مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149719 / تحميل: 5727
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

عامة البشر.

وحتى لو كان صدر الآية موجهاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّ ذيلها ـ لا ريب ـ موجه إلى عامة البشر.

إنّ القرآن يريد بهذا الخطاب أن يلفت أنظارنا إلى حادث حدث قبل الخطاب لا حينه ولا بعده بدليل مجيء إذ في مطلع الآية.

ف‍ « إذ » تستعمل فيما إذا كان ظرف الحادثة هو الماضي، ومعناها « واذكر إذ » وقعت هذه الحادثة في الماضي(١) .

آراء العلماء حول الميثاق في عالم الذر

إنّ غاية ما يفيده ظاهر آية الميثاق المطروحة هنا على بساط البحث هو أنّ الله أخذ من بني آدم ميثاقاً وعهداً على الإقرار بربوبيته وأمّا كيفية هذا الميثاق فلم يرد ـ في الآية المذكورة ـ أي توضيح بشأنها ولأجل هذا اختلف المفسرون المسلمون حول حقيقة هذا الميثاق.

وفيما يلي عرض للآراء المطروحة حول هذا المطلب :

النظرية الأُولى المستندة إلى الأحاديث

وتقول هذه النظرية ـ والتي لها سند حديثي ـ إنّ الله أحضر أبناء آدم عند خلقه، من صلبه على هيئة كائنات ذرية صغيرة الحجم جداً وأخذ منهم الميثاق

__________________

(١) تقدير « اذكر » في هذه المواضع لإراءة ماضوية الحادثة، وإن كان غير محتاج إليه حسب القواعد الأدبية فإنّ « إذ » ظرف مهمل غير مقيد بشيء.

٨١

قائلاً لهم: « ألست بربكم ؟ فقالوا: بلى »(١) ثم أعادهم إلى صلب آدمعليه‌السلام ، وقد كانت هذه الكائنات الدقيقة الحجم ذات شعور وعقل كافيين آنئذ، وقد سمعت ما قال الله لها وأجابت على سؤاله، وقد أخذ هذا الإقرار من بني آدم ليغلق عليهم باب الاعتذار والتعلّل يوم القيامة.

وهذه النظرية اتخذت باعتبار أنّ لفظة « ذرية » مشتقة من مادة « ذر » واختارها جمع من المفسرين.

انتقادات على هذه النظرية

١. انّ أوضح دليل على قصور هذه النظرية هو عدم موافقتها للمدلول الظاهري للآية، لأنّ ظاهر الآية ـ كما قلنا في النقطة الخامسة ـ يفيد أنّ الله أخذ من ظهور كل أبناء آدم ذرّيتهم، لا من آدم وحده.

ولأجل هذا قال سبحانه:( مِن بَنِي آدَمَ ) ولم يقل من آدم.

كما أنّ الضمائر جاءت في صيغة الجمع:( مِن ظُهُورِهِمْ ) ،( ذُرِّيَّتَهُمْ ) لا المفرد.

وعلى هذا الأساس لا تطابق هذه النظرية مفاد الآية في هذه الناحية.

٢. إذا كان قد أخذ هذا الميثاق من بني آدم وهم في كامل وعيهم، فلماذا لا يتذكره أحد منّا ؟

وأجيب عن هذا الإشكال بأنّ ما هو منسي ومغفول عنه هو « وقت هذا

__________________

(١) راجع مجمع البيان: ٣ / ٤٩٧ طبع صيدا، وتفسير الفخر الرازي: ٤ / ٣٢٠ طبع مصر عام ١٣٠٨ ه‍.

٨٢

الميثاق والإقرار » وليس نفس الميثاق والإقرار والاعتراف، بدليل ما يجده كل إنسان في ذاته من ميل فطري إلى الإذعان بوجود الله وربوبيته، ولا شك أنّ هذا هو امتداد طبيعي لذلك الإقرار المأخوذ في عالم « الذر ».

لكن هذا الجواب ليس بوجيه جداً كما تصوّر أصحابه، لأنّه ليس من المعلوم أنّ ما نجده من « الميل الفطري » إلى الله في ذواتنا يرتبط حتماً بمثل ذلك الميثاق بل ربما يكون نتيجة « فطرية وجود الله وربوبيته » وبداهتهما.

وما يقال من أنّ الفاصل الزمني الطويل هو الذي كان سبباً لنسيان الميثاق المذكور ليس بصحيح كما يظهر.

لأنّ طول هذا الفاصل لا شك أقل ـ بكثير ـ من طول الفاصل الزمني بين الإنسان في الدنيا ويوم القيامة على حين نجد أنّ الإنسان لا ينسى ما شاهده من حوادث في الدنيا فهاهم أهل الجنة ـ مثلاً ـ يقولون لأهل النار :

( أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُّم مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ ) (١) .

ونظير ذلك قول بعض أهل الجنة :

( إنّي كَانَ لِي قَرينٌ [ أي في الدنيا ] *يقول ءَإِنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ ) (٢) .

ومثله قول بعض أهل النار :

( وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ [ أي في الدنيا ]مِنَ الأشْرَارِ ) (٣) .

__________________

(١) الأعراف: ٤٤.

(٢) الصافات: ٥١ ـ ٥٢.

(٣) ص: ٦٢.

٨٣

وغير ذلك من الآيات الدالة على تذكر أهل القيامة لما جرى لهم في العالم الدنيوي ممّا يدلّ على عدم نسيان الحوادث رغم طول الفاصلة الزمنية.

٣. انّ الهدف من أخذ الميثاق ـ أساساً ـ هو أن يعمل الأشخاص بموجب ذلك الميثاق، والعمل فرع للتذكّر، فإذا لم يتذكّر الشخص أي شيء من هذا الميثاق، فكيف ترى يصح الاحتجاج به عليه، وكيف يمكن دفعه إلى العمل وفقه ؟

على أنّنا بعد أن كتبنا هذا، وقفنا على كلام للعلاّمة الشريف المرتضى في ( أماليه ) وهو ينص على ما ذكرنا حيث أبطل هذا الرأي إذ قال :

« وقد ظن بعض من لا بصيرة له ولا فطنة عنده، أنّ تأويل هذه الآية: أنّ الله استخرج من ظهر آدمعليه‌السلام جميع ذريته وهم في خلق الذر، فقررهم بمعرفته وأشهدهم على أنفسهم.

وهذا التأويل ـ مع أنّ العقل يبطله ويحيله ـ مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه، لأنّ الله تعالى قال:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) ولم يقل من آدم وقال:( مِن ظُهُورِهِمْ ) ولم يقل: من ظهره، وقال:( ذُرِّيَّتَهُمْ ) ولم يقل: ذريته.

ثمّ أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة أنّهم كانوا عن ذلك غافلين أو يعتذروا بشرك آبائهم، وأنّهم نشأوا على دينهم وسنتهم ».

ثمّ يقول الشريف المرتضى :

« فأمّا شهادة العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذرية ـ التي استخرجت من ظهور آدمعليه‌السلام فخوطبت وقررت ـ من أن تكون كاملة العقول مستوفية لشروط التكليف أو لا تكون، فإن كانت بالصفة الأُولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم

٨٤

وإنشائهم، وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال، وما قرّروا به واستشهدوا عليه، لأنّ العاقل لا ينسى ما جرى هذا المجرى وأن بعد العهد وطال الزمان وليس أيضاً لتخلل الموت بين الحالتين تأثير.

على أنّ تجويز النسيان عليهم ينقض الغرض في الآية، وذلك لأنّ الله تعالى أخبر بأنّه إنّما قرّرهم وأشهدهم لئلاّ يدّعوا يوم القيامة الغفلة عن ذلك وسقوط الحجة عنهم فيه، فإذا جاز نسيانهم له عاد الأمر إلى سقوط الحجة وزوالها، وإن كانوا على الصفة الثانية من فقد العقل وشرائط التكليف قبح خطابهم وتقريرهم وإشهادهم وصار ذلك عبثاً قبيحاً يتعالى الله عنه »(١) .

٤. انّ هذه النظرية تؤول إلى نوع من القول بالتناسخ الذي بطلانه من ضروريات الدين، لأنّه يعني ـ على أساس هذه النظرية ـ أنّ الإنسان أتى إلى هذه الدنيا قبل ذلك، ثم بعد العيش القصير ارتحل ثم عاد بصورة تدريجية إلى هذه الدنيا مرة ثانية وهو التناسخ الذي أبطله المحقّقون والعلماء المسلمون(٢) .

ويبقى ها هنا سؤال وهو: إذا كانت هذه النظرية تواجه تلك الإشكالات وتعاني من هذا القصور، فما هو مصير الأحاديث والروايات التي تسند هذه النظرية ؟! وسيوافيك حق المقال فيها.

__________________

(١) الأمالي: ١ / ٢٨ ـ ٢٩.

(٢) هذه الانتقادات الأربعة نقلها صاحب مجمع البيان من المحققين الإسلاميين في: ٤ / ٤٩٧. وذكرت أيضاً في الميزان بالإضافة إلى انتقادات أُخرى، راجع لذلك: ٨ / ٣٢٥ ـ ٣٢٧، كما وذكرت هذه النظرية في تفسير الرازي مع اثني عشر إشكالاً فراجع: ٤ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

٨٥

النظرية الثانية

يحمل بعض المفسّرين ( وعلى رأسهم: الرماني وأبو مسلم وفريق آخر ) هذه الآية على: التوحيد الفطري، ويفسرونها بهذا التفسير.

فهم يقولون: يحط الإنسان قدميه في هذه الدنيا، وهو ينطوي على سلسلة من الغرائز والاستعدادات، وسلسلة من الحاجات الطبيعية والفطرية إلى جانب سلسلة من المدركات العقلية.

فهو [ أي الإنسان ] عند نزوله من صلب أبيه إلى رحم أُمّه، وعند انعقاد نطفته لا يكون أكثر من ذرة، ولكن هذه الذرة تنطوي على استعدادات وقابليات جديرة بالاهتمام ومن جملة تلكم الاستعدادات هي قابليته لمعرفة الله التي تنمو وتتكامل مع تكامل هذه الذرة وجنباً إلى جنب مع تكامل سائر استعداداته الأُخرى حتى تنتقل في المآل من مرحلة « القوة » إلى مرحلة « الفعلية » والكمال.

وبعبارة أُخرى، فإنّ الإنسان يولد وقد أُودعت في كيانه « غريزة معرفة الله » والتوجه إلى ما وراء الطبيعة بشكل سر إلهي مزروع في أعماق البشر بحيث لو لم تنله يد خارجية لنمت غريزة « الميل إلى معرفة الله » في فؤاد الإنسان ولما انحرف عن جادة التوحيد مطلقاً إلى درجة أنّ علماء النفس اعتبروا « الشعور الديني » هذا أحد أبعاد الروح الإنسانية ووصفوه بمثل هذا البعد، إذ قال أحدهم في تعريف الإنسان بأنّه « حيوان ميتافيزيقي ».

وفي الحقيقة أنّ هذا الشعور الديني الغريزي رسم في ضمير الإنسان بقلم التكوين على غرار بقية الغرائز والأحاسيس الموجودة في الإنسان وهي [ أي غريزة الشعور الديني ] تنمو وتنضج مع نمو الإنسان وتكامله.

٨٦

وبعبارة ـ ثالثة ـ: فإنّ الله أخرج أبناء الإنسان من ظهور آبائهم إلى بطون أُمهاتهم وقد جعل تكوينهم بنحو خاص بحيث يعرفون ربهم دائماً، ويحسّون باحتياجهم إليه تعالى.

وعندما يحس الإنسان باحتياجه إلى الله، ويجد نفسه غارقاً في التوجه إليه سبحانه فساعتئذ يكون وكأنّه يقال له: ألست بربكم ؟ فيقول البشر: بلى أنت ربي(١) .

خلاصة القول: إنّ الإنسان خلق مؤمناً بالله بمقتضى الفطرة الإلهية السليمة الموهوبة له، وسيظل بمعونة العقل الهادي إلى الله يبحث عن الله ويطلبه ويسأل عنه، ويظل يواصل هذه المسيرة ما لم يعقه عائق ولم يمنعه مانع.

وعلى هذا فإنّ الميثاق المذكور في الآية لم يكن ميثاقاً تشريعياً وعلى نحو الخطاب والجواب اللفظيين، بل هو ميثاق تكويني فطري، وجوابه ـ كذلك ـ تكويني فطري.

على أنّ مثل هذا النوع من الحوار والاستيثاق شائع جداً في القرآن الكريم وكذا في محاوراتنا اليومية.

ففي المثال يقال: إنّ الله أعطانا البصر وأخذ منّا الميثاق بأن لا نسقط في البئر.

أو كما يقال: إنّ الله أعطانا العقل وأخذ منّا العهد بأن نميّز به الحق عن

__________________

(١) راجع لمعرفة هذه النظرية: الميزان: ٨ / ٣٣٣ طبع طهران، وتفسير الفخر الرازي: ٤ / ٣٢٢ ومجمع البيان: ٤ / ٤٩٨، طبع صيدا، وفي ظلال القرآن: ٩ / ٥٨ ـ ٥٩، وقد جعل الأخير وقت استقرار الخلية البشرية في رحم الأُمّ موعد ذلك الميثاق.

٨٧

الباطل.

ويقول القرآن الكريم حول السماوات والأرض :

( فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهَاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (١) .

وهذا النوع من الكلام وتوجيه الخطاب إلى السماوات والأرض الفاقدة للشعور والإدراك والعقل ليس إلّا عن طريق التكوين فيكون معنى هذه الآية هو أنّ السماء والأرض خاضعتين ـ تكوينياً ـ لمشيئة الله وإرادته، وأنّهما تجريان وفق سننه التي شاءها لهما(٢) .

ونقل من بعض بلغاء العرب وخطبائهم مقال من هذا القبيل إذ قال :

« سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك، وأينع ثمارك، فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً »(٣) .

ولهذا الرأي شاهد قرآني وحديثي :

أمّا الشاهد القرآني فهو قوله سبحانه:( فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ ) الذي يمكن أن يكون مبيناً لهذه الآية.

وغاية التفاوت ما بين الآيتين هي: أنّ آية( فِطْرَةَ اللهِ ) تقول بإجمال: أنّ الشعور الديني عجن بفطرة البشر وخلقته من دون أن تعين الآية زماناً، في حين أنّ الآية ـ المبحوثة هنا ـ تتحدث عن تحقّق هذا السر الإلهي في كيان الإنسان في بدء تكوينه وظهوره، أي أنّ الإنسان كان ينطوي فطرياً وتكوينياً على هذا السر الإلهي

__________________

(١) فصلت: ١١.

(٢) سيوافيك حق المقال في الآية في فصل سريان العلم في الموجودات.

(٣) مجمع البيان: ٤ / ٤٩٨ طبع صيدا.

٨٨

منذ أن كان موجوداً ذرياً صغيراً في رحم أُمّه وكأنّ أوّل خلية إنسانية تستقر في رحم الأُم تنطوي على هذه الوديعة الإلهية وهي « غريزة الميل والانجذاب إلى الله ».

وإذا أردنا أن نتحدث عن ذلك بلغة العلوم الطبيعية لزم أن نقول :

إنّ جينات الخلية لدى كل إنسان تحمل بين جوانحها هذه الخاصية الروحية، وإنّ هذه الخاصية تنمو وتتكامل مع تكامل الخلية ونموها.

هذا مضافاً إلى أنّ هذه النظرية تنطبق مع ما جاء في حديث معتبر السند من أنّ عبد الله بن سنان يقول سألت أبا عبد الله ـ الصادق ـعليه‌السلام ، عمّا هو المقصود من الفطرة ؟ فقال :

« هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: ألست بربكم وفيه المؤمن والكافر »(١) .

وإنّ للشريف الرضي كلاماً لعله يشير إلى أنّه اختار هذه النظرية إذ قال :

« إنّه تعالى لما خلقهم وركبهم تركيباً يدل على معرفته ويشهد بقدرته، ووجوب عبادته، وأراهم العبر والآيات، والدلائل في أنفسهم وفي غيرهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم وكانوا في مشاهدة ذلك ومعرفته ـ على الوجه الذي أراده الله تعالى وتعذر امتناعهم منه وانفكاكهم من دلالته ـ بمنزلة المقر المعترف وان لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَىٰ السَّمَاءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (٢) وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منهم جواب، ومثله

__________________

(١) تفسير البرهان: ٣ / ٤٧ في تفسير آية( فِطْرَة الله ) الحديث ٧.

(٢) فصلت: ١١.

٨٩

قوله تعالى:( شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) (١) ونحن نعلم أنّ الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم وإنّما لما ظهر منهم ظهوراً لا يتمكنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به ومثل هذا قولهم :

« جوارحي تشهد بنعمتك وحالي معترفة بإحسانك »(٢) .

ثم إنّ سيدنا الحجة شرف الدين ممن ذهب إلى هذا المذهب إذ قالرحمه‌الله :

« واذكر يا محمّد للناس ما قد وثقوا الله عليه بلسان حالهم التكويني من الإيمان بالله والشهادة له بالربوبية وذلك( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) أي حيث أخذ ربك جل سلطانه( مِن بَنِي آدَمَ ) أي( مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) فأخرجها من أصلاب آبائهم نطفاً، فجعلها في قرار مكين من أرحام أُمهاتهم ثم جعل النطف علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ثم كسا العظام لحماً ثم أنشأ كلاً منهم خلقاً سوياً قوياً في أحسن تقويم سميعاً بصيراً ناطقاً عاقلاً مفكّراً مدبّراً عالماً عاملاً كاملاً ذا حواس ومشاعر وأعضاء أدهشت الحكماء، وذا مواهب عظيمة وبصائر نيرة تميّز بين الصحيح والفاسد والحسن والقبيح وتفرق بين الحق والباطل فيدرك بها آلاء الله في ملكوته وآيات صنعه جل وعلا في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وبذلك وجب أن يكونوا على بيّنة قاطعة بربوبيته، مانعة عن الجحود بوحدانيته فكأنّه تبارك وتعالى إذ خلقهم على هذه الكيفية قررهم( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) فقال لهم:( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وكأنّهم( قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) على أنفسنا لك بالربوبية نزولاً على ما قد حكمت به عقولنا وجزمت به بصائرنا حيث ظهر

__________________

(١) التوبة: ١٧.

(٢) الأمالي: ١ / ٣٠.

٩٠

لديها أمرك فلا إله إلّا أنت خلقتنا من تراب ثم أخرجتنا من الأصلاب فلك الحمد إقراراً بربوبيتك

ثم يقول: هذا كلّه من مرامي الآية الكريمة، وإنّما جاءت على سبيل التمثيل والتصوير تقريباً للأذهان إلى الإيمان وتفنّناً في البيان والبرهان، وذلك ممّا تعلوا به البلاغة فتبلغ حد الإعجاز ألا ترى كيف جعل الله نفسه في هذه الآية بمنزلة المشهد لهم، على أنفسهم وجعلهم بسبب مشاهدتهم تلك الآيات وظهورها في أنفسهم بمنزلة المعترف الشاهد وإن لم يكن هناك شهادة وإشهاد.

وباب التمثيل واسع في كلام العرب ولا سيما في الكتاب والسنّة »(١) .

إشكالات هذه النظرية

هذه النظرية وإن كانت أفضل من سابقتها، إلّا أنّها رغم ذلك لا تخلو من نقود وإشكالات نذكر طرفاً منها :

١. أنّ ظاهر الآية المبحوثة هنا حاك عن أنّ حادثة أخذ الميثاق قد تحقَّقت في الزمن السابق بدليل قوله:( وَإِذْ أَخَذَ ) .

ولفظة( إِذْ ) تستعمل في الماضي، وإذا ما اتفق أن استعملت في المستقبل كان ذلك تجوزاً ولعناية خاصة اقتضاها المقام مثل:( وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَىٰ ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله ) (٢) ، فإنّ من المسلّم أنّ الباري تعالى لم يقل هذا الكلام لعيسى بن مريم في الماضي، وإنّما سيقوله له في المستقبل [ أي في يوم القيامة ] ويسوغ استعمال « إذ » و « قال » في المستقبل كون

__________________

(١) فلسفة الميثاق والولاية: ٣ ـ ٥.

(٢) المائدة: ١١٦.

٩١

هذا المستقبل محقّق الوقوع فيكون كالماضي.

وعلى كل حال فإنّ ظرف توجه هذا الخطاب القرآني إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو إلى المسلمين أو إلى عامة البشر هو ظرف نزول القرآن، ولكن ظرف وقوع أخذ الميثاق هو الماضي، ولذا جاءت الآية مبتدئة ب‍ « إذ » الذي هو بمعنى « واذكر إذ ».

فإذا كانت الآية ناظرة إلى خلقة الإنسان وتكوينه مع الاستعدادات القابلة لهدايته إلى الله ـ كما تقوله النظرية هذه ـ ففي هذه الصورة يكون ظرف هذا الحادث وظرف الخطاب واحداً، وهذا خلاف ظاهر الآية حيث يفيد تعدّد ظرفي أخذ الميثاق، والخطاب.

٢. إذا كان هدف الآية هو بيان أنّ الإنسان خلق مع سلسلة من القابليات الفطرية والعقلية التي تهديه إلى الله، ففي هذه الصورة لماذا يقول الله :

( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) ؟

في حين كان المناسب أن يقول :

فعرف نفسه لهم.

ولماذا قالوا في آية أُخرى :

( بَلَىٰ شَهِدْنَا )

وكان الأحرى أن يقولوا :

بلى عرفناك ؟

٣. انّ تفسير قول الله تعالى( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) بالخطاب والجواب « التكوينيين » وان كان صحيحاً في حد ذاته إلّا أنّه خلاف الظاهر قطعاً إذ أنّ

٩٢

ظاهر الآية هو الخطاب والجواب « التشريعيين ».

ومعلوم أنّ الأخذ بما هو خلاف الظاهر لا يصح ما لم يدل عليه دليل، وما لم يصرفنا عن الأخذ بالظاهر صارف وجيه.

٤. هذه النظرية « أعني: أخذ الميثاق بمعنى خلق الإنسان مع قابليات فطرية وعقلية تهديه إلى الله » بيان ملخّص للتوحيد الفطري والاستدلالي.

ولو كان هذا هو هدف القرآن من هذه الآية، لتعيّن عليه أن يبيّن ذلك بعبارة أوضح.

النظرية الثالثة

وهي ما ذهب إليها وارتآها الأُستاذ الجليل العلاّمة الطباطبائي، مؤلّف تفسير الميزان، حيث فسر آية الميثاق هذه، بنحو نذكر توضيحه قبل نقل نص ما قاله حرفياً :

وإليك هذا التوضيح في نقاط :

١. انّ الزمان ظاهرة تدريجية الظهور، فأجزاء الزمان ـ بحكم كونه حادثاً ـ لا تجتمع في مكان واحد، وهذه الخاصية ونعني بها خاصية الظهور والحدوث التدريجي والتقطيع والتفرق لا تختص بالزمان فقط، بل تشمل كل حادث وتعم كل حادثة ظاهرة تستقر على بساط الزمن.

٢. لا شك أنّ حوادث العالم تنقسم بالنسبة إلينا إلى :

حوادث الماضي.

وحوادث الحاضر.

٩٣

وحوادث المستقبل.

ولكل حادث زمان ومكان خاصان، ولا يمكن للإنسان الذي يعيش ضمن نطاق الزمان أن يشهد كل الحوادث دفعة واحدة وفي نظرة واحدة، ولا يمكن أن تجتمع كلها لديه.

ولكن الناظر إلى الحوادث لو شاهدها من فوق نطاق الزمان والمكان، ونظر إلى كل أجزاء الزمان على أنّها ظاهرة واحدة فحينئذ ينتفي مفهوم الماضي والحاضر والمستقبل.

ولتقريب هذا الأمر إلى الذهن نشير إلى بعض الأمثلة التي تقرب هذه الحقيقة إلى الذهن فنقول :

٣. لنفترض شخصاً جالساً في غرفة وهو ينظر من روزنة صغيرة جداً إلى خارج تلك الغرفة وفي هذا الأثناء يمر من أمام تلكم الروزنة قطار إبل، فإنّ من المسلّم ـ في هذه الحالة أن لا يرى ذلك الشخص في كل لحظة إلّا بعيراً واحداً.

أمّا إذا صعد هذا الشخص على سطح تلك الغرفة فإنّه يتسنى له في هذه الحالة أن يرى كل الآبال في نظرة واحدة وفي لحظة واحدة، وليس جملاً واحداً في كل لحظة كما كان ينظر من خلال الروزنة داخل الغرفة.

إنّ مثل المحبوس في نطاق الزمن الناظر إلى الحوادث من خلال هذا المنفذ مثل الجالس في الغرفة ـ في المثال المذكور ـ لا يرى الأشياء إلّا تدريجاً.

أمّا إذا تسنّى للإنسان أن ينظر إلى الحوادث من فوق هذا النطاق، فإنّه يمكنه حينئذ أن يرى كل أجزاء الشيء وحالاته في مكان واحد ودفعة واحدة، لأنّه في مثل هذه الحالة سينظر إلى الشيء من خلال المنظار الواسع.

٩٤

٤. لنتصور نملة تسير فوق سجّاد ملوّن، فإنّ هذه النملة ستشاهد في كل لحظة لوناً واحداً لا أكثر، لمحدودية نظرها، وصغر أُفق رؤيتها.

أمّا الإنسان حيث إنّه يتمتع بنظر أوسع، فإنّه يرى كل ألوان ذلك السجّاد والبساط دفعة واحدة.

٥. لنتصوّر أنفسنا ونحن جلوس في مكان ما من ضفاف النيل ننظر إلى الماء ونراقب جريانه وتموّجاته، فإنّنا لن نرى في هذه الحالة إلّا جانباً محدوداً من جريان هذا النهر العظيم وجانباً من مائه وتموّجاته.

ولكنّنا عندما ننظر إلى النيل من طائرة محلّقة فوق ذلك النهر، فإنّنا سنرى جانباً أعظم وأكثر من مسيره ومسيله وتموّجاته وتعرّجاته.

من هذا البيان يتضح أنّ بُعد الحوادث وقُربها إنّما يصدق بالنسبة إلى من يعيش ضمن نطاق الزمان، فالزمان هو الذي يقرّبه من الحوادث أو يبعده عنها، ولكن الموجودات التي تعيش فوق الزمان والمكان، فلا يصدق في حقّها الفاصل الزماني أو المكاني.

٦. للإنسان ولغيره من أجزاء هذا العالم ممّا يعيش ضمن نطاق الزمان وجهان :

وجه بالنسبة إلى الله.

ووجه بالنسبة إلى الزمان.

فهي من جهة كونها مرتبطة بالله، وكون الله تعالى محيطاً بها لا يكون شيء من أجزائها بغائب عن بعضها، كما لا يكون الله بغائب عنها، ولا هي بغائبة عن ساحة الله ومتناول علمه بل كل كائنات العالم [ دون أن يكون فيها ماض

٩٥

ومستقبل ] حاضرة عنده سبحانه.

وكيف يمكن أن تكون تلك الأشياء على غير هذا النحو، في حين أنّ العالم بأسره من صنعه وفعله، ولا شيء من المصنوع بغائب عن صاحبه وصانعه.

وإلى ذلك يشير الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام في دعائه قائلاً :

« كيف يخفى عليك ـ يا إلهي ـ ما أنت خلقته ؟! وكيف لا تحصي ما أنت صنعته ؟! أو كيف يغيب عنك ما أنت تدبّره ؟! »(١) .

ولكن هذه الموجودات من حيث كونها تعيش في بطن الزمان، وتكون مزيجة به، لذلك تبدو في شكل حوادث متناثرة وأجزاء متفرّقة ومختلفة تتخلّلها فواصل زمنية وهنا تمنعها عوامل معينة من حضور الله عندها(٢) .

[ لا حضورها عند الله ] فيوجد بين الله وبين رؤيتها القلبية له حجاب حائل.

في هذا المحاسبة يعمد الأُستاذ الطباطبائي إلى تقسيم العالم إلى وجهين :

الباطن.

والظاهر.

فيكون الوجود الجمعي للعالم هو الباطن، والوجود الجزئي المتفرق هو الظاهر.

ويستفيد الأُستاذ الطباطبائي لإثبات هذين الوجهين من بعض الآيات، ويقول: إنّ جملة « كن فيكون » إشارة إلى هذين الجانبين :

الجمعي والتدريجي.

__________________

(١) الصحيفة السجادية: الدعاء ٥٢.

(٢) أي أن تكون هي عالمة بالله.

٩٦

فيقول: إنّ لفظة « كن » إشارة إلى الوجود الدفعي الجمعي للعالم(١) خصوصاً إذا ضممنا هذا المقطع من الآية إلى الآية ٥٠ من سورة القمر، وهي :

( ومَا أمْرُنا إلّا واحدةٌ كَلَمْحٍ بالبَصَر ) .

بتقريب أنّ وحدة الأمر لا تعني إلّا أن تتواجد كل الحوادث في مكان واحد دفعة واحدة دون تفرّق أو تدرّج وذلك بعد توجّه الخطاب « كن » إليها.

وجملة « فيكون » الحاكية عن التدريجية والتواجد التدريجي إشارة إلى الجانب التدريجي والظهور المتفرق لهذا العالم.

من هذا البيان الذي قرّرناه بتوضيح وشرح منا نستنتج أنّ الآية المبحوثة [ أي آية أخذ الميثاق ]ناظرة إلى حالة الوجود والحضور الجمعي الدفعي عند حضرة ذي الجلال حضوراً لا تتصور فيه غيبة، وكأنّ كل أبناء آدم أخذوا وجمعوا من ظهور آبائهم، وحضروا عند الله، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يجد كل إنسان ربه، ووجدانه لله تعالى دليل واضح على وجود الله وربوبيته.

ولكن استقرار الإنسان ضمن نطاق الزمان وتطورات الحياة أشغله بحيث نسي نفسه وغفل عن علمه الحضوري بالله [ أي علمه بالله الناشئ من حضوره بين يديه سبحانه ].

وإليك فيما يلي نص ما قاله العلاّمة الطباطبائي في ميزانه :

« إنّ لكل شيء عند الله وجوداً وسيعاً غير مقدّر في خزائنه، وإنّما يلحقه الأقدار إذا نزله إلى الدنيا مثلاً :

فللعالم الإنساني على سعته سابق وجود عنده تعالى في خزائنه أنزله إلى هذه

__________________

(١) الحاضر عند الله بمجموعه وكله وأسره.

٩٧

النشأة.

وأثبت بقوله:( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْء ) (١) ،( وَمَا أَمْرُنَا إلّا واحِدَةٌ كَلَمْح بِالْبَصَرِ ) (٢) وما يشابههما من الآيات، أنّ هذا الوجود التدريجي الذي للأشياء ومنها الإنسان هو أمر من الله يفيضه على الشيء، ويلقيه إليه بكلمة « كن » إفاضة دفعية وإلقاء غير تدريجي فلوجود هذه الأشياء وجهان :

وجه إلى الدنيا، وحكمه أن يحصل بالخروج من القوة إلى الفعل تدريجياً ومن العدم إلى الوجود شيئاً فشيئاً ويظهر ناقصاً ثم لا يزال يتكامل حتى يفنى ويرجع إلى ربّه.

ووجه إلى الله سبحانه وهي بحسب هذا الوجه أُمور غير تدريجية، وكل ما لها فهو لها في أوّل وجودها من غير أن تحتمل قوة تسوقها إلى الفعل.

وهذا الوجه غير الوجه السابق وإن كانا وجهين لشيء واحد وحكمه غير حكمه وإن كان تصوره التام يحتاج إلى لطف قريحة وقد شرحناه في الأبحاث السابقة بعض الشرح وسيجيء إن شاء الله استيفاء الكلام فيه.

ومقتضى هذه الآيات أنّ للعالم الإنساني على ماله من السعة وجوداً جمعياً عند الله سبحانه، وهو الذي يلي جهته تعالى ويفيضه على أفراده لا يغيب فيها بعضهم عن بعض ولا يغيبون فيه عن ربهم ولا هو يغيب عنهم، وكيف يغيب فعل عن فاعله، أو ينقطع صنع عن صانعه ؟ وهذا هو الذي يسمّيه الله سبحانه

__________________

(١) يس: ٨٣.

(٢) القمر: ٥٠.

٩٨

بالملكوت ويقول:( وَكَذَلِكَ نُرِيَ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰوَاتِ والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ) (١) .

وأمّا هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني وهو الذي يفرّق بين الآحاد، ويشتت الأحوال والأعمال بتوزيعها على قطعات الزمان، وتطبيقها على مر الليالي والأيام، ويحجب الإنسان عن ربه بصرف وجهه إلى التمتعات المادية الأرضية، واللذائذ الحسية فهو متفرع على الوجه السابق متأخر عنه، وموقع تلك النشأة وهذه النشأة في تفرعها عليها موقعا كن ويكون في قوله تعالى:( أن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٢) .

ويتبيّن بذلك أنّ هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة أُخرى إنسانية هي هي بعينها غير أنّ الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربّهم يشاهدون فيها وحدانيته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم لا من طريق الاستدلال، بل لأنّهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه ويعترفون به وبكل حق من قبله. وأمّا قذارة الشرك وألواث المعاصي فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة التي ليس فيها إلّا فعله تعالى القائم به.

وأنت إذا تدبّرت هذه الآيات ثم راجعت قوله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) وأجدت التدبّر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله.

فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة فرّق الله فيها بين أفراد هذا النوع وميّز

__________________

(١) الأنعام: ٧٥.

(٢) يس: ٨٢.

٩٩

بينهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم ؟ قالوا: بلى شهدنا ».(١)

أسئلة حول هذه النظرية

هناك أسئلة تفرض نفسها حول هذه النظرية لابد من طرحها هنا، لأنّه ما لم يجب عليها بإجابات قاطعة لا يمكن الاعتماد على هذه النظرية.

وإليك فيما يأتي بعض هذه الأسئلة :

١. لا شك أنّ هذا العالم يتجلّى للشخص المحيط الناظر إليه من فوق الزمان والمكان على غير ما يتجلّى للمحاط الغارق في الزمان والمكان.

وبعبارة أُخرى: فإنّه يمكن أن ينظر إلى هذا العالم من منظارين :

أ. من منظار الناظر المحيط بالزمان والمكان.

وفي هذه الصورة لا وجود للتفرّق والتشتّت بل ما يراه هو الوجود الجمعي للأشياء، والظواهر.

ب. من منظار الناظر المحاط بالزمان والمكان.

وفي هذه الصورة لا يرى إلّا الوجود المتفرّق المتشتّت المتناثر التدريجي لجميع الظواهر والحوادث.

ولكن هذا الاختلاف في السعة والضيق في المرأى، هل هو عائد إلى السعة والضيق في الرائي، ونظرة الناظر بمعنى أنّ في الأُولى يكون لدى الرائي قدرة على النظر الواسع فيما يكون الرائي في الصورة الثانية فاقداً لهذه القدرة، أم أنّ هذا الاختلاف يرجع إلى نفس الظواهر والحوادث ؟

__________________

(١) راجع تفسير الميزان: ٨ / ٣٣٤ ـ ٣٣٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وفيه عنه « أبوذر وهو آخذ باب الكعبة ويقول: أيها الناس من عرفني عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفهم، أنا أبوذر سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق ».

وفيه نقلاً عن الصواعق: « وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق. و في رواية: وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ».

وفيه عنه أيضاً: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبّهم وعظّمهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفران النعم وهلك في مفاوز الطغيان ».

وفيه عنه: « الثاني: أخرج أحمد والحاكم عن أبي ذر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك. و في روايةٍ للبزار عن ابن عباس وعن ابن الزبير، وللحاكم عن أبي ذر أيضاً: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».

ترجمته:

وهو: الشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجه كلان الحسيني القندوزي البلخي، ولد سنة ١٢٢٠ وسافر إلى البلاد في طلب العلم، فكان من أعلام الفقهاء الحنفية ومن أساطين الطريقة النقشبندية، له مؤلفات، وتوفي سنة ١٢٩٤ كما في معجم المؤلفين أو ١٢٩٣ كما في الغدير أو ١٢٧٠ كما في الأعلام.

١٢١

(٩٢)

رواية حسن زمان

رواه في كتاب ( القول المستحسن ) حيث قال بعد كلام:

« وإليه الاشارة في الآية الكريمة:( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) مع حديث: ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، وفي لفظ: غرق. رواه أحمد وابن جرير والحاكم عن أبي ذر الغفاري، والصّولي من جهة الرشيد عن آبائه عن ابن عباس، والبزار عنه وعن ابن الزبير والدولابي في الكنى عن أبي الطفيل قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فذكره. و لا بن أبي شيبة بسند صحيح عن علي قال: إنما مثلنا في هذه الأُمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل. و لأبي سهل القطّان في أماليه وابن مردويه في تفسيره عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي: والله إن مثلنا في هذه الأمة كمثل سفينة نوح في قوم نوح وإن مثلنا في هذه الأُمة كمثل باب حطة في بني إسرائيل. و حديث: سألت الله أن يجعلها أُذنك يا علي، فقال علي: ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً فنسيته. و حديث: يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي »(١) .

ترجمته:

وهذا الرجل من معاصري السيد صاحب العبقات، وقد وصفه السيد « بالجهبذ المبجل في عصره وأوانه، حسن الزمان، نادرة دهره وحسنة زمانه ».

___________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن ص ٣٤٢.

١٢٢

ملحق

سند حديث السفينة

١٢٣

١٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن السيد صاحب العبقات بصدد استقراء رواة الأحاديث التي بحث عنها واستيعابهم في مجلّدات ( عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار ) وإنما اكتفى بذكر طائفةٍ من رواة كلّ حديث بقدر الضرورة

وأما ( حديث السفينة ) فحيث أن صاحب ( التحفة ) لم يناقش في سنده، فقد تعرّض للبحث عن ذلك قبل الخوض في الرد على مناقشات ( الدهلوي ) باختصار، فأورد نصوص روايات ثلّة من الأئمة وكبار علماء أهل السنة، ليردّ على ابن تيمية الطاعن في سند هذا الحديث الشريف، ومن هنا لم يترجم لأولئك الرواة حسب عادته لكني أضفت إلى الكتاب في متنه تراجم الرواة، إتماماً للفائدة ولأن يكون البحث في جميع أجزاء الكتاب على نمط واحد.

ثم أضفت إلى هؤلاء الرواة ما تيسّر لي من الوقوف عليه من خلال مراجعة مصادر الكتاب وغيرها، إكمالاً للبحث ومزيداً للفائدة، وترجمت لهم باختصار كذلك تنويهاً بجلالتهم - وإنْ لزم التكرار في بعض الأحيان - لاستقلال كل مجلّد من مجلدات الكتاب عن غيره كما هو دأب السيد صاحب العقبات، والله الموفق.

علي الحسيني الميلاني

١٢٥

١٢٦

رواة حديث السفينة

رواته من الصحابة:

لقد روى حديث السفينة ثمانية من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حسب الأحاديث الواردة في الكتاب وهم:

١ - أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

٢ - أبوذر الغفاري.

٣ - عبد الله بن عباس.

٤ - أبو سعيد الخدري.

٥ - أبو الطفيل عامر بن واثلة.

٦ - سلمة بن الأكوع.

٧ - أنس بن مالك.

٨ - عبد الله بن الزبير.

رواته من التابعين

وأمّا رواته من التابعين فكثيرون، يمكن الوقوف على أسمائهم بمراجعة أسانيد الحديث، ومن أشهرهم:

١٢٧

١ - زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام .

٢ - سعيد بن جبير.

٣ - حنش بن المعتمر.

٤ - سعيد بن المسيب.

٥ - عطية بن سعيد العوفي.

٦ - عامر بن عبد الله بن الزبير.

٧ - أياس بن سلمة بن الأكوع.

٨ - رافع مولى أبي ذر.

رواته من الحفاظ والعلماء

وأما رواته الحديث من أعلام القوم وكبار حفاظهم وعلمائهم - عدا من ذكر في الأصل - فإليك أسماء من وقفنا عليهم على هذه العجالة حسب سنّي وفياتهم:

القرن الثاني

١ - أبو إسحاق السبيعي ١٢٧.

٢ - سليمان بن مهران الأعمش ١٤٨.

٣ - إسرائيل بن يونس السبيعي ١٦٢.

القرن الثالث

٤ - الجراح بن مخلد العجلي ٢٠٥.

٥ - يحيى بن سليمان أبو سعيد الكوفي ٢٣٨.

٦ - سويد بن سعيد الهروي الحدثاني ٢٤٠.

١٢٨

٧ - عمرو بن علي أبو حفص الفلّاس ٢٤٩.

٨ - محمد بن معمر القيسي المتوفى بعد سنة ٢٥٠.

٩ - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ٢٧٥.

١٠ - يعقوب بن سفيان الفسوي ٢٧٧.

١١ - روح بن الفرج القطان ٢٨٢.

القرن الرابع

١٢ - أبو أحمد داود بن سليمان الغازي القزويني.

١٣ - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ٣٠٣.

١٤ - أبوبكر محمد بن محمد الباغندي ٣١٢، ٣١٣.

١٥ - أبو بشر محمد بن أحمد الدولابي ٣٢٠.

١٦ - أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر الكوفي البجلي.

١٧ - أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني ٣٣٥.

١٨ - أبو محمد ميمون بن إسحاق الصواف ٣٥١.

١٩ - مطهر بن طاهر المقدسي ٣٥٥.

٢٠ - أبو أحمد عبد الله بن عدي القطان الجرجاني ٣٦٥.

٢١ - أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ٣٦٨.

٢٢ - عبد الله بن محمد بن السقا الواسطي ٣٧٣.

٢٣ - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ٣٨٥.

٢٤ - أبو الحسين محمد بن المظفر البغدادي ٣٩٧.

٢٥ - أبو مليل محمد بن عبد العزيز الكلابي شيخ الطبراني.

٢٦ - الحسين بن أحمد سجادة البغدادي شيخ الطبراني.

١٢٩

القرن الخامس

٢٧ - أبوذر عبد الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الهروي ٤٣٤.

٢٨ - أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ٤٥٤.

٢٩ - أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المتوفى سنة ٤٥٤.

٣٠ - أبو غالب محمد بن أحمد النحوي ٤٦٢.

٣١ - أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي القرطبي ٤٧٤.

٣٢ - أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري المعروف بالدلائي ٤٧٨.

القرن السادس

٣٣ - أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي ٥٠٩.

٣٤ - أبو علي حسين بن محمد المعروف بابن سكرة الصدفي ٥١٤.

٣٥ - زاهر بن طاهر الشحامي ٥٣٣.

٣٦ - أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي ٥٣٣.

٣٧ - محمد بن عبد الباقي القاضي الأنصاري ٥٣٥.

٣٨ - أبو عمرو الخضر بن عبد الرحمن المعروف بابن القزاز ٥٤٠.

٣٩ - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي ٥٦٨.

٤٠ - أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني ٥٦٩.

٤١ - أبوبكر محمد بن خير اللمتوني الإِشبيلي ٥٧٥.

٤٢ - محمد بن أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة ٥٩٩.

١٣٠

القرن السابع

٤٣ - أبو عبد الله محمد بن أحمد الحاكم المعروف بابن اليتيم ٦٢١.

٤٤ - أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي ٦٤٨.

٤٥ - أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بابن الأبار ٦٥٨.

القرن الثامن

٤٦ - محمد بن أحمد شمس الدين الذهبي ٧٤٨.

القرن التاسع

٤٧ - أحمد بن أبي بكر البوصيري ٨٤٠.

٤٨ - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ٨٥٢.

القرن العاشر

٤٩ - أحمد بن سليمان بن كمال باشا ٩٤٠.

٥٠ - عبد النبي القدوسي الحنفي ٩٩٠.

القرن الحادي عشر

٥١ - شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي ١٠٦٩.

١٣١

القرن الثالث عشر

٥٢ - أحمد بن محمد بن علي الشرواني ١٢٥٣.

٥٣ - شهاب الدين محمود الآلوسي ١٢٧٠.

القرن الرابع عشر

٥٤ - أحمد بن مصطفى الكمشخانوي ١٣١١.

٥٥ - أبوبكر بن عبد الرحمن الحضرمي ١٣٤١.

٥٦ - يوسف بن إسماعيل النبهاني ١٣٥٠.

٥٧ - محمد بن يوسف التونسي الكافي ١٣٧٩.

٥٨ - عبيد الله الأمرتسري الشافعي صاحب أرجح المطالب - معاصر.

٥٩ - حسين المصري - معاصر.

٦٠ - أحمد بن محمد بن داود - معاصر.

(١)

رواية أبي إسحاق

هو من رواة حديث السفينة كما ورد اسمه في كثير من طرق لدى مشاهير أئمة الحديث، كما لا يخفى على من نظر فيها.

١٣٢

ترجمته:

هو: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي الهمداني المتوفى سنة ١٢٧(١) : قال الذهبي « ع - عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمداني السبيعي أحد الأعلام - وهو كالزهري في الكثرة، غزا مرّات، وكان صوّاماً قوّاماً، عاش خمساً وتسعين سنة، مات سنة ١٢٧ »(٢) .

وقال ابن حجر: « قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: أيّما أحب إليك أبو إسحاق أو السدي؟ فقال: أبو اسحاق ثقة وقال ابن معين والنسائي: ثقة وقال العجلي: كوي تابعي ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة »(٣) .

وقال أيضاً: « مكثر، عابد، من الثالثة، إختلط بآخره »(٤) .

(٢)

رواية الأعمش

علم روايته لحديث السفينة من بعض أسانيد الحديث.

ترجمته:

هو: سليمان بن مهران المعروف بالأعمش المتوفى سنة ١٤٨:

قال ابن خلكان: « أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش مولى بني كاهل من

___________________

(١). وقيل غير ذلك.

(٢). الكاشف ٢ / ٣٣٤.

(٣). تهذيب التهذيب ٨ / ٦٣ - ٦٧.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ٧٣.

١٣٣

ولد أسد، المعروف بالأعمش الكوفي الإِمام المشهور كان ثقة عالماً فاضلاً روى عنه سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحفص بن غياث، وخلق كثير من جلة العلماء »(١) .

وقال الذهبي: « الأعمش الحافظ الثقة شيخ الاسلام قال ابن المديني: له نحو من ألف وثلاثمائة حديث، وقال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم الكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وقال الفلاس: كان الأعمش يسمّى المصحف من صدقه. وقال يحيى القطان: الأعمش علّامة الاسلام. وقال الحربي: ما خلّف الأعمش أعبد لله منه »(٢) .

وقال الذهبي أيضاً: « سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي الأعمش، أحد الأعلام »(٣) .

وقال ابن حجر: « قال شعبة: ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش وقال العجلي: كان ثقة ثبتاً في الحديث وكان محدّث أهل الكوفة في زمانه ولم يكن له كتاب وقال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت »(٤) .

وقال اليافعي: « الامام المحدث الكوفة وعالمها أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الأعمش كان ثقة عالماً فاضلاً، وقال السمعاني: كان يقارن بالزهري في الحجاز ...»(٥) .

وذكره ابن حبان في الثقات(٦) .

والمقدسي ابن القيسراني في رجال الصحيحين(٧) .

___________________

(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٣٦.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ١٥٤.

(٣). الكاشف ١ / ٤٠١.

(٤). تهذيب التهذيب ٤ / ٢٢٢.

(٥).. مرآة الجنان ١ / ٣٠٥.

(٦). الثقات ٤ / ٣٠٢.

(٧). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ١٧٩.

١٣٤

(٣)

رواية إسرائيل السبيعي

تعلم روايته لحديث السفينة من ملاحظة بعض طرقه الواردة في الكتاب

ترجمته:

هو: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي المتوفى سنة ١٦٢، ١٦١:

قال الذهبي: « كان حافظاً صالحاً خاشعاً من أوعية العلم، ولا عبرة بقول من ليّنه فقد احتج به الشيخان قال يحيى بن معين: إسرائيل ثقة »(١) .

وترجم له ابن حجر فأورد توثيقه عن: أحمد بن حنبل وأبي حاتم والعجلي وابن حبان وغيرهم(٢) .

وقال ابن حجر: « ثقة تكلّم فيه بلا حجة »(٣) .

وذكره ابن القيسراني في رجال الصحيحين(٤) .

(٤)

رواية الجرّاح بن مخلّد

علم روايته لحديث السفينة من عبارة مسند البزار المتقدمة في الكتاب في

___________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٢١٤.

(٢). تهذيب التهذيب ١ / ٢٦١.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٦٤.

(٤). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٤٢.

١٣٥

محلّها.

ترجمته:

هو: الجراح بن مخلد العجلي البصري المتوفى نحو سنة ٢٠٥:

قال ابن حجر العسقلاني: « ثقة من العاشرة »(١) .

وقال أيضاً: « روى عن: ابن عيينة، وروح بن عبادة، وأبي داود الطيالسي، ومعاذ بن هشام، وسليمان بن حرب، وأبي عاصم النبيل، ومحمد بن عمرو الرومي وخلق.

وعنه: أبو داود في كتاب القدر، والترمذي، وابن أبي عاصم، وأبو عروبة، وعبدان وأبوبكر بن أبي داود، وابن صاعد وجماعة. ذكره ابن حبان في الثقات، مات قريباً من سنة ٢٥٠.

قلت: حدّث عنه أبو داود أيضاً في بدء الوحي له، وقال البزار في مسنده:

حدثنا الجراح بن مخلد وكان من خيار الناس، وأخرج ابن حبان والحاكم حديثه في صحيحهما»(٢) .

وقال الذهبي: « الجراح بن مخلد العجلي القزاز، عن معاذ بن هشام وروح.

وعنه: ت وأبو عروبة وابن أبي داود، ثقة »(٣) .

(٥)

رواية يحيى بن سليمان

ستعلم روايته من حديث أبي بشر الدولابي الآتي.

___________________

(١). تقريب التهذيب ١ / ١٢٦.

(٢). تهذيب التهذيب ٢ / ٦٦.

(٣). الكاشف ١ / ١٨١.

١٣٦

ترجمته:

هو: يحيى بن سليمان بن يحيى الجعفي أبو سعيد الكوفي المقري، المتوفى سنة ٢٣٧، أو ٢٣٨:

قال ابن حجر العسقلاني: « روى عنه: البخاري والترمذي وأبو زرعة وابو حاتم وغيرهم »(١) .

وقال الذهبي: « خ ت - يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي أبو سعيد بمصر، عن الدراوردي والمحاربي، وعنه خ والحسن بن سفيان، صويلح، مات سنة ٣٢٧. قال س: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: شيخ »(٢) .

وقال الخزرجي: « يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد الجعفي أبو سعيد الكوفي المقرئ، عن الدراوردي والمحاربي وابن وهب، وعنه خ وأحمد ابن الحسن الترمذي، وثقة ابن حبان وقال. ربما أغرب. قال ابن يونس: مات سنة ٢٣٧ »(٣) .

(٦)

رواية سويد بن سعيد

تعلم روايته لهذا الحديث الشريف بملاحظة بعض طرقه الواردة في الكتاب

___________________

(١). تهذيب التهذيب ١١ / ٢٢٧.

(٢). الكاشف ٣ / ٢٥٧.

(٣). خلاصة التهذيب ص ٤٢٤.

١٣٧

ترجمته:

هو: سويد بن سعيد أبو محمد الهروي الحدثاني المتوفى سنة ٢٤٠، روى عنه من أصحاب الصحاح مسلم بن الحجاج وابن ماجة القزويني:

قال الذهبي: « الحافظ الرّحال المعمّر حدّث عن مالك بالموطأ وعنه: م ق ومطين وابن ناجية وعبد الله بن أحمد والباغندي والبغوي وخلق كثير، وقال البغوي، كان من الحفاظ، كان أحمد بن حنبل ينتفي عليه لولديه. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس، وقال أبو زرعه: أما كتبه فصحاح وأما إذا حدّث من حفظه فلا »(١) .

وقال ابن حجر -: « صدوق في نفسه، إلّا أنّه عمي فصار يتلقّن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول(٢) . من قدماء العاشرة، مات سنة أربعين وله مائة سنة. م ق »(٣) .

وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب الأقوال فيه ونقل توثيقه عن العجلي أيضاً، ثم قال في آخر ترجمته: « وقال سلمة في تاريخه: سويد ثقة ثقة، روى عنه أبو داود.

وقال إبراهيم بن أبي طالب: قلت: لمسلم: كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة! »(٤) .

___________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٥٤.

(٢). أي: فكذبه. انظر خلاصة التهذيب.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٣٤٠.

(٤). تهذيب التهذيب ٤ / ٢٧٢ - ٢٧٥.

١٣٨

(٧)

رواية عمرو بن علي

علم روايته من عبارة مسند البزار التي ذكرناها في الكتاب سابقاً.

ترجمته:

هو: عمرو بن علي أبو حفص البصري الصير في الفلّاس المتوفى سنة ٢٤٩:

قال ابن حجر العسقلاني: « روى عنه الجماعة، وروى النسائي عن زكريا السجزي عنه، أبو زرعة، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وابن أبي الدنيا، ومحمد ابن يحيى بن مندة، وجعفر الفريابي، وإسحاق بن إبراهيم البستي

قال أبو حاتم: كان أرشق من علي بن المديني وهو بصري صدوق. وقال النسائي: ثقة صاحب حديث حافظ. وقال أبو زرعة: كان من فرسان الحديث. وقال الدار قطني: كان من الحفاظ وبعض أصحاب الحديث يفضلونه على ابن المديني ويتعصّبون له، وقد صنف المسند والعلل والتاريخ وهو إمام متقن. وذكره ابن حبان في الثقات

وفي الزهرة: روى عنه خ سبعة وأربعين حديثاً ومسلم حديثين »(١) .

وقالالخطيب بعد أن ذكر شيوخه ومن روى عنه وغير ذلك:

« قال أبو زرعة، لم نر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي أخبرني القاضي أبو العلاء الواسطي، أخبرنا أبو

___________________

(١). تهذيب التهذيب ٨ / ٨٠ - ٨٢ باختصار.

١٣٩

مسلم بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سألت أبا علي صالح ابن محمد عن خليفة بن خياط: فقال: ما رأيت أحداً بالبصرة أكيس منه ومن أبي حفص الفلّاس، وجميعاً كانوا متهمين، وما رأيت بالبصرة مثل علي وابن عرعرة، وأبو حفص كان عندي أرجح منهما.

... سمعت يحيى بن معين يقول: أبو حفص الصير في صدوق »(١) .

وقال الخزرجي: « أبو حفص الصيرفي الفلّاس الحافظ أحد الاعلام، عن معتمر بن سليمان وابن عيينة ويحيى القطان وخلق. وعنه ع. قال عباس العنبري: ما تعلّمت الحديث إلّا من عمرو بن علي، وقال النسائي: ثقة حافظ. مات بالعسكر سنة ٢٤٩ »(٢) .

وقال الذهبي: « ع - عمرو بن علي أبو حفص الفلّاس الصيرفي، أحد الأعلام »(٣) .

(٨)

رواية محمد بن معمر

علم روايته للحديث من عبارة مسند البزار المذكورة سابقاً.

ترجمته:

هو: محمد بن معمر بن ربعي القيس أبو عبد الله البصري، المعروف بالبحراني، المتوفى بعد سنة ٢٥٠:

___________________

(١). تاريخ بغداد ١٢ / ٢٠٧.

(٢). خلاصة تذهيب الكمال ص ٢٩١.

(٣). الكاشف عمن له رواية في الكتب السنة ٢ / ٣٣٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672