مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149716 / تحميل: 5727
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

لمخالفته(١) النذر.

ولو فاته الجميع لغير عذر ، وجب عليه القضاء متتابعاً - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٢) - لأنّه صرّح في نذره بالتتابع ، فيكون مقصوداً له بالذات.

والثاني للشافعية : أنّه لا يلزمه الاستئناف لو أفسد آخره ، ولا تتابع القضاء لو أهمل الجميع ؛ لأنّ التتابع واقع من ضروراته ، فلا أثر للفظه وتصريحه(٣) . وهو ممنوع.

وإن لم يقيّد بالتتابع ، لم يجب الاستئناف لو أفسد آخره ولا تتابع القضاء لو أهمله ، بل يجب القضاء مطلقاً ؛ لأنّ التتابع فيه كان من حقّ الوقت وضروراته ، لا أنّه وقع مقصوداً ، فأشبه التتابع في صوم رمضان.

مسألة ٢٠٢ : لو نذر اعتكاف شهر ، لزمه شهر بالأهلّة أو ثلاثون يوماً‌. وهل يلزمه التتابع؟ الأقرب : العدم ، بل له أن يفرّقه ثلاثة ثلاثة ، أو يوماً ويضيف إليه آخرَيْن مندوبين على الإِشكال السابق.

وقال الشافعي : لا يلزمه التتابع ؛ لأنّه معنى يصحّ فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام. وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية : يلزمه التتابع. وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) .

فإن اعتكف شهراً بين هلالين ، أجزأه وإن كان ناقصاً. وإن اعتكف ثلاثين يوماً من شهرين ، جاز.

ويدخل فيه الليالي ؛ لأنّ الشهر عبارة عنهما ، ولا يجزئه أقلّ من ذلك - وبه قال الشافعي(٥) - إلاّ أن يقول : أيّام شهر أو نهار هذا الشهر ؛ فلا يلزمه‌

____________________

(١) في « ط ، ن » لمخالفة.

(٢و٣) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٢ ، المجموع ٦ : ٤٩٣.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، المغني ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٣٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١١.

(٥) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ =

٢٨١

الليالي.

ولو قال : ليالي هذا الشهر ؛ لم ينعقد عندنا ؛ لأنّ من شرط الاعتكاف الصوم ، والليل ليس محلاً للصوم.

وقال الشافعي : ينعقد ويلزم الاعتكاف ليلاً ، ولا يلزمه الأيّام(١) .

ولو نذر اعتكاف يوم ، قال الشافعي : لا يلزم ضمّ الليلة إلّا أن ينوي ، فحينئذٍ يلزم ؛ لأنّ اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته(٢) .

وللشافعي قول آخر : إنّه تدخل الليلة إلّا أن ينوي يوماً بلا ليلة(٣) .

ولو نذر اعتكاف يومين ، وجب عليه ضمّ ثالث إليهما عندنا ، وعند العامّة لا يلزم.

فعلى قولهم هل تلزمه الليلة بينهما؟ للشافعية ثلاثة أوجه :

أحدها : لا تلزم إلّا إذا نواها ؛ لما سبق من أنّ اليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر وغروب الشمس.

والثاني : تلزم إلّا أن يريد بياض النهار ؛ لأنّها ليلة تتخلّل نهار الاعتكاف ، فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر.

والثالث : إن نوى التتابع أو قيّد به لفظاً ، لزمت ليحصل التواصل ، وإلّا فلا(٤) .

ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلّل بينهما هذا الخلاف.

ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو ثلاثين يوماً ، ففي لزوم الليالي المتخلّلة ، الوجوه الثلاثة(٥) .

____________________

= ٤٩٣.

(١) فتح العزيز ٦ : ٥١٣ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٦.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٦ - ٤٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٤.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٧.

٢٨٢

وقال بعض الشافعية : إن نذر اليومين لا يستتبع شيئاً من الليالي ، والخلاف في الثلاثة فصاعداً ؛ لأنّ العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرّد النهار ، وإذا أطلقت الأيّام عنت بلياليها(١) .

مسألة ٢٠٣ : لا خلاف بين الشافعية في أنّ الليالي لا تلزم بعدد الأيّام‌ ، فإذا نذر يومين لم تلزم(٢) ليلتان بحال ، وبه قال مالك وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : تلزم(٤) ليلتان(٥) .

ولو نذر اعتكاف يوم ، لم يجز تفريقه ، ويلزمه أن يدخل معتكفة قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس.

وقال مالك : يدخل معتكفة قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم ، كما لو نذر اعتكاف شهر ؛ لأنّ الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعاً(٦) .

والوجه : ما قلناه من أنّ الليلة ليست من اليوم ، وهي من الشهر.

ولو نذر اعتكاف ليلة ، لزمه دخول معتكفة قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر عند العامة(٧) . وليس له تفريق الاعتكاف عند أحمد(٨) .

وقال الشافعي : له التفريق(٩) .

مسألة ٢٠٤ : لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور ، دخل فيه الأيّام والليالي‌ ، وتكون الليالي هنا بعدد الأيّام ، كما في نذر الشهر ، وقد تقدّم.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٢) في « ط ، ف ، ن » لم تلزمه.

(٣) المجموع ٦ : ٤٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٩.

(٤) في « ف ، ن » : تلزمه.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١١٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٢ - ١٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٩.

(٦) المغني ٣ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٤ - ٣١٥.

(٧ - ٩ ) المغني ٣ : ١٥٩ - ١٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٠.

٢٨٣

ويخرج عن العهدة إذا استهلّ الهلال ، كان الشهر كاملاً أو ناقصاً ؛ لأنّ الاسم يقع على ما بين العشرين إلى آخر الشهر.

ولو نذر أن يعتكف عشرة أيّام من آخر الشهر ودخل المسجد اليوم العشرين ، أو قُبَيْل الحادي والعشرين فنقص الشهر ، لزمه قضاء يوم ؛ لأنّه حدّد القصد إلى العشرة.

تذنيب : إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد فيه ، لم ينعقد‌ ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يلزمه شي‌ء ، وإن قدم نهاراً ، لم ينعقد ؛ لمضيّ بعض اليوم غير صائم للاعتكاف.

ومَنْ لا شَرَط(١) الصوم أوجب عليه اعتكاف بقية النهار(٢) .

وللشافعي في قضاء ما مضى من النهار قولان :

أصحّهما عندهم : العدم ؛ لأنّ الوجوب ثبت من حين القدوم.

والثاني : الوجوب ؛ لأنّا نتبيّن بقدومه أنّ ذلك يوم القدوم ، فيجب أن يعتكف بقية اليوم ، ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر(٣) .

وقال بعضهم : يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولاً(٤) .

ولو كان الناذر وقت القدوم ممنوعاً من الاعتكاف بمرض أو حبس ، قضاه عند زوال العذر.

وقال بعضهم : لا شي‌ء عليه ؛ لعجزه وقت الوجوب ، كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه(٥) .

____________________

(١) أي : لم يشترط ، والدليل عليه قوله تعالى :( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى ) [ القيامة : ٣١ ]. والمغني : لم يصدّق ولم يصلّ.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥١٧ ، المجموع ٦ : ٥٤٠.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٧ - ٥١٨ ، المجموع ٦ : ٥٤٠ - ٥٤١.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥١٨ ، المجموع ٦ : ٥٤١ ، مختصر المزني : ٦١.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥١٨.

٢٨٤

المطلب الخامس :

في الرجوع من الاعتكاف ، وأحكام الخروج من المسجد‌

مسألة ٢٠٥ : قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب إليه غير واجب بدون النذر وشبهه‌ ، فإذا تبرّع به كان ندباً إجماعاً ، فإذا شرع في الاعتكاف ، فلعلمائنا في صيرورته واجباً حينئذٍ أقوال ثلاثة :

أحدها : قال الشيخ -رحمه‌الله - في بعض مصنّفاته : إنّه يصير واجباً بالنيّة والدخول فيه(١) - وبه قال أبو الصلاح(٢) من علمائنا ، وهو قول مالك وأبي حنيفة(٣) - لأنّ الأخبار دلّت على وجوب الكفّارة بإفساد الاعتكاف بجماع وغيره على الإِطلاق ، ولو لم ينقلب واجباً لم تجب الكفّارة ، وبالقياس على الحج والعمرة.

والأخبار محمولة على الاعتكاف الواجب. وأيضاً لا استبعاد في وجوب الكفّارة في هتك الاعتكاف المستحب. والفرق : احتياج الحجّ والعمرة إلى إنفاق مال كثير ففي إبطلاهما تضييع للمال وهو منهي عنه.

الثاني : أنّه إن اعتكف يومين وجب الثالث ، وإن اعتكف أقلّ لم يجب الإِكمال - وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٤) ومذهب ابن الجنيد(٥) وابن البرّاج(٦) - لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٣) المدونّة الكبرى ١ : ٢٣٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٨ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣.

(٤) النهاية : ١٧١ ، وحكاه عنه في ظاهر النهاية أيضاً المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٦) المهذب لابن البراج ١ : ٢٠٤.

٢٨٥

يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »(١) .

وفي طريقها علي بن فضّال ، وفيه ضعف.

الثالث : أنّ له إبطالَه مطلقاً ، وفسخه متى شاء ، سواء في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث ، اختاره السيد المرتضى(٢) رضي‌الله‌عنه ، وابن إدريس(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) ، وهو الأقوى ؛ لأصالة بقاء ما كان على ما كان ، وبراءة الذمة.

مسألة ٢٠٦ : لا يجب الاعتكاف بمجرّد النيّة‌ - وهو قول عامّة أهل العلم - للأصل.

وقال مَنْ لا يُعتدّ به : إنّه يجب الاعتكاف بمجرّد العزم عليه ؛ لأنّ عائشة رَوَتْ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة فأذن لها فأمَرَتْ ببنائها(٥) فضُرب ، وسألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعلَتْ فأمرَتْ ببنائها فضُرب ، فلمـّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمَرَتْ ببنائها فضُرب.

قالت : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا صلّى الصبح دخل معتكفة ، فلمـّا صلّى الصبح انصرف فبصر بالأبنية ، فقال : ( ما هذا؟ ) فقالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٣) السرائر : ٩٧.

(٤) المجموع ٦ : ٤٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣.

(٥) البناء واحد الأبنية ، وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء ، فمنها : الطراف والخباء والقبّة والمضرب. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٥٧ - ١٥٨.

٢٨٦

( ألبرّ أردتنّ؟ ما أنا بمعتكف ) فرجع ، فلمـّا أفطر اعتكف عشراً من شوّال(١) .

ولأنّها عبادة تتعلّق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها ، كالحجّ(٢) .

والرواية تدلّ على النقيض ؛ لأنّ تركه دليل على عدم الوجوب بالعزم.

والفرق بينه وبين الحجّ قد سبق.

مسألة ٢٠٧ : لو اعتكف ثلاثة أيّام ، كان بالخيار‌ إن شاء زاد عليها وإن شاء لم يزد ، وإن زاد يوماً جاز له عدم الزيادة على الأربعة.

فإن زاد على الثلاثة يومين ، قال الشيخ : يجب الإِكمال ستة(٣) ؛ فأوجب السادس - وبه قال ابن الجنيد(٤) وأبو الصلاح(٥) - لقول الباقرعليه‌السلام : « من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أيّاماً اُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل ثلاثة اُخر »(٦) .

وفي طريقها علي بن فضّال ، والأصل براءة الذمة.

مسألة ٢٠٨ : لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلّا لضرورة‌ بإجماع العلماء كافة ؛ لما رواه العامة عن عائشة أنّها قالت : السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لا بدّ له منه(٧) .

وعنها : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا اعتكف يُدني إليَّ‌

____________________

(١) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١ ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٣١ - ٣٣٢ / ٢٤٦٤ نحوها.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٣) النهاية : ١٧١ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٠.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٥) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٢٤٧٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٠.

٢٨٧

رأسه فاُرجّله ، وكان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة »(٢) .

ولأنّ الاعتكاف هو اللبث ، فإذا خرج بطل الاسم.

والممنوع إنّما هو الخروج بجميع بدنه ، فلو أخرج يده أو رأسه ، لم يبطل اعتكافه ؛ لما تقدّم في رواية عائشة.

ولو أخرج إحدى رجليه أو كلتيهما وهو قاعد مادٌّ لهما ، فكذلك ، وإن اعتمد عليهما فهو خارج.

والممنوع منه الخروج عن كلّ المسجد.

فلو صعد على المنارة ، فإن كانت في وسط المسجد أو بابها فيه أو في رحبته وهي تُعدّ من المسجد ، جاز سواء كان الصعود للأذان أو لغيره ، كما يصعد على سطح المسجد ودخول بيت منه.

وإن كان الباب خارج المسجد ، لم يجز ؛ لأنّها لا تُعدّ حينئذٍ من المسجد ، ولا يصح الاعتكاف فيها.

وهل للمؤذّن صعودها للأذان؟ الأقرب : المنع - وهو أحد وجهي الشافعية(٣) - لأنّه لا ضرورة إليه ، لإِمكان الأذان على سطح المسجد ، فصار كما لو صعدها لغير الأذان ، أو خرج لغير ضرورة ، أو خرج إلى الأمير ليُعْلمه الصلاة.

والثاني : الجواز ؛ لأنّها مبنيّة للمسجد معدودة من توابعه.

ولأنّه قد اعتاد صعودها للأذان وقد استأنس الناس بصوته ، فيعذر فيه.

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ / ٢٤٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥ ، مسند أحمد ٦ : ١٨١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٠.

٢٨٨

ويجعل زمان الأذان مستثنى عن اعتكافه(١) .

مسألة ٢٠٩ : يجوز للمعتكف الخروج عن المسجد لقضاء الحاجة‌ بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفة للغائط والبول(٢) .

ولأنّ هذا ممّا لا بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه ، لم يصح لأحد أن يعتكف.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف ، ومن المعلوم أنّه كان يخرج لقضاء الحاجة.

ولما رواه العامة عن عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه داود بن سرحان ، قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت للصادقعليه‌السلام : إنّي اُريد أن أعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك »(٤) .

وفي معناه الخروج للاغتسال من الاحتلام.

ولو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها ولا يجوز التجاوز ، إلّا أن يجد غضاضةً بأن يكون من أهل الاحتشام(٥) ، فيحصل له مشقّة بدخولها ، فيجوز له العدول إلى منزله وإن كان أبعد.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٠.

(٢) المغني ٣ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٢.

(٣) تقدّمت الاشارة إلى مصادرها في الصفحة السابقة ، الهامش (١).

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ٨٧٠.

(٥) أي : الاستحياء. الصحاح ٥ : ١٩٠٠.

٢٨٩

ولو بذل له صديق منزله - وهو قريب من المسجد - لقضاء الحاجة ، لم تلزمه الإِجابة ؛ لما فيه من المشقّة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزل نفسه ، سواء كان منزله قريباً أو بعيداً بُعْداً متفاحشاً أو غير متفاحش ، إلّا أن يخرج بالبُعْد عن مسمّى الاعتكاف.

ولو كان له منزلان أحدهما أقرب ، تعيّن عليه القصد إليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث سوّغ له المضيّ إلى الأبعد(١) .

ولو احتلم ، وجب عليه المبادرة بالخروج عن المسجد للغسل ؛ لأنّ الاستيطان حرام.

مسألة ٢١٠ : يجوز للمعتكف الخروج لشراء المأكول والمشروب‌ إذا لم يكن له مَنْ يأتيه به بالإِجماع ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه ، والضرورة ثابتة فيه ، فجاز كغيره من الضروريات.

وهل يجوز الخروج للأكل خارج المسجد؟ إشكال ، أقربه ذلك إن كان فيه غضاضة ويكون من أهل الاحتشام ، وإلّا فلا.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ؛ لأنّه قد يستحيي منه ويشقّ عليه.

والثاني : أنّه لا يجوز - وهو قول الشافعي في الاُمّ(٢) - لأنّ الأكل في المسجد ممكن(٣) .

ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد ، فهو معذور في الخروج.

ولو وجده فالأقرب منعه من الخروج للشرب - وهو أصحّ وجهي الشافعية - لأنّ فعله في المسجد ممكن ، ولا يستحي منه ، ولا يُعدّ تركه من المروة ،

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٩ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

(٢) قال الشافعي في الاُم ٢ : ١٠٥ : وإن أكل المعتكف في بيته فلا شي‌ء عليه. وكذلك حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٥٠٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٩ ، المجموع ٦ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

٢٩٠

بخلاف الأكل فيه(١) .

ولو فجأه القي‌ء خرج من المسجد ليتقيّأ خارجه صيانةً للمسجد وأهله عن الاستقذار.

وكلّ ما لا بدّ منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ، ولا يفسد اعتكافه ، وهو على اعتكافه ما لم يطل المكث ويخرج به عن اسم المعتكف.

مسألة ٢١١ : لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة واُقيمت الجمعة في غيره‌ لضرورة ، أو اعتكف في غيرها عند مَنْ سوَّغه ، خرج لأدائها ، ولم يبطل اعتكافه عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لأنّه خرج لأداء واجب عليه ، فلا يبطل به اعتكافه ، كما لو خرج لأداء الشهادة ، أو لإِنقاذ غريق ، أو إطفاء حريق.

وقال الشافعي : يجب أن يخرج لصلاة الجمعة.

وفي بطلان اعتكافه قولان ، أحدهما : لا يبطل ، كما اخترناه. والثاني: أنّه يبطل - وبه قال مالك(٣) - لسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع.

وعلى هذا لو كان اعتكافه المنذور أقلّ من أسبوع ، ابتدأ من أول الاُسبوع أين شاء من المساجد وفي الجامع متى شاء ، وإن كان أكثر من اُسبوع ، فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتى لا يحتاج إلى الخروج للجمعة.

فإن كان قد عيّن غير الجامع وقلنا بالتعيين ، فلا يخرج عن نذره إلّا بأن‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٤ ، المغني ٣ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣ ، المجموع ٦ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤٠.

٢٩١

يمرض فتسقط عنه الجمعة ، أو بأن يتركها عاصياً ويدوم على اعتكافه(١) .

وهذا يستلزم الجمع بين الضدّين في الحكمين.

واحتجّ على بطلان الاعتكاف : بأنّه أمكنه أداء فرضه بحيث لا يخرج منه ، فبطل بالخروج ، كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة.

وليس بجيّد ؛ لأنّه إذا نذر أيّاماً معيّنة فيها جمعة ، فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه.

ويبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها.

مسألة ٢١٢ : يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المرضى وشهادة الجنائز‌ عند علمائنا أجمع ، سواء اشترط ذلك في اعتكافه أو لا - وبه قال عليعليه‌السلام ، وسعيد بن جبير والنخعي والحسن(٢) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم »(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »(٤) .

ولأنّه مؤكّد الاستحباب ، والاعتكاف للعبادة ، فلا يناسب منعها من مؤكّداتها.

وقال عطاء وعروة ومجاهد والزهري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي :

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥١٣ - ٥١٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤٠.

(٢) المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ ، المجموع ٦ : ٥١٢.

(٣) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٧ - ٨٨ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

٢٩٢

ليس له الخروج في ذلك - وعن أحمد روايتان(١) - لما روته عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(٢) .

وعنها : أنّها قالت : السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازةً ولا يمسّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلّا لما لا بدّ منه(٣) .

ولأنّه ليس بواجب ، فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله(٤) .

والحديث نقول بموجبه ، ولا دلالة فيه على موضع النزاع.

والحديث الثاني ليس مسنداً إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يكون حجّةً.

وكونه ليس بواجب لا يمنع الاعتكاف من فعله ، كقضاء الحاجة.

مسألة ٢١٣ : لو تعيّنت عليه صلاة الجنازة‌ وأمكنه فعلها في المسجد ، لم يجز له الخروج إليها ، فإن لم يمكنه ذلك ، فله الخروج إليها.

وإن تعيّن عليه دفن الميت أو تغسيله ، جاز له الخروج لأجله ، لأنّه واجب متعيّن ، فيقدّم على الاعتكاف ، كصلاة الجمعة.

والشافعي لمـّا منع من عيادة المريض وصلاة الجنازة قال : لو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضاً ، فإن لم يقف ولا ازْوَرَّ(٥) عن الطريق ، بل اقتصر على السلام والسؤال ، فلا بأس ، وإن وقف وأطال ، بطل اعتكافه ، وإن لم يُطل فوجهان ، والأصحّ : أنّه لا بأس به.

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ / ٢٤٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٢٤٧٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢١.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٤ ، المجموع ٦ : ٥١٢ ، المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٥) ازْوَرَّ : عدل وانحرف. لسان العرب ٤ : ٣٣٥.

٢٩٣

ولو ازْوَرَّ عن الطريق قليلاً فعاده ، فقد جعلوه على هذين الوجهين. والأصحّ عندهم : المنع ؛ لما فيه من إنشاء سير لغير قضاء حاجة.

وقد روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان لا يسأل عن المريض إلّا مارّاً في اعتكافه ولا يعرّج عليه(١) (٢) .

ولو كان المريض في بيت الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة ، فالعدول لعيادته قليل ، وإن كان في دار اُخرى فكثير.

ولو خرج لقضاء حاجة فعثر في الطريق على جنازة ، فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا يزْوَرّ عن الطريق.

وفيه وجه آخر : أنّه لا يجوز ؛ لأنّ في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة(٣) .

مسألة ٢١٤ : يجوز الخروج للمعتكف لإِقامة الشهادة عند الحاكم‌ ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وسواء كان متتابعاً أو غير متتابع ، تعيّن عليه التحمّل والأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما إذا دُعي إليها ؛ لأنّ إقامة الشهادة أمر واجب لا بدّ منه ، فصار ضرورة ، كقضاء الحاجة ، فلا يكون مبطلا ، وإذا دعي إليها مع عدم التعيين ، تجب الإِجابة ، فلا يمنع منه الاعتكاف.

وقال الشافعي : إن تعيّن عليه التحمّل والأداء ، خرج ، ولا يبطل اعتكافه المتتابع بخروجه ، ويستأنف إذا عاد ، وإن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء ، فكما لو لم يتعيّنا عليه ، وإن كان بالعكس فقولان ؛ لأنّه خرج لغير حاجة ، فأبطل التتابع(٤) .

والمقدّمة الاُولى ممنوعة.

____________________

(١) لا يعرّج عليه ، أي : لم يُقم ولم يحتبس. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٠٣.

(٢) أوردها الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ / ٢٤٧٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٢١ بتفاوت في اللفظ.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، والمجموع ٦ : ٥١١ - ٥١٢.

(٤) المجموع ٦ : ٥١٥ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٨.

٢٩٤

مسألة ٢١٥ : يجوز للمعتكف أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن‌ ؛ لأنّه طاعة فلا يمنع الاعتكاف منه.

ولما رواه الصدوق -رحمه‌الله - عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالساً عند الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فأتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله إنّ فلاناً له عليَّ مال ويريد أن يحبسني ؛ فقال : « والله ما عندي مال فأقضي عنك » قال : فكلّمه فلبسعليه‌السلام نعله ، فقلت له : يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال : « لم أنس ولكني سمعت أبي يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : مَنْ سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عَبَدَ الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله»(١) .

مسألة ٢١٦ : قال الشيخرحمه‌الله : يجوز أن يخرج ليؤذّن في منارة خارجة عن المسجد‌

وإن كان بينه وبين المسجد فضاء(٢) ، ولا يكون مبطلاً لاعتكافه ؛ لأنّ هذه المنارة بُنيت للمسجد وأذانه ، فصارت كالمتّصلة به.

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك بأن يكون مؤذّن المسجد وقد عرف الجيران صوته ووثقوا بمعرفته بالأوقات ، فجاز ذلك.

وقال الشافعي : إن لم يكن بابها في المسجد ولا في رحبته المتّصلة به ، ففي بطلان اعتكاف المؤذّن الراتب بصعودها للأذان وجهان.

ولو خرج إليها غير المؤذّن الراتب للأذان ، فإن أبطلنا اعتكاف الراتب فإبطال هذا أولى ، وإلّا فقولان مبنيّان على أنّها مبنيّة للمسجد ، فتكون معدودةً من توابعه ، فلا يبطل اعتكافه ، أو أنّ الراتب قد اعتاد صعودها للأذان ، واستأنس الناس بصوته ، فيبطل هذا(٣) ؛ لفقد هذا المعنى فيه(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٣٥ ، المسألة ١٠٦ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٣) أي : اعتكاف المؤذّن غير الراتب.

(٤) المجموع ٦ : ٥٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٢٩٥

قال الشيخرحمه‌الله : لو خرج المؤذّن إلى دار الوالي وقال : حيَّ على الصلاة أيّها الأمير ، أو قال: الصلاة أيّها الأمير ، بطل اعتكافه(١) .

وهو حسن ؛ لأنّه خرج من معتكفة لغير ضرورة.

وللشافعي قول بالجواز ؛ لأنّ بلالاً جاء فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله(٢) .

ونمنع كون بلال قاله حال اعتكافه ، أو أنّه خرج من المسجد فجاز أن يكون وقف على بابه.

سلّمنا ، لكن فعله ليس حجّةً.

ويجوز للمعتكف الصعود على سطح المسجد ؛ لأنّه من جملته ، وبه قال الفقهاء الأربعة(٣) . وكذا يجوز أن يبيت فيه.

ولو كان إلى جنب المسجد رحبة وليست منه ، لم يجز الخروج إليها إلّا لضرورة ؛ لأنّها خارجة عن المسجد فكانت كغيرها ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية : الجواز ؛ لأنّها تابعة له ومعه ، فكانت بمنزلته(٤) .

والمقدّمتان ممنوعتان. ولا فرق بين أن يكون عليها حائط وباب أو لم يكن.

مسألة ٢١٧ : إذا خرج المعتكف لضرورة ، حرم عليه المشي تحت الظلال والوقوف فيه‌ - إلّا لضرورة - إلى أن يعود إلى المسجد. وكذا لا يقف تحت غير الظلال ؛ لأنّه مُنافٍ للاعتكاف الذي هو اللبث في المسجد خاصة ، ولأنّ في المشي تحت الظلال نوعَ ترفّه.

قال الصادقعليه‌السلام : « ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المغني ٣ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٠.

(٤) المغني ٣ : ١٣٨ - ١٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٠.

٢٩٦

مجلسك »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »(٢) .

وبه قال الثوري(٣) .

وحكى عنه الطحاوي في كتاب الاختلاف أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلّا أن يكون ممرّه فيه ، فإن دخل فسد اعتكافه(٤) . وباقي العامّة يجيزون له الاستظلال بالسقف(٥) .

و [ السيد المرتضى ](٦) رحمه‌الله ، احتجّ عليهم : بإجماع الطائفة والاحتياط.

مسألة ٢١٨ : إذا خرج المعتكف لضرورة ، لم يجز له أن يصلّي إلّا في المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة خاصة‌ ، فإنّه يصلّي في أيّ بيوتها شاء ؛ لأنّها حرم ، فلها حرمة ليست لغيرها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها » ثم قالعليه‌السلام بعد كلام. « ولا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ٨٧٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

(٣ - ٥ ) كما في الانتصار للسيد المرتضى : ٧٤.

(٦) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : الشيخ ، بدل السيد المرتضى. والظاهر كونه من سهو النسّاخ. وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لمنتهى المطلب [ ٢ : ٦٣٥ ] للمصنّف ، والانتصار [ : ٧٤ ] للسيد المرتضى ، مضافاً إلى عدم ورود أصل المسألة في الخلاف للشيخ الطوسي.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٦.

٢٩٧

شاء ، والمعتكف في غيرها لا يصلّي إلّا في المسجد الذي سمّاه »(١) .

ولو اعتكف في غير مكّة فخرج لضرورة فضاق وقت الصلاة عن عوده ، صلّى أين شاء ، ولا يبطل اعتكافه ؛ لأنّه صار ضرورياً ، فيكون معذوراً ، كالمضيّ إلى الجمعة.

مسألة ٢١٩ : أوقات الخروج للضرورة لا يجب تداركها‌ ، ولا يخرج المعتكف فيها عن اعتكافه إذا لم يَطُل الزمان ، بل يكون الاعتكاف مستمرّاً في أوقات الخروج لقضاء الحاجة وشبهها ، ولهذا لو جامع في هذا الوقت ، بطل اعتكافه. وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه لا يستمرّ ، بل يكون زمان الخروج لقضاء الحاجة كالمستثنى لفظاً عن المدّة المنذورة؛ لأنّه لا بدّ منه ، فإن جعلناه كقضاء الحاجة ، لم يحتج إلى تجديد النيّة ، وإن جعلناه كالمستثنى ، فلأنّ اشتراط التتابع في الابتداء رابطة لجميع ما سوى تلك الأوقات(٣) .

وقال بعض الشافعية : إن طال الزمان ، ففي لزوم التجديد وجهان(٤) .

والحقّ : أنّ مع طول الزمان بحيث يخرج عن الاسم يبطل الاعتكاف.

وإذا خرج لقضاء الحاجة ، لم يكلّف الإِسراع ، بل يمشي على سجيّته المعهودة ؛ لأنّ عليه مشقّةً في إلزامه غير ذلك.

وإذا خرج لقضاء الحاجة ، لم يجز له أن يجامع في مروره بأن يكون في هودج ، أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ، فإن فعل بطل الاعتكاف.

وللشافعية في إبطال الاعتكاف وجهان : أصحهما : البطلان.

أمّا على تقدير القول باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٣ - ٢٩٤ / ٨٩٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٧.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٢ - ٥٠٣.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٣.

٢٩٨

الحاجة : فظاهر ؛ لأنّ الجماع يكون قد صادف الاعتكاف.

وأمّا على تقدير القول بعدم استمراره : فلأنّ الجماع عظيم الوقع ، فالاشتغال به أشدّ إعراضاً عن العبادة.

والثاني : أنّه لا يبطل ؛ لأنّه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زماناً(١) .

وإذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى ، لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد ، بل يقع ذلك تابعاً ، بخلاف ما إذا احتاج إلى الوضوء بمعنى غير قضاء الحاجة ، كما لو قام من النوم ، فإنّه لا يجوز له الخروج ليتوضّأ في أظهر وجهي الشافعية إذا أمكن الوضوء في المسجد(٢) .

وإذا منعنا من الأكل خارج المسجد أو مشى إلى منزله لقضاء الحاجة ، جاز له أن يأكل لقمة أو لقمتين ، وليس له أن يأكل جميع أكله ؛ لأنّ القليل لا اعتداد به.

مسألة ٢٢٠ : إذا حاضت المرأة أو نفست وهي معتكفة ، لزمها الخروج من المسجد‌ بلا خلاف ؛ لأنّ الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد ، فهو كالجنابة وآكد منه وقد قالعليه‌السلام : ( لا اُحلّ المسجد لحائض ولا جنب )(٣) .

وإذا خرجت لعذر الحيض ، مضت إلى بيتها. وبه قال الشافعي ومالك وربيعة والزهري وعمرو بن دينار(٤) .

أمّا خروجها من المسجد : فلما تقدّم من الإِجماع والحديث.

وأمّا رجوعها إلى منزلها : فلأنّه وجب عليها الخروج من المسجد وبطل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ - ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥٠٤.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥٠٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢.

(٤) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٥.

٢٩٩

اعتكافها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّها ترجع إلى بيتها »(١) .

وقال أحمد : إن لم يكن في المسجد رحبة ، رجعت إلى منزلها ، وإن كان له رحبة خارجه يمكن أن تضرب فيها خباءها ، ضربت خباءها فيها مدّة حيضها(٢) .

وقال النخعي : تضرب فسطاطها في دارها ، فإذا طهرت ، قضت تلك الأيّام ، وإن دخلت بيتاً أو سقفاً استأنفت(٣) .

لأنّ عائشة قالت : كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراجهنّ من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكونعليه‌السلام أمر بذلك ليعرف الناس أنّ رحبة المسجد ليست منه ، أو لأنّ الاعتكاف قد كان واجباً عليهنّ وعلمعليه‌السلام من حالهنّ توهّم سقوطه بخروجهنّ من المسجد.

إذا عرفت هذا ، فإن كان اعتكافها ثلاثة أيّام لا غير ، فإذا حاضت في أثنائه بطل ، ولم يجز لها البناء على ما فعلته ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام عندنا.

ثم إن كان واجباً ، وجب عليها بعد الطهر الاستئناف ، وإلّا فلا.

وإن كان أكثر ، فإن حاضت بعد الثلاثة ، جاز لها البناء على ما فعلته بعد الطهر ، لأنّه عذر كقضاء الحاجة.

ولا يُعدّ أيّام الحيض من الاعتكاف إجماعاً. ومَنْ لا يشترط الصوم من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٦.

(٢) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦.

(٣) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٠.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٥٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٧.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

ففي هذه الآية نرى ـ لو أمعنا النظر ـ كيف بيّن القرآن الكريم المقدّمات الطبيعية لنزول المطر والثلج من السماء من قبل أن يعرفها العلم الحديث ويطّلع عليها بالوسائل التي يستخدمها لدراسة الظواهر الطبيعية واكتشاف عللها ومقدماتها.

فقبل أن يتوصل العلم الحديث إلى معرفة ذلك ـ بزمن طويل ـ سبق القرآن إلى بيان تلك المقدمات في عبارات هي :

١. يزجي ( يحرك ) سحاباً.

٢. ثم يؤلّف ( ويركب ) بينه.

٣. ثم يجعله ركاماً ( أي كتلة متراكمة متكاثفة ).

٤. فترى الودق ( أي المطر ) يخرج من خلاله.

٥. يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.

وهكذا يصرح الله سبحانه في كل المراحل بتأثير الأسباب والعلل الطبيعية، غاية ما هنالك أنّ تأثير هذه العلل والأسباب بإذن الله ومشيئته بحيث إذا لم يشأ هو سبحانه لتعطلت هذه العلل عن التأثير.

( اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَىٰ الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (١) .

وأية جملة أوضح من قوله:( فَتُثِيرُ سَحَاباً ) أي الرياح، فالرياح في نظر

__________________

(١) الروم: ٤٨.

٣٤١

القرآن هي التي تثير السحاب وتسوقه من جانب إلى جانب آخر.

إنّ الإمعان في عبارات هذه الآية يهدينا إلى نظرية القرآن ورأيه الصريح حول « تأثير العلل الطبيعية بإذن الله ».

ففي هذه الجمل جاء التصريح :

١. بتأثير الرياح في نزول المطر.

٢. وتأثير الرياح في تحريك السحب.

٣. وانبساط السحب في السماء.

٤. وتجمع السحب ـ فيما بعد ـ على شكل قطع متراكمة.

٥. ثم نزول المطر بعد هذه التفاعلات والمقدمات.

فإذا ينسب القرآن هذه الأفاعيل إلى الله في هذه الآيات عند تعرضه لذكر مراحل تكون المطر ونزوله بأنّه ( هو ) يبسط السحاب في السماء و ( هو ) الذي يجعله كسفاً، فإنّما يقصد ـ من وراء ذلك ـ التنبيه إلى مسألة « التوحيد الافعالي » الذي سنبحثه من وجهة نظر القرآن في هذا الفصل وما بعده.

على أنّ الآيات التي تؤكد دور العلل الطبيعية وتأثيرها المباشر، وتعتبر العالم مجموعة من الأسباب والمسببات التي تعمل بإرادة الله وإذنه وتكون فاعليتها فرعاً من فاعلية الله، أكثر من أن يمكن إدراجها هنا، ولكننا نرى في ما ذكرنا الكفاية لمن تدبّر.

هذا وقال أحمد أمين المصري: إنّ من الدائر على ألسنة الأزهريين :

ومن يقل بالطبع أو بالعلّه

فذاك كفر عند أهل الملّه

٣٤٢

وقال الزبيدي في إتحاف السادة(١) وهو شرح لإحياء العلوم :

ثبت مما تقدم أنّ الإله هو الذي لا يمانعه شيء وإنّ نسبة الأشياء إليه على السوية، وبهذا أبطل قول المجوس وكل من أثبت مؤثراً غير الله من علة أو طبع أو ملك أو أنس أو جن، إذ دلالة التمانع تجري في الجميع ولذلك لم يتوقف علماء ما وراء النهر في تكفير المعتزلة حيث جعلوا التأثير للإنسان.

هذا، وقد تقرب الإمام الأشعري إلى أهل السنّة بنسبته فعل الشر إلى الله تعالى لـمّا تاب عن الاعتزال، فرقى يوم الجمعة كرسياً في المسجد الجامع بالبصرة ونادى بأعلى صوته: « من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وانّ الله لا يرى بالأبصار وانّ أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة فخرج بفضائحهم ومعايبهم »(٢) .

ولا يخفى أنّ التوحيد الافعالي بهذا المعنى أي سلب العلية والتأثير عن أي موجود سواه استقلالاً وتبعاً وبالمعنى الاسمي والمعنى الحرفي جر الويل بل الويلات على أصحاب هذا الرأي من أهل السنّة فدخلوا في عداد الجبرية وان كانوا لا يقبلون بإطلاق هذا الاسم عليهم.

غير أنّ هذا الرأي الزائف لا ينتج غير الجبر والإلجاء في أفعال الإنسان، ولذا رأينا أنّ الإمام الأشعري قد تاب عن قول: « إنّ أفعال الشر أنا أفعلها »، وذلك حينما دخل في عقيدة السنّة ـ حسب رأيه ـ.

__________________

(١) اتحاف السادة: ٢ / ١٣٥.

(٢) الفهرست لابن النديم: ٢٥٧.

٣٤٣

ما معنى هذه الجملة التي ذكرها الإمام الأشعري في جملة عقائد أصحاب الحديث والسنّة إنّ سيئات العباد يخلقها الله عزّ وجلّ، وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً(١) .

أو ليس هذا موجباً للغوية بعث الأنبياء والرسل، ولغوية الحث على العمل الصالح والزجر عن غير الصالح.

ونرى إمام الحنابلة يمشي على هذا الضوء فيفسر القضاء والقدر على نحو يساوي الجبر والحتم حيث يقول: القدر خيره وشره، حسنه وسيئه من الله قضاء قضاه وقدر قدره لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل والعباد صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم لأفعاله وهو عدل منه عزّ ربنا وجل والزناء والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المرء المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها بقضاء وقدر(٢) .

إنّ تفسير القضاء والقدر بهذا المعنى تشعب عن الفكرة الخاطئة من إنكار العلية والمعلولية في عالم الطبيعة مطلقاً وانّ الظواهر الطبيعية لا مصدر ولا منشأ لها إلّا إرادته سبحانه من دون وساطة علة أو مشاركة سبب، وهو ما عرفت بطلانه في الصفحات السابقة.

وأمّا كشف النقاب عن حقيقة قضائه وقدره سبحانه مع شمولها لعامة الحوادث والظواهر الطبيعية والأفعال الإنسانية، فقد أسهبنا فيه الكلام في بعض أبحاثنا الفلسفية(٣) .

__________________

(١) مقالات الإسلاميين: ١ / ٣٢١.

(٢) طبقات الحنابلة: ١ / ٢٥.

(٣) راجع القضاء والقدر في العلم والفلسفة تأليف شيخنا الأُستاذ وتعريب محمد هادي الغروي طبع في بيروت ١٣٩٩ ه‍.

٣٤٤

وللعلاّمة الحجة السيد مهدي الروحاني مقال مسهب في المقام في كتابه « بحوث مع أهل السنّة والسلفية » فراجعه.

مذهب أئمة أهل البيت

أقول: من جعل القرآن رائده وإمامه، ونظر في آياته مجرّداً عن الميول والأفكار المسبقة، يقف على أنّ كلا المذهبين ( مذهب المعتزلة والأشاعرة ) على جهتي الإفراط والتفريط، فلا تفويض ولا جبر، لا إشراك ولا ثنوية ولا اضطرار والجاء، لا أنّ الممكن مستقل في فعله وتأثيره، ولا هو منعزل عن فعله وأثره بتاتاً.

إنّ كلا الرأيين والمذهبين لا يصدقهما القرآن ولا الدلائل العقلية الواضحة بل إنّ هناك مذهباً ثالثاً أسماه أئمّة أهل البيت بالأمر بين الأمرين وهو الذي يرشدنا إليه التدبر في القرآن وبه يحافظ على التوحيد في الخالقة والفاعلية، وانّه لا خالق مستقل إلّا هو، وعلى مشاركة العلل والأسباب مختارها ومضطرها في الفعل والأثر « فلا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين » وسيوافيك توضيح الفرق بين المذهبين والأمر بين الأمرين بطرح مثال بديع.

* * *

ويمكن تلخيص التوحيد الافعالي في فصلين :

١. انّه ليس في عالم الوجود إلّا خالق أصيل ومستقل واحد، وأمّا تأثير العلل الأُخرى وفاعليتها فليست إلّا في طول خالقية الله وعلّيته وفاعليته، ومتحقّقة بإذنه.

٣٤٥

٢. انّه لا مدبر للعالم إلّا « الله » ولا تدبير لغيره إلّا بإذنه سبحانه وأمره.

وأمّا القسم الأوّل فهو « التوحيد في الخالقية ».

والقسم الثاني فهو « التوحيد في التدبير والربوبية ».

وسيوافيك انّ « الرب » ليس بمعنى: الخالق، بل بمعنى المدبر الذي وكل إليه أمر إصلاح فرد أو جماعة(١) .

التوحيد في الخالقية

من مراجعة القرآن الكريم يتضح أنّ هذا الكتاب السماوي لا يعرف خالقاً مستقلاً أصيلاً إلّا الله، وأمّا خالقية ما سواه فهي في طول خالقيته وليس له استقلال في الخلق والإيجاد، وإليك فيما يلي طائفة من الآيات التي تشهد بهذا الأمر :

( قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ) (٢) .

( اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٍ وَكِيلٌ ) (٣) .

( ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالُقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إلّا هُوَ ) (٤) .

__________________

(١) قد فسر الوهابيون « الرب » بالخالق واعتبروا التوحيد في الربوبية والتوحيد في الخالقية قسماً واحداً، في حين أنّ الربوبية لا تعني الخالقية، بل تعني إدارة فرد أو جماعة وتدبير أُمورهم وسيأتي توضيح هذا القسم في المستقبل.

(٢) الرعد: ١٦.

(٣) الزمر: ٦٢.

(٤) غافر: ٦٢.

٣٤٦

( ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلهَ إلّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ ) (١) .

( هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) (٢) .

( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) (٣) .

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ ) (٤) .

( أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ) (٥) .

ولا يمكن أن تكون هناك عبارات أوضح من هذه العبارات في إفادة المقصود وهو: أنّ كل الأشياء ـ بذاتها وآثارها ـ معلولة لله ومخلوقة له سبحانه.

فهو الذي خلق الشمس والقمر والنار، وهو الذي أعطاها النور والضوء والحرارة، وأقام ارتباطاً وثيقاً بين هذه الآثار وتلك الأشياء.

وبالتالي فهو الذي أعطى للأسباب سببيّتها وللعلل علّيتها.

إنّ القرآن يرى ـ بحكم نظرته الواقعية ـ بأنّ كل ما في هذه الحياة من سماء وكواكب وأرض وجبال وصحراء وبحر، وعناصر ومعادن، وسحاب ورعد وبرق وصاعقة، ومطر وبرد، ونبات وشجر، وحجر وحيوان وإنسان، وغيرها من الموجودات غير مستقلة في التأثير، وإنّ كل ما ينتسب إليها من الآثار ليست لذوات هذه الأسباب، وانّما ينتهي تأثير هذه المؤثرات إلى الله سبحانه.

__________________

(١) الأنعام: ١٠٢.

(٢) الحشر: ٢٤.

(٣) الأنعام: ١٠١.

(٤) فاطر: ٣.

(٥) الأعراف: ٥٤.

٣٤٧

فجميع هذه الأسباب والمسببات رغم ارتباطها بعضها ببعض ـ بحكم العلية ـ فهي مخلوقة لله جميعاً، فإليه تنتهي العلية وإليه تؤول السببية وهو معطيها للأشياء.

ولا شك أنّ البشر هو أيضاً ذو آثار وأفعال، كالأكل والشرب والقيام والقعود وغيرها من الأفعال، وكلّها مرتبطة بالإنسان نفسه، فهي أفعاله الاختيارية التي يتعلّق بها الأمر والنهي.

ولكنّه ليس مستقلاً في فعله وأثره، فكما أنّ فعله يعد فعلاً له ومرتبطاً به، فهكذا يعد فعله فعلاً لله سبحانه ومرتبطاً به بحكم كون وجوده وما أُعطي من القوى والطاقات مستندة إلى الله سبحانه، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون فعل العبد مرتبطاً بالعبد ومنقطعاً عن الله، إذ كيف يكون ذات الشيء مرتبطاً ويكون فعله منقطعاً، فإنّ غير المستقل بالذات غير مستقل في الفعل، والمستقل في الذات مستقل في الفعل أيضاً.

وبعبارة أُخرى: انّ المراد من كون أفعال العباد مخلوقة لله ليس هو كونها فعلاً له سبحانه بلا مشاركة العبد، بل المراد هو عدم استقلال العبد والعلل كلها في مقام الإنشاء والإيجاد وإلاّ لزم أن يكون في صفحة الوجود فاعلون مستقلون في الفعل والإيجاد وهو بمنزلة الشرك.

وبذلك يرتفع الاستيحاش عن القول بأنّ أفعال العباد مخلوقة لله، إذ ليس المراد انّه سبحانه فاعل دونهم كما ليس المراد أنّها أفعال لهم دونه سبحانه، بل هي أفعال له تعالى من جهة وأفعال لهم من جانب آخر.

وقد أوضحه بعض المحقّقين بالمثال التالي الذي يوضح موقف كل من مذهبي الجبر والتفويض وما هو الحق من الأمر بين الأمرين، فلنفرض أنّ إنساناً

٣٤٨

أعطى لأحد سيفاً مع علمه بأنّه يقتل به نفساً، فالقتل إذا صدر منه لا يكون مستنداً إلى المعطي بوجه، فإنّه حين صدوره يكون أجنبياً عنه بالكلية غاية الأمر أنّه هيّأ بإعطائه السيف مقدمة إعدادية من مقدمات القتل، وهذا واقع التفويض.

كما أنّه لو شد آلة جارحة بيد الإنسان المرتعش بغير اختيار، فأصابت الآلة من جهة الارتعاش نفساً فجرحته، فالجرح لا يكون صادراً من ذاك الإنسان المرتعش، بإرادته واختياره، بل هو مقهور عليه في صدوره منه، وهذا واقع الجبر وحقيقته.

وإذا فرضنا أنّ يد الإنسان مشلولة لا يتمكّن من تحريكها إلّا مع إيصال الحرارة إليها بالقوة الكهربائية، فأوصل رجل القوة إليها بواسطة سلك يكون أحد طرفيه بيد المولى، فاختار ذلك الإنسان قتل نفس والموصل يعلم بذلك، فالفعل بما انّه صادر من الإنسان المشلول باختياره يعد فعلاً له، وبما أنّ السلك بيد الموصل وهو الذي يعطي القوة للعبد آناً فآناً فالفعل مستند إليه، وكل من الإسنادين حقيقي من دون أن يكون هناك تكلّف أو عناية، وهذا هو واقع الأمر بين الأمرين، فالأفعال الصادرة من المخلوقين بما أنَّها تصدر منهم بالإرادة والاختيار، فهم مختارون في أفعالهم ; وبما أنّ فيض الوجود والقدرة والشعور من مبادئ الفعل يجري عليهم من قبل الله تعالى آناً فآناً، فأفعالهم منتسبة إلى خالقهم(١) .

إنّ هناك طائفة من الآيات القرآنية تبيّن هذه الحقيقة بنحو آخر وهو أنّه ليس الله تعالى خلق الأشياء فقط، بل هو الذي قدر تأثير كل شيء وخلق له

__________________

(١) أجود التقريرات: ١ / ٩٠.

٣٤٩

« حدوداً » خاصة، وغايات معينة مثل قوله تعالى :

( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) (١) .

( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) (٢) .

( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ *وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ) (٣) .

هذه الآيات وما قبلها تبيّن « التوحيد الخالقي » بوضوح ولا تعترف بخالق أصيل ومستقل إلّا الله، كما أنّها لا تعترف بمقدّر أصيل للأشياء وهاد واقعي لها غيره سبحانه.

ما هو معنى الخالقية ؟

ماذا يراد من أنّ الله سبحانه هو الخالق الوحيد وانّ الذوات والأشياء وما يتبعها من الأفعال والآثار حتى الإنسان وما يصدر منه، مخلوقات لله سبحانه بلا مجاز ولا شائبة عناية ؟

إنّ الوقوف على تلك الحقيقة القرآنية يتوقف على تحليل معنى الخلق لغة واستعمالاً.

إنّ لفظة « الخلق » تارة يراد منها « التقدير » وأُخرى الإبداع والإيجاد، والميزان في ذلك هو إنّه إذا قيل: خلق هذا من ذاك وذكرت معه المادة القابلة للصياغة والتصوير والنحت والتكوين يراد منه التقدير، قال سبحانه حاكياً عن سيدنا المسيحعليه‌السلام :

( أَنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهِيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً

__________________

(١) الفرقان: ٢.

(٢) طه: ٥٠.

(٣) الأعلى: ٢ ـ ٣.

٣٥٠

بِإِذْنِ اللهِ ) (١) .

يقال: خلقت الأديم للسقاء، إذا قدرته، ويقال أيضاً: خلق العود: سوّاه(٢) .

وأمّا إذا تعلّق الخلق بالشيء ونسب إليه من دون أن تقترن بمادة خاصة، فيراد منه الإبداع والإيجاد من كتم العدم، كقوله سبحانه :

( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) (٣) .

نعم دلت البراهين الفلسفية على أنّ « الخلق » لا ينفك عن الإيجاد والإبداع حتى في القسم الأوّل، فإنّ المادة وإن كانت موجودة لكن الصورة ـ لا شك ـ إنّها أبداعية قطعاً، كقوله سبحانه :

( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) (٤) .

ولعلّه لذلك اكتفى ابن فارس في مقاييسه في توضيح معنى الخلق بالمورد الأوّل أي التقدير ولم يذكر المورد الثاني اعتماداً بأنّ التقدير لا ينفك عن الإيجاد والإبداع كما أنّ الإيجاد لا ينفك عن التقدير، كما صرح بقوله:( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) (٥) .

__________________

(١) آل عمران: ٤٩.

(٢) المقاييس لابن فارس: ٢ / ٢١٤، والقاموس المحيط: مادة خلق.

(٣) الفرقان: ٢.

(٤) غافر: ٦٧.

(٥) الفرقان: ٢.

٣٥١

ثمّ إنّه وقع النزاع في صحة استعمال لفظ الخلق في الأفعال، لغة، وانّه هل يتعلّق الخلق بالأفعال كتعلّقه بالذوات، أو أنّه لا يتعلّق إلّا بالذوات، وأمّا الأفعال والأحداث فيتعلّق بها الإيجاد، والإنسان موجد لفعله لا خالق له، فيقال: أوجد فعله ولا يقال: خلقه.

وربما يستدل على صحة تعلّقه بالفعل والعمل بقوله تعالى :

( فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ *فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزفُّونَ *قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ *واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (١) .

والشاهد هو قوله:( خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) غير انّه يمكن أن يقال: انّ المراد من الموصول في قوله:( وَمَا تَعْمَلُونَ ) هو الأصنام التي كانوا يعملونها وينحتونها بقرينة ما سبقها من الآيات، أعني قوله:( فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ) والمقصود انّ الله خلقكم وخلق الأصنام التي تصنعونها، ويكون وزان الآية وزان قوله سبحانه:( يَعمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَان كَالْجَوَابِ ) (٢) .

وبذلك يسقط الاستدلال بالآية.

وربما يستدل على نفي صحة اسناد الخلق إلى غيره سبحانه بقوله تعالى :

( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) (٣) .(٤)

فإنّ الظاهر من قوله( لا يَخْلُقُ شَيْئاً ) انّ كل معبود سواه لا يخلق شيئاً ولا

__________________

(١) الصافات: ٩٣ ـ ٩٦.

(٢) سبأ: ١٣.

(٣) الأعراف: ١٩١.

(٤) ومثله الآية ٢٠ من سورة النحل والآية ٣ من سورة الفرقان.

٣٥٢

يقال لفعله انّه مخلوق ولا لنفسه انّه خالق.

غير أنّ الإجابة عن هذا الاستدلال أيضاً واضحة، فإنّ المراد بعد الغض عن احتمال كون المراد الأصنام المنحوتة لا كل موجود سواه، نفي الخالقية اللائقة لساحته سبحانه، وهي الخالقية المستقلة غير المعتمدة على شيء ومن المعلوم أنّ الخالقية بهذا المعنى لا يقدر عليها أحد.

إذا وقفت على استدلال الطرفين من حيث صدق الخلق على الفعل وعدم صدقه، فهلمّ معنا نوقفك على الحقيقة وانّه هل يجوز استعمال لفظ الخلق في مورد الأعمال وعدمه ؟

فنقول: أمّا أوّلاً: لا شك أنّ الخلق يتعلّق بالفعل كما يتعلّق بالذات، كما في قوله سبحانه :

( إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً ) (١) .

فإنّ قوله سبحانه:( وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) بمعنى تقولون: كذباً، فليس الكذب والصدق إلّا من أفعال البشر.

وفي الحديث :

« خلقت الخير وأجريته على يدي من أحب وخلقت الشر وأجريته على يدي من أُريد ».

قال الطريحي في تفسير الحديث: المراد بخلق الخير والشر خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى التقدير نقوش في اللوح المحفوظ، ومعنى خلق التكوين

__________________

(١) العنكبوت: ١٧.

٣٥٣

وجود الخير والشر في الخارج، وهو من أفعالنا وقد ورد في الحديث يا خالق الخير والشر(١) .

وثانياً: سلمنا أنّ الخلق لا يتعلّق بالفعل غير أنّ عمومية المتعلّق في الآيات الواردة في هذا الفصل التي تخص الخالقية بالله سبحانه كقوله:( خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) وقوله:( قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ ) أو قوله:( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيرِ الله ) تكون قرينة على أنّ المراد من الخلق في الآيات هو مطلق الإيجاد والإبداع، سواء تعلّق بالذات أو بالفعل، فيستدل بعموم المتعلّق ( كل شيء ) مثلاً على إلغاء الخصوصية المتوهمة في لفظ الخلق من أنّه لا يتعلّق إلّا بالذوات دون الأفعال.

إنّ عناية القرآن بطرح متعلّق الخلق بشكل عام عناية لا يرى مثلها في غيره تكون قرينة على أنّ المراد هو نفي وجود أي مؤثر أو موجود مستقل في صفحة الوجود دون الله، وقد ذكر علماء المعاني، انّ خصوصية الفعل ربّما يسري إلى المتعلّق فيخرجه عن السعة، فإذا قال القائل: لا تضرب أحداً، ينصرف لفظ الأحد بقرينة « لا تضرب » إلى الحي وإن كانت تلك اللفظة عامة تشمل الحي الميت.

وقد يعكس فتكون سعة المتعلّق قرينة على شمول الفعل وعموميته، كما لا يخفى مثلاً أنّ قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) (٢) وإن كان خاصاً من جهة الموصول والصلة بالعاقل فلا يشمل إلّا دعوة العقلاء، إلّا أنّ قوله من دون الله قرينة على أنّ الممنوع هو دعوة مطلق غير الله عاقلاً كان أو غيره ،

__________________

(١) مجمع البحرين مادة خلق، ولا يخفى أنّه كما تكون ذوات الأشياء خيراً وشراً كذلك تكون الأفعال خيراً وشراً، بل نسبة الخير والشر إلى الذوات كصحة البدن والمال إنّما هي باعتبار كونها مبدأ للخير والشر.

(٢) الحج: ٧٣.

٣٥٤

وبذلك يظهر أنّ للعموم الحاكم على المتعلّق في الآيات، أعني قوله تعالى:( كُلَّ شَيْءٍ ) ، وإضرابه دليلاً على أنّ المقصود حصر مطلق الخلق المتعلّق بالذوات والأفعال بالله سبحانه.

ثالثاً: انّ المقصود من التوحيد في الخالقية هو التوحيد في التأثير والإيجاد سواء أصح إطلاق الخلق عليه أم لا.(١) والمراد أنّ كل موجود ممكن غير مستقل في ذاته غير مستقل في فعله وتأثيره أيضاً، لأنّ غير المستقل في الذات والقوى والطاقات غير مستقل في أعمال هذه القوى والاستفادة من هذه الطاقات، إلّا أنّ كون الفاعل غير مستقل ليس بمعنى كونه مجبوراً ومضطراً في أعمال هذه القوى والطاقات، بل هو مخير في أعمالها على أي نحو شاء.

وتظهر حقيقة هذا المعنى بالتدبّر في الآيات التي تصف الله تبارك وتعالى بالقيومية كما في قوله سبحانه:( اللهُ لاَ إِله إلّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ) (٢) .(٣)

فإنّ معنى القيومية ليس إلّا قيام ما سواه ـ من ذات وفعل ومؤثر وأثر ـ به سبحانه ومعه كيف يمكن أن نصف الموجودات الإمكانية بالاستقلال في الفاعلية والتأثير.

سؤال في المقام

إذا كان المشركون لا يشكّون في موضوع « التوحيد في الخالقية »، فلماذا نجد

__________________

(١) نعم عند ذاك لا تصلح الآيات الحاصرة للخلق بالله سبحانه للاستدلال في المقام إلّا بضرب من التأويل، ولابد من الاستدلال بالآيات التي تحصر القيومية بالله سبحانه وغيرها من الآيات.

(٢) البقرة: ٢٥٥، وآل عمران: ٢.

(٣) وقوله سبحانه:( وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ ) ( طه: ١١١ ).

٣٥٥

القرآن ينهض لذم المشركين، ويذكرهم بأنّ معبوداتهم لم تخلق شيئاً ؟ كقوله :

( هٰذَاخَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُبِين ) (١) .

( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لإنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً ) (٢) .

( أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ) (٣) .

( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ ) (٤) .

( اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٥) .

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الأرضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمٰوَاتِ ) (٦) .

الجواب: انّ الهدف من التذكير بخالقية الله وحده وسلب الخالقية من غيره ليس لأنّ المشركين كانوا يعتبرون الأوثان خالقة، إنّما الهدف من طرح « حصر الخالقية بالله ونفيها من الأصنام » هو في الحقيقة « ردع » المشركين من عبادة غير الله

__________________

(١) لقمان: ١١.

(٢) الفرقان: ٣.

(٣) الرعد: ١٦.

(٤) الحج: ٧٣.

(٥) الروم: ٤٠.

(٦) فاطر: ٤٠.

٣٥٦

تعالى، ذلك لأنّ العبادة إنّما يستحقها من يكون متصفاً بالكمال ومنزّهاً عن أية نقيصة أو عائبة، وأي كمال أعلى من الاتصاف بالخالقية التي أسبغ صاحبها لباس الوجود على كل شيء مما سواه ؟

وبعبارة أُخرى فإنّ العبادة من مقتضيات المالكية والمملوكية، الناشئتين من الخالقية والمخلوقية، وإذ يعترف المشركون بأنّ الله هو الخالق دون سواه، فلماذا يعبدون غيره ؟ ولماذا لا يجتنبون عن عبادة من سواه ؟

وعلى هذا الأساس فإنّ إصرار القرآن الكريم ليس لأنّ المشركين كانوا يشكون في « التوحيد الخالقي » وغافلين عن هذه الحقيقة الساطعة الثابتة، بل لأنّهم كانوا غافلين عن لوازم التوحيد الخالقي، وهو: التوحيد في العبادة، فأراد الله بالتذكير بهذه الحقيقة أنّ يلفت نظرهم إلى لازمه وهو « التوحيد في العبادة ».

هذا وقد نقلنا لك فيما مضى بعض هذه الآيات(١) .

وقد ذكرت هذه الحقيقة ( أي حصر الخالقية في الله تعالى ) في آيات أُخرى بعبارة( الخَلاَّقُ العَلِيمُ ) ، مثل قوله :

( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ ) (٢) .

( أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰوَاتِ والأرضِ بِقَادِر عَلَىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَىٰ وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ ) (٣) .

__________________

(١) راجع الآيات التالية: الأنعام: ١٠٢، فاطر: ٣، الزمر: ٦٢، غافر: ٦٢، الحشر: ٢٤ وغيرها.

(٢) الحجر: ٨٦.

(٣) يس: ٨١.

٣٥٧

وصفوة القول: إنّ السبب وراء طرح « حصر الخالقية في الله » ونفيها عمّا سواه، وكذا التنديد بالأوثان والأصنام بأنّها لا تقدر على خلق ذبابة،(١) وغير ذلك هو تنبيه الضمائر الغافلة عن عبادة الله وحده، لأنّه مع اعتراف المشركين بانحصار الخالقية في الله ونفيها عن المعبودات الأُخرى ( المصطنعة ) ينبغي أن يعبدوا الله وحده، الذي خلق كل شيء وأخرج جميع الموجودات من العدم إلى حيز الوجود والتحقّق لا أن يعبدوا ما سواه، من الأوثان والأصنام العاجزة عن فعل أو خلق شيء حتى ذبابة أو دفعها عن نفسها، وهذا هو ما تريد هذه الآيات التنبيه إليه.

سؤال

إذا لم يكن في الوجود من خالق غير الله، فكيف يصف القرآن عيسى المسيحعليه‌السلام بأنّه يخلق أيضاً حيث يقول حاكياً عنه :

( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) (٢) ؟

ثم كيف يصف الله نفسه ـ بعد أن يذكر مراحل خلقه للإنسان ـ بأنّه( أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) ، وفي ذلك اعتراف ضمني بوجود « خالقين » آخرين إلى جانب الله، إذ يقول :

( فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) (٣) ؟

__________________

(١) الحج: ٧٣( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً ) .

(٢) آل عمران: ٤٩.

(٣) المؤمنون: ١٤.

٣٥٨

إنّ الجواب: يتضح من التوجه إلى « استقلال » الله في التأثير والفعل، و « عدم استقلال » غيره في مقام الذات والفعل.

فالخالقية المنحصرة في الله غير قابلة لاتصاف الغير بها، ولا قابلة لإثباتها للغير، إذ هو مستقل أصيل في خلقه بمعنى أنّه لا يعتمد على شيء ولا يستعين بأحد ولا يحتاج لأذن آذن، ومن المعلوم أنّ القرآن الكريم لم يصف أحداً بمثل هذه الخالقية دون الله تعالى.

أمّا الخلق والخالقية التي يكون المتصف بها معتمداً على الله، ومحتاجاً إلى قدرته وإرادته وعونه، فهي يمكن أن تثبت للمخلوقين، إذ لا مشاركة حينئذ مع الله في الصفة الثابتة له المذكورة سابقاً.

فكل شيء من أشياء هذا الوجود يكون خالقاً في حد نفسه عندما يكون مؤثراً لأثر وسبباً لمسبب، ولا ريب أنّ إثبات هذا النوع من الخالقية لغير الله لا ينافي « التوحيد الخالقي » على النحو الذي مر تفسيره وبيانه.

وربما يجاب عن هذا السؤال بأنّ لفظة « الخلق » تطلق ويراد منها الإيجاد من العدم تارة وأُخرى التقدير، والمراد من قوله سبحانه:( أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) هو المعنى الثاني، أي أقدر لكم من الطين كهيئة الطير.

غير انّ هذا الجواب لا يخالف مع ما اخترناه في هذا الفصل، فانّ التقدير وإن كان فعلاً للمسيح، إلّا أنّه بما هو ظاهرة كونية يحتاج إلى فاعل، وليس الفاعل القريب إلّا المسيحعليه‌السلام ، ولكنه ليس مستقلاً في فعله هذا، كما هو ليس مستقلاً في ذاته وإلاّ تلزم الثنوية في الفاعلية المستقلة، على ما أوضحنا برهانه فالتقدير مع كونه فعلاً له، فعل لله سبحانه، ونعم ما قاله الحكيم السبزواري في منظومته

٣٥٩

الفلسفية :

وكيف فعلنا إلينا فوضا

وإنّ ذا تفويض ذاتنا اقتضى

لكن كما الوجود منسوب لنا

فالفعل فعل الله وهو فعلنا(١)

سؤال آخر

إنّ حصر الخالقية في الله سبحانه ربما يستشم منه القول بالجبر ويكون المسؤول عن فعل العبد هو خالق الفعل والمفروض إنّه لا خالق سوى الله ؟

الجواب

إنّ هذا الإشكال ـ في الحقيقة ـ إنّما يتجه ويصح إذا قلنا بأحد الأصلين التاليين، وهما :

١. إنكار علّية أية ظاهرة من الظواهر الطبيعية، وإحلال خالقيته سبحانه مكان العلل الطبيعية، كما هو الظاهر من كل من أنكر قانون العلية في الأشياء وأراح نفسه بعادة الله.

٢. أن نعترف بعلية الموجودات الأُخرى ومشاركتها المباشرة في الآثار والأفعال، ولكن نعتقد بوجود نوع واحد من العلة في العالم فقط وهو العلة المضطرة المسيرة، لا أكثر.

فمع قبول أحد هذين الأصلين يتوجه الإشكال المذكور على ما قلناه ويتجه ولكن إذا أنكرنا كلا الأصلين المذكورين اتضح جواب الإشكال.

فبالنسبة للأصل الأوّل بحثنا فيما سبق وأوضحنا كيف أنّ البراهين الفلسفية

__________________

(١) شرح المنظومة: ١٧٥.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672