تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152650
تحميل: 2976


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152650 / تحميل: 2976
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلى الأولى، ممّا يكسبونه من الأموال الّتي يأخذونها إذا ثبتوا(١) أعوانهم على الكفر بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ والجحد لوصيّه وأخيه عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وليّ الله.

والحديث طويل. أخذت منه ما به كفاية. وتركت الباقي، خوف الإطالة.

وفي مجمع البيان(٢) : وروى الخدريّ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أنّه واد في جهنم. يهوي فيه الكافر، أربعين خريفا، قبل أن يبلغ قعره.

وفيه(٣) : وقيل كتابتهم بأيديهم، أنّهم عمدوا إلى التّوراة. وحرّفوا صفة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليوقعوا الشّك بذلك للمستضعفين من اليهود.

وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام].(٤)

( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) محصورة قليلة.

روي أنّ بعضهم قالوا: نُعذّب بعدد أيّام عبادة العجل، أربعين يوما. وبعضهم قالوا: مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنة. وإنّما نعذّب مكان كل ألف سنة، يوما(٥) .

( قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً ) : وعدا.

( فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ؟ ) :

جواب شرط محذوف، أي: إن اتّخذتم عند الله عهدا. فلن يخلف الله عهده.

وقيل: لا تقدير في مثله. ولكن ضمن الاستفهام معنى الشّرط، فأجيب بالفاء.

( أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) ؟ (٨٠) :

«أم» معادلة لهمزة الاستفهام، بمعنى: كلا الأمرين كائن على سبيل التّقرير، للعلم بوقوع أحدهما، أو منقطعة، بمعنى: بل تقولون.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قوله( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) قال(٧) : قال بنو إسرائيل: لن تمسّنا النّار. ولن نعذّب إلّا الأيّام المعدودات الّتي عبدنا فيها العجل.

فردّ الله عليهم(٨) : قل يا محمّد لهم:( أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ؟ أَمْ تَقُولُونَ

__________________

(١) كذا في الأصل ور. ولعله: إذا ثبتوا، أو إذ أثبتوا، أو إذا أثبتوا. (كما في تفسير البرهان ١ / ١١٩.)

(٢) مجمع البيان ١ / ١٤٦.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الكشاف ١ / ١٥٨+ أنوار التنزيل ١ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٦) تفسير القمي ١ / ٥١. (٧) ليس في المصدر. (٨) المصدر: فرد الله عليهم فقال: وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة. قل

٦١

عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) ؟»](١)

( بَلى ) : إثبات لما نفوه من مساس النّار لهم، زمانا مديدا ودهرا طويلا، على وجه أعمّ، ليكون كالبرهان على بطلان قولهم. ويختصّ بجواب النّفي.

( مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ) :

والفرق بينها وبين «الخطيئة»، أنّها قد يقال فيما يقصد بالذّات. و «الخطيئة» تغلب فيما يقصد بالعرض. لأنّها من الخطأ.

و «الكسب»: استجلاب النّفع وتعليقه بالسّيّئة، على طريق التّهكّم.

( وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) :

والمراد بها الشّرك. لأنّه ما عداه لا يستحقّ به الخلود في النّار، عندنا.

فالمراد بالإحاطة، الاستيلاء عليه، حتّى لا يخلو عنها شيء من جوانبه، كما هو شأن المشرك. فانّ غيره إن لم يكن له سوى تصديق القلب والإقرار باللسان، فلم تحط الخطيئة به.

( فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ) : ملازموها في الآخرة، كما أنّهم ملازمو أسبابها في الدنيا.

( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٨١) لأن نيّاتهم في الدنيا أنّهم لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا. فبالنيات خلّدوا.

[وفي اصول الكافي:(٢) محمد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن يونس، عن صالح(٣) المزني، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله(٤) ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:(٥) ( بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) قال: إذا جحد امامة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ( فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

وفي كتاب التوحيد(٦) : حدثنا احمد بن زياد بن حفص الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال: حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول :](٧) لا يخلد الله في النار إلّا أهل الكفر والجحود

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ١ / ٤٢٩، ح ٨٢.

(٣) المصدر: صباح.

(٤) عن أحدهما.

(٥) البقرة / ٨١.

(٦) التوحيد / ٤٠٧، ح ٦.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٦٢

وأهل الضلال والشرك.

[وفي الكافي(١) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام. قال: إذا جحد إمامة أمير المؤمنين، فأولئك أصحاب النّار، هم فيها خالدون].(٢)

وقوله :

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٨٢) :

بناء على ما جرت عادته سبحانه، على أن يقرن الوعد بالوعيد، لترجى رحمته، ويخشى عذابه. ولمّا جاز أن يكون عطف العمل على الإيمان(٣) ، لزيادة الاهتمام، والإشعار بأنّه أدخل أجزاءه، لم يدلّ على خروجه من مسمّاه، مع أنّه معارض بقوله تعالى(٤) :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ) . فإنّه لا نزاع في أنّ إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة، داخلان تحت العمل الصّالح.

[وفي أصول الكافي(٥) ، بإسناده إلى أبي هاشم. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّما خلّد أهل النّار في النّار، لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا، أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا. وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة، لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا، أن لو أبقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا. فبالنّيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء. ثمّ تلا قوله تعالى(٦) ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) قال: على نيّته].(٧)

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ ) :

إخبار في معنى النّهي. وهو أبلغ من التصريح، لما فيه من إيهام أنّ المنهيّ سارع إلى الانتهاء. فهو يخبر عنه. وتنصره قراءة «لا تعبدوا». وعطف قولوا عليه، فيكون على إرادة القول.

وقيل(٨) : معنان «أن تعبدوا». فلمّا حذفت، أن رفع كقوله(٩) :

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٢٩، ح ٨٢.

(٢) ما بين المعقوفتين، يوجد في أ، فقط.

(٣) في هامش النسخة الأصل: فيه رد على البيضاوي (منه)

(٤) البقرة / ٢٧٧.

(٥) الكافي ٢ / ٨٥، ح ٥.

(٦) الإسراء / ٨٤

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٦٦.

(٩) هذا البيت من معلقة طرفة بن العبد البكري، ويوجد في شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، الشاهد ٣٣٣ (٢ / ٣٦٢)

٦٣

ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الواغى(١)

وأن أشهد اللّذّات، هل أنت مخلدي؟

وتنصره قراءة «أن لا تعبدوا» ويحتمل أن تكون «أن»، مفسّرة. وأن تكون مع الفعل، بدلا من الميثاق. أو معمولا له بحذف الجارّ. وإن ادّعى في حذف حرف التّفسير، أنّ فيه نظرا.

وقيل(٢) : إنّه جواب قسم، دلّ عليه المعنى، كأنّه قيل: وإذ أقسمنا عليهم(٣) لا تعبدون وقرئ «بالتّاء»(٤) ، حكاية لما خوطبوا به، و «بالياء» لأنّهم غيّب.

( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) ، متعلّق بمضمر. تقديره: وتحسنون، أو أحسنوا.

والإحسان الّذي أخذ عليهم الميثاق، هو ما فرض على أمّتنا، أيضا، من فعل المعروف بهما والقول الجميل وخفض جناح الذّلّ لهما والتّحنّن(٥) عليهما والرّأفة بهما والدّعاء بالخير لهما وما أشبه ذلك.

وفي الكافي(٦) : سئل الصّادق ـ عليه السّلام: ما هذا الإحسان؟

قال: أن تحسن صحبتهما. وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين. أليس الله يقول(٧) :( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) ؟

وفي التّفسير المنسوب إلى الإمام ـ عليه السّلام:(٨) قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أفضل والديكم وأحقّهما ببرّكم(٩) ، محمّد وعلى.

وقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام:(١٠) سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: أنا وعليّ، أبوا هذه الأمّة. ولحقّنا عليهم، أعظم من حقّ أبوي ولادتهم. فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النّار، إلى دار القرار. ونلحقهم من العبوديّة، بخيار(١١) الأحرار.

__________________

(١) كذا في كلا المصدرين. وفي النسخ: ألا أيّهذا اللائمي أحظر الوغى.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٦.

(٣) المصدر: قال حلّقناهم.

(٤) المصدر: وقرأ نافع وابن عامر وابو عمرو وعاصم ويعقوب «بالتاء».

(٥) أ: التحسّن.

(٦) الكافي ٢ / ١٥٧، ح ١.

(٧) آل عمران / ٩٢.

(٨) تفسير العسكري / ١٥٤.

(٩) المصدر: لشكركم.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١١) أ: لخيار.

٦٤

( وَذِي الْقُرْبى ) من آبائكم وأمّهاتكم.

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله:(١) من رعى حقّ قرابات أبويه، أعطي في الجنّة ألف ألف درجة.

ثمّ فسّر الدّرجات. ثمّ قال: ومن رعى حقّ قرابة(٢) محمّد وعليّ، أوتي من فضائل الدّرجات وزيادة المثوبات، على قدر زيادة(٣) فضل محمّد وعليّ، على أبوي نسبه.(٤)

( وَالْيَتامى ) :

جمع يتيم، كندامى، جمع نديم. وهم الّذين فقدوا آباءهم المتكفّلين بأمورهم.

وروي(٥) أنّ(٦) أشدّ من يتم هذا اليتيم، يتم يتيم غاب عن إمامه(٧) . لا يقدر على الوصول إليه. ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به، من شرائع دينه. ألا فمن كان من شيعتنا، عالما بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا، يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا، كان معنا في الرّفيق الأعلى.

( وَالْمَساكِينِ ) :

جمع مسكين(٨) . والمسكين، مفعيل من السّكون، كأنّ الفقّر، أسكنه.

( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) ، أي: قولا حسنا.

وسمّاه «حسنا»، للمبالغة.

وقرئ حسنا (بفتحتين) وحسنا (بضمّتين) ـ وهو لغة الحجاز ـ وحسنى.

[قيل على أنّه مصدر.(٩) وفيه نظر، إذ كون فعلى مصدرا سماعيا(١٠) ولم ينقل من العرب «حسنى»، مصدر «حسن»، كما قال أبو حيّان: و «الأحسن»، أنّه صفة لموصوف محذوف، أي: كلمة حسنى، أو: مقالة حسنى].(١١) قيل على أنّه اسم تفضيل(١٢) ،( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) ، أي: معروفا.

__________________

(١) نفس المصدر / ١٥٥.

(٢) المصدر: قربى.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: نفسه.

(٥) نفس المصدر / ١٥٧.

(٦) المصدر: و.

(٧) المصدر: يتيم ينقطع عن إمامه.

(٨) ليس في أ.

(٩) مجمع البيان ١ / ١٤٩.

(١٠) الأصل ور: سماعي.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

٦٥

روى جابر، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى( قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) قال(١) : قولوا للنّاس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم. فإنّ الله يبغض اللّعّان السّبّاب الطّعّان على المؤمنين الفاحش المتفحّش السّائل الملحف. ويحب الحليم العفيف المتعفّف.

واختلف أنّه هل هو عامّ في المؤمن والكافر؟ أو هو خاصّ في المؤمن :

والأوّل مرويّ عن الصّادق ـ عليه السّلام.(٢)

[وفي كتاب الخصال(٣) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ في قول الله تعالى( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) » قال: نزلت في أهل الذّمّة. ثمّ نسخها قوله تعالى(٤) ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) . (الآية)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تهذيب الأحكام(٥) : أحمد بن محمّد [بن عيسى]،(٦) عن الحسين بن سعيد، عن أبي عليّ. قال: كنّا عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام. فقال رجل: جعلت فداك! قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) هو الناس(٧) جميعا.

فضحك. وقال: لا! عنى: قولوا محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى أهل بيته ـ عليهم السّلام.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٨) ، عن حريز عن سدير(٩) . قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: أطعم رجلا سائلا لا أعرفه مسلما؟

قال: نعم! أطعمه ما لم تعرفه بولاية ولا بعداوة. أنّ الله يقول:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٥٠.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) عنه في تفسير الصافي ١ / ١٥٢.

(٤) التوبة / ٢٩.

(٥) تهذيب الأحكام ٣ / ٥٥، ذيل ح ١٩٠.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: للناس.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٤٨، ح ٦٤ وله تتمة.

(٩) المصدر: برير. والظاهر هي خطأ. ويحتمل أن يكون: بريد. لأن سدير وبريد، كلاهما من أصحاب الصادق ـ عليه السّلام. وبرير من أصحاب أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ (ر. رجال النجاشي / ١١٢+ تنقيح المقال ١ / ١٦٤ ـ ١٦٦، ١٦٧)

٦٦

عن عبد الله بن سنان(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: اتقوا الله. ولا تحملوا النّاس على أكتافكم. إنّ الله يقول في كتابه:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً )

وفي أصول الكافي(٢) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيرىّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: (حديث طويل) إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم. وقسّمه عليها. وفرّقه فيها. وفرض الله على اللّسان القول والتّعبير عن القلب، بما عقد عليه. وأقرّ به. قال الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .

وبإسناده(٣) إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) قال: قولوا للنّاس حسنا. ولا تقولوا إلّا خيرا، حتّى تعلموا ما هو.

وفي مصباح الشّريعة(٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: ولا تدع النّصيحة في كلّ حال. قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .»](٥)

( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) :

يريد بهما، ما فرض عليهم في ملّتهم.

( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ ) :

يريد به من أقام اليهوديّة على وجهها، ومن أسلم منهم.

( وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) (٨٣)، أي: عادتكم الإعراض عن الوفاء والطّاعة.

وفي هذه الآية، دلالة على ترتيب الحقوق. فبدأ الله سبحانه بذكر حقه وقدمه، على كلّ حقّ. لأنّه المنعم بأصول النّعم. ثمّ ثنّى بحقّ الوالدين. وخصّهما بالمزيّة. لكونهما سببا للوجود. وإنعامهما بالتّربية. ثمّ ذكر ذوي القربى. لأنّهم أقرب إلى المكلّف من غيرهم. ثمّ ذكر حقّ اليتامى لضعفهم، والفقراء لفقرهم.

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ) ، على نحو ما سبق.

و «السفك»: الصّبّ.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦٥ وله تتمة.

(٢) الكافي ٢ / ٣٣ ـ ٣٥، مقاطع من ح ١.

(٣) نفس المصدر ٢ / ١٦٤، ح ٩.

(٤) شرح فارسى مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ١ / ٢٥٧.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٦٧

( وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ) :

والمراد به، أن لا يتعرّض بعضهم بعضا بالقتل والإجلاء عن الوطن.

وجعل قتل الرّجل غيره قتل نفسه، لاتّصاله به نسبا أو دينا، أو لأنّه يوجبه قصاصا.

وقيل(١) : المراد به أن لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم.

وقيل(٢) : لا تفعلوا ما يصرفكم(٣) عن الحياة الأبديّة. فإنّه القتل في الحقيقة.

ولا تقترفوا ما يمنعكم(٤) عن الجنّة الّتي هي داركم. فإنّه الجلاء الحقيقيّ.

( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ) بالميثاق. واعترفتم بلزومه.

( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) (٨٤) :

توكيد قولك(٥) أقرّ فلان شاهدا على نفسه.

وقيل(٦) معناه: وأنتم تحضرون سفك دمائكم [وإخراج أنفسكم من دياركم].(٧) وقيل(٨) : يشهد كلّ واحد على إقرار غيره.

وقيل(٩) : معناه: وأنتم، أيّها الموجودون! تشهدون على إقرار أسلافكم. فيكون إسناد الإقرار إليهم، مجازا.

قال بعض المفسّرين(١٠) : نزلت الآية، في بني قريظة. وقيل: نزلت في أسلاف اليهود.

( ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ ) :

استبعادا لما أسند إليهم، من القتل والإجلاء والعدوان، بعد أخذ الميثاق عنهم وإقرارهم وشهادتهم.

و «أنتم»، مبتدأ و «هؤلاء»، خبره، على معنى «أنتم بعد ذلك هؤلاء الشّاهدون»، يعني: أنّكم قوم آخرون، غير أولئك المقرّين. تنزيلا لتغيّر الصّفة، منزلة تغيّر

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) المصدر: ما بردّكم ويصرفكم.

(٤) المصدر: ما يمنعون به.

(٥) أ: لقولك.

(٦) مجمع البيان ١ / ١٥٢.

(٧) ليس في أ.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، باختلاف في اللفظ.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٥٢.

٦٨

الذّات، كما تقول: «رجعت بغير الوجه الّذي خرجت به» وعدهم باعتبار ما أسند إليهم، حضورا وباعتبار ما سيحكى عنهم، غيبا.

( تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ ) :

إمّا حال، والعامل معنى الإشارة. أو بيان لهذه الجملة.

وقيل(١) : هؤلاء، تأكيد أو بدل(٢) . والخبر، هو الجملة.

وقيل(٣) : بمعنى «الّذين» والجملة صلة والمجموع، هو الخبر، كقوله(٤) :

عدس ما لعباد عليك إمارة

نجوت وهذا تحملين طليق

وقرئ «تقتلون» (على التّفعيل، للتّكثير.)( تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) :حال من فاعل «تخرجون»، أو من مفعوله، أو كليهما. ويحتمل أن يكون اعتراضا لبيان أنّ إخراجهم ظلم وعدوان.

والتّظاهر: التّعاون والظّهير: المعين.

والإثم: الفعل القبيح الّذي يستحقّ به اللّوم. وقيل(٥) : هو ما تنفّر منه النّفس.

ولم يطمئنّ إليه القلب. ومنه قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لنواس بن سمعان، حين سأله عن البرّ والإثم، فقال: «البرّ»، ما اطمأنّت إليه نفسك. «والإثم» ما حكّ في صدرك. و «العدوان»، الإفراط في الظّلم.

وقريء بحذف إحدى التّائين وبإثباتهما.

و «تظهرون»، بمعنى تتظهّرون.

( وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ ) :

روي(٦) أنّ قريظة، من اليهود. كانوا حلفاء الأوس، من المشركين. والنّضير، من اليهود. كانوا حلفاء الخزرج، من المشركين. وكانت قريظة والنّضير، أخوين، كالأوس والخزرج. فافترقوا. فكانت الخزرج مع النّضير وقريظة مع الأوس. فإذا اقتتل(٧) الحلفاء ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٥٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) الكشاف ١ / ١٦١+ مجمع البيان ١ / ١٥٣.

(٧) أ: أقتل.

٦٩

عاون كلّ فريق حلفاءه، في القتل وتخريب الدّيار وإجلاء أهلها. وإذا أسر أحد من الفريقين، جمعوا الأسراء حتّى يفدوهم بمثلهم ممّن أسره الفريق الآخر منهم، تصديقا لما في التوراة. فالأوس والخزرج، أهل شرك. يعبدون الأوثان. لا يعرفون جنّة ولا نار ولا قيامة ولا كتابا. فأنّب الله اليهود، بما فعلوه من مخالفة التوراة، في القتل والإجلاء والموافقة في المفاداة.

وقيل(١) : معناه: وإن يأتوكم أسارى في أيدي الشّياطين، تتصدّون لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ، مع تضييعكم أنفسكم، كقوله تعالى:(٢) ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) .

والأوّل أقرب، بحسب اللّفظ، وسياق الكلام.

وقرأ حمزة(٣) : أسرى. وهو جمع أسير، كجريح وجرحى. وأسارى جمعه، كسكرى وسكارى. وقيل: هو ـ أيضا ـ جمع أسير. وكأنّه شبّه بالكسلان وجمع جمعه.

ووجه الشّبه: أنّ كّلا منهما، محبوس عن كثير من تصرّفه.

وقيل(٤) : الأسارى: الّذين هم في الوثاق. والأسرى: الّذين هم في اليد. وإن لم يكونوا في الوثاق.

وقرئ(٥) : تفدوهم.

( وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ ) :

متعلّق بقوله( وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ ) ، تعلّق الحال بعاملها، أو صاحبها.

والنكتة في إعادة تحريم الإخراج. وقد أفاده( لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ ) بأبلغ وجه. وفي تخصيص تحريم الإخراج بالإعادة دون القتل، أنّهم انقادوا حكما في باب المخرج. وهو الفداء. وخالفوا حكما. وهو الإخراج. فجمع مع الفداء، معرفة الإخراج، ليتّصل به قوله «أفتؤمنون» (إلى آخره)، أشدّ اتصال. ويتّضح كفرهم بالبعض، وإيمانهم بالبعض، كمال الاتّضاح، حيث وقع في حقّ شخص واحد.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(٢) البقرة / ٤٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٥٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

٧٠

والضّمير، للشّأن، كما في قوله(١) ( هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) أو مبهم، ليفسّره إخراجهم، كقوله(٢) :( إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ) ، أو راجع إلى ما دلّ عليه تخرجون من المصدر.

و «إخراجهم»، تأكيد. ويحتمل أن يكون راجعا إلى إخراجهم. لأنّه مبتدأ، قدّم عليه الخبر. فالمرجع مقدّم رتبة.

( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ ) ، كالفداء.

( وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) ، كحركة القتل والإجلاء.

( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) ، كقتل قريظة وسبيهم وإجلاء النضير.

وأصل الخزي: ذلّ يستحى منه. ولذلك يستعمل في كلّ منهما.

( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ) ، من عذاب غيرهم، من نظائرهم. لأنّ عصيانهم أشدّ من عصيانهم.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٨٥) :

تأكيد للوعيد: أي: الله تعالى بالمرصاد. لا يغفل عن أفعالهم.

[وفي أصول الكافي(٣) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. أنّه قال: الوجه الرّابع من الكفر: ترك ما أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ به. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ. ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ. وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ. تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ. وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ ) . فكفرهم بترك ما أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ به. ونسبهم إلى الإيمان. ولم يقبل(٤) منهم.

ولم ينفعهم عنده. فقال:( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشرايع(٥) ، بإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام(٦) . أنّه سأل

__________________

(١) الإخلاص / ١.

(٢) المؤمنون / ٣٧.

(٣) الكافي ٢ / ٣٩٠.

(٤) المصدر: لم يقبله.

(٥) علل الشرائع / ٤٧٠.

(٦) المصدر: أبي عبد الله بن يزيد.

٧١

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: أخبرني عن القيامة، لم سمّيت القيامة؟

قال: لأنّ فيها قيام الخلق للحساب.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) (الآية)(٢) فإنّها نزلت في أبي ذرّ ـ رحمه الله ـ وعثمان بن عفّان. وكان سبب ذلك، لـمّا أمر عثمان بنفي أبي ذرّ ـ رحمه الله ـ إلى الرّبذة، دخل عليه أبو ذرّ ـ رضى الله عنه. وكان عليلا متوكّئا على عصاه، وبين يدي عثمان، مائة ألف درهم، قد حملت إليه من بعض النّواحي، وأصحابه حوله ينظرون إليه، ويطمعون أن يقسّمها فيهم.

فقال أبو ذرّ لعثمان: ما هذا المال؟

فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إلىّ من بعض النّواحي. أريد أن أضمّ إليها مثلها. ثمّ أرى فيها رأيي.

قال أبو ذرّ: يا عثمان! أيّما أكثر؟ مائة ألف درهم، أو أربعة دنانير؟

فقال عثمان: بل مائة ألف درهم.

فقال أبو ذر: أما تذكر أنا وأنت قد دخلنا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عشاء(٣) ، فرأيناه كئيبا حزينا. فسلّمنا عليه. فلم يردّ علينا السّلام. فلمّا أصبحنا أتيناه.

فرأيناه ضاحكا مستبشرا. فقلنا له: بآبائنا وأمّهاتنا! دخلنا عليك(٤) البارحة، فرأيناك كئيبا حزينا. ثمّ عدنا إليك اليوم، فرأيناك ضاحكا(٥) مستبشرا.

فقال: نعم! كان قد بقي عندي من فيء المسلمين، أربعة دنانير، لم أكن قسّمتها.

خفت أن يدركني الموت، وهي عندي. وقد قسّمتها اليوم. واسترحت منها.

فنظر عثمان إلى كعب الأحبار. وقال له: يا أبا إسحاق! ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله المفروضة، هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء؟

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٥١ ـ ٥٤.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: عشيّا.

(٤) المصدر: إليك.

(٥) المصدر: فرحا.

٧٢

فقال لا! ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ما وجب عليه شيء.

فرفع أبو ذرّ عصاه، فضرب بها رأس كعب. ثمّ قال له: يا ابن اليهوديّة الكافرة! ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين؟ قول الله أصدق من قولك، حيث قال(١) :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ. هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) .

فقال عثمان: يا أبا ذرّ! إنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك. ولو لا صحبتك لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقتلتك.

فقال كذبت، يا عثمان! أخبرني حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: «لا يفتنونك يا أبا ذرّ! ولا يقتلونك» وأمّا عقلي فقد بقي منه ما أحفظ(٢) حديثا سمعته من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيك وفي قومك.

قال: وما سمعته(٣) من رسول الله فيّ وفي قومي؟

قال: سمعته(٤) يقول حديثا سمعته من رسول الله إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا، صيّروا مال الله دولا، وكتاب الله دغلا، وعباده خولا، والفاسقين حزبا، والصّالحين حربا.

فقال عثمان: يا معشر أصحاب محمّد! هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله؟

فقالوا: لا! ما سمعنا هذا من رسول الله.

فقال عثمان: ادع عليّا.

فجاء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فقال له عثمان: يا أبا الحسن! انظر ما يقول هذا الشّيخ الكذّاب.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: مه، يا عثمان! لا تقل كذّاب. فإنّي سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ.

فقال أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: صدق أبو ذرّ. فقد سمعنا هذا من

__________________

(١) التوبة / ٣٤.

(٢) المصدر: أحفظه.

(٣) المصدر: فقال: وما سمعت.

(٤) المصدر: سمعت.

٧٣

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فبكى أبو ذرّ، عند ذلك. فقال: ويلكم! كلّكم قد مدّ عنقه إلى هذا المال، ظننتم أنّى أكذب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

ثمّ نظر إليهم. فقال: من خيركم(١) ؟

فقالوا: أنت تقول إنّك خيرنا.

قال نعم! خلّفت حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في هذه الجبّة، وهي عليّ بعد.(٢) وأنتم قد أحدثتم أحداثا كثيرة. والله سائلكم عن ذلك. ولا يسألنى.

فقال عثمان: يا أبا ذر! أسألك بحقّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلا ما أخبرتني عن شيء أسألك عنه.

فقال أبو ذر: والله لو لم تسألني بحقّ محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أيضا، لأخبرتك.

فقال: أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟

فقال: مكّة حرم الله وحرم رسوله. أعبد الله فيها، حتّى يأتينى الموت.

فقال: لا! ولا كرامة لك.

قال: المدينة حرم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

قال: لا. ولا كرامة لك.

قال(٣) : فسكت أبو ذرّ.

فقال عثمان: أيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟

قال: الرّبذة الّتي كنت فيها على غير دين الإسلام.

فقال عثمان: سر إليها.

فقال أبو ذرّ: قد سألتني، فصدقتك. وأنا أسألك، فأصدقني.

قال: نعم! قال: أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين، فأسروني، فقالوا لا نفديه إلّا بثلث ما تملك.

__________________

(١) المصدر: فقال من خيركم؟ فقالوا: من خيرنا؟ فقال: أنا.

(٢) المصدر: وهو عنّي راض.

(٣) ليس في المصدر.

٧٤

قال: كنت أفديك.

قال: فإن قالوا لا نفديه إلّا بنصف ما تملك.

قال: كنت أفديك.

قال: فإن قالوا لا نفديه إلّا بكلّ ما تملك؟

قال: كنت أفديك.

قال: أبو ذرّ: الله أكبر! قال لي حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوما: يا أبا ذرّ! كيف أنت إذا قيل لك أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها، فتقول مكّه حرم الله وحرم رسوله، أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت، فيقال لك لا ولا كرامة لك، فتقول فالمدينة حرم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيقال لك لا ولا كرامة لك، ثمّ يقال فأيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها، فتقول الربذة الّتي كنت فيها على غير دين الإسلام، فيقال لك سر إليها؟

فقلت: إنّ هذا لكائن؟ يا رسول الله! قال: إي! والّذي نفسي بيده إنّه لكائن.

فقلت: يا رسول الله! أفلا أضع سيفي(١) على عاتقي، فأضرب به قدما قدما؟

قال: لا اسمع، واسكت، ولو لعبد حبشيّ. وقد أنزل الله فيك وفي عثمان آية.

فقلت: وما هي. يا رسول الله! قال: قوله ـ تبارك وتعالى ـ( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ. ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ. وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى، تُفادُوهُمْ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ].(٢)

( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ. فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ) بأن يهون عليهم.

«واختلف في الخفّة والثّقل :

__________________

(١) المصدر: سيفي هذا.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٧٥

فقيل: إنّه يرجع إلى تناقص الجواهر وتزايدها.

وقيل: إنّ الاعتماد اللازم سفلا، يسمّى ثقلا، والاعتقاد اللازم المختصّ بجهة العول، يسمّى خفّة.»(١) والمراد به في الآية، المعنى الشّامل للخفّة، بحسب تناقض الأجزاء، وبحسب انتقاص الكيفيّة.

[وللنّقص، الجزية في الدّنيا والتّعذيب في الآخرة].(٢) ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) (٨٦) بدفعهما عنهم(٣) .

وفي الآية، دلالة على أنّ من آمن ببعض أحكام الله وكفر ببعض آخر، مع معرفته(٤) بأنّهما حكم الله، كافر خالد في العذاب لا تخفيف في عذابه ولا نصر له فيه.

ولا شكّ أنّ النّواصب، أكثرهم بهذه الصّفة. فهم أجدر بأن ينصب لهم علم الكفر.

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ) ، أي: أرسلنا على أثره الرّسل(٥) ، يتبع الآخر الأوّل، في الدّعاء إلى ما دعا الأوّل. لأنّ كلّ نبيّ بعث من بعد موسى، إلى زمن عيسى، فإنّما بعث على إقامة التوراة.

من قفّاه، إذا أتبعه. وقفّاه به: أتبعه إيّاه من القفا، نحو ذنبه من الذّنب.

والرّسل على ما ذكره صاحب الكشّاف(٦) وغيره هم: يوشع وإشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزيز وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريّا ويحيى وغيرهم.

( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ) المعجزات الواضحات، كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات، أو الإنجيل.

و «عيسى» بالعبريّة: إيشوع. و «مريم» بمعنى الخادم. وهو بالعربيّة من النّساء، كالزّير من الرّجال. قال رؤبة :

قلت لزير لم تصله مريمه

ضليل أهواء الصّبيّ تندمه

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٥٤.

(٢) ليس في أ.

(٣) أ: عنه.

(٤) أ: معرفة.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكشاف ١ / ١٦١.

٧٦

والزّير (بكسر الزّاي) من الرّجال، الّذي يحبّ محادثة النّساء ومجالستهنّ. ووزنه مفعل، إذ لم يثبت فعيل.

( وَأَيَّدْناهُ ) : قوّيناه.

قيل(١) : قرئ آيدناه، على وزن أفعلناه.

( بِرُوحِ الْقُدُسِ ) : «بالرّوح المقدّسة، كقولك: حاتم الجود. ورجل صدق.

والمراد، جبرئيل ـ عليه السّلام. وقيل: روح عيسى ـ عليه الصلاة والسّلام.

ووصفها به، لطهارته عن مسّ الشّيطان، أو لكرامته على الله تعالى. ولذلك أضافه إلى نفسه تعالى، أو لأنّه لم تضمّه الأصلاب ولا الأرحام الطّوامث، أو الإنجيل، أو اسم الله الأعظم الّذي كان به يحيي الموتى.

وقرا ابن كثير: القدس (بالإسكان)، في جميع القرآن.»(٢)

[وفي أصول الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين ابن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن جابر الجعفيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. ذكرناه بتمامه أوّل الواقعة. وفيه يقول: هم رسل الله ـ عليهم السّلام ـ وخاصّة الله من خلقه. جعل فيهم خمسة أرواح. أيّدهم بروح القدس.

فبه عرفوا الأشياء.

وبإسناده(٤) إلى المنخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سألته عن علم العالم.

فقال لي: يا جابر! إنّ في الأنبياء والأوصياء، خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوّة وروح الشّهوة. فبروح القدس، يا جابر! عرفوا ما تحت العرش، إلى ما تحت الثّرى.

ثمّ قال: يا جابر! إنّ هذه الأربعة الأرواح، يصيبها الحدثان، إلّا روح القدس.

فإنّها لا تلهو ولا تلعب.

وبإسناده(٥) إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٥٥+ أنوار التنزيل ١ / ٦٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٨.

(٣) الكافي ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢، ضمن ح ١.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٧٢، ح ٢.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٧٧

ـ عليه السّلام. قال: سألته عن علم الإمام، بما في أقطار الأرض وهو في بيته، مرخى عليه ستره؟

فقال: يا مفضّل! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل في النّبيّ ـ عليه السّلام ـ خمسة أرواح: روح الحياة. فبه دبّ ودرج، وروح القوّة. فبه نهض وجاهد، وروح الشّهوة. فبه أكل وشرب وآتى النّساء من الحلال، وروح الإيمان. فبه آمن وعدل، وروح القدس. فبه حمل النّبوّة. فإذا قبض النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ انتقل روح القدس. فصار إلى الإمام. وروح القدس، لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو ولا يلعب.(١) والأربعة الأرواح، تنام وتغفل وتلهو وتزهو. وروح القدس كان يرى به].(٢)

( أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) : بما لا تحبّه.

ووسطت الهمزة، بين الفاء وما تعلّقت به، توبيخا لهم، على تعقيبهم ذلك بهذا، وتعجيبا من شأنهم. ويتحمل أن يكون استئنافا.

و «الفاء» للعطف، على مقدّر.

( اسْتَكْبَرْتُمْ ) عن الإيمان واتباع الرّسل؟

( فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ ) ، كموسى وعيسى.

( وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (٨٧)، كزكريّا ويحيى.

وفي التّعبير بالمضارع، استحضار للحال الماضية في النّفوس، ورعاية للفواضل، ودلالة على أنّهم بعد فيه. فإنّهم يحومون حول محمّد، لولا أنّي أعصمه منهم.

[وفي أصول الكافي،(٣) بإسناده إلى منخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

قال: «[ا فكلّما](٤) جاءكم» محمّد( بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) بموالاة عليّ( اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ) من آل محمّد( كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) ؟»

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) ، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: أمّا قوله( أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) (الآية)، قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: ذلك مثل موسى والرّسل من بعده وعيسى. ضرب مثلا لأمّة محمّد. وقال(٦) الله لهم: فإن

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٤١٨، ح ٣١.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٤٩، ح ٦٨.

(٦) المصدر: ضرب لأمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثلا. فقال.

٧٨

( جاءَكُمْ ) محمّد( بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) بموالاة عليّ( اسْتَكْبَرْتُمْ ) (١) ( فَفَرِيقاً ) من آل محمّد( كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) فذلك تفسيرها، في الباطن.

وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ رحمه الله ـ عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن عليّ، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ ) (٣) »، محمّد،( بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) بموالاة عليّ( اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ) [من آل محمّد](٤) ( كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) ].(٥)

( وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ ) : جمع أغلف، أي: هي خلقة وجبلة مغشّاة بأغطية. لا يصل إليها ما جاء به محمّد. ولا تفقّهه. مستعار من الأغلف الّذي لم يختن.

وقيل(٦) : أصله [غلف](٧) جمع غلاف، [ككتب وكتاب وحمر وحمار](٨) فخفّف.

والمعنى: أنّها أوعية العلم. لا تسمع علما إلّا وعته ولا تعي ما يقول(٩) محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو نحن مستغنون بما فيها، عن غيره.

وروي(١٠) في الشّواذّ، غلف (بضمّ اللّام) عن أبي عمرو.

( بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ ) :

ردّ لما قالوا، يعني: أنّها خلقت على الفطرة، والتّمكّن من قبول الحقّ. ولكنّ الله خذلهم بسبب كفرهم. فهم الّذين غلفوا قلوبهم، بما أحدثوا من الكفر الزّائغ عن الفطرة. وتسبّبوا بذلك، لمنع الألطاف، أو هم كفرة ملعونون، فمن أين لهم دعوى العلم والاستغناء عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله؟

( فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ ) (٨٨): فإيمانا قليلا يؤمنون.

و «ما» مزيدة للمبالغة في التّقليل. وهو إيمانهم ببعض الكتاب، كالمفاداة.

__________________

(١) المصدر: استكبرتم بموالاة عليّ.

(٢) تاويل الآيات الباهرة / ٢٥.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ما بين القوسين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٦٨ ـ ٦٩.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر وأ: تقول.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٥٧.

٧٩

وقيل(١) : معناه «ويؤمنون وهم قليل.» وقيل(٢) : يجوز أن يكون القلّة، بمعنى العدم.

( وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) : هو القرآن.

( مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ) من كتابهم، لا يخالفه.

وقرئ «مصدّقا»، على الحال، لتخصيصه بالوصف. وهو من عند الله. وجواب «لمّا» محذوف. وهو، «كذّبوا به واستهانوا بمجيئه.»( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، أي: يستنصرون على المشركين، إذا قاتلوهم. قالوا: أللّهمّ انصرنا بالنّبيّ المبعوث في آخر الزّمان الّذي نجد نعته في التوراة.

ويقولون لاعدائهم من المشركين: قد أظلّ زمان نبيّ يخرج بتصديق ما قلنا. فنقتلكم معه، أو يفتحون عليهم. ويعرّفونهم أنّ نبيّا يبعث منهم. وقد قرب زمانه.

و «السّين»، للمبالغة كما في استعجب واستحجر، أي: يسألون أنفسهم الفتح عليهم، أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليهم. والشيء بعد الطّلب، أبلغ، كقولهم: مر مستجلا، أي: مر طالبا للعجلة من نفسه. [( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ) : من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ( كَفَرُوا بِهِ ) حسدا وخوفا على الرّئاسة.( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) (٨٩).

اللّعن، هو الإقصاء والابعاد. وأتى بالمظهر للدّلالة على أنّهم لعنوا لكفرهم.

فيكون اللّام، للعهد. ويجوز أن يكون للجنس. ويدخل فيه دخولا أوليّا].(٣)

روى العيّاشي(٤) ، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: [في قوله( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) ](٥) قال: كانت اليهود تجد في كتبها، أنّ مهاجر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما بين عير وأحد. فخرجوا يطلبون المواضع فمرّوا بجبل، يقال له «حدّاد». فقالوا: «حدّاد وأحد سواء». فتفرّقوا عنده.

فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر. فاشتاق الّذين بتيماء إلى بعض إخوانهم.

فمرّ بهم أعرابي من قيس. فتكاروا منه. وقال لهم: أمرّ بكم ما بين عير وأحد؟

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٩، باختلاف بسيط في اللفظ.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٤٩، ح ٦٩.

(٥) ليس في أ.

٨٠