مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن2%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149967 / تحميل: 5731
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والقرآنية تعترف وتؤكد « رابطة العلية والمعلولية » بين الموجودات وآثارها واتضح من خلالها أنّ الله تعالى علّة العلل وموجد الأسباب، لا أنّه يقوم مقام الأسباب والعلل بحيث تتعطل الأسباب والعلل ولا تعود لها أية مشاركة وفاعلية.

وعلينا الآن أن نبحث حول الأصل الثاني ونتحدث حول تقسيم العلة إلى « اضطرارية » وأُخرى « اختيارية ».

فنقول: هناك نوعان من العلل والأسباب :

١. علل ذات إدراك وشعور واختيار وإرادة.

وبعبارة أُخرى، هناك « فاعل مختار » بمعنى أنّه إذا واجه مفترق طريقين اختار أحدهما على الآخر بإرادة واختيار منه، وبكامل حريته دونما قهر أو جبر.

٢. وهو ما يقابل النوع الأوّل وتلك هي العلل الفاقدة للإدراك والشعور بنفسها وبأفعالها، أو تكون مدركة وشاعرة ولكنها لا تكون مختارة ومريدة لأفعالها.

وهذا النوع من العلل سواء أكانت فاقدة للشعور أم فاقدة للاختيار والإرادة تسمّى فاعلاً مضطراً.

فمثلاً الشمس هي من العلل التي لا تشعر هي بآثارها ( كالإشعاع والإنبات والإنماء ) وتكون لذلك مجبورة ومضطرة في فعلها، والنحل والنمل وما شابههما من الدواب والحيوانات والحشرات ـ وإن كانت تشعر وتدرك ما تفعل ـ إلّا أنّها تعمل ما تعمل بالوحي أو بالغريزة مائة بالمائة بمعنى أنّ هذه الأحياء لا تفعل ما تفعله بعد مراجعة العقل، بل تأتي بأفعالها تحت وطأة الغريزة، ودون إرادة منها ولا اختيار، ومثل ذلك حركة يد المشلول وأضرابه.

ومع الالتفات إلى هذا النوع من التقسيم يتضح جواب السؤال، لأنّه وان صحّ أن يقال إنّ أفعال البشر مخلوقة لله ومتعلّقة لإرادته، وإنّ الله أراد من الأزل أن

٣٦١

تقع هذه الحوادث في عالم الطبيعة، ولكنه يجب أن نعرف مغزى خالقية الله لكل شيء، ويتعرف على ذلك من الوقوف على كيفية تعلّق إرادته سبحانه بكل شيء، وبكل العلل والأسباب مختارها ومضطرها.

كيف تعلّقت إرادته سبحانه بأفعالنا ؟

إذا عرفنا كيفية تعلّق إرادته تعالى، فسنعرف كيفية « خالقيته » بالنسبة لأفعالنا، ولذلك يجب علينا هنا أن نركّز البحث على معرفة كيفية « تعلّق الإرادة الإلهية ».

لقد تعلّقت الإرادة الإلهية منذ الأزل بأن يصدر كل معلول من علّته الخاصة به، وأن تصدر كل ظاهرة من سببها المخصوص بها، بمعنى أنّ الإرادة الإلهية قد تعلّقت منذ الأزل بأن تلقي الشمس أشعتها ـ دون شعور منها ـ على الأرض، وأن يمتص النحل رحيق الأشجار والأزهار بفعل الغريزة أو بدافع الشعور، ولكن بلا اختيار ولا إرادة ولا حرية، وأن تبني بيوتها كذلك مسدسة، وكذلك تعلّقت إرادته تعالى بأن يأتي الإنسان بأفعاله باختيار منه وحرية.

وبعبارة أُخرى قد تعلّقت إرادة الله سبحانه بوجود الإنسان وفعله، وصدور فعله منه بالاختيار، فالله سبحانه كما شاء وجود الإنسان شاء صدور فعله منه بلا جبر ولا اضطرار، فلو فرضنا صدور فعله منه بالاضطرار لزم تفريق إرادته سبحانه من مراده وهو أمر محال.

وعلى الجملة انّ الله سبحانه لم يشأ من الإنسان أن يصدر منه الفعل على وجه الإطلاق مختاراً أو مضطراً، وإنّما شاء أن يصدر منه الفعل بإرادته واختياره، ولو صدر بغير هذا الوجه لزم تخلّف إرادته عن مراده.

٣٦٢

ومعلوم أنّ مثل هذه الإرادة الأزلية التي تعلّقت بأفعال الإنسان مضافاً إلى أنّها لا تخالف حرية الإنسان تكون مؤكدة لحريته واختياره، فكما أنّ إرادة الله نافذة وماضية إذا تعلّقت بوجود الشيء، فهكذا نافذة إذا تعلّقت بصدور شيء على نحو خاص، فلو صدرت والحال هذه ـ على غير هذا النحو ـ لزم صدور الشيء على خلاف إرادته تعالى.

وحيث إنّ الله أراد أن يكون الإنسان حراً مختاراً آتياً بفعله باختياره فلابد أن تتنفذ إرادة الله بأن يأتي الإنسان بأفعاله حسب اختياره وحريته، وإذا أتى بأفعاله باختيار منه وحرية، تحققت حينئذ مشيئة الله في شأنه، تلك المشيئة التي شاءت أن يكون الإنسان مختاراً في أفعاله.

وإذا فرضنا أنّه يصدر منه الفعل بنحو « الجبر » ودون اختياره يلزم أن لا يكون فعل الإنسان حينئذ مطابقاً للمشيئة الإلهية وأن لا تتحقّق هذه المشيئة الربانية مع أنّ من الضروري أنّ إرادة الله لابد أن تتحقّق ولابد أن تتنفذ.

وخلاصة القول: إنّ أصل وجود الإرادة الأزلية لله لا يكون ـ بتاتاً ـ موجباً للجبر ولا يكون رافعاً للاختيار، بل يجب علينا أن ننظر إلى كيفية تعلّق تلك الإرادة أوّلاً ثم نصدر أحكامنا في هذا المجال(١) .

__________________

(١) هذا الجواب يرجع إلى ما ربما يقال أنّ الله خلق الإنسان وخلق فيه ( جبراً ) قوة الاختيار في الأفعال بمعنى أنّه لا يجبره شيء في كل فعل يصدر منه.

نعم أنّ العبد وإن كان مجبولاً على الاختيار وخُلق على الحرية التامة لكن حريته وكونه مختاراً لا يخرج عن حيطة إرادة الله ومشيئته إذ لا يمكن أن يوجد شيء في صفحة الوجود ويكون خارجاً عن مشيئته وإرادته بتاتاً، فصدور الفعل عن العبد عن اختيار، غير خارج عن حيطة إرداته.

وعلى القارئ الكريم أن يرجع للمزيد من التوضيح إلى المثال الذي ذكرناه في صفحة ٣٤٩ فإنّه يصور كيفية إرادته سبحانه وإرادة العبد.

٣٦٣

إنّ جميع الظواهر الكونية ومنها أفعال البشر وإن كانت داخلة في إطار الإرادة الإلهية وليس شيء منها يتحقّق بلا إذنه وإرادته، ولكن يجب علينا أن نعرف كيفية تعلّق إرادته سبحانه بالظواهر الكونية عامة وأفعال البشر خاصة، فنقول: إنّ إرادته سبحانه تعلّقت بصدور كل شيء عن مباديه الخاصة، فلو كان الفاعل مضطراً ومجبوراً، فقد تعلّقت إرادته بصدور فعله عنه بالجبر والاضطرار وان كان الفاعل مريداً مختاراً تعلّقت إرادته بصدور فعله عنه بالإرادة والاختيار.

إنّ الإرادة الإلهية الأزلية إنّما تكون موجبة للجبر ومستلزمة له في صورة واحدة بينما لا تكون مستلزمة للجبر في صورة أُخرى، فإن قلنا بأنّ الإرادة الإلهية تعلّقت بصدور كل ظاهرة من علّتها لا عن اختيار، ففي هذه الصورة تكون الإرادة الإلهية موجبة للجبر، ولكنّنا إذا اعتبرنا العالم هذا عالم الأسباب والمسببات وتصوّرنا لكلّ معلول علّة خاصة به واعتبرنا الإنسان ـ من بين هذه الأسباب والعلل ـ فاعلاً مختاراً وقلنا بأنّ الإرادة الإلهية تعلّقت منذ الأزل بأن يصدر الفعل البشري منه بكامل اختياره وحريته، ففي هذه الصورة بين هذا وبين الجبر مئات الفراسخ والأميال.

جواب على سؤال

لو قال أحد: إذا كان عالم الممكنات بكل خصائصه وآثاره مخلوقاً لله، ومنبعثاً عن إرادته ومشيئته، فقدرته وسعت كل شيء وشملت كل الوجود بلا استثناء إذن، فكيف يمكن أن تنسب أفعال البشر القبيحة إلى « الله » سبحانه ؟

هل يمكن أن نسند الظلم والأفعال القبيحة إلى الله ونعتبرها مرادة ومخلوقة له، وهو القائل :

٣٦٤

( قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) (١) .

والقائل :

( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٢) .

فهل من الصحيح أن نعتبره خالق المفاسد والمعاصي والرذائل ؟ وماذا يعني من كونه:( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ؟

أفليس يفيد قوله تعالى:( لا إِلَهَ إلّا هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ ) (٣) أنّ خالقيته تشمل كل ما في الوجود وكل ما يكون مصداقاً للشيء ؟

وبعبارة أُخرى: أفلا يستفاد من الآية التي تقول:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) كما في سورة السجدة الآية ٧، أنّ كل ما هو مخلوق لله فهو متصف بالحسن والجمال، وبعيد عن القبح بحيث يمكن أن يقال أنّ الخلق والحسن متلازمان في خلق الله لا ينفكان ولا ينفصلان ؟ فإذا كان الله خالق كل شيء، فكيف يمكن أن يوصف الظلم ـ مثلاً ـ بالحسن وهو كما نعلم من القبائح المسلمة ؟

على أنّ المشكلة لا تنحصر في مسألة الأفعال القبيحة التي يفعلها الناس بل تصدق على مسألة الآفات والبلايا والشرور، فكيف تصدر من الله هذه الحوادث المستقبحة التي تصيب البشر، وتشقيه ؟

ولنوضح الإشكال بصورة أكثر جلاء فنقول :

إنّ الإشكال يرد ـ على القائلين بأنّ( اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) على الإطلاق ـ

__________________

(١) الأعراف: ٢٨.

(٢) فصلت: ٤٦.

(٣) الأنعام: ١٠٢.

٣٦٥

في موردين :

١. الأعمال القبيحة التي تصدر من العباد، فكيف يمكن أن تكون مخلوقة لله ؟ وهذا هو ما دفع بعض أهل الكلام إلى أن ينسبوا كل أفكار البشر وأفعاله خيرها وشرها بنحو مطلق إلى البشر نفسه، وأن يقطعوا وينكروا أي ارتباط وصلة بين هذه الأفكار والأفعال وبين المقام الربوبي، وقد دفعهم إلى هذا الاعتقاد تصور أنّ اسناد أفعال البشر إلى الله يستلزم أن يكون الظلم مخلوقاً لله سبحانه.

٢. انّ هناك في عالم الكون أُموراً تدعى بالشرور والبلايا، فكيف يصح أن نعتبر الله الحكيم خالقاً لهذه الشرور والآفات ؟! وهذا هو ما تسبب في أن يظهر فريق باسم المجوس يعتقدون بخالقين للكون :

أ. خالق للخير يدعى يَزدان.

ب. خالق للشر يدعى أهريمن.

فكيف يواجه القرآن هذين الفريقين وهو يؤكد على وحدة الخالق، وما هو جوابه عليهما ؟

الجواب

أمّا الأفعال القبيحة فإنّ لها جانبين: وبتعبير آخر: انّ هذه الأفعال يمكن أن تطالع من جانبين :

١. الجانب الوجودي، الإثباتي.

٢. الجانب العدمي، السلبي.

فالفعل على وجه الإطلاق لا يكون قبيحاً إذا طالعناه من الجانب

٣٦٦

الوجودي ويكون قبيحاً إذا طالعناه من الجانب الثاني ( أي الجانب العدمي السلبي ).

خذ مثلاً: اللقاء الجنسي الذي يتم بين الرجل المرأة بصورة غير مشروعة، فإنّ مثل هذا اللقاء غير المشروع لا يختلف عن اللقاء المشروع في الجوانب الوجودية، فكلاهما سواء من حيث إنّ العملين نتيجة « الفعالية الجنسية » غايته انّ التفاوت بين هذين اللقاءين هو أنّ العمل الأوّل غير مأذون به من قبل الله أو السلطة التشريعية في حين أنّ العمل الثاني مأذون به من قبل الله أو موافق لرأي السلطة التشريعية.

وعلى هذا فإنّ عامل القبح في « الزنا » هو صفة « اللامشروعية » التي هي أمر عدمي وسلبي مائة بالمائة، والذي تتعلّق به القدرة إنّما هو الجانب الوجودي، للشيء وليس الجانب العدمي السلبي متعلّقاً بها، لأنّ الأُمور العدمية والجوانب السلبية أقل من أن تتعلّق بها القدرة الإلهية بل يستحيل تعلّق عملية الخلق بها.

وانّك ـ بالإمعان في هذا المثال ـ بإمكانك أن تتناول بالتحليل غير عمل الزنا من القبائح كالظلم والخدعة والخيانة والجناية، فالظلم ـ مثلاً ـ إنّما يكون قبيحاً، لأنّه يؤدي إلى ذهاب حق المظلوم ويوقف نمو المجتمع وتقدّمه، وهذا بما أنّه أمر عدمي ليس متعلّقاً للقدرة والإرادة الإلهية.

تحليل عن الشرور

إنّ السؤال السابق بعينه ينطرح بالنسبة إلى « الآفات والبلايا » كالزلازل والسيول وغيرها، وقد بحثه المسلمون في كتبهم الكلامية والفلسفية، ولكنّنا بغية إكمال هذا القسم نعمد إلى بحثه بصورة مختصرة.

٣٦٧

لو تناولنا بالتحقيق كل ما يسمّى شراً، لتبيّن لنا أنّ تلك الصفة ناشئة من كون الشيء مصحوباً بالعدم، فالمرض ـ على سبيل المثال ـ إنّما يكون شراً وغير مطلوب، لأنّ المريض ـ حال مرضه ـ يكون فاقداً للصحة والعافية، وهكذا بالنسبة إلى الأعمى والأصم، فحيث إنّ السمع والبصر من لوازم الحياة عند البشر لكونهما موجبين لكماله، لذلك يكون فقدانهما « شراً » وأمراً غير مطلوب، ولكن العمى أو الصمم ليس شيئاً وجودياً في الإنسان الأعمى والأصم، إنّما هو فقدان وصفي السمع والبصر وعدمهما ليس غير.

فما العمى أو الصمم ـ في الواقع ـ سوى حالة الفقدان والعدمية ؟

من ملاحظة هذه النقطة ومقارنة كل الأُمور والموارد المعدودة من الشرور مع المثال المذكور، يتبين أنّ الشر ملازم لنوع من العدم الذي لا يحتاج إلى موجد وفاعل، بل هو عين ذلك الفقدان، فكل البلايا والشرور والقبائح إنّما تكون إذن شروراً وأُموراً غير مطلوبة لكونها « فاقدة » لنوع من الوجود أو مستلزمة ومصحوبة بنوع من العدم.

وقس على ذلك الحيوانات المفترسة والضارة والآفات فكلّها إنّما تكون شراً لأنّها تجر إلى فقدان سلسلة من الأُمور والجهات الوجودية، لأنّ كل هذه الأشياء ( الحيوانات المفترسة والمضرة والآفات ) توجب الموت وفقدان الحياة أو فقدان عضو من الأعضاء، أو قوة من القوى، أو تتسبب في منع نمو القابليات والاستعدادات وتحوّلها إلى مرحلة الفعلية، فلو كانت هذه الشرور كالزلازل والآفات الحيوانية والنباتية لا تنطوي على مثل هذه النتائج لما عدت شروراً، ولما كانت أُموراً قبيحة غير مطلوبة.

٣٦٨

وعلى هذا فإنّ الموت والجهل والفقر إنّما تكون شروراً لكونها ترافق أنواعاً من العدم، فالعلم كمال وواقعية يفقدها الجاهل، والحياة حقيقة وكمال يفقدها الميت، والفقير هو ـ بالتالي ـ من يفقد المال الذي يعيش بسببه.

خلاصة القول

إنّه ليس في هذا الوجود إلّا نوع واحد من الموجودات، وهو ما يكون خيراً وجميلاً وحسناً.

أمّا الشرور فهي من نوع العدم، والعدم ليس مخلوقاً، بل هو من باب « عدم الخلق » وليس من باب « خلق العدم ».

ولهذا ( أي الوجود الخير فقط ) لا يمكن أن يقال أنّ للعالم خالقين: أحدهما خالق الخير، والآخر خالق الشر، إنّ مثل الوجود والعدم مثل الشمس والظل، فعندما نقيم في الشمس شاخصاً يحدث على الأرض ظل بسبب ذلك الشاخص الذي منع من وصول النور.

وما الظل في الحقيقة إلّا عدم النور، لأنّ الظل هو الظلمة، والظلمة ليست إلّا « عدم » النور، فلا يصح أن نتساءل ـ هنا ـ: ما هي حقيقة الظل ؟ إذ ليست للظل واقعية خارجية وحقيقة عينية تقابل حقيقة النور وجوهره، إنّما الظل هو: عدم النور ومعنى هذا أنّه ليس للظل أو الظلمة منبع ينبعان، ومنشأ ينشآن منه.

هذا ولصدور الآفات والشرور من جانب الله توجيهات أُخرى نذكرها فيما يأتي.

٣٦٩

جواب آخر حول الشرور

في التحليل ـ المذكور فيما سبق ـ بيّنا بوجه مبسوط أوّل الأجوبة التي يجيب بها العلماء على الثنويين، واتضح أنّ الشر أمر عدمي، والأمر العدمي الذي هو نوع من الفقدان لا يحتاج إلى خالق وفاعل وموجد، وفيما يلي نعمد إلى توضيح ثاني أجوبتهم.

الشر أمر نسبي

إنّ لفظة « الحقيقي » و « النسبي » من الألفاظ الرائجة في اصطلاح العلماء كما هي تستعمل في كثير من العلوم الإنسانية والتجريبية، وإليك توضيحها :

كل موجود نصفه بصفة أمّا أنّه موصوف بتلك الصفة في كل حال مع قطع النظر عن أي شيء وهذه ما نسمّيها ب‍ « الصفة الحقيقية »، مثلاً صفة الحياة ثابتة للموجود الحي على وجه الحقيقة، ولا حاجة إلى توصيفه بصفة الحياة إلى أي نوع من المقارنة والمقايسة ولأجل ذاك تكون الحياة بالنسبة للحي صفة حقيقية، ووصفه بالحياة توصيفاً حقيقياً وواقعياً.

فكون المتر يتألف من (١٠٠) سنتيمتر واقعية ثابتة للمتر في جميع الحالات، ولا حاجة لتوصيف المتر بهذه الكمية إلى أي نوع من المقايسة بشيء.

ويقابل الوصف الحقيقي « الوصف النسبي »، بمعنى أنّ الشيء ما لم يقس ويقارن بشيء آخر، وما لم يكن هناك موجود آخر لا يمكن توصيف الشيء بصفة.

فالصغر والكبر ـ مثلاً ـ من الأوصاف التي لا يمكن أن يوصف بهما شيء من الأشياء إلّا إذا كان هناك شيء ثان يقاس به هذا الشيء، حتى يمكن أن يقال

٣٧٠

في شأنه هذا « أصغر » وهذا « أكبر » أو هذا « صغير » وذاك « كبير »، فإنّ الصغر والكبر وصفان لا يصدقان على شيء إلّا بعد مقارنته بشيء آخر، فالكرة الأرضية ـ مثلاً ـ إنّما يمكن وصفها بالصغر والكبر ويقال الكرة الأرضية « صغيرة » أو « كبيرة » إذا ما قيست بكرة الشمس والقمر فحينئذ يصح قولنا: الكرة الأرضية أصغر من الشمس وأكبر من القمر، فالصغر والكبر ليسا وصفين حقيقيين بالنسبة إلى الأرض بحيث يدخلان في حقيقة الأرض وإلاّ لما أمكن وصفها بوصفين متضادين، بل هما وصفان نسبيان وحالتان للأرض يعرضان لها كلّما قيست إلى الكرتين « الشمس والقمر » ويمكن وصف الأرض بهما في تلك الحالة، وبذلك لا يكون هذان الوصفان حقيقيين.

من هذه المقارنة والبيان يمكن استنباط نتيجة فلسفية هامة، وهي: انّ « الصفات الحقيقية » على غرار موصوفاتها التي تتمتع بواقعية لا تنكر على صعيد الخارج، إنّما تحتاج إلى جاعل وخالق.

وأمّا الصفات النسبية حيث إنّ ـ ها ليست بذات واقعية خارجية، بل هي وليدة الذهن، ونتيجة أفكارنا لدى المقايسة لا تكون محتاجة إلى الخالق والموجد، إذ لا واقعية خارجية لها حتى تكون محتاجة إلى موجد.

إنّ حياة الخلية أو وصف المتر بكونه مائة سنتيمتر من الأُمور التي تتمتع بالواقعية الخارجية، فما لم يكن وراؤهما واقعية أُخرى ( ونعني الخالق )، لما تحقّقا على صعيد الخارج، ولما كان لهما حظ من الوجود خارج عالم الذهن حسب قانون العلية.

ولكن الصغر والكبر في المقابل بالنسبة إلى الأرض ليسا لهما واقعية خارج الذهن لكي يحتاجان إلى الخالق والموجد.

٣٧١

إنّ المحتاج إلى الموجد والخالق إنّما هو وجود نفس الكرة الأرضية، وأمّا صغرها وكبرها فهو وليد الذهن والفكر الذي ينشأ من مقارنة جسمين ببعضهما.

من هذا البيان يمكن معرفة حقيقة « الشرور والآفات » وأنّها من أي نوع من هذين النوعين من الصفات.

هل هي من الصفات الحقيقية ؟

أو هي من الصفات النسبية ؟

بمراجعة سريعة وتحقيق عاجل يمكن معرفة أنّ الشرور أُمور نسبية لا حقيقية بمعنى أنّ صفة الشر ليست جزءاً من ذوات وحقائق الأشياء الموصوفة بالشر، بل الشر حالة تنسب إلى شيء من الأشياء عندما يقاس إلى شيء آخر، فسم الحية والعقرب وغزارة المطر لا تكون شراً إذا ما قيست بنفس الأشياء، بل هي مبعث كمالها وموجب لبقائها واستمرار حياتها ووجودها، إنّما هي شر إذا ما قيست إلى الإنسان وتضرر البشر بها فالمطر الغزير مثلاً لا يكون شراً في حد ذاته بل عندما يقاس بشيء آخر اتصف حينئذ بهذا الوصف، فلو نزل المطر الغزير في فصل مناسب أحيا الزرع والنبات واخضرت بسببه المزارع والحدائق وكان خيراً، ولكنّه يكون شراً من جهة كونه موجباً لانهدام الأكواخ في الصحارى والبراري، وعلى هذا فإنّ الخير والشر لو كانا من الأوصاف الحقيقية وكان لهما حظ من الوجود لأمكن وصح حينئذ أن نسأل عن موجدها وخالقها ونقول: إنّ المبدأ الذي يتصف بالخير المطلق لا يمكن أن يكون خالق الشرور، ولذلك نضطر إلى افتراض خالق آخر ( غير خالق الخير ) يكون خالق الشرور وموجودها.

ولكنّ الحق أنّه ليس للشرور « واقعية خارجية » ليتعلّق بها جعل وخلق ،

٣٧٢

وعلى هذا فإنّ ما يكون له حظ من الوجود الخارجي كسم العقرب لا يكون مستغنياً عن الخالق، ولكن شرّية هذا السم ليست لها واقعية لتنضم إلى وجود السم فتكون رديفة للسم في عالم الوجود والكون، ولأجل هذا لا تحتاج شرّية السم إلى خالق، ويكون البحث عن خالقها لغواً لا معنى له، لأنّ الشر ـ بالمعنى الذي ذكرناه ـ ليس بذات واقعية خارجية كيما يفتقر إلى الفاعل.

وبعبارة أُخرى انّه ليس من الصحيح أن يقال أنّ الله بخلقه للعقرب خلق شيئين وفعل أمرين: خلق « ذات » العقرب مع شرها، بل فعل الله سبحانه شيئاً واحداً، وهو أنّه تعالى ألبس هذا الموجود لباس الوجود، وإنّما الإنسان هو الذي يصف هذا العقرب بالشرّية والقبح عندما يقيسه إلى شيء آخر.

من هنا يمكن إدراك حقيقة الجملة التي يرددها الفلاسفة عند بيان نسبة الشرور إلى الله إذ يقولون :

جميع الموجودات من حيث كونها تتحلّى بالوجود فهي مخلوقة لله بالذات، وأمّا من حيث اتصافها بالشرّية فليست موضع إرادته سبحانه بل هي ذات نسبة عرضية ومجازية إذا قيست إلى مبدأ الخلق(١) .

وهناك أجوبة أُخرى عن وجود الشر في صفحة الوجود نتركها رعاية للاختصار.

__________________

(١) هذا هو تفصيل قولهم: الشرور ليست مجعولة بالذات بل هي مجعولة بالتبع والعرض.

٣٧٣
٣٧٤

الفصل الثامن

الله والتوحيد الافعالي

٢. التوحيد في التدبير والربوبية

٣٧٥

التوحيد في التدبير والربوبية

١. وجود الشرك في التدبير بين الوثنيين.

٢. هل للرب معان مختلفة ؟

٣. نتيجة هذا البحث.

٤. القرآن لا يعترف بمدبّر سواه.

٥. التدبير لا ينفك عن الخلق والإيجاد.

٦. وحدة النظام دليل على وحدة المدبّر.

٧. النتيجة.

٨. ما معنى المدبّرات في القرآن ؟

٩. الجواب عن ذلك.

١٠. هل الحسنة والسيئة من الله ؟

١١. ما معنى الآية التي تنسب الحسنة إلى الله والسيئة إلى الإنسان ؟

١٢. التوفيق بين هذه الآيات.

٣٧٦

التوحيد في التدبير والربوبية

يستفاد ـ بجلاء ـ من التدبّر في الآيات القرآنية ومن مطالعة عقائد وثنيّي العرب المذكورة في كتب الملل والنحل أنّ مسألة « التوحيد في الخالقية » كانت موضع اتفاق وإجماع بينهم، وأنّ الانحراف إنّما كان في « التوحيد في التدبير » و « التوحيد في العبادة » وبعبارة أوضح كان الأغلب متفقين على أنّ لهذا العالم خالقاً واحداً لا غير.

وقد ذكرت هذه الحقيقة في الكتاب العزيز مكرراً، ونحن نذكر هنا طائفة من تلك الآيات :

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰوَاتِ والأرضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والقمر لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأنَّى يُؤْفَكُونَ ) (١) .

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰوَاتِ والأرضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٢) .

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰوَاتِ والأرضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٣) .

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰوَاتِ والأرضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ

__________________

(١) العنكبوت: ٦١.

(٢) لقمان: ٢٥.

(٣) الزمر: ٣٨.

٣٧٧

العَلِيمُ ) (١) .

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) (٢) .

أجل لقد كان الاعتقاد بوجود مبدأين « خالقين » لهذا العالم في عقيدة زرادشت، أحدهما يزدان والآخر أهريمن أمراً مشهوراً وإن كانت عقيدة زرادشت نفسه في هذه المسائل يكتنفها غموض كبير.

على أنّ عقيدة الزرادشتيين في هذه القضية ليست هي وحدها التي تحيط بها هالة من الإبهام والغموض بل عقيدة البراهمة والبوذيين والهندوس في قضية « وحدة الخالق » هي أيضاً غير واضحة.

وحيث إنّ البحث والتحقيق في عقائد تلك الطوائف خارج عن إطار بحثنا هذا لذلك نواصل بحثنا الأساسي.

* * *

من خلال مراجعة الآيات السالفة يتضح لنا أنّ وثنيّي جزيرة العرب الذين كانوا يعيشون قبل نزول القرآن أو بعده لم يكونوا يعانون من أي انحراف أو إشكال في مسألة « التوحيد في الخالقية » وإن لم يكن إدراكهم للتوحيد في الخالقية على غرار ما شرحه ووضّحه القرآن الكريم(٣) ، ولكنّهم كانوا يعتقدون ـ إجمالاً ـ بأنّه ليس للكون سوى خالق واحد هو موجد السماوات والأرض وخالقها، بيد أنّ بعضهم وليس جميعهم كان يشرك في قضية « التدبير لهذا العالم » أو كانوا يعتقدون

__________________

(١) الزخرف: ٩.

(٢) الزخرف: ٨٧.

(٣) لأنّ الشرك في التدبير الذي نسمّيه شركاً في الربوبية وكان رائجاً بينهم، يرجع إلى الشرك في الخالقية كما سيوافيك بيانه.

٣٧٨

بأنّ الله ـ بعد أن خلق الكون ـ فوّض تدبير بعض أُمور الكون إلى واحد أو أكثر من خيار خلقه واعتزل هو عن أمر التدبير.

هذه المخلوقات المفوض إليها أمر التدبير كانت في نظر معتقدي هذه النظرية عبارة عن « الملائكة » و « الجن » و « الكواكب » و « الأرواح المقدسة » و و التي كان كل واحد منها مدبّراً لجانب من جوانب الكون ـ على حد زعمهم ـ !!

ولأجل أن نقرن قولنا بالأدلة والبراهين نلفت نظر القارئ الكريم إلى أدلّة وجود مثل هذا الشرك في عصر نزول القرآن الكريم.

فبملاحظة هذه الأدلّة سيذعن القارئ بأنّ وجود « الشرك في المدبّرية » في عصر الرسالة وقبل ذلك لم يكن موضع ترديد وشك، وأنّ ما قد يتصوّر ـ أحياناً ـ بأنّ عرب الجاهلية أو من تقدّمهم من الأقوام السالفة كانوا يعتبرون الأصنام مجرد شفعاء عند الله لا أكثر ليس تصوراً ينطبق على كل الموارد في عالم الوثنية، بل هو ( أي الاعتقاد بمجرد شافعية الأصنام لا أكثر ) اعتقاد فريق من العرب الجاهليين ولم يكن اعتقاد جميعهم.

وجود الشرك في التدبير بين الوثنيّين

١. انّ أوضح برهان على أنّ بعض الفرق منهم كان يعتقد بتعدّد المدبّر هو قصة احتجاج إبراهيمعليه‌السلام مع عبدة الكواكب والنجوم.

فقد كانت هذه الفرق تعبد الشمس والقمر والكواكب بعنوان أنّها رب مدبّر وليس باعتقاد أنّها خالقة، إذ كانوا يتصوّرون أنّ هذه الأجرام هي المتصرفة في النظام السفلي من العالم، وأنّ أمر تدبير هذا الكون فوّض إليها فهي أرباب هذا

٣٧٩

العالم دون الله.

ولأجل هذا الاعتقاد نجد إبراهيمعليه‌السلام يبطل ربوبيتها عن طريق الإشارة إلى أُفولها وغروبها.

ولنفكر ـ هنا ـ ملياً في استدلال النبي العظيم إبراهيمعليه‌السلام لنرى أي أمر كان يقصد إثباته أو نفيه من خلال الاستدلال بأُفول هذه الكواكب والأجرام وغروبها.

فإذا كانت هذه الأجرام ـ حسب اعتقاد قوم إبراهيم ـ هي المدبّرة للموجودات الأرضية ومنها الإنسان فإنّ المدبّرية ـ بحكم أنّ نظام المدبّر يكون في اختيار المدبّر ـ تقتضي أن يعيش المدَبَّر في ظل إشراف المدَبِّر وعنايته، وينمو ويتربّى ويتقدم نحو الكمال.

هذا ويقتضي بقاء هذه الكواكب والأجرام على اتصال دائم بالعالم السفلي الذي يقع تحت تدبيرها ليمكن التدبير والتصرف.

بيد أنّ هذا الاتصال الدائم يتنافى مع الأُفول والغروب وما تتصف به هذه الأجرام والكواكب من غيبة وجهل، ولأجل هذا عد النبي إبراهيمعليه‌السلام الأُفول والغروب دليلاً واضحاً وقاطعاً على عدم كون هذه الأجرام، مدبّرة للموجودات الأرضية.

ولو كان هؤلاء يعبدون هذه الأجرام بعنوان أنّها أجرام مقدسة توجب عبادتها القربى إلى الله لما تكون غيبتها عن صفحة السماء في غير أوقات عبادتها دليلاً على بطلان نظريتهم، بل يكون حضورها ووجودها حين عبادة الناس لها كافياً لأن تصبح موضع عبادة، ولا يلزم وراء ذلك أن تكون حاضرة ـ في كل

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672