في جموعه. ولذلك قيل: الكتاب أكثر من الكتب.

( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) بالتّصديق لبعضهم والتّكذيب لبعض آخر، أي :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٤

يقولون لا نفرّق.

ويحتمل عدم تقدير القول بجعله حالا من الفاعل. وهو الرّسول والمؤمنون. ويكون العدول عن الغيبة، لتعظيمهم وذلك أوجه.

وقرأ يعقوب بالياء، على أنّ الفعل لكلّ.

وقرئ «لا يفرّقون»، حملا على المعنى.

( وَقالُوا سَمِعْنا ) قولك.

( وَأَطَعْنا ) أمرك.

( غُفْرانَكَ رَبَّنا ) ، أي: اغفر غفرانك، أو نطلب غفرانك.

ويحتمل بعيدا كونه معمول «أطعنا وسمعنا» على سبيل التّنازع، أي: غفرانك، أي: موجبه. وهو الإيمان. سمعناه. وأطعناه. فآمنّا.

( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٢٨٥) بعد الموت. وهو إقرار منهم بالبعث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) للطّبرسيّ ـ ره ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها: معاشر النّاس! قولوا الّذي قلت لكم. وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. وقولوا:( سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) .

( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) : إلّا ما يسعه قدرتها، أو مادون مدى طاقتها.

ويكون يسيرا عليها لقوله(٢) :( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) . وفيه تصريح بعدم وقوع التّكليف بالمحال.

وفي كتاب التّوحيد(٣) ، بإسناده إلى أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ما أمر العباد إلّا بدون سعتهم. وكل(٤) شيء أمر النّاس بأخذه، فهم متّسعون له. وما لا يتّسعون له، فهو موضوع عنهم. ولكنّ النّاس لا خير فيهم.

وبإسناده(٥) إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: من قال بالجبر، فلا تعطوه من الزّكاة، ولا تقبلوا له

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٨٣.

(٢) البقرة / ١٨٥.

(٣) التوحيد / ٣٤٧، ح ٦.

(٤) المصدر: فكلّ. أ: وفي كلّ.

(٥) نفس المصدر / ٣٦٢، ح ٩.

٤٧٥

شهادة. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول(١) :( لا يُكَلِّفُ اللهُ ) (٢) ( نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) . ولا يحمل(٣) فوق طاقتها.( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .(٤)

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة ـ إلى قوله ـ قلت: أصلحك الله! فإنّي أقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يكلّف العباد إلّا ما يستطيعون وإلّا ما يطيقون. فإنّهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره.

قال: وهذا دين الله الّذي أنا عليه وآبائي.

( لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.

( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ. لا ينتفع بطاعتها. ولا يتضرّر بمعصيتها غيرها.

وتخصيص الكسب بالخير، والاكتساب بالشّرّ. لأنّ الاكتساب فيه اعتمال.

والشّرّ تشتهيه الأنفس وتنجذب إليه. فكانت أجدّ في تحصيله وأعمل، بخلاف الخير.

( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) ، أي: لا تؤاخذنا بما أدّى بنا إلى نسيان، أو خطأ، أو بما يؤدّي الخطأ والنّسيان إليه بالآخرة من عمل آخر. فإنّهما يمكن أن يؤدّي كثرتهما واعتيادهما إلى عمل قبيح.

وقيل: أو بأنفسهما إذ لا يمتنع المؤاخذة بهما عقلا. فإنّ الذّنوب كالسّموم. فكما أنّ تناولها يؤدّي إلى الهلاك، وإن كان خطأ. فتعاطي الذّنوب لا يبعد أن يفضى إلى العقاب، وإن لم يكن عزيمة. لكنّه تعالى وعد التّجاوز عنه، رحمة وفضلا. فيجوز أن يدعو الإنسان به، استدامة واعتدادا بالنّعمة فيه.

وفي أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن أبي داود المسترق قال: حدّثني عمرو بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي أربع خصال: خطأها، ونسيانها، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) .

__________________

(١، ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: يحملّها.

(٤) نفس المصدر / ٣٤٦، ذيل ح ٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٤٧.

(٦) الكافي ٢ / ٤٦٢، ح ١.

٤٧٦

وقوله(١) .( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

ويحتمل أن يكون هذا دعوة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل رفع الخطأ والنّسيان. وبعدها رفع، كما يجيء في الخبر.

والغرض من الدّعاء به، التّأسّي به، وتذكّر ما أنعم الله تعالى بسبب دعوته ـ عليه السّلام.

( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً ) . ثقيلا يأصر صاحبه، أي: يحبسه في مكانه. والمراد به التّكاليف الشّاقّة.

وقرئ: ولا تحمّل (بالتّشديد، للمبالغة.)( كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) : حملا مثل حملك إيّاه عليهم، أو مثل الّذي حملته إيّاهم. فيكون صفة لإصرا، أو المراد به ما كلّف به بنو إسرائيل، من الأمور الّتي ذكر في الخبر الّذي ينقل عن الاحتجاج(٢) .

( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) من البلاء والعقوبة، أو من التّكاليف الّتي لا تفي بها القوّة البشريّة. وهو لا يدلّ على جواز التّكليف بما لا يطاق، بناء على احتمال كون المراد ممّا لا طاقة لنا العقوبة لا التّكاليف.

والتّشديد هنا، لتعدية الفعل إلى مفعول ثان.

( وَاعْفُ عَنَّا ) : وامح ذنوبنا.

( وَاغْفِرْ لَنا ) : واستر عيوبنا. ولا تفضحنا بالمؤاخذة.

( وَارْحَمْنا ) : وتعطّف بنا. وتفضّل علينا.

( أَنْتَ مَوْلانا ) : سيّدنا وناصرنا.

( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (٢٨٦): والمراد بهم عامّة الكفرة.

وفي كتاب الاحتجاج(٣) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله: روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، يقول فيه ـ وقد ذكر مناقب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: فدنى بالقلم(٤) . فتدلّى فدنى له(٥) من الجنّة رفرف أخضر. وغشى النّور بصره. فرأى عظمة ربّه

__________________

(١) النحل / ١٠٦.

(٢) سيأتي الخبر في الصفحات التالية.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٧ ـ ٣٣.

(٤) أو المصدر: بالعلم.

(٥) «فدنى له» ليس في المصدر.

٤٧٧

ـ عزّ وجلّ ـ بفؤاده. ولم يرها بعينه. فكان كقاب قوسين بينها وبينه(١) ، أو أدنى. فأوحى [الله](٢) إلى عبده ما أوحى. وكان في ما أوحى إليه الآية الّتي في سورة البقرة، قوله تعالى:( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ. فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ. وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم ـ عليه السّلام ـ إلى أن بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ محمّدا.

وعرضت على الأمم. فأبوا أن يقبلوا(٣) من ثقلها. وقبلها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وعرضها على أمّته. فقبلوها. فلمّا رأى الله ـ تبارك وتعالى ـ منهم القبول، علم أنهم لا يطيقونها.

فلمّا أن سار إلى ساق العرش، كرّر عليه الكلام، ليفهمه. فقال:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

فأجاب ـ صلّى الله عليه وآله ـ مجيبا عنه: وعن(٤) أمّته؟

فقال:( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .

فقال ـ جلّ ذكره: لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أمّا](٥) إذا فعلت ذلك ربّنا(٦) ، فغفرانك ربّنا.

وإليك المصير، يعنى: المرجع في الآخرة.

قال: فأجابه الله جلّ ثناؤه: وقد فعلت ذلك بك وبأمّتك؟

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ: أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمّتك، فحقّ عليّ أن أرفعها. عن أمّتك.

وقال:( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمع ذلك: أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمّتي، فزدني.

__________________

(١) المصدر: بينه وبينها. (ظ)

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: يقبلوها. (ظ)

(٤) ولعله: عن.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: بنا.

٤٧٨

قال: سل.

قال:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) .

قال الله ـ عزّ وجلّ: لست أؤاخذ أمّتك بالنّسيان أو الخطأ، لكرامتك عليّ.

وكانت الأمم السّالفة إذا نسوا ما ذكّروا به، فتحت عليهم أبواب العذاب. وقد رفعت(١) ذلك عن أمّتك. وكانت الأمّة السّالفة إذا أخطأوا، أخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه(٢) . وقد رفعت ذلك عن أمّتك، لكرامتك عليّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أللهمّ](٣) إذا أعطيتني ذلك، فزدني.

فقال الله تعالى له: سل.

قال:( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) ، يعني: بالإصر، الشّدائد الّتي كانت على من كان قبلنا.

فأجابه الله إلى ذلك. فقال ـ تبارك اسمه: قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الأمم السّالفة: كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع من الأرض معلومة(٤) اخترتها لهم. وإن بعدت.

وقد جعلت الأرض لأمّتك كلها(٥) مسجدا وطهورا. فهذه من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمّة السّالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم. وقد جعلت الماء لأمّتك طهورا. فهذه(٦) من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس. فمن قبلت ذلك منه، أرسلت اليه(٧) نارا، فأكلته. فرجع مسرورا. ومن لم أقبل ذلك(٨) ، رجع مثبورا.

وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها. فمن قبلت ذلك منه، أضعفت له(٩)

__________________

(١) المصدر: دفعت.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: «معلومة من الأرض» بدل «من الأرض معلومة.»

(٥) المصدر: كلّها لأمّتك. (ظ)

(٦) المصدر: فهذا.

(٧) المصدر: عليه. (ظ)

(٨) المصدر: منه ذلك. (ظ)

(٩) أو المصدر: ذلك له.

٤٧٩

أضعافا مضاعفة. ومن لم أقبل ذلك منه، رفعت عنه عقوبات الدّنيا. وقد رفعت ذلك عن أمّتك وهي من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك(١) .

وكانت الأمم السّالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم اللّيل وأنصاف النّهار. وهي من الشّدائد الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وفرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل والنهار، في أوقات(٢) نشاطهم. وكانت الأمم السّالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة، في خمسين وقتا. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وجعلتها خمسا في خمسة أوقات. وهي إحدى وخمسون ركعة. وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وكانت الأمم السّالفة حسنتهم بحسنة وسيّئتهم بسيّئة. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها(٣) من أمّتك. وجعلت الحسنة بعشر(٤) والسّيّئة بواحدة.

وكانت الأمم السّالفة إذا نوى أحدهم بحسنة(٥) ، ثمّ لم يعملها، لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة، ولم يعملها(٦) كتبت له حسنة.

وإن عملها كتبت له عشرا(٧) . وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة، فلم يعملها، لم تكتب عليه. وإن عملها، كتبت عليه سيّئة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة، ثمّ لم يعملها، كتبت له حسنة. وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعت(٨) ذلك عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا أذنبوا، كتبت ذنوبهم على أبوابهم. وجعلت توبتهم من الذّنوب أن حرّمت عليهم بعد التّوبة أحبّ الطّعام إليهم. وقد رفعت ذلك عن أمّتك.

وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم. وجعلت عليهم ستورا كثيفة. وقبلت توبتهم بلا عقوبة. ولا أعاقبهم بأن أحرّم عليهم أحبّ الطّعام إليهم.

وكانت الأمم السّالفة يتوب أحدهم(٩) من الذّنب الواحد، مائة سنة وثمانين سنة، أو خمسين سنة. ثمّ لا أقبل توبته دون أن أعاقبهم(١٠) في الدّنيا بعقوبة. وهي من الآصار الّتي

__________________

(١) المصدر: من كان من قبلك.

(٢) المصدر: وفي أو مات.

(٣) المصدر: عن. (ظ)

(٤) المصدر: بعشرة.

(٥) المصدر: حسنة. (ظ)

(٦) المصدر: فلم يعملها.

(٧) المصدر: عشرة.

(٨) المصدر: فرفعتها. (ظ)

(٩) المصدر: يتوب أحدهم إلى الله. (١٠) المصدر: أعاقبه. (ظ)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493