مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149955 / تحميل: 5731
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بن نصير، قال حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي الحسن العرني(1) عن غياث الهمداني عن بشير بن عمرو الهمداني قال مر بنا أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

___________________________________________________________

أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشى كثيرا، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال. وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما اياه معا، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصيررحمه‌الله .

فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الاولى.

قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه ابو عمرو الكشي(1) .

وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.

وقال الحسن بن داود في كتابه: محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم(2) .

وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة الى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة اليه، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالاضافة وفي الاسم بالنسبة اليه، كما ربما يدعى ويظهر من شرح النووي لصحيح مسلم.

قولهرحمه‌الله : عن أبى الحسن العرنى‌

ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضاعليه‌السلام ، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في باب من لم يسم عنه فقال: أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن‌

__________________

(1) الخلاصة: 73 ط الحجرى‌

(2) رجال ابن داود ص 338‌

٢١

___________________________________________________________

رجل من جعفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (1) .

ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضاعليه‌السلام مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني(2) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الالف نسبة الى قبيلة.

وفي القاموس: النوشجان قبيلة أو بلد(3) .

وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجيلة، وادّ بن طابخة بن الياس بن مضر أبو قبيلة أخرى.

والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة الى غزنة بالتحريك(4) .

قال في القاموس: بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة(5) .

وقال الفاضل البرجندي: فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.

__________________

(1) رجال الشيخ ص 341 وفيه الغرلى.

(2) رجال الشيخ ص 387‌

(3) القاموس: 1 / 209‌

(4) رجال الشيخ ص 393 وفيه البوشنجى.

(5) القاموس: 1 / 179‌

٢٢

اكتتبوا في هذه الشرطة فو الله لا غناء لمن بعدهم الا شرطة النار الا من عمل بمثل أعمالهم.

___________________________________________________________

وفي بعض نسخ الكتاب الغزلي(1) باللام بعد الزاء.

قولهعليه‌السلام : اكتتبوا‌

على الافتعال من الكتيبة، وفي نسخة اكتبوا من الكتب بمعنى الجمع، أي اجمعوا شتاتكم واجتمعوا في هذه الكتيبة، فو الله لا غنى بعدهم بالكسر مقصورا أو لا غناء بعدهم بالفتح ممدودا، أي لا مغني ولا مجزأ ولا معدي ولا منصرف عنهم ينصرف اليه ويقام فيه الاشرطة النار، كما قال عز من قائل( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) (2) اما من غني عنهم أي استغنى عنهم، أو من غني فيهم يغني أي أقام فيهم وعاش، كلاهما من باب رضي.

قال في الصحاح: غني به غنية، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا اي استغنت، وغني بالمكان أي أقام به، وغني أي عاش، واغنيت عنك مغني فلان ومغناة فلان ومغني فلان ومغناة فلان أي أجزأت عنك مجزأه، ويقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك(3) .

وفي القاموس: وما له عنه غنى ولا مغني ولا غنية ولا غنيان مضمومتين بد، وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ويضمن ناب عنه وأجزأ مجزأه، وما فيه غناء ذاك أي اقامته والاضطلاع به وكرضي أقام وعاش وبقي، والمغني المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا أو عام، وغنيت لك مني بالمودة بقيت(4) .

وفي طائفة من النسخ لا غناء لمن بعدهم.

__________________

(1) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(2) سورة يونس: 32‌

(3) الصحاح: 6 / 2449‌

(4) القاموس: 4 / 371 - 372‌

٢٣

10 - وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، انه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: أبشر يا ابن يحيى فانك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيهعليه‌السلام .

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : لعبد الله بن يحيى الحضرمى‌

كنيته أبو الرضا وهو من أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكره البرقي في كتاب الرجال(1) أعني أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ما في فهرست الشيخ وكتاب النجاشي، لا عمه الحسن بن خالد البرقي كما تو همه بعض المتوهمين.

وذكره الشيخرحمه‌الله في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام (2) .

والعلامة في الخلاصة ذكره في الاسماء في باب العين وروى هذا الحديث مزيدا فيه في السماء في قوله: والله سماكم في السماء شرطة الخميس(3) ، ثم في باب الكنى أورد جماعة من أوليائهعليه‌السلام منهم أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي(4) .

قولهعليه‌السلام : أبشر يا بن يحيى فانك‌

في أكثر النسخ فانت(5) وأبوك، وفي طائفة منها فانك واباك عطفا على مدخول أن وهو ضمير الخطاب، وفي بعضها فانك وأبوك عطفا على المحل لا على المدخول، كما في( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ ) (6) بالجزم للعطف على موضع الفاء وما بعده لا على مدخولها.

__________________

(1) رجال البرقى ص 3‌

(2) رجال الشيخ: 47 وفيه عبد الله بن بحر الحضرمى يكنى ابا الرضا‌

(3) الخلاصة: 51 ط الحجرى‌

(4) الخلاصة: 93‌

(5) كما في المطبوع منه‌

(6) سورة المنافقين: 10‌

٢٤

وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف.

11 - وذكر هشام، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان علي‌

___________________________________________________________

وأبشر بفتح الهمزة على القطع يقال بشره وأبشره وبشره فبشر وأبشر وتبشر واستبشر ثلاثة في المتعدي وأربعة في اللازم، وربما تضم الهمزة على الوصل.

قال في المغرب: بشره من باب طلب بمعنى بشره وهو متعد، وقد روي لازما الا انه غير معروف، وعلى هذا قوله أبشر فقد أتاك الغوث بضم الهمزة وانما الصحيح أبشر بقطع الهمزة.

قولهرحمه‌الله : وذكر أن شرطة الخميس‌

على ما لم يسم فاعله عطفا على وروي على صيغة المجهول، واللفظتان لأبي عمرو الكشي.

في القاموس في خ س: الخميس الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. وفي ش ط: والشرطة بالضم ما اشترطت، يقال: خذ شرطتك، وواحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروف، وهو شرطي وشرطي كتركي وجهني، سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها(1) .

وقد أدريناك أن قوله وشرطي كجهني خطأ والصواب شرطي بضمتين نسبة الى الشرطة(2) على لغة من يضم فيها الشين والراء جميعا.

والرواية معناها: أن شرطة الخميس في جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام الذين سماهم الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا ستة أو خمسة آلاف رجل.

قولهرحمه‌الله : عن أبى خالد الكابلى‌

أي الذي اسمه وردان ولقبه كنكر وهو أبو خالد الكابلي الاكبر.

__________________

(1) القاموس: 2 / 211 و 368‌

(2) وفي « ن »: الشرط‌

٢٥

ابن أبي طالبعليه‌السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه وعنده أصحابه وما كان منهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته، وحق معرفته امامته.

سلمان الفارسى‌

12 - أبو الحسن وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا محمد ابن عثمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال كان الناس أهل‌

___________________________________________________________

قال الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنه وعن أبي عبد اللهعليهما‌السلام والكبير اسمه كنكر(1) .

وقال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنهماعليهما‌السلام والاكبر كنكر(2) .

وقال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسينعليهما‌السلام : كنكر يكنى أبا خالد الكابلي وقيل ان اسمه وردان.

قلت: وما يقال ان الاكبر والاصغر يشتر كان في وردان وكنكر اسما ولقبا وهم من غير مستند.

قولهعليه‌السلام : وحق معرفته امامته‌

أي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير فصل بينهما صلى الله عليهما بأحد أصلا على حق اليقين.

قولهرحمه‌الله : أبو الحسن وأبو اسحاق‌

الطريق موثق بحنان بالمهملة المفتوحة ونونين من حاشيتي الالف وبالتخفيف وعالي الاسناد في الطبقة الاولى.(3)

__________________

(1) رجال الشيخ: 139‌

(2) رجال الشيخ: 328‌

(3) رجال الشيخ: 100‌

٢٦

ردة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير، قال: هؤلاء الذين دارت‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وأبو ذر الغفارى‌

بفتح المعجمة وتشديد الراء المعجمه وتخفيف الفاء.

قال في المغرب: أصل الغفر الستر، وغفار حي من العرب اليهم ينسب أبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري.

وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العامة والخاصة: ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر لهجة. وفي رواية: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجه أصدق ولا أوفى من أبي ذر(1) .

وفي طريق العامة من الصحاح في مصابيحهم ومشكاتهم أن أبا سفيان أتى على سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش(2) وسيدهم، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك اغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم فقال: يا اخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك.

قولهعليه‌السلام : ثم عرف الناس بعد يسير‌

أي تنبهوا وتعرفوا واستيقنوا الامر واتبعوا الحق ورجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد زمان يسير، وازاحوا عن صدورهم وساوس تشكيكات المشككين، وعن ذلك التعبير في كتب الرجال بالرجوع الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما يقولون مثلا أبو سعيد الخدري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(1) راجع الطرائف: 405 المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتعاليقنا عليه.

(2) وفي « س »: أتقولون هذا الشيخ قريشهم الخ‌

٢٧

عليهم الرحا

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا‌

فيه وجهان: الاول: أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.

الثاني: أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الإسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال. يقال: دارت رحى الامر اذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية(1) .

فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال: ان دوران الرحا اذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم، واذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.

فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث: دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين: احداهما مذمومة والاخرى محمودة: فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن از عاج الامر عن مناطه واز حافه عن قراره، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال: دارت رحا بني فلان اذا اتفقت لهم هذه الاحوال المحمودة، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه، وانما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال‌

__________________

(1) راجع التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى: ص 22. وهذه التعليقة قد صححناه وحققناه ولكن لم يطبع.

٢٨

وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام

___________________________________________________________

فيها وحركات الخيل تحتها(1) .

غير مستقيم على اطلاقه.

قولهعليه‌السلام : وأبوا أن يبايعوا‌

من الصحيح الثابت في الاخبار أن قيس بن سعد بن عبادة الصحابي الانصاري من خلّص أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن العشرة الذين نصروهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا ممن لم يرتد ولم ينزعج ولم يبايع.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : قيس بن سعد بن عبادة وهو ممن لم يبايع أبا بكر(2) .

وقال العلامة في الخلاصة: قيس بن سعد بن عبادة من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو مشكور لم يبايع أبا بكر(3) .

وسيجي‌ء في الكتاب ما رواه أبو عمرو الكشي: أن أنس بن مالك قال: كان قيس بن سعد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الامير، وما رواه في مصالحة أبي محمد الحسنعليه‌السلام ومعاوية لم يبايع قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس معاوية قال له معاوية: قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسينعليه‌السلام ينظر ما يأمره فقال: يا قيس انه امامي يعني الحسنعليه‌السلام .

وكان قيس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار باشبارهما، وقد كانا من جملة من كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم، وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا، وسعد لم يزل سيد في الجاهلية والإسلام، وأبوه وأجداده لم يزل فيهم الشريف‌

__________________

(1) المجازات النبوية: 156‌

(2) رجال الشيخ: 54‌

(3) الخلاصة: 136‌

٢٩

مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

___________________________________________________________

وكان قيس ابنه مثله بعده(1) .

ومن المتفق عليه أن سعد بن عبادة أيضا لم يبايع أبا بكر أبدا، فاذن حصر من لم يرتد ولم يبايع في ثلاثة أو في سبعة محمول على أنهم قصوى الغاية في الاستيقان والاستقامة والانكار على متقمص(2) الخلافة ولص الامامة.

قولهعليه‌السلام : مكرها فبايع‌

يعني أظهر البيعة كرها، أو أنه وقعت في البين شبهة البيعة فانه جي‌ء بهعليه‌السلام مكرها فكثر اللفظ واضجت الاقوال وارتفعت الاصوات فقال الناس: انه بايع لا أنه قد وقعت منهعليه‌السلام المبايعة، فان ذلك خلاف ما أطبق عليه المحدثون من العامة والخاصة، على ما بسطنا تحقيقه في كتاب نبراس الضياء وفي شرح تقدمة كتاب تقويم الايمان.

أليس قد اتفقت أصول أحاديث العامة فضلا من الخاصة على أنهعليه‌السلام كان يقول: أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم واني أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، وأنا أول من يحثو للخصومة بين يدي الله عز وجل(3) .

وانما رواية البيعة في صحيحهم البخاري على هذه الصورة باسناده: عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا، فغضبت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم‌

__________________

(1) راجع رجال الكشى: 110 ط جامعة مشهد‌

(2) وفي « ن »: متغمص‌

(3) روى نحوه العلامة المجلسى في البحار: 8 / 172‌

٣٠

أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) الاية.

___________________________________________________________

يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية ليحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، وقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي فقال: انا لن ننفس عليك خيرا ساقه الله عليك، ولكنك استبددت علينا بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فقال علي لا بي بكر: موعدك العشية للبيعة.

فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وتشهّد وتشهّد علي وقال: لا يحملني على التخلف عن البيعة نفاسة على أبي بكر ولا انكارا للذي فضّله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الامر حقا، فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون الى علي قريبا حين رجع الامر الى المعروف انتهى ما في صحيح البخاري(1) . فلينظر على جبلة الانصاف هل ذلك اذعان لا بي بكر بالامامة واتيان له بالبيعة أو اعلان بأن أبا بكر متغلب بالخلافة ومستبد بالحق على أهله.

وقوله سبحانه: انقلبتم على أعقابكم‌

أي ارتددتم عن دينكم ورجعتم القهقرى، كما فعل بنو اسرائيل بعد موت موسى على نبينا وعليه السلام.

__________________

(1) ورواه مسلم في صحيحه: 3 / 1380. وهنا تحقيقات ونكات حول هذه الرواية عن السيد بن طاوس في كتاب الطرائف ص 258 فراجع تغتنم.

٣١

13 - جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني، قال حدثني الحسن بن خرزاذ قال‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : جبريل بن احمد الفاريابى البرنانى‌

وربما يقال الفريابي. قال الفاضل البرجندي: فارياب بفاء بعدها ألف وسكون الراء المهملة ومثناة من تحت بعدها ألف ثم باء موحدة بلد صغير قريب بلخ بينهما اثنان وعشرون فرسخا.

وفي القاموس: فرياب كجريال بلد ببلخ أو هو فيرياب ككيمياء أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون(1) .

والبرناني بنونين من حاشيتي الالف نسبة الى البرني أو الى البرنية، وبياء مثناة من تحت قبل الف ثم النون على اختلاف النسخ نسبة الى قرية بمرو أو الى برين بن عبد الله الانصاري.

قال في القاموس: يبرين أو أبرين موضع بحذاء الاحساء، وأبرينة وتكسر قرية بمرو، وبرين بالضم ابن عبد الله أبو هند الداري الصحابي(2) .

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم: جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان(3) .

وأورده الحسن بن داود كذلك في قسم الممدوحين من كتابه(4) .

ومن ديدن الاصحاب أن المشيخة المذكورين في باب « لم » لا يعتبرون فيهم صريح التوثيق اليه، بل يكتفون فيهم بالمدح، واذا لم يكن في أحدهم مطعن وغميزة كان حديثه معدودا من الصحاح عندهم.

قولهرحمه‌الله : الحسن بن خرزاذ‌

يشترك في هذا الاسم رجلان قمي وكشي، ذكر الشيخ في كتاب الرجال‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 112‌

(2) القاموس: 4 / 201‌

(3) رجال الشيخ: 458‌

(4) رجال ابن داود: 80‌

٣٢

حدثني ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم‌

___________________________________________________________

أحدهما في أصحاب أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال: الحسن بن خرزاذ قمي(1) .

وربما يدعى أنه قد قيل فيه الرمي بالغلو ولست أعرف كذلك مستندا.

والاخر ذكره في باب لم: الحسن بن خرزاد من أهل كش(2) . وهو هذا الرجل.

قولهرحمه‌الله : ابن فضال‌

هو علي بن الحسن الفضال الفطحى الثقة الجليل القدر المختلط بأصحابنا جدا. والطريق به موثق.

قولهعليه‌السلام : ضاقت الارض بسبعة‌

أي عجزت عن كفاية أمرهم والتوسعة عليهم، مع أن نزول مطر الرحمة ومدد النصرة من السماء على أهل الارض بهم ولا جلهم، ومن جهة دعائهم للخلق ودعوتهم اياهم الى الحق، منهم هؤلاء الخمسة الذين هم أركان الاربعة على اختلاف القولين.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الجيم من أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الاركان الاربعة(3) .

وقال في باب السين: سلمان الفارسي مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكنى أبا عبد الله أول الاركان الاربعة(4) .

وقال في باب العين: عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 413‌

(2) رجال الشيخ: 463‌

(3) رجال الشيخ: 36‌

(4) المصدر: 43‌

٣٣

تنصرون وبهم تمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان عليعليه‌السلام يقول: وأنا امامهم، وهم الذين صلوا على فاطمةعليها‌السلام .

14 - محمد بن مسعود، قال حدثني علي بن الحسن بن فضال، قال حدثني العباس ابن عامر، وجعفر بن محمد بن حكيم، عن أبان بن عثمان، عن الحارث النصري بن المغيرة، قال سمعت عبد الملك بن أعين، يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام قال فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس اذا؟ قال: أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون. قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال، فقال: انها فتحت على الضلال أي والله‌

___________________________________________________________

وينسب الى عبس بن مالك وهو مذحج بن أدد رابع الاركان(1) .

وقال في باب الميم: المقداد بن الاسود الكندي وكان اسم أبيه عمرو البهرائي، وكان الاسود بن عبد اليغوث قد تبناه فنسب اليه يكنى أبا معبد ثاني الاركان الاربعة(2) .

ومنهم من جعل حذيفة بن اليمان الانصاري رابع الاركان مكان عمار، والشيخ رحمه الله تعالى قد نقل هذا القول في ترجمة حذيفة(3) واختاره العلامةرحمه‌الله في الخلاصة(4) والاشهر عند المتقدمين هو الاول.

قولهرحمه‌الله : عن الحارث النضري ابن المغيرة‌

باهمال الصاد بعد النون المفتوحة من بني نصر بن معاوية، بصري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسنعليهم‌السلام ، وروى عن زيد بن علي، وهو مستقيم ثقة ثقة.

وسيرد عليك في الكتاب ما رواه الكشي في مدحه وفي ذمه والتعويل على روايات المدح.

__________________

(1) المصدر: 46‌

(2) المصدر: 57 وفي النسخ « قد بيناه ».

(3) المصدر: 37‌

(4) الخلاصة: 60.

٣٤

هلكوا الا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ولكن الا ثلاثة‌

وفي نسخ عدة: هلكوا مكان ولكن.

قولهعليه‌السلام : ثم لحق أبو ساسان‌

أبو ساسان الانصاري اسمه الحصين بن المنذر.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حصين بن المنذر يكنى أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايتهعليه‌السلام (1) .

وفي طائفة من النسخ « أبو سنان » مكانه وهو الانصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال(2) وهو من الاصفياء من أصحابهعليه‌السلام .

و « أبو عمرة الانصاري » اسمه ثعلبة بن عمرو قاله الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة(3) وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (4) .

و « شتيرة » وفي بعض النسخ « شتير » من دون الهاء باعجام الشين المضمومة وفتح التاء المثناة من فوق واسكان الياء المثناة من تحت ثم الراء، على ما ضبطه ابن الاثير في جامع الاصول حيث.

قال في ترجمة شكل: هو شكل بن حميد العبسي من بني عبس بن بغيض روى عنه ابنه شتير بن شكل لم يرو عنه غيره وعداده في الكوفيين، شكل بفتح الشين وفتح الكاف واللام وشتير بضم المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان، وبغيض بفتح الباء الموحدة وكسر الغين وبالضاد المعجمتين.

__________________

(1) رجال الشيخ: 39‌

(2) المصدر: 63‌

(3) المصدر: 12‌

(4) المصدر: 63‌

٣٥

___________________________________________________________

وقال في القاموس: شتير كزبير ابن شكل وابن نهار تابعيان(1) .

وما قاله العلامة في الخلاصة: ومن خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام من مضر شبير بضم الشين المعجمة أو لا والباء المنقطة تحتها نقطة والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها والراء أخيرا ابن شكل العبسي بالباء المنقطة تحتها نقطة أبو عبد الرحمن(2) . ضبط من غير مأخوذ من أصل.

فاما مؤاخذة الحسن بن داود عليه بقوله: وبعض المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة. وهو وهم، وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين المجمعة(3) . فزور واختلاق.

والشيخ في باب الشين المعجمة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: شرحبيل وهبيرة وكريب وبريد وشمير ويقال شتير هؤلاء اخوة بني شريح قتلوا بصفين، كل واحد يأخذ الراية بعد الاخر حتى قتلوا(4) ، وقد نقله بالفاظه في الخلاصة(5) .

وأما « ستير » باهمال السين المضمومة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من الاصفياء، فقد ذكره البرقي(6) ولم يذكره الشيخ، وقد أورده في الخلاصة ناقلا عن البرقي(7) .

__________________

(1) القاموس: 2 / 55‌

(2) الخلاصة: 193‌

(3) رجال ابن داود: 183‌

(4) رجال الشيخ: 45 وفيه سمير مكان شمير.

(5) الخلاصة: 87‌

(6) رجال البرقى: 3 والموجود في المتن هو « شبير » ولكن قال في الهامش وفي نسخة « ستير ».

(7) الخلاصة: 192 قال ناقلا عن البرقى: ستير بضم السين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين والياء المنقطة تحتها نقطتين والراء.

٣٦

15 - حمدويه، قال حدثنا أيوب عن محمد بن الفضل وصفوان، عن أبي خالد القماط، عن حمران، قال: قلت لا بي جعفرعليه‌السلام ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! قال، فقال: الا اخبرك باعجب من ذلك؟ قال، فقلت: بلى. قال: المهاجرون والانصار ذهبوا ( وأشار بيده ) الا ثلاثة.

16 - علي بن محمد القتيبي النيسابوري، قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد قال حدثني أبو الحسين عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل، عن أبي حمزة، قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لما مروا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى، ثم قال: ليت السيوف‌

___________________________________________________________

و « عمار » منسوب الى مذحج - بفتح الميم واسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيرا - من قبائل الانصار، ذكره المطرزي في المغرب في ذ - ج وهو الصواب، والجوهري في الصحاح أخطأ فأورده في م - ج، وكأنه ظن الميم أصلية.

وبالجملة مذحج أكمة ولد بها أبو هذه القبيلة فسمى باسمها.

قال الفيروزآبادي في القاموس في ذ - ج: ومذحج كمجلس أكمة ولدت مالكا وطيبا أمهما عندها فسموا مذحجا، وذكر الجوهري اياه في الميم غلط وان أحاله على سيبويه(1) .

قولهرحمه‌الله : حدثنا أيوب‌

هو أبو الحسين أيوب بن نوح، والطريق صحيح وعالي الاسناد في الطبقة الثالثة.

قولهعليه‌السلام : في رقبته حبل آل زريق‌

الزرق باسكان الراء بين الزاء المفتوحة والقاف معروف.

قال في المغرب: وبتصغيره سمي من اضيف اليه بنو زريق وهم بطن من‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 190‌

٣٧

قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عز وجل، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

17 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفصل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ارتد الناس الا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد قال: فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصارى؟

18 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك الى عليعليه‌السلام فقالوا له: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك! فقال‌

___________________________________________________________

الانصار، اليهم ينسب أبو عياش الزرقي بضم الزاء وفتح الراء، وحبل آل زريق يتخذ مما ينبت من الارض كلحاء شجر القنب وغير ذلك وهو من أخشن الحبل وأغلظها.

قولهرحمه‌الله : محمد بن اسماعيل‌

هو الذي يروي عنه ابو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه أيضا في الكافي، وكثيرا ما يجعله صدر السند في الطبقة الاولى، كما يروي عنه أبو عمرو الكشي رحمه الله تعالى ويصدر به الاسناد يكنى أبا الحسين نيسابوري فاضل.

وهو وعلي بن محمد القتيبي النيسابوري تلميذا الفضل بن شاذان، وحديث كل منهما يعد صحيحا، كما استمر عليه هجير العلامة في المختلف والمنتهى وشيخنا الشهيد في الذكرى وشرح الارشاد.

ولقد أوضحت الحال وحققنا المقال في الرواشح السماوية(1) وفي المعلقات على الاستبصار(2) بما لا مزيد عليه.

__________________

(1) الرواشح السماوية: 70‌

(2) التعليقة على الاستبصار: 4. المطبوع في الاثنى عشر رسالة للمؤلف.

٣٨

عليعليه‌السلام : ان كنتم صادقين فاغدوا غدا عليّ محلقين فحلق عليعليه‌السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.

ثم انصرفوا فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلمّ يدك نبايعك فحلفوا فقال: ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت: فما كان فيهم عمار؟ فقال: لا. قلت: فعمار من أهل الردة؟ فقال: ان عمارا قد قاتل مع عليعليه‌السلام بعد.

19 - وروى جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك، عن النصيبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : يا سلمان اذهب الى فاطمةعليها‌السلام فقل لها تتحفك من تحف الجنة؟ فذهب اليها سلمان فاذا بين يديها ثلاث سلال، فقال لها يا بنت رسول الله أتحفيني؟ قالت: هذه ثلاث سلال جاءتنى بها ثلاث وصائف، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الاخرى: أنا ذرة لا بي ذر، وقالت الاخرى: أنا مقدودة للمقداد، ثم قبضت فناولتني، فما مررت بملاء الا ملئوا طيبا لريحها.

20 - محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال حدثني‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: عن النصيبى‌

هو محمد بن سلمة البناني، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام وقال: نزل نصيبين أصله كوفي أسند عنه(1) .

وليس في رجالنا من أهل نصيبين الا هذا الرجل يروي عنه عبد الله بن محمد بن نهيك وعبيد الله بن أحمد بن نهيك، وهما شيخان صدوقان ثقتان جليلا القدر.

وآل نهيك - بفتح النون وكسر الهاء - بيت من أصحابنا بالكوفة، ويرويان أيضا عن درست بن أبي منصور الواسطي.

__________________

(1) رجال الشيخ: 288‌

٣٩

علي بن سليمان بن داود الرازي، قال حدثنا علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: على بن سليمان بن داود الرازى‌

نسبة الى الري روى عنه سعد بن عبد الله، وكأنه كان رقي الاصل.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام وقال: علي بن سليمان بن داود الرقي(1) .

وفي بعض النسخ « الروياني » نسبة الى رويان - بضم الراء قبل الواو الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها - بلد من طبرستان.

قال الفاضل البرجندي: بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا.

وفي القاموس: محلة بالري وقرية بحلب وبلد بطبرستان ومنه الامام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل وغيره(2) .

وربما يظن أن الرجل هذا من بني أعين، وكان له اتصال بصاحب الامرعليه‌السلام وخرج(3) اليه توقيعات وكانت له منزلة في أصحابنا، وكان ورعا ثقة وفقيها لا يطعن عليه في شي‌ء.

ويقال: انه فاسد، فان الذي من بني أعين هو علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي، على ما في كتاب النجاشي وغيره مكتوبا بخط السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس. وتبعه العلامة في الخلاصة(4) .

والحسن بن داود حسبه وهما وزعم أن الصحيح أبو الحسن الزراري بالزاي‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 433‌

(2) القاموس: 4 / 230‌

(3) وفي « س »: وخرجت‌

(4) الخلاصة: 100‌

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

ولو كان إشفاء يعقوب مستنداً إلى الله سبحانه مباشرة بلا دخالة يوسف لما أمر إخوته أن يلقوا قميصه على وجه أبيهم، بل يكفي هناك دعاؤه من مكان بعيد، وليس هذا إلّا تصرّف لولي الله في الكون بإذنه سبحانه.

٢. موسىعليه‌السلام والسلطة على الكون

ونظير هذا نجده في أنبياء آخرين كموسىعليه‌السلام ، إذ قيل له:( اضْرِب بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ) (١) فلو لم يكن لضربه بالعصا عن إرادته، تأثير في تفجّر الماء من الصخر لما أمر به الله سبحانه.

وربما يتصور أنّ موسى يضرب بعصاه، ولكن الله هو الذي يفجّر الأنهار، فهذا لا يدل على سلطة غيبية لموسى، إذ غاية الأمر أنّ الله تعالى يفعل تفجير الأنهار عند ضربه، لكنه ضعيف يرجع إلى لغوية الأمر بالضرب بالعصا، فإنّ الضرب بالعصا ليس من قبيل الدعاء، حتى يقال إنّه سبحانه يجيب دعوته عند دعائه.

وعلى الجملة لا يمكن أن تنكر مشاركة ضربه بالعصا وإرادته ذاك العمل في تفجر العيون، وإن كان اذنه سبحانه ومشيئته فوقه، ولا تدل الآية على أزيد من هذا.

ومثله قوله سبحانه :

( فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ ) (٢) .

ودلالة هذه الآية على ما نرتئيه لا تقصر عن دلالة الآية السابقة.

__________________

(١) البقرة: ٦٠.

(٢) الشعراء: ٦٣.

٥٠١

٣. أصحاب سليمانعليه‌السلام والسلطة الغيبية

كما أنّ مثل هذه السلطة الغيبية لم تقتصر على من ذكرنا، بل يثبتها القرآن الكريم لأصحاب سليمان وحاشيته، فها هو أحد حاشيته يضمن لهعليه‌السلام احضار عرش ملكة سبأ قبل أن يقوم من مقامه، وقبل أن ينفض مجلسه، إذ قال سبحانه :

( قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ *قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ أَنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) (١) .

بل ويضمن له آخر من حواشيه أن يحضر العرش المذكور في أقل من طرفة عين، إذ قال :

( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ) (٢) .

ولم يتبيَّن ـ إلى الآن ـ ما المراد من هذا العلم الذي كان يحمله قائل هذا القول به:( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٣) .

وسواء أكان المراد من ذلك هو العلم بخواص الأشياء الغريبة وكيفية معالجتها واحضارها من مكان بعيد في أقل من طرفة عين، أم كان المراد منه غيره.

وعلى أيِّ تقدير فليس هذا العلم من سنخ العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب وتنال بالتعلّم، وهذا يكفي في عد عمله خارقاً للنواميس العادية والسنن الطبيعية المكشوفة الرائجة.

__________________

(١) النمل: ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) النمل: ٤٠.

(٣) ذكر المفسرون هناك أقوالاً واحتمالات فراجع الميزان: ١٥ / ٣٦٣.

٥٠٢

وربما يحتمل أنّه إذا كان عمله مستنداً إلى علمه بغرائب خواص الأشياء المستورة على الناس لا يخرج عن كونه عملاً طبيعياً، وإن كان يعد غريباً، ولعله كان له علم بغرائب الخواص، وفيه ـ مع أنّه احتمال غير مدعم بدليل ـ لا يخرج عمل العامل عن كونه قرين المعجزات وعديل الكرامات التي لا يقدر عليها إلّا أولياء الله سبحانه.

وقد احتمل بعض في باب المعجزات أن يكون عمل الآتي بها، مستنداً إلى علمه بالسنن الطبيعية التي لم يقف عليها أحد من الناس، فيتصرف في الطبيعة لإحاطته بتلك القوانين غير المعروفة، وليس هذا من العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب والتعلّم، وهذا يكفي في عدّه معجزة أو كرامة.

٤. سليمان والسلطة الكونية

ويصرح القرآن كذلك بسلطة خارقة لسليمانعليه‌السلام في سور مختلفة :

١. انّه كان لسليمان سلطة على الجن والطير حتى أصبحت من جنوده :

( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الّجِنِّ وَالأِنسِ وَالطَّيْرِ ) (١) .

٢. انّه وهب السلطة على عالم الحيوانات حتى أنّه كان يخاطبهم ويتهددهم ويطلب منهم تنفيذ أوامره :

( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَىٰ الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغائِبِينَ *لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَان مُبِينٍ ) (٢) .

٣. وانّه سُلِّط على الجن فكانوا يعملون بأمره وإرادته :

__________________

(١) النمل: ١٧.

(٢) النمل: ٢٠ ـ ٢١.

٥٠٣

( وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءَ ) (١) .

٤. وانّه سُلِّط على الريح أيما تسليط :

( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ ) (٢) .

وعلى أي تقدير فأية سلطة أعظم وأوضح من هذه السلطة على عالم التكوين التي كانت لسليمان، والجدير بالذكر أنّ بعض الآيات صرّحت بأنّ كل هذه الأُمور غير العادية كانت تتحقّق له بأمره.

٥. المسيحعليه‌السلام والسلطة الغيبية

ومثله ما صدر عن عيسى المسيحعليه‌السلام من تصرّف يكشف عن وجود سلطة خارقة للعادة، إذ كان يخلق من الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه فيكون طيراً يتحرك ويطير، أو يعالج ما استعصي من الأمراض والعلل دونما آلة أو دواء، كما يحدّثنا القرآن الكريم، حيث يقول :

( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ) (٣) .

والجدير بالذكر أنّ الله يصرح في آية أُخرى بأنّ هذه التصرفات كانت نتيجة فعل عيسى نفسه، الكاشف عن سلطته نفسه ( وإن كانت مستندة إلى الله مآلاً )، إذ يقول تعالى :

__________________

(١) سبأ: ١٢.

(٢) الأنبياء: ٨١.

(٣) آل عمران: ٤٩.

٥٠٤

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيْرِ بِإذْني فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوْتَىٰ بِإِذْنِي ) (١) .

ولما كان صدور هذه الآيات منه مستنداً إلى الله تعالى من غير أن يستقل عيسى بشيء منها كرر جملة « بإذن الله » في كل مورد، لكيلا يضل فيه الناس فيعتقدوا بالوهيته، لصدور تلك الآيات منه، ولأجل ذلك قيّد المسيح كلَّ آية يخبر بها عن نفسه كالخلق وإحياء الموتى ب‍( إِذن الله ) ثم ختم الكلام في آية أُخرى بقوله :

( إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (٢) .

وظاهر قوله:( إِنَّي أَخْلُقُ لَكُمْ ) صدور هذه الآيات منه في الخارج، ولم يكن الهدف منه مجرّد الاحتجاج والتحدّي، ولو كان المراد ذلك لكان حق الكلام تقييده بقوله: إن سألتم أو أردتم.

على أنّ ما يحكيه الله سبحانه عنه ويخاطبه به يوم القيامة، يدل على وقوع هذه الآيات أتم دلالة، حيث قال :

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيْر بِإِذْني فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوْتَىٰ ) .

وها هنا يبرز سؤال، وهو: إذا كان الإخبار عن الغيب آية من آياته المعجزة، فلماذا لم يقيّده ب‍ « إذن الله » كما قيد الآيات الأُخر بهذا القيد، مع أنّ الإتيان بكلِّ آية من آيات الرسل مقيّد بإذن الله سبحانه حيث يقول :

__________________

(١) المائدة: ١١٠.

(٢) آل عمران: ٥١.

٥٠٥

( وَمَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة إلّا بِإِذْنِ الله ) (١) ؟

والإجابة عن هذا السؤال واضحة: فإنّ الإخبار عن ما يأكله الناس ويدّخرونه في بيوتهم ليس كالخلق والإحياء وإبراء الأكمه والأبرص، فإنّ القلوب الساذجة تقبل وتتوهم الوهية خالق الطير ومحيي الموتى ومبرئ الأكمه والأبرص بأدنى وسوسة ومغالطة، بخلاف الوهية من يخبر عن المغيّبات فإنّها لا تذعن لاختصاص الغيب بالله سبحانه، بل تعتقده أمراً يناله كلّ مرتاض أو كاهن، ولأجل ذلك لم ير حاجة إلى تقييده ب‍ « إذن الله »(٢) .

سؤال آخر هو: انّ قوله سبحانه:( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ ) مشتمل على أُمور :

١. خلق هيئة الطير من الطين.

٢. النفخ في تلك الهيئة.

٣. صيرورتها طيراً بإذن الله.

وما هو فعل عيسىعليه‌السلام إنّما هو الأوّلان، والثالث خارج عن فعله، بل هو فعل الله بقرينة تقييد الثالث بإذن الله دون الأوّل والثاني، وعلى الجملة: للخلق معنيان :

أ. الإيجاد من العدم.

ب. التقدير.

والمتعيّن في المقام هو المعنى الثاني، والإيجاد من العدم إنّما يتصوّر فيما لم تكن

__________________

(١) غافر: ٧٨.

(٢) ـ الميزان: ٣ / ٢١٨.

٥٠٦

هنا مادة متحولة، والمفروض وجود « الطين » في المقام، وما صدر عن عيسى هو « التقدير »، أعني: تقدير الطين كهيئة الطير، وبقي الثالث وهو صيرورته طيراً حقيقياً، فهو فعل الله يتحقق بإذنه سبحانه، فلم يبق هنا فعل غير عادي يصح استناده إلى المسيحعليه‌السلام .

أمّا الجواب، فنقول :

أوّلاً: أنّا لا نسلم بأنّ قوله تعالى:( بِإِذْنِ اللهِ ) راجع إلى الأمر الثالث، بل من المحتمل جداً رجوعه إلى الأُمور الثلاثة، والشاهد عليه أنّه قيّد الأمر الأوّل من سورة المائدة بهذا القيد حيث قال سبحانه :

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْني فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ) (١) .

وعلى ذلك فلا يدل تقييد الأمر الثالث بإذن الله على أنّ الأمرين الأوّلين فعل عيسيعليه‌السلام والأمر الثالث فعل الله سبحانه، بل الكلّ فعلهعليه‌السلام من جهة، وفعل الله من جهة أُخرى.

وثانياً: لو سلمنا بذلك التكلّف في خلق الطير، فماذا يمكن أن يقال في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، التي هي من أفعال الله، كصيرورة الطين طيراً، فقد نسبه الله إلى نفسه، وقال:( وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ ) (٢) حتى أنّ الله سبحانه نسبها إلى المسيح وخاطبه بها وقال:( وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوْتَىٰ بِإِذْنِي ) (٣) .

__________________

(١) المائدة: ١١٠.

(٢) آل عمران: ٤٩.

(٣) المائدة: ١١٠.

٥٠٧

على أنّ الله يصف طائفة من ملائكته أيضاً بهذه السلطة فيقول عن جبرئيل بأنّه:( شَدِيدُ القُوَىٰ ) (١) .

أي قواه العلميّة كلّها شديدة فيعلم ويعمل(٢) وكيف لا يكون ذا قوة وقد اقتلع قرى قوم لوط فرفعها إلى السماء ثمّ قلّبها، ومن شدة قوته صيحته على قوم ثمود حتى هلكوا(٣) ولو كان المراد من شديد القوى هو جبرئيل، فقد وصفه الله في موضع آخر بقوله:( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرشِ مَكِينٍ ) (٤) ، ومن هذا هو شأنه فله السلطة الغيبية بإذنه سبحانه على الكون.

وهل هناك سلطة غيبية أظهر من هذه التي يثبتها القرآن الكريم لفريق من عباد الله وأوليائه، فإذا كان الاعتقاد بالسلطة الغيبية لأحد ملازماً للاعتقاد بالوهيته لزم أن يكون جميع هؤلاء: آلهة من وجهة نظر القرآن، بل لا بد من القول بأنّ تحصيل مثل هذه السلسلة الغيبية أمر ممكن لأشخاص آخرين ـ حتى غير الأنبياء ـ عن طريق العبادة.

فالعبادة التي يتصور أغلبية الناس أنّ آثارها تنحصر في جلب رضاء الله، ودفع غضبه فقط، تمنح الروح قدرة عظيمة، وبعداً أعمق من ذلك.

فالعبادة ذات تأثير جد عظيم في الباطن، والروح.

إذ الانتهاء عن المحرمات، والمكروهات، والتزام الواجبات والمستحبات، والإخلاص فيها ذات أثر عظيم، وعميق، في تقوية الروح، وتجهيزها بقدرة خاصة

__________________

(١) النجم: ٥.

(٢) مجمع البيان: ٥ / ١٧٣.

(٣) مفاتيح الغيب للرازي: ٧ / ٧٠٢.

(٤) التكوير: ٢٠.

٥٠٨

خارقة للقوانين والسنن بحيث تكون الروح منشأ لآثار خارقة للعادة.

وهذا هو ما أشارت إليه أحاديث صحاح منها: ما روي في الحديث القدسي عن قوله تعالى :

« ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وانّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها ».(١) .

فالحق: أنّ السلطة الغيبية التي أعطاها سبحانه لخيار عباده ليتصرفوا في الكون بإذنه ومشيئته، ويخرقوا قوانين الطبيعة في مجالات خاصّة لا تستلزم الاعتقاد بالإلوهية، ولا يكون صاحبها نداً وشريكاً لله تعالى.

نعم، الاعتقاد بالسلطة الغيبية « المستقلّة » من دون أن تكون مستندة إليه سبحانه هو الموجب للاعتقاد بالإلوهية، وقد قال سبحانه في هذا الصدد :

( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِي بِآيَةٍ إلّا بِإِذْنِ اللهِ ) .(٢) .

__________________

(١) أُصول الكافي: ١ / ٣٥٢. روى هذا الحديث بإسناد صحيح، وظهور الرواية في أنّ العبادة تخلق للنفس قدرة خارقة مما لا ينكر واحتمال أنّ المقصود منها أنّ فعل العبد يكون محفوفاً برضا الله سبحانه، وانّه لا يفعل ولا يترك إلّا ما فيه رضاه، احتمال مرجوح جداً، فإنّ الحركة على طبق رضاه طيلة الحياة، ليست أثر خصوص فعل الصلوات فرائضها ونوافلها، بل هي قبل كل شيء إثر الإيمان بالله وثوابه وعقابه، لا الإقبال على الفرائض والنوافل، ولو كان لهذه الأفعال تأثير في تلك الحركة فليكن للصوم والحج والجهاد، تأثير أيضاً فلماذا لم يذكرها.

فعلم أنّ للصلاة فريضتها ونافلتها، تأثيراً في تقوية النفس والروح ورفعها إلى حد يقدر معه الإنسان، على أن يكون مظهراً لله سبحانه في بصره وسمعه، وبطشه وتكلمه، فيبصر ببصره، ويسمع بسمعه، ما لا يبصر ولا يسمع بغيره.

(٢) الرعد: ٣٨.

٥٠٩

كلام آخر للمودودي

يصف المودودي عقائد الجاهليين، ويقول :

كانت عقيدتهم الحقيقية في شأن سائر الآلهة أنّ لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في إلوهية ذلك الإله الأعلى، وانّ كلمتهم تتلقّى بالقبول، وإنّه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم، ونستدر النفع، ونتجنب المضار باستشفاعهم.(١) .

ويرد عليه أنّ ما صور به عقيدة الجاهلية في شأن سائر الآلهة « بأنّ لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في إلوهية الإله الأعلى » يحتاج إلى التوضيح، فإنّ تدخل الغير في شؤونه سبحانه على قسمين :

الأوّل: بصورة كونهم مستقلين في أفعالهم وأعمالهم، وهذا يوجب الشرك، وكون المتدخل إلهاً، والتوجّه إليه عبادة.

الثاني: التدخل والنفوذ بإذنه سبحانه، وأمره، فلا نسلم بطلانه، وليس الاعتقاد به شركاً، والطلب عبادة، كيف والقرآن يصرّح بأنّ الملائكة تدبّر الأُمور الكونية، إذ يقول:( فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) .(٢) .

وانّهم هم الذين يقبضون الأرواح ويهلكون الأُمم العاصية، إذ يقول عن لسان الملائكة :

( إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ *فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا ) .(٣) .

__________________

(١) المصطلحات الأربعة: ١٩.

(٢) النازعات: ٦.

(٣) هود: ٧٠ و ٨٢.

٥١٠

فإنّنا نلاحظ ـ بجلاء ـ أنّ الله هو الجاعل، ولكن المباشر للإهلاك هم: الملائكة، إذن فلا مناص من تبديل كلمة التدخل والنفوذ في كلامه بكلمة « التفويض » وغيرها ممّا ينطوي على التصرّف في معزل عن أمر الله وإذنه وإرادته.

وأمّا ما نقل عنهم من أنّهم كانوا يعتقدون في حق آلهتهم « بأنّه يمكن أن تتحقق أمانيهم بواسطتها، ويستدر النفع، ويتجنب المضار باستشفاعهم » لا يخلو من قصور.(١) .

فإن أراد أنّ النفع الأُخروي والتجنب عن الضرر الأُخروي لا يجوز سؤاله من غير الله سبحانه، ويكون عند ذاك مثل الوثنيين الجاهليين فقد صرح القرآن بخلافه، إذ لا شك أنّ دعاء الرسول لمؤدّي الزكاة موجب للسكن لهم، ورافع للاضطراب عنهم، إذ قال سبحانه :

( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ) .(٢) .

كما أنّ استغفار الرسول موجب لغفران الذنوب، لقوله سبحانه :

( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) .(٣) .

__________________

(١) أضف إلى ذلك: أنّ العربي الجاهلي وإن كان يتجنب المضار باستشفاعهم، إلّا أنّ عملهم هذا كان مبنياً على القول بالوهيتهم، ولأجل ذلك عد عملهم شركاً، وكم فرق بين طلب دفع المضار بالاستشفاع بما أنّ الشفيع عبد مكرم يشفع بإذنه سبحانه، أو أنّه إله يعبد ويستقل في فعله وعلى ذلك لا فرق بين الضرر الدنيوي والأُخروي، في جوازه على الأوّل، وعدمه على الثاني مطلقاً وكان على الأُستاذ تركيز البحث على اعتقاد السائل في حق من يطلب منه جلب النفع ودفع الضرر في أنّه هل يعتقد بالوهية المسؤول واستقلاله في الجلب والدفع أو يعتقد بعبوديته وانّه لا يجلب ولا يدفع إلّا بإذنه ؟ يجب أن يركز على هذا لا على الفرق بين الضرر الدنيوي والأُخروي.

(٢) التوبة: ١٠٣.

(٣) النساء: ٦٤.

٥١١

كما كان دعاء يعقوب موجباً لغفران ذنوب أبنائه لقولهم:( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) (١) ، فأجابهم يعقوبعليه‌السلام إذ قال:( سَوْفَ اسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) (٢) .

وهو كاشف عن جدوى استغفاره، إذ لولا ذلك لما وعدهم به، وعندئذ يجوز أن يطلب من الرسول الدعاء والاستغفار وهو طلب النفع الأُخروي.

وأي نفع ـ ترى ـ أولى من النفع الأُخروي، وأي دفع ضرر أهم من دفع عذاب الله بدعاء النبي ؟ ولو طلب أحد من الرسول دعاءه واستغفاره لجلب هذا النفع لا يكون مشركاً ولا عابداً للنبي.

فهل ـ بعد هذه النماذج الواضحة ـ يتصور أن يكون الاعتقاد بتأثير النبي والولي في دفع الضرر وجلب النفع الأُخرويين وطلبهما منه موجباً للشرك، والقرآن يصرح به بأعلى صوته وعلى رؤوس الأشهاد.

وإن أراد من النفع والضرر ـ في كلامه ـ النفع والضرر الدنيويين وإنّ طلبهما موجب للشرك، فقد اعترف القرآن بوقوعه فضلاً عن إمكانه أيضاً.

فقوم موسىعليه‌السلام استسقوه وهم في التيه فطلبوا منه النفع الدنيوي، فلم يردعهم موسىعليه‌السلام ، بل استسقى لهم من الله وسقاهم في المآل.

ويشير القرآن الكريم إلى هذا إذ يقول :

( وَإِذْ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ) (٣) .

كما أنّهم طلبوا منه إنزال النعم السماوية، فلم يزجرهم عن هذا الطلب، بل

__________________

(١) يوسف: ٩٧.

(٢) يوسف: ٩٨.

(٣) البقرة: ٦٠.

٥١٢

دعا لهم.

وقد طلب آل فرعون منه أن يرفع عنهم الرجز ( أي العذاب الدنيوي المذكور قبل الآية ) وقالوا :

( ولـمّاوَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَىٰ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدََكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسْرَائِيلَ ) (١) .

فكل ذلك يدل على أنّ استدرار النفع وطلب دفع الضرر الدنيوي من الغير بإذن الله جائز هو أيضاً، إذ لولا ذلك لكان على النبي أن يردعهم ويزجرهم في كل هذه الموارد، وللزم أن يلفت نظرهم إلى الله، ليسألوه تعالى هو مباشرة لا أن يسألوه ويطلبوا منه ذلك، وهو خلق من خلق الله، وعبد من عبيده.

ولا شك أنّ لموسى مشاركة في جلب النفع الدنيوي وكذا في دفع الضرر أيضاً.

فيجب على الأُستاذ أن يقيد كلامه في منع استدرار النفع ودفع الضرر بقولنا: بالاستقلال ونحوه، بحيث يكون المسؤول مستقلاً في ذلك.

وصفوة القول هي أنّ الحل في هذه المسألة هو أن نفرّق بين السلطة المستندة إلى إرادة الله وإذنه ومشيئته، والسلطة المستقلة ولا نخلط بينهما.

تكملة

إنّ النظريات في صدور المعجزات عن عباد الله الصالحين لا تخرج عن أربع نظريات :

__________________

(١) الأعراف: ١٣٤.

٥١٣

الأُولى: ما عليه الغلاة والمفوّضة من كونهم مستقلين في الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة.

الثانية: انّ الله يوجد تلك الأُمور مقارناً لإرادتهم، وقد مرت النظريتان عند البحث عن التفويض فراجع ص ٤٧٧.

الثالثة: ما استظهرنا من الآيات من أنّ الفعل مستند إليهم: بإذن الله سبحانه وأقداره.

الرابعة: النظرية التسخيرية التي وردت فيها روايات غير ما أشرنا إليه، ولا تعارض بين الثلاث الأخيرة، فهي غير مانعة الجمع كما لا يخفى.

والنظرية الأخيرة مبنية على سريان الشعور والإدراك في جميع الموجودات، وقد أوضحنا برهانه في الفصل الثالث.

وعليه فما في الكون يأتمر بأمر النبي إذا أمر بشيء، وينقاد لطلبه ويؤيده قوله سبحانه:( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) (١) .

__________________

(١) ص: ٣٦.

٥١٤

٧

هل التوسل بالأسباب شرك ؟

ذهب المتصوّفة والدراويش في وصف أقطابهم وشيوخ طرقهم إلى حد الشرك، كما هو ظاهر، وبذلك هدموا حدود التوحيد والشرك وتجاوزوا معاييرهما، ويبدو هذا الأمر ـ بجلاء ـ من الأبيات التي مجّد بها القوم مشايخهم حيث تفوح من أكثرها رائحة الشرك الجلي فضلاً عن الخفي، تلك الأبيات التي لا تنسجم مع أُسس التوحيد القرآني بحال، وإن كان بعضهم يحاول أن يجد لتلك الأبيات والكلمات محامل بمنأى عن الشرك، ولكن الحق هو أنّ الموحد لا ينبغي له، بل ولا يجوز، أن يجري على لسانه كلاماً غير منسجم مع التوحيد الإسلامي القرآني الجلي الملامح، الواضح الطريق.

ولقد كانت نظرة هذه الفرقة إلى مفهوم الشرك نظرة خاصة وشاذة جداً بحيث راحت تعد الكثير من أنواع الشرك القطعي بأنّه عين التوحيد !! وبذلك ضيقوا دائرة الشرك أيّما تضييق !!

في مقابل هذه الفرقة ـ تماماً ـ وقف الوهابيون، فهم توسّعوا في فهم حقيقة الشرك وإطلاقه، توسّعاً يكاد يشمل كل حركة وسكون وكل تصرف يصدر من أهل التوحيد تجاه أولياء الله بهدف الاحترام والتكريم حيث اعتبره الوهابيون عين

٥١٥

الشرك، والحيدة عن جادة التوحيد !! وسمّوا فاعله مشركاً، حتى أنّه اتفق لي أن التقيت ذات يوم بواحد من « هيئة الأمر بالمعروف » في المسجد الحرام، فاتفق أن صدر مني تكريم بانحناء رأسي ـ أثناء ذلك اللقاء ـ وإذا بذلك الشخص يقول ـ في جدية وانزعاج ـ :

لا تفعل هذا انّه شرك محرّم لا تحني رأسك أنّه شرك !!

والحق أنّه لو كان معنى الشرك والتوحيد هو كما يراه الوهابيون ويقولون به، إذن لما أمكن أن نمنح لأي أحد تحت هذه السماء وفوق هذه الأرض هوية الموحّد ولما استحق أحد أن تطلق عليه تلك الصفة أبداً.

لقد نقل لي صديق ثقة أنّ إمام المسجد النبوي وخطيبه: الشيخ عبد العزيز كان يقول في تحديد الشرك :

« إنّ كل تعلّق بغير الله شرك » !

أقول: لو كان معنى الشرك هو هذا الذي يقوله إذن لابد أن نعتبر كل البشر على هذه الأرض مشركين، بلا استثناء، حتى الوهابيين أنفسهم، لأنّهم يتوصلون إلى تحقيق مآربهم وتنفيذ حاجاتهم عن طريق التعلّق والتوسل بالأسباب مع أنّه لا يمكن أن يقال أنّ الأسباب والعلل هي الله، بل هي غير الله، فينتج عن هذا أن يكون تعلّقهم بالأسباب وتوسّلهم بالعلل توسّلاً بغير الله، وتعلّقاً بسواه.

في حين أنّ هذا النوع من التعلّقات والتشبثات ليست فقط لا تعد شركاً، بل هي عين التوحيد وصميمه، لأنّ حياة الإنسان في هذه الدنيا مشدودة إلى الأسباب والعلل.

غاية الأمر أنّ عليه أن لا يعتقد لهذه الأسباب والعلل أي استقلال وانقطاع

٥١٦

عن الإرادة الإلهية العليا، بل لابد أن يعتقد بتأثيرها تبعاً لمشيئته سبحانه، نعم انّ التعلّق بالأسباب والعلل الظاهرية المادية قد يكون عين التوحيد من جهة، وعين الشرك من جهة أُخرى، فعندما لا نعتقد بأي استقلال لهذه الأسباب ـ عند تشبثنا بها ـ ولا نعتبر تأثيرها في مصاف الإرادة الإلهية وفي عرضها، بل نعتقد بأنّها تقع في ضمن السلسلة التي تنتهي ـ بالمآل ـ إلى الله، فلا نخرج عن إطار التوحيد.

وليس في الفكر التوحيدي من مناص إلّا الاعتقاد بمثل هذا الأمر وعلى هذا النمط.

أمّا عندما نرى لهذه الأسباب والعلل استقلالاً، ونعتقد بإمكان تأثيرها بمعزل عن الإرادة الإلهية، لا بنحو التبعية ففي هذه الصورة سنكون معتقدين بخالقين، ومؤثرين !!

إنّ على الموحّد أن يحافظ على الاعتقاد بوجود قانون ( العلية والسببية ) الحاكم في الظواهر الطبيعية، وإنّ هذه الأسباب والعلل لا تملك استقلالاً في تأثيرها مطلقاً بل هي مفتقرة إلى الله في تأثيرها كما في وجودها وبقائها.

إنّ الموحّد رغم أنّه يعرف هذه الحياة ويتعامل معها على أساس أنّها خاضعة لنظام العلية، إلّا أنّه ينظر إلى هذه العلل على أساس أنّ وجودها وبقاءها وتأثيرها من الله.

فالسبب الأوّل هو الله سبحانه، وأمّا الأسباب الأُخرى فهي مخلوقة له خاضعة لإرادته واقعة في طول مشيئته لا في عرضها.

إنّ الفارق الأساسي بين الموحّد والمادي يكمن في هذا الأمر.

فالثاني يعتقد ب‍ « أصالة العلل المادية واستقلالها في التأثير » في حين يسندها

٥١٧

الموحد إلى الله خالق كل شيء، مع أنّه يعترف بقانون العلية الحاكم في هذا الكون.

شهادة القرآن الكريم

إنّ قضية استقلال وعدم استقلال العلل الطبيعية المادية هو الفاصل بين التوحيد والشرك، وبه يعرف الموحّد عن المشرك ـ بوضوح ـ وإلى هذه الحقيقة أشار القرآن الكريم في آيات عديدة، فهناك فريق من الناس عندما يواجهون المشاكل المستعصية وتنسد في وجوهههم جميع الأبواب والسبل ويقابلون المهالك وجهاً لوجه، يتوجهون إلى الله ويلوذون به ولا يرون سواه ملجأً ومخلصاً فإذا ما نجوا عادوا إلى شركهم مرة أُخرى، وهذه حالة فريق من الناس، وإلى هذه الحالة تشير طائفة من آيات القرآن، وها نحن نذكر فيما يلي بعضها على أنّ المهم لنا هو أن نعرف ما هو المقصود بالشرك المذكور في هذه الآيات ؟

وإليك فيما يلي نص الآيات :

( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) (١) .

( فَإِذا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَىٰ البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (٢) .

( قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُون ) (٣) .

__________________

(١) الروم: ٣٣.

(٢) العنكبوت: ٦٥.

(٣) الأنعام: ٦٤.

٥١٨

( ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) (١) .

هذه بعض الآيات في هذا المجال، والواجب هو الإمعان في عبارة « إذا هم يشركون ».

إنّ المقصود من الشرك ـ في هذه الآيات ـ ليس فقط أنّ هؤلاء إذا وصلوا إلى البر أو نجوا عكفوا على عبادة الأوثان، بل المراد ما هو أوسع من ذلك، فإنّهم إذا نجوا عادوا إلى نسيان الحالة السابقة، والتجأوا إلى الأسباب المادية متصوّرين أنّها أسباب مستقلة تمدّهم في إدامة الحياة من دون استمداد من الله سبحانه وناظرين إليها بعين العلل المستقلة غير المعتمدة على الله، ولا شك أنّ النظر إلى الأسباب العادية من نافذة الاستقلال هو أيضاً شرك يجب الاجتناب عنه، وهي نقطة الافتراق بين المدرسية الإلهية والمدرسة المادية، ولو طالعت هذه الآيات المتعلّقة بالشرك والتوحيد بروح علمية، لوجدت كيف أنّ القرآن الكريم يصر على أنّه ليست في عالم الوجود قدرة في مصاف القدرة الإلهية، ولا إرادة في عرض تلك الإرادة.

ويرشدك إلى هذا أنّ القرآن يعتقد بأنّه سبحانه هو الهادي في ظلمات البر والبحر، وهو مرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته ومنزل الغيث، ويقول :

( أَمن يَهْدِيِكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَىٰ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ءَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَىٰ اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٢) .

مع أنّ البشر كان ولا يزال يستفيد من الأسباب والوسائل الطبيعية كالنجوم والبوصلات ويهتدي بها وبغيرها من الأدوات التكنولوجية في أسفاره البرية

__________________

(١) النحل: ٥٤.

(٢) النمل: ٦٣.

٥١٩

والبحرية، وليس هذا إلّا لأجل أنّ سببية الأسباب بتسبيب من الله سبحانه.

كما أنّ الرياح والأمطار في هذه الطبيعة ينشآن نتيجة سلسلة طويلة من تفاعل العلل الطبيعية التي تتسبب في وجود ظاهرة الرياح، أو الأمطار، ولكن القرآن مع ذلك يقول :

( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) (١) .

( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوْا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ) (٢) .

وليس ذلك إلّا لأنّ الله وراء تلك الأسباب، وهي تفعل بأمره واقداره.

وبكلام آخر أنّ هذه العلل والأسباب حيث إنّها غير مستقلة، لا في وجودها ولا في تأثيرها، بل هي مخلوقة بأسرها وبتمام وجودها، وتأثيرها لله، لذا يصرح القرآن الكريم بأنّه سبحانه الهادي في ظلمات البر والبحر ومرسل الرياح ومنزل الغيث من بعد ما قنطوا.

وهذه الحقيقة ـ بعينها ـ مبينة بوضوح تام في آيات سورة الواقعة.

إنّ هذا لا يعني أنّ القرآن الكريم يتنكر للعلل والأسباب الطبيعية، وينكر وجودها ومشاركتها، ويلغي دورها، بل حيث إنّ هذه العلل والأسباب لا تملك من لدن نفسها استقلالاً وتقوم بالله سبحانه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الإسمي بحيث لو قطعت عنها عنايته تعالى آناً ما، انهارت وتهافتت جملة واحدة، وانقلب عالم الوجود مع كل وضوحه إلى ظلام وعدم، لذلك تفنن في تفسير الظواهر الطبيعية تارة بنسبتها إلى الله سبحانه وأُخرى إلى سائر العلل وثالثة إليهما معاً، قال:( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَىٰ ) (٣) .(٤)

__________________

(١) الأعراف: ٥٧.

(٢) الشورى: ٢٨.

(٣) الأنفال: ١٧.

(٤) ولقد بحثنا حول تلك الآيات في صفحة ٤٠٥.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672