تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 152643
تحميل: 2973


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152643 / تحميل: 2973
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقالوا له: إذا مررت بهما فآذنّا بها(١) .

فلمّا توسّط بهم أرض المدينة، قال لهم: ذلك عير. وهذا أحد.

فنزلوا عن ظهر إبله. وقالوا له: قد أصبنا بغيتنا. فلا حاجة لنا إلى إبلك.(٢) فاذهب حيث شئت. وكتبوا إلى إخوانهم الّذين بفدك وخيبر، إنّا أصبنا الموضع. فهلمّوا إلينا.

فكتبوا إليهم، إنّا قد استقرّت بنا الدّار، واتّخذنا بها(٣) الأموال، وما أقربنا منكم. فإذا كان ذلك، فما أسرعنا إليكم.

واتّخذوا بأرض المدينة أموالا.(٤) فلمّا كثرت أموالهم بلغ ذلك تبّع. فغزاهم.

فتحصّنوا منهم.(٥) فحاصرهم. [وكانوا يرقّون للضّعفاء أصحاب تبّع ويلقون إليهم باللّيل التّمر والشّعير. فبلغ ذلك تبّع. فرّق لهم].(٦) وآمنهم فنزلوا عليه.

فقال لهم: إنّي قد استطبت بلادكم، ولا أراني إلّا مقيما فيكم.

فقالوا له:(٧) [إنّه] ليس ذلك لك. إنّها مهاجر نبيّ. وليس ذلك لأحد حتّى يكون ذلك.

فقال لهم: فإنّي مخلّف فيكم من أسرتي، من إذا كان ذلك، ساعده ونصره.

فخلّف [فيهم](٨) حيّين الأوس والخزرج. فلمّا كثروا بها، كانوا يتناولون أموال اليهود. فكانت اليهود تقول لهم: أما لو بعث محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لنخرجنّكم من ديارنا وأموالنا.

فلمّا بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود.

وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ، ما عَرَفُوا ) [من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ](٩) ( كَفَرُوا بِهِ ) [حسدا وخوفا على الرئاسة](١٠) ( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

[وفي روضة الكافي(١١) ، مثله، سواء.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(١٢) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن

__________________

(١) المصدر: فارنا.

(٢) المصدر: بغتينا فلا حاجة لنا في إبلك.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: الأموال. (٥) المصدر: منه. وهو الظاهر.

(٦) ليس في أ.

(٧ و ٨) يوجد في المصدر.

(٩ و ١٠) يوجد في أ، فقط.

(١١) الكافي ٨ / ٣٠٨، ح ٤٨١. (١٢) تفسير القمي ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

٨١

أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يَعْرِفُونَهُ ) ، يعني: رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) . لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور، صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته. وهو قوله تعالى(١) :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً. يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً. سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ) . فهذه صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه.

فلمّا بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ عرفه أهل الكتاب، كما قال ـ جلّ جلاله:( فَلَمَّا جاءَهُمْ، ما عَرَفُوا. كَفَرُوا بِهِ ) .

فكانت اليهود، يقولون للعرب، قبل مجيء النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أيّها العرب! هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة. ويكون مهاجرته بالمدينة. وهو آخر الأنبياء.

وأفضلهم. في عينيه حمرة. وبين كتفيه خاتم النّبوّة الشّملة. ويجتزئ بالكسرة والتّمرات.

ويركب الحمار العريّ. وهو الضّحوك القتّال. يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي من لاقى.

يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر. لنقتلنّكم به، يا معشر العرب! قتل عاد.

فلمّا بعث الله نبيّه بهذه الصّفة، حسدوه وكفروا به، كما قال الله:( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا. كَفَرُوا بِهِ ) .

وفي روضة الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ، يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا. كَفَرُوا بِهِ ) .

قال: كان قوم فيما بين محمّد وعيسى ـ صلّى الله عليهما. وكانوا يتوعّدون أهل الأصنام، بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله. ويقولون: ليخرجنّ نبيّ. فليكسرنّ أصنامكم.

وليفعلنّ بكم وليفعلن. فلمّا خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كفروا به.

وفي أصول الكافي(٣) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) الفتح / ٢٩.

(٢) الكافي ٨ / ٣١٠، ح ٤٨٢.

(٣) الكافي ٢ / ٣٨٩ ـ ٣٦٠.

٨٢

ـ عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر، في كتاب الله ـ عزّ وجلّ.

قال: الكفر في كتاب الله، على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود. [والجحود](١) على وجهين ـ إلى قوله ـ أمّا الوجه الآخر من الجحود، على معرفة. وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده. وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ(٢) ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ) . وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ. فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) ].(٣)

( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) :

«ما» نكرة، موصوفة بالجملة الّتي بعده. مميّز لفاعل «بئس» المستكنّ فيه.

ومعناه: بئس شيء باعوا به أنفسهم، أو شروا به أنفسهم، بحسب ظنّهم، فإنّهم ظنّوا أنّهم أخلصوا أنفسهم من العقاب، بما فعلوا.

( أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) : هو المخصوص بالذّمّ.

( بَغْياً ) : طلبا لما ليس لهم وحسدا، تعليل للكفر.

( أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ ) ، أي: لأن ينزّل الله، أي: حسدوا لذلك.

( مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) : على من اختاره للرّسالة.

( فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ) : فصاروا أحقّاء بغضب مترادف.

( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٩٠) لهم، بخلاف عذاب العاصي فانّه طهرة لذنوبه.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٤) : روى محمّد بن يعقوب ـ رحمه الله ـ عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا.( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) في عليّ( بَغْياً ) . (الآية).

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن جابر. قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية،(٦) من قول الله( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ ) ، قال: تفسيرها في الباطن: لما

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) النمل / ١٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) تأويل الآيات الباهرة / ٢٥.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٠، ح ٧٠.

(٦) المصدر: عن.

٨٣

جاءهم ما عرفوا في عليّ كفروا به فقال الله [فيهم: «( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) في باطن القرآن.

قال أبو جعفر](١) فيه: يعني بني أميّة. هم الكافرون في باطن القرآن.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا:( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) في عليّ «( بَغْياً ) . وقال الله في عليّ:( أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) ، يعني: عليّا. قال الله:( فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ) ، يعني: بني أميّة. و( لِلْكافِرِينَ ) ، يعني: بني أميّة، «( عَذابٌ مُهِينٌ ) ].(٢)

( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) : يعمّ جميع ما جاء به أنبياء الله.

( قالُوا: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) ، أي: بالتوراة.

( وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ) :

قال ابن الأنباريّ(٣) : تمّ الكلام عند قوله( بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) : ثمّ ابتدأ بالإخبار عنهم.

وصاحب الكشّاف(٤) ، على أنّه حال عن الضّمير في «قالوا»، أي: قالوا ذلك والحال أنّهم يكفرون بما وراء التوراة.

والأوّل، أقرب.

و «وراء»، في الأصل، مصدر. جعل ظرفا. ويضاف إلى الفاعل. فيراد ما يتوارى به، وهو خلفه. وإلى المفعول، فيراد به، ما يواريه، وهو قدّامه. ولذلك عدّ من الأضداد.

وقال الفرّاء: معنى وراءه، سواه، كما يقال للرّجل: «يتكلّم بالكلام الحسن، ما وراء هذا الكلام»، شيء يراد، ليس عند المتكلّم به شيء، سوى ذلك الكلام.

( وَهُوَ الْحَقُ ) ، أي: ما وراءه. أي: القرآن الحقّ.

( مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ ) ، أي: التوراة.

[وفي تفسير العيّاشيّ:(٥) قال جابر: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: نزلت هذه الآية على

__________________

(١) يوجد في المصدر: وهاهنا ـ أيضا ـ موجود بين المعقوفتين.

(٢) ما بين المعقوفتين، ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٦١.

(٤) الكشاف ١ / ١٦٥.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥١، ح ٧١.

٨٤

محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا، والله: «( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (١) » في عليّ، يعني: بني أميّة،( قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) ، يعني: في قلوبهم بما أنزل الله عليه.

( وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ) بما أنزل الله في عليّ.( وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ ) ، يعني: عليّا].(٢)

و( مُصَدِّقاً ) ، حال مؤكدة يتضمّن ردّ مقالتهم. فإنّهم لـمّا كفروا بما يوافق التوراة، فقد كفروا بها. ثمّ اعترض عليهم بقتلهم الأنبياء، مع ادّعائهم الإيمان بالتوراة. والتوراة لا تسوغه بقوله :

( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٩١) :

وإسناد القتل إليهم، مع أنّه فعل آبائهم، لأنّهم راضون به، عازمون عليه.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: قال الله في كتابه، يحكي قول اليهود،( إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ ) . (الآية) فقال:( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .» وإنّما أنزل هذا، في قوم من(٤) اليهود، وكانوا على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يقتلوا الأنبياء بأيديهم، ولا كانوا في زمانهم. وإنّما قتل(٥) الّذين كانوا من قبلهم. فجعلهم الله منهم.

وأضاف إليهم، فعل أوائلهم، بما تبعوهم وتولّوهم].(٦)

( وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ. ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) (٩٢):( وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) ، يجوز أن يكون حالا، أي: عبدتم العجل، وأنتم واضعون العبادة غير موضعها. وأن يكون اعتراضا، بمعنى: وأنتم قوم عادتكم الظّلم.

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ) ، أي :قلنا لهم. خذوا ما أمرتم به في التوراة بجدّ. واسمعوا، سماع طاعة.

( قالُوا سَمِعْنا ) قولك.( وَعَصَيْنا ) أمرك.

__________________

(١) المصدر:( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ) (النحل / ٢٤)

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٥١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: إنّما قتل أوائلهم الذين كانوا من قبلهم. فنزلوا بهم أولئك القتلة.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٨٥

( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) : تداخلهم حبّه. ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم فيه، كما يتداخل الصّبغ، الثّوب والشّرب أعماق البدن.

و( فِي قُلُوبِهِمُ ) بيان لمكان الإشراب.

( بِكُفْرِهِمْ ) : بسبب كفرهم. لأنّهم كانوا مجسّمة، أو حلوليّة. ولم يروا جسما أعجب منه. فتمكّن في قلوبهم، ما سوّل لهم السّامريّ.

[وفي تفسير العيّاشيّ:(١) عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) قال: فعمد موسى. فرد(٢) العجل من أنفه إلى طرف ذنبه.

ثمّ أحرقه بالنّار فذرّه في اليمّ.

قال: فكان أحدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة، فيتعرّض لذلك الرّماد، فيشربه. وهو قول الله( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) ].(٣)

( قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ ) بالتوراة. لأنّه ليس فيها عبادة العجاجيل.

وإضافة الأمر إلى إيمانهم، تهكّم، كما قال قوم شعيب(٤) :( أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ) .

وكذلك إضافة الإيمان إليهم.

والمخصوص بالذّمّ، محذوف، أي: هذا الأمر، أو ما يعمّه وغيره، من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث، إلزاما(٥) عليهم.

( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٩٣) :

تشكيك في إيمانهم. وقدح في صحّة دعواهم له.

وكرّر رفع الطّور، لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى. وتلك الزّيادة التّنبيه على أنّ طريقهم مع الرّسول، طريقة أسلافهم مع موسى ـ عليه السّلام.

( قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً ) :

والمراد بالدّار الآخرة، الجنّة. وخالصة منصوب على الحال، من الدّار، أي: خاصّة بكم كما قلتم لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا.

( مِنْ دُونِ النَّاسِ ) ، أي: سائر النّاس، أو المسلمين.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٥١، ح ٧٣.

(٢) المصدر: فبرّد.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) هود / ٨٧.

(٥) أ: التزاما.

٨٦

و «اللّام»، للعهد.

( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (٩٤).

لأنّ من أيقن أنّه من أهل الجنّة، اشتاق إليها، وتمنّى سرعة الوصول إلى النّعيم، والتّخلّص من الدّار ذات النّوائب، كماقال أمير المؤمنين ويعسوب الدّين(١) ، وهو يطوف بين الصّفين في غلالة، فقال ابنه الحسن ـ عليه السّلام: ما هذا بزيّ المحاربين؟ يا بنيّ! إنّ أباك لا يبالي وقع على الموت، أو وقع الموت عليه.

وقال عمّار ـ رضي الله عنه ـ بصفّين(٢) : الآن ألاقي محمّدا وحزبه.

وقال حذيفة، حين احتضر(٣) : جاء حبيب على فاقة. لا أفلح من ندم، أي: التّمنّي.

[وفي كتاب الخصال(٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه ـ عليهما السّلام: أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال: يا أمير المؤمنين! بما عرفت ربّك؟

قال: بفسخ العزائم.

إلى أن قال: فبما ذا أحببت لقاءه؟

قال لـمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه، علمت بأنّ الّذى أكرمني بهذا ليس ينساني، فأحببت لقاءه.

عن جعفر بن محمّد(٥) ، عن أبيه ـ عليهما السّلام. قال: أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل فقال له: مالي لا أحبّ الموت؟

فقال له: ألك مال؟

قال: نعم.

قال: فقدّمته؟

قال: لا.

قال: فمن ثمّ لا تحبّ الموت].(٦)

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٦٦+ مجمع البيان ١ / ١٦٤.

(٢) الكشاف ١ / ١٦٧.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٦٦.

(٤) الخصال ١ / ٣٣، ح ١.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٣، ح ٤٧.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٨٧

وأمّا ما روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال(١) : «لا يتمنّين أحدكم الموت لضرّ، نزل به. ولكن ليقل: أللّهمّ أحيني ما دامت الحيوة خيرا لي. وتوفّني إذا كانت الوفاة، خيرا لي»، فإنّما نهى عن التّمنّي للضّرّ. لأنّه يدلّ على الجزع. والمأمور به الصّبر وتفويض الأمور إليه.

( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ. وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) (٩٥): والمراد( بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) ، ما أسلفوا من موجبات النّار، من الكفر بمحمّد، وما جاء به، وتحريف كتاب الله، وسائر أنواع الكفر والعصيان. ولمّا كانت اليد العاملة، مختصّة بالإنسان، آلة لقدرته. بها عامّة صنائعه(٢) ومنها أكثر منافعه، عبّر بها عن النّفس، تارة، والقدر، أخرى.

وقوله( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) من المعجزات. لأنّه إخبار بالغيب.

وروى الكلبيّ(٣) ، عن ابن عبّاس، أنّه قال: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول لهم(٤) : إن كنتم صادقين في مقالتكم، فقولوا «اللهمّ أمتنا». فو الّذي نفسي بيده! لا يقولها رجل إلّا غصّ بريقه. فمات مكانه.

وروي عنه ـ عليه السّلام ـ(٥) أيضا ـ أنّه [قال :](٦) لو أنّ اليهود تمنّوا الموت، لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النّار.

( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ) :

من وجد، بمعنى علم. المتعدّي إلى مفعولين، في قولهم: وجدت زيدا ذا انخفاض.(٧) ومفعولاه، هم أحرص.

وتنكير «حياة»، لأنّه أريد فرد من أفرادها. وهي الحياة المتطاولة. وقرئ باللام.

( وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ) :

محمول على المعنى. فكأنّه قال: أحرص من النّاس ومن الّذين أشركوا

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٦٤.

(٢) ر: على صنايعه.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٦٤.

(٤) ر: لكم.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) أ: انخفظاظ. الأصل ور: انخفاظ.

٨٨

وإفرادهم بالذّكر، للمبالغة. فإنّ حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلّا الحياة العاجلة، والزّيادة في التّوبيخ والتّقريع. فإنّه لـمّا زاد حرصهم وهو مقرون بالجزاء على حرص المنكرين، دلّ ذلك على علمهم بأنّهم صائرون إلى النّار.

ويجوز أن يراد: وأحرص من الّذين أشركوا. فحذف، لدلالة الأوّل عليه. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف صفته.

( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ) على أنّه أريد بالّذين أشركوا اليهود. لأنّهم قالوا: عزير بن الله، أي: ومنهم ناس يودّ أحدهم. وهو على الأوّلين، بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف.

( لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) :

حكاية لودادتهم.

و «لو» بمعنى ليت. وكأنّ أصله «لو عمّر». فأجرى على الغيبة، لقوله تعالى «يود»، كقولك: حلف بالله، ليفعلنّ.

( وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ ) :

الضّمير لأحدهم.

و «أن يعمّر»، فاعل «مزحزحه»، وما أحدهم ممّن يزحزحه من النّار تعميره، أو لما دلّ عليه يعمّر. و «أن يعمّر» بدل، أو مبهم. و «أن يعمّر»، موضّحه.

وأصل «سنة» سنوة. لقولهم: سنوات. وقيل: سنهة، كجبهة. لقولهم: سانهة وتسنّهت النّحل، إذا أتت عليها السّنوات.

و «الزّحزحة»: التّبعيد.

( وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) (٩٦)، فيجازيهم.

وفي هذه الآية، دلالة على أنّ الحرص على طول البقاء، لطلب الدّنيا ونحوه، مذموم. وإنّما المحمود، طلب البقاء للازدياد في الطّاعة، وتلافي الفائت بالتّوبة والإنابة، ودرك السّعادة بالإخلاص في العبادة. وإلى هذا المعنى

أشار أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ(١) في قوله: بقيّة عمر المؤمن، لا قيمة له. يدرك بها ما فات. ويحيي بها ما أمات.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٦٦.

٨٩

( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) :

قال ابن عبّاس(١) : سبب نزول هذه الآية، ما روى أنّ ابن صوريا وجماعة من اليهود أهل فدك، لـمّا قدم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ المدينة، سألوه. فقالوا: يا محمّد! كيف نومك؟ فقد أخبرنا عن نوم النّبيّ الّذي يأتي في آخر الزّمان.

فقال: تنام عيناي. وقلبي يقظان.

قالوا: صدقت، يا محمّد! فأخبرنا عن الولد يكون من الرّجل والمرأة.

فقال ـ صلّى الله عليه وآله: أمّا العظام والعصب والعروق، فمن الرّجل. وأمّا اللّحم والدّم والشّعر والظّفر، فمن المرأة.

قالوا: صدقت، يا محمّد! فما بال الولد يشبه أعمامه وليس فيه من شبه أخواله شيء؟ أو يشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شيء؟

فقال: أيّهما علا ماؤه، كان الشّبه له.

قالوا: صدقت، يا محمّد! قالوا: أخبرنا عن ربّك، ما هو؟

فأنزل الله سبحانه( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (إلى آخره.) فقال له ابن صوريا: خصلة واحدة، إن قلتها آمنت بك واتّبعتك. أيّ ملك يأتيك بما ينزل الله عليك؟

فقال: جبرئيل.

قال: ذاك عدوّنا. ينزل بالقتال والشّدّة والحرب. وميكائيل ينزل باليسر والرخاء. فلو كان ميكائيل هو الّذي يأتيك، لآمنّا بك.

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٢) : وقال أبو محمّد ـ عليه السّلام ـ قال جابر بن عبد الله: سأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عبد الله بن صوريا، غلام أعور يهوديّ ـ تزعم اليهود أنّه أعلم يهوديّ بكتاب الله وعلوم أنبيائه ـ عن مسائل كثيره.

تعنّت فيها فأجابه عنها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بما لم يجد إلى إنكار شيء منها سبيلا.

فقال له: يا محمّد! من يأتيك بهذه الأخبار عن الله تعالى؟

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٦٧.

(٢) الاحتجاج ١ / ٤٦.

٩٠

قال: جبرئيل.

قال: لو كان غيره يأتيك بها، لآمنت بك. ولكن جبرئيل عدوّنا من بين الملائكة. فلو كان ميكائيل، أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها، لآمنت بك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ولم اتّخذتم جبرئيل عدوّا؟

قال: لأنّه ينزل بالبلاء والشّدّة على بني إسرائيل. ودفع دانيال عن قتل بخت نصر، حتّى قوى أمره وأهلك بني إسرائيل. وكذلك كلّ بأس وشدّة لا ينزلها إلّا جبرئيل وميكائيل يأتينا بالرّحمة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ويحك! أجهلت أمر الله؟ وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله، فيما يريده الله بكم. أرأيتم ملك الموت أهو عدوّكم؟ وقد وكّله الله تعالى بقبض أرواح الخلق. أرأيتم الآباء والأمّهات إذا وجروا الأولاد الدّواء الكريه لمصالحهم، يجب أن يتّخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟ لا! ولكنّكم بالله جاهلون.

وعن حكمته غافلون. وأشهد أنّ جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان. وله مطيعان. وأنّه لا يعادي أحدهما إلّا من عادى الآخر. وأنّه من زعم أنّه يحبّ أحدهما ويبغض الآخر، فقد كذب. وكذلك محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ، أخوان، كما أنّ جبرئيل وميكائيل، أخوان. فمن أحبّهما، فهو من أولياء الله. ومن أبغضهما، فهو من أعداء الله. ومن أبغض أحدهما وزعم أنّه يحبّ الآخر، فقد كذب وهما منه بريئان. والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء.

وقال أبو محمّد ـ عليه السّلام: كان سبب نزول قوله تعالى( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) (الآيتين)، ما كان من اليهود أعداء الله من قوله من قول السيّئ، في جبرئيل وميكائيل، ومن كان من أعداء الله النّصّاب، من قول أسوء منه، في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله. أمّا ما كان من النّصّاب، فهو أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا كان لا يزال يقول في عليّ ـ عليه السّلام ـ الفضائل الّتى خصّه الله ـ عزّ وجلّ ـ بها والشّرف الّذي أهّله الله تعالى له. وكان في كلّ ذلك يقول: أخبرني به جبرئيل، عن الله. ويقول في بعض ذلك، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل، عن يساره. يفتخر جبرئيل على ميكائيل، في أنّه عن يمين عليّ ـ عليه السّلام ـ الّذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدّنيا يجلسه الملك عن يمينه، على النّديم الآخر الّذي يجلسه عن يساره. ويفتخران على إسرافيل الّذي خلفه بالخدمة، وملك الموت الّذي أمامه بالخدمة.

٩١

وأنّ اليمين والشّمال، أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك، على زيادة قرب محلّهم من ملكهم.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول في بعض أحاديثه: إنّ الملائكة أشرفها عند الله، أشدّها لعليّ بن أبي طالب حبّا. وإنّه قسم(١) الملائكة فيما بينهما، والّذي يشرّف(٢) عليّا على جميع الورى بعد محمّد المصطفى.

ويقول مرّة: إنّ ملائكة السّماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ كما تشتاق الوالدة الشّفيقة إلى ولدها البارّ الشّفيق، آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم.

فكان هؤلاء النّصّاب يقولون: إلى متى يقول محمّد: جبرئيل وميكائيل والملائكة؟

وكلّ ذلك تفخيم لعليّ، وتعظيم لشأنه. ويقول الله تعالى لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ خاصّ من سائر الخلق. برئنا من ربّ ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلىّ بعد محمّد، مفضّلون. وبرئنا من رسل الله الّذين هم لعليّ بعد محمّد، مفضّلون.

وأمّا ما قاله اليهود. فهو أنّ اليهود، أعداء الله. لـمّا قدم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ المدينة، أتوا بعبد الله بن صوريا. فسأله عن أشياء. فأجابه إلى أن قال: بقيت خصلة، إن قلتها، آمنت بك واتّبعتك. أيّ ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟

قال: جبرئيل.

قال ابن صوريا: ذلك عدوّنا من بين الملائكة. ينزل بالقتل والشّدّة والحرب.

ورسولنا ميكائيل. يأتي بالسّرور والرّخاء. فلو كان ميكائيل هو الّذي يأتيك، آمنا بك. لأنّ ميكائيل كان يشدّ ملكنا. وجبرئيل كان يهلك ملكنا. فهو عدوّنا لذلك.

فقال سلمان الفارسيّ ـ رضى الله عنه: فما بدوّ عداوته لكم؟

قال: نعم، يا سلمان! عادانا مرارا كثيرة. وكان من أشدّ ذلك علينا، أنّ الله أنزل على أنبيائه أنّ بيت المقدس يخرّب على يد رجل، يقال له «بخت نصر» وفي زمانه. وأخبرنا بالحين الّذي يخرّب فيه. والله يحدث الأمر بعد الأمر. فيمحو ما يشاء. ويثبت. فلمّا بلغنا ذلك الحين الّذى يكون فيه هلاك بيت المقدس، بعث أوائلنا رجلا من أقرباء بني إسرائيل وأفاضلهم، نبيّا كان يعدّ من أنبيائهم، يقال له «دانيال»، في طلب بخت نصر، ليقتله.

__________________

(١) ر: قسيم.

(٢) ر: شرّف.

٩٢

فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك. فلمّا انطلق في طلبه، لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوّة ولا منعة. فأخذه صاحبنا ليقتله. فدفع عنه جبرئيل. وقال لصاحبنا: إن كان ربّكم هو الّذي أمر بهلاككم، فإنّه لا يسلّطك عليه. وإن لم يكن هذا، فعلى أيّ شيء تقتله؟

فصدّقه صاحبنا. وتركه. ورجع إلينا. وأخبرنا بذلك. وقوى بخت نصر. وملك قرانا. وخرّب بيت المقدس. فلهذا نتّخذه عدوّا. وميكائيل عدوّ لجبرئيل.

فقال سلمان: يا بن صوريا! بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم. أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر؟ وقد أخبر الله تعالى، في كتبه، على ألسنة رسله، أنّه يملك ويخرّب بيت المقدس. أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في أخبارهم؟ أو اتّهموهم في إخبارهم؟ وصدّقوهم في الخبر عن الله؟ ومع ذلك أرادوا مغالبة الله؟ هل كان هؤلاء ومن وجوه، إلا كفّار بالله؟ وأيّ عداوة يجوز أن تعتقد لجبرئيل وهو يصدّ به عن مغالبة الله ـ عزّ وجلّ ـ وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى؟

فقال ابن صوريا: قد كان الله أخبر بذلك على ألسن أنبيائه. ولكنّه يمحو ما يشاء ويثبت.

قال سلمان: فإذا لا يتّقنوا بشيء ممّا في التّوراة، من الأخبار عمّا مضى وما يستأنف، فإنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت. وإذا لعلّ الله قد كان عزل موسى وهارون عن النّبوّة. وأبطلا في دعواهما؟ لأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت. ولعلّ كلّما أخبراكم أنّه يكون، لا يكون. وما أخبراكم أنّه لا يكون، يكون. وكذلك ما أخبراكم عمّا كان، لعلّه لم يكن.

وما أخبراكم أنّه لم يكن، لعلّه كان. ولعلّ ما وعده من الثّواب، يمحوه. ولعلّ ما توعّد به من العقاب، يمحوه. فإنّه يمحو ما يشاء ويثبت. إنّكم جهلتم معنى( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) فلذلك أنتم بالله كافرون. ولإخباره عن الغيوب مكذّبون وعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان: إنّي أشهد أنّ من كان عدوّا لجبرئيل، فإنّه عدوّ لميكائيل. وإنّهما جميعا عدوّان لمن عادهما. سلمان لمن سالمهما.

فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان:( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) » في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله، ونزوله بفضائل عليّ وليّ الله من عند الله،( فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ ) ، فإن جبرئيل نزّل هذا القرآن( عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) ، بأمره،( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) من سائر كتب الله، «وهدى» من الضلالة،( وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) بنبوّة محمّد وولاية عليّ و

٩٣

من بعدهما من الأئمّة، بأنّهم أولياء الله حقّا، إذا ماتوا على موالاتهم لمحمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشّرائع(١) ، بإسناده إلى أنس بن مالك، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل، قال فيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعبد الله بن سلام، وقد سأله عن مسائل: أخبرني بهنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ آنفا.

قال: هل خبّرك جبرئيل.

قال: نعم.

قال: ذلك عدوّ اليهود من الملائكة.

قال: ثمّ قرأ هذه الآية:( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) ](٢)

وفي «جبرئيل»، ثمان لغات: قرئ بهنّ أربع في المشهورات: جبرئيل، كسلسبيل، قراءة حمزة والكسّائيّ. وجبرئيل (بكسر الرّاء وحذف الهمزة)، قراءة ابن كثير. وجبرئيل، كحجمرش، قراءة عاصم برواية أبي بكر. وجبرئيل، كقنديل، قراءة الباقين.

وأربع في الشّواذّ. جبرائيل وجبرائيل، جبرال وجبرين.

ومنع صرفه للعجمة والتّعريف. ومعناه عبد الله.

( فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ ) ، أي: جبرئيل نزّل القرآن.

والإرجاع إلى غير المذكور، يدلّ على فخامة شأنه. كأنّه لتعيّنه وفرط شهرته، لم يحتجّ إلى سبق ذكره.

( عَلى قَلْبِكَ ) :

فإنّه القابل الأوّل للوحي. ومحلّ الفهم والحفظ. وكان حقّه على قلبي. لكنّه جاء على حكاية كلام الله تعالى. كأنّه قال: قل ما تكلّمت به من قولي.( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ) .

( بِإِذْنِ اللهِ ) : بأمره.

__________________

(١) علل الشرائع ٩٤ ـ ٩٥، ح ٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٩٤

حال من فاعل «نزّل».

( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (٩٧) :

أحوال من مفعوله. وجواب الشّرط.

فإنّه نزّله على وجهين :

أحدهما: أنّ من عادى منهم جبرئيل، فلا وجه له. فإنّه نزّل(١) كتابا مصدّقا لما بين يديه من الكتب. فلو أنصفوا، لأحبّوه، وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحّح المنزل عليهم.

والثّاني: أنّ من عاداه، فالسّبب في عداوته أنّه نزل عليك بالوحي، وهم كارهون له.

وقيل(٢) : جواب الشّرط محذوف، مثل: فليمت غيظا، أو فهو عدوّ لي. وأنا عدو له، كما قال:( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ) (٩٨)، أي: من كان معاديا لله، أي: يفعل فعل المعادي، من المخالفة والعصيان، فإنّ حقيقة العداوة، طلب الإضرار به، وهذا يستحيل على الله تعالى.

وقيل:(٣) المراد به معاداة أوليائه.

صدر الكلام بذكره، تفخيما لشأنهم. وإفراد الملكين بالذّكر، لفضلهما. كأنّهما من جنس آخر.

ووضع الظّاهر، موضع الضّمير، للدّلالة على أنّه تعالى عاداهم لكفرهم. وأنّ عداوة الملائكة والرّسل، كفر. فكيف بعداوة أمير المؤمنين ويعسوب الدّين وإمام المتّقين؟

قرأ نافع، ميكائيل، كميكاعل. وأبو عمرو ويعقوب وعاصم برواية حفص، ميكال، كميعاد. وقرئ ميكئيل وميكائيل وميكال.

( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ ) (٩٩)، أي: المتمرّدون من الكفرة.

و «الفسق» إذا استعمل في نوع من المعاصي، دلّ على أعظمه. كأنّه متجاوز عن

__________________

(١) أ: نزّله.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٧٢.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٦٧.

٩٥

حدّه.

قال ابن عبّاس(١) : إنّ ابن صوريا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: يا محمّد! ما جئتنا بشيء نعرفه. وما أنزل عليك بآية بيّنة فنتّبعك لها. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

( أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً ) :

الهمزة حرف استفهام للإنكار. ويحتمل أن تكون للتّقرير.

وقال بعضهم(٢) : يحتمل أن تكون زائدة، كزيادة الفاء، في قولك: أفالله لتفعلنّ.

والأوّل أصحّ.

والواو للعطف، على محذوف تقديره «أكفروا بالآيات وكلّما عاهدوا.» وقرئ بسكون الواو، على أنّ التّقدير «إلّا الّذين فسقوا»، أو «كلّما عاهدوا» وقرئ عوهدوا وعهدوا(٣) .

( نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) : نقضه.

وأصل النّبذ: الطّرح. لكنّه يغلب فيما ينسى.

وإنّما قال «فريق»، لإنّ بعضهم لم ينقض.

وقرئ نقضه.

[وفي روضة الكافي(٤) ، في رسالة أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ إلى سعد الخير: وكلّ أمّة قد رفع الله عنهم علم الكتاب، حين نبذوه. وولّاهم عدوّهم، حين تولّوه. وكان من نبذهم الكتاب، أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده. فهم يروونه ولا يرعونه. والجّهال يعجبهم للرّواية. والعلماء يحزنهم تركهم للرّعاية. وكان من نبذهم الكتاب، أن ولّوه الّذين لا يعلمون. فأوردوهم الهوى. وأصدروهم إلى الرّدى. وغيّروا عرى الدّين ـ إلى إن قال ـ عليه السّلام: ثمّ اعرف أشباههم، من هذه الأمّة الّذين أقاموا حروف الكتاب وحرّفوا حدوده. فهم مع السّادة والكبرة. فإذا تفرّقت قادة الأهواء، كانوا مع أكثرهم دنيا. وذلك مبلغهم من العلم. لا يزالون كذلك في طمع وطبع. لا يزال يسمع صوت إبليس، على ألسنتهم، بأباطل كثيرة(٥) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٦٨.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٢.

(٤) الكافي ٨ / ٥٢ ـ ٥٤، مقاطع من ح ١٦.

(٥) المصدر: بباطل كثير.

٩٦

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة](١)

( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (١٠٠) :

ردّ لما يتوهّم أنّ الفريق هم الأقلّون، أو أنّ من لم ينبذ جهارا، فهم يؤمنون به خفاء.

( وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) : كعيسى ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

( مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ) من التوراة،( نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ ) ، أي: التوراة. لأنّ كفرهم بالرّسول المصدّق لها، كفر بها فيما تصدّقه.

وقيل(٢) : المراد بكتاب الله، القرآن.

( وَراءَ ظُهُورِهِمْ ) :

مثل لإعراضهم عنه، بالإعراض عمّا يرمى به وراء الظّهر، لعدم الالتفات إليه.

( كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (١٠١) أنّه كتاب الله، يعني: أنّ علمهم به رصين(٣) . ولكن يتجاهلون عنادا.

قال الشّعبيّ:(٤) هو بين أيديهم يقرءونه. ولكن نبذوا العمل به.

قال سفيان بن عيينة:(٥) أدرجوه في الحرير والدّيباج وحلّوه بالذّهب والفضّة.

ولم يحلّوا حلاله. ولم يحرّموا حرامه. فذلك النّبذ. هذا إذا حمل الكتاب على التوراة. وأمّا إذا حمل على القرآن، فإنّه لما جاءهم الرّسول بهذا الكتاب، فلم يقبلوه، صاروا نابذين له.

واعلم: أنّه تعالى دلّ بالآيتين، على أنّ جلّ اليهود، أربع فرق: فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها، كمؤمني أهل الكتاب. وهم الأقلّون المدلول عليهم بقوله:( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

وفرقة جاهروا بنبذ عهودها وتخطّي حدودها، تمرّدا وفسوقا. وهم المعنيّون بقوله: نبذ فريق منهم.

وفرقة لم يجاهروا بنبذها، لكن نبذوا لجهلهم بها. وهم الأكثرون.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٦٩+ أنوار التنزيل ١ / ٧٢.

(٣) أ: رزين. وهو الظاهر. وما في المتن، موافق أنوار التنزيل.

(٤ و ٥) مجمع البيان ١٦٩ / ١.

٩٧

وفرقة تمسّكوا بها ظاهرا، ونبذوها خفية، عالمين بالحال، بغيا وعنادا. وهم المتجاهلون.

( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) : معطوف على «نبذ»، أي: نبذوا كتاب الله. واتّبعوا كتب السّحر الّتي تقرؤها، او تتبعها الشّياطين من الجنّ، أو الإنس، أو منها.

( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) ، أي: على عهد سليمان.

قيل(١) : كانوا يسترقون السّمع، ويضمّون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدوّنونها، ويعلّمون النّاس. وفشى ذلك في عهد سليمان، حتّى قيل: إنّ الجنّ يعلم الغيب. وإن ملك سليمان تمّ بهذا العلم. وإنّه تسخّر به الإنس والجنّ والرّيح له.

وروى العيّاشيّ،(٢) بإسناده، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: لـمّا هلك سليمان، وضع إبليس السّحر. ثمّ كتبه في كتاب. وطواه. وكتب على ظهره: «هذا ما وضع آصف بن برخيا، من ملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم. من أراد كذا وكذا فليقل كذا وكذا.» ثمّ دفنه تحت السّرير. ثمّ استأثره لهم. فقال الكافرون: ما كان يغلبنا سليمان إلّا بهذا. وقال المؤمنون: هو عبد الله ونبيّه. فقال الله في كتابه:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا ) . (إلى آخره.)

( وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) : تكذيب لمن زعم ذلك.

وعبّر عن السّحر، بالكفر، ليدلّ على أنّه كفر. وأنّ من كان نبيّا، كان معصوما عنه.

( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ) باستعماله.

وقيل(٣) : بما نسبوا إلى سليمان من السّحر.

وقيل(٤) : عبّر عن السّحر، بالكفر.

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي(٥) : ولكن (بالتّخفيف)، ورفع الشّياطين.

( يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) إغواء وإضلالا.

والجملة حال عن الضّمير في «كفروا.»

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٥٢، ح ٧٤.

(٣ و ٤) مجمع البيان ١ / ١٧٤.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٧٠.

٩٨

والمراد بالسّحر، ما يستعان في تحصيله بالتّقرّب إلى الشّيطان، ممّا لا يستقلّ به الإنسان. وذلك لا يستتبّ إلّا لمن يناسبه في الشّرارة وخبث النّفس. فإنّ التّناسب شرط في التّضامّ والتّعاون. وبهذا يتبيّن(١) السّاحر عن النّبيّ.

وأمّا ما يتعجّب منه كما يفعله أصحاب الحيل، بمعونة الآلات والأدوية، أو يريك صاحب خفّة اليه، فليس بسحر. وتسميته سحرا، على التّجوّز، أو لما فيه من الدّقّة. لأنّه في الأصل لما خفي سببه.

( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) :

عطف على السّحر. والمراد بها واحد. والعطف لتغاير الاعتبار. أو لأنّه أقوى منه.

أو على ما تتلوا.

قيل(٢) : هما ملكان أنزلا لتعليم السّحر، ابتلاء من الله تعالى للنّاس، وتمييزا بينه وبين المعجزة.

وقيل(٣) : رجلان سمّيا ملكين، باعتبار صلاحهما. ويؤيّده قراءة الملكين.

(بالكسر) وما روي(٤) أنّهما مثّلا بشرين. وركّب فيهما الشّهوة. فتعرّضا لامرأة يقال لها زهرة. فحملتهما على المعاصي والشرك. ثمّ صعدت إلى السّماء بما تعلّمت منهما. فمحكيّ عن اليهود.

وقيل(٥) : «ما أنزل» نفي معطوف على «ما كفر [سليمان](٦) »، تكذيب لليهود في هذه القصّة.

( بِبابِلَ ) : ظرف، أو حال من الملكين، أو من الضّمير في أنزل. والمشهور أنّه بلد من سواد كوفة.

( هارُوتَ وَمارُوتَ ) : عطف بيان للملكين. وضع صرفهما، للعجمة والعلمية.

ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر ـ كما زعم بعضهم ـ لانصرفا.

ومن جعل «ما» نافية، أبدلهما من «الشّياطين»، بدله البعض. وما بينهما اعتراض. وقرئ بالرّفع، على تقدير «هما هاروت وماروت».

__________________

(١) أ: تبيّن.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٤) عيون أخبار الرضا ١ / ٢١١، ح ٢+ تفسير نور الثقلين ١ / ١٩٠+ أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٦) يوجد في المصدر.

٩٩

( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) :

فمعناه على الأوّل: ما يعلّمان أحدا حتّى ينهياه ويقولا له: إنّما نحن ابتلاء من الله.

فمن تعلّم منّا وعمل به كفر. ومن تعلّم وتوقّى عمله ثبت على الإيمان. فلا تكفر باعتقاد جوازه والعمل به.

وعلى الثّاني: ما يعلّمانه حتّى يقولا إنّا مفتونان. فلا تكن مثلنا.

( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ، أي: من السّحر، ما يكون سبب تفريقهما.

( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) :

لأنّ الأسباب كلّها مؤثّرة بأمره تعالى.

( وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا ) :

قيل(١) أي: اليهود.

( لَمَنِ اشْتَراهُ ) ، أي: استبدله بكتاب الله،( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) : نصيب.

( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) باعوا أو اشتروا، على ما مرّ.

( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (١٠٢) قبحه(٢) على اليقين(٣) .

والمثبت لهم، أوّلا على التّوكيد القسميّ العقل الغريزيّ، أو العلم الإجماليّ بقبح الفعل، أو ترتّب لعقاب من غير تحقيق. فلا منافاة بين ما سبق وبين هذا.

[وفي عيون الأخبار(٤) : حدّثنا محمّد بن القسم المفسّر المعروف بأبي الحسن الجرجاني ـ رضى الله عنه. قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام ـ في قول الله تعالى( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) ، قال: «( اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا ) كفرة «الشّياطين» من السّحر والنّيرنجات( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) الّذين يزعمون أنّ سليمان به ملك ونحن ـ أيضا ـ به نظهر(٥) العجائب، حتّى ينقاد لنا النّاس. وقالوا: كان

__________________

(١) ليس في المصدر: والقول يوجد في أنوار التنزيل ١ / ٧٤.

(٢) ليس في ر.

(٣) أ: التعيين.

(٤) عيون الأخبار ١ / ٢٦٦ ـ ٢٧١، ح ١.

(٥) المصدر: فظهر.

١٠٠