تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152638
تحميل: 2971


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152638 / تحميل: 2971
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال في يوم حارّ، حنا(١) كفّه: من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنّم؟

قالها ثلاث مرّات.

فقال النّاس في كلّ مرّة: نحن، يا رسول الله! فقال: من أنظر غريما، أو ترك لمعسر.

ثمّ قال لي أبو عبد الله [ـ عليه السّلام ـ قال لي عبد الله](٢) بن كعب بن مالك: إنّ أبي أخبرني أنّه لزم غريما له في المسجد. فجاء(٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فدخل بيته، ونحن جالسان. ثمّ خرج في الهاجرة. فكشف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ستره.

فقال له: يا كعب! ما زلتما جالسين؟

قال: نعم. بأبي وأمّي! قال: فأشار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكفّه: خذ النّصف.

قال: قلت: بأبي وأمّي.

ثمّ قال له: أتبعه ببقيّة حقّك.

قال: فأخذت النّصف. ووضعت [له](٤) النّصف.

[عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خلّوا سبيل المعسر، كما خلّاه الله].(٦)

( وَاتَّقُوا يَوْماً ) : نصب على المفعول به على الاتّساع، أي: ما فيه.

( تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) : يوم القيامة، أو يوم الموت، أو الأعمّ. فتأهّبوا لمصيركم إليه.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب، بفتح التّاء وكسر الجيم.

( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) : جزاء ما عملت، من خير أو شرّ.

( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٢٨١) بنقص ثواب وتضعيف عذاب.

قال البيضاويّ(٧) : وعن ابن عبّاس: أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل [على رسول الله

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: وحشي.

(٢) ليس في أ.

(٣) المصدر: فأقبل.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٣.

٤٦١

ـ صلّى الله عليه وآله ـ](١) وقال ضعها في رأس المائتين والثّمانين من البقرة. وعاش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعدها أحدا وعشرين يوما. وقيل: أحدا وثمانين. وقيل: سبعة أيّام. وقيل: ثلاث ساعات.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) : إذا داين بعضكم بعضا.

و «التّداين» و «المداينة»: المعاملة نسيئة، معطيا أو آخذا.

وذكر الدّين لدفع توهّم أنّه من التّداين، بمعنى المجازاة.

( إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) : معلوم بالأيّام والأشهر. فإنّه معلوم. لا بالحصاد وقدوم الحاجّ.

فإنّه لا يجوز. لأنّه غير معلوم.

( فَاكْتُبُوهُ ) . لأنّه أوثق وأدفع للنّزاع. والأمر بها للاستحباب.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [قال](٣) : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم.

قال: فمرّ(٤) آدم باسم داود [النّبيّ ـ عليه السّلام].(٥) فإذا عمره في العالم أربعون سنة.

فقال آدم: يا ربّ! ما أقلّ عمر داود. وما أكثر عمري! يا ربّ! إن أنا زدت داود [من عمرى](٦) ثلاثين سنة. أتثبت(٧) ذلك له؟

قال: نعم، يا آدم! قال: فإنّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة. فأنفذ ذلك له. وأثبتها له عندك.

واطرحها من عمري.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأثبت الله ـ عزّ وجلّ ـ لداود في عمره ثلاثين سنة.

وكانت له عند الله مثبتة. (فذلك قوله(٨) ـ عزّ وجلّ(٩) :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) .

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) علل الشرائع / ٥٥٣، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) ليس في المصدر. والظاهر أنها سقطت منه.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: أثبت.

(٨) المصدر: فلذلك قول الله.

(٩) الرعد / ٣٩.

٤٦٢

قال: فمحا الله ما كان [عنده](١) مثبتا لآدم. وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا.

قال: فمضى عمر آدم. فهبط [عليه](٢) ملك الموت، لقبض روحه.

فقال له آدم: يا ملك الموت! إنّه قد بقي من عمري ثلاثون(٣) سنة.

فقال له ملك الموت: يا آدم! ألم تجعلها لابنك داود النّبيّ، وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك، وعرضت عليك أعمارهم، وأنت يومئذ بوادي الدخيا(٤) ؟

فقال له آدم: ما أذكر هذا؟

قال: فقال له ملك الموت: يا آدم! لا تجحد. ألم تسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يثبته(٥) لداود ويمحوها من عمرك؟ فأثبتها لداود في الزّبور. ومحاها من عمرك في الذّكر.

قال آدم حتّى أعلم ذلك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: وكان آدم صادقا. لم يذكر. ولم يجحد. فمن ذلك اليوم أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ العباد(٦)

أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل [مسمّى](٧) ، لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه.

وفي الكافي(٨) : أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا عرض على آدم ولده، نظر إلى داود. فأعجبه. فزاده خمسين سنة من عمره.

[قال: ونزل عليه جبرائيل وميكائيل. فكتب عليه ملك الموت صكّا بالخمسين سنة. فلمّا حضرته الوفاة، أنزل عليه ملك الموت.

فقال آدم: قد بقي من عمري خمسون سنة](٩) قال: فأين الخمسون سنة(١٠) الّتي جعلتها لابنك داود؟

قال: فأمّا أن يكون نسيها، أو أنكرها. فنزل جبرئيل وميكائيل فشهدا عليه.

وقبضه ملك الموت.

__________________

(١ و ٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: ثلاثين.

(٤) المصدر: الدخياء.

(٥) المصدر: يثبتها.

(٦) ليس في أ.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ٢.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في المصدر.

٤٦٣

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كان أوّل صكّ كتب في الدّنيا. وفيه حديث آخر طويل نحوه(١) ، غير أنّ فيه: أنّ عمر داود كان أربعين سنة. فزاده آدم ستّين تمام المائة.

( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) : بالسّويّة. لا يزيد ولا ينقص. وهو للاستحباب، أيضا.

( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ ) : لا يمتنع أحد من الكتّاب. وهو للاستحباب، أيضا.

( أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ ) من كتبة الوثائق. وهو أن يكتب بالعدل، أو لا يأب أن ينتفع النّاس بكتابته، كما نفعه الله بتعليمها.

( فَلْيَكْتُبْ ) تلك المعلمة. أمر بها بعد النّهي عن الإباء، تأكيدا.

وقيل(٢) : «يجوز أن تتعلّق الكاف بالأمر. فيكون النّهي عن الامتناع [منها، مطلقة ،](٣) ثمّ الأمر بها مقيّدة.» وهو ضعيف.

( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ ) . لأنّه المقرّ.

والإملال والإملاء، واحد.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) ، أي: المملي أو الكاتب.

( وَلا يَبْخَسْ ) : لا ينقص،( مِنْهُ شَيْئاً ) ، أي: من الحقّ، أو ممّا أملي عليه.

( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) : ناقص العقل،( أَوْ ضَعِيفاً ) : صبيّا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن ابن سنان قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: متى يدفع إلى الغلام ماله؟

قال: إذا بلغ وأونس منه رشد، ولم يكن سفيها أو ضعيفا.

قال: قلت: فإنّ منهم من يبلغ خمس عشرة(٥) سنة وستّ عشرة(٦) سنة ولم يبلغ.

قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٧٨، ح ١، مع بعض التصرف في النقل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٥، ح ٥٢٢.

(٥) المصدر: خمس عشر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ستة عشرة.

٤٦٤

قال: قلت: وما السّفيه والضّعيف؟

قال: السّفيه، الشّارب الخمر. والضّعيف الّذي يأخذ واحدا باثنين.

وفي تهذيب الأحكام(١) : عليّ بن (الحسين(٢) ، عن أحمد ومحمّد)، ابني الحسن، عن أبيهما، عن أحمد بن عمر الحلبيّ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) .

قال: الاحتلام.

قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة(٣) سنة(٤) ونحوها.

فقال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة(٥) [ونحوها.

فقال: لا. إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ،](٦) كتبت له الحسنات [وكتبت عليه السّيّئات].(٧) وجاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

فقال: وما السّفيه؟

فقال: الّذي يشتري الدّرهم بأضعافه.

فقال: وما الضّعيف؟

قال: الأبله.

[وفي كتاب الخصال، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأله أبي، وأنا حاضر، عن اليتيم متى يجوز أمره؟

قال: حتّى يبلغ أشدّه.

قال: قلت(٨) : وما أشدّه؟

قال: احتلامه(٩) .

قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة(١٠) سنة، أو أقلّ، أو أكثر ولا يحتلم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ١٨٢، ح ٧٣١.

(٢) المصدر: الحسن.

(٣) المصدر: ست عشرة وسبعة عشر. النسخ: ستة عشر وسبع عشر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثلاث عشر سنة.

(٦ و ٧) يوجد في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر: الاحتلام.

(١٠) المصدر: ثمان عشر. الأصل ور: ثمانية عشر.

٤٦٥

قال: فإذا بلغ وكتب عليه الشيء، جاز أمره. إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا].(١)

( أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ) لخرس أو جهل باللّغة.

( فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) ، أي: الّذي يلي أمره، ويقوم مقامه، من الوليّ الشّرعيّ للصّبيّ والمختلّ العقل، والوكيل المترجم المعتبر، على الوجه الّذي اعتبره الشرع من كونه عدلين خبيرين بقصده.

( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ) :

واطلبوا أن يشهد على الدّين شاهدان،( مِنْ رِجالِكُمْ ) المؤمنين.

( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) ، أي: فليشهدوا. فالمستشهد، رجل وامرأتان.

( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) لعلمكم بعدالتهم.

في الكافي(٢) : أحمد بن محمّد العاصميّ، عن عليّ بن الحسن التميميّ، عن ابن بقاح، عن أبي عبد الله المؤمن، عن عمّار بن أبي عاصم قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: أربعة لا يستجاب لهم دعوة. أحدهم(٣) : رجل كان له مال. فأدانه بغير بيّنة. يقول(٤) الله ـ عزّ وجلّ: ألم آمرك بالشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من ذهب حقّه على غير بيّنة لم يؤجر.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تهذيب الأحكام(٧) : سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد(٨) ، وعليّ بن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٥ / ٢٩٨، ح ٢.

(٣) المصدر: «فذكر الرابع»، بدل «دعوة أحدهم»

(٤) المصدر: فيقول.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٣.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تهذيب الأحكام ٦ / ٢٨١، ح ٧٧٤.

(٨) المصدر: «أحمد بن محمد عن محمد بن خالد» بدل «أحمد بن محمد بن خالد.»

٤٦٦

حديد، عن عليّ بن النّعمان، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن شهادة النّساء في النّكاح بلا رجل معهنّ، إذا كانت المرأة منكرة.

فقال: لا بأس به، ـ إلى قوله ـ وكان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يجيز شهادة امرأتين في النّكاح، عند الإنكار. ولا يجيز في الطّلاق، إلّا شاهدين عدلين.

قلت: فأنّى ذكر الله تعالى؟ وقوله( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) .

فقال: ذلك في الدّين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان. ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن(١) امرأتان(٢) . قضى بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بعده عندكم.

( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ) ، أي: تضلّ إحدى المرأتين، أي: نسيت الشّهادة.

( فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) ، أي: إنّما اعتبر التّعدّد في المرأة، لإرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى، إن ضلّت ونسيت الشّهادة. وذلك لنقصان عقولهنّ وقلّة ضبطهنّ. والعلّة في الحقيقة التّذكير، وضع سببه مقامه.

وقرأ حمزة: «أن تضلّ» (على الشّرط) «فتذكّر» (بالرّفع.) وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: «فتذكّر» (من الإذكار.)( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) .، لتحمّل الشّهادة.

وسمّوا «شهداء»، تنزيلا لما يشارف منزلة الواقع وما مزيدة.

وقيل(٣) : لأداء الشّهادة أو التّحمّل.

وفي الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) قال(٥) . لا ينبغي لأحد إذا دعي للشّهادة(٦) ، يشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم.

[محمد بن يحيى(٧) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله. وقال: فذلك قبل الكتاب].(٨)

__________________

(١) المصدر: لم تكن.

(٢) يوجد في أبعد هذه الجملة: ورجل واحد ويمين لا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

(٤) الكافي ٧ / ٣٧٩، ح ١.

(٥) المصدر: فقال.

(٦) المصدر: إلى الشهادة.

(٧) نفس المصدر ٧ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠، ح ٢.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٦٧

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) فقال: إذا دعاك الرّجل لتشهد(٢) له على دين أو حق، لم ينبغ لك أن نقاعس عنه.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) ، قال: قبل الشّهادة.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا يأب الشّهداء أن تجيب(٥) حين تدعى(٦) قبل الكتاب.

( لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ ) : ولا تملّوا من كثرة مدايناتكم أن تكتبوا الدّين.

وقيل(٧) : كنّى بالسّأمة عن الكسل.

( صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ) : كان الحقّ صغيرا أو كبيرا، أو الكتاب مختصرا أو مشبعا.

( إِلى أَجَلِهِ ) : متعلّق بتكتبوه، أي: وقت حلوله الّذي أقرّ به المديون.

( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى( أَنْ تَكْتُبُوهُ ) .

( أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) : أكثر قسطا.

( وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ) : وأثبت لها.

وهما مبنيّان من أقسط وأقام على غير قياس، أو من قاسط بمعنى ذي قسط وقويم.

وإنّما صحّت الواو في «أقوم» كما صحّت في التّعجّب، لجموده.

( وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا ) : وأقرب في أن لا تشكّوا في جنس الدّين وقدره وأجله والشّهود ونحو ذلك.

( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) :

استثناء عن مفعول فاكتبوه الرّاجع إلى دين، باعتبار تعلّق الكتابة به وتعلّقه

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٨٠، ح ٣.

(٢) النسخ: «تشهد.» وما في المتن، موافق المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٤.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ٦.

(٥ و ٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يجيب يدعى.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٤٤.

٤٦٨

بالتّداين. وما بينهما اعتراض، أي: اكتبوا الدّين المتداين به، إلّا أن يكون تجارة.

ونصب عاصم «تجارة»، على أنّه الخبر، والاسم مضمر تقديره: «إلّا أن يكون الدّين المتداين به تجارة.» وقرأ الباقون بالرّفع، على أنّ الخبر( تُدِيرُونَها ) ، أو على كان التّامّة.

( حاضِرَةً ) : والتّجارة الحاضرة تكون بدين وعين.

( تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ) : وإدارة التّجارة تعاطيهم إيّاها يدا بيد. فهو على تقدير كونه صفة مخصّصة، أي: فلا بأس بعدم الكتابة حينئذ.

( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) مطلقا. لأنّه أحوط.

وقيل(١) : المراد هذا التّبايع.

والأوامر الّتي في هذه الآية، للاستحباب. وقيل(٢) : للوجوب. فمن قائل بالإحكام وقائل بالنّسخ.

( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) : يحتمل البنائين. ويدلّ عليه قراءة: ولا يضارّ (بالكسر والفتح.) فعلى البناء للفاعل، نهي لهما عن ترك الإجابة والتّحريف والتّغيير في الكتبة والشّهادة. وعلى البناء للمفعول، نهى للمستكتب والمستشهد، من أن يضارّهما بالتّكليف لهما، ما لا يسوغ لهما، من حبس جعل الكاتب وحبس الشّهيد وغير ذلك.

( وَإِنْ تَفْعَلُوا ) ما نهيتم عنه،( فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) : خروج عن الطّاعة.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في مخالفة نهيه.

( وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) أحكامه المتضمّنة لمصالحكم.

( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . (٢٨٢) كرّر لفظ «الله» في الجمل الثّلاث، للمبالغة.

فإنّه لـمّا كان موضوعا للذّات الكاملة مع جميع صفات الكمال على الكمال، فيكون عقابه في النّهاية والكمال. فيقتضي الاتّقاء منه، أشدّ اقتضاء. ويكون تعليمه للأحكام في نهاية الإفضال. فلا يجوز مخالفة حكمه بحال. ويكون علمه بقدر الجزاء، شاملا أتمّ شمول. فلا يسوغ إغفال العمل بالذّهول.

وقيل(٣) : كرّر لاستقلالها. فإنّ الأولى، حثّ على التّقوى. والثّانية، وعد بإنعامه.

والثّالثة، تعظيم لشأنه. ولأنّه أدخل في التّعظيم من الكناية.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٥.

٤٦٩

والوجه الأوّل من تعليليه ضعيف. لأنّ الإضمار لا يقتضي عدم الاستقلال. فتأمّل.

( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ) : راكب سفر، أي: مسافرين،( وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً، فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) ، أي: فالّذي يستوثق رهان، أو فعليكم رهان، أو فليؤخذ رهان.

وظنّ مجاهد والضّحّاك، أنّ هذا التّعليق لاشتراط السّفر في الارتهان. [وليس كما ظنّا. بل الظّاهر أنّه لإقامة التّوثّق بالارتهان](١) مقام التّوثّق بالكتب في السّفر الّذي هو مظنّة الإعواز.

وبعضهم استدلّ بالآية، على أنّ القبض بالمعنى الأخصّ، معتبر في الرّهن. وفيه أنّه يحتمل أن يكون ذكر القبض واردا في الآية، على ما هو اكثر موارده، على أنّه يحتمل أن يكون المراد بالقبض، ما يشمل عدم جواز تصرّف الرّاهن، بدون إذن المرتهن فيه.

وما رواه العيّاشيّ(٢) : في تفسيره «عن محمّد بن عيسى، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لا رهن إلّا مقبوض(٣) » محمول على هذا المعنى.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهن، كسقف. وكلاهما جمع رهن، بمعنى مرهون، وقرئ بإسكان الهاء، على التّخفيف.

( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) ، أي: عدّ بعضكم البعض الآخر أمينا، واستغنى بأمانته عن الكتبة والارتهان،( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) ، أي: دينه.

سمّاه «أمانة»، لائتمانه عليه بترك الارتهان. ويحتمل أن يكون المراد بالائتمان، الاستيداع.

وقرئ بالّذيّتمن (بقلب الهمزة ياء) والّذتمن (بإدغام الياء في التّاء).

قيل(٤) : [وهو خطأ. لأنّ المنقلبة عن الهمزة في حكمها. فلا تدغم.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) في الخيانة.

وفي ذكر الرّبّ والإضافة إلى المؤتمن بعد ذكر الاسم الدّالّ على الذّات

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٥.

(٣) المصدر: مقبوضا.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٠

المستجمع لجميع الصّفات المقتضية للاتّقاء عنه، زيادة اقتضاء للاتّقاء، على وجه اللّطف والمرحمة، لإشعاره بأنّه تعالى مربّيه. فيجب أن لا يرتكب ما فيه، مناقضة بكمال تربيته. فإنّ فيه كسر للمربّي ظاهرا. ففيه نهاية الإعطاف والإفضال وإظهار الملاطفة والإشعار.

فاعتبروا يا أولي الأبصار.

( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ) ، أيّها الشّهود! وقيل(١) : أو المديونون. والشّهادة، شهادتهم على أنفسهم.

( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ، أي: يأثم قلبه، أو قلبه يأثم. وعلى الثّاني، الجملة خبر «إنّ» وإسناد الإثم إلى القلب. لأنّ الكتمان يقترفه، أو للمبالغة. فإنّه رئيس الأعضاء. وأفعاله أعظم الأفعال.

وفي نهج البلاغة(٢) : قال ـ عليه السّلام: وبما في الصّدور يجازى(٣) العباد.

وقرئ: قلبه (بالنّصب، كحسن وجهه.)

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : روى جابر(٥) ، عن أبي جعفر(٦) ـ عليه السّلام ـ قال في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) قال: كافر قلبه].(٧)

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (٢٨٣): تهديد.

في أمالي الصّدوق ـ رحمه الله(٨) ـ في مناهي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: ونهى ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن كتمان الشّهادة. وقال: من كتمها(٩) أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ. وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) .

وفي الكافي(١٠) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، ومحمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من كتم شهادة، أو شهد بها، ليهدر بها دم امرئ مسلم ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

(٢) نهج البلاغة / ١٠٣، في خطبة ٧٥.

(٣) المصدر: تجازى.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٥، ح ١١٥.

(٥) «روى جابر» ليس في المصدر.

(٦) المصدر: وقال ـ عليه السّلام ـ أي: أبي جعفر ـ عليه السّلام.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٨) أمالي الصدوق / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٩) أو المصدر: يكتمها.

(١٠) الكافي ٧ / ٣٨٠، ح ١. وللحديث ذيل.

٤٧١

أو ليزوي مال امرئ مسلم، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة، مدّ البصر وفي وجهه كدوح.

تعرفه الخلائق باسمه ونسبه.

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) : خلقا وملكا.

( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) : ما استقرّ في أنفسكم من السّوء حتّى تعزموا عليه.

لا ما خطر فيه. فإنّه موضوع عنكم. فإن تبدوه بالعمل أو باللّسان.

( أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) يوم القيمة.

( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ) مغفرته.

( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) تعذيبه.

وقد رفعهما عامر وعاصم ويعقوب، على الاستئناف. وجزمهما الباقون، عطفا على جواب الشّرط. ومن جزم بغير فاء، جعلهما بدلا عنه، بدل البعض من الكلّ أو الاشتمال، كقوله :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وإدغام الرّاء في اللّام، لحن، إذ الرّاء لا يدغم إلّا في مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن سعدان، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) قال: حقيق على الله أن لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما.

وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله(٣) ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي تسعة أشياء(٤) : الخطأ، والنّسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطّيرة، والتّفكّر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفة.

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة. فلم يجبني. فدخلت عليه دخلة أخرى. فقلت: أصلحك الله! إنّه قد وضع(٦) في قلبي منها شيء، ولا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥٦، ح ٥٢٨.

(٢) التوحيد / ٣٥٣، ح ٢٤.

(٣) المصدر: أبي عبد الله عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) نفس المصدر / ٣٤٦، ح ٣.

(٦) المصدر: وقع. (ظ)

٤٧٢

قال: فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك.

وسيأتي تمام الحديث ـ إن شاء الله.

( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢٨٤). فيقدر على الإحياء والمحاسبة والمغفرة والتّعذيب.

( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) : شهادة. تنصيص من الله تعالى، على صحّة إيمانه والاعتداد به. وإنّه جازم في أمره، غير شاكّ فيه.

في كتاب الغيبة، لشيخ الطّائفة ـ قدس سرّه(١) ـ بإسناده إلى سلام قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة(٢) أسري بي إلى السّماء، قال العزيز ـ جلّ ثناؤه:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٣) :](٤) وروى المقلّد بن غالب ـ رحمه الله ـ عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن رهبان، عن محمّد بن أحمد، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن جابر قال: سمعت أبا سلمى راعي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ليلة أسري بي إلى السّماء، قال الرّبّ ـ عزّ وجلّ:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

قلت:( وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

قال: صدقت يا محمّد. من خلّفت على أمّتك؟

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام؟

قلت: نعم، يا ربّ! فقال: يا محمّد! إنّي اطّلعت إلى الأرض، اطلاعة. فاخترتك منها. فشققت لك اسما من أسمائي. فلا أذكر(٥) في موضع إلّا ذكرت معي. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ

__________________

(١) غيبة الطوسي / ٩٥.

(٢) المصدر: سمعت ليلة.

(٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) ليس في أ.

(٥) ر: إنّي فلا أذكر.

٤٧٣

اطّلعت ثانية. واخترت عليّا. فشققت له اسما من أسمائي. فأنا الأعلى. وهو عليّ.

يا محمّد! إنّي خلقتك وخلقت عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين، من نوري.

يا محمّد! إنّي عرضت ولايتكم على أهل السّماوات والأرضين. فمن قبلها كان عندي من المؤمنين. ومن جحدها كان عندي من الظّالمين.

يا محمّد! تحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم. يا ربّ! قال: التفت.

فالتفت عن يمين العرش. فإذا أنا باسم عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن والمهديّ في وسطهم، كأنّه كوكب درّيّ.

فقال: يا محمّد! هؤلاء حججي على خلقي. وهذا القائم من ولدك بالسّيف، والمنتقم من أعدائك.

فعلى هذين الخبرين، قوله( وَالْمُؤْمِنُونَ ) معطوف على «الرّسول» عطف تلقين.

وقوله :

( كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) ، مبتدأ وخبر. والضّمير الّذي ناب عنه التّنوين في كلّ، للرّسول وللمؤمنين.

وجوّز البيضاويّ(١) كون «المؤمنون» مبتدأ أولا، وكون الضّمير لهم، «وكلّ» مبتدأ ثانيا مع خبره. وهو مع خبره خبر للأوّل.

قال: ويكون إفراد الرّسول لتعظيمه، أو لأنّ إيمانه عن مشاهدة وعيان، وإيمانهم عن نظر واستدلال.

وقرأ حمزة والكسائيّ: «وكتابه»، يعني: القرآن أو الجنس. والفرق بينه وبين الجمع أنّه شائع في وحدان الجنس والجمع في جموعه. ولذلك قيل: الكتاب أكثر من الكتب.

( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) بالتّصديق لبعضهم والتّكذيب لبعض آخر، أي :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٦.

٤٧٤

يقولون لا نفرّق.

ويحتمل عدم تقدير القول بجعله حالا من الفاعل. وهو الرّسول والمؤمنون. ويكون العدول عن الغيبة، لتعظيمهم وذلك أوجه.

وقرأ يعقوب بالياء، على أنّ الفعل لكلّ.

وقرئ «لا يفرّقون»، حملا على المعنى.

( وَقالُوا سَمِعْنا ) قولك.

( وَأَطَعْنا ) أمرك.

( غُفْرانَكَ رَبَّنا ) ، أي: اغفر غفرانك، أو نطلب غفرانك.

ويحتمل بعيدا كونه معمول «أطعنا وسمعنا» على سبيل التّنازع، أي: غفرانك، أي: موجبه. وهو الإيمان. سمعناه. وأطعناه. فآمنّا.

( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٢٨٥) بعد الموت. وهو إقرار منهم بالبعث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) للطّبرسيّ ـ ره ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها: معاشر النّاس! قولوا الّذي قلت لكم. وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. وقولوا:( سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) .

( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) : إلّا ما يسعه قدرتها، أو مادون مدى طاقتها.

ويكون يسيرا عليها لقوله(٢) :( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) . وفيه تصريح بعدم وقوع التّكليف بالمحال.

وفي كتاب التّوحيد(٣) ، بإسناده إلى أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ما أمر العباد إلّا بدون سعتهم. وكل(٤) شيء أمر النّاس بأخذه، فهم متّسعون له. وما لا يتّسعون له، فهو موضوع عنهم. ولكنّ النّاس لا خير فيهم.

وبإسناده(٥) إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: من قال بالجبر، فلا تعطوه من الزّكاة، ولا تقبلوا له

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٨٣.

(٢) البقرة / ١٨٥.

(٣) التوحيد / ٣٤٧، ح ٦.

(٤) المصدر: فكلّ. أ: وفي كلّ.

(٥) نفس المصدر / ٣٦٢، ح ٩.

٤٧٥

شهادة. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول(١) :( لا يُكَلِّفُ اللهُ ) (٢) ( نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) . ولا يحمل(٣) فوق طاقتها.( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .(٤)

وبإسناده(٥) إلى حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة ـ إلى قوله ـ قلت: أصلحك الله! فإنّي أقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يكلّف العباد إلّا ما يستطيعون وإلّا ما يطيقون. فإنّهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره.

قال: وهذا دين الله الّذي أنا عليه وآبائي.

( لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.

( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ. لا ينتفع بطاعتها. ولا يتضرّر بمعصيتها غيرها.

وتخصيص الكسب بالخير، والاكتساب بالشّرّ. لأنّ الاكتساب فيه اعتمال.

والشّرّ تشتهيه الأنفس وتنجذب إليه. فكانت أجدّ في تحصيله وأعمل، بخلاف الخير.

( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) ، أي: لا تؤاخذنا بما أدّى بنا إلى نسيان، أو خطأ، أو بما يؤدّي الخطأ والنّسيان إليه بالآخرة من عمل آخر. فإنّهما يمكن أن يؤدّي كثرتهما واعتيادهما إلى عمل قبيح.

وقيل: أو بأنفسهما إذ لا يمتنع المؤاخذة بهما عقلا. فإنّ الذّنوب كالسّموم. فكما أنّ تناولها يؤدّي إلى الهلاك، وإن كان خطأ. فتعاطي الذّنوب لا يبعد أن يفضى إلى العقاب، وإن لم يكن عزيمة. لكنّه تعالى وعد التّجاوز عنه، رحمة وفضلا. فيجوز أن يدعو الإنسان به، استدامة واعتدادا بالنّعمة فيه.

وفي أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن أبي داود المسترق قال: حدّثني عمرو بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: رفع عن أمّتي أربع خصال: خطأها، ونسيانها، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) .

__________________

(١، ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: يحملّها.

(٤) نفس المصدر / ٣٤٦، ذيل ح ٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٤٧.

(٦) الكافي ٢ / ٤٦٢، ح ١.

٤٧٦

وقوله(١) .( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

ويحتمل أن يكون هذا دعوة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل رفع الخطأ والنّسيان. وبعدها رفع، كما يجيء في الخبر.

والغرض من الدّعاء به، التّأسّي به، وتذكّر ما أنعم الله تعالى بسبب دعوته ـ عليه السّلام.

( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً ) . ثقيلا يأصر صاحبه، أي: يحبسه في مكانه. والمراد به التّكاليف الشّاقّة.

وقرئ: ولا تحمّل (بالتّشديد، للمبالغة.)( كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) : حملا مثل حملك إيّاه عليهم، أو مثل الّذي حملته إيّاهم. فيكون صفة لإصرا، أو المراد به ما كلّف به بنو إسرائيل، من الأمور الّتي ذكر في الخبر الّذي ينقل عن الاحتجاج(٢) .

( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) من البلاء والعقوبة، أو من التّكاليف الّتي لا تفي بها القوّة البشريّة. وهو لا يدلّ على جواز التّكليف بما لا يطاق، بناء على احتمال كون المراد ممّا لا طاقة لنا العقوبة لا التّكاليف.

والتّشديد هنا، لتعدية الفعل إلى مفعول ثان.

( وَاعْفُ عَنَّا ) : وامح ذنوبنا.

( وَاغْفِرْ لَنا ) : واستر عيوبنا. ولا تفضحنا بالمؤاخذة.

( وَارْحَمْنا ) : وتعطّف بنا. وتفضّل علينا.

( أَنْتَ مَوْلانا ) : سيّدنا وناصرنا.

( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (٢٨٦): والمراد بهم عامّة الكفرة.

وفي كتاب الاحتجاج(٣) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله: روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، يقول فيه ـ وقد ذكر مناقب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: فدنى بالقلم(٤) . فتدلّى فدنى له(٥) من الجنّة رفرف أخضر. وغشى النّور بصره. فرأى عظمة ربّه

__________________

(١) النحل / ١٠٦.

(٢) سيأتي الخبر في الصفحات التالية.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٧ ـ ٣٣.

(٤) أو المصدر: بالعلم.

(٥) «فدنى له» ليس في المصدر.

٤٧٧

ـ عزّ وجلّ ـ بفؤاده. ولم يرها بعينه. فكان كقاب قوسين بينها وبينه(١) ، أو أدنى. فأوحى [الله](٢) إلى عبده ما أوحى. وكان في ما أوحى إليه الآية الّتي في سورة البقرة، قوله تعالى:( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ. فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ. وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم ـ عليه السّلام ـ إلى أن بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ محمّدا.

وعرضت على الأمم. فأبوا أن يقبلوا(٣) من ثقلها. وقبلها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وعرضها على أمّته. فقبلوها. فلمّا رأى الله ـ تبارك وتعالى ـ منهم القبول، علم أنهم لا يطيقونها.

فلمّا أن سار إلى ساق العرش، كرّر عليه الكلام، ليفهمه. فقال:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) .

فأجاب ـ صلّى الله عليه وآله ـ مجيبا عنه: وعن(٤) أمّته؟

فقال:( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .

فقال ـ جلّ ذكره: لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أمّا](٥) إذا فعلت ذلك ربّنا(٦) ، فغفرانك ربّنا.

وإليك المصير، يعنى: المرجع في الآخرة.

قال: فأجابه الله جلّ ثناؤه: وقد فعلت ذلك بك وبأمّتك؟

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ: أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمّتك، فحقّ عليّ أن أرفعها. عن أمّتك.

وقال:( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. لَها ما كَسَبَتْ ) من خير.( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) من شرّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمع ذلك: أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمّتي، فزدني.

__________________

(١) المصدر: بينه وبينها. (ظ)

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: يقبلوها. (ظ)

(٤) ولعله: عن.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: بنا.

٤٧٨

قال: سل.

قال:( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) .

قال الله ـ عزّ وجلّ: لست أؤاخذ أمّتك بالنّسيان أو الخطأ، لكرامتك عليّ.

وكانت الأمم السّالفة إذا نسوا ما ذكّروا به، فتحت عليهم أبواب العذاب. وقد رفعت(١) ذلك عن أمّتك. وكانت الأمّة السّالفة إذا أخطأوا، أخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه(٢) . وقد رفعت ذلك عن أمّتك، لكرامتك عليّ.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: [أللهمّ](٣) إذا أعطيتني ذلك، فزدني.

فقال الله تعالى له: سل.

قال:( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) ، يعني: بالإصر، الشّدائد الّتي كانت على من كان قبلنا.

فأجابه الله إلى ذلك. فقال ـ تبارك اسمه: قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الأمم السّالفة: كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع من الأرض معلومة(٤) اخترتها لهم. وإن بعدت.

وقد جعلت الأرض لأمّتك كلها(٥) مسجدا وطهورا. فهذه من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمّة السّالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم. وقد جعلت الماء لأمّتك طهورا. فهذه(٦) من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس. فمن قبلت ذلك منه، أرسلت اليه(٧) نارا، فأكلته. فرجع مسرورا. ومن لم أقبل ذلك(٨) ، رجع مثبورا.

وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها. فمن قبلت ذلك منه، أضعفت له(٩)

__________________

(١) المصدر: دفعت.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: «معلومة من الأرض» بدل «من الأرض معلومة.»

(٥) المصدر: كلّها لأمّتك. (ظ)

(٦) المصدر: فهذا.

(٧) المصدر: عليه. (ظ)

(٨) المصدر: منه ذلك. (ظ)

(٩) أو المصدر: ذلك له.

٤٧٩

أضعافا مضاعفة. ومن لم أقبل ذلك منه، رفعت عنه عقوبات الدّنيا. وقد رفعت ذلك عن أمّتك وهي من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك(١) .

وكانت الأمم السّالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم اللّيل وأنصاف النّهار. وهي من الشّدائد الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وفرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل والنهار، في أوقات(٢) نشاطهم. وكانت الأمم السّالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة، في خمسين وقتا. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك. وجعلتها خمسا في خمسة أوقات. وهي إحدى وخمسون ركعة. وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وكانت الأمم السّالفة حسنتهم بحسنة وسيّئتهم بسيّئة. وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها(٣) من أمّتك. وجعلت الحسنة بعشر(٤) والسّيّئة بواحدة.

وكانت الأمم السّالفة إذا نوى أحدهم بحسنة(٥) ، ثمّ لم يعملها، لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة، ولم يعملها(٦) كتبت له حسنة.

وإن عملها كتبت له عشرا(٧) . وهي من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة، فلم يعملها، لم تكتب عليه. وإن عملها، كتبت عليه سيّئة. وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة، ثمّ لم يعملها، كتبت له حسنة. وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم. فرفعت(٨) ذلك عن أمّتك.

وكانت الأمم السّالفة إذا أذنبوا، كتبت ذنوبهم على أبوابهم. وجعلت توبتهم من الذّنوب أن حرّمت عليهم بعد التّوبة أحبّ الطّعام إليهم. وقد رفعت ذلك عن أمّتك.

وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم. وجعلت عليهم ستورا كثيفة. وقبلت توبتهم بلا عقوبة. ولا أعاقبهم بأن أحرّم عليهم أحبّ الطّعام إليهم.

وكانت الأمم السّالفة يتوب أحدهم(٩) من الذّنب الواحد، مائة سنة وثمانين سنة، أو خمسين سنة. ثمّ لا أقبل توبته دون أن أعاقبهم(١٠) في الدّنيا بعقوبة. وهي من الآصار الّتي

__________________

(١) المصدر: من كان من قبلك.

(٢) المصدر: وفي أو مات.

(٣) المصدر: عن. (ظ)

(٤) المصدر: بعشرة.

(٥) المصدر: حسنة. (ظ)

(٦) المصدر: فلم يعملها.

(٧) المصدر: عشرة.

(٨) المصدر: فرفعتها. (ظ)

(٩) المصدر: يتوب أحدهم إلى الله. (١٠) المصدر: أعاقبه. (ظ)

٤٨٠